منتديات ورقلة لكل الجزائريين والعرب
السلام عليكم ورحمة الله وبركـاتـه

أهلا وسهلا في منتديات ورقلة لكل الجزائريين والعرب نحن سعداء جدا في منتداك بأن تكون واحداً من أسرتنا و نتمنى لك الأستمرار و الاستمتاع بالإقامة معنا و تفيدنا وتستفيد منا ونأمل منك التواصل معنا بإستمرار في منتديات ورقلة لكل الجزائريين والعرب و شكرا.

تحياتي

ادارة المنتدي

https://ouargla30.ahlamontada.com/
منتديات ورقلة لكل الجزائريين والعرب
السلام عليكم ورحمة الله وبركـاتـه

أهلا وسهلا في منتديات ورقلة لكل الجزائريين والعرب نحن سعداء جدا في منتداك بأن تكون واحداً من أسرتنا و نتمنى لك الأستمرار و الاستمتاع بالإقامة معنا و تفيدنا وتستفيد منا ونأمل منك التواصل معنا بإستمرار في منتديات ورقلة لكل الجزائريين والعرب و شكرا.

تحياتي

ادارة المنتدي

https://ouargla30.ahlamontada.com/


منتدى علمي ثقافي تربوي ديني رياضي ترفيهي
 
الرئيسيةالبوابة*الأحداثالمنشوراتأحدث الصورالتسجيلدخول


هذه الرسالة تفيد أنك غير مسجل .

و يسعدنا كثيرا انضمامك لنا ...

للتسجيل اضغط هـنـا

أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم، اذا كانت هذه زيارتك الأولى للمنتدى ، فيرجى التكرم بزيارةصفحة التعليمـات، بالضغط هنا .كما يشرفنا أن تقوم بالتسجيل بالضغط هنا إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى، أما إذا رغبت بقراءة المواضيعو الإطلاع فتفضل بزيارة المواضيع التي ترغب .

قصة الخلق من العرش إلى الفرش story of Creation By Eid Wardany

حفظ البيانات؟
الرئيسية
التسجيل
فقدت كلمة المرور
البحث فى المنتدى

منتديات ورقلة لكل الجزائريين والعرب :: °ღ°╣●╠°ღ°.. المنتديات الإسلامية ..°ღ°╣●╠°ღ° :: القسم الاسلامي العام

شاطر
قصة الخلق من العرش إلى الفرش  story of Creation By Eid Wardany Emptyالجمعة 25 يناير - 22:19
المشاركة رقم: #
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
عضو الجوهرة
الرتبه:
عضو الجوهرة
الصورة الرمزية


البيانات
عدد المساهمات : 17945
تاريخ التسجيل : 17/10/2012
رابطة موقعك : ورقلة
التوقيت

الإتصالات
الحالة:
وسائل الإتصال:


مُساهمةموضوع: قصة الخلق من العرش إلى الفرش story of Creation By Eid Wardany



قصة الخلق من العرش إلى الفرش story of Creation By Eid Wardany

قصة الخلق من العرش إلى الفرش

عيد ورداني

story of Creation

By Eid Wardany


***

حقوق الطبع محفوظة
رقم الايداع
14955/2000
الترقيم الدولى
ISBN : 977-5893-01-0
الطبعه التاسعة
الحكمه للنشر والتوزيع
102 ش. البيطاش الرئيسى العجمى إســـكندرية
الموزع : 0120654774


*********



بسم الله الرحمن الرحيم
]قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ [(القصص:17)






]إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمـــــوَاتِ وَالأرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنْ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأرْضِ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ [ .

(البقرة:164)














قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

لا تزال طائفة من أمتي..

على الحـق ظاهرين

لا يضـرهم من خذلهم

ولا من خالفهم

حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك.

(رواه أحمد في مسنده)















ســــلام وتـحيـة





إلى رجـال الإسلام وعلمائه

قـبل عصر النهضة الـذين ذادوا عن الدين ،

أوصلوه إلينا صافيا من أي شائبة

ولم يتركوا كبيرة ولا صغيرة

إلا حملوها لنا وأخبرونا بها

مؤيدة بالكتاب والسنة.















إهــداء


إلى طائفة الظاهرين على الحق..
المستمسكين بآيات الله وسنة رسوله..
السائرين على درب الصحابة والتابعين..
الرافضين لكل علوم القرن العشرين المخالفة لأصول الدين..
إليكم أهدى كلماتي..
فمـدوا أيديــكم هذه يدي وارفـعوا أصواتكم هذا صوتي..
وانطـقوا بكلمة الحــق.








أدخل عنوان بريدك الإلكتروني هنا يصــــلك كل جديــــد





بلغ الادارة عن محتوى مخالف من هنا ابلغون على الروابط التي لا تعمل من هنا



توقيع : manel


التوقيع



قصة الخلق من العرش إلى الفرش  story of Creation By Eid Wardany Emptyالجمعة 25 يناير - 22:21
المشاركة رقم: #
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
عضو الجوهرة
الرتبه:
عضو الجوهرة
الصورة الرمزية


البيانات
عدد المساهمات : 17945
تاريخ التسجيل : 17/10/2012
رابطة موقعك : ورقلة
التوقيت

الإتصالات
الحالة:
وسائل الإتصال:


مُساهمةموضوع: رد: قصة الخلق من العرش إلى الفرش story of Creation By Eid Wardany



قصة الخلق من العرش إلى الفرش story of Creation By Eid Wardany

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين خالق السموات والأرضين المتفضل بتدبير أمر المخلوقين المكرم بنى آدم على العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء وآخر المرسلين، المرسل لإظهار الحق ولو كره الكافرون، الذي بلغ الرسالة وأدى الأمانة وأتم الله على يديه النعمة وأكمل الدين، ولم يترك أمرا من أمور الدنيا أو الآخرة إلا بينه أحسن تبيين.

ورضى الله عن الصحابة أجمعين، الذين كانوا نجومـا يهدون المقتدين، المتبعين للكتاب والسنة غير مبتدعين، ورحم الله التابعين وتابعيهم بإحسان الذين حملوا راية الإسلام وساروا بها فاتحين، وكان منهم الحفاظ، والمفسرين والمحدثين.



أدخل عنوان بريدك الإلكتروني هنا يصــــلك كل جديــــد





بلغ الادارة عن محتوى مخالف من هنا ابلغون على الروابط التي لا تعمل من هنا



توقيع : manel


التوقيع



قصة الخلق من العرش إلى الفرش  story of Creation By Eid Wardany Emptyالجمعة 25 يناير - 22:24
المشاركة رقم: #
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
عضو الجوهرة
الرتبه:
عضو الجوهرة
الصورة الرمزية


البيانات
عدد المساهمات : 17945
تاريخ التسجيل : 17/10/2012
رابطة موقعك : ورقلة
التوقيت

الإتصالات
الحالة:
وسائل الإتصال:


مُساهمةموضوع: رد: قصة الخلق من العرش إلى الفرش story of Creation By Eid Wardany



قصة الخلق من العرش إلى الفرش story of Creation By Eid Wardany

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله، وأشهد أن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه.
أمـا بعـد:



فهذه قصة خلق جميع المخلوقات، من العرش إلى الفرش (الأرض). هذه قصة كل ما في الكون مـن مخلوقات، مرورا بالسموات وما فيها، والأرض وما بها، والشمس، والقمر، والنجوم، والكواكب، والبحار، والأنهار، والنبات، والجبال، والهواء، والماء، وكل ما هو كائن بين السماء والأرض، وخلق الملائكة، والـجن والإنس، ومتي خلقت هذه المخلوقات، وكيف، ولماذا خلقت، وكيف تعمل، ومتي تنتهي، ومكانة الإنسان بينها، ووضع الأرض من هذه المخلوقات.
وقـد استندت في عرض القصة على الأدلة المتفق عليها بين جميع المسلمين (الكتاب، والسنة، والإجماع) وهذه هي المصادر الرئيسية التي يقدرها المؤمنون بالله. كما اعتمدت على الكتب المقدسة لدى أهل الكتاب.
كما اعتمدت على أحاديث رسول الله صلى عليه وسلم، وعلى الصحيح منها، التي تلقتها الأمة بالقبول ولم يطعن عليها أحد.
كذلك اعتمدت على تاريخ الحضارات البشرية، التي لم أشك لحظـة أن الموروث منها - الذي اعتمدت عليه - ليس مجرد أساطير الأولين، وإنما هي تأثيرات الأنبياء والمرسلين وهم جم غفير في أممهم.
ثم اعتمدت على التجارب والمشاهدات التي تؤكدهـا الحواس، والتي لا يختلف عليها اثنان.
وقد سقت أدلة للمؤمنين والجاحدين، والعلماء والجاهلين، والمتعلمين والمكابرين، كلٌٌ بوسائله التي يعتقد فيها، وخاطبت القلب المؤمن الموصول بالله وخاطبت العقل والمنطـق.
وكان - ولا بد - أن يتعارض كلامي مع كل ما يخالف دواعي الإيمان ويتعارض أيضا مع ما يخالف العقل والمنطق. لذلك سيفاجأ القارئ بأن ما نورده في قصة الخلق يتعارض مع أكثر الأشياء ثباتا لعلوم أهل الأرض الكونية، يتعارض مع مسلمات بديهية أو ما يعتقدون أنه كذلك. وسيفاجأ القارئ بأن ما يعتبره من المسلمات والبديهيات ليس إلا وهما وخداعا وأغاليط وأباطيل وسيجد القارئ نفسه إن كان من غير المؤمنين بالله قد ألجأته الأدلة والبراهين والآيات البينات إلى الإيمان وسيجد المؤمن نفسه في حـاجة شديدة لأن يجدد إيمانه.
وسيندهش القارئ، بعد فواقه، كيف ظل مغيبا غافلا، مع هذا الكم الهائل من الغائبين الغافلين.
وسيكتشف القارئ أنه وأنهم وأننا قـد تعرضنا لكيد عالمي يقوده إبليس لتغيير الحقائق، ولتلبيس الأمور علينا، ولتغييبنا، وتغفيلنا، ولتغيير آيات الله بغيرها، وأن أباطيل كثيرة عرضت علينا كحقائق لا تقبل جدالا هي الباطل عينه.
والغريب و العجيب أنه لم يكن معها دليل واحد من عقل أو نقل أو تجربة تقول بأن هذه العلوم الكونية تمُت إلى الحق والحقيقة بصلة.
وأنبه، بأنني لم أنتقد في الكتاب إلا النظريات الكونية، والأقوال المتعلقة بمسائل الخلق والتكوين.. وعلوم الكون.
أما النظريات والقوانين المرتبطة بزينة الدنيا، وكل ما من شأنه أن يسهل للإنسان استمتاعه بالحياة، فلا شأن لي بها هنا.
وإن كان كثيرا مما أوردته في هذا الكتاب، روءى شخصية لي.. أحسب أنه لم يقل بها أحد قبل ذلك، خلصت إليها عن طريق الأدلة التي ذكرتها. فإن كان ما رأيته حقا فمن الله تعالى، الذي علم الإنسان ما لم يعلم، والذي يؤتى فضله من يشاء، وإن كان خطأ فمن نفسي والشيطان، وأسأل الله العفو والعافية.
وأنه وإن كان الأمر رؤى شخصية لنا، فـإنه أيضا ليس تفسيرا جديدا للآيات القرآنية، أو فهما حديثا للآيات الكونية، وإنما هذا هو التفسير الصحيح للآيات القرآنية والتي اتفق عليها السلف، وهي النظرية السليمة للآيات الكونية، ولم نحمّل الآيات والأحاديث أكثر مما تحتمل، ولكننا عرضنا ذلك دون ليّ للحقائق. أو اجتزاء للأقوال.
وقد قسمنا الكتاب إلى سبعة أبواب:
الباب الأول: قصة الخلق: تـحدثنا فيه عن بدء خلق كل المخلوقات، وكيف خلقت. فتحدثنا عن العرش والفرش (الأرض) وما بينهما من موجودات وأجرام سماوية.
الباب الثاني: خلق الكائنات العاقـلة: وذكرنا فيه خلق الملائكة، والجن، والإنس، وما حدث في الملأ الأعلى بشأن خطيئة إبليس، وخطيئة آدم وأوردنا النص الكامل للحوار الذي كان بينهما وبين الله تعالى.
ثم ذكرنا مكانة الإنسان بين هذه المخلوقات، وكيف أن الله تعالى كرمه، وفضله، وأنعم عليه.
الباب الثالث: عن ثبات الأرض: وسقنا فيه الأدلة من الكتاب والسنة والتجارب وعقيدة السابقين بشأن ثبات الأرض، ومركزيتها، وأنها ليست كوكبا من الكواكب، وأنها أعظم من الشمس.
الباب الرابع: تحدثنا فيه عن الشمس: وأنها تجرى حول الأرض ـ لا المجرة ـ وأدلة ذلك، وأن الليل والنهار مخلوقان مستقلان، وأنهما دليل على دوران الشمس حول الأرض، وأنه لا علاقة لليل والنهار بالشمس أو القمر.
الباب الخامس: عن القمر: وآياته وعجائبه، وأنه الأساس في حساب الزمن والتاريخ، وأنه جرم تابع للشمس وليس للأرض، وأنه دليل أكيد على أنه والشمس يدوران حول الأرض يوميا.
الباب السادس: عن زينة السماء: وعن الكواكب والنجوم، وكيف أنهما محدودان، معدودان، وأن أبعادهما ليست كما تحدث به أهل الفلك، ونقدنا في هذا الباب الجاذبية التي يقولون بأن الكون محكوم بها، حركة وسكونا، وأثبتنا أن الكون إنما يقوم(بأمر الله) وأن الجاذبية ليست أسلوب الله في العمل.
الباب السابع والأخير: عن نظريتنا البديلة للجاذبية، عن(الضغط الجوى) أثبتنا فى هذا الباب أنه هو الـذي يحكم الأرض بما عليها، بأمر الله وذلك بأسانيد شرعية علمية وتجريبية، وليست الجاذبية.
فهذا الكتاب إذاً رؤية دينية للكون، ونقد لجميع النظريات العلمية الحديثة المتعلقة به، وهـو من ثّم دعوة للعودة إلى منهج الله، وإلى شرع الله، وإلى علم الله، ودعوة للإيمان بأنه.. لا إله إلا الله.
أخيرا أيها السادة: إن رأيتــم أن ما قلناه في هذا الكتاب خطأ فقومونا، وإن رأيتم أنه حق فأعينونا، ولا تسكتوا، والساكت عن الحق شيطان أخرس.
ولا حرج أن تسلموا بخطئكم إن ألزمناكم الحجة وأقمنا لكم الدليل، والتوبة رأس مال المؤمن، والرجوع إلى الحق فضيلة. وإلا فأتونا بدليل واحد.. واحد فقط يعارض ما نقول، أو يؤيد ما تقولون.
وأذّكركم والذكرى تنفع المؤمنين بقوله تعالى:
وَاتَّقُوا يَوْمـًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ.
وَنَزَعْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا فَقُلْنَا هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ .
}والله يقول الحق وهو يهدى السبيل{ عيد ورداني



أدخل عنوان بريدك الإلكتروني هنا يصــــلك كل جديــــد





بلغ الادارة عن محتوى مخالف من هنا ابلغون على الروابط التي لا تعمل من هنا



توقيع : manel


التوقيع



قصة الخلق من العرش إلى الفرش  story of Creation By Eid Wardany Emptyالجمعة 25 يناير - 22:25
المشاركة رقم: #
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
عضو الجوهرة
الرتبه:
عضو الجوهرة
الصورة الرمزية


البيانات
عدد المساهمات : 17945
تاريخ التسجيل : 17/10/2012
رابطة موقعك : ورقلة
التوقيت

الإتصالات
الحالة:
وسائل الإتصال:


مُساهمةموضوع: رد: قصة الخلق من العرش إلى الفرش story of Creation By Eid Wardany



قصة الخلق من العرش إلى الفرش story of Creation By Eid Wardany

مدخل










في البدء.. كان الله ولم يكن شيئا غيره..
ثم خلق الخلق ليُعرف ويُعبد.. واتخذ الله تعالى لنفسه جندا فخلق الملائكة لا يعلم عددهم إلا هو. وخيّر تعالى خلقه أن يعبدوه اختيارا فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ (الكهف:29) أو أن يعبدوه إلزاما، منقادين، مجبولين على ذلك، ودون أن يكون الأمر إليهم، وسمى الله الأمر الأول (الأمانة) وعرضها على مخلوقاته جميعا فأبت كلها أن تقبلها، واختارت أن تعبده إلزاما، مجبولة على ذلك وقبل الإنسان الأمانة.. إن شاء يؤمن وإن شاء يكفر.. على أن يجازى بعد ذلك بفعله، يقـول تعالى: إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَــوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولاً (الأحزاب:72).
ولعظم هذا الاختيار، ولفداحة الأمر، ولخطورة العاقبة، ولأن الإنسان اختار الخيار الأصعب والأشق عليه، والأحب إلى الله تعالى، فقد سخر تعالى كل مخلوقاته التي لم تحمل الأمانة، سخرها للإنسان الذي حملها. ومنحه الله ما لم يمنحه لغيره وميزه عن غيره وفضله تفضيلا.
ورغم صغر خلق الإنسان بالنسبة لغيره من المخلوقات إلا أن الله أولاه من عطاياه ومن فضله، بل وسخر له تعالى كل مخلوقاته سواء في السموات أو في الأرض من الملائكة الكرام إلى البهائم والأنعام، وما بينهما من الموجودات.
ولتسهيل المهمة على الإنسان أرسل إليه رسلاً من جنسه. وأنزل إليه كتباً عرفه فيها كل شيء، إلا ما استثناه تعالى ليخص به نفسه، واعتبره غيبا، وهي من صميم ابتلائه وامتحانه.
وطلب تعالى منه ألا يشغل نفسه بها ولا يجهد عقله في تعريف كنهها، وأن يتفرغ للمهمة التي أختارها بنفسه وارتضاها لـه ربه وخالقه، وهـي أشرف مهمة، وأجمل مهمة، وأخطر مهمة.. أن يعبد الله خالقه، ومربيه، ومفضله ومميزه. يعبده ولا يشرك به شيئا.
ووعده تعالى إن فعل ذلك بجنات ذكر له بعضا من النعم، والمتع التي تنتظره فيها. أما الأعطية الكبرى، والجائزة المستحقة فقد جعلها الله له.. مفاجأة.
فرغم كل ما ذكر من متع ولذائذ، وأعطيات ذكرها تعالى في كتبه وعلى لسان رسله إلا أن أصل المكافأة.. مفاجأة.. قال تعالى: فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُون.
وفيـما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل: }أعـ‏ددت لعبادي الصالحين، مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر{ (متفق عليه).
وتوعد الله تعالى من عصاه، ولم يأت بما أمر، وينتهي عما نهى، من لم يؤد الأمانة التي من اجلها كرم وفضل وميز، وسخر له كل شيء، بنار وعذاب أليم يلازمه ما بقى، خالدا لأنه لن يموت بعد ذلك، فلن يكون ثَم موت.
ولخطورة الأمر، وفداحة الخطب يسر الله على الإنسانية الأمر، بإرسال الرسل، وإنزال الكتب، التي عرفهم فيها بنفسه، تعريفا لا يقبل الشك والريبة وعرفهم بغيرهم من المخلوقات تعريفا دقيقا مفصلاً، لا لبس فيه ولا غموض وضمن لهم الرزق، وزيادة في طمأنتهم فإنه وعدهم بأن رزقه سيجـرى علـيهم آمنــوا أو كفروا، أطـاعوا أو عصوا. ولمـزيد من الطمأنينة جعل رزقهم وما وعدهم به، في السماء، وليس في يد بعضهم البعض.
ولمزيد من التيسير، والسهولة في أداء الأمانة والقيام بالمهمة المختارة وعدهم بأن يغفر لهم ذنوبهم، ويكفَر عنهم سيئاتهم، ويمحو ما سجل من خطاياهم إذا هم طلبوا منه ذلك واستغفروه.
ثم منحةً ومنةً كبرى منه وهو الأكرم، وعدهم بان يتجاوز عنهم مهما بلغت ذنوبهم وإن كانت مثل زبد البحر، أو بلغت عنان السماء، بل ولـو جاءوا بقراب الأرض خطايا، لتجاوز عنهم وعفا، شريطة ألا يشركوا به شيئا. لأن ذلك حقا له تعالى (ألا يشرك به). فهو وحده الخالق والرازق والمعطى والمانع والضار والنافع. فكيف يعطى الولاء لغير مستحق؟
أصعبٌ هذا بعد كل ذلك؟
هل تبقى حجة لمن يخالف؟ هل يبقى عذر بعد كل هذه التسهيلات والتيسيرات؟ لقد وصل الأمر حدا من الكرم من الله. أن من فعل هذا الكم من الذنوب والخطايا وأي ما كان نوعها وخطرها، أنه تعالى يبدلها له. ترى بماذا؟؟ بحسنات.
أمرُُ عجيب، ولكنه كرم الله. تؤتى ذنوب وخطايا.. ومهما بلغت.. فتحول وتستبدل وكأنها جميعا كانت أعمال صالحة؟ نعم.. وما شرط ذلك؟ فقط طلب واحد بالإضافة لعدم الشرك، أن يتوب ويعمل صالحاً.
إذن فمن يوبق نفسه في النار بعد ذلك، فقد ظلم نفسه ظلماً كبيراً. ورغم أن الامتحان لازال فيه بعض الوقت ولم يأت الأجل المسمى، إلا أن بوادر النتيجة قد ظهرت. هذا فضلا عن علم الله المسبق فقد ظهر أن أكثر الناس رغم كل ذلك ورغـم الجهد الهائل المبذول من الرسل لم يؤمنوا، وظلموا أنفسهم، وخانوا الأمانة.
إنه لأمر غريب، وعجيب أمر الإنسان، لقد راح يتعرف على كل المخلوقات وترك الخالق. ولم يكن هذا مطلوبا منه. لم يكن مطلوبا منه أكثر من النظر للاعتبار وللتعرف على الصانع لا المصنوع، الخالق لا المخلوق، الرب لا المربوب.
فتجد الإنسان يفنى عمره لدراسة حشرة، ولا يفكر في خالقها، يفنى عمره في معرفة الذرة، ولا يتعرف على موجدها.
هكذا وصل الحال بالإنسان.. انشغل بالأشياء التي خلقت له، وترك ما خُلق هو له، بل إن الأمر بلغ حداً أن الإنسان توغل في الضلال والجحود بأن نسب الفعل للمفعول به، وجحد الفاعل وراح ينسب كل أمر ليس للآمر بل للمأمور. وتوصل الإنسان إلى اكتشافاته العظمى. ما هي؟ أن الله لم يرسل رياحاً، ولم ينزل مطراً، ولم ينبت زرعاً، ولم يفتق أرضاً وإنما جاء كـل ذلك مصادفة. ولم يبن سماًء ولم يوجد أرضاً ولم يخلق شمساً، ولا قمراً ولا نجوماً وإنما كل هذه جاء نتيجة اصطدامات وانفجارات، وكأن الكون كله بدأ بالدمار مع أن الحق أن كل شيء سينتهي بالدمار، وبدأه الله تعالى بالحكمة والعمار.
واكتشف الإنسان أن الزلازل والبراكين والسيول والعواصف والأعاصير ليست آيات ربانية، فعلها الله، بل إنها ظواهر طبيعية أتت بها الطبيعة.
والسماء والأرض لا يمسكهما الله. بل الجاذبية. والفُلك تجرى في البحر ليس بأمر الله بل بقانون الطفو. والمطر لا ينزل بأمر الله، بل بفعل البخر، والسماء ليست محفوظة بحفظ الله بل محفوظة بخط (فان آلن) والله ليس بيده الأمر، ولا يقلب الليل والنهار وليس هو الدهر بل يحكمنا قانون (النسبية لأينشتاين). وحفظ الأشياء ليست من الله بل بقانون (لويس باستير) واستقرارنا على الأرض ليس بتمكين الله، ولكن بقانون (نيوتن).
وقسم الإنسان ميراث السموات والأرض بين المخلوقات، فبعضها للطبيعة هي صاحبته، والأخر للمكتشفين وهم أولى به، والحسرة كل الحسرة.. أن أكثر الناس على هذا الأمر، وعلى هذه العقيدة، والقلة القليلة هم الذين أدوا الأمانة، ولم يجحدوا حق الله، ولم يكفروا بنعمته، ولم تصرفهم المخلوقات عن الخالق فقد عرفوا الله، ليس من مخلوقاته، بل منه تعالى، فكمال الإيمان: أن تتعرف على المخلوقات من الخالق، لا أن تتعرف على الخالق من المخلوقات وليت الجاحدين فعلوا حتى الثانية.
إن الله ما طلب من الإنسـان أن ينـظر في مخلوقاته تعالى ليتأكد من وجود الله لا.. إنما طلب ذلك منه ليتأكد الإنسان من قدرة الله، وحكمة الله ولطف الله وسائر صفاته الكريمة.
أما المنكرون أصلا لوجوده، فالله تعالى يعاملهم بالمثل، ويجازيهم من جنس عملهم، فلا يعترف بحالهم، ولا يأبه بوجودهم، ويعتبرهم كالعدم.
وأعجب وأغرب ما كان من الإنسان، أنه اتخذ من الأشياء التي سخرت له والتي هو أرقى منها مرتبة من شمس وقمر ونجوم ودواب، آلهة عبدها من دون الله! أليس هذا أمراً غريباً من الإنسان، يستحق ما توعده الله به دون ظلم له؟؟
كان هذا هو حال الإنسان عموما، أما المؤمنين بالله فقد وصلوا الآن إلى ما هو أدهى وأمر.. فقد أصبح إيمانهم بالله مزيج من الشرك والإيمان، إيمان مهجن وعقيدة مختلطة، كما قال تعـالى وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلا وَهُمْ مُشْرِكُونَ (يوسف:106).
لماذا لا يؤمنون بمحمد
إنني لا أجد سببا لعـدم الإيمان بمحمد  الذي اختاره الله لتبليغ الرسالة الأخيرة والخاتمة للبشر، لماذا لم يصدقوه مع أن الرجل لم يدع لنفسه شيئا، لم يدع إلا لعبادة الله نفس الدعوة التي دعي بها المسيح عليه السلام ونفس الدعوة التي دعي بها موسى عليه السلام. نفس الدعوة التي دعي بها زملاؤه وإخوانه من الأنبياء والرسل؟
لماذا يكذب وهو يدعو إلى مكارم الأخلاق، والصدق، والأمانة، وفعل الخيرات والحب والتسامح، والعفو، والصفح، وإتقان العمل، وإكرام الضيف والإحسان إلى اليتيم والأرملة وابن السبيل، وصلة الرحم، وهي نفس المبادئ التي دعي إليها السابقون من الأنبياء.
لا أدرى.. ما السر في تكذيبه؟ وهو أول المؤمنين بعيسى المسيح نبياً واً وبموسى الكليم نبياً واً، وهو أول المؤمنين بالإنجيل والتوراة. وهو أكثر المعظمين لقدر أم المسيح (مريم ابنة عمران): ولم يقل في أمه (آمنة بنت وهب) ما قاله في أم المسيح. وذكر أن الله تعالى أوحي إليه في مريم وليس في آمنة: يَامَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ.
لست أدرى.. لم يكذب هذا ال الذي يبلغ الناس أن الله ينهي عن الفحشاء والمنكر والبغي، وجاء بقول الله تعالى إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ (النحل:90) هل يكذب من دعي إلى ذلك؟
لماذا لا يقرءون رسالته ويناقشونها، ويفعلون معها كما يفعلون مع الرسائل العلمية فيولونها اهتماما في البحث والدراسة، بحياد تام، وبالرغبة في الوصول إلى الحق وما من شك في أنهم لن يجدوا في هذه الرسالة مطعنا. لم لا يقرءون الرسالة الأخيرة من الله إليهم؟ نعم هي إليهم لأنها رسالة للعالمين وليس لسكان الجزيرة العربية وحدهم، وهم مخاطبون فيها، ومكلفون بها، وسيسألون عنها مثلهم مثل العرب سواء بسواء. والله تعالى لم يعتبر الذين آمنوا به وبكل الكتب وبكل الرسل ولم يؤمنوا بمحمد اً مؤمنين، فلابد من الإيمان به والإيمان بالكتاب الذي نزل إليه فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَا (التغابن:Cool.
مؤمنون: نعم. متبعون: لا
إن الإيمان بالله، ليس منة من الخلق على الله يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمـوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلْ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ (الحجرات:17) وليس أي إيمان يقـبل، بل الإيمان الذي حدده الله واشترطه، ولله أن يحدد ويشترط لأنه تعالى هو الخالق. وهو تعالى الذي سيجازى ويكافئ لا غيره. اشترط الله علـى المؤمنين لقبول إيمانهم أن يتبعوا رسوله ويتبعوا كتابه، ودون ذلك لن يغنى إيمانهم شيئا. وعلى ذلك فالمؤمن هو من يؤمن بالله وبأنه خالق الكـون وحـده لا شريك له وأنه تعالى مستحق للعبودية وأن هناك يوم للحساب بعد البعث والنشور، ويؤمن بكل كتبه وكل رسله فهذا هو المؤمن.
والذي يعلم من القرآن، أنه منزل من عند الله، وأنه الرسالة الأخيرة للبشر فليس ثَم كتب أخرى بعده، وأن هذا الكتاب منزل من الله تعالى للإتباع، واتباعه ليس خياراً للمؤمنين به، بل هو حتم وإلزام، وإلا فلا يعد من المؤمنين من لا يتبع.
يقول تعـالى المـص (1) كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (2) اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلا مـَا تَذَكَّرُونَ (الأعراف ) وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (155) أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا أُنزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مـِنْ قَبْلِنَا وَإِنْ كُنَّا عـَنْ دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ (الأنعام) يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتقِِ اللَّهَ وَلا تُطِعْ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (1) وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا ( الأحزاب) وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَاصـْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ (يونس 109).
وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا (آل عمران:103) وحبل الله: كتابه كما فسره النبي  وقد بين الله تعالى في كتابه حال الذين ورثوا الكتاب فخالفوه، والذين استمسكوا به. فقال تعالى: فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا...  إلى قوله وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ (الأعراف:169).
محاولات التحريف
لقد صفيت البشرية إلى هذه الفئة القليلة، التي تؤمن بالله وآياته وه ويتبعون ما يؤمرون به غير أن هذه الفئة القليلة، لم تتبع كما يريد الله، بل إن الشيطان دخل إليهم من هذا الباب أيضا. فإنه وإن كان هذا الكتاب قد حُفظ من الله تعالى من أن تنال آياته التحريف، كما حدث لغيره من الكتب السابقة، إلا أنه في نفس الوقت، هجر ولم يتبع، واتبع المؤمنون به من دونه أولياء، ونظم وقوانين، وتسابق في هجر آياته واتباع ما دونه، أشد الناس إيماناً به.
ففي مجال الحكم نحيت آيات الله، وفيها أكمل نظام للحكم واتبع غيره من
نظم، ديمقراطية، أو رأسمالية، أو اشتراكية،.... أو غيرها.
وفي مجال القانون نحيت آيات الله، ومـا أكثر تلك الآيات التي تحكم عـلاقات المجتمع، ليتبع غيره من قوانين من وضع الغرب أو الشرق، أو حتى من وضع ذات المؤمنين بالقرآن.
وفي مجال الثقافة والعلوم نحيت آيات الله، والتي يقول فيها الله تعالى وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ واتبع غيرها من الثقافات والعلوم.
ولم يتخلف عـن هذا السباق علماء المسلمين في شتى العلوم ـ الإنسانية منها والمادية ـ وراحوا يتناقلون في أحاديثهم وكتبهم ما يقوله علماء الغرب من نظريات، وتركوا بل وخالفوا ما يقوله كتابهم، وخالفوا أيضا سلفهم الذين علموا الدنيا وأناروا الظلمات، ويشهد بذلك أهل الغرب أنفسهم.
فأي إيمان هذا؟ والمؤمنون يتركون ما آمنوا به لغيره. والله تعالى أكمل لهم الدين وأتم عليهم نعمته. ورضى الإسلام لهم دينا، وأمرهم بأن يتبعوا الصراط المستقيم ولا يتبعوا السبل فتفرق بهم عن سبيله، وجعل هذه الوصية هي خاتمة وصاياه العشـر، والتي هي جوامع الشرائع التي تضاهي الكلمات التي أنزلها الله على موسى في التوراة وإن كانت الآيات التي أنزلت عليه أبلغ وأكمل.
ولم يقتصر الأمر على مجرد هجر القرآن واتباع غيره، بل أصبح ينادى باتباع أي سبيل غير سبيل الله. بل وصل الأمر إلى أن أصبح كل ما يخالف قول الله تعالى يدرس على أبناء المسلمين في المدارس والجامعات، من علوم مخالفة لتعاليم الله وشرعه. فهم يدرسون ويعلمون وينشرون علوما ونظريات متناقضة تماما مع القرآن.
فيعرفنا الله بأنه أرسل أنبياء ورسلا إلي الناس، من بداية وجودهم علي الأرض، وأن أنبيائه ورسله علموا الناس كل ما يحتاجون إليه لحياتهم ومعايشهم وكيف يستفيدون من وجودهم ومما سخر لهم في الأرض.
وأخبرنا الله في القرآن عن أمم ظهرت فيما يسمونه بالعصر الحجري بلغت من الحضارة مبلغاً ومن الرقي ما لم يخلق مثله في البلاد.
حتى في أبسط الأمور عقلانية وأوضحها في كتاب الله تبياناً: قضية خلق الإنسان. انتشر في بلاد القرآن نظرية تخالف ما جاء به، أكثر مما أنتشر وقيل عنها في بلادها وهي نظرية: (النشوء والارتقاء). وتبنى هذه النظرية ودافع عنها وحللها وناقشها، وأذاعها ودرسها، وعلمها وأيدها، علماء يؤمنون بان الله قال في كتابه المنزل لَقَدْ خَلَقْنَا الإنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (التين:4) وغيرها من الآيات، وفي تطور علمي جديد، وفي اتباع مفرط للغرب، وفي تقليد لهم أعمى،خرجت نظريات من حاملي وحافظي القرآن عن النشوء والارتقاء في الأديان.
ففي كتـاب يعتبر من درر الفكر العربي هو كتاب (الله: في نشأة العقيدة الإلهية) لأحد رموز الفكر الإسلامي المعاصر، وخلاصة المستنيرين (عباس محمود العقاد) يقول رحمه الله في مقدمة هذا الكتاب:" ترقى الإنسان في العقائد كما ترقى في العلوم والصناعات فكانت عقائده الأولى مساوية لحياته الأولى، وكذلك كانت علومه وصناعاته فليست أوائل العلم والصناعة بأرقي في أوائل الأديان والعبادات، وليست عناصر الحقيقة في واحدة منها بأوفى من عناصر الحقيقة في الأخرى. وينبغي أن تكون محاولات الإنسان في سبيل الدين، أشق وأطول من محاولاته في سبيل العلوم والصناعات.
لأن حقيقة الكون الكبرى أشق مطلباً، وأطول طريقاً من حقيقة هذه الأشياء المتفرقة التي يعالجها العلم تارة والصناعات تارة أخرى.
وقد جهل الناس شأن الشمس وهي أظهر ما تراه العيون وتحسه الأبدان، ولبثوا إلى زمن قريب يقولون بدورانها حول الأرض، ويفسرون حركاتها وعوارضها كما تفسر الألغاز والأحلام، ولم يخطر لأحد أن ينكر وجود الشمس لأن العـقول كانت في ظلام من أمرها فوق ظلام ولعلها لا تزال. فالرجوع إلى أصول الأديان في عصور الجاهلية الأولى لا يدل على بطلان التدين ولا على أنها تبحث عن محال. وكل ما يدل عليه أن الحقيقة الكبرى أكبر من أن تتجلى للناس كاملة في عصر واحد. وأن الناس يستعدون لعرفانها عصرا بعـد عصر وطورا بعد طور، وأسلوبا بعد أسلوب، كما يستعدون لعرفان الحقائق الصغرى، بل على نحو أصعب وأعجب من استعدادهم لعرفان هذه الحقائق التي يحيط بها العقل ويتناولها الحس والعيان - وقد أسفر علم المقابلة بين الأديان عن كثير من الضلالات والأساطير، التي آمن بها الإنسان الأول، ولا تزال لها بقية شائعة بين القبائل أو بين أمم الحضارة العريقة، ولم يكن من المنظور أن يسفر هذا العلم عن شيء غير ذلك ولا أن تكون الديانات الأولى على غير ما كانت عليه، من الضلالة والجهالة فهذه هي وحدها النتيجة المعقولة التي لا يترقب العقل نتيجة غيرها، وليس في هذه النتيجة جديدا يستغربه العلماء، أو يبنون عليه جديدا في الحكم على جوهر الدين.



أدخل عنوان بريدك الإلكتروني هنا يصــــلك كل جديــــد





بلغ الادارة عن محتوى مخالف من هنا ابلغون على الروابط التي لا تعمل من هنا



توقيع : manel


التوقيع



قصة الخلق من العرش إلى الفرش  story of Creation By Eid Wardany Emptyالجمعة 25 يناير - 22:26
المشاركة رقم: #
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
عضو الجوهرة
الرتبه:
عضو الجوهرة
الصورة الرمزية


البيانات
عدد المساهمات : 17945
تاريخ التسجيل : 17/10/2012
رابطة موقعك : ورقلة
التوقيت

الإتصالات
الحالة:
وسائل الإتصال:


مُساهمةموضوع: رد: قصة الخلق من العرش إلى الفرش story of Creation By Eid Wardany



قصة الخلق من العرش إلى الفرش story of Creation By Eid Wardany

فإن العالم الذي يخطر له أن يبحث في الأديان البدائية، ليثبت أن الأولين قد عرفوا الحقيقة الكونية الكاملة منزهة عن شوائب السخف والغباء، إنما يبحث عن محال".
ثم قال الرجل حاكيا عما توصل إليه علماء الغرب:" يرى كثير من العلماء أن الأساطير هي أصل الدين بين الهمج".
ثم عدد العالم القرآني أسماء بعضا ممن قال عنهم (علماء) وحكى عنهم الأقوال التي تفصل ما قال به في مقدمته حتى قال:" يعرف علماء المقابلة بين الأديان ثلاثة أطوار عامة مرت بها الأمم البدائية في اعتقادهم بالآلهة والأرباب. وهي دور التعدد ودور التمييز والترجيح، ودور الوحدانية".
أرى أن الرجل فيما يقول في كتابه هذا قد نسف أول وأكبر مبدأ نص عليه القرآن في معظم آياته وهو أن الكون كله بما فيه، ومن فيه قام وكان على عبودية الإله الواحد وانسجمت جميع المخلوقات في هذه العقيدة. وبدأتp حياة البشر على الأرض بالعقيدة الصحيحة التي يرضاها الله، وهي التوحيد، وقد كان أول البشر (آدم) موحداً ولم يعبد أربابـا متعددة ولا متميزة، ولم يعبد طوطم ولم يشرك مع الله أحدا. وأن حياة البشر ظلت بعد آدم عشرة قرون على هذه العقيدة التي تقوم على التوحيد.
وفي صحيح البخاري عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلها علي الإسلام" فمن نصدق؟؟ هذا ما رواه البخاري عن رسول الله مخالفا ما قال به علماء المقابلة بين الأديان أمثال (رويس، وجيمس، وسانتيانا، والعقاد،.. وغيرهم). والبخاري كتابه أصح الكتب لدى المسلمين - بعد القرآن - والرسول صلى الله عليه وسلم أصدق الناس.
إن القارئ للقرآن يجد أن الأصل في تاريخ البشر، الإيمان بالله الواحد، وأن البشر كلما ابتعدوا عن هذه العقيدة أرسل الله إليهم من يعيدهم إلى التوحيد رسولا من أنفسهم، وإنهم إذا لم يستجيبوا فإن الله تعالى يخلص الأرض منهم ولا يبقى فيها مشرك، ويترك فيها الموحدين فقط، حتى جاءت هذه الأمة التي تركها الله تعالى ولم يؤاخذهم بشركهم لأن القيامة ستقوم بعدهم. كما أن المأثور عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن القيامة ستقوم على شرار الخلق. وأن الساعة لا تقوم حتى لا يقال على الأرض: الله.. الله. أي ستقوم وليس لله تعالى بين الناس ذكر ولا فيهم إيمان.
إذن فتاريخ البشرية الذي يخبرنا عنه القرآن مخالف لما يقول به السيد المفكر رحمه الله وعلماء مقارنة الأديان والتاريخ. وأن حقيقة الأمر أن تاريخ البشر يبدأ بالتوحيد وينتهي بالكفر وليس العكس. فلو كان ما يقوله العقاد صحيحاً، وأن البشرية تترقى في دينها وعقيدتها لكان أهل هذا الزمان أفضل إيمانا من صحابة الله صلى الله عليه وسلم ولكان طبقا لقوله أبو جهل كأبى بكر لوجودهما في عصر واحد.
هذا نموذج لترك ما أنزل الله واتباع غيره، وما أنزل تعالى في رسالته الأخيرة للبشر هو الأكمل والأتم في تاريخ الرسائل، فهو سبحانه أنزل القرآن وفيه تبيان لكل شيء، وحذر تعالى في كتابه من اتباع الغير، وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم بإتباع ما أنزل إليه. والأمر بالطبـع للمؤمنين بالله وبرسالته وبرسوله وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءهمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنْ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (48) وَأَنْ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ (49) أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (المائدة).
ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنْ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ (الجاثية:18).
فأمره تعالى أن لا يتبع أهواءهم عما جاءه من الحق وإن كان ذلك شرعا أو طريقا لغيره من الأنبياء، فإنه قد جعل لكل نبي سنة وسبيلا. وحذره أن يفتنوه عن بعض ما أنزل إليه. فإذا كان هذا فيما جاءت به شريعة غيره فكيف بإتباع بما لا يعلم أنه جاءت به شريعة، بل هو طريقة من لا كتاب له. وكم من الأمور التي ترك فيها المؤمنون بالله ما أمرهم به الله واتبعوا من يجادل في الله بغير هدى ولا كتاب منير.
ولما كان النبي صلى الله عليه وسلم قد أخبر أن هذه الأمة تتبع سنن من قبلها شبرا بشبر وذراعا بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلوه وجب أن يكون فيهم من يحرف الكلم عن مواضعه. وهذا من بعض أسباب تغيير الملل.
ولأن المبنى محفوظ بالله فإنه يغير ويحرف في المعنى، فيما أخبر الله بـه وبما أمر به. قـال تعالى إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (الحجر:9) ولأنه لا تزال هناك طائفة ظاهرة على الحق فلم ينله ما نال غيره من الأديان من تحريف كتبها وتغيير شرائعها مطلقا، لما ينّطق الله به القائمين بحجة الله وبيانه، الذين يحيون بكتاب الله الموتى، ويبصرون بنوره أهل العمى فإن الأرض لا تخلوا من قائم لله بحجة لكي لا تبطل حجج الله وبيناته.
تزوير التاريخ
وهذا مثال آخر للتحريف والتزوير، والذي لم يتورع البعض من علمائنا أن يشاركوا الآخرين فيه. فهم يعلمون تلاميذ المدارس، وطلبة الجامعات، أن الإنسان بدأ تاريخه بدائياً لا يعرف الأسرة، ولا الاستقرار ولا الحياة الآمنة. وإن حياته أشبه بحياة الحيوان. لا علم ولا فكر ولا دين ويسمون هذه الحقبة من التاريخ: (العصر الحجري). وهذا مناقض تماما لآيات الله التي تخبرنا أن آدم أول البشرية كان يعلم ما لا نعلمه نحن في عصر الكمبيوتر والفضاء والإنترنت عرف آدم كل معاني الإنسانية والرقي والعبودية الصحيحة لله الواحد. فهذا التاريخ الذي سنرى بعد ذلك أنهم يفسرون به الظواهر التي ينسبها المؤمنون لله، تاريخ مزور، ومحرف. فهو يصور الإنسان في أول مراحله بالبدائية، والسذاجة، بحيث يشبهون تفكيره بتفكير الأطفال، بل أنه كان يتخذ الحيوان قدوة له وأسوة، وأنه الملهم له في كثير من الاكتشافات وهم يصورون الإنسان القديم بصورة أشبه للحيوان في شكله وهيئته وسلوكيــاته وأنه لم يعرف النار إلا بعد حقب طويلة فكان يأكل اللحم نيئا، وكان يعيش على القنص والصيد فلـم يعرف الزراعة ولا الصناعة. بينما يصور لنا القرآن وتصور لنا كتب السنة أن الإنسان عرف الحياة التي نحياها الآن، بل وأرقى منذ أن وطئت أقدام الإنسان الأرض، وأن آدم كان يزرع ويصنع ويحيك الملابس، وأنه بدأ حياته على الأرض في أسرة وكانت له زوجة، ثم أولاد وكان معه كتاب من الله فضلا عن العلم الذي علمه الله له، كان يعيش به على الأرض. كما نعلم أيضا أن أعظم حضارة ظهرت على الأرض كانتا حضارة (عاد) وحضارة (ثمود) وقد كانتا تاريخيا قبل العصر الحجري كما يسمونه. ولكي نؤكد للمؤمنين أن التاريخ فعلا مزور، نورد بعض النماذج على تزوير واضعيه:
إن أكبر تاريخ سجل وبأدق تفاصيله هو تاريخ قدماء المصريين. والقارئ للتاريخ المصري القديم لن يجد أي ذكر ليوسف أو موسى الكريمين، فهل يتصور ذلك؟ يوسف الذي تولى حكم مصر في فترة من أهم فترات التاريخ الإنساني وموسى الذي كان لخروجه من مصر ببني إسرائيل شأن غير به مجرى تاريخ مصر، بعد أن أغرق الله فرعون وجنوده في اليم. هل يتصور عاقل أن المصريين القدماء الذين سجلوا أشياء لا تستحق الذكر يغفلون عن تسجيل أكبر حدثين حدثا في تاريخ مصر منذ أن وجدت إلى قيام الساعة؟..اللهم إلا أن يكونا لم يحدثا..؟!!
وهل يتصور عاقل ألا يذكر التاريخ لبلاد ما بين النهرين أي ذكر لنوح عليه السلام وقد كان له حدث يعتبر الأكبر والأعظم تأثيرا في تاريخ البشر في كل الأرض قاطبة؟.
ألا يذكر التاريخ شيئا عن خليل الله إبراهيم وعن معجزة إلقائه في النار التي كانت بردا وسلاما عليه؟ وعن إسحاق ويعقوب، أكبر شخصيتين في التاريخ الإنساني. الذي يخلوا تماما من أي ذكر لهما؟.
وأن يخلو التاريخ من ذكر شعيب أو لوط؟ هل خفي على سكان الأرض كلها ما حدث لسدوم وعامورية قرى قوم لوط؟
هل قرأ أحد في تاريخ الحضارة الفينيقية ذكر لأعظم ملك كان في الأرض وهو سليمان عليه السلام. أو ذكر لأبيه داود؟
هل قرأ أحد في تاريخ الجزيرة العربية القديم أي ذكر لأنبياء كرام كصالح وهود وإسماعيل؟ اللهم إلا أن لا يكون لهم وجود فعلى كما زعم عميد الأدب العربي (طه حسين) الذي قاله في كتابه" في الشعر الجاهلي" صـ 26 ما نصه" للتوراة أن تحدثنا عن إبراهيم وإسماعيل وللقرآن أن يحدثـنا عنهما أيضاً، ولكن ورود هذين الاسمين في التوراة والقرآن لا يكفى لإثبات وجودهما التاريخي فضلاً عن إثبات القصة التي تحدثنا بهجرة إسماعيل بن إبراهيم إلى مكة ونشأة العرب المستعربة فيها ونحن مضطرون إلى أن نرى في هذه القصة نوعاً من الحيلة في إثبات الصلة بين اليهود والعرب من جهة وبين الإسلام واليهود والقرآن والتوراة من جهة أخرى..". هذا هو التاريخ الذي يريد علماء الغرب أن نستبدله بالله.
فلا يوجد أي ذكر في التاريخ لنبي مهما بلغ شأنه، ولا لحدث إيماني مهما بلغت قيمته. فهل يعقل أن يخلو تاريخ الصين من نبي أو؟ لا يمكن أن يكون ذلك.هل يعقل ألا يبعث الله تعالى لأوروبا أو روسيا نبي أو؟ لا يمكن لأن الله تعالى قال وهو أصدق القائلين وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلا خلا فِيهَا نَذِيرٌ (فاطر:24) فأين هذا النذير في تاريخ الصين أو روسيا أو أوربا؟ إذن فالتاريخ مزور. وإذا كان التاريخ وهو أثبت العلوم لأنه واقع، على هذه الدرجة من التزوير فما بالنا بغيره من العلوم.
عصر الإلحاد
بدأ منذ القرن السابع عشر الميلادي يبدو الضجر والضيق لمبادئ الفلسفة التي كانت هي مزيج من الاستنباط العقلي، والاستنتاج الحسي، لظواهر الكون بتفسيرها ووضع قوانين لها، واستعان الفلاسفة في تحليلهم للموروث من علوم الوحي لكن ليس باعتبارها وحيا، بل باعتبارها فروضا علمية لا أكثر، تقبل الأخذ والرد والتعديل والتحوير. ولكنهم على أي حال لم يتناقضوا تماما فيما استنبطوه من أعمال الفكر، مع الكتب المقدسة، بحالتها الموجودة آنذاك.
ومن الجهة الأخرى لم يقبل الإسلام هذه المبادئ الفلسفية حتى ولو اتفقت مع الدين لأن المبادئ الإسلامية لا تقبل شريكا مع الله فيما يخلق أو يأمر. وهي توصى المؤمنين باتباع آيات الله وحدها. وتحذر بقوة من اتباع غيرها أو حتى معها أي أفكار أو مبادئ.
وأطلق جاليليو الشرارة الأولى للمعركة مع الفلسفة والفلاسفة عندما قال سنة 1605م معبرا عن المذهب الجديد للتجريبيين:" ترى ما هي العلاقة بين الفلسفة وقياس كمية معينة؟" وقد صار هذا السؤال جوهريا بالنسبة لنشأة العلوم الطبيعية في القرن السابع عشر.
وبدأت معركة بين الفلاسفة وخاصة أتباع أرسطو معلمهم الأكبر، وبين التجريبيين الذين أرادوا إحلال طريقة التفكير التجريبي المعملي محل التفكير المبنى على الاستنباط العقلي.
ولم تتدخل الكنيسة في هذه المعركة، فهي ليست ضد العلم، ولا هي حامية حمى الفلسفة، غير أن الكنيسة أدخلت اضطرارا عندما أظهر التجريبيون آراء تتعارض مع الدين، ولا يمكن أن يعتبر ما يعارض الدين علماً بأي شكل من الأشكال لأن الدين هو العلم، وهنا تدخلت الكنيسة بالموعظة الحسنة تنبه على مخالفة التجريبيين للكتب المقدسة. غير أن الآخرين لم يتعظوا ولم ينتهوا بل تمادوا في موقفهم، وقد عبر (يوهانس كبلر) عن موقف زملائه بتعليقه الشهير: (إن الكتاب المقدس ليس كتابا في علم الضوء ولا علم الفلك). وهنا ظهرت الكنيسة كجبهة أقوى من الفلاسفة ولكن للدفاع عن الدين، الذي لا يعارض أبداً علم الضوء أو أي علم، ولكن يعارض تكذيب آيـات الله.
وكان هذا هو بداية الخلاف بين ما يقوله رجال الدين ورجال العلم في أوربا وهنا يبدو للمشاهدين من بعيد أن الكنيسة ضد العلم والحقيقة كانت عكس ذلك.
وقد هب رجال الكنيسة للدفاع عن آية واحدة خالفها التجريبيون تقول بحركة الشمس حول الأرض، بينما التجريبيون يقولون بعكس ذلك. جاءت هذه الآية على لسان (يوشع بن نون) في سفر (يـوشع) الإصحاح العاشر الآية رقم 13مـن (العهد القـديم) وهي تقول: " حينئذ كلم يوشع الرب، يوم أسلم الرب الأموريين أمام بنى إسرائيل، وقال أمام عيون بنى إسرائيل يا شمس دومي على جعٌبون، ويا قمر على وادى أيلون. فدامت الشمس، ووقف القمر حتى انتقم الشعب من أعدائه. أليس هذا مكتوباً في سفر ياشر، فوقفت الشمس في كبد السماء ولم تعجل للغروب نحو يوم كامل".
والقارئ للتاريخ لا يجد أن الكنيسة قد اعترضت على أي علم من العلوم المادية، ولكنها وقفت وبشدة لكفر من كفر وإشاعة كفره في العلوم الكونية، والحق أن الكنيسة تصدت بشدة لكل زندقة في الأمور الكونية حتى أنها حكمت على" جردانو برونو" بالإعدام حرقا لقوله بأن الفضاء لا نهائي.
لا أشك لحظة في أن وراء هذا التغيير في مفاهيم البشر تجاه الكون وعلومه خطة إبليسية. ورغم أن الخطة معادة ومكررة إلا أنها نجحت تماما كما نجحت مع أبى البشر وزوجه في تعريتهما وإنزالهما إلى الأرض وإخراجهما من الجنة. فهو الثأر القديم والعداء المبين بينه وبيننا. فصمم عليه اللعنة وأقسم على أن يغوى البشر، ووضع خطته. ولأنها نجحت مرة فإنه لا يني في تكرارها لتغيير خلق الله من حال إلى حال.
وأكبر وأخطـر تغيير يظفر به إبليس أن يحول البشر من الإتباع إلى الابتداع ولأنه لعنه الله علم أن القرآن محفوظ من التحريف، فقد عمل ألا يضيع جهده في هذا الأمر وأن يتركه على ما أنزله الله، ولكنه يعمل جاهدا على ألا يتبع، ويفتن بنى آدم علاوة على تركهم تطبيق آيات الله إلى المخالفة والعمل بنقيض الآيات.
يقـول تعالـى: وَلَقدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلا فَرِيقًا مِنْ الْمُؤْمِنِينَ (سبأ:20) وكجزء من الخطة الإبليسية يغير إبليس الأسماء المحرمة والمنفرة إلى أخري خادعة مقبولة تماما كما استبدل اسم الشجرة المحرمة بـاسم شَجَرَةِ الْخُلْدِ  (طه:120) ونجحت الخديعة في إغواء آدم فكررت هنا، وسمى هذا العصر الذي شهد أكبر عملية انسلاخ من الدين في العصر الحديث وسماه (عصر النهضة) والحقيقة أنه كان عصر السقوط والانتكاس.
أبطال عصر الإلحاد
لقد سموا هذا العصر الذي انسلخ فيه العلم عن الدين وكأن أحدهما نقيضا للآخر (عصر النهضة) وكذلك سموا الملاحدة الذين أحدثوا هذا الانقلاب بالرواد وأسبغت عليهم أسماء وصفات الأبطال والعظماء وقد شارك بعضنا في هذا العمل الأخير ووصفوا جاليليو بالرائد ونيوتن بالعظيم وأينشتاين بالعبقري، بينما كان هؤلاء هم طلائع جيش إبليس الذين نجحوا في تغيير القوانين الإلهية بقوانين طبيعية.
سنطوف مع أبطال عصر النهضة، الذين خلدتهم مدارسنا وجامعاتنا وكتبنا ونقرأ مقتطفات من أقوالهم التي عبروا فيها دون خجل أو مواربة أنهم معاول لهدم الدين الذي أنزله الله لعباده، وجاءوا بدين جديد أسموه زوراً (العلم) و(العلمانية).
ولنبدأ بالعبقرية الفذة أينشتاين الذي قـال مدافعاً عن جاليليو في حربه ضد رجال الكنيسة: " لقد منحت جاليليو موهبته الخارقة القدرة على الحوار الواعي مع مثقفي عصره فاستطاع التغلب على ذلك الفكر المبنى على الخرافات وعلى اعتبار الإنسان مركز الأشياء في هذا الكون".
وقال أيضـا:" وربما نستطيع القول: بأن التخلف الناتج عن سيطرة التقاليد الجامدة التي انتشرت في العصور المظلمة كانت قد خفت وطئته في القرن السابع عشر. وأن البقية الباقية من التقاليد الثقافية الموروثة لم يكن لها القدرة على الصمود إلى الأبد إزاء التقدم الحضاري. سواء ظهر جاليليو أم لم يظهر".
هذه الكلمات نقرأها لأينشتاين مع الوضع في الاعتبار أنه كان حذراً من إثارة رجال الكنيسة عليه.
(والتير) تجريبي آخر من رواد عصر النهضة قال ليقطع الصلة تماما بين الكون وخالقه:" إن الكون كالساعة يرتب صانعها آلاتها الدقيقة في هيئة خاصة ويحركها، ثم تنقطع صلته بها".
وجاء زميله (هيوم) بجرأة أكثر ليتخلص من هذا الإله الميت على حد قوله: " لقد رأينا الساعات وهي تصنع في المصانع لكننا لم نرى الكون وهو يصنع فكيف نسلم بأن له صانعا".
أما (هكسلى) فقد قال:" إذا كانت الحوادث تصدر عن قوانين طبيعية فلا ينبغي أن ننسبها إلى أسباب فوق الطبيعة". وأضاف" فإذا كان قوس قزح مظهرا لانكسار أشعة الشمس على المطر، فماذا يدعونا إلى القول بأنها آية الله في السماء".
ولمزيد من الإفصاح عن المنهج الإبليسي لهدم الدين يقول (هكسلى):" لقد خلق العقل الإنساني الدين وأتم خلقه، في حالة جهل الإنسان وعجزه عن مواجهة القوى الخارجية، فالدين نتيجة لتعامل خاص بين الإنسان وبيئته.
إن هذه البيئة قد فـات أوانها أو كاد وقد كانت هي المسئولة عن هذا التعامل. أما بعد فنائها وانتهاء التعامل معها فلا داعي للدين". ويضيف:" لقد انتهت العقيدة الإلهية إلى آخر نقطة تفيدنا وهي لا تستطيع أن تقبل الآن أي تطورات. لقد أخترع الإنسان قوة ما وراء الطبيعة لتحمل عبء الدين، جاء بالسحر، ثم بالعمليات الروحية ثم بالعقيدة الإلهية، حتى اختراع فكرة الإله الواحد. وقد وصل الدين بهذه التطورات إلى آخر مراحل حياته. ولا شك أن هذه العقائد كانت في وقت ما جزءاً مفيداً من حضارتنا بيد أن هذه الأجزاء قد فقدت اليوم ضرورتها، ومدى إفادتها للمجتمع الحاضر المتطور".
ويقول(إنجلز):" إن كل القيم الأخلاقية هي في تحليلها الأخير من خلق الظروف الاقتصادية".
ويقول أستاذ أمريكي في طب الأعضاء:" لقد أثبت العلم أن الدين كان أقسى وأسوأ خدعة في التاريخ".
يقـول الدكتور (تامس ديود باركس):" لقـد أجمع علماء هذا العصر على صدق نظـرية " النشوء والارتقاء" وقد بدأت هذه النظرية تسود فعلا جميع فروع العلوم الحديثة. فكل مشكلة تحتاج (إلها) في تفسيرها توضع مكانه هذه النظرية بغير تردد".
أرأيتم هذه النظرية المسماه بالعلمية ما هو دورها؟
(أرثركيث) يقول:" إن نظرية النشوء والارتقاء، غير ثابتة علميا، ولا سبيل إلى إثباتها بالبرهان ونحن لا نؤمن بها إلا لأن الخيار الوحيد بعد ذلك هو (الإيمان بالخالق الخاص المباشر) وهذا ما لا يمكن حتى التفكير فيه".
يقول: (برتراند راسل):" والإنسان وليد عوامل ليست بذات هدف. إن بدأه ونشوءه وأمانيه ومخاوفه وحبه وعقائده كلها جاءت نتيجة ترتيب رياضي اتفاقي في نظام الذرة والقبر ينهي حياة الإنسان ولا تستطيع أي قوة إحياءه مرة أخرى. إن هذه المجهودات الطويلة، والتضحيات والأفكار الجميلة، والبطولات العبقرية كلها سوف تدفن إلى الأبد مع فناء النظام الشمسي".
يقول محرر دائرة المعارف (العلوم الاجتماعية) تحت اسم (الدين):" وبجانب المؤثرات الأخرى التي ساعدت في خلق الدين فإن إسهام الأحوال السياسية والمدنية عظيم جداً في هذا المجال. إن الأسماء الإلهية وصفاتها خرجت من الأحوال التي كانت تسود على ظهر الأرض. فعقيدة كون الإله (الملك الأكبر) صورة أخرى من صور الملكية الإنسانية، كذلك الملكية السماوية صورة طبق الأصل للملكية الأرضية وكان الملك الأرضي القاضي الأكبر، فأصبح الإله يحمل هذه الصفات. ولقب (القاضي الأكبر الأخير) الذي يجازى الإنسان على الخير والشر من أعماله، هذه العقيدة القضائية التي تؤمن بكون الإله محاسباً ومجازياً لا توجد في اليهودية فحسب وإنما لها مقامها الأساسي في العقائد الدينية المسيحية والإسلامية".
وهــذا فارس أخر من فرسان عصر النهضة، عصر العلم، أستاذ البيولوجيا (هيكل) يهزي في كفره فيقول:" إإتوني بالهواء وبالماء وبالأجزاء الكيماوية وبالوقت، وسأخلق إنسانا". المضحك أن هذا (الشيء) عاجز عن أن يأتي وحده بما طلب ويطلب العـون، فكيف سيخلق إنسانا؟
هؤلاء بعضهم وهذى بعضاً من أقوالهم، ونهضتهم، التي راح علمائنا يلهجون بذكرهم ويسبحون بحمدهم، ويقدسونهم تقديساً، وتدرس أقوالهم وعلومهم كبديل كما قالوا هم... للدين.
وما قلناه وذكرناه من أقوالهم غيض من فيض وإلا فإنه لم يشذ من رجال عصر النهضة إلا النذر القليل، وهذا القليل كان أغلبهم، منتهى إيمانه، أن يعترف - بالكاد - بوجود خالق للكون وكفي، وهو إيمان لا يرقى في أحسن أحواله عن إيمان أبى جهل، وأبى لهب. فقد كانا يؤمنان بوجود الله وبأكثر من ذلك ورغم هذا فلم يعتبرا من المؤمنين طبقاً للقواعد الإسلامية.
وللأسف لم يخل علم من العلوم سواء الإنسانية أو المادية إلا وظهرت فيه نهضة على مثال ما ذكرنا. وقد كان أكبر علم حظي بنهضة فائقة هو علم الفلك يقول كبيرهم (جيمس جينز) معبراً عن مدى العلم الذي وصلوا إليه:" لا غرابة إذا كانت أرضنا قد جاءت صدفة نتيجة بعض الحوادث، وإذا بقى كوننا على حالته الراهنة لمدة طويلة مماثلة (لمدة حدوثه صدفة) فلا نستبعد حدوث أي شيء يمكننا قياسه على الأرض".
الدين والعلم
" الدين يتعارض مع العلم" فرية افتراءها الملحدون من التجريبيين وهم يشكلون غالبية علماء هذا العصر. ولأنه لا يمكن الجمع بين الاثنين في منطقهم، فقد اختاروا العلم وفضلوه على الدين وأعلنوا ذلك صراحة وبذلك ظهر المذهب الجديد (العلمانية).
والمؤمنون بالله يوقنون بأن الدين لا يمكن أن يتعارض مع العلم ويوقنون بأن العلم (الصحيح) لا يمكن أن يتعارض مع الدين. وأعتقد أن هذا هو الإيمان الحقيقي، ولو تعارض علم مع الدين أو العكس فالمؤمن يختار الدين والملحد سيختار العلم، ليس حباً فيه ولكن حباً في الكفر.
وإنني كواحد من المؤمنين بالتوراة والإنجيل والقرآن جميعاً لدي هذا اليقين أن هذه الكتب الثلاثة لا تتعارض أبداً مع العلم، وأن أي نظرية سليمة تثبت ستكون دون شك متوافقة مع هذه الكتب.
هناك فرق بين العلم والنظريات
العلم هو ما علم بالفعل وثبت بطرق الإثبات، ولم يعد سبيل إلى نقضه في أي وقت أو بأي وسيلة. وطرق الإثبات عديدة منها الحواس ومنها العقل ومنها التجربة ومنها الوحي.
المهم في هذه الطرق كلها: الصدق. وأعلى هذه الطرق مرتبة هو الوحي.
فالأمور التي نسميها علماً وثبتت بطريق الإثبات من المستحيل أن تتعارض مع الدين. أما الأمور التي نسميها نظريات فإنها قد لا تكون علماً ثابتاً وإنما مجرد وجهات نظر. وقد نختلف معاً في أمر واحد، ولا غضاضة بل لابد أن يحدث ذلك، لأن عمر الإنسان قصير، وقدراته محدودة، والناس فيما بينها فضلا عن اختلاف القدرات مختلفة الأهواء، فما أراه جميلا قد تراه أنت غير ذلك وما تراه أنت مفيدا قد أراه أنا غير ذلك.. وهكذا.
أما الحواس فقد تخدع، وجميع طرق الإثبات ما عدا الوحي تعتمد على الحواس. فقـد أقسم لك إنني شاهدت ماء في مكان ما وتكتشف أنت أنه سراب وتقسم أنت أنك شاهدت فلانا ثم لا يكون هو. وتقاطع فلانا لأنه مر أمامك وعينه في عينك ولم يبادلك التحية بينما هو يقسم أنه لم يرك وهو صادق رغم أن عينه فعلا وقعت عليك، لشرود ذهنه مثلا أو ضعف بصره.. أو غير ذلك.
حتى الدراسات التي يجريها الباحثون والاستطلاعات والاستفتاءات كل ذلك قد يخلص الباحثون فيها إلى نتيجة خاطئة غير سليمة رغم أنها أجريت على آلاف من الناس.
إذن فلو تعارض رأي إنسان أو وجهة نظره مع الدين فلا نكفر بالدين. ولكن نكفر بالنظرية أو الرأي أو التجربة أو المشاهدة لأن كل ذلك قد يكون فيه كذب أو خداع ولا نسميه أبدا علماً لأنه يتعارض مع الدين، أما الوحي فإنه صادق.
والدين هو العلم. هذا بالنسبة للمؤمنين - لأن الله تعالى هو الخالق وهو العليم فإن ورد شيء عن طريق الوحي فهو العلم. حتى لو تعارض هذا مع بعض النظريات لأن الأخيرة مجرد نظريات اعتمدت على الحواس التي تخدع والناس التي قد تكذب أو تجامل أو تخالف.
فهل يمكن أن يكون هناك تعارض بين العلم والدين لو ثبت عن طريق الوحي أن الأرض ليست جزاءًا من الشمس؟
ليس هناك تعارض، لأن العلم والحواس والتجربة والعقل لم يثبتوا أن الأرض جزء من الشمس ولم ير أحد من القائلين بهذه النظرية الأرض وهي تتكون.
ولو قال الوحي بأن الأرض ثابتة لا تدور فلا تعارض مع العلم لأنه لم يثبت بأي طريق من طرق الإثبات أنها تدور بل إن الحواس ترى الشمس هي التي تدور. ولم ير أحد الأرض وهي تدور فيخبرنا الخبر... وهكذا... ولا يخفي علي أحد أن ما نشاهده من دوران الكرة الأرضية في التليفزيون أو وسائل العرض المختلفة ما هو إلا من صنع الإنسان ذاته باستخدام أجهزة تقنية حديثــة كالكمبيوتر وغيره. فالإيمان يقتضي إذن أن اعتبر ما يتعارض مع الدين ليس علما. أما أن أكفر بالدين فهذا ليس حبا في العلم بل حبا في الكفر.
وهذا (ميريت ستانلى كونجدن) عالم طبيعي وفيلسوف يعترف ويقول:
" إن العلوم حقائق مختبرة، ولكنها مع ذلك تتأثر بالخيال الإنساني وبأوهام الإنسان ومدى بعده عن الدقة في الملاحظة وعدم الدقة في أوصافه واستنتاجاته ونتائج العلوم مقبولة داخل هذه الحدود. فهي بذلك مقصورة على الميادين الكمية في الوصف والتنبؤ وهي تبدأ بالاحتمالات وتنتهي بالاحتمالات كذلك، وليس باليقين. ونتائج العلوم بذلك تقريبية وعرضية للأخطاء المحتملة في القياس والمقارنات، ونتائجها اجتهادية، وقابلة للتعديل بالإضافة والحذف وليست نهائية. وإننا لنرى أن العالم عندما يصل إلى قانون أو نظرية يقول إن هـذا هو ما وصلنا إليه حتى الآن، ويترك الباب مفتوحا لما يستجد من التعديلات.
إن العلوم تبدأ بقضايا أو بديهيات مسلم بصحتها برغم أنها لا تستند على حقيقة فيزيائية ملموسة. وعلى ذلك فإن العلوم تقوم على أساس فلسفي. والخبرة الشخصية في العلوم كما في الفلسفة والدين هي المحك النهائي والملاذ الأخير الذي تختبر به جميع الحقائق في العلوم كما في الفلسفة والدين.
وبرغم أنه لابد أن تكون الحقائق والنظريات التي يصل إليها رجال العلوم قابلة للاختبار والتحقيق على أيدي غيرهم من العلماء فإن إدراكنا الشخصي للظواهر الطبيعة يعتبر أمرا نسبيا ويتوقف على ظروف خاصة بنا".
كما يعترف الدكتور (بول كلارنس ابد) كذلك بأن الحواس والتجارب والوسائل التي يتبعونها في معاملهم لا توصلهم إلى الحقيقة التي يفتقدها الإنسان فيقول:" وقد أدرك رجال العلوم أن وسائلهم وإن كانت تستطيع أن تبين لنا بشيء من الدقة والتفصيل كيف تحدث الأشياء فإنها لا تزال عاجزة كل العجز عن أن تبين لنا لماذا تحدث الأشياء".
إن العلم والعقل الإنساني وحدهما لن يستطيعا أن يفسرا لنا: لماذا وجدت الذرات والنجوم والكواكب والحياة والإنسان بما أوتي من قدرة رائعة. وبرغم أن العلوم تستطيع أن تقدم لنا نظريات قيمة عن السديم ومولد المجرات والنجوم والذرات وغيرها من العوالم الأخرى فإنها لا تستطيع أن تبين لنا مصدر المادة والطاقة التي استخدمت في بناء هذا الكون، أو لماذا اتخذ الكون صورته الحالية ونظامه الحالي".
هذان اعترفان من قطبين من أقطاب العلوم التجريبية يشهدان بأن وسائلهم لا توصل إلى الحقيقة، وعلى ذلك فيظل الإنسان في حاجة إلى الوحي ليعلم، ومفتقراً إلى الله ليعرف.
غير أن علماء الأرض الآن.. إلا من رحم ربك - استغنوا بعلومهم ووسائلهم ولم يعودوا بحاجة إلى الله، كبرا وعلوا. رغم أن هؤلاء قد رأوا بأنفسهم آيات الله، ولابد أنهم تيقنوا من قدرته تعالى ومن أنه الحق. يقول تعالى: سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الأفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ (فصلت:53).
(إيرفنج وليام توبلوتش) دكتوراه في العلوم الطبيعية يكشف لنا عن نفسية بعض زملائه وشعورهم تجاه الدين فيقول:" يميل بعض المشتغلين بالعلوم - في ظل ثقتهم الكبيرة... إلى الاعتقاد بأن العلوم قادرة على حل جميع المشكلات. فالحياة من وجهة نظرهم ليست إلا مجموعة من القوانين الطبيعية والكيماوية التي تعمل في مجال معين. وقد أخذ هؤلاء يفسرون الظواهر الحيوية المختلفة الواحدة تلو الأخرى، تفسيرات تقوم على إدراك السبب والنتيجة، والوجود من وجهة نظرهم لا يستهدف غاية وسوف ينتهي الأمر بعالمنا إلي الزوال عندما ينضب معين الطاقة الشمسية، وتصير جميع الأجسام هامدة باردة، تبعاً لقوانين الديناميكا الحرارية".
والرجل لم يكذب فيما قال، وقد أوردنا أقوالا لمثل هؤلاء تبين ما في نفوسهم قَدْ بَدَتْ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ (آل عمران:118).
وانظروا إلى ما وصل إليه أحدهم من التطرف، يقول برتراند راسل:" ليس وراء نشأة الإنسان غاية أو تدبير. إن نشأته وحياته وآماله ومخاوفه وعواطفه وعقائده، ليست إلا نتيجة لاجتماع ذرات جسمه عن طريق المصادفة ولا تستطيع حماسته أو بطولته أو فكره أو شعوره أن تحول بينه وبين الموت. وجميع ما قام به الإنسان عبر الأجيال من أعمال فذة وما اتصف به من ذكاء وإخلاص مصيره الفناء المرتبط بنهاية المجموعة الشمسية ولابد أن يدفن جميع ما حققه الإنسان من نصر وما بناه من صروح المدنية تحت أنقاض هذا الكون إن هذه الأمور جميعا حقائق لا تقوى فلسفة من الفلسفات على إنكارها".
إن (برتراند) صاحب هذه النظرية وغيرها من النظريات ليلقى احتراما ومكانة بين علماء المسلمين تفوق ما يلقاه كثير من الأنبياء والمرسلين.
هذا هو حال كثير أو أغلب علماء هذا العصر من التجريبيين، اغتروا بما معهم من وسائل وما وصلوا إليه من علوم، هي في النهاية ومن وجهة نظر الإسلام كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ (النور:39) وهي كذلك فعلا حتى عند النابهين من هؤلاء التجريبيين يقول إيرفنج وليام:
" إن العلوم مهتمة بتحسين نظرياتها، وهـي تحاول أن تكشف عن كنه الحقيقة ولكنها، كلما اقتربت من هذين الهدفين زاد بعدها عنهما.
إن فكرتنا عن هذا الكون قائمة على أساس حواسنا القاصرة وعلى استخدام ما لدينا من الأدوات غير الدقيقة نسبيا".
ثم قلة منهم هي التي شهدت بوجود الله، لكن هذه القلة استنكفت أن تقيد نفسها بدين أو نحلة، ومن أمثال هؤلاء" أينشتاين" الذي ذكرنا كلمته التي يعتبر فيها أن مجرد الشعور الديني دون التقيد بنحلة أو ملة غاية العبقرية وهو يدعو لأن يقوم العلم والفن بإحياء هذا الشعور على الدوام عبر الأجيال.
يـقول (جـورج هـربرت بلونت) كبير المهندسين بجامعة كاليفورنيا وأستاذ الفيزياء التطبيقية" مجرد الاقتناع بوجود الله، لا يجعل الإنسان مؤمنا، فبعض الناس يخشون من القيود التي يفرضها الاعتراف بوجود الله على حريتهم، وليس هذا الخوف قائما على غير أساس فإننا نشاهد أن كثيرا من المذاهب المسيحية حتى تلك التي تعتبر مذاهب عظمى تفرض نوعا من الديكتاتورية على العقول. ولا شك أن هذه الديكتاتورية الفكرية إنما هي من صنع الإنسان، وليست بالأمر اللازم في الدين، فالإنجيل مثلا يسمح بالحرية الفكرية حينما يقول:" قال الرب: أقبل علينا ودعنا نفكر معا" ثم يقول مختتماً" وأعتقد أنني قد آمنت بالله بهذه الطريقة".
وإنني أعتقد أن هذا هو إيمان معظم علماء العصر الذين يدينون بالعلمانية والذين تدرس أقوالهم ونظرياتهم في مدارس وجامعات المؤمنين بالكتب المقدسة.
القرآن والعلم
المؤمنون بالقرآن، يعلمون جيدا أن القرآن يحض على العلم، ويحث على التعليم ولا خوف من العلماء لأنهم كما قال: إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ (فاطر:28). أي أن أكثر الناس خشية لله وتوقيرا له هم العلماء وفي الحديث المروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم" إن العالم أشد على الشيطان من ألف عابد".
وعلى ذلك فالتجريبيون ليسوا بعلماء لأنهم لا يخشون الله، بل لا يؤمنون به. لذلك أجدني متحرجاً أن أذكرهم بلفظ العلماء. لأن العالم هو المؤمن بالله، ولا يمكن أن يكون هؤلاء علماء، ومن الخطأ إطلاق هذا اللفظ عليهم، إن لم يكن أيضا مخالفة لقول الله هذا.
ولقد نبغ رجال أيام السلف في علم الفلك دون الدين، فلم يسمهم الفقهاء بعلماء الفلك وإنما كانوا يلقبونهم بلفظ (أهل الهيئة) أي أهل الفلك. لأن العالم لابد أن يكون عالما بالله كأمــر سلم به.
إن أول آية وأول كلمة وردت في القرآن - الرسالة الأخيرة للبشر- الأمر بالتعليم قال تعالى: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الإنسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الإنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ  (سورة:العلق). بل إن الآية رقم 9 من سورة الزمر لم تسو بين المؤمنين في المكانة بل فرقت بينهم، يقول تعالى قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ  يَرْفَعْ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ (المجادلة:11). وأخبر الله تعالى المؤمنين بأنه أنعم على آدم أبى البشر بالعلم قبل أن ينزل إلى الأرض وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا (البقرة:31) هكذا فعل تعالى مع أول الأنبياء وأما آخر الأنبياء فقد أوحي إليه وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا (طه:114) ولم يوح إليه أن يطلب الزيادة في شيء إلا في العلم، ولذلك قال " طلب العلم فريضة على كل مسلم". وقال" من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له طريقا إلى الجنة". والآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي توصى وترغب في العلم وتعلي مكانة العلماء أكثر من أن تحصى، فكيف يقال بعد ذلك إن الدين يتناقض مع العلم؟
الحق أن الذي أتى به العلمانيون والتجريبيون لا يسمى علماً، لأنه لا يعد علماً، وأقولها وأعلنها لكل أهل الأرض: أن كل علوم العصر منذ بداية عصر النهضة إلى الآن باطلة، ولا تمت للحقيقة بصلة، أعنى بذلك العلوم الكونية. أما غيرها من العلوم فإني أشهد لهم بها، ولم لا أشهد وقد شهد الله لهم بذلك حيث قال تعالى يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنْ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنْ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ ( الروم:7). فهم علماء في الماديات المتعلقة بالحياة الدنيا ومتعتها ووسائل عمرانها وزخارفـها، فهم عالمون في الهندسة والرياضة والمواصلات والاتصالات والكيمياء والكهربائيات والأدوات المنزلية، وعموما كل ما هو متعلق بشئون دنياهم ووسائل تمتعهم بها ورغم ذلك فهم لا يعدون من العالمين فقد وصفهم الله تعالى بأنهم غَافِلُونَ .
أكرر: كل علوم أهل الغرب أو الشرق المتعلقة بالكونيات: باطلة.
لذلك فإنني اتباعا لأمر الله وآياته أطلق لفظ العالم على علماء الدين. أما أهل المعامل والتجارب فأسميهم (التجريبيون). فالأولون أتباع الوحي الإلهي والآخرون أتباع التجارب المعملية، ثم هناك أهل التفكير العقلي وهم (الفلاسفة).
وعلى الرغم من كل ما أوتيَ هؤلاء من وسائل وتقدم في الآلات والأجهزة وعلى ما عندهم من كم هائل من المعارف على ما فيها من الغث والسمين، والنافع والضار، فإنهم لا يقدرون على تخطئة الكتب المقدسة أو يثبتون تناقضها مع الدين، لأن العلم الثابت لا يتناقض البتة مع الدين، إنما التناقض بينه وبين نظرياتهم الكونية الخاطئة.
يؤيدني في ذلك عالم الرياضيات والفيزياء (ايرل تشستر ريكسى) بقوله:" إنني أجد بوصفي من المشتغلين بالعلوم أن النتائج التي وصلت إليها بدراستي العلمية عن الكون وعن الله تتفق كل الاتفاق مع الكتب المقدسة التي أومن بها وأعتقد في صدق ما جاءت به عن نشأة الكون وتوجيه الله له وقد يرجع ما نشاهده أحيانا من التعارض بين ما توصلت إليه العلوم وبين ما جاء في هذه الكتب المقدسة إلى نقص في معلوماتنا".
" والنظريات الحديثة التي تفسر نشأه الكون والسيطرة عليه بصورة تخالف ما جاء في الكتب السماوية، تعجز عن تفسير جميع الحقائق وتزج بنفسها في ظلمات اللبس والغموض. وإنني شخصياً أومن بوجود الله وأعتقد في سيطرته على هذا الكون".
حقا إن النظريات الحديثة التي تفسر الكون والسيطرة عليه تخالف ما جاء في الكتب السماوية، وكنت أود لو درس المنصفون من أتباع عيسى روح الله أو موسى كليم الله القرآن الكريم، نعم وددت لو درسوه دراسة الرسالات العلمية التي يناقشونها فلو كان ذلك قد تم لما كانت النظريات الحديثة بهذه المخالفة الصارخة للدين، ذلك أن نص الإنجيل ونص التوراة الموجودين الآن بأيدي الناس ليس فيهما هذه الاستفاضة التي في القرآن من علوم ومعارف هذا العصر.
كذلك لا يشك منصف أن بعض آيات الكتابين لحقهما تأليف وتحريف، ليس من أبناء هذا العصر، ولكن ذلك منذ قرون عديدة، قرون قريبة من نشأة الكتابين.
أما القرآن فهو الكتاب الوحيد الذي لا يحتوى على حرف من كلام البشر، وليس ذلك بسبب حرص المسلمين على سلامة نصه، لا.. لا.. فلو ترك الأمر لهم، للحقه تحريف وتأليف أضعاف الموجود الآن بالعهدين القديم والجديد، هذا إن بقيت منه آيات على هيئتها التي أنزلت بها من عند الله. ولكن عناية الله سبقت، ورحمته حفظت. قال تعالى إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (الحجر:9).
كنت أود أن يفعل علماء الغرب ذلك، وأن يدرسوا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتراث المسلمين. ولو فعلوا ذلك لغيروا من العلوم والمعارف الموجودة الآن أما لو كان للإسلام علماء لقاموا هم بذلك.. ولكن أين هم الآن؟
إن ببلاد الإسلام كثيراً من الأسماء التي تسمى بالعلماء، وهناك مئات الآلاف في ربوع الأرض يحفظون القرآن عن ظهر قلب، بينما كان في عصر رسول صلى الله عليه وسلم عدد من يحفظون القرآن أربعة، ليس أربعة آلاف بل أربعة رجال فقط ومع ذلك كان كل الرجال والنساء في عهده  علماء.
أما الآن فهذه الآلاف التي تحفظ القرآن لا يطلق عليهم علماء. وإلا لكان لدى المسلمين مئات الآلاف من العلماء، ولما أصبح حالهم هذا الحال. حفظة القرآن الآن يتبعون برتراند رسل وهيكسلى وجيمس جينز وجاليليو ونيوتن وأينشتاين. فما فائدة القرآن الذي معهم؟
لقد أخبر الله تعالى بأن هذا القرآن نور فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرسولهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَا (التغابن:Cool وأخبر تعالى بأن الذين كذبوا به في الظلمات، وأخبرنا تعالى بأنه جازى الذين كفروا بهذا النور بأنه ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لا يُبْصِرُونَ (البقرة:17).
أليس هذا كلام الله؟ أليست هذه آيات الله؟ هل يعقل أن الذين يحملون النور يسيرون وراء الذين تركهم الله في ظلمات لا يبصرون؟ هل يعقل هذا؟
أو ليس هذا هـو الذي يحدث من كل من نطلق عليهم علماء، سواء أكانوا في الكيمياء، أو الطبيعة، أو الفلك، أو الرياضيات، أو الزراعة، أو الجغرافيا، أو الفلسفة أو المنطق أو القانون أو التاريخ، أو العلوم الشرعية الإسلامية، هل هناك علم من هذه العلوم أو غيرها لا يتبع الرءوس فيها والأساتذة نظريات علماء الغرب؟ يا رباه.. كيف يسير حاملو النور خلف الذين لا يبصرون؟ إنه لأمر عجاب !!
كيف يتبع المؤمنون الكافرين ويسايرونهم؟ هل هؤلاء الذين ذكرنا أسماءهم من علماء الغرب يؤمنون بالقرآن؟ هل يؤمنون بالإسلام؟ هل يؤمنون بمحمد ؟ إنهم فِي ظُلُمَاتٍ لايُبْصِرُونَ (البقرة:17) لقد وصف الله تعالى هؤلاء وصفا دقيقاً في سورة (النور) حتى نعرفهم ونعلم أمرهم ومدى علمهم وحقيقة أعمالهم. يقول تعالى وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءه لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَاب ِ(39) أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلْ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُور ٍ(40) فماذا نقول الآن عن علمائنا– في كل مجال–الذين يتبعون هؤلاء، وكلهم يفعل ذلك دون استثناء؟ ماذا يفعل العوام والجهلة الذين أحالهم الله إلى هؤلاء العلماء ليتعلموا منهم فقال: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (النحل:43).
أخرج الإمام أحمد بإسناده عـن أنس بن مالك رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إن مثل العلماء في الأرض كمثل النجوم يهتدي بها في ظلمات البر والبحر فإذا انطمست النجوم أوشك أن تضل الهداة".
وكما أن انطماس النجوم من علامات القيامة فذهاب العلم كذلك من علاماتها روى البخاري عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إن من أشراط الساعة، أن يرفع العلم ويثبت الجهل، ويشرب الخمر، ويظهر الزنا" وروي البخاري أيضا عن عبد الله بن عمرو ابن العاص قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤوسا جهالا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا".
وأحسب أن نبوءة رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تحققت ونحن الآن نعيش فعلا مقدمات يوم القيامة. وإلا فأين هم العلماء المتبعون لكتاب الله وسنة رسوله؟ أين علماء الإسلام الذين يوجهون علماء الغرب إلى الصواب لأن معهم النور؟.. أين هم؟
سأل (فرقد السبخي) الحسن البصري عن شيء فأجابه فقال:" إن العلماء يخالفونك" فقال الحسن البصري:" ثكلتك أمك فريقد، وهل رأيت عالما بعينك؟ إنما العالم الزاهد في الدنيا، الراغب في الآخرة، البصير بدينه، المداوم علي عبادة ربه، الكاف عن أعراض المسلمين، العفيف عن أموالهم الناصح لجماعتهم".
ترى أيها السادة: هل ترون علماء؟؟
عموما سنتغاضى عن التعريف الدقيق للفظ العالم وسنعتبر من نراهم حولنا فعلا علماء، عليهم إذن قدر استطاعتهم أن يخرجوا بنا من الظلمات إلى النور، ولا يتبعوا الذين لا يبصرون.
تلفيق لا توفيق
إن مجرد الإيمان بوجود الله لا يعتبر إيمانا، وأن الإيمان الذي ينفع صاحبه، لابد أن يكون كما يريد الله لا كما يريد المؤمن، والله تعالى يريد من المؤمنين به أن يلتزموا التزاما كاملا بكلامه، وأن يتبعوا آياته، وفي نفس الوقت لا يتبعون غيرها، بل إنه تعالى حذر الذين لا يستجيبون لكلامه أنه سوف يستبدل بهم غيرهم. وهو تعالى لا يكلف نفساً إلا وسعها، وليس فيما طلبه الله مشقة على الأنفس يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ (البقرة:185) يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ (النساء:28) فإذا ما اتبع المؤمنون آيات الله نالوا رضاه، ليس من المهم بعد ذلك أن يذنبوا أو يخطئوا فإنه تعالى سيغفر لهم إن تابوا. المهم اتباع منهج الله يقول تعالى في سورة النساء وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ إِلا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ ال لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا (64) فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا.
إن الله تعالى يقسم فَلا وَرَبِّكَ إنهم لا يؤمنون ولا يعتبرون مؤمنين إلا إذا كمل إيمانهم باتباعهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم ورضاهم بما يقول ويأمر، وتسليم أمرهم تماما لله.
لقد وصل الحال بعلماء الأرض الآن إلى أنهم اغتروا بمجرد الاعتراف بوجود الله. أو بمجرد الإيمان بأن محمدا الله والقرآن كتاب الله وكفي وكأنهم يمنون على الله بإيمانهم. إن الله تعالى لا يريد من عباده أن يمنوا عليه بإيمانهم بَلْ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُم (الحجرات:17) إنه يريد عبادا متعلقة أرواحهم به تعالى، خالصة قلوبهم بحبه، متذللة أجسادهم بعبادته، مطيعين لأوامــره، مستمسكين بكتابه، متبعين لآياته، يرجون رحمته ويخافون عذابه وليس مجرد شعارات تردد وكلمات يلقى بها. ولا يريد من أوليائه أن يكلفوا أنفسهم ما لا يطيقون، ولا فيما أمر مفرطون أو مفرَطون. ولا يريد من الدعاة إلى دينه أن يسلكوا في الدعوة إليه سبيلا غير السبيل الذي حدده لهم ودون تملق لأحد أو مداهنة أو تنازل عن مبدأ لقبول مبدأ آخر، وهو تعالى يأمر الدعاة أن يدعوا الناس ليسلموا له دون قيد أو شرط، لأن الإسلام حق له تعالى، ثم إن فيه سعادةً للناس وخيراً في الدنيا والآخرة.
وإن الداعية مطالب ببذل عناية، وليس بتحقيق غاية. والقاعدة الإلهية تنص على إِنَّكَ لاتَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِين (القصص:56). غير أن علماء المسلمين وأقول حرصا منهم على الدين، راحوا ينشرون ويدرسون مبادئ (إسحاق نيوتن) في الجاذبية، ونظرية (تشارلز دارون) في النشوء والارتقاء و(ألبرت أينشتاين) في قانونه للنسبية، وهذه كلها ما وضعت إلا لمعارضة الدين، وقد



أدخل عنوان بريدك الإلكتروني هنا يصــــلك كل جديــــد





بلغ الادارة عن محتوى مخالف من هنا ابلغون على الروابط التي لا تعمل من هنا



توقيع : manel


التوقيع



قصة الخلق من العرش إلى الفرش  story of Creation By Eid Wardany Emptyالجمعة 25 يناير - 22:27
المشاركة رقم: #
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
عضو الجوهرة
الرتبه:
عضو الجوهرة
الصورة الرمزية


البيانات
عدد المساهمات : 17945
تاريخ التسجيل : 17/10/2012
رابطة موقعك : ورقلة
التوقيت

الإتصالات
الحالة:
وسائل الإتصال:


مُساهمةموضوع: رد: قصة الخلق من العرش إلى الفرش story of Creation By Eid Wardany



قصة الخلق من العرش إلى الفرش story of Creation By Eid Wardany

ليس معنى قولنا بتناقض النظريات المعاصرة مع الكتب المقدسة أن هذه الكتب لا تحتوى على علوم ومعارف كونية، بل الأمر عكس ذلك تماما فكل ما في السموات والأرض مذكور في الكتب من بداية الخلق حتى نهايته، بل فيها علم عما فوق السموات حتى العرش وما تحت الأرض حتى أسفل سافلين.
وقد عاتبت علماء الغرب من المؤمنين أنهم لم يتناولوا بالدراسة الكتاب الأخير الذي أنزله الله على محمد. ولو كانوا فعلوا ذلك لتغيرت نظريات كثيرة من المعروضة علينا الآن، وقد قام واحد فقط من هؤلاء العلماء، ليس فقط بدراسة القرآن، بل وأيضا بمقارنته مع الكتب المقدسة الأولى، ثم بمقارنتهم جميعا مع المعطيات العلمية الحديثة، وسأورد خلاصة ما توصل إليه العالم ليس لاتفاقي الكامل معه، بل لانفراده وريادته لهذا النهج الذي كان ينبغي أن يفعله من يريد العلم والوصول إلى الحقائق.
(موريس بوكاي) عالم فرنسي شهير. قال في مقدمة كتابه القيم: (دراسة الكتب المقدسة في ضوء المعارف العلمية الحديثة):
" لقد كانت مقابلة النصوص للكتب المقدسة أمراً لازماً لصحة النص المقدس، ولكن تطور العلم كشف للمفكرين عن وجود نقاط خلاف بين الاثنين وبهذه الطريقة خلق ذلك الوضع الخطير الذي جعل اليوم مفسري التوراة والإنجيل، يناصبون العلماء العداء إذ لا يمكن في الحقيقة أن نقبل بأن رسالة إلهية منزلة تنص على واقع غير صحيح بالمرة".
أما عن الإسلام كرسالة فيقول بوكاي:
" إن الإسلام قد اعتبر دائما، أن هناك اتفاقا بين معطيات الكتاب المقدس والواقع العلمي. وإن دراسة نص القرآن في العصر الحديث لم تكشف عن الحاجة إلى إعادة النظر في هذا. فالقرآن يثير وقائع ذات صفة علمية، وهي وقائع كثيرة جداً، خلافاً لقلتها في التوراة، إذ ليس هناك أي وجه للمقارنة بين القليل جدا لما أثارته التوراة من الأمور ذات الصفة العلمية وبين تعدد وكثرة الموضوعات ذات السمة العلمية في القرآن، وأنه لا يتناقض موضوع ما من مواضيع القرآن العلمية مع وجهة النظر العلمية. وتلك هي النتيجة الأساسية التي تخرج بها دراستنا".
يقول أيضا:
" إن الدراسة التي نقدمها الآن تختص بما تنبئنا به الكتب المقدسة فيما يتعلق بالظواهر الطبيعية الكثيرة ولابد من الملاحظة أن الوحي القرآني غنى جداً في تعدد هذه المواضع وذلك على خلاف ندرتها في العهدين القديم والجديد".
ثم يذكر ما توصل إليه من دراسته قائلا:
" لقد قمت أولاً بدراسة القرآن الكريم وذلك دون أي فكر مسبق وبموضوعية تامة، باحثاً عن درجة اتفاق نص القرآن ومعطيات العلم الحديث. وكنت أعرف قبل هذه الـدراسة أن القرآن يذكر أنواعا كثيرة من الظواهر الطبيعية لكن معرفتي كانت وجيزة.
وبفضل الدراسة الواعية للنص العربي استطعت أن أحقق قائمة أدركت بعد الانتهاء منها أن القرآن لا يحتوي علي أي مقولة قابلة للنقد من وجهة نظر العلم، في العصر الحديث.
وبنفس الموضوعية قمت بنفس الفحص على العهد القديم والإنجيل، أما بالنسبة للعهد القديم فلم تكن هناك حاجة للذهاب إلى أبعد من الكتاب الأول أي سفر التكوين، فقد وجدت مقولات لا يمكن التوفيق بينها وبين أكثر معطيات العلم رسوخا في عصرنا وأما بالنسبة للأناجيل فما نكاد أن نفتح الصفحة الأولى منها حتى نجد أنفسنا دفعة واحدة في مواجهة مشكلة خطيرة ونعنى بها شجرة أنساب المسيح. ذلك أن نص إنجيل (متى) يناقض بشكل جلى إنجيل (لوقا)، وإن هذا الأخير يقدم لنا صراحة أمرا لا يتفق مع المعارف الحديثة الخاصة بقدم الإنسان علي الأرض.
غير أن وجود هذه الأمور المتناقضة وتلك التي لا يحتملها التصديق، وتلك الأخرى التي لا تتفق مع العلم، لا يبدو لي أنها تستطيع أن تضعف الإيمان بالله ولا تقع المسئولية فيها إلا على البشر".
ثم وصل (بوكاي) إلى القرآن. وبعد دراسته الدراسة المستفيضة التي بلغت به إلى أن يتعلم اللغة العربية حتى يفهم النص القرآني من مصدره دون الاعتماد على الترجمات حتى أنه سافر إلى مهبط الوحي ليتحرى الدقة في المعلومات فقال:
" الواقع أننا إذا استثنينا اليوم بعض الحالات النادرة نجد أن غالبية العلماء وقد تشربوا النظريات المادية لا يكنون في غالب الأحيان إلا عدم الاكتراث أو الاحتقار للمسائل الدينية. وكثيرا ما يعتبرونها مؤسسة على أساطير. وزيادة على ذلك فإننا، عندما نتحدث في بلادنا الغربية عن العلم والدين نغفل ضم الإسلام إلى اليهودية والمسيحية. فالأحكام غير الصحيحة والمؤسسة على مفاهيم مغلوطة والتي صدرت ضد الإسلام هي من الكثرة بحيث يصعب جدا علي المرء أن يكون فكرة سليمة عما عليه الإسلام في الواقع".
ثم خلـص بوكاي مـن دراسته للقرآن ومقارنته مـع المفاهيم العلمية الحديثة إلى أن قـال:" وتناولت القرآن منتبها بشكل خاص إلى الوصف الذي يعطيه عن حشد كبير من الظاهرات الطبيعية. لقد أذهلتني دقة بعض التفاصيل الخاصة بهذه الظاهرات وهي لا يمكن أن تدرك إلا في النص الأصلي. أذهلتني مطابقتها للمفاهيم التي نملكها اليوم عن نفس هذه الظاهرات والتي لم يكن ممكناً لأي إنسان في عصر محمد  أن يكون عنها أدنى فكرة.
إن أول ما يثير الدهشة في روح من يواجه هذا النص لأول مرة هو ثراء الموضوعات المعالجة، فهناك: الخلق وعلم الفلك وعرض لبعض الموضوعات الخاصة بالأرض وعالم الحيوان وعالم النبات والتناسل الإنساني وعلى حين نجد في التوراة أخطاء علمية ضخمة.. لا نكتشف في القرآن أي خطأ. وقد دفعني ذلك لأن أتساءل:" لو كان كاتب القرآن إنسانا، كيف استطاع في القرن السابع الميلادي المسيحي أن يكتب ما اتضح أنه يتفق اليوم مع المعارف العلمية الحديثة؟".
وعن صحة نص القرآن يقول (موريس بوكاي):" صحة القرآن التي لا تقبل الجدل تعطي النص مكانة خاصة بين كتب التنزيل ولا يشترك مع نص القرآن في هذه الصحة لا العهد القديم ولا العهد الجديد".
ومع تقديري الشديد لإجراء الأستاذ بوكاي لهذه المقارنة الفريدة وما توصل إليه من نتائج فإنني لا أوافقه على التسليم بأن القرآن متفق تماما مع المعطيات العلمية الحديثة، ولا أن التوراة والإنجيل مختلفة تماما معها، فيما هو متعلق بالعلوم الكونية وسنرى ما يؤيد ذلك. وبالطبع ليس الخطأ في القرآن أو التوراة أو الإنجيل بل.. في العلوم الحديثة.
القرآن تبيان لكل شيء
لقد وصف الله تعالى الذين كذبوا بآياته وبه - والتجريبيين منهم – بأنهم (غافلون، لا يعلمون، لا يبصرون، لا يفقهون، لا يوعون)، هكذا وصفهم الله في
القرآن. وأخبر تعالى أنهم يعيشون في الظلمات، وأن أعمالهم كسراب.
وصرف الله تعالى أمثال هؤلاء عن آياته فلا يستفيدون منها.. ولا يعلمون فمن ثم لا أقتنع أبدا - ولو اقتنع أهل الأرض - أن هؤلاء والقرآن يتوافقون.
ومع ما يقوله الله تعالى عنهم فكيف، وبأي عقل تنطبق آيات الله مع علومهم؟
عقيدتي التي أرجو أن يكون عليها آخرون، أن القرآن لديه رؤية صادقة وصحيحة عن الكون تختلف جملة وتفصيلا عما يقوله الآن علماء الأرض.
وعقيدتي أن القرآن فيه كل شيء عن هذا الكون مفصلاً تفصيلاً دون إبهام ودون غموض، وأنه يعطى الباحثين عن الحقيقة ما يريدون ماداموا يريدون اتباع آيات الله، وليس مجرد الرغبة في حفظه، لأن القرآن أنزله الله ليتبع ويعمل به: ومن أجل ذلك فصّل الله آياته تفصيلاً.
هذا هو دور الكتاب الذي أنزله الله تعالى، العليم الخبير، على عباده وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (النحل:44) وَمَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلا لِتُبَيِّنَ لَهُمْ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ ( النحل:64) وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ (النحل:89) أما أن يكون الغرض من القرآن أن يقرأ في السرادقات على الأموات. أو أن يعلق على صدور الكاسيات العاريات، أو على الجدران في البيوت والمحلات، أو خلف الراكبين في السيارات، أو يترنم ببعض آياته في الافتتاحيات، أو يتبرك به في المناسبات أو حتى تردد آياته في الصلوات، أو يتثبت من صدقه بتطابقه مع النظريات، كل هذا ليس دور الكتاب ولا له نزل.
لقد صرف الكتاب عما أنزل له، واقتصر دوره على هذه الأمور. والأصل أنه نزل لتتبع آياته ويعمل بما فيها، فالإتباع هو المهمة الأساسية والجوهرية من الكتاب، ومن أجل ذلك جاء أن الكتاب تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ ونزل الوحي على الله صلى الله عليه وسلم بتفسير لكل شيء. وعلم الصحابة منه كل شيء.
ومن قال بأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يفسر القرآن فقد كذب على الله واتهم الله بعدم تبليغ الرسالة وأداء الأمانة ولم يفعل ما أمره الله به يقـول تعالى وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُون (النحل:44) وقـال: وَمَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلا لِتُبَيِّنَ لَهُمْ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ (النحل:64) فالذكر في الآية الأولى غير الكتاب في الآية الثانية. فيكون معنى الذكر في الآية الأولي: ما أوحاه الله تعالى له من أحاديث نطق بها، فقد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أبهم فهمه على بعض الناس بما أنزله الله عليه من الذكر وهي الأحاديث.
وقد يقول البعض إن الكتاب إنما نزل للتعبد ومن ثم فليس من الضرورة أن يحتوى على علوم الفلك والهندسة والفيزياء والزراعة والطب.. وغيرها، وهذا لأن القرآن رسالة تعبدية فلا ينتظر أن يعطينا أي قواعد تتعلق بهذه العلوم.
إن الآيات التي بين أيدينا تفيد أن الله تعالى فصل كل شيء، وبين كل شيء هكذا تقول الآيات، وهو ما يفهم منها أيضا ولذا يقول تعالى:
الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (هود:1)
كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (الأعراف:2)
وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ (النحل:89)
وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلا (الإسراء:12).
إذن فالله تعالى لم يحدد في الكتاب أنه فصل أمور العبادة والتقرب فقط، فالآيات تطلق التفصيل والتبيين، وكذلك أحاديث النبي  مفصلة ومبينة كذلك. لكن ترى أيكون كل ما في الكون من كبير وصغير، وجليل وحقير، وحلال وحرام، وخير وشر، وفنون وعلوم، وأفعال وأسماء، وأحداث وتاريخ، كل ذلك مبين في كتاب الله؟
إن الآيات مطلقة. لكن ما قول علماء المسلمين والمفسرين في هذه الآيات؟
قال الشوكاني في تفسير قوله تعالى وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلا أي كل ما تفتقرون إليه في أمر دينكم ودنياكم بيناه تبيينا واضحا لا يلتبس. وعند ذلك تزاح العلل وتزول الأعذار ليهلك من هلك عن بينة.
وعـن معنى وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ قال: ومعنى كونه تبيانا لكل شيء أن فيه البيان لكثير من الأحكام والإحالة فيما بقى منها على السنة وأمرهم بإتباع رسوله صلى الله عليه وسلم فيما يأتي من أحكام وطاعته، كما في الآيات القرآنية الدالة على ذلك. وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:" إني أوتيت القرآن ومثله معه".
فتفسير الآية الأولى يدل على أن الله تعالى فصل في كتابه وفي سنة رسوله كل ما يحتاج إليه الناس في دنياهم وآخرتهم، حيث يقعون في الحرج والضيق والمشقة والاختلاف لو تخلف بيان شيء مما يفتقرون إليه.
والآية الثانية تفيد أن الكتاب والسنة بينا كل الأحكام، التي يحتاج إليها الناس ولكن هذا البيان سيكون فيه هُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ وخص المسلمين بهذه الثلاثة لأنهم هم المنتفعون بهذا التفصيل وهذا البيان. غير أن الله تعالى في عدة آيات يبين أن هذا التفصيل ليس لعموم الناس وإنما لفئات معينة حددها تعالى في آياته وهم وحدهم الذين يفهمون هذا التفصيل بإعمال القلب والفكر والتدبر حتى تستخلص الآيات والمنافع أياً كانت.
وقد حدد الله سبعة أصناف إذا وجدت فسيكون كل شيء مفصلا لهم وهم: (العلماء، الفقهاء، المؤمنون، والمذكرون، المفكرون، العاقلون، المتقون) فهؤلاء السبعة فقط هم الذين يتفهمون تفصيل الآيات:
(1) قَدْ فَصَّلْنَا الآيات لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (الأنعام:97)
(2) قَدْ فَصَّلْنَا الآيات لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ ( الأنعام: 98)
(3) بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (الأعراف:52)
(4) قَدْ فَصَّلْنَا الآيات لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ (الأنعام:126)
(5) كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيات لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ( يونس:24)
(6) كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيات لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (الروم:28)
(7) إِنَّ فِي اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمـَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَــوَاتِ وَالأَرْضِ لآيات
لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ (يونس:6).
فإذا توافرت صفة من هذه في أحد فلا شك أن آيات الله في الكتاب وفي الكون ستكون مفصلة مبينة له. ولكن لأي أمر فصل الله آياته وبينها هذا البيان الشامل؟ إنه تعالى أراد بأن يستفاد من هذه الآيات في الدنيا ويستفاد بها للآخرة. المهم أن تكون الغاية في سبيل الله، لأنه تعالى ما أوجد خلقه إلا ليعبدوه: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنسَ إلا لِيَعْبُدُون (الذاريات:56) ويقول تعالى قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (الأنعام:162). فلا تكون الآيات مفصلة ومبينه لأمور يعمل بها في الترف أو السرف، أو الشر أو الضر. قـال تعالى عـن علة تفصيل الآيات: وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (الأعراف:174) بعـد قوله تعالى كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (يونس:24) لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ (الرعد:2) بعد قوله تعالى يُفَصِّلُ الآيَاتِ وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ (الأنعام:55). والمتبع للآيات الواردة قبل قوله تعالى قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ (الأنعام:126) أو وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ (الأنعام:55) يجد أن الله تعالى لم يدع شيئا مما يهم الإنسان إلا وفصله وبينه تبياناً.
بعد ذلك يتملكنا العجب من قوم بين أيديهم آيات مفصلة لكل شيء ومبينه لكل شيء ثم يتسولون العلوم والمعارف ممن أخبر تعالى أنه سيصرفهم عن آياته سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِي الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ (الأعراف:146).
أليـس من العجب أن أقواما بين أيديهم نور ومن خلفهم نور وعن يمينهم نور وعن شمائلهم نور ومن فوقهم نور ومن تحتهم نور ويلتمسون العلم والنور ممن يعيشون في الظلمات؟ لقد سمى الله كتابهم (نور) وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا (النساء:174) وسمى هم (نور) قَدْ جَاءكمْ مِنْ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ (المائدة:15) ودينهم (نور) وَيُخْرِجُهُمْ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ (المائدة:16) وطريقهم (نور) أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ (الأنعام:122) وربهم تعالى (نور) اللَّهُ نُورُ السَّمَــوَاتِ وَالأَرْضِ (النور:35). أما هؤلاء الذين يلتمسون منهم العلم والنور فهم في الحقيقة الأكيدة في الظلمات: وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ (الأنعام:39).
إن كل علم يأتي من غير المؤمنين هو في الحقيقة جهل وضلال وكذب. وكل ما يتخيل أنه نور هو في الحقيقة وهم وسراب. وكل اتباع لمثل هذا يقابله ترك لآيات الله. وكل عدم إتباع يقابله ابتداع وفي الحديث" كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار".
أناشد المؤمنين بالله الواحد الأحد الفرد الصمد، وخاصة العلماء، أن يكفوا عن إتباع صناع عصر الإلحاد، وإلا فإنهم سيتبرءون منهم يوم القيامة. وأن يكفوا عن عمليات التوفيق بين ما يسمونه علما، وبين آيات القرآن العظيـم لأن ذلك - حقيقة - تلفيق لا توفيق، ولا تستوي الظلمات والنور.
علماؤنا الأجلاء
خذوا ما آتاكم الله بقوة، وكفى تمييعاً لقضايا الدين.. وانتبهوا أيها السادة للأمر الجلل الذي أنيط بكم وأنتم ورثة الأنبياء، وأنتم الذين أحالنا الله إليكم في فهم ديننا ودنيانا حيث قال تعالى: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (النحل:43) فاتقوا الله فينا نحن (الأميين).
وأذكركم والذكرى تنفع المؤمنيـن: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ (آل عمران:187). وأحـذركم أن تفعلوا فعل من قبلكم يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ (المائدة:13) وأعتذر إليكم.. إن كان في كلامي جرأة فما هو إلا حماس الشباب، والغيرة على الدين، والنصح للمؤمنين.
واستأذن أساتذتي العلماء في كل جنبات الأرض أن أعرض على سكان الأرض كيف بدء الخلق كما ورد في الكتب المقدسة والسنة الصحيحة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأقوال الصحابة والتابعين وتابعي التابعين. وما ورد بحضارات السابقين وهذا الذي سيطوح بكل نظريات العصر الحديث.

* * * * *



أدخل عنوان بريدك الإلكتروني هنا يصــــلك كل جديــــد





بلغ الادارة عن محتوى مخالف من هنا ابلغون على الروابط التي لا تعمل من هنا



توقيع : manel


التوقيع



قصة الخلق من العرش إلى الفرش  story of Creation By Eid Wardany Emptyالجمعة 25 يناير - 22:27
المشاركة رقم: #
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
عضو الجوهرة
الرتبه:
عضو الجوهرة
الصورة الرمزية


البيانات
عدد المساهمات : 17945
تاريخ التسجيل : 17/10/2012
رابطة موقعك : ورقلة
التوقيت

الإتصالات
الحالة:
وسائل الإتصال:


مُساهمةموضوع: رد: قصة الخلق من العرش إلى الفرش story of Creation By Eid Wardany



قصة الخلق من العرش إلى الفرش story of Creation By Eid Wardany

بدء الخلق











ففي البدء كان الله

ولم يكن شيء قبله..

ولم يكن شيء معه..

ولم يكن شيء غيره..

وكان عرشه على الماء،

وكتب في الذكر كل شيء

وخلق السموات والأرض.

روى البخاري عن عمران بن الحصين رضى الله عنهما قال: دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وعقلت ناقتي بالباب، فأتاه ناس من بنى تميم فقال:" اقبلوا البشرى يا بني تميم" قالوا: بشرتنا فاعطنا مرتين). ثم دخل عليه ناس من أهل اليمن فقال:" اقبلوا البشرى يأهل اليمن إن لم يقبلها بنو تميم" قالوا: قد قبلنا يارسول الله. قالوا: جئنا نسألك عن هذا الأمر. قال" كان الله ولم يكن شيء غيره، وكان عرشه على الماء، وكتب في الذكر كل شيء وخلق السموات والأرض" فنادى مناد: ذهبت ناقتك يا بن الحصين. فانطلقت فإذا هي يقطع من دونها السراب. فوالله لوددت أنى كنت تركتها.
يروى البخاري، وهو أوثق جامع لأحاديث الرسول الصحيحة، هذا الحديث الذي مع عمران بن الحصين أحد صحابة النبي صلى الله عليه وسلم بأنه دخل عليه ذات يوم بعدما ربط ناقته أمام الباب، وبينما هو جالس إذ جاء ناس من بنى تميم عندما بدأ رسول الله يحدث الحاضرين عن بدء الخلق والعرش فقال لوفد بنى تميم" اقبلوا البشرى" أي اقبلوا منى ما يقتضي لو عملتم به أن تنالوا الجنة. ويبدو أن الوفد لم يبد اهتماما بهذا الأمر، على الرغم من جلالته، مما غير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم أسفا عليهم لإيثارهم الدنيا فلما جاء أهل اليمن، قال لهم مثل قوله لوفد بنى تميم، فقبلوا البشرى وأظهروا اهتمامهم بالأمر، بل إنهم صرحوا له أنهم جاءوا من بلادهم ليتعلموا العلم وخاصة السؤال عن امر الخلق والعرش الذي توافق أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتحدث فيه. فقالوا: قد قبلنا وقد جئناك نسألك عن هذا الأمر، أي الذي تتحدث فيه الآن. فقالصلى الله عليه وسلم:
" كان الله ولم يكن شيء غيره، وكان عرشه على الماء، وكتب في الذكر كل شيء، وخلق السموات والأرض" عند هذا الحد سمع عمران بن الحصين - راوي الحديث - مناديا ينادى من الخارج: ذهبت ناقتك يا بن الحصين فانطلق عمران ليدرك ناقته التي تفلتت وشردت بعيدا كبعد السراب لمن يراه. ولما عاد عمران مرة أخرى إلى مجلسه، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أنتهي من حديثه فندم عمران على قيامه وقال: فوالله لوددت أنى كنت تركتها. أي ذهبت ولم أقم. تأسفا على ما فاته من العلم في هذا الأمر الذي في سبيله قدم وفد اليمن من بلادهم إلى المدينة ليسألوا عن بدء الخلق، والعرش، وما شابه ذلك.
إلى هذا الحد بلغ الحرص بهؤلاء أن يقطع قوم شهراً ذهابا ومثله إيابا من اليمن إلى المدينة ليسألوا في هذا الأمر. وإلى أن يتمنى الرجل أن يفقد ناقته وهي من كرائم أموالهم في مقابل ألا يفوته هذا الباب من العلم. وقد تكرر شرح هذا الأمر من رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك أكثر من مرة، لتشوق الناس إلى معرفته ولأداء المهمة المنيطة به. وقد بلغ من عظم الأمر، ولــرغبة الناس في المعرفة أنه صلى الله عليه وسلم خطبهم يوما كاملا لا يقطعه إلا الصلاة فحدثهم عن كل شيء متعلق بأمور الخلق.
روى مسلم وأحمد عن أبى زيد الأنصاري قال:" صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح ثم صعد على المنبر فخطبنا حتى حضرت صلاة الظهر، ثم نزل فصلى صلاة الظهر، ثم صعد المنبر فخطبنا حتى حضرت صلاة العصر، ثم صعد المنبر فخطبنا حتى غابت الشمس، فحدثنا بما كان وما هو كائن، فأعلمنا احفظنا".
وعن عمر بن الخطاب رضى الله عنه قال:" قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقاما فأخبرنا عن بدء الخلق حتى دخل أهل الجنة، وأهل النار منازلهم، حفظ ذلك من حفظ ونسيه من نسيه" رواه البخاري.
وعن أبى ذر رضى الله عنه قال:" توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم وما طائر يطير بجناحيه إلا أذكرنا منه علماً" رواه البخاري.
إن هذه الآثار تخبرنا أن الله صلى الله عليه وسلم أخبر الصحابة بكل شيء في الكون منذ بدء الخلق حتى دخول الجنة أو دخول النار. واستفاضة الأحاديث تدلنا على أن هذا الإخبار تم في أكثر من مرة وأكثر من مناسبة، منها مرة خطبهم يوما كاملا فحدثهم عن كل شيء. ونقل الصحابة للتابعين ما حفظوه، ونقلوه جيلا بعد جيل، وأثبتوا ما علموه في الكتب والمصنفات. وهذه الأحاديث ما هي إلا شرحا وتبياناً لآيات القرآن الكريم. وأصبح لدى المسلمين ذخيرة كبيرة من العلوم والمعارف عن الكون وما فيه. فلماذا إذن نستورد علوم الكون من الكافرين؟
إن نظرة في بضع ورقات من أي كتاب لعالم من علماء الإسلام في قرونه الأولى تعطى علماً لا يبلغ بكل رحلات الفضاء.
ولقد شجعت الآيات المستفيضة المؤمنين والكافرين على السواء أن ينظروا في السماء، ويسيروا في الأرض ويتفكروا في أنفسهم ليعلموا أن الله هو الحق المبين، وأن هذا الخلق خلقه، وأن كل شيء يأتمر بأمره، وأنه على كل شيء قدير وأن كل ما في الكون يشهد بذلك.
كان المسلمون الأوائل يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم أسئلة عن السموات والأرض، وعن بدء الخلق. غير أن المسلمين اليوم أحجموا أن يسألوا مثل هذه الأسئلة من ضمن الكم لهائل من المسائل التي يستفتون فيها، إنهم لا يقربون بفكرهم ولا أسئلتهم إلى هذه المنطقة (بدء الخلق) و(أول الأمر) و(السموات والأرض) و(العرش) وليس ذلك لأن السؤال فيها محرم بل عكس ذلك هو الصحيح، ولكن منعهم من ذلك الآن أمران:
الأول: أن علماء الفلك - مسلمين وغيرهم - صوروا للناس كوناً لا نهائياً وفضاء ما بعده فضاء وأن التفكير في أجرام السماء ضرب من الخبل والجنون فأين تذهب في هذه البلايين  المبلينة التي يلقى بها المتخصصون في علم الفلك والمحتكرون لعلم السماء من أحجام، وأبعاد وأعداد للأجرام السماوية. وهذه البلايين لا يغرمها أحد ولا يحاسب عليها أحد، وإنما هي تلقى جزافاً، الغرض منها عندما تسمعها تربأ بعقلك عن الخوض فيها. استطاع التجريبيون أن يبلغوا بالناس عموما والمؤمنين منهم خصوصاً أن ينزهوا عقولهم من الغياب في متاهات الفضاء، ولوجه الله نقول أن علماء المسلمين شاركوا في هذا الإثم بتعطيلهم أعظم عبادة للإنسان وهي التفكر في آيات الله والنظر في السماء، ونسخوا العمل بكل الآيات المتعلقة بهذا الأمر كقوله تعــالى:
(1)  إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَــوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ والنَّهَار لآيَاتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَــوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلا سُبْحَانكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ(آل عمران).
(2)أَوَلَمْ يَنظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَــوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شـــَيْ
(الأعراف 185)
(3) قُلْ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَــوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ
(4) أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ (ق:6)
(5) أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا (15) وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَل اَلشَّمْسَ سِرَاجًا(نوح).
(6) أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإبل كَيْفَ خُلِقَتْ (17) وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ ُفِعَتْ(الغاشية).
(7) إن فِي السَّمَــوَاتِ وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ(الجاثية:3).
هل يزعم أحد أن هذه العبادة تمارس الآن من قبل المؤمنين، وهل يزعم أحد أن كتب الفلك تقرأ من غير المتخصصين.
إن صفحة السماء أصبحت بعد عصر النهضة تيه لا يدركه العقل ولا يطيق النظر فيه. فضلا عن التـأمل. وقد نصحت من بعض الناصحين بعدم قراءة كتب الفلك حفاظاً على عقلي، وأشفق البعض على حالي لأنني بالتطلع في السماء، أسافر إلى المجهول، وأحلق في اللامحدود. والبلايين المبلينة تحاصرني من كل مكان.
لقد كانت السماء فيما سبق متعة للناظرين، وواحة للحائرين، ومرشداً للتائهين، وهداية للمصلين، ومحرابا للضالين وعلما للسائلين، وملتقىً للعاشقين، وإلهاما للحالمين، وشغلا للمهمومين، وقسماً للحالفين، ومقياساً للمحبين، وملهىً للساهرين وملجأ للمكروبين، وقبلة للمؤمنين وأنيسا للمسافرين، وزينة للناظرين، وساحة للمسبحين، ورجما للشياطين.
كان ذلك قديماً..
أما الآن فأصبحت السماء مستعمرة للروس والأمريكيين. ومن ثم منع عنها من ذكرنا من السابقين، واستثنوا فئة واحدة هم السادة الفضائيين، وبذلك أغلقت أبواب السماء تقريبا إلى يوم الدين. ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم.
الأمر الثاني: الـذي منع الناس من النظر في ملكوت السموات والأرض انهم شغلوا بزينة الأرض، التي أصبحت من الكثرة والافتتان، والسحر والاستحواذ درجه يستخسرون فيها رفع رؤسهم إلى السماء ولو للحظه.
لقد كان السابقون الأولون للإسلام شغوفين بمعرفة الأشياء التي تقشعر أبداننا لمجرد التفكير فيها، وما أوصلنا إلى ذلك إلا التجريبيون واتباعهم من علماء المسلمين الذين باعدوا بيننا وبين هذه الأشياء بملايين السنين الضوئية لا بل باعدوا بيننا وبين أقرب النجوم إلينا، فهل يعقل أن نسأل فيما هو أبعد من ذلك؟
لذلك كان الأعراب من المسلمين الأوائل أعلم بعلوم الكون من جاليليو ونيوتن وأينشتاين فما بالنا بالصحابة؟
يقول مسروق (أحد تلاميذ ابن عباس) ما سئل أصحاب محمد عن شيء إلا وعلمه في القرآن ولكن علمنا قصر عنه.
هكذا كانت معرفة الصحابة والسلف بعلوم الكون، وكانوا يتحدثون فيها لمن بعدهم، وتناقلتها الأجيال جيلا بعد جيل. حتى انتهي الحديث في هذا العلم الآن واصبح حكرا على المتخصصين الغربيين، ولم يعد بيننا من يسأل عن هذه الأمور ولا يمكن أن يسمع شيء من ذلك في وسائل الإعلام بل ولا حتى الكتب الدينية التي اقتصرت الآن على الحديث في السحر والحسد والجن والقبر والدجال والموت إلى آخر هذه الأمور، ولو ذكر شيء من علوم الكون فإنما يذكر أقوال التجريبيين فيها والمخالفة جميعها للحق.
أما أن يذكر الآن شيء عن بدء الخلق برؤية دينية، أو يذكر شيء عن السموات أو العرش أو الكرسي، أو الاستواء أو شيء من هذه الأمور التي كان الأولون على استعداد للتضحية بنفيس أموالهم في سبيل معرفتها. فهذا لا يكون.
ومنذ عصر النهضة حتى الآن لم يكتب في هذه الأمور كتابا، ولم تقال مقالة، ولم يذكر حديث، مما يعد الآن فرضا على المؤمنين أن يقوم منهم من يذكر الناس بهذا العلم قبل أن يندثر، وهو من أهم أمور العقيدة، رغم عدم حرص الناس على هذه العلوم وزهدهم الشديد في إدراكها.
ونظرا لهذا الفرض ولخطورة الأمر فأننا سنذكر في بحثنا هذا، حقيقة هذه العلوم الكونية التي تخالف تماما النظريات الموجودة الآن في كتب أهل الأرض والتي هم على قناعة كاملة بها لأنها من الغرب المتقدم.
وما سنطرحه بين يدي المسلمين هي الرؤية الدينية للعلوم الكونية التي وردت في القرآن والسنة ولذلك فسنعتمد بإذن الله على هذين المصدرين وعلى إجماع علماء المسلمين قبل عصر الإلحاد أو ما تسمونه أنتم بعصر النهضة. والكتب المقدسة عند أهل الكتاب ، والله يهدى إلى الحق وإلي سواء السبيل.
* * * * *
العــــــرش
عندما سئل صلى الله عليه وسلم، أين كان ربنا قبل أن يخلق السموات والأرض؟ وفي حديث آخر بصيغة أخرى: قبل أن يخلق خلقه؟ قال:" كان في عماء ما فوقه هواء، وما تحته هواء ثم خلق عرشه على الماء".
روى ذلك أحمد بن حنبل، وابن ماجه، وأخرجه الترمذي وقال حديث حسن ومعنى الهواء هنا: الفراغ والفضاء والخواء.
وجمهور العلماء على أن العرش هو أول مخلوقات الله، لهذا الحديث ولما رواه مسلم في صحيحه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال" كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، قال: وكان عرشه على الماء". وفي حديث البخاري المذكور آنفا عن عمران، ترتيب المخلوقات" كان عرشــه على الماء وكتب في الذكر كل شيء ثم خلق السموات والأرض". أما ابن جرير فقد حكى عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن بعضهم قال" إن الله كان عرشه على الماء ولم يخلق شيء قبل الماء".
قدر العرش
لا يقدر قدره إلا الله، وقد وردت آيات وأحاديث وأقوال للصحابة تصف عظمة العرش، وقد وردت (5) آيات تصف العرش منها (3) آيات تصفه بالعظمة رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (النمل:26) وآية واحدة هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ (المؤمنون:116) وآية أخرى ذو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ (البروج:15). وقال تعالى عن كرسيه وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَــوَاتِ وَالأَرْضَ (البقرة:255) وقال أبو ذر عن العرش:" ما الكرسي في العرش إلا كحلقة من حديد ألقيت بين ظهري فلاة من الأرض" أي أن هذا الكرسي الذي يسع السموات والأرض نسبته إلى العرش كنسبة الحلقة الحديد في وسط أرض فضاء.
ووصف العرش بالعظمة لأنه أعظم المخلوقات.
زنة العرش
ثبت في صحيح مسلم عن (جويرية بنت الحارث): أنالنبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها وكانت تسبح بالحصى من صلاة الصبح إلى وقت الضحى فقال:" لقد قلت بعدك أربع كلمات لو وزنت بما قلتيه لوزنتهم:
سبحان الله عدد خلقه، سبحان الله زنة عرشه، سبحان الله رضى نفسه، سبحان الله مداد كلماته". وهنا يبين أن زنة العرش أثقل الأوزان.
حملة العرش
ذكر الغزالي في مكاشفة القلوب: عن ابن عباس: أن الله تعالى لما خلق حملة العرش قال لهم" احملوا عرشي" فلم يطيقوا. فخلق لكل واحد منهم مثل قوة من في السموات السبع من الملائكة فقال:" احملوا عرشي" فلم يطيقوا. فخلق لكل واحد منهم مثل قوة ما خلق في السموات من ملائكة ومن في الأرض من الخلق، وقال:" احملوا عرشي" فلم يطيقوا. فقال:" قولوا لا حول ولا قوة إلا بالله" فلما قالوها، حملوه فنفذت أقدامهم في الأرض السابعة على متن الريح فلما لم تستقر أقدامهم على شيء تمسكوا بالعرش، ولم يفتروا عن قولهم:" لا حول ولا قوة إلا بالله" خيفة أن ينقلب أحدهم، فلا يعرف أين يهوى فهم حاملون العرش، وهو حاملهم، والكل محمول بالقدرة.
يقول تعالى: الَذين يَحْمـِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ (غافر:7) فأثبت للعرش حملة. وفي سورة الحاقة أثبت عددهم وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ (الحاقة:17).
قال شهر بن حوشب: أربعة منهم يقولون" سبحانك اللهم وبحمدك لك الحمد على حلمك بعد علمك". وأربعة يقولون:" سبحانك اللهم وبحمدك لك الحمد على عفوك بعد قدرتك".
وروى أبو داود عن جابر بن عبد الله أنالنبي صلى الله عليه وسلم قال:" أذن لي أن أحدث عن ملك من ملائكة الله عز وجل من حملة العرش، إن ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه مسيرة سبعمائة عام".
وفي رواية أخرى له، ولأبى حاتم قال" مخفق الطير سبعمائة عام".

صفة العرش
قـال البيهقي في (الأسماء والصفات): اتفقت الأقاويل على أن العرش هو سرير الملك. وأنه جسم خلقه الله. وأمر ملائكته بحمله، وتعبدهم بتعظيمه والطواف به. كما خلق في الأرض بيتاً وأمر بنى آدم بالطواف به. واستقباله في الصلاة.
وقال قتادة وغير واحد من العلماء:" إن العرش من ياقوتة حمراء" وقال ابن حجر شارح صحيح البخاري:" إن العرش خلق مخلوق تحمله الملائكة فلا يستحيل أن يماسوا العرش إذا حملوه، وإن كان حامل العرش وحامل حملته هو: الله".
العرش مقبب
روى أبو داود عن جبير بن مطعم عن أبيه عن جده قال:
أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم أعرابي فقال: يارسول لله، جهدت الأنفس، وجاعت العيال ونهكـــت الأموال، وهلكت الأنعام، فاستسق الله لنا، فإنا نستشفع بك على الله ونستشفع بالله عليك.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" ويحك أتدرى ما تقول" وسبح رسول الله صلى الله عليه وسلم فمازال يسبح حتى عرف ذلك في وجوه أصحابه. ثم قال:" ويحك أتدرى ما الله؟ إن عرشه على سمواته لهكذا" وقال بأصابعه مثل القبة عليه" وأنه ليئط به أطيط الرحل بالراكب" قال أبو داود والحديث صحيح.
وقال ابن بشار:" إن الله فوق عرشه، وعرشه فوق سماواته، وسماواته فوق أرضه".
وفي حديث آخر:" إن أهـل الفردوس يسمعون أطيط العرش وهو تسبيحه وتعظيمه" وما ذاك إلا لقربهم منه.
فالعرش كالقبة على العالم وهو سقف المخلوقات. ثبت في صحيح البخاري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:" إذا سألتم الله الجنة، فاسألوه الفردوس فإنه أعلى الجنة، وأوسط الجنة وفوقه عرش الرحمن".
قال ابن مسعود:" إن ربكم ليس عنده ليل ولا نهار، نور العرش من نور وجهه" وقد كان من دعاءالنبي:" أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات".
قال ابن تيمية:" والعـرش مقبب، وأنه أوسط الجنة وأعلاها هو الفردوس وإن فوقه عرش الرحمن. والأوسط لا يكون الأعلى إلا في المستدير. وهو كالقبة، مثل أن وجه الأرض فوق النصف الأعلى من الأرض، وإن لم يكن محيطا بذلك".
وقال ابن كثير في تفسيره:" العرش مقبب كما روى في السنن ولم يثبت أنه مستدير، كما أن له قوائم، كما جاء في صحيح البخاري ومسلم عن أبى سعيد قال جاء رجل من اليهود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قد لطم وجهه فقال: يا محمد إن رجلا من أصحابك لطم وجهي. فقال النبي صلى الله عليه وسلم" ادعوه" فدعوه. فقال:" لم لطمت وجهه؟" قال: يا رسول الله إني مررت بالسوق وهو يقول: والذي اصطفي موسى على البشر. فقلت: يا خبيث وعلى محمد؟ فأخذتني غضبه فلطمته. فقال النبي صلى الله عليه وسلم:" لا تخيروا بين الأ:اء فإن الناس يصعقون يوم القيامة فأكون أول من يفيق فإذا بموسى، آخذ بقائمة من قوائم العرش. فلا أدرى أفاق قبلي أم جوزي بصعقة الطور".
مسافة العرش
ذكر ابن كثير، وغير واحد من المفسرين في قوله تعالى تَعرُجُ الملائكة وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ ( المعارج:4) قالوا: أنه بُعد ما بين العرش إلى الأرض مسيرة خمسين ألف سنة. واتساعه خمسون ألف سنة.
عندما اهتز العرش
اتفق المسلمون على ما وردهم من العلم أن العرش هو أعظم المخلوقات وأثقلها وأنه سقف المخلوقات، وعلى عظمته هذه وثقله ومكانته فإنه اهتز مرة لموت أحد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه (سعد بن معاذ) الذي مات بعد غزوة الأحزاب على أثر جرح أصيب به في هذه الغزوة وقد كان هذا الشاب ذو مكانة عند الله ورسوله وكان له كبير فضل على دعوة الإسلام. وهو الذي نزل المهاجرون من مكة في حماه وفي ضيافته بالمدينة. ورغم أن الله كان من شدة حبه له يطببه بنفسه في مسجده إلا أنه في الليل نزل جبريل عليه السلام وسأل محمداً عليه الصلاة والسلام:" من رجل من أمتك مات هذه الليلة استبشر بموته أهل السماء؟" ولم يدر  إلا ومنادٍ ينادى:" ألا إن سعدا قد مات".
وسجلت كتب الأحاديث هذا الحدث الجلل، عندما قال  للناس:" لقد اهتز عرش الرحمن لموت سعد بن معاذ". وعندما شعر المشيعون بخفة جنازته أخبرهم  بما رواه عنه الترمذي" إن الملائكة كانت تحمله".
أما كيفية هذا الاهتزاز.. فلا يعلمه إلا الله تعالى.
أمور متعلقة بالعرش
يقول تعالى وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاء (هود:7) قال ابن عباس إنما سمى العرش عرشاً لارتفاعه. ولما سئل على أي شيء كان الماء؟ قال: على متن الريح.
وفي الصحيحين عن عائشة رضى الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" الرحم معلقة بالعرش تقول: من وصلني وصله الله، ومن قطعني قطعه الله".
وروى البخاري عن أبى هريرة رضى الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قــال:" لما قضى الله الخلق كتب في كتابه، فهو عنده فوق العرش إن رحمتي غلبت غضبى".
أدعية بذكر العرش
في سنن أبى داود والترمذي بإسناد صحيح عن عبد الله بن عباس رضى الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" من عاد (زار) مريضا لم يحضر أجله فقال عنده سبع مرات:" أسأل الله العظيم.. رب العرش العظيم.. أن يشفيك" إلا عافاه الله سبحانه وتعالى من ذلك المرض".
وعن أبى الدرداء رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" من قال في كل يوم حين يصبح وحين يمسي: حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم سبع مرات كفاه الله تعالى ما أهمه من أمر الدنيا والآخرة" رواه مسلم.
وفي كتاب ابن السني عن طلق بن حبيب قال: جاء رجل إلى أبى الدرداء فقال: يا أبا الدرداء قد احترق بيتك فقال ما احترق. ما كان الله ليفعل ذلك بكلمات سمعتهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم من قالها أول نهاره لم تصبه مصيبة حتى يمسي، ومن قالها آخر النهار لم تصبه مصيبة حتى يصبح:" اللهم أنت ربى لا إله إلا أنت، عليك توكلت وأنت رب العرش العظيم. ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. أعلم أن الله على كل شيء قدير. وأن الله قد أحاط بكل شيء علما. اللهم إني أعوذ بك من شر نفسي، ومن شر كل دابة أنت أخذ بناصيتها. إن ربى على صراط مستقيم" وقد قلتها اليوم. ثم قال: انهضوا بنا. فقام وقاموا معه فانتهوا إلى داره وقد احترق ما حولها ولم يُصيبها شيء.
الكرسي
إن أعظم آيه في القرآن هي آية الكرسي، ويعلم المسلمون ذلك مما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بل إن من الصحابة من استشعر بقيمة هذه الآية قبل أن يخبر بذلك. فقد أخرج أحمد ومسلم عن أبى ابن كعب أن النبي صلى الله عليه وسلم سألـه:" أيُ آي الله أعظم؟" فقال أبى: آية الكرسي. قال" ليهنك العلم أبا المنذر".
وأخرج سعيد ابن منصور، والحاكم والبيهقي في الشعب عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" سورة البقرة فيها سيدة آي القرآن، لا تقرأ في بيت فيه شيطان إلا خرج". كما ورد أن في هذه الآية اسم الله الأعظم. وقد تواتر المسلمون على قراءتها دبر كل صلاة لما علموا ما فيها من الفضل.
والآية هي رقم 255 من سورة البقرة اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَــوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَــوَاتِ وَالأَرْضَ وَلا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ.
هذا الكرسي الذي وسع السموات والأرض والذي قال عنه ابن عباس فيما رواه عنه ابن جرير وابن أبى حاتم:
" لو أن السموات السبع والأرضون السبع بسطن ثم وصلن بعضهن ببعض ما كان في سعة الكرسي، إلا بمنزلة الحلقة في مفازة" والمفازة: الأرض الوعرة وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه ابن جريرح:" ما السموات السبع في الكرسي إلا كدراهم سبعة ألقيت في ترس".
والذي سمع أبو ذر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول:
"ما الكرسي في العرش إلا كحلقة من حديد ألقيت بين ظهري فلاة من الأرض".
هـذا الكرسي بهذه العظمة ما هو إلا موضع قدميه عز وجل: فقد أخرج الدارقطني في الصفات، والخطيب في تاريخه، والـحاكم وصححه أن رسـول الله صلى الله عليه وسلم سئل عـن قـول الله: وَسِعَ كُرْسِيُّهُ قال:" كرسيه موضع قدمه. والعرش لا يقدره إلا الله عز وجل".
وقال السدي عن أبى مالك: الكرسي تحت العرش، والسموات السبع والأرض في جوف الكرسي. والكرسي بين يدي العرش.
وقال ابن كثير: قال غير واحد من السلف: الكرسي بين يدي العرش كالمرقاة إليه.
وقد روى ابن ماجة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في معناه.
وفي مكاشفة القلوب للغزالي قـال: روى عن على كرم الله وجهه: أن الكرسي لؤلؤة. وروى عن مكرمة قال: نور الشمس جزء من سبعين جزء من نور الكرسي، ونور الكرسي جزء من سبعين جزء من نور العرش، ونور العرش جزء من سبعين جزء من نور الحجب.
القلم واللوح
روى أحمد وأبو داود والترمذي عن عبادة بن الصامت رضى الله عنه قال: قال رســول الله: صلى الله عليه وسلم" إن أول ما خلق الله: القلم، ثم قال لـه: } أكتب { فجرى القلم في تلك الساعة بما هو كائن إلى يوم القيامة".
وذهب جمهور العلماء على أن المقصود بقوله :" إن أول ما خلق الله القلم" على أنه أول المخلوقات من هذا العالم، أي لما يخص خلقه فقد خلق قبل السموات والأرض والملائكة وسائر مخلوقاته عز وجل.
قال السيوطي بسند جيد عن عباس أنه قال:" خلق اللوح المحفوظ كمسيرة مائة عام فقال للقلم قبل أن يخلق الخلق: } أكتب علمي في خلقي{، فجري بما هو كائن إلى يوم القيامة".
إذن فقد خلق اللوح بعد القلم.
ذكر اللوح المحفوظ في القرآن مرة واحدة كان ذلك في سورة (البروج) والبروج معناها واضح من مبناها فهي قصور مشيدة في السماء الدنيا لتحفظها، مما يوحي بأن اللوح فعلا محفوظ من أن يطلع عليه أي شيطان مارد.
بل أخبر  أن اللوح عند الله فوق العرش. فلا يعلم ما فيه سواه تعالى. والأحاديث تخبر بأن الكتابة في اللوح تمت فور خلقه وخلق القلم، وأنها تمت قبل خلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة ويعنى هذا أن القلم واللوح خلقا قبل خلق السموات والأرض وسائر المخلوقات بخمسين ألف سنة وجف القلم بما هو مكتوب فلا يزاد على ذلك ولا ينقص، ولكن ينقل منه ما سيجرى في الخلـق أولاً بأول.



أدخل عنوان بريدك الإلكتروني هنا يصــــلك كل جديــــد





بلغ الادارة عن محتوى مخالف من هنا ابلغون على الروابط التي لا تعمل من هنا



توقيع : manel


التوقيع



قصة الخلق من العرش إلى الفرش  story of Creation By Eid Wardany Emptyالجمعة 25 يناير - 22:29
المشاركة رقم: #
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
عضو الجوهرة
الرتبه:
عضو الجوهرة
الصورة الرمزية


البيانات
عدد المساهمات : 17945
تاريخ التسجيل : 17/10/2012
رابطة موقعك : ورقلة
التوقيت

الإتصالات
الحالة:
وسائل الإتصال:


مُساهمةموضوع: رد: قصة الخلق من العرش إلى الفرش story of Creation By Eid Wardany



قصة الخلق من العرش إلى الفرش story of Creation By Eid Wardany

أسماء وصفات اللوح

ذكر بالقرآن الكريم للوح المحفوظ سبعة أسماء له، هي في نفس الوقت صفاته وهي: (الكتاب - أم الكتاب - كتاب مكنون - كتاب مسطور - كتاب حفيظ - كتاب مبين - إمام مبين).
وقد وردت في قوله تعالى:
(1) إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ (التوبة:36)
(2) وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ (الزخرف:4)
(3) إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (77) فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ (الواقعة)
(4) وَالطُّورِ (1) وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ (2) فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ ( الطور)
(5) قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ ( ق:4)
(6) وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِلا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ  (النمل:75)
(7) وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ (يس:12).
وقد ورد ذكر الكتاب في القرآن 230 مرة منها 24 مرة عن اللوح المحفوظ.
المكتوب في اللوح
لدينا عدة آيات، وعدة أحاديث توضح ما هو المكتوب في هذا اللوح أو (الكتاب).
فمن قراءة الآيات الأربعة والعشرين التي وردت عن اللوح المحفوظ نجد أنه قد سجل فيه كل شيء، ولتفصيل أدق نستعرض بعض الآيات: يقول تعالى:
وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (الأنعام:59).
تخبرنا هذه الآية أنه سبحانه وتعالى عنده مخازن الغيب، والمفاتيح التي تفتح بها لا يعلمها إلا هو، وأنه لا علم لأحد من خلقه بشيء من الأمور الغيبية التي استأثر الله بعلمها وفي هذا ما يدفع أباطيل الكهان والمنجمين والرمليين والعرافين وقراء الأبراج والحظ والكف والفنجان وغيرهم مما ليس من شأنهم ولا يدخل في قدرتهم ولا يحيط به علمهم. وقد قال " من أتى كاهنا أو منجماً فقد كفر بما أنزل على محمد".
وهو سبحانه يعلم ما في البر والبحر من حيوان وطير وحشرات وأسماك وجماد علم لا يخفي عليه منهم شيئا ً مَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلا يَعْلَمُهَا أي: من ورقة شجر إلا يعلم بزمن سقوطها ومكانها وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ  أي باطنها أو الأمكنة المظلمة منها إلا يعلمها سبحانه وتعالى  وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ ويشمل هذا الوصف جميع الموجودات.
قال عبد الله بن الحارث: ما في الأرض من شجرة ولا مغرز إبرة إلا وعليها ملك يأتي الله بعلم رطوبتها إذا رطبت ويبوستها إذا يبست.
فلو ابتل جزء مـن الأرض حتى لو مغرز إبرة ثم جف لأخبر الملك ربه إذا ابتل وإذا يبس. وفي هذه الآية يخبر عز وجل بنى آدم أنه يعلم كل الكائنات فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ويعلم كـل الحركات وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ ويعلم كل الجمادات وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ  وكل النباتات وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ  وكل ذلك مدون فِي كِتَابٍ مُبِينٍ.
ويقول تعالى: وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُوا مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (يونس:61).
وإذا كانت الآية الأولى تصف علم الله في الكائنات فهذه الآية تصف علم الله فيما تعمله الكائنات من الأعمال والعبادات..
فيخبر تعالى رسوله أنه يعلم بكل عمل يقوم به هو أو أمته مهما كان صغر هذا العمل أو دقته وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ أي في أمر من الأمور وَمَا تَتْلُوا مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وبدأ بأعظم الشئون وهو تلاوة القرآن وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ أياً ما كان ومهما كان إِلا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا أي شهودا عليكم وعلى أعمالكم إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ إذ شرع فيه وعمل وَمَا يَعْزُبُ عَن رَبِّكَ مـا يغيب عنه أو يبعد مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ أي وزن ذرة وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ والذرة هي أصغر الأوزان. ومع ذلك لو كان أصغر منها أو أكبر فكل ذلك معلوم ومسجل فِي كِتَابٍ مُبِينٍ  إذن فكل الأعمال مهما صغرت مدونة في هذا الكتاب.
وَمـَا مـِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (هود:6) أي ما من حيوان يدب على الأرض إلا وقد أوجب الله على نفسه أن يرزقه ويأتيه رزقه في أي مـكان في طين الأرض أو في صخر الجبال أو في مياه البحر أو في جو السماء، أو أي مكان يكـون فيه. ثم هو سبحانه وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا فمستقرها هو قرارها في الأصلاب أو الأرحام. ومستودعها أي الموضع الذي تموت فيه، وقيل مستقرها: منتهى ما تصل إليه في الأرض ومستودعها: وكرها وحيث تأوي.
وقد روى عن عبد الله بن مسعود أنه قال: مستقرها: في الأرحام ومستودعها: حيث تموت، ويؤكد هذا ما رواه الترمذي والحاكم وصححه وابن مردوية والبيهقي عن ابن مسعود عن النبي قال" إذا كان أجل أحدكم بأرض أتيحت له إليها حاجة، حتى إذا بلغ أقصى أثره منها فيقبض، فتقول الأرض يوم القيامة: هذا ما استودعتني".
إذن ففي الكتاب المبين مدون أرزاق الدواب أيا كانت وفي أي مكان كانت ومدون فيه أيضا أماكن بداياتها ونهاياتها.
إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَــوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ (التوبة:36).
تبين هذه الآية أن الله عز وجل اثبت في اللوح المحفوظ قبل خلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة مقدار الزمان. وحدد السنة باثني عشر شهراً وأن ترتيب وأسماء هذه الأشهر في اللوح وأنه تعالى حدد منها أربعة أشهر حرم وهي: (ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب) وقوله تعالى ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ أي أن هذا هو الدين المستقيم، والحساب الصحيح، والعدد المستوفي. وقال تعالى تكملة لهذه الآية فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُم أي في هذه الأشهر الحرم بارتفاع القتال فيها والهتك لحرمتها. إذن فمقدار الزمان (السنة، والشهر، واليوم، والساعة، والدقيقة، والثانية) قد حدده الله تعالى وأثبته في اللوح المحفوظ وذلك قبل خلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة.
مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (الحديد:22).
تبين هذه الآية أن ما يصاب به الناس من المصائب قد سبق بذلك قضاؤه وقدره وثبت جميع ذلك في أم الكتاب فقوله مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ من قحط مطر، وضعف نبات، ونقص ثمار. وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ بالأمراض والأسقام وضيق المعاش والهم والغم والحزن إِلا فِي كِتَابٍ إلا وهي ثابتة في اللوح المحفوظ وقوله مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا أي من قبل أن نوجد المصيبة والأنفس والأرض كلها بخمسين ألف سنة إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ وإثبات ذلك، والعلم به على كثرة أمره يسير على الله غير عسير. إذن كل مصائب الأرض وابتلاءات الأنفس لكل الخلق مثبته في اللوح المحفوظ.
قال تعالى: قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الأُولَى (51) قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنسَى (52) (طه).
عندما أخبر موسى عليه السلام فرعون بأن ربه هو الذي أرسله، وهو الذي خلقه ورزقه وقدر فهدى ودعاه للإيمان، شرع فرعون يحتج بالقرون الأولى أي الذين لم يعبدوا الله فقال فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الأُولَى أي ما بالها وهي لم تقر بالرب الذي تدعو إليه يا موسى، بل عبدت الأوثان ونحوها من المخلوقات فأجابه موسى قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي أي إن علم هؤلاء الذين عبدوا الأوثان ونحوها محفوظ عند الله في كتابه سيجازيهم عليها فهي مثبته في اللوح المحفوظ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنسَى أي لا يشذ ولا يغيب عنه شيء ولا يفوته صغير ولا كبير ولا ينسى شيئا، فعلمه تعالى بكل شيء محيط، تبارك وتقدس.
إذن ففي اللــوح المحفوظ كل أحداث التاريخ وكل ما فعلته القرون التي عاشت على الأرض، وقد أخبــر تعالى في القرآن بما كان من قوم نوح وعاد وثمود وقوم لوط وأصحاب الأيكة وقوم تبع وما قبلهم وما بعدهم.
قال تعالى: وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِلا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ  (النمل:75) أي ما من شيء مخفي عن خلقه وغائب عنهم فهو مبين في اللوح المحفوظ.
وقال تعالى: قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ  (ق:6) أي ما تأكله الأرض تذيبه فيها من أجسادهم فإن ذلك لا يغيب عن الله فلو غابت أجساد الموتى في الأرض وبليت وذهبت في بقاع الأرض براً أو بحراً فإن علم ذلك مسجل في اللوح فإذا كانت الأرض تنقص فالكتاب يحفظ. أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (الحج:70). هذه الآية تجمل ما في اللوح، وهو علمه سبحانه وتعالى في السماء والأرض. وهذا أمر على الله يسير فهو الخالق، القادر، العليم. وهذه الآية تبينها وتفصلها الأحاديث.
فالأحاديث تبين أن المكتوب في اللوح هو علم الله في خلقه منذ خلقهم. بل قبل ذلك بخمسين ألف سنة. إلى يوم القيامة. وهـذا الأمر هو الذي يفسر لنا بسهولة مسألة القدر، والاختيار والجبر، وتجيب عن سؤال الناس الخالد إلى يوم القيامة: هل الإنسان مسير أم مخير؟
إذ أن الأخبار والآثار تقول بأن الله تعالى كتب علمه في خلقه. فما الإجبار في هذا؟ إنه تعالى كتب للناس ولم يكتب عليهم فالقلم أمر بأن يكتب علم الله في خلقه، وقضاؤه فيهم. فكل ما ستفعله الخلائق إلى قيام الساعة كتب، لعلم الله به. لأنه تعالى (بكل شيء عليم).
ونعلم أن هذا الكتاب ينسخ منه كل الكتب لذا سمى بأم الكتاب، فجميع الكتب المنزلة نسخت منه ونزلت بها الملائكة على الأنبياء.
وقد نزل القرآن بعد نسخه من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا ليلة القدر كذلك تخبرنا الأحاديث أن ثمة كتب أخرى نسخت من اللوح المحفوظ.
فهناك كتابان نسخا من اللوح المحفوظ. هذان الكتابان لم يكتب فيهما ما ستفعله الخلائق، بل أسمائهم فيشمل أحدهم على أسماء أهل الجنة كلهم. والثاني يشمل على أسماء أهل النار عن آخرهم.
وهؤلاء وأولئك لم يكتب الله تعالى عليهم مصائرهم ولكن كتب علمه فيهم. روى الترمذي في سننه عن عبد الله بن عمرو قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي يده كتابان، فقال:" أتدرون ما هذان الكتابان؟" فقلنا: لا يارسول الله إلا أن تخبرنا. فقال للذي في يده اليمنى" هذا كتاب رب العالمين، فيه أسماء أهل الجنة، وأسماء آبائهم وقبائلهم، ثم أجمل عن أخرهم، فلا يزاد فيهم ولا ينقص منهم أبداً" ثم قال للذي في شماله:" هذا كتاب رب العالمين فيه أسماء أهل النار وأسماء آبائهم وقبائلهم ثم أجمل عن أخرهم، فلا يزاد فيهم ولا ينقص منهم أبداً" فقال أصحابه: ففيم العمل يا الله، إن كان أمر قد فرغ منه؟ قال:" سددوا وقاربوا (السداد: الصواب في القول والعمل والقصد فيهما) فإن أصحاب الجنة يختم لهم بعمل أهل الجنة وإن عملوا أي عمل. وإن أصحاب النار يختم لهم بعمل أهل النار وإن عملوا أي عمل". ثم قال رسول الله صلى الله عليه وســلم بيديه فنبذهما ثم قال:" فرغ ربكم من العباد فريق في الجنة، وفريق في السعير". قال الترمذي: حديث حسن غريب صحيح. ولهذا الحديث شاهد هو حديث حذيفة عند البخاري في باب القدر.
وظاهر قوله: فنبذهما بعد قوله (في يده كتابان) أنهما كانا مرئيين لهم. والله أعلم فهذان الكتابان نسخا من اللوح المحفوظ الذي فيه كل شيء عن الخلائق، أعمالهم وأسمائهم.
كما شمل اللوح أيضا على كل كائن من خلق الله من قطر ونبات، أو نفس، أو رزق، أو أجل.
كذلك يشمل اللوح تصريف الله في خلقه من إحياء وإماتة وخلق ومغفرة للذنوب، وتفريج للكروب، ورفع لأقوام وخفض لآخرين، وإعزاز لأناس وإذلال لآخرين، كل ذلك ثابت في أم الكتاب فذلك تفسير قوله تعالى كلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ (الرحمن:9) قال عبد الله ابن عباس: إن لله عز وجل في كل يوم ثلاثمائة وستون نظرة في هذا اللوح له في كل نظرة شأن، يخلق ويحيى ويميت ويعز ويذل ويفعل ما يشاء.
ومجمل القول في المكتوب في اللوح:
* كل أسماء الخلائق مدونه في الكتاب: أسمائهم وأسماء آبائهم وقبائلهم.
** كل ما تفعله الخلائق منذ إيجادهم في الدنيا إلى دخولهم الجنة أو النار.
* * * كل ما يفعله الله تعالى فيهم من تصريف وتدبير إلى قيام الساعة، وهذا تفسير قوله تعالى قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا (التوبة:51) وقوله لَنَا وليس علينا أي ما كتب سيكون في صالح الخلائق لا ضدهم، لأنه تعالى كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمةَ (الأنعام:12) وهذه هي مشيئة الله تعالى في خلقه. وهو على كل شيء قدير. وما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن وأنه تعالى علم ما كان وعلم ما يكون وعلم ما لم يكن لو كان كيف يكون.
الإيمان بالقدر
الإيمان بالقدر - وهو علم الله المثبت في كتابه - واجب، ولا يكمل إيمان المؤمن إلا بالتسليم به. لكن لا يجب أن يحتج به أحد على ترك العمل وعلى مخالفة ما أمر الله، وإنما يحتج بالقدر على المصائب دون المعايب.
وقد روى مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
" احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز. وإن أصابك شيء فلا تقل لو أنى فعلت كذا لكان كذا، ولكن قل قدر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان".
قال ابن تيمية: ومما اتفق عليه سلف الأمة وأئمتها إيمانهم مع إيمانهم بالقضاء والقدر وأن الله خالق كل شيء وأنه ما لم يشأ لم يكن وأن الله يضل من شاء ويهدى من يشاء، أن العباد لهم مشيئة وقدرة، يفعلون بقدرتهم ومشيئتهم ما أقدرهم الله عليه مع قولهم: إن العباد لا يشاءون إلا أن يشاء الله وهذا القدر هو ما ينبغي أن يعلم ولا يجب الخوض أكثر من ذلك، ولا المجادلة فيه لأن العقل لا يطيق ذلك. ولأن الشيطان يفتح هنا باباً واسعاً ليدخل فيه، لذلك غضبالنبي غضباً شديداً عندما خرج على أصحابه يوماً وهم يتنازعون في القدر، حتى أحمر وجهه كأنما فقيء في وجنتيه الرمان فقال:" أبهذا أمرتم، أبهذا أرسلت إليكم؟ إنما هلك من كان قبلكم حينما تنازعوا في هذا الأمر عزمت عليكم ألا تنازعوا فيه" من صحيح سنن الترمذى.
اللوح فوق العرش
روى البخاري عن أبى هريرة رضى الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" لما قضى الله الخلق كتب في كتابه، فهو عنده فوق العرش، إن رحمتي غلبت غضبى".
ويستفاد من هذا الحديث أمران:
الأول: أن شعار هذا الكتاب" إن رحمتي غلبت غضبى". أي إن تعلق الرحمة غالب وسابق على تعلق الغضب، لأن الرحمة مقتضى ذاته المقدسة، وأما الغضب فإنه متوقف على سابقة عمل من العبد الحادث، كذلك تعنى الغلبة: الكثرة والشمول، وعلى ذلك استمرت أحوال الأمم بتقديم الرحمة في خلقهم بالتوسع عليهم في الرزق وغيره، ثم يقع بهم العذاب على كفرهم.
قال الطيبي: في سبق الرحمة إشارة إلى أن قسط الخلق منها أكثر من قسطهم من الغضب، وأنها تنالهم من غير استحقاق، وأن الغضب لا ينالهم إلا باستحقاق. فالرحمة تشمل الشخص جنينا ورضيعا وفطيما وناشئا، قبل أن يصدر منه شيء من الطاعة، ولا يلحقه الغضب إلا أن يصدر عنه من الذنوب ما يستحق معه ذلك.
الثاني: يستفاد من هذا الحديث: أن الكتاب" عنده فوق العرش" ولا محذور في ذلك كما قال ابن حجـر شارح صحيح البخاري أن يكون الكتاب فوق العرش لأن العرش خلق من خلق الله. وقال بعضهم إن اللوح عن يمين العرش وكون اللوح فوق العرش يقتضي انفراد الله سبحانه وتعالى بعلم ما فيه وأنه محفوظ من الشياطين أن تعلم ما فيه، أو حتى الملائكة فهي أيضا لا تعلم ما فيه إلا بالقدر الذي يعلمهم به الله ليسجلوا ما يستنسخونه منه.
قال بن عباس أن طول اللوح المحفوظ مابين السماء والأرض وأنه من درة بيضاء.
الرحمن على العرش استوى
لم يتناول التجريبيون في كتبهم أو نظرياتهم العرش بذكر أو إشارة، لأنهم لا يؤمنون به. أما المؤمنون به فإن معظمهم الآن لا يؤمنون باستواء الله علي العرش، ويقولون فيه بما لم يقل الله تعالى فيه عن نفسه، ولا قاله رسوله ولا علماء الأمة قبل عصر الإلحاد. بل ذهب كثير من علماء اليوم المتأثرين بهذا العصر إلى أن الله ليس على العرش، وليس هو في السماء ولا في أي مكان بل هو في كل مكان.
هذا الكلام الخطير، والذي يعتبر مرحلة بين الكفر والإيمان لأنهم يؤمنون بوجود العرش، ولا يؤمنون باستواء الله عليه، ويؤمنون بالله ولا يؤمنون بأنه في السماء بل بأنه في كل مكان، ويحل في كل شيء. وقد قال بهذا القول قديماً فئة سماها المسلمون (المعطلة، والمعتزلة، والجهمية)، أما الآن فيقول بهذا القول (التجريبيون) وبنفس أسلوب التبعية يقوله كثير من علماء المسلمين الآن.
وقد ذكرنا مقالة الدكتور (كلارنس إب:د) التي قال فيها عن الإله الذي يؤمن به وأنه ليس مستوٍ على عرشه كما تقول الكتب السماوية، إذ قال الرجل:" والحق أن التفكير السليم والاستدلال المستقيم يفرضان على عقولنا فكرة وجود الله ولكن هل لله وجود ذاتي كما يعتقد الكثيرون؟ أما وجهة نظر العلم فإنني لا أستطيع تصور الله تصورا ذاتيا، بحيث تستطيع أن تدركه الأبصار أو أن يحل في مكان دون آخر أو أن يجلس على كرسي أو عرش كما تصف لنا الكتب المقدسة الإله".
وكما تأثر علماء الإسلام بهؤلاء في علومهم تأثروا بهم في عقيدتهم. ونذكر هنا مقولة الشيخ (عبد الرازق نوفل) وهو يعبر عن كثير من علمائنا فيقول رحمه الله" من يدعو الله سبحانه وتعالى فيبسط يده بالدعاء ويرفع بصره إلى السماء فكأنه بذلك يحدد مكان الله في السماء - دون قصد يقينا - فالله سبحانه وتعالى في كل مكان".
(إن الله ليس في السماء بل هو في كل مكان وإٍنه تعالى ليس مستوٍ على العرش وإنما مستولٍ عليه) هذا ما يقول به أكثر المسلمين الآن. وهو كلام جد خطير، يقول الله أنه في السماء، ويقولون: ليس في السماء بل في كل مكان. والله يقول أنه (استوى على العرش) وهم يقولون لم يستو عليه بل استولى.
سنورد هنا رأي الإسلام في هذا الأمر الجلل والذي جهله الكثير من دعاة الإسلام ولخطورة الأمر فإننا سنستدل في قولنا على المصادر الثلاثة الأولى للأحكام الشرعية المتفق عليها وهي (الكتاب والسنة والإجماع). أما الجدال والتفلسف وأقوال المتكلمين وما شابه فلا تلزمنا بعد هذه الثلاثة ونطبق ما أمر الله به يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرسول وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَال: إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الأخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلا (النساء:59).
الله في السماء
لقد أخبر خاتم الأنبياء صلى الله عليه وسلم أن اليهود افترقت إلى واحد وسبعين فرقة والنصارى إلى اثنين وسبعين فرقة وأن أمته ستفترق إلي ثلاث وسبعين فرقة وأن كلها في النار إلا واحدة.
قالوا: وما هي يا رسول الله؟ قال:" مثل الذي عليه أنا وأصحابي".
وعن الذي كان عليه الله وأصحابه في هذا الأمر يحدثنا ابن تيمية رحمه الله في كتاب (الأسماء والصفات) والذي يرد فيه على الذين يعتقدون ويقولون: أن الله تعالى ليس في السماء وإنمـا هو في كل مكان قال رحمه الله: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم" تركتكم على المحاجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك. ما بعث الله رسولاً إلا كان حقا عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم وينهاهم عن شر ما يعلمه لهم".
وقال أبو ذر" قام فينا رسول الله مقاما فذكر بدء الخلق حتى دخل أهل الجنة منازلهم وأهل النار منازلهم حفظ ذلك من حفظه ونسيه من نسيه".
وقال أيضا" لقد توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وما طائر يطير بجناحيه في السماء إلا ذكر لنا منه علما". يقول ابن تيمية: فكيف يكون هؤلاء المحجوبون، المنقوصون، المسبوقون، المفضولون، الحيارى، المتهوكون، أعلم بالله وأسمائه وصفاته وأحكم في باب ذاته وآياته من السابقين الأولين، من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان من ورثة الأنبياء وخلفاء الرسل وأعلام الهدى ومصابيح الدجى الذين بهم قام الكتاب وبه قاموا، وبهم نطق الكتاب وبه نطقوا، الذين وهبهم الله من العلم والحكمة ما برزوا به على سائر أتباع الأنبياء، فضلا عن سائر الأمم الذين لا كتاب لهم وأحاطوا من حقائق المعارف، وبواطن الحقائق، بما لو جمعت حكمة غيرهم إليها لاستحيا من يطلب المقابلة.
وإذا كان كذلك فهذا كتاب الله من أوله إلى آخره، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم من أولها إلى آخرها، ثم عامة الصحابة والتابعين، ثم كلام سائر الأئمة، مملوءة بما هو إما نص وإما ظاهر في أن الله سبحانه وتعالى هو العلي الأعلى وهو فوق كل شيء وهو على كل شيء، وأنه فوق العرش، وأنه فوق السماء. مثل:
إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يرفعه (فاطر:10)
إِنى مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إلىّ (آل عمران:55)
بلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ (النساء:158)
أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُور ُ(16) أَمْ أَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا (الملك)
تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ (المعارج:4)
يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنْ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ (السجدة:5)
يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (النحل:50)
سَبِّحْ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى (الأعلى:1)
وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَاهَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَاب َ(36) أَسْبَابَ
السَّمَــوَاتِ فَأَطَّلـِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لاَظُنُّهُ كَاذِبًا ( غافر ).
فقوله تعالى مخبراً عن فرعون دليل على أن موسى عليه السلام أخبر فرعون بأن إلهه في السماء، فأراد أن يلتمس الأسباب للوصول إليه تمويها على قومه، فأمر وزيره هامان أن يبن له الصرح، ثم عقب على ذلك بقوله وَإِنِّي لاَظُنُّهُ أي موسى كَاذِبًا فيما أخبر به من كون إلهه في السماء، فمن إذن أشبه بفرعون وأقرب إليه نسباً. إن فرعون كذب موسى في أن إلهه في السماء، وهو نفس ما يقوله هؤلاء (أي أنهم يؤيدون فرعون ويكذبون موسى) ثم الآيات التي تتحدث عن الكتب التي أنزلها الله على عباده وكذلك الآيات التي أنزلها عليهم لتدل على أن الله في السماء تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (فصلت:42) مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ (الأنعام:114) قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ  (المائدة:115).
وفي الأحاديث الصحاح والحسان ما لا يحصى إلا بالكلفة مثل قصة معراجه  ونزول الملائكة من عند الله وصعودها إليه، وقوله في الملائكة الذين يتعاقبون فيكم بالليل والنهار:
" فيعرج الذين باتوا فيكم إلى ربهم فيسألهم ربهم وهو أعلم بهم".
وفي الصحيح من حديث الخوارج" ألا تأمنوني وأنا أمين من في السماء يأتيني خبر السماء صباحا ومساءً".
وأخرج ابن أبى شيبة وأحمد في الزهد وابن أبى حاتم عن أبى الصديق الناجي قال:" خرج سليمان بن داود يستسقي بالناس، فمر على نملة مستلقية على قفاها رافعة قوائمها إلى السماء وهي تقول: اللهم إنا خلق من خلقك ليس بنا غنى عن رزقك. فإما أن تسقينا وإما أن تهلكنا. فقال سليمان للناس: ارجعوا فقد سقيتم بدعوة غيركم".
وفي حديث الـرقية" ربنا الذي في السماء، تقدس اسمك، أمرك في السماء والأرض، كما رحمتك في السماء، اجعل رحمتك في الأرض. اغفر لنا حوبنا وخطايانا أنت رب الطيبين، أنزل رحمة من رحمتك، وشفاءً من شفائك على هذا الوجع". قال :" إذا اشتكى أحد منكم، أو اشتكى أخ له فليقل:" ربنا الذي في السماء".
وقوله في حديث قبض الروح" حتى يعرج بها إلى السماء التي فيها الله تعالى".
وقوله في الحديث الذي في المسند" إن الله حيىٌ كريم يستحي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفرا".
وقوله:" يمد يديه إلى السماء يقول:" يا رب، يا رب".
وفي حديثه  للجارية:" أين الله؟" قالت: في السماء.
قال:" فمن أنا؟" قالت: أنت رسول الله. قال:" اعتقها فإنها مؤمنة".
وقولة أمية بن أبى الصلت الثقفي الذي أنشد للنبي صلى الله عليه وسلم هو وغيره من شعره فاستحسنه وقال:" آمن شعره وكفر قلبه" حيث قال:
مجدوا الله فهو للمجد أهل ربنا في السماء أمسى كبيرا
وقول عبد الله بن رواحة الذي أنشد للنبي صلى الله عليه وسلم وأقره عليه:
وإن العرش فوق الماء طاف وفوق العرش رب العالـمين
إلى أمثال ذلك، مما لا يحصيه إلا الله، مما هو من أبلغ المتواترات اللفظية والمعنوية التي تورث علما يقينياً من أبلغ العلوم الضرورية، أن الرسول صلى الله عليه وسلم المبلغ عن الله، ألقى إلى أمته المدعوين: أن الله سبحانه على العرش وأنه فوق السماء. كما فطر الله على ذلك جميع الأمم، عربهم وعجمهم في الجاهلية والإسلام، إلا من اجتالته الشياطين عن فطرته.
أقوال السلف في الاستواء
يقول ابن تيمية: وللسلف في ذلك من الأقوال لو جمع لبلغ المئين، أو الألوفا. ولم يقل واحد منهم قط أن الله ليس في السماء، ولا أنه ليس على العرش، ولا أنه بذاته في كل مكان. ولا أن جميع الأمكنة بالنسبة إليه سواء، ولا أنه لا متصل ولا منفصل ولا أنه لا يجوز الإشارة إليه بالأصابع ونحوها، إشارة حسية. فإذا كان أصل هذه المقالة (أن الله في كل مكان) مأخوذ عن تلامذة المشركين والصابئين والفلاسفة، فكيف تطيب لنفس مؤمن - بل نفس عاقل - فضلا عن نفس عالم أن يأخذ سبيل المغضوب عليهم أو الضالين. ويدع سبيل الذين أنعم الله عليهم من النبيين، والصديقين، والشهداء، والصالحين.
وهو سبحانه مع ذلك ليس كمثله شيء لا في نفسه المقدسة، المذكورة بأسمائه وصفاتــه، ولا في أفعاله، فكما نتيقن بأن الله سبحانه له ذات حقيقة وله أفعال حقيقية، فكذلك له صفات حقيقية.
وهو ليس كمثله شيء، لا في ذاته ولا في أفعاله، ولا في صفاته، وكل ما أوجب نقصاً أو حدوثاً فإن الله منزه عنه حقيقة، فإنه سبحانه مستحق للكمال الذي لا غاية فوقه.
فإن قال قائل: لو كان الله فوق العرش للزم إما أن يكون أكبر من العرش أو أصغر، أو مساويا، وكل ذلك من المحال، ونحو ذلك من الكلام.
والقول الفاصل ما هو عليه الأمة الوسط، من أن الله مستوٍ على عرشه استواءً يليق بجلاله، ويختص به، فكما أنه موصوف بأنه بكل شيء عليم. ونحو ذلك ورضى الله عن الإمام مالك ابن أنس حيث قال:" أو كلما جاءنا رجل أجدل من رجلٍ تركنا ما جاء به جبريل عليه السلام إلى محمد  لجدل هؤلاء".
قال أبو حنيفة في رجل قال: لا أعرف ربى في السماء أم في الأرض: فقد كفر لأن الله يقول: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (طه:5) وعرشه فوق سبع سموات.
فهذا تصريح من أبى حنيفة بتكفير من أنكر أن الله في السماء. واحتج على ذلك بأن الله في أعلى عليين. وأنـه يدعي من أعلى لا من أسفل، وكل من هاتين الجملتين نظرية عقلية، فإن القلوب مفطورة على الإقرار بأن الله في العلو. قال يحيى بن معاذ الرازي:" إن الله على العرش، بائن من الخلق، وقد أحاط بكل شيء علما. وأحصى كل شيء عددا".
وقد أجمع اليهود والنصارى وأهل الأديان مع المسلمين على أن الله على العرش. وقال محمد بن إسحاق إمام الأئمة: " من لم يقل إن الله فوق سمواته على عرشه، بائن من خلقه، وجب أن يستتاب، فإن تاب وإلا ضربت عنقه ثم ألقى على مزبلة لئلا يتأذى بريحه أهل القبلة ولا أهل الذمة".
وروى الإمام أحمد عن مالك ابن أنس قال:" الله في السماء، وعلمه في كل مكان، لا يخلو من علمه مكان". وقال الشافعي: " خلافة أبى بكر الصديق حق قضاه الله في السماء. وجمع عليه قلــوب عباده".
وفي الصحيح عـن إنس بـن مالك قـال: كانت زينب تفتخر على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم تقول:" زوجكن أهاليكن وزوجني الله من فوق سبع سموات". هذا مثل قول الشافعي.
قال أبو عبد الله محمد بن عبد الله أبى زمنين من أئمة المالكية في كتابه (أصول السنة) قال: ومن قول أهل السنة أن الله عز وجل خلق العرش واختصه بالعلو والارتفاع فوق جميع ما خلق. ثم استوى كيف شاء كما أخبر عـن نفسه في قوله: الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى.
ومن قول أهل السنة أن الكرسي بين يدي العرش وأنه موضع القدمين. وذكر حديث أنس الذي فيه التجلي يوم الجمعة في الآخرة وفيه "إذا كان يوم الجمعة هبط من عليين على كرسيه. ثم يحف الكرسي الذي وسع السموات والأرض لموضع القدمين، ولا يعلم قدر العرش إلا الذي خلقه". وقال: ومن قول أهل السنة أن الله ينزل إلى السماء الدنيا ويؤمنون بذلك من غير أن يحدوا فيه حدا.
وقال: واعلم بأن أهل العلم بالله وبما جاءت به أنبياؤه ورسله، يرون الجهل بما لم يخبر به نفسه علما. والعجز عن ما لم يدع إليه إيمانا. وأنهم إنما ينتهون من وصفه بصفاته وأسمائه إلى حيث انتهي في كتابه على لسانه.
ودين الله تعالى بين الغالي فيه، والجافي والمقصر عنه.
فإذا قلنا يد وسمع وبصر وما أشبهها فإنما هي صفات أثبتها الله لنفسه، ولسنا نقول: أن معنى اليد القوة أو النعمة. ولا معنى السمع والبصر العلم، ولا نقول إنها جوارح، ولا نشبهها بالأيدي والأسماع والأبصار التي هي جوارح وأدوات للفعل، ونقول: إن القول إنما وجب بإثبات الصفات لأن التوقف ورد بها، ووجب نفي التشبيه عنها. لأن الله ليس كمثله شيء.
(وكل ما خطر في بالك فالله غير ذلك).
وقال أبو نعيم الأصبهاني:" طريقتنا طريقة المتبعين للكتاب والسنة وإجماع الأمة. قال: فمما اعتقدوه أن الأحاديث التي ثبتت عن النبي صلى الله عليه وسلم في العرش واستواء الله يقولون بها ويثبتونها. من غير تكييف، ولا تمثيل ولا تشبيه. وأن الله بائن من خلقه، والخلـق بائنون منه.. لا يحل فيهم ولا يمتزج بهم، وهو مستوٍ على عرشه في سمائه دون أرضه وخلقه".
وقـال الحافظ أبو نعيم في كتابه (محجة الواثقين): وأجمعوا أن الله فوق سمواته عالٍ على عرشه، مستوٍ عليه لا مستول عليه. وأنه سبحانه مستوٍ على عرشه بائن من خلقه والخلق منه بائنون، بلا حلول ولا ممازجة ولا اختلاط، ولا ملاصقة، لأنه الفرد البائن من الخلق، والواحد الغنى عن الخلق.
وأن الله عز وجل سميع، بصير، عليم، خبير، يتكلم، ويرضى، ويسخط، ويضحك، ويعجب، ويتجلى، وينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا كيف شاء بلا كيف ولا تشبيه، ولا تأويل، فمن أنكر النزول أو تأول فهو مبتدع ضال وسائر الصفوة من العارفين على ذلك.
وقال الشيخ الأمام أبو محمد (عبد القادر بن صالح الجيلاني) - من أعلام الصوفية - في كتاب (الغنية):" ولا يجوز وصفه بأنه في كل مكان، بل يقال: أنه في السماء على العرش وكونه على العرش، مذكور في كل كتاب أنزل على كل نبي أرسل، بلا كيف".
وقال القاضي أبو بكر محمد بن الطيب الباقلاني (أشعري) : " فإن قال قائل: فهل تقولون أنه في كل مكان"؟
قيل له: معاذ الله، بل هو مستوٍ على عرشه، كما أخبر في كتابه. ولو كان في كل مكان لكان في بطن الإنسان وفمه، والحشوش، والمواضع التي يرغب عن ذكرها " .
قال محمد خليل هراس: ومن الخطأ القول أن مذهب السلف هو (التفويض): فإن السلف لم يكونوا يخوضون في علم المعنى، ولا كانوا يقرءون كلاماً لا يفهمون معناه، بل كانوا يفهمون معاني النصوص من الكتاب والسنة، ويثبتونها لله عز وجل، ثم يفوضون فيما وراء ذلك من كنه الصفات أو كيفتها كما قال مالك حين سئل عن كيفية استوائه على العرش:" الاستواء معلوم والكيف مجهول".
وعن قوله تعالى لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ هذه الآية المحكمة من كتاب الله عز وجل هي دستور أهل السنة والجماعة في باب الصفات، فإن الله عز وجل قد جمع فيها بين النفي والإثبات، فنفي عن نفسه المثل وأثبت لنفسه سمعا وبصرا فدل على أن المذهب الحق، ليس هو نفي الصفات مطلقا كما هو شأن المعطلة ولا إثباتها مطلقاً كما شأن الممثلة، بل إثباتها بلا تمثل.
فأهل السنة والجماعة لا يقولون بأن الله تعالى في كل مكان بذاته، بل إنهم يعتقدون بأن الله تعالى: في السماء مستوٍ على عرشه، بائن من خلقه، بالكيفية التي يعلمها هو جل شأنه، كما قال مالك وغيره (الاستواء معلوم والكيف مجهول).
أما ما يشغب به أهل التعطيل من إيراد اللوازم الفاسدة على تقرير الاستواء فهي لا تلزمنا لأننا لا نقول بأن فوقيته على العرش كفوقية المخلوق على المخلوق.
أما ما يحاولون به صرف الآيات الصريحة عن ظواهرها بالتأويلات الفاسدة التي تدل على حيرتهم واضطرابهم، كتفسيرهم استوى بمعنى: استولى أو حملهم عَلَى وجعلها بمعني (إلى) واسْتَوَى بمعنى (قصد) إلى آخر تأويلاتهم، فكلها تشغيب بالباطل، وتغيير في وجه الحق، ولا ندرى ماذا يريد أولئك الذين يعطلون أسماء الله وصفاته. أيريدون أن يقولوا: ليس في السماء رب يقصد، ولا فوق العرش إلـه يعبد؟ فأين يكون إذن؟
ولعلهم يضحكون منا حين نسأل عنه بأين، ونسوا أن أكمل الخلق وأعلمهم بربهم صلوات الله وسلامه عليه قد سأل عنه الجارية: بأين الله. ورضى بجوابها حين قالت في السماء. وقد أجاب كذلك من سأله: بأين كان ربنا قبل أن يخلق السموات والأرض بأنه كان في عماء. ولم يرووا عنه بأنه زجر السائل، ولا قال له إنك غلطت في السؤال.
وقصارى ما يقوله المتحذلقون منهم عن الله: (كان ولا مكان قبل خلق المكان).
بل الحق أن يقال:" كان الله ولم يكن شيء قبله، ثم خلق السموات والأرض وكان عرشه على الماء، ثم استوى على العرش" وثم هنا للترتيب الزماني لا لمجرد العطف.
آيات الاستواء:
في سبع آيات لا غير في القرآن يذكر عز وجل أنه:
اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ
(1) إِنَّ رَبَّكُمْ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَــوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ  (الأعراف:54)
(2) إِنَّ رَبَّكُمْ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَــوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ
اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الأَمْر (يونس:3)
(3) اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَــوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى
الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَر (الرعد:2)
(4) الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (طه:5)
(5) الَّذِي خَلَقَ السَّمَــوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى
عَلَى الْعَرْشِ (الفرقان:59)
(6) اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَــوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ
اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ (السجدة:4)
(7) هوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَــوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ (الحديد:4).
من هذه الآيات السبع نرى أن الله تعالى ذكر الاستواء بعد خلق السموات والأرض حتى الآية (5) مـن سورة طـه سبقتها الآية (4) وفيها تَنزِيلا مِمَّنْ خَلَقَ الأَرْضَ وَالسَّمَــوَاتِ الْعُلَى ثم الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى و(ثم) هنا كما هو معلوم للترتيب أي أن الاستواء تم بعد خلق السموات والأرض. وفي الأحاديث" كان الله ولم يكن شيء غيره. وكان عرشه على الماء وكتب في الذكر كل شيء وخلق السموات والأرض".
فالعرش مخلوق قبل السموات والأرض، لكن الاستواء كما هو واضح من الآيات بعد خلق السموات والأرض.
وقد ورد بإنجيل متى (23/22) على لسان المسيح عليه السلام:" ومن حلف بالسماء فقد حلف بعرش الله وبالجالس عليه".
الرد على من تأول الاستواء
لم يظهر القول بأن الله تعالى في كل مكان في عصور السلف إلا من فرق سماها العلماء (المعطلة، والمعتزلة، والجهمية) وذلك بعد ترجمة كتب الفلاسفة، وكتب الصابئين والمشركين.
وقام أهل السنة والجماعة بالرد عليهم حتى انتهت الفتنة وأخمدت نيرانها. لكنهـا عادت وظهرت من جديد بعد عصر الإلحاد (عصر النهضة) وانتشر بين علماء المسلمين لا عوامهم أن الله تعالى في كل مكان، أما الاستواء فقد أولوه بالاستيلاء. واحتجوا بآيات (المعية) و(القرب) كقوله وهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُم وكقوله لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا وكقولـه وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ وقوله وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لا تُبْصِرُونَ (الواقعة:85).
ورد ابن تيمية على هؤلاء في كتاب (الأسماء والصفات) وعلى حججهم فقال:" ليس في القرآن وصف الرب تعالى بالقرب من كل شيء أصلا. بل قربه الذي في القرآن خاص لا عام. كقوله تعالى وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ (البقرة:186) فهو سبحانه وتعالى قريب ممن دعاه.
وكذلك في الصحيحين عن أبى موسى الأشعري أنهم كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر، فكانوا يرفعون أصواتهم بالتكبير، فقال:" يا أيها الناس، أربعوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصما ولا غائباً إنما تدعون سميعا قريبا ".
إن الذي تدعون أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته". فقوله" إن الذي تدعون أقرب إلى أحدكم" ولم يقل إنه قريب من كل موجود.
وكذلك قول صالح فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ (هود:61) ومعلوم أن قَرِيبٌ مُجِيبٌ مقرونة بالتوبة والاستغفار. فأراد أنه قريب مجيب للتائبين إليه ولاستغفار المستغفرين. ومعلوم أنه لا يقال: مجيب لكل موجود، وإنما الإجابة لمن سأله ودعاه. وكذلك قربه سبحانه وتعالى.
وكذلك أسماء الله المطلقة كاسمه: السميع، البصير، الغفور، الشكور، المجيب، القريب، لا يجب أن تتعلق بكل موجود بل يتعلق كل اسم بما يناسبه، واسمه العليم، لما كان كل شيء يجب أن يكون معلوما، تعلق بكل شيء. وأما قوله تعالى: وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لا تُبْصِرُونَ (الواقعة:85) وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (ق:16). فالمراد به قرب ملائكته.
أما ألفاظ المعية كالتي في سورة المجادلة مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَة (7). وفي سورة الحديد هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَــوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنْ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ.
يقول ابن تيمية: قد ثبت عن السلف أنهم قالوا: هو معهم بعلمه. وهذا كما قال ابن عبد البر وغيره إجماع الصحابة والتابعين لهم بإحسان ولم يخالفهم أحد يعتد بقوله: قال ابن أبي حاتم في تفسيره عن ابن عباس وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ هو على العرش وعلمه معهم.
أما آيات القرب فإن سياق الآيتين يدل على أن المراد: الملائكة، فإنه قال: وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (16) إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنْ الْيَمِينِ وَعَنْ الشِّمَالِ قَعِيدٌ (17) مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (ق) فقيد القرب بهذا الزمان وهو زمان تلقى المتلقيين، قعيد عن يمين وقعيد عن شمال، وهما الملكان الحافظان اللذان يكتبان كما قال تعالى مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ومعلوم أنه لو كان المراد قرب ذات الرب لم يختص ذلك بهذه الحال. ولم يكن لذكر القعيدين والرقيب والعتيد معنى مناسب.
وكذلك قوله في الآية الأخرى فَلَوْلا إِذَا بَلَغَتْ الْحُلْقُومَ (83) وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تـَنظُرُونَ (84) وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لا تُبْصِرُونَ فلو أراد قـرب ذاته لم يخص ذلك بهذا الحال، ولا قال وَلَكِنْ لا تُبْصِرُونَ وإنما هذا يقال إذا كان هناك من يجوز أن يبصر في بعض الأحوال، ولكن نحن لا نبصره. والرب تعالى لا يراه في هـذه الحالـة لا الملائكة ولا البشر. وأيضا فإنه تعالى قال وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ فأخبر عمن هو أقرب إلى المحتضر من الناس الذين عنده في هذه الحالة. وذات الرب سبحانه وتعالى إذا قيل: هي في مكان، أو قيل قريبة من كل موجود. لا يختص بهذا الزمان والمكان والأحوال. ولا يكون أقرب من شيء إلى شيء ولا يجوز أن يراد به قرب الله الخالص كما في قوله: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ فإن ذلك إنما قربه إلى من دعاه أو عبده، وهذا المحتضر قد يكون كافراً أو فاجراً أو مؤمناً ولهذا قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمْ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِم وغير ذلك من الآيات. ومما يدل على ذلك أنه ذكره بصيغة الجمع وكل ما جاء في القرآن بصيغة الجمع فإنما تدل على أن المراد أنه سبحانه يفعل ذلك بجنوده وأعوانه من الملائكة.
وكذلك قوله: وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ (ق:16) فإنه سبحانه يعلم ذلك وملائكته يعلمون ذلك. كما ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
" إذا هم بسيئة لم تكتب عليه، فإن عملها كتبت عليه سيئة واحدة. وإن تركها لله كتبت حسنة". فالملك يعلم ما يهم به العبد من حسنه وسيئة، وليس ذلك من علمه بالغيب الذي اختص الله به.
وقد روى ابن عيينة أنهم يشمون رائحة طيبة فيعلمون أنه هم بحسنة. ويشمون رائحة خبيثة فيعلمون أنه هم بسيئة، وهم وإن شموا رائحة طيبة ورائحة خبيثة فعلمهم لا يفتقر إلى ذلك، بل ما في قلب ابن آدم يعلمونه، بل يبصرونه ويعلمون وسوسة نفسه، بل الشيطان يلتقم قلبه، فإذا ذكر الله خنس وإن غفل قلبه عن الذكر وسوس. ويعلم هل ذكر الله أم غفل عن ذكره. ويعلم ما تهواه نفسه من شهوات الغي فيزينها له وقرب الملائكة والشياطين من قلب ابن آدم تواترت به الآثار، سواء كان العبد مؤمناً أو كافراً. وأما أن تكون ذات الرب في قلب كل واحد كافراً أو مؤمناً فهذا باطل ولم يقله أحد من سلف الأمة، ولا نطق به كتاب ولا سنة. بل الكتاب والسنة والإجماع يناقض ذلك ". انتهى كلام ابن تيمية.
وهناك من يستدلون على أن الله تعالى في كل مكان بالآية وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (الزخرف:84). فإن أقوال المفسرين جميعا على أن معناه: أنه سبحانه معبود في السماء ومعبود في الأرض، أو مستحق للعبادة في السماء ومستحق لها في الأرض.
قتال قتادة: يعبد في السماء والأرض. قال أبو علي الفارسي: المعنى على الإخبار بألوهيته، لا علي كونه فيهما.
والاستواء مختص بالعرش باتفاق المسلمين مع أنه مستولٍ مقتدر على كل شيء من السماء والأرض وما بينهما. فلو كان استواؤه على العرش بمعنى استيلائه فهو تعالى قادر على السماء والأرض وما بينهما ولا يخص العرش.
ولفظ الاستواء الموجود بالكتاب والسنة وكلام العرب يمنع ذلك المعنى. قال ابن الأعرابي: إن العرب لا تعلم استوى بمعنى استولى ومن قال ذلك فقد أعظم واختصاصه تعالى بالاستواء على العرش يدل عليه قوله تعالى: ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ (البروج:15) فلم يقل (ذو الأرض) أو (ذو السماء). بل لم ينسب شيء لله تعالى بـ (ذو) إلا العرش، والمعارج التي هي مصاعد الملائكة إليه تعالى مِنْ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ (المعارج:2).
العرش عظيم والله أعظم
روي عبد الرحمن بن منده عن عبد الله بن خليفة عن عمر عن النبيصلى الله عليه وسلم قال:" إن عرشه أو كرسيه وسع السموات والأرض وانه يجلس عليه فما يفضل منه قدر أربع أصابع" رواه ابن جرير الطبري في تفسيره، وغيره.
وهذا يدل علي عظمة الله عز وجل، وهو أعظم من العرش، فإن العرش علي هذه العظمة التي وصفت في الكتاب والسنة. فالرب مستوٍ عليه كله لا يفضل منه قدر أربع أصابع وهذه غاية ما يقدر به في المساحة من أعضاء الإنسان، فإن الناس إذا أرادوا نفي القليل والكثير قدروا به. كما يقول في النفي إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ (النساء:40) مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ (فاطر:13) ونحو ذلك فبين الرسول صلى الله عليه وسلم أنه لا يفضل من العرش شيء، ولا حتى هذا القدر اليسير، الذي هو أيسر ما يقدر به وهو أربعة أصابع.
والعرش على عظمته صغير في عظمة الله، فقد روى أبو حاتم في قوله: لا تُدْرِكُهُ الأبْصَارُ (الأنعام:103) عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" ولو أن الجن والإنس والشياطين والملائ



أدخل عنوان بريدك الإلكتروني هنا يصــــلك كل جديــــد





بلغ الادارة عن محتوى مخالف من هنا ابلغون على الروابط التي لا تعمل من هنا



توقيع : manel


التوقيع



قصة الخلق من العرش إلى الفرش  story of Creation By Eid Wardany Emptyالجمعة 25 يناير - 22:30
المشاركة رقم: #
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
عضو الجوهرة
الرتبه:
عضو الجوهرة
الصورة الرمزية


البيانات
عدد المساهمات : 17945
تاريخ التسجيل : 17/10/2012
رابطة موقعك : ورقلة
التوقيت

الإتصالات
الحالة:
وسائل الإتصال:


مُساهمةموضوع: رد: قصة الخلق من العرش إلى الفرش story of Creation By Eid Wardany



قصة الخلق من العرش إلى الفرش story of Creation By Eid Wardany

إنه يطلب من الكافرين بالله وآياته وأنبيؤه أن ينظروا في دليل آخر غير الوحي ويبحثوا في كتاب آخر غير المنزل وهو كتاب الكون طالما كذبوا بالوحي. وأن كل شيء في الكون يدل على أن الله قادر على إعادة الخلق كما بدأه. بل إن الإعادة أهون وأيسر وإن كان كل شيء في حق الله سهل وهين. ففي كل يوم إحياء وإماتة، شروق وغروب، طلوع وأفول. في النبتة التي تصير شجـرة كبيرة ثم تموت، ثم تعاد ببذرة أخرى، في البيضة، في الحيوان، في الشمس والقمر والنجوم، في الطفل الجنين ثم صيرورته رجلاً كبيراً ثم في موته، ثم في ظهور ذريته التي تعيد نفس الكرة. في كل ذلك آيات، إن كانوا يكذبون الوحي.
أما المؤمنون فإنهم ليسوا مخاطبين بهذا فهم يؤمنون بالغيب، ثم هم قد فصل لهم الخلق، وخلق كل شيء، فصل لهم بالوحي تفصيلا. حيث لا يبقى بعده إبهام أو غموض. ثم إن طلب السير يكون للوقوف على قدرة الله وعلى إثبات اليوم الآخر. أما غير ذلك من البحث والاستطلاع، سواء لاستكشاف المجهول، أو للمعرفة والثقافة، وللتقدم المادي. فإن كل هذه الأهداف لا تندرج تحت الآية لأنه تعالى يقول بعد الأمر بالسير:
قُلْ سِيرُوا فِي الأرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ثم إنه تعالى أمر فقط بالسير في الأرض فلا يكون البحث في الفضاء لأنه.. (فضاء).
وترى.. هل كان غير المؤمنين الذين ساروا في الأرض وسبحوا في السماء يبحثون عن هذه الأمور: المبدأ والميعاد وإن الله على كل شيء قدير؟ لـنرى:
لقد أتيحت للبشرية بعـد عصر النهضة وسائل وأدوات لم تكن في متناول من كان قبلهم. بل لم تخطر للغابرين على بال.
هذه الوسائل اختصرت المسافات، ووفرت الجهد، وقربت البعيد، وأظهرت المخفي، وأخرجت الخبأ. وأصبح السير في الأرض يستغرق دقائق أو ساعات بعد أن كان يتم في أشهر وسنوات، ووصل الأمر إلى أن أصبحت الأرض كلها من مشرقها إلى مغربها بين أيديهم ونصب أعينهم.
فهل استفادوا بذلك للبحث في كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.
* الدكتور (إدوارد لـوثر كيسيل) عالم الأحياء يقول عـن الهدف مـن سيرهم في الأرض: " وطبيعي أن البحوث العلمية لم يكن يقصد منها إثبات وجود الخالق. فغاية العلوم هي البحث عن خبايا الطبيعة واستغلال قواها، وهي لا تدخل في البحث عن مشكلة النشأة الأولى فهذه من المشكلات الفلسفية".
** السير (جيمس جينز) الفلكـي الأشهر والطبيعي الأكبر يقول بعد سيره الطويل في الأرض.. بل وفي السماء:" إن هذا الوجود (الكون) ليس له وجود فعلى، بل هو مجرد صورة في أذهاننا وأننا نعيش في عالم من الأوهام".
*** أما (يوري جاجارين) أول من سبح في الفضاء فقد قال بعد أول تجربة قام بها في الخروج من الأرض والصعود في الفضاء قال عندما نزل إلى الأرض: " صعدت لأبحث عن الله فلم أجده ".
إذن فقد كذب هؤلاء بالوحي، ورفضوا أن يسيروا في الأرض لينظروا كيف بدأ الخلق وكيف يبدأ الله الخلق ثم يعيده. فكيف يكون لديهم علم بالأرض أو السماء ومن أين؟ وقد حكم الله عليهم بأن يكونوا في الظلمات، وأخبرنا بأنهم (لا يعقلون، ولا يعلمون، ولا يفقهون، ولا يبصرون) وأنهم (غافلون).
ليس أمامنا إذن غير مصدر واحد وهو الله، خالق كل شيء، وهو أصدق القائلين، وهو الذي بين لنا كل شيء، وهو الذي فصل لنا كل شيء. أما ما وصل إليه هؤلاء من علوم ونظريات فهي لا تلزم المؤمنين في شيء، فهي كما قال (إيرل تشستر ريكسي) بأمانة:
" النظريات الحديثة التي تفسر نشأة الكون والسيطرة عليه بصورة تخالف ما جاء في الكتب السماوية، تعجز عن تفسير جميع الحقائق وتزج بنفسها في ظلمات اللبس والغموض، وإنني شخصيا أومن بوجود الله وأعتقد في سيطرته على هذا الكون".
إن هذه النظريات" التي تفسر نشأة الكون والسيطرة عليه بصورة تخالف ما جاء بالكتب السماوية" تبناها العلماء بشدة وأخذوها بقوة، سواء منهم العلماء التجريبيون أم علماء الشرع. والغريب أن نجد علماء الغرب التجريبيين يعتبرون ما توصلوا إليه (نظريات) أي وجهات نظرهم في الأمر، أما علماؤنا فعندما يعرضون هذه النظريات فإنما يفعلون ذلك على أساس أنها حقائق علمية مثبتة تم التوصل إليها.
وانتشر الآن هذا المذهب التجريبي، وهذا الدين الجديد (العلمانية) الذي ينتزع خصائص الإله ويعطيها إما للطبيعة وإما للمكتشفين. ونجح العلمانيون باقتدار على أن ينسخوا قول الله إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَــوَاتِ وَالأرْضَ أَنْ تَزُولا (فاطر:41) ويثبتوا قول نيوتن أن الأجرام السماوية تتحرك بقانون الجاذبية. ولو سألنا طالب علم أو تلميذاً صغيراً عن علمه بالآية فإنه سينفي أي معرفة بها، وسيخبرك دون تفكير أن القانون الذي يحكم كل ما في الأرض أو السماء هو قانون الجاذبية - وبالطبع - لنيوتن وليس لله. وهكذا كل ما في الكون من ظواهر كان الله تعالى ينسبها لنفسه أصبح الآن من المعلوم تماما أن لها قوانين تحكمها ليس منها..(الله).
لـــــذلك..
فإنني أعلن كفري بكل هذه النظريات، وأعلن إيماني بالله وحده وبآياته، وإن كانوا يقولون: (لا يعرف الشوق إلا من يكابده) فإنني أقول: (ولا يعرف الكون إلا خالقه). وصدق الله مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَــوَاتِ وَالأرْضِ وَلا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا (الكهف:51).
فلسنا في حاجة إذن لنظرياتهم فهي باطلة، ولسنا في حاجة لأن نسير في الأرض لننظر كيف بدأ الخلق، لأننا نؤمن بالوحي، ونصدق الله تعالى، ونشهد بأنه الخلاق العليم، وأنه سبحانه يبدأ الخلق ثم يعيده. وأنه على كل شيء قدير وقد أخبرنا تعالى عن قصة الخلق في القرآن بتفصيل دقيق، وبيان كامل، لا يبقى بعده جهل، أو غموض.
والقرآن في ذلك لم يذع سراً، ولم يأت بجديد، فكل الكتب المنزلة تحدثت في ذلك لمن نزلت إليهم. وكل الأنبياء والمرسلين أخبروا أممهم بهذا، وكان ذلك جزءاً من المهمة التي كلف بها الأنبياء ، ولأنها أيضا ضرورة من ضرورات العبادة المطلوبة من الإنسان، أن يتعرف على الكون من حوله، وعلى شركائه في العبودية، والكون كله عابد. فمعرفة خلق السموات والأرض وما بينهما وما فيهما من آيات قاسم مشترك بين الأمم والقرون.
بل من البشر من رأي هذه الآيات عياناً، وأطلعه الله على الملك والملكوت، كما فعل تعالى مع إبراهيم عليه السلام وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَــوَاتِ وَالأرْضِ وَلِيَكُونَ مِنْ الْمُوقِنِينَ (الأنعام:75) وكما تم لموسى عليه السلام لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا الْكُبْرَى (طه:23) وكما تم أيضا لمحمد  لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى (النجم:23) وعلى ذلك فكل ما صدر عن هؤلاء من كلام عن الخلق ليس وجهة نظر، بل هي رؤية نظر، شهدوا بأعينهم وسمعوا بآذانهم وأخبروا من ربهم. فهي من ثم حقائق وليس افتراضات ونظريات.
لذلك لا نعجب إذا رأينا قصة الخلق قد ذكرت في العهد القديم بقريب مما جاء في القرآن، ومتشابهة أيضا إلى حد كبير مع ما ذكرته الحضارات الغابرة، خاصة أقدمها على الأرض كحضارة المصريين القدماء. وهي كلها تتشابه، ويجمع بينها - الكتب المقدسة والقرآن والحضارات - رابط عام. وفي نفس الوقت تختلف قصة الخلق في هذه المصادر عن قصة التكوين في نظريات العصر الحديث التي هي أبعد ما تكون عن العقل والمنطق.
فقد فصل الله قصة الخلق لكل الأمم وفي كل الكتب، وآخرها القرآن.
فكما قال تعالى عن القرآن كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ.
فقد قال تعالى عن التوراة: ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ وَتَفْصِيلا لِكُلِّ شَيْءٍ (الأنعام:152). وقال تعالى: عن كل الأمم ولقَد جِئناهُم بِكتاَب فَصلناهُ عَلى عِلم هُدىً وَرَحُمةً لِقَوم يُؤمنُونَ (الأعراف:52).
ورب قائل يقول: إن الذي يدفع علماءنا لاستدلالهم بهذه النظريات على صدق القرآن هو حرصهم على الدعوة للدين وأنه يشفع لهم حسن النية.
نقول: بأننا لا نشك بالطبع في إخلاص علمائنا، ولا في سلامة نيتهم، ولكن... حسن النية وحده لا يكفى في الدعوة.. والقرآن قد حدد وسائل الدعوة، ورسم الطريق الذي ينبغي أن يسير عليه الدعاة وأي تجاوز سيحيد عن الطريق وقد قال تعالى: وأنَ هَذَا صراطِي مُستِقيماً فَاتبِعوهُ وَلا تَتبِعُوا الَسُبُل فَتَفَرقَ بِكُم عَن سَبِيِله (الأنعام:153) وقال تعالى قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي (يوسف:108) وقد أمر الله تعالى رسوله أن يدعو بالقرآن فذَكِر بِالقُرآنِ مَن يخَاَفُ وَعِيِد (ق) فلا تُطِعْ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا (الفرقان:52) أي جاهدهم بالقـرآن. وأمره بأن يلتزم بالقواعد التي وضعها له سبحانه وتعالى في دعوته: فاستَقِم كَمَا أُمِرتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلا تَطغَوا (هود:112) وليس فقط يلتزم بالقواعد الربانية، بل وأيضا لا يلتفت إلى المشركين وإلى أقوالهم فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأعِرض عَنِ المُشرِكينَ (الحجر:94).
ولقد عاتب الله رسوله أشد معاتبة جاءت في القرآن لتجاوزه - بحسن نية - عن قاعدة صغيرة من هذه القواعد، أنه أعرض عن أعمى فقير حرصا علي دعوة الكبراء والسادة. وقد تجاوز الكثير منا الحدود المرسومة لهم من ربهم، وسلكوا سبيلا غير سبيله تعالى في الدعوة، فكانت النتيجة التي نراها.
التوفيق بين الحقيقة والخيال
سنورد بعضا من أقوال علمائنا وآراءهم في مسألة الخلق وما يقولونه عن توافق هذه النظريات الحديثة مع القرآن، وكيف يعرضونها كحقائق ثابتة على جماهير الناس بينما أصحاب هذه النظريات أنفسهم لا يقولون بثباتها.. بل يفترضون.
الدكتور (مصطفي إبراهيم فهمي) يقول في كتابه (علوم القرن الحادي والعشرين) وهو صادر من (دار المعارف) وهي دار نشر رسمية لجمهورية مصر العربية، الإسلامية:" لقـد بـدأ كوكبنا - يقصد الأرض - بالانفجار الذي حدث منذ ما يقرب من عشرة بلايين من السنين، ولم تتكون المجموعة الشمسية إلا بعد مرور بليون سنة أخرى أو تزيد. ثم حدث تطور بيولوجي بطيء من الكائنات البسيطة الأولى وحيدة الخلية، ولم تظهر الكائنات المركبة متعددة الخلايا إلا منذ 600 مليون سنة، وأخيراً منذ فترة تحسب بالآلاف لا غير، ظهر الإنسان العاقل، المدرك، الذي يستطيع أن يسأل أسئلة ذكية عن وجود حياة على الكواكب الأخرى".
إن الدكتور يوحي لنا أن ما يقوله مسلمات علمية، فواضح هذا من عرضه " لقد بدأ كوكبنا " وهذا ما لم يقل به أحد أبداً. فإن القائلين بنظريات الخلق أنفسهم لم يثبتوا ولم يؤكـدوا، بل عرض كل منهم ما يراه، وكل واحد منهم مختلف عن الآخر في رؤيته ولم يقل قائل منهم أن هذا ما تم حقيقةً، بل" يفترض" و"يرى" و" يبدو" و"يحتمل" وهكذا يعرضون نظرياتهم.
فنظريات بدء الخلق قال بها كثيرون (كانت، بيير لابلاس، ولمولتون، وتشامبرلين وجينز، وهابل، وليتليتون، وأوتوشميت، وفيسينكوف، وإمبار سوميان)... وغيرهم وغيرهم، لكل واحد منهم نظريته عن الخلق تسمى باسمه وكـل هؤلاء لم يتفقوا على رأي، وكل منهم وضع تصورا يراه لبدء الخلق لا شأن له بالنظرية الدينية، ولم يضع أحد منهم في اعتباره وجود إله خالق. ولا يمكن تلخيص هذه الآراء وجمعها في نظرية واحدة، فعلى أي أساس ذكر الدكتور نظرية الخلق بالطريقة التي ذكرها.
وكما نرى من مقولة الدكتور أن الكون حدث نتيجة انفجار وليس خلق، وهذه في الحقيقة وجهة نظرهم جميعا، وهم لا يقولون خلق وإنما يقولون" ظهور". كما نلاحظ أيضا أن الخلق أو الظهور كما يقولون لم يتم في ستة أيام - كما قال الله - وإنما حدث خلال بلايين السنين.
وملحوظة أخيرة نراها في كلام الدكتور: أن الإنسان ظهر - وليس خلق - حسب هذه المقولة نتيجة نشوء وارتقاء. بدءً من خلية واحدة، إلى كائن متعدد الخلايا، إلى إنسان يفكر هذا التفكير. أي أن الإنسان وجد نتيجة مصادفة. وليس خلق.
وقام البعض بتجميع هذه النظريات المختلفة والمتباينة وولفوا بينها وألفوا. ثم قالوا لنا أنها قد ثبتت علميا، وأن القرآن قد نص عليها من فوق سبع سموات ومنذ أربعة عشر قرنا من الزمان. ولا ندرى أياً من هذه النظريات الثلاثين أو أكثر، التي نص عليها القرآن وأيدها.
إنها طامة، أن يأتي واحد ليقول بذلك، فما بالنا إن كان الكل يقول ذلك. ومن؟ علماء الشرع والدين.
قـال الدكتور (محمد أحمد العمراوي) في كتاب (الإسلام في عصر العلم) تحت هـذه الآية: أوَلَم يَرَ الَذِينَ كَفَرُوا أَنَ السَّمَــوَاتِ وَالأرْضِ كَانَتَا رَتَقَا فَفَتقنَاهُمَا (الأنبياء:30).
" تقرر الآية في إعجاز علمي سبقت به علماء الفلك المحدثين، أن الكون كله كـــان كيانا سديمياً، غير متميز بعضه عن بعض قبل أن تتشكل عوالمه، ومجراته ونجومه، ثم أخذ يتميز ويتطور، حتى صار إلي ما هو عليه، مما يشاهدون ويدرسون".
ويقول الدكتور (محمد جمال الدين الفندي) في كتاب (لـماذا أنا مؤمن) تحت نفس الآية: " ومهما يكن من شيء فإن الآية الكريمة تقرر إعجازاً علمياً واضحاً، أن السموات والأرض كانتا شيئاً متصلاً، أو وحدة متجانسة، ثم تم انفصالهما وظهورهما بمعالم خاصة" ثم يقول الرجل" وهو عين ما يقرره العلم، وتحاول تفسيره النظريات".
ويقول الأستاذ (عبد الرازق نوفل) في كتاب (دنيا الزراعة والنبات) عن هذه الآية أيضا:" ولقد كانت السموات والأرض سديما واحدا عبارة عن دخان إذ أنه غازات عالقة بها ذرات لعناصر، وانفجر هذا الكيان لأسباب عجز العلم عن تفسيرها وبقوة عجز عن تقديرها ليتكون من هذا الانفجار السديمي السموات والأرض". وهذا ما اتفق فيه وعليه كل العلماء.
في كتاب (الإسلام يتحدى) يقول (وحيد الدين خان): " هذه هي الفكرة العلمية الجديدة عن الكون، فقد توصل العلماء، خلال أبحاثهم ومشاهداتهم لمظاهر الكون إلي أن (المادة) كانت جامدة وساكنه في أول الأمر وكانت في صورة غاز ساخن، كثيف، متماسك، وقد حدث انفجار شديد في المادة قبل 5000.000.000.000 سنة علي الأقل فبدأت المادة تتباعد وتتمدد".
الشيخ (عبد المجيد الزنداني) في كتاب (توحيد الخالق) يقول تعليقا على الآية:" لقد ثبت لدى العلماء بصفة فعلية أن الأرض انفصلت عما في السماء، ولكن الاختلاف بين الباحثين ينحصر في تحديد الجزء الذي انفصلت عنه. فمن نظرية تقول بأن الأرض انفصلت عن الشمس، ومن قائل: انفصلت عن نجم.
وإذا كان يصعب على الإنسان تصور أن هذه الأرض، كانت جزءً من السماء فإن البدوي أكثر الناس سخرية من هذا القول، غير أن هذه الحقيقة الكونية قد أجراها الله على لسان رجل أمي لا يعرف القراءة والكتابة قبل أربعة عشر قرنا من الزمان فيما أوحي إليه من القرآن".
نكتفي بهذا العدد من العلماء، وبهذا القدر من توفيقهم، وما هو بتوفيق ولكنه شيء أخر. ومن ذكرت من أسماء - لهم عند الناس مكانة وعندي أكثر. ولهم على الناس فضل علمهم وعليٌ أكثر - ولكن الحق دعانا لأن نسمى الأشياء بأسمائها.
أولا: من الذي قال من التجريبيين أن شيئا من ذلك قد (ثبت)؟
لم يقل أحد منهم أبدا أنه قد ثبت لديه ما قالوه، ولكنهم جميعا يفترضون. فقط.
ثانيا: من الذي قال من التجريبيين أن الأرض انفصلت عن السموات؟
اقسم بالله العظيم أن أحــداً منهم لم يقـل ذلك، لا تصريحا ولا تلميحا، لا من قريب ولا من بعيد، فمن أين أتى علماؤنا بهذا الكلام؟ لم يذكر أحد من أصحاب نظريات الكون شيئا عن السموات والأرض التي تتحدث عنها الآية، لم يقل واحد منهم بذلك أبدا، أن السموات والأرض كانتا كتلة واحدة.
بل إن غاية نظرياتهم أن نجما اصطدم بالشمس، أو أن الشمس انفجرت من ذاتها. فهم يريدون أن يقولوا: أن الأرض والشمس وبقية الكواكب التسعة كانوا جميعاً شمسا فانفجرت، أو نجما فاصطدم ولم يذكروا سموات أبدا في كلامهم. وأما الآية التي يعلقون عليها بكلامهم فلم تذكر أبدا شمساً ولا نجماً ولا كوكبا وإنما تقول أن السموات التي فوقنا كانت كلها ملتصقة بالأرض التي تحتنا ففتقهما الله.
أما الشمس والقمر والنجوم والكواكب فقد خلقهم الله بعد ذلك، ولا علاقة لهم بمسألة الفتق أو الرتق هذه، وأن الشمس والقمر والنجوم ليست مـن الأرض ولا من السماء، بل خلق مستقل، سيفصل فيه الأمر بإذن الله.
إن النظريات التي طرحها أصحابها لم تأت كما قال علماؤنا نتيجة تحليل أو تجريب، أو رؤية، أو مشاهدة، ولا حتى بحث، بل كما ذكرنا (أي كلام) يعنى أنهم يفترضون فرضا، ومن الظلم البين مقابلة ما قالوه مع كلام الله عز وجل. ثم ما هو وجه المقابلة بين (الرتق) الذي قالت عنه الآية للسموات والأرض وبين (السديم) أو النجم أو الشمس الذي قالت عنه النظريات.
وما علاقة (الفتق) الذي تقول عنه الآية. و(الانفجار) الذي تفترضه هذه النظريات. في أي تفسير من التفسيرات يكون معنى (ففتقناهما): الانفجار؟
وبأي لغة وبأي عقل وبأي منطق يبدأ الكون بالانفجار والدمار؟
إن التفسيرات تخبرنا بأن السموات والأرض كانتا شيئين ملتصقين، ففتقهما الله، وليس شيئا واحدا وانفجر. ثم الآية تقرر أن الله هو الذي فتق، والنظريات تقول أن الانفجار نتيجة للتصادم (حادث سماوي) ولا علاقة لله به.
ماذا نسمى هذا؟ أنسميه توفيقاً؟
إن هذا نموذج لآية واحدة، وسنذكر فيما بعد بعض آيات أخرى بإذن الله وإنما ذكرنا هذا الآن كنموذج ومثال. ولا ندرى ماذا يقصد علماؤنا من ذلك؟ أيريدون إسلام الكافرين؟ أم يريدون توثيق إيمان المؤمنين؟ الحق أننا لا نرى أثراً لهذا أو ذاك. لا نرى إلا افتتان الناس بأصحاب هذه النظريات الـذين يؤيد القرآن كلامهم. وسبحان الله القائل: ما أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَــوَاتِ وَالأرْضِ وَلا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا (الكهف:51).
بدء الخلق في النظريات الحديثة
تتعدد النظريات وتتباين في تفسير بدء الخلق وكلها تتعارض - عن عمد - مع مـا قاله الله تعالى. وهي لا تتعرض لخلق السموات لأنها لا تعترف بوجودها. ومن ثم لا تعترف بعرش ولا بكرسي، ولا بملائكة ولا بأي غيب فالكون عندهم هو المشاهد والمحسوس أما غير المشاهد فهو مجهول يحاولون مع الوقت كشفه.
وكثيرة تلك النظريات التي تتحدث عن نشأة الأرض ومجموعة الكواكب والتي يسمونها جميعا (المجموعة الشمسية) ومن ثم فهم لا يتعرضون لباقي ما في السماء من نجوم أو مجرة أو غيرهما. وسنذكر بعض هذه النظريات التي تعرض وجهة نظر صاحبها في كيف تكونت المجموعة الشمسية التي نعيش في واحدة منها وهي (الأرض) :
(1) نظرية كانت (1724 - 1804):
يرى (كانت) أن الكون يزخر بأجسام صغيرة صلبة في حالة ثبات، ولكنها كانت تختلف عن بعضها في الحجم والكثافة. ثم بدأت هذه الأجسام تتجاذب فتحركت الأجسام الصغيرة منها نحو الكبيرة، وأخذت تتصادم مع بعضها وتلتحم مكونة لأجسام أكبر، واستمرت هذه الأجسام الكبيرة تجذب إلى مجالها الأجسام الأصغر حجماً.
فنشأ عن ذلك تكوين عقد ضخمة من المواد الكونية.
وقد أخذت هذه العقد تتجاذب وتتصادم. ونتج عن تصادمها توليد حرارة هائلة كانت كافية لصهرها، ثم تحويلها إلى غازية متوهجة، تشبه السديم وأصبح هذا السديم يدور حول نفسه بسرعة كبيرة، وبدأت تنفصل منه حلقات غازية نتيجة لقوة الطرد المركزية، كل حلقة منها لها قوة جاذبية خاصة بها. وهي الجسم المركزي الذي تمثله شمسنا الحالية. وبالتدريج تكاثفت مواد كل حلقة في هيئة نيازك أخذت تتحد ببعضها بتأثير قوى الجذب مكونة لكوكب. وهكذا تكونت مجموعة الكواكب المعروفة التي تدور حول الشمس.
انتهي (كانت) من عرض رؤيته عن تكون المجموعة الشمسية وقبل أن ندخل في غيرها نذكر بأن (كانت) لم ير شيئا، ولم يجرب شيئا، ولم يختبر شيئا، ولم تدرك حواسه شيئا، وإنما يقول (كلام). يدرس هذا (الكلام) في الجامعات كذلك لم يذكر (كانت) فاعلا للأفعال التي ذكرها، فلم يقل لنا من الذي يحرك هذه الأجسام ومن يؤلف بينها. لكنه ذكر أن ذلك بفعل (الجاذبية)، فالمحرك لهذه الأجسام هي الجاذبية، ولو سألناه: ما هي الجاذبية؟ لقال: لا أعرف.
(2) نظرية (لابلاس: 1748 - 1827):
يدعي صاحب هذه النظرية أن المادة التي تكونت منها الشمس والكـواكب وتـوابعها كانت عـبارة عـن جسم غـازي ملتهب (سديم) كـان يـدور حـول نفسه (لسبب غـير معـروف) وبسبب تجاذب مكوناته بدأ السديم يتكاثف عند مركزه، وقد أدى هذا إلى تكوين الشمس وفي البداية كانت الشمس ما تزال مغلفة بالسديم الذي كان يدور حولها. وقد أخذت حرارة السديم تنخفض تدريجياً. إذ كانت تشع في الفضاء وبالتالي أخذ يبرد بالتدريج وينكمش. وقد أدى هذا إلى ازدياد في سرعة دورانه، حتى بلغت تلك السرعة درجة تفوقت عندها قوة الطرد على قوة الجذب المركزية. ونتيجة لهذا بدأ السديم يفقد شكله الكروي، ويتحول إلى شكل شبيه بالكرة، فانبعج عند خط استوائه، وبدأ يتحلل في شكل حلقات عديدة ضيقة ورفيعة. وبسبب عدم تساوى وانتظام التبريد تحطمت الحلقات، ثم نتيجة لقوى الجذب المتبادل بين الأجزاء المحطمة تكونت الكواكب السيارة حول الشمس. انتهي (لابلانس) من عرض رؤيته، ونذكر بأن الرجل لم ير شيئا ولكنها ( وجهة نظره ).

(3) نظريه (مولتون - تشمبلرلين) 1904:
ترى أن الكواكب قد تكونت نتيجة تأثير متبادل بين نجم وشمس، حيث اقترب ذلك النجم من الشمس وجذبها إليه، فحدث فيها تمدد عند جانبيها المقابل والمظاهر للنجم.
كما حدث انفجار في جسم الشمس نتيجة للضغط الشديد الواقع على أجزائها الداخلية، ونجم عن هذا وذاك أن انفصلت عن جسم الشمس أجزاء أو ألسنه ملتهبة من المنطقتين اللتين أصابهما المد على دفعات متتابعة، ثم أخـذت تلك الأجـزاء تتلاحم ويجمـع الكبير منـها - بدرجات متفاوتة - الأجسام الصغيرة المبعثرة التي تعرف بالكويكبات وأخذت تنمو إلى أن وصلت إلى حجم الكواكب العشرة المعروفة التي تتكون منها المجموعة الشمسية. (نذكر بأن هذه وجهة نظره).
(4) نظريه الفريد هابل (1946):
يفترض هابل أن النجم المصاحب للشمس وسماه (نوفا) كان يفقد كميات هائلة مما يحتوى من الأيدروجين بالإشعاع. وقد تسبب هذا في تقلصه وانكماشه، وبالتالي ازدادت سرعة دورانه فانفجر بشدة وعنف. ويعتقد هابل أن عنف الانفجار النجمي قد أدى إلى طرد نواة هذا النجم المصاحب للشمس بعيدا عن مجال جاذبية الشمس، ومنه نشأت وتكاثفت الكواكب المعروفة فيما بعد. (انتهي).
هذه بعض نظريات نشأة المجموعة الشمسية وليس في أي منها سموات أو أرض، أو فتق، أو رتق، وليس هناك أي تشابه ولو بسيط بين ما تخبرنا به الآية القرآنية وما تفترضه هذه النظريات، والتي ما تعددت وكثرت إلا لأن كل نظرية تجد من الانتقادات والتناقضات ما يدفع آخر بأن يأتي (بأي كلام) ثم بعد ذلك ينتقد هو الآخر ويمر بنفس الصعوبات التي مرت بها النظريات السابقة... وهكذا. وصدق الله مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَــوَاتِ وَالأرْضِ وَلا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا .
هل في هذه النظريات ما يتوافق مـع كلام الله؟ هل في هذا الكلام ما هو ثابت علميا؟ هل يقبل العقل ويستسيغ هذا الهراء؟
هذه النظريات معتمدة رسميا، وتدرس في المدارس الابتدائية وفي الجامعات ولم يوضع من بين هذه النظريات ما قاله القرآن عن بدء الخلق. لا يمكن أن تجد أبدا في كتاب من كتب العلوم أو الجغرافيا أو الفلك أو غيرها مما تتحدث عن بدء الخلق أي ذكر للنظرية القرآنية والطريقة الإلهية، وهذا في كل بلاد الله والإسلامية منها على وجه الخصوص.
بدء الخلق في التوراة
أما بدء الخلق في الكتاب المقدس، فهو أقرب ما يكون إلى العقل وإلى الدين وهو مشابه إلى حد كبير مع ما جاء في القرآن.
يقول العهد القديم:
" في البدء: خلق الله السماء والأرض وكانت الأرض خربة وخالية، والظلمات تغطى اللجة وروح الله يرف على المياه" (الإصحاح الأول:1: 2).
" وقال الله:" ليكن نور، فكان نور، ورأى الله أن النور حسن، وفصل بين النور والظلمـات ودعا الله النور نهارا والظلمات ليلا. وكان مساء وكان صباح: اليوم الأول" الآيات من (3: 5).
" وقال الله: ليكن جلد وسط المياه، وليكن فاصل بين مياه ومياه. وكان كذلك فعمل الله الجلد وفصل بين المياه التي تحت الجلد والمياه التي فوق الجلد ودعا الجلد: سماء. وكان مساء وكان صباح: اليوم الثاني" (الآيات من6: Cool.
" وقال الله: لتجتمع المياه تحت السماء إلي مكان واحد في كتلة واحدة، ولتظهر اليابسة. وكان كذلك. ودعا الله اليابسة أرضا. ومجتمع المياه دعاه (بحارا) ورأى الله ذلك حسن".
" وقال الله: لتنبت الأرض خضـرة عشبا يحمل بذراً من جنسه، وشجرا يعطي ثمراً من جنسه بذراً. ورأي الله ذلك أنـه حســن. وكان مســاء وكان صباح: اليوم الثالث" (الآيات من 9: 13).
" وقال الله: لتكن أنوار في جلد السماء لتفصل بين النهار والليل، وتكون علامات للأعياد، كما للأيام والسنين ولتكن أنوار في جلد السماء لتضئ الأرض. وكان كذلك. وعمل الله المنيرين العظـيمين – المنير الأكـبر لحكم النـهار، والمنير الأصـغر لحكم الليل - والنجوم. وجعلها الله في جلد السماء لتنير الأرض، ولتحكم علي النهار والليل. ولتفصل بين النور والظلمـــة. ورأي الله ذلك أنه حسـن، وكان مساء وكان صباح: اليوم الرابع" (الآيات من:14: 19).
" وقال الله: ولتعج المياه بعجيج الكائنات الحية ولتطر طيور فوق الأرض وعلي وجه جلد السماء. وكان كذلك" وخلق الله كبار ثعابين البحر، وكل الكائنات الحية التي تنـزلق وتعج في البحار، كل بحسب جنسه، وكل ذي جناح بحسب جنسه. ورأي الله ذلك أنه حسن وباركها الله قائلا: أثمري واكثري واملئي البحــــار، وليتكاثر الطير علي الأرض. وكان ليل وكان نهار: اليوم الخامس" (الآيات من 20: 23).
" قـال الله: لتخرج الأرض الكائنات الحية كجنسها، كبهائم، ودبابات، ووحوش، كجنسها، وكان كذلك، فعمل الله الوحوش كجنسها، والدواب كجنسهـا، وكـل دواب الأرض كجنسها. ورأى الله أنه حسن".
" وقال الله: لنعمل الإنسان علي صورتنا كشبهنا. ويتسلطون (كذا بالنص) علي سمك البحر، وعلي طيور السماء، وعلي البهائم وعلي كل الوحوش والدبابات التي تزحف علي الأرض".
" فخلق الله الإنسان علي صورته، وعلي صورة الله خلقه، ذكراً وأنثي خلقهما وباركهما الله وقال لهما: أثمرا واملأ الأرض، وأخضعاها وتسلطا علي سمك البحر، وطيور السماء، وعلي كل حيوان يدب علي الأرض".
" وقال الله: اني قد أعطيتكما كل بقل يحمل بذراً علي وجه الأرض وكل شجر فيه ثمر ويحمل بذراً، لكما يكون طعاما. ولكل الوحوش، ولكل طيور السماء، ولكل دبابة علي الأرض وكل كائن حي أعطيت كل خضرة النباتات طعاماً. وكان كذلك".
" ورأي الله كل ما عمله: فإذا هو حسن جداً. وكان صباح. وكان مساء: اليوم السادس" (الآيات من 42: 31).
ثم يكمل الكاتب قصة الخلق بثلاث آيات مـن أول الإصحاح الثاني:" فأكملت السموات والأرض. بكل جندها. وفرغ الله في اليوم السابع من عمله الذي عمل. فاستراح من جميع عمله للخلق. هذه مبادئ السموات والأرض حين خلقت".
هذه هي آيات الخلق بالكتاب المقدس، وواضح أنها سبقت القرآن بحوالي 2000 سنة. وواضح أن بدء الخلق فيها أقرب للقرآن من نظريات بدء الخلق الحديثة وذلك لأن القصة من عند الله في كلا الكتابين غير أن رواية الكتاب المقدس ليست النص الأصلي، بل واضح تماما أن دخل عليها تحريف ترفضه العقيدة الدينية الصحيحة، وذلك في افتراض (الراحة) التي يزعم هذا النص الكهنوتي أن الله - تعالى عن ذلك علوا كبيرا - استراح في اليوم السابع. على حين لا يشير النص اليهودي، الذي يسبق النص الكهنوتي بعدة قرون إلى راحة الله الذي تعب من عمله طيلة الأسبوع.
أما القرآن فإنه يكذبها صراحة في سورة (ق).
قصة الخلق في الحضارات
ألف مجموعة من علماء الغرب كتاب (معجم الحضارة المصرية القديمة) الذي يتكلم عن أول الحضارات التي قامت على الأرض، فيذكر الكتاب في مادة: (أساطير الخليقة) عدة نظريات قديمة لبدء الخلق:
النظرية الأولى:
تقول أنه كان هناك سطح مائي متسع، إنعدمت فيه الحياة في ذلك الوقت وقد أطلق المصريون على هذا السطح المائي اسم (نون).
يقولون: ورغم انعدام الحياة على سطح هذا الماء إلا أنه كان يحتوى على جميع عناصر الخليقة التي ستأتي بعد ذلك.
" أتى الرب خالق المستقبل، ذات يوم في جوف هذه المياه ليدرك نفسه، وأضفي شكلا مادياً على فكرة نفسه التي تكونت في روحه".
" بدا خلق نفسه دون أي مساعدة خارجية غير نفسه، وبنفسه وحدها. ثم وجـه اهتمامه إلى العمل الضخم لخلق العالم وأطلق على هذا الخلق الأول اسم (تاتنن) أي الأرض التي تبرز، وشبه نطقها كلمة تدل علي سطح مائي ليستقر فوقه رب الخليقة وخليقته".
النظرية الثانية:
تقول: بأن الإله لم يولد من شيء، بل خلــق نفسه بنفسه. ووضع الخليقة كلها من نفسـه وكــانت يـده تعمـل له، فصار الواحد ثلاثة، بمولد الأول (الجو) و(الرطوبة) ثم انجب هـذان بــدورهما زوجـا آخـر جديـداً هما: (السماء) و(الأرض) الـذي فصل بينهما (الجو). وبــذا وضعت المظاهر الطبيعية للعالم الأرضي في مواضعها الصحيحة.
النظرية الثالثة:
وهي مكملة لسابقتها وتقول: إن الإله الذي ضم مبادئ الخلق في شخصه، صنع العالم المنظم بفعل قلبه، هـو نفسه، الذي استوعب فكرة الشيء الذي يخلقه، وبفعل لسانه الذي نطق بهذه الفكرة فأقام بدايات الخليقة بكلمته" الكلمة التي خلقت كل قوى الحياة. وكل ما يؤكل، وكل ما يحبه أو يكرهه الإنسان" فقد أوجد الخالق النباتات والكائنات الحية، خطوة خطوة. وفي ترتيب متغير، غير أن عناصر هذه الخليقة لم تكن مرتبة بحسب أهميتها فـكل ما خــرج في بدء الخلق من يد الخالق أو من روحه كان على قدم المساواة مع غيره.
وكانت جميع المخلوقات مهمة. وكل له حقه ونصيبه وما من أحد كان أكثر أهمية من الآخر واعتبر غرض الخليقة والعالم هو الإنسان.
فقد كان البشر قطيع الإله ولذا حباهم بحظ ممتاز. فصنع لهم الأرض والسماء، وطرد عنهم المياه المهددة. وصنع الرياح لتعطيهم هواء تتنفسه أنوفهم. لأنهم على صورته. وهو يضئ في السماء من أجلهم.
وبنفس هذه الطريقة صنع لهم النباتات والحيوانات والأسماك لتكون طعامهم".
هذه هي (قصة الخلق) في الحضارة المصرية القديمة ورغم تعدد نظرياتها إلا أنها مكملة لبعضها البعض. ولا تبعد كثيرا عن النظرية الإسلامية للكون وذلك لأن مصر وجد فيها أنبياء كثيرون. وقد كان إدريس أول الرسل إليهم ويقال أنه (أوزوريس) المعروف أسطورته هو ذاته (إدريس) عليه السلام مع التحريف في الاسم والتحريف في القصة والأحداث.
كذلك جاء إبراهيم عليه السلام الذي رأى ملكوت ربه إلى مصر. كما ولد موسى وتربى وعاش في مصر، وإلى حاكمها أرسل وبعث. كما أتت مريم وابنها أيضا إلى مصر. وجاء يوسف عليه السلام إلى مصر صغيرا وتربى وعاش ومـات فيها، واعتلى أعلى المناصب فيها (رئيس الوزراء)، وغيرهم وغيرهم من الأنبياء الذين تذكرهم المصادر الإسلامية ويطمس ذكرهم التاريخ المزور. وما من شك أن هؤلاء جميعا قد ذكروا للمصريين قصة الخلق وكيف بدء الخلق، غير أنها حرفت على مر السنين، إلا أن خطوطها العريضة متفقة مع الكتب السماوية ومختلفة تماماً (جملة وتفصيلا) مع النظريات الحديثة. فالمصريون لم يقولوا هذا اكتشافاً، أو اختراعاً، أو افتراضا، أو رأيا، ولكنه وحي أوحاه الله إلى أنبيائه ولكن هذه النصوص لحقها التحريف كما لحق الكتب السابقة على القرآن.
بدء الخلق في القرآن
بأندى الكلمات، وأرق العبارات، وأبسط المبادئ والمعلومات، يحدثنا أخر التنزيلات بكم زاخر من الآيات.
ليست هذه كلمات (كانت) ولا (لابلانس) ولا (هابل) ولا (مولتون) وليست كلمات (متى) ولا (مرقس) ولا (يوحنا) ولا (لوقا). وليست كلمات (كهنوت) ولا (يهوه). بل وليست هذه كلمات (محمد) ولا (جبريل) مـع علمهما وصدقهما، إنها أيها السادة الكلمات التي لا تقارن بغيرها، ولا ترقى إليها كلمات، إنها كلمات ربى قُل لو كَانَ البَحر مِداداً لِكلماَتِ رَبي لَنفِدَ البحرُ قَبلَ أَن تَنَفدَ كَلماتُ رَبىِ وَلو جِئناَ بِمِثلِه مَدَداً 
هذا هو النص الأصلي لكلمات الله والتي لا يجرؤ عالم أن يتحمل مسئولية أن يقول أن على وجه الأرض كلمات أخرى تأخذ نفس القوة. وأنها فعلاً كلمات الله.
ولقد قال (موريس بوكاي) حقا، ونطق صدقاً، بعدما أجرى نموذجاً بشريا غاية في الدقة والأمانة للبحث في كل ما يقال أنها كلمات الله وخلص إلى أن:
" صحة القرآن التي لا تقبل الجدل تعطى النص مكانة خاصة بين كتب التنزيل ولا يشترك مع نص القرآن في هذه الصحة، لا العهد القديم، ولا العهد الجديد".
" إن القرآن قد استأنف التنزيلين الذين سبقاه، لا يخلو فقط من متناقضات الرواية، وهي السمة البارزة في مختلف صياغات الأناجيل، بل هو يظهر - لكل من يشرع في دراسته بموضوعية وعلي ضوء العلوم - طابعه الخاص وهو التوافق التام لكـل المعطيات العلمية الحديثة. بل اكثر من ذلك وكما أثبتنا يكتشف القارئ فيه مقولات ذات طابع علمي من المستحيل تصور أن إنساناً في عصر محمد  قد استطاع أن يؤلفها، وعلي هذا فالمعارف العلمية الحديثة تسمح بفهم بعض الآيات القرآنية التي كانت بلا تفسير صحيح حتى الآن".
" ولا يستطيع الإنسان تصور أن كثيرا من المقولات ذات السمة العلمية كانت من تأليف بشر، وهذا بسبب حالة المعارف في عصر محمد.
لذا فمن المشروع تماماً ان ينظر إلي القرآن علي انه تعبير الوحي من الله وأن تعطي له مكانة خاصة جداً. حيث أن صحته أمرا لا يمكن الشك فيه، وحيث أن احتواءه علي المعطيات العلمية المدروسة في عصرنا تبدو أنها تتحدي أي تفسير موضوعي.
عقيمة حقا المحاولات التي تسعي لإيجاد تفسير للقرآن بالاعتماد فقط علي الاعتبارات المادية".
هذه شهادة (موريس بوكاي) أحد علماء القرن العشرين.
وهذه شهادة لأحد صناديد الكفر في القرن الأول الهجري، إنه (الوليد بن المغيرة) قال رغم كفره، وشهد بعظمة القرآن وهو الذي عاصر تنزيله:
" إن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أسفله لمثمر، وإن أعلاه لمغدق وإنه ليعلو ولا يعلى عليه".
ببساطة بالغة، وإحكام شديد، وسحر أخاذ، وبجمال رائع، وباطمئنان من التحريف والتخريف، يتحدث القرآن إليكم، عن بدء الخلق، حديثا مفصلاً لا يبقي بعده غموض، أو إبهام، أو مجهول كما يقولون عن هذا الفضاء الذي يلفنا، فليس في السموات والأرض غيب في خلقهما، لأن الله أعلمنا بكل شيء عنهما. ولم يعد هناك غيب يتشوف إليه الإنسان، ويضحي بوقته وجهده من أجل الوقوف عليه، إلا ما أعده الله كذلك من أمور أختص بها تعالى نفسه.
ولله غَيبُ السَموَاتِ وَالأَرضِ (هود:123) وعندَهُ مَفَاتحُ الغَيبِ لا يعلَمهَا إِلا هُوَ (الأنعام) ذكر تعالى في كتابه أنه خلق سبع سموات، ومن الأرض مثلهن، وذكر تعالى كيف خلقهما، وذكر تعالى مما خلقهما، والمدة التي استغرقت خلقهما، وآيات خلقهما، وكل ما هو متعلق بوجودهما.
وحث تعالى مخلوقاته البشرية أن تنظر في بديع صنعه، وجمال خلقه، والتدبر في هذا الخلق، واستثني تعالى أمورا هي من خصائص ربوبيته لم يكلفهم البحث عنها، أو فيها فهل يبقي بعد ذلك، كما يقول الغافلون، مجهول.
إن المتأمل لآيات الله تعالى سيجد فيها تفاصيل لا توجد في أي علم أو فن أو تاريخ ونكرر مرة أخري أن هذه الآيات لقوم يعلمون، أو يفقهون، أو يؤمنون، أو يذكرون، أو يتفكرون، أو يعقلون، أو يتقون.
قال تعالى في سورة فصلت:
قُل أَئِنكم لَتَكفرُونَ بِالذِي خَلَقَ الأرضَ في يومَينِ وَتَجعلُونَ لَهُ أَنَداداً ذَلكَ رَبُ العَالمِينَ (9) وَجعلَ فِيهَا رَوَاسي مِن فَوقَها وَبَاركَ فِيهَا وقَدَرَ فِيهَا أَقوَاتهَا فيِ أَربَعة أَياَم سَوَاءً لِلسَائلـِين (10) ثُمَ استَوَى إِلَى الَسَماءِ وَهي دُخَان فَقَالَ لَهَاَ وللأرضِ ائِتيَا طَوعا أو كَرها قَاَلَتَا أَتَينَا طَائِعِين (11) فَقَضَاهُن سَبع سَمَواَت فيِ يَومينِ وَأوحي فيِ كُلِ سَمَاءٍ أَمرهَا وَزَيَنَا السَمَاءَ الدُنيَا بمصابِيحَ وَحِفظَاَ ذَلِكَ تَقدِيرُ العَزِيزِ العَليمِ (12).
من وجهة نظري الشخصية أن الملفت والعجيب في هذه الآيات أن الله سبحانه وتعالى خاطب الكافرين. أي أن هذه المعلومات يعرضها الله تعالى للكافرين، إن هذا التفصيل في مسألة الخلق كان للكافرين، لأنهم هم الذين يقولون الآن أن الأرض خلقت من انفجار الشمس، أو اصطدام نجم بالشمس، لهؤلاء الكافرين يفصل الله تعالى قصة الخلق تفصيلا. قال تعالى: أوَلَم يَرَ الَذِينَ كَفَرُوا أَنَ السَّمَــوَاتِ وَالأرْضِ كَانَتَا رَتَقَا فَفَتقنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنْ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أفَلا يُؤمِنُونَ (30) وَجَعَلْنَا فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (31) وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ (32) وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (الأنبياء).
ومثل قـوله تعـالى: أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمْ السَّمَاءُ بَنَاهَا (27) رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا (28) وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا (29) وَالأرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا (30) أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءها وَمَرْعَاهَا (31) وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا (32) مَتَاعاً لكُم وَلأنَعَامِكُم (33) (النازعات).
هذه الآيات من سور (فصلت، والأنبياء، والنازعات) من اكبر الآيات التي تتحدث عن تفصيل الخلق، وهي كما نري تخاطب الكافرين، لان المؤمنين يؤمنون بالغيب ويؤمنون بالله وبقدرته، بمجرد إيمانهم بالوحي وليسوا في حاجة لإقناعهم بقدرة الله، فهم مؤمنون بذلك، لذا فالله تعالى يعرض هذه الآيات الكونية علي الكافرين إذ لم يؤمنوا بآيات الوحي القرآنية.
في هذه الآيات عرض لقدرة الله تعالى وقوته التي لا تضارعها قدرة ولا قوة، والتي توحي بأن كل ما عبد في تاريخ البشرية لم يكن لهم يد في هذا الخلق وليس لهم قدرة ولا قوة، ومع ذلك اتخذ الكافرون مع الله أو من دونه أندادا يتعبدونهم ويتذللون إليهم، فما من أحد يستحق العبادة والتذلل سوي الله وأنه لا إِلَهَ إلا اللَّهُ (الصافات:35) التي لأجلها خلق الله الخلق، وأوجد هذا الكون بكل ما فيه.
أخرج ابن جرير والنحاس وأبو الشيخ والحاكم وصححه مرداويه والبيهقي: أن اليهود أتت النبي  فسألته عن خلق السموات والأرض. فقال:" خلق الله الأرض في يومي الأحد والاثنين، وخلق الجبال وما فيهن من منافع يوم الثلاثاء، وخلق يوم الأربعاء: الشجر، والحجر، والماء، والمدائن، والعمران، والخراب فهذه أربعة أيام. فقال تعالى: قُل أَئِنكم لَتَكفرُونَ بِالذِي خَلَقَ الأرضَ في يومَينِ وَتَجعلُونَ لَهُ أَنَداداً ذَلكَ رَبُ العَالمِينَ (9) وَجـعلَ فِيهَا رَوَاسي مِن فَوقَها وَبَاركَ فِيهَا وقَدَرَ فِيهَا أَقـوَاتهَا فيِ أَربَعة أَياَم سَوَاءً لِلسَائلِـين (10) وخلق يوم الخميس السماء، وخلق يوم الجمعة، النجوم، والشمس، والقمر، والملائكة إلي ثلاث ساعات بقين منه فخلق في أول ساعة من هذه الثلاثة الآجال (حين يموت من يموت)، وفي الثانية ألقي فيها مـن كل شيء مما ينتفع به، وفي الثالثة خلق آدم وأسكنه الجنة وأمر إبليس بالسجود له وأخرجه منها في آخر ساعة.
قالت اليهود ثم ماذا يا محمد؟ قال: ثم استوي علي العرش. قالوا: قد أصبت لو أتممت، ثم استراح. فغضب النبي  غضباً شديدا، فنزل وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَــوَاتِ وَالأرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ (38) فَاصِبر عَلَى مَا يَقُولُونَ ( ق).
وروي أحمد وبن أبي حاتم عن أبي هريرة قال: قلت يا رسول الله إني إذا رأيتك طابت نفسي، وقرت عيني، فأنبئني عن كل شيء. قال" كل شيء خلق من الماء".
وروي ابن عباس وعن ابن مسعود وعن ناس من أصحاب النبي: أنه قال تبيانا لقوله تعالى: هُو الَذِي خَلَقَ لَكُم مَا في الأرضِ جمِيعاً ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ (البقرة:29).
" أن الله كان عرشه علي الماء، ولم يخلق شيئاً مما خلق قبل الماء. فلما أراد الخلق، أخرج من الماء دخانا فارتفع فوق الماء فسما عليه (أي علا) فسماه: سماء. ثم ايبس الماء فجعله أرضا واحدة ثم فتقها فجعل سبع أراضين في يومين".
هذه باختصار هي (النظرية الإسلامية) لبدء الخلق. وكما هو واضح ليس فيها شمس ولا نجم. وليس فيها انفجار ولا اصطدام ورغم أنها النظرية الصحيحة الوحيدة التي توافقها الكتب المقدسة وأيضا تاريخ الحضارات البشرية إلا أنها الوحيدة التي لا تذكر في الكتب العلمية ولو حتى من ضمن باقي النظريات.
ألا يشرفنا أيها العلماء أن توضع هذه النظرية بجوار (نظرية كانت) أو (نظرية الفريد هابل)؟؟
تفصيل ( النظرية الإسلامية )
طبقا لنظريتنا فأصل الخليقة (الماء) وهو الذي عليه العرش وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ (هود:7).
وطبقاً أيضا لهذه النظرية (الحقيقية) فقد تم الخلق في ستة أيام وعلي ثلاث مراحل يومان مشتركان تم فيهما إيجاد السماء والأرض ويومان لدحو الأرض ويومان لتسوية السماء.
وقد ورد في القرآن آيات تفصل الخلق تفصيلا حيث تجعل قارئ القرآن كأنه يرى بدء الخلق مشهداً مشهداً، ولحظة بلحظة، ومرحلة مرحلة، حتى لكأنه يحدث أمامه توا.
ورغم ذلك فنعترف أن بعض المفسرين للقرآن التبس الأمر عليهم، لا لشيء إلا لكثرة التفاصيل المبهرة، ولعجزهم عن متابعة الأحداث أولا بأول رغم سلاستها، وأيضا لعدم استعانتهم بالأحاديث المبينة لبعض الدقائق.
وقد توزعت الآيات التي تحدثت عن بدء الخلق في كثير من سور القرآن. وإن كانت سورة فصلت قد جمعت مراحل الخلق الثلاثة في أربع آيات، يقول تعالى فيها: قُل أَئِنكم لَتَكفرُونَ بِالذِي خَلَقَ الأرضَ في يومَينِ وَتَجعلُونَ لَهُ أَنَداداً ذَلكَ رَبُ العَالمِينَ (9) وَجعلَ فِيهَا رَوَاسي مِن فَوقَها وَبَاركَ فِيهَا وقَدَرَ فِيهَا أَقوَاتهَا فيِ أَربَعة أَياَم سَوَاءً لِلسَائلِين (10) ثُمَ استَوَى إِلَى الَسَماءِ وَهي دُخَان فَقَالَ لَهَاَ وللأرضِ ائِتيَا طَوعا أو كَرها قَاَلَتَا أَتَينَا طَائِعِين (11) فَقَضَاهُن سَبع سَمَواَت فيِ يَومينِ وَأوحي فيِ كُلِ سَمَاءٍ أَمرهَا وَزَيَنَا السَمَاءَ الدُنيَا بمصابِيحَ وَحِفظَاَ ذَلِكَ تَقدِيرُ العَزِيزِ العَليمِ (12).
لقد فصلت هذه الآيات الأربع مراحل الخلق الثلاثة، وكان من الممكن أن تذكر هذه المراحل الثلاث في ثلاث آيات، ولكن الله عز وجل ذكرها في أربع آيات مراحل الخلق تخللها حدث هام لم يفطن إليه قراء القرآن، هذا الحدث تحكيه الآية (11) من هذه السورة والتي سنفصل الأمر فيها في حينه، وعلي ذلك فسنتحدث عن هذه المراحل كالأتي:
المرحلة الأولي: مرحلة خلق السموات والأرض والتي تمت في يومي الأحد والاثنين.
المرحلة الثانية: مرحلة الدحو والتي تمت في يومي الثلاثاء والأربعاء.
الحدث المتخلل: تم بعد اكتمال الأيام الأربعة تماما.
المرحلة الثالثة: مرحلة السموات والتي تمت يومي الخميس والجمعة.

المرحلة الأولي: يومي الأحد والاثنين
لم تبين الآيات أسماء لأيام الخلق ولكن بينت ذلك الأحاديث التي ثبتت نسبتها إلي رسـول الله  والتي أخبرت بأن بدء الخلق كان يوم الأحد، وقد اتفق علي ذلك جمهور علماء المسلمين، وموافق أيضا لما في الكتاب المقدس.
وليس في سورة فصلت ماذا حدث يومي الأحد والاثنين، يومي خلق الأرض، وكذلك لا يوجد ذكر لخلق السماء فيها. بيد أن الآية (12) توضح أن الله تعالى بعد أيام خلق الأرض الأربعة استوي إلي السماء وهي دخان، نفهم منها أن السماء كانت موجودة في اليوم الخامس ولكنها كانت دخان، وعلي ذلك فقد خلقت السماء قبل اليوم الخامس.
بقراءة آيات بدء الخلق من سورة النازعات نجد أن السماء ذكرت أولاً، يقول تعالى: أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمْ السَّمَاءُ بَنَاهَا (27) رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا (28) وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا (29) وَالأرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا (30) أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءها وَمَرْعَاهَا (31) وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا (32) مَتَاعاً لكُم وَلأنَعَامِكُم (33) والقارئ غير المتدبر سيجد أن آيات سورة النازعات قلبت الوضع عما في آيات سورة فصلت. فبينما ذكرت سورة فصلت الأرض كبداية للخلق فقد ذكرت سورة النازعات السماء كمبدأ للخلق، وبينما نجد إرساء الجبال ذكر آخر الآيات في سورة النازعات نجدها قد ذكرت كأول ما تم للأرض في سورة فصلت، لذلك التبس الأمر علي البعض: أيهما خلق أولا: الأرض كما أفصحت سورة فصلت. أم السماء كما يفهم من سورة النازعات لقوله تعالى بعد ذكر السماء وبناءها وَالأرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا وقد انتصر لكل رأي منهما فئام من الناس، البعض يسلم بأن بدء الخلق كان (الأرض) لسورة فصلت والبعض يؤكد أنها (السماء) لسورة النازعات. وحقيقة الأمر أنه لا هذا ولا ذاك.
عند



أدخل عنوان بريدك الإلكتروني هنا يصــــلك كل جديــــد





بلغ الادارة عن محتوى مخالف من هنا ابلغون على الروابط التي لا تعمل من هنا



توقيع : manel


التوقيع



قصة الخلق من العرش إلى الفرش  story of Creation By Eid Wardany Emptyالجمعة 25 يناير - 22:31
المشاركة رقم: #
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
عضو الجوهرة
الرتبه:
عضو الجوهرة
الصورة الرمزية


البيانات
عدد المساهمات : 17945
تاريخ التسجيل : 17/10/2012
رابطة موقعك : ورقلة
التوقيت

الإتصالات
الحالة:
وسائل الإتصال:


مُساهمةموضوع: رد: قصة الخلق من العرش إلى الفرش story of Creation By Eid Wardany



قصة الخلق من العرش إلى الفرش story of Creation By Eid Wardany

(6) وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ (فصلت:37).
(7) وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنْ السَّمَاءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَاوَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (الجاثية:5).
هـكذا ذكر الله الشمس والقمر مرة واحدة كآية تلت ذكر آية الليل والنهار بينما تتحدث باقي الآيات السبع عن (الليل والنهار) فقط.
بل إن الله تعالى لم يذكر خلق الليل والنهار والشمس والقمر إلا في آية واحدة تقدم فيها ذكر الليل والنهار على ذكر الشمس والقمر أيضا.
يقول الله تعالى: وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ( الأنبياء:33 ).
فالليل والنهار ليس فقط آيتين مستقلتين كالشمس والقمر، بل يسبقا ذكراً ويكثراً عدداً في آيات القرآن.
وكما ذكر تعالى للشمس والقمر تسخير، فقد ذكر ذلك لليل والنهار. بل وفي الآية 12من سورة النحل يسبق ذكر تسخير الليل والنهار متقدما على ذكر الشمس والقمر تماما كما سبق ذكرهما في الخلق. يقول تعالى وَسَخَّرَ لَكُمْ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيات لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ.
ثانياَ: وقـد ذكر لليل والنهار أحـوال كتلك التي للشمس والقمر سواء بسواء. فقال تعالى: وَسَخَّرَ لَكُمْ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمْ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ (إبراهيم:33) بل هناك آية أخرى وأخيرة لهذا التسخير لليل والنهار ولكن يسبق ذكرهما الشمس والقمروَسَخَّرَ لَكُمْ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ (النحل:12) وذكر لهما جرى مستقل عن جرى الشمس والقمر يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأجَلٍ مُسَمًّى (فاطر:13) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى (لقمان:29) يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأجَلٍ مُسَمًّى (الزمر:5).
وقص الله تعالى علينا في القرآن حالات خاصة لليل والنهار ليست للشمس والقمر:
يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لأوْلِي الأبْصَارِ (النور:44)
يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا (الأعراف:54)
ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ(الحج:61)
وَيُكَوِّرُ النَّـهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّـرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُـلٌّ يَجْرِي لأَجَـلٍ مُّسَـمًّى أَلا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ (الزمر:5).
ثالثاً: وقد أخبر القرآن في أكثر من آية أن الله تعالى خلق الليل والنهار قبل أن يخلق الشمس والقمر، والحـق أن المفسرين للقرآن لم يفطنوا لهذا الأمر، رغم أن الله تعالى أخبر عن ذلك، ليس فقـط في القرآن، بل في كل الكتب السماوية، ولا تزال التوراة التي بأيدي الناس الآن تشهد على ذلك ومن أول آية فيها. كما أخبرتنا الأحاديث بذلك أيضا.
يقـول تعالى في سورة النازعات التي تذكر آيات بدء الخلق أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمْ السَّمَاءُ بَنَاهَا (27) رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا (28) وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا (29) إن هذه الآية لتتحدث صراحة عن خلق الليل والنهار بمجرد أن رفعت السماء عن الأرض في اليوم الأول. وقبل أن تخلق الشمس بأيام، وقبل حتى أن تهيأ الأرض بهذه الهيئة، وذلك واضح تماماً من الآيات، ولا يفهم غير ذلك منها. وفي قوله تعالى بعد الحديث مباشرة عن رفع السماء عن الأرض (إذ كانتا ملتصقتين) وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا فهذه الآية لا تذكر شمساً ولا قمراً، وإنما تذكر غطشاً لليل وإخراجاً للضحى، ثم يذكر تعالى وَالأرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا فما تم لليل والنهار كان قبل دحو الأرض فبمجرد أن تم فتق السماء عن الأرض أغطش الله ليل السماء، وأخرج ضحاها، وليس للأرض هنا أي ذكر، كما يتوهم أهل الأرض الآن من المؤمنين وغيرهم، أن الأرض هي التي تحدث الليل والنهار بدورانها. وقد عبر تعالى للإنسان عن خلق الليل والنهار بأعظم وأبلغ بيان بهذه الكلمات الأربع. فقد ذكر هنا (الليل والضحى) وذكرت عملية الخلق بفعلين. هما: (أغطش، وأخرج). ومعنى أغطش هي أظلم، والفرق بين الغطش والظلام أن الغطش هو أشد حالات الظلام، الظلمة الحالكة التي لا يبين منها أي شيء لذلك تعبر العرب عن عدم الاهتداء، والتعامي بالغطش.
أما الضحى فهو أشد حالات النهار وضوحاً واستنارة وبياناً. والمعنى أنه تعالى أحلك ليل السماء بالظلمة الشديدة، وأضاء نهارها بنور وضاح. ليس هو نور الشمس ولكن من نوره عز وجل لأنه تعالى كما أخبر عن نفسه نُورٌ عَلَى نُورٍ ونور السموات والأرض - ولا شك أن فيهما نوراً - هو من نور الله تعالى وليس نور الشمس اللَّهُ نُورُ السَّمَــوَاتِ وَالأرْضِ (النور).
ولعل ما يؤكد هذا ما ورد بأول سورة الأنعام من قوله تعالى:
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَــوَاتِ وَالأرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ. وقد ورد عن وهب بن منبه أن أول التوراة هو أول سورة الأنعام. وهو ما نجد أثره بالفعل في التوراة الموجودة بين أيدينا الآن وأول آية فيها:" في البدء: خلـق السموات والأرض، وكانت الأرض خربه وخالية، والظلمات تغطي اللجة. وروح الله يرف على المياه".
" وقال الله: ليكن نور، فكان نور، ورأي الله أن النور حسن، وفصل بين النور والظلمات، ودعا الله النور نهارا، والظلمات ليلاً وكان مساء وكان صباح اليوم الأول".
وقد جانب الصواب (موريس بوكاي) عندما خطّأ الكتاب المقدس وانتقده لما أورد ذكر الليل والنهار في اليوم الأول، بينما ذكر الكتاب المقدس خلق الشمس والقمر في اليوم الرابع فقال:" وعمل الله المنيرين العظيمين، المنير الأكبر لحكم النهار، والمنير الأصغر لحكم الليل، وجعلهما الله في جَلَد السماء لتنير على الأرض، ولتحكم على النهار والليل، ولتفصل بين النور والظلمة ورأي الله ذلك أنه حسن. وكان مساء وكان صباح: اليوم الرابع".
والحقيقة أن الكتاب المقدس لم يخطئ في هذا وإنما أخطأ (موريس بوكاي) في فهم الآيات، وأخطأت البشرية كلها لأنها تفهم أن الليل والنهار من صنع الشمس والقمر، وإنهما من صنع الأرض التي تدور حول نفسها كل يوم مرة، وكل هذا غير صحيح، والكتب المقدسة هي الأصح. لقد خلقت الشمس، وكذلك القمر في المرحلة الثالثة من مراحل الخلق، وتحديداً في اليوم السادس، أما الليل والنهار فقد خلقا في المرحلة الأولى كما قال الله. تؤكد سورة النازعات ذلك، وأول سورة الأنعام الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَــوَاتِ وَالأرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ إن الظلمات والنور (الليل والنهار) جعلهما الله فور خلق السموات والأرض، أي بعد الفتق بينهما مباشرةً. لأن الظلمات والنور ليس من فعل الشمس وإنما من فعل الله عز وجل.
وتؤكد ذلك سورة (الشمس) ذاتها، وفيها:
وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا (1) وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاهَا (2) وَالنَّهَارِ إِذَا جـَلاهَا (3) وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا.
فالنهار هنا هو الذي يجلى الشمس ويوضحها، وليس كما يظن الناس، أن الشمس هي التي تصنع النهار. والليل أيضا هو الذي يغشى الشمس، أي يغطيها ويسترها، وهذا ما تقوله الآيات.
ولكن كما توضح آيات سفر التكوين من العهد القديم، أن الله جعل المنير الأكبر (الشمس) لحكم النهار، ولتحكم على النهار والليل، ولتفصل بين الظلمة والنور فقد تم ذلك بعد خلق الشمس، فأنها جعلت فاصلا بين الظلمة والنور وعلامة لهما. وإلا فإن الليل والنهار في السموات أيضا وليس فيهما شمس ولا قمر، بل والليل والنهار سيظل بعد يوم القيامة بعد فناء الشمس والقمر.
رابعاً: نستدل أيضا من أن الليل والنهار خلق مستقل عن الشمس والقمر مما ورد بسورة الأعراف الآية (54) وفيها يقول تعالى:
إنَ ربَكمُ الله الذِي خَلَقَ السَمَوَاتِ والأرضَ فى سِتَة أيَامِ ثُم استَوَى عَلى العَرشِ يُغشِى الليلَ النهار يطلبُهُ حَثيثا والشَمسَ والقـمرَ والنُجومَ مُسَخرات بِأمره أَلا لـَهُ الخَلقُ والأمرُ تَبارَك الله رَبُ العَالمينَ. إن هذه الآية لتخبرنا بأن لليل والنهار فعل خاص ومستقل بهما: يغشى الليلَ النهار يطلبُهُ حَثيثا. ثم هناك فعل أخر وغير مرتبط بفعل الليل والنهار تذكره الآية للشمس والقمر والنجوم. وهو التسخير، فكيف نقول بأن الليل والنهار تصنعه الشمس. أو الأرض؟ أنهما خلق مستقل.
ومما ورد بسورة طه الآية (130) وفيها يقول تعالى: فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى فقد ذكرت الآية طلوع الشمس وغروبها وذكرت أطراف النهار مما يعني أن هذا غير ذاك، فطرفي النهار غير طلوع الشمس وغروبها، وقد ذكر القرآن حدوداً لوقت النهار غير متعلقة بطلوع الشمس أو غروبها ولعل في ذلك ما يوضح لنا الفرق بينهما فقال تعالى وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الأبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الأسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ (البقرة:187) فالصوم إذن يكون في نهار شهر رمضان وهو لا يبدأ من طلوع الشمس بل من بداية ظهور أول خيوط الصباح. وينتهي الصوم بالليل كما جاء في الصحيحين" إذا أقبل الليل من هاهنا وأدبر النهار من هاهنا فقد أفطر الصائم" وكان من الأسهل على رسول الله  أن يقول (إذا غربت الشمس)، رغم توافقها مع دخول الليل. كذلك قـال تعالى وَأَقِمْ الصَّلاةَ طرَفِي النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنْ اللَّيْل (هود:114) وطرفي النهار هما وقت تبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر، والطرف الآخر وقت إدبار النهار وإقبال الليل.
خامساً: في السموات ليل ونهار، رغم أنـه لا شمس ولا قمر، وهذا ما يفهم من قوله عن الملائكة يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ (الأنبياء:20) ولا يعني ذلك أن يكون ليلهم حالك السواد كليلنا لأنهم جميعا نور، وليس أيضا بلازم أن يكون نهارهم كنهارنا لكن المؤكد أن عندهم ليل ونهار لقوله تعالى ذلك.
سادساً: وعندما تقوم الساعة سيكون هناك أيضا الليل والنهار رغم فناء الشمس والقمر وليس بلازم أن يكون الليل بهذا السواد عند أهـل الآخرة ولا النهار بهذا الضوء المبهر المؤذى للعين أحيانا، والمهيج للنفس. ولكن بطريقة مغايرة تماما لأنه لن يكون ثم شمس. يقول عز وجـل عن أهـل الجنة لا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلا زَمْهَرِيرًا (الإنسان:13).
غير أن الله تعالى يذكر في سورة مريم الآية (12) وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا وهذا عن أهل الجنة، فرغم غياب الشمس وانتهاء دورها إلا أن هناك بكرة وعشيا. ولكن ليس البكور والعشي كبكور أهل الأرض وعشيهم الذي كان متأثرا بوجود الشمس في النهار وغيابها في الليل فيكون ليلا حالكاً ونهارا مبهراً ولكن لغياب الشمس سيختلف الأمر، فسيكون هناك أضواء وأنوار.
سابعاً: روى أحمد في مسنده عن ابن عباس عن رسول الله  قال:" الشهداء على بيارق نهر بباب الجنة. في قبة خضراء يخرج عليهم رزقهم من الجنة. بكرة وعشيا" وهم يعرفون مقدار الليل والنهار بالحجب فيكون الليل بإرخاء الحجب وإغلاق الأبواب، ويكون النهار برفع الحجب وفتح الأبواب.
وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول من طريق أبان عن الحسن وأبى قلابة قالا: قال رجل: يا رسول الله هل في الجنة من ليل؟ قال: وما هيجك على هذا؟ قال سمعت الله يذكر في الكتاب وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا فقلت: الليل، من البكرة والعشي. فقال رسول الله " ليس هنالك ليل، وإنما هو ضوء ونور، يرد الغدو على الرواح والرواح على الغدو" وليس في قول رسول الله" ليس هناك ليل" نفي لليل والنهار لأن الآية تثبتهما ولكن يقصد نفي الظلام الذي فهمه الصحابي السائل لذلك قال له:" وإنما ضوء ونور" فالليل ضوء والنهار نور، إذ ثبت في السنة أن هناك أيام في الجنة، وأفضلها يوم المزيد (يوم الجمعة) الذي يلتقي فيه أهل الجنة بربهم ويرونه ويفيض عليهم بنوره وبهائه.
نخلص من ذلك أن الليل والنهار قد خلقا قبل الشمس والقمر. وكان ذلك الخلق في المرحلة الأولى.
وفي الصحيحين أيضا يقول الله" يؤذيني إبن آدم يسب الدهر وأنا الدهر بيدي الأمر أقلب الليل والنهار".
المرحلة الثانية: يومي الثلاثاء والأربعاء
إن هذه المرحلة هي التي تحدثت عنها الآية (10) من سورة فصلت بقوله تعالى:
وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ وهي التي سماها الله باسم (الـدحو) لقوله تعالى في سـورة النازعـات وَالأرْضَ بَعـْدَ ذَلِكَ دَحـَاهَا (30) أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءها وَمَرْعَاهَا (31) وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا.
وهناك سور عديدة فصلت وبينت ما أجمل هنا. وهذا الإجمال هو:
(1) جعل رواسي في الأرض.
(2) جعل البركة فيها (الماء والمرعى).
(3) تقدير الأقوات فيها.
وإن كان ذكر الجبال في سورة فصلت قد قدم على غيره، فإنه تأخر في سورة النازعات وقد تم ذلك لعلة سنذكرها في حينها وسنؤخر الحديث عن الجبال إلى نهاية الحديث عن هذه المرحلة إتباعا لنهج سورة النازعات.
لم يحدث أي شيء للسماء في هذه المرحلة، فهي مرحلة خاصة بالأرض وحدها، تم فيها كل شيء متعلق بالأرض وتهيئتها لمن سيسكن فيها. فكل ما نراه الآن في شكل وهيئة الأرض فقد تم في يومي الثلاثاء والأربعاء، من تقسيم الأرض إلى قارات وبسطها وفرشها وتمهيدها. وإخراج الماء، وإنبات المرعى وتقدير الثروات المعدنية وموارد الأرض التي يستعين بها الإنسان في صناعته الآن، كل ذلك قد وجد في هذين اليومين، وخلق الكائنات الحية من حيوانات وأسماك وطيور وما يسر لكل دابة من رزق فقد تم أيضاً في هذه المرحلة.
وسنتحدث عن هذه الأمور بشيء من التفصيل فنقول بتوفيق الله:
طحو الأرض
يقول الله تعالى في سورة الشمس وَالأرْضِ وَمَا طَحَاهَا وقد بين الحديث معنى (الطحو) والذي عبر عنه رسول الله  بالفتق وقال:" ثم أيبس الماء فجعله أرضا واحدة ثم فتقها فجعل سبع أراضين في يومين" فهذا الفتق لذات الأرض التي كانت متجمعة في مكان واحد فجعل منها سبع قارات في يومين" فهذا هو (الفتق الثاني) وهو غير فتق السماء عن الأرض.
وقلنا أن الحديث تبيين لمعني الطحو، كما أن العرب تطلق لفظ الطحو علي الذهاب يقول أبو عمرو بن العلا: طحى الرجل إذ ذهب في الأرض. وعلي ذلك يكون المعني: أن الله تعالى قسّم الأرض المتجمعة إلي أقسام وأذهب كل قسم بعيدا عن الآخر في الماء.
وقد روى ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتـم وَالأرْضِ وَمَا طَحَاهَا (الشمس) أي قسمها.
إذن فقد تكونت القارات السبع التي سماها رسول الله :" الأراضين السبع" في يومين، ولم يتم ذلك في ملايين السنين كما يقول التجريبيون ويقوله من ورائهم المسلمون في نظريتهم المعتمدة في بلاد القرآن بأن هذه القارات إنما تكونت بعملية الإزاحة والتحرك التي استغرقت ملايين السنين حتى أصبحت كما هي عليه الآن، وأن هذه العملية (التزحزح) لازالت مستمرة حتى الآن رغم قول الله تعالى وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرّ (القمر:3) ولم نسمع صوتا لعالم يصحح هذا الخطأ الشنيع الذي يتعارض تماما مع قول الله وَالأرْضِ وَمَا طَحَاهَا ومع قوله تعالى عن قدر الأيام التي خلق فيها الأرض والتي قدرها بأربعة أيام، والذي يتعارض أيضا مع قول رسول الله  أن فتق الأرض (الطحو) تم تحديدا في يومين، بينما هم يقولون أن ذلك تم في بلايين السنين ولا يزال.
لا يذكر العهد القديم عملية الطحو هذه وإنما ذكر عملية تكوين اليابس والماء:" وقال الله: لتجتمع المياه تحت السماء إلي مكان واحد، في كتلة واحدة ولتظهر اليابسة. وكان كذلك، ودعا الله اليابسة (أرضا)، ومجتمع المياه دعاه (بحاراٌ). ورأي الله ذلك انه حسن" (التكوين 1/9).
ثم فصلت عدة آيات من القرآن ما تم للأرض بعد طحوها:
يقول تعالى: وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ بِسَاطًا ( نوح:19).
فبعد أن تم تجزئة اليابس إلي سبع قارات بسط الله هذا اليابس وجعله منبسطا ممدوداً، حتى يتسنى المعاش علي الأرض بالحركة والسير، ولهذا قال تعالى بعد هذه الآية: لِتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلا فِجَاجًا (نوح:20) أي طرقا واسعة مختلفة. ويقول تعالى الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الأرْضَ مَهْدًا وَسَلَكَ لَكُمُ فِيهَا سُبُلا (طه:53). وقـال الَّـذِي جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ مَهْدًا وَجَعَلَ لَكُمُ فِيهَا سُبُلا (الزخرف:10) فقد مهد الله تعالى الأرض تمهيدا بعد بسطها وجعلها كالفراش اللين، وفي هاتين الآيتين كلمتين مختلفتين (سلك وجعل) وهما لتأكيد أن الله عز وجل هو الذي جعل في هذه الأرض التي مهدها سبلاً أي طرقاً، وأنه تعالى هو الذي سلك بهذه الطرق داخل أي شيء من شأنه أن يعوقها كالجبال مثلا.. وقد سلك هذه الطرق مما يجعلها مهيأة تماماً لسير سكانها إلى حيث يريدون.
وقال تعالى: الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً (البقرة:22).
وقال تعالى: وَالأرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ (الذاريات:48).
إن هذه الآيات ليقشعر منها البدن خجلا مما فعله الله لراحة بنى آدم وما رد به بنو آدم من جحود ونكران. وعندما يتملى المرء في آية فرش الأرض وتهيئتها بهذه الصورة المريحة والجميلة قبل أن يأتي الإنسان إلي الأرض، ويهيأ له كل شيء لاستقباله بكل العناية والكرم، ويأتي الإنسان بعد ذلك ليكفر بالله ويكذّب الله، ويدعي أن أحداً لم يفعل ذلك بل تم ذلك صدفة، ولا يشكرون الله تعالى علي هذا الكرم، ولا حتى يعترفون به، فهو أمر مؤسف من الإنسان وسيدفع الثمن غاليا.
يخبر تعالى أنه سوّى الأرض للإنسان وأصلحها، ووطئها، وفرشها له من كل فراش أرضي. فهذه مفروشة بالتراب، وهذه بالرمال، وذلك بعد أن هيئها له ليستفيد منها استفادات مختلفة حسبما يكون من قشرة كل أرض، فجعل كل بقعة منها مهيأة لأمر غير البقعة الأخرى، من السهول والوعار والبراري والقفار والتراب والصخور والحجارة والرمال، كل ذلك لتختلف المصنوعات وتختلف أنشطة السكان وطرق معايشهم حسبما يشتهون ويرغبون.
خلـق الأنهار
في سورة فصلت يقول تعالى وَبَارَكَ فِيهَا وفي سورة النازعات يقول أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءها وَمَرْعَاهَا. لذلك نرى أن تفسير البركة هنا يعني إخراج الماء والمرعي، هذا فضلا عن البركة المعنوية التي أضفاها الله علي الأرض.
أما إخراج الماء فالمقصود به الماء العذب وليس الملح الأجاج، فهذا قد تم خلقه في المرحلة الأولي مع اليابس، لكن المقصود هنا بالماء هو الماء العذب الفرات.
فهذه الأنهار التي تجري في الأرض قد خلقت في يومي المرحلة الثانية للخلق ولا صحة أبدا لما يقوله التجريبيون أن هذه الأنهار قد تكونت بفعل الماء، بل إن الثابت أن الأنهار شقها الله عز وجل ثُمَّ شَقَقْنَا الأرْضَ شَقًّا (عبس: 26) وليست من فعل الماء، ويقول تعالى وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الأرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا (الرعد:3) وواضح من الآية أن الأنهار مخلوقة، وليست متكونة، هذا أيضا غير العيون التي فجرها الله من الأرض.
والقارئ للآيات التي ورد فيها ذكر الأنهار يجدها مرتبطة بذكر الجبال الرواسي الشامخات وذلك لأن الأنهار تجري ومن ثم ستكون دائما في حاجة لمدها بالماء، فهو تعالى قد خلق الأنهار بادئة من وراء الجبال الرواسي حتى إذا ما نزل ماء السحاب عليها لم يتفرق في كل جهة بل يتجه إلي حيث يـوجهـه الله أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ (السجدة:27).
فحتى جرى الماء في نهره بفعل الله عز وجل. وكل الآيات التي تتحدث عن الأنهار قد وردت مع آيات الجبال كقوله تعالى:
 وَأَلْقَى فِي الأرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا (النحل:15).
وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتًا (المرسلات:27).
والأنهار جعلها الله تعالى من أهم منافع الدنيا، بل إنها ستكون من متع الآخرة. فإنه تعالى عندما يرغب المؤمنين في الجنة يذكرهم بأنهارها، وأن أهلها ستجرى من تحتهم الأنهار.
ولا يخفي عنا مدى أهمية الأنهار بالنسبة لسكان الأرض الآن. من حيث الحياة ذاتها ومن حيث بناء الحضارة، فإن الحضارات العظيمة، إنما نشأت حول الأنهار.
إن سورة النازعات لتخبرنا أن هذه المياه خرجت من الأرض. أي أن أول مياه تجرى في هذه الأنهار كانت من مياه الأرض لقوله أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءها (النازعات:31) غير أن أحاديث صحيحه رواها البخاري ومسلم وغيرهما عن رسول الله  أنه أخبر أن نهر النيل ونهر الفرات أصلهما وعنصرهما من الجنة. وعلى ذلك فعلى غير كل مياه أنهار الأرض، كانت أول مياه جرت في النيل والفرات من مياه أنهار الجنة، بعد ذلك جرى النهران بماء السحاب كما هو معلوم ومشاهد الآن.
وقد روى البخاري في صحيحه عن مالك بن صعصعة أن رسول الله  لما ذكر (سدرة المنتهى) قال:" فإذا يخرج من أصلها نهران باطنان، ونهران ظاهران. فأما الباطنان ففي الجنة، وأما الظاهران فالنيل والفرات".
وفي رواية أخرى عند البخاري أن رسول الله  أخبر عن هذه الأنهار أن عنصرهما من الجنة، أي مادتها وشكلها مما في الجنة. بل ولا يمنع أبدا أن يكون ماء السحاب الذي يجرى منه النيل والفرات قد يؤتى به بواسطة الملائكة من الجنة. والله أعلم.
وشاءت حكمة الله تعالى أن يجعل الأنهار جارية والبحار راكدة، لأن في ركودها نعمة ودفـع مضرة. كما أن البحار تصب فيها الأنهار. كذلك لا تزيد البحار، بقدرة الله تعالى، لأنه سبحانه يحبسها لكي لا تغرق العباد.
ومن نعمة الله تعالى في الأنهار، أنها تسوق الماء من الأماكن التي يكثر فيها المطر إلي الأماكن التي يقل فيها، لأنها أرض جرز لا تمسك الماء إذا نزل عليها، فينزله الله في مكان آخر يمسك الماء ثم يسوقه تعالى في نهر إلي الأرض الجرز، كما يحدث مثلا لأرض مصر والتي فسر العلماء الأرْضِ الْجُرُزِ بمصر في قوله تعالى أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الأرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا (السجدة:27).
وكلمة نَسُوقُ تدل على أن الله تعالى هو الذي يسّير الماء حيث يشاء، سواء كـان الماء في السماء أو في الأرض، وليس الأمر من قبل الطبيعة.
وصف النيل
ذكر ابن كثير في كتاب (البداية والنهاية) النيل فقال:" هو النهر الذي ليس في أنهار الدنيا له نظير في خفته، ولطافته، وبعد مسراه، فيما بين مبتدئه إلى منتهاه".
قال ابن سينا:" له خصوصيات دون سائر مياه الأرض: منها أنه أبعدها مسافة من مجراه إلى أقصاه. ومنها أنه يجرى على صخور ورمال ليس فيه خز ولا طحلب ولا أوحال. ومنها أنه لا يخضر فيه حجر ولا حصاة، وما ذاك إلا لصحة مزاجه وحلاوته ولطافته، ومنها أن زيادته في أيام نقص سائر الأنهار والعكس".
وقد أورد ابن كثير (في البداية والنهاية) حادثة مع النيل تدل على أن الأنهار يجريها الله تعالى وليس أمرا طبيعيا. فقد روى عن عبد الله بن لهيعة عن قيس بن الحجاج عن من حدثه قال:" لما فتح عمرو بن العاص مصر أتى أهلها إليه حين دخل شهر بؤنة فقالوا: أيها الأمير. إن لنيلنا هذا سنة لا يجرى إلا بها، فقال وما ذاك؟ قالوا: إذا كان لثنتي عشرة ليلة خلت من هذا الشهر عمدنا إلى جارية بكر بين أبويها فأرضينا أبويها، وجعلنا عليها من الثياب والحلي أفضل ما يكون ثم نلقيها في هذا النيل، فقال لهم عمرو: إن هذا لا يكون في الإسلام. وإن الإسلام يهدم ما قبله.
فأقاموا بؤنة والنيل لا يجرى لا قليل ولا كثير. وأقاموا أبيب ومسرى وهو لا يجرى حتى هموا بالجلاء.
فكتب عمرو إلى عمر بن الخطاب بذلك. فكتب إليه عمر: أنك قد أصبت بالذي فعلت، وإني باعث إليك بطاقة داخل كتابي هذا، فألقها في النيل، فلما قدم كتابه أخذ عمرو بطاقة عمر وفتحها فإذا فيها:
" من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى نيل مصر (أما بعد):
فإن كنت تجرى من قبلك فلا تجر، وإن كان الله الواحد القهار هو الذي يجريك فنسأل الله أن يجريك" فألقى عمرو البطاقة في النيل، فأصبح يوم السبت وقد أجرى الله النيل ستة عشر ذراعاً في ليلة واحدة. وقطع الله تلك السنة عن أهل مصر إلى اليوم".
خلق النبات
لقد ورد بالقرآن كثير من الآيات التي تتحدث عن الزرع والنبات ومعظمها يصف الله فيها قدرته ونعمته بإنزاله الماء من السماء، وما ينبت به من زرع ونبات، وليست هذه الآيات هـي المتعلقة ببدء خلق النبات، لكن بعضاً منها فقط هو ما يخبرنا فيه عز وجل عن خلق النبات الذي تم في يومي الدحو (المرحلة الثانية) من ذلك آيات سورة (ق) يقول تعالى:
وَالأرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (7) تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (Cool وَنَزَّلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ (9) وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ (10) رِزْقًا لِلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ الْخُرُوجُ (11). هذه الآيات تخبرنا عن عملية (الإنبات) مرتين، الآية (7) والآية (9) أما الإنبات في الآية (7) فهو الإنبات الأول في بدء الخلق، الذي تم في يومي الدحو، وهو ما تم بواسطة الله وحده ومباشرة، ولا علاقة له بالمطر.
وأما إنبات الآية (9) فهو الإنبات الذي تم بواسطة البشر عن طريق الزراعة بالمطر وما شابه. إذن الآية (7) هي التي نعنيها في بدء الخلق.
وَالأرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيج.
وهناك عدة آيات في عدة سور يفصل فيها عز وجل خلق النبات فقال تعالى في سورة فصلت وَبَارَكَ فِيهَا وقد شرحت معنى هذه البركة سورة النازعات أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءهَا وَمَرْعَاهَا.
ومن هذه الآيات قوله تعالى في سورة الرعد الآية (3): هُوَ الَّذِي مَدَّ الأرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وفي سورة الرحمن يفصل تعالى تفصيلاً آخر يقول: وَالأرْضَ وَضَعَهَا لِلأنَامِ (10) فِيهَا فـَاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذَاتُ الأكْمَامِ (11) وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحَانُ (12) . فمن هذه الآيات وغيرها نعلم أن الله قد خلق أنواعا من النبات في بدء خلق السموات والأرض وكان ذلك في المرحلة الثانية مرحلة الدحو، وكان ذلك يومي الثلاثاء والأربعاء. ولعل هذه العملية تحديدا كانت يوم الثلاثاء فقد أوجد الله المرعى، والأشجار والغابات والورود والرياحين ومن كل زوج من الفاكهة والحبوب.
تقدير الأقوات
يقول تعالى وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ (فصلت:10) أي أن البركة وتقدير الأقوات تم في يومين، فتم للأرض أربعة أيام كاملة.
والأقوات هي كل ما يصلح لمعايش سكان الأرض وتشمل ذلك الموارد التي نسميها طبيعية وهي (ربانية) والثروات المعدنية، وكل ما هو في باطن الأرض من أحجار ومعادن من حديد ونحاس وألمونيوم ومنجنيز وماغنسيوم وبوتاسيوم وفضة وذهب وأحجار كريمة، والبترول والفحم كل ذلك من تقدير الله عز وجل وليس من صنع الطبيعة كما يقول المنكرون لصنع الله. فآية تقدير الأقوات تدل على أن كل ما في الأرض من خيرات وثروات من تقدير الله الذي خلقه في يوم واحد من يومي الدحو ولم يتكون ذلك على مدار ملايين السنين كما يقول التجريبيون الكافرون بالله ويتبعهم في ذلك المسلمون المؤمنون بالله.
يقول تعالى وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الأرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلا مَا تَشْكُرُونَ (الأعراف:10) فهذه الآية تؤكد أن كل ما قدره الله في الأرض لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ وهذا البترول الذي تتعيش منه دول كثيرة ليس من صنع الطبيعة كما يقولون، ولا أنه تكون من تحلل وتعفن أعضاء حيوية وكائنات ميتة على مدار ملايين السنين.
وقد كذبوا في ذلك، ولا وجهه للتشابه بين البترول وبين هذه المواد التي يقولون بأنها تحللت وتعفنت، إذ المعروف أن كل ما يموت من الكائنات الحية أو ما يتخلف من الشجر والنبات كل ذلك يتحلل في الأرض ويعود ترابا، لذلك يقول عز وجل أَلَمْ نَجْعَلِ الأرْضَ كِفَاتًا (25) أَحْيَاءً ‎وَأَمْوَاتًا (26) (المرسلات) أي أن الأرض جعلها الله كافية لكل المخلوقات التي توجد عليها وتخلق فيها من بدء الخلق إلى يوم القيامة، مهما بلغت لأنها عندما تنمو فإنما تنمو من الأرض وعندما تموت تعود إليها وتتحلل فيها، فلا تتكوم وتتراكم لكي تتعفن وتتحلل، ولو كان البترول يأتي من هذا العفن، فمن أين أتى الذهب، وباقي الأحجار الكريمة والمعادن الموجودة في باطن الأرض؟؟
صدق الله قَلِيلا مَا تَشْكُرُونَ (الأعراف:10) أيخلق الله، ويعبد غيره؟ أيرزق ويشكر سواه؟
خلق الدواب وبثها
يقول تعالى: وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَــوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ (الشورى:29).
فالدواب هي من المعايش التي خلقها الله في يومي الدحو ووزعها ونشرها وبثها في بقاع الأرض وقاراتها السبع، وبثها في التراب، والطين، والصخور والحجارة وفي البـحار، والأنهار، وفي الغابات، والبراري، والقفار، وفي جو السماء. وقد جعل تعالى من الدواب ما يتناسب مع المكان الذي أودعها سبحانه وتعالى فيه.
وقد ذكر تعالى في القرآن لفظ (دابة) 14مرة فقط. وأنه جعل في كل من السماء والأرض ما يدب فيهما، وهذا الرقم ليشمل المنطقتين، فسبع في السموات السبع، وسبع في الأرضين السبع. ومن يدب في السموات هم الملائكة، وما يدب في الأرض هم أنعامها وأسماكها وطيورها، ووحوشها وحشراتها وزواحفها فضلاً عن إنسها وجنها يقول تعالى:
وَالأنْعَامَ خَلَقَهــَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (5) وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَســْرَحُونَ (6) وَتَحْمِلُ أَثْقــَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونــُوا بَالِغِيهِ إِلا بِشــِقِّ الأنفُسِ إِنَّ رَبَّــكُمْ لَرَءوفٌ رَحِيمٌ (7) وَالْخَيْــلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لا تَعْلَمُونَ (Cool (النحل).
وقد ورد تفصيل ذلك أيضا بالإصحاح الأول من سفر التكوين بالعهد القديم:
" وقال الله: لتجتمع المياه بعجيج الكائنات الحية، ولتطر طيور فوق الأرض وعلى وجه جلد السماء، وكان كذلك وخلق الله كبار ثعابين البحر، وكل الكائنات الحية، التي تنزلق وتعج في البحار كل بحسب جنسه، وكل ذي جـناح بحسب جنسه ورأي الله ذلك أنه حسن. وباركها الله قائلا أثمري وأكـثري واملئي البحار، وليتكاثر الطير على الأرض. وكـان مساء وكان صبــاح" (الآيات من 20 : 23).
" قال الله: لتخرج الأرض الكائنات الحية كجنسها كبهائم ودبابات، ووحوش كجنسها، وكان كذلك، ورأي الله ذلك أنه حسن".
روى الحافظ أبو يعلى عن بن الخطاب قال سمعت رسول الله يقول: خلق الله ألف أمة، منها ستمائة بالبحر وأربعمائة في البر. وأول شيء يهلك من هذه الأمم: الجراد، فإذا هلك تتابعت مثل النظام (العقد) إذا قطع سلكه".
خلق الجبال
من المؤكد أن خلق الجبال تم في يومي الدحو (الثلاثاء والأربعاء) فإنها ذكرت في سورة فصلت في أول المخلوقات التي خلقت في هذين اليومين ولكنها ذكرت في آخر المخلوقات في سورة النازعات، لذلك ذكرناها نحن في آخر المخلوقات إتباعا لما ورد بسورة النازعات.
لكننا نرى رأيا بشأن خلق الجبال يدفعنا للقبول به هذا الاختلاف في الذكر في السورتين، ويؤيد ذلك عدة أحاديث.
فنقول أن الجبال كانت من أول المخلوقات كما ورد بسورة فصلت وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَها. ولكنها أيضا لم تستعمل في إرساء الأرض إلا بعد اكتمال المخلوقات وذلك كما ورد بسورة النازعات أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمْ السَّمَاءُ بَنَاهَا (27) رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا (28) وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا (29) وَالأرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا (30) أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءهَا وَمَرْعَاهَا (31) وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا (32).
وكما أزلنا اللبس الذي التبس على البعض من هاتين السورتين نفسيهما، عندما أوردت سورة فصلت الأرض كبدء للخلق، بينما أوردت سورة النازعات أن البدء بالسماء واحتار البعض أيتهما خلق أولاً، وأثبتنا أن كلتاهما (الأرض والسماء) خلقتا معاً.
فإننا بإذن الله سنزيل ما قد يعتري القارئ من لبس عندما يقرأ في أهم سورتين تفصلان بدء الخلق أن (فصلت) تبدأ بالجبال، بينما (النازعات) تنتهي بها.
ذكرنا أن الله تعالى لا يذكر الأنهار إلا ويذكر معها الجبال، ذلك لأننا نعلم أن الأنهار إنما تجرى مبتدئة من وراء الجبال التي ينزل عليها الماء بغزارة ولكن هذا الذي شاهدناه عندما وجدنا على الأرض، لكن هناك ملحوظة صغيرة ولكنها هامة وردت بالقرآن. إذ ورد بسورة النازعات أن الماء الذي جرى في الأنهار قد خرج من الأرض، أما الجبال فقد ورد بسورة فصلت أنها جاءت للأرض من فوقها. وهذا الأمر بالطبع مناقض لما نراه في الحياة الدنيا الآن، أن الماء الذي يجرى في الأنهار يأتي من السحاب الذي في السماء، وأما الجبال فنجدها راسخة في باطن الأرض، ولكن هذا بعد أن تم الأمر وسارت الأمور إلى ما هي عليه الآن.
أمـا في بدء الخلق فالأمر مختلف، يقول تعالى أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءها والآية واضحة. أن الماء في البدء خرج منها. أما في (فصلت) فيقول وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وواضح أيضا من الآية أن الجبال جاءت للأرض من فوقها. وفي أكثر من آية نعلم أن الجبال جاءت للأرض من خارجها ثم ألقيت فيها:
وَالأرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ (ق:7).
وَأَلْقَى فِي الأرْضِ رَوَاسِيَ (لقمان:10).



أدخل عنوان بريدك الإلكتروني هنا يصــــلك كل جديــــد





بلغ الادارة عن محتوى مخالف من هنا ابلغون على الروابط التي لا تعمل من هنا



توقيع : manel


التوقيع



قصة الخلق من العرش إلى الفرش  story of Creation By Eid Wardany Emptyالجمعة 25 يناير - 22:32
المشاركة رقم: #
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
عضو الجوهرة
الرتبه:
عضو الجوهرة
الصورة الرمزية


البيانات
عدد المساهمات : 17945
تاريخ التسجيل : 17/10/2012
رابطة موقعك : ورقلة
التوقيت

الإتصالات
الحالة:
وسائل الإتصال:


مُساهمةموضوع: رد: قصة الخلق من العرش إلى الفرش story of Creation By Eid Wardany



قصة الخلق من العرش إلى الفرش story of Creation By Eid Wardany

فهذه الجبال ألقيت من فوق الأرض لترسيها، وإنما ألقيت بعد أن استقر كل شيء على الأرض.
وإن كانت الجبال من أوائل المخلوقات كما ذكر تعالى في سورة فصلت، فإن السورة أيضا تبين أن الله تعالى عندما خلق الأرض لم يرس الجبال فوقها مباشرة، وإنما جعلها مِنْ فَوْقِهَا وهذه الإضافة لم ترد إلا هنا فقط إذن فقد خلقت الجبال وأودعت في مكان ما فوق الأرض. لتستقر على الأرض في اليوم السادس وهو اليوم الأخير من أيام الخلق. وهذا ما يفسر لنا لماذا ذكرت الجبال في سورة النازعات كآخر المخلوقـات، ولنتأمل جيداً في الآيات:
أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمْ السَّمَاءُ بَنَاهَا (27) رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا (28) وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا (29) وَالأرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا (30) أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءهَا وَمَرْعَاهَا (31) وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا (32).
وهناك أحاديث عديدة تؤكد هذا الأمر منها الحديث الذي رويناه عن ابن عباس عن رسول الله  المتعلق ببدء الخلق والذي فيه:" وخلق يوم الجمعة النجوم و الشمس والقمر، والملائكة إلى ثلاث ساعات بقين منه، فخلق من أول ساعة من هذه الثلاث: الآجال (حين يموت من يموت)، وفي الثانية ألقى فيها من كل شيء مما ينتفع به....
نعلم من هذا الحديث أن الملائكة خلقت يوم الجمعة وهو اليوم الأخير من أيام الخلق دون خلاف. ثم بعد ذلك ألقى الله في الأرض (من كل شيء ينتفع به). وهذا الإلقاء تفسره باقي الآيات وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ (لقمان:10) ويبين ذلك أيضا الحديث الذي رواه أحمد عن أنس بن مالك عن النبي قال" لما خلق الله الأرض جعلت تميد (تتمايل) فخلق الجبال فألقاها عليها فاستقرت فتعجب الملائكة من خلق الجبال (أي من قوتها) وهذا يدل على أن الملائكة رأت الأرض وهي تتمايل، أي أن الأرض ظلت بحالتها حتى رأتها الملائكة التي خلقت في اليوم الأخير. ويؤكد ذلك مـا رواه الحسن وسعيد عن قيس ابن عبادة أن الله لما خلق الأرض جعلت تميد. وفي رواية أخرى (لما خلقت الأرض كانت تميد) فقالت الملائكة: ما هذه بمقرة على ظهرها أحد، فأصبحوا وفيها رواسيها، فلم تدر الملائكة مما خلقت الجبال".
فإن هذا الحديث ليدل على أن الملائكة رأت الأرض وهي تميل وقد بقيت فترة كذلك، حتى فوجئوا بها ثابتة بإرساء الجبال عليها.
وفي حديث أحمد:" فتعجبت الملائكة من خلق الجبال: فقالت: يا رب هل من خلقك شيء أشد من الجبال؟
قال: نعم. الحديد. قالت: فهل من خلقك شيء أشد من الحديد؟
قال: نعم. النار. قالت: فهل من خلقك شيء أشد من النار؟
قال: نعم. الماء. قالت: فهل من خلقك شيء أشد من الماء؟
قال: نعم. الريح. قالت: فهل من خلقك شيء أشد من الريح؟
قال: نعم. ابن آدم، يتصدق بيمينه يخفيها من شماله".
إذن فقد ورد ذكر الجبال في آخر مراحل الخلق في سورة (النازعات) خلافا لما ورد بسورة (فصلت) لعلة حكيمة، ذلك أن الله تعالى أرساها آخر أيام الخلق رغم أنها من أول المخلوقات. أما الحكمة من إرجاء إرساء الجبال رغم وجودها فذلك ما سنعرفه في الصفحات التالية بإذن الله. بعد أن نذكر كلمة عن منافع الجبال ودورها في الأرض.
فائدة الجبال
الفائدة العظمى والدور الأول للجبال أن الله تعالى أرسى بها الأرض، بعد أن كانت تميد. ولولاها لما أقرت الأرض على ظهرها أحد كما عبر عن ذلك الملائكة الذين شاهدوها وهي تميل.
هناك دور آخر ذكره الله تعالى للجبال في القرآن فقال وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ الْجِبَالِ أَكْنَانًا (النحل:81) والأكنان جمع: كن. وهو ما يستكن به من المطر، وهي المغارات في الجبال جعلها الله للخلق يأوون إليها، ويتحصنون بها، ويعتزلون عن الخلق فيها.
دور آخر للجبال فضلاً عن الإرساء والإكنان هو ما قال عنه تعالى:
وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنْ اتَّخِذِي مِنْ الْجِبَالِ بُيُوتًا (النحل:68) أي ألهم النحل أن يتخذ من الجبال بيوتا يسكن فيها.
كذلك أودع الله تعالى في الجبال المعادن التي توزن، والتي تعتبر خامات للإنسان يستعين بها في معايشه. ويقول تعالى وَالأرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ (النحل:19) فقد قال البعض بأن الضمير في قوله (فيها) يعود على الرواسي. والمعنى: أنبتنا في الجبال من كل شيء موزون، يعنى كل ما يوزن من الذهـب والفضة والنحاس والرصاص والحديد ونحو ذلك، وهو ما تحتويه الجبال بالفعل.
ورغم أن الجبال خلقت لثقل الأرض وتثبيتها إلا أن الله تعالى عندما أرسها في الأرض جعل منها أيضا ألوان مختلفة لتكون زينة للناس بتعـدد ألوانها وأشكالها وأطوالها يقول تعالى أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنْ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ (فاطر:27) أي أن الله كما أخرج من تراب الأرض ثمرات مختلفة الألوان منها الأحمر والأصفر وغيرها، فكذلك الجبال جعلها الله ذات طرائق وخطوط مختلفة الألوان، بيض وحمر ومختلفة في الشدة والضعف مع أن أصلها واحد. وهذه الآية توضح لنا أن الجبال مختلفة في ألونها وفي صخورها. وهو ما يقر به علماؤنا الآن، غير أنهم يدعون - تبعا للتجريبيين - أن هذه الصخور تأتى من باطن الأرض (كالصخور النارية) والبعض يتكون من عوامل التعرية وغيرها (كالصخور الرسوبية) وليس لقولهم دليل من الصحة.
فهذه الجبال يؤكد القرآن في آيات أنها خلقت خلقاً خاصاً وأنها ليست من الأرض،ولذلك فإن مكونات الجبال تختلف تماما عن مكونات الأرض. حيث أن الجبال بعد خلقها ألقيت (هكذا قال الله) على الأرض من فوقها. فصخورها ليست من الأرض في شيء.
وواضح أن كل ما يكون من شأن الله وأمره يحوله الكافرون بالله إلى فعل غيره، وبعد أن كانت الجبال مخلوقة خلقا خاصاً، نجدها جزءً من الأرض، وبعد أن يخبرنا الله أنه هو الذي خلقها بقدرته، يقولون لنا: أن الأرض هي التي أوجدتها بظروف طبيعية.
هكذا خلق الله تعالى الأرض وهيئها بهذه الصورة التي نشاهدها وبالطريقة التي ذكرت لنا. ولا نرى في كلام الله أي انفجار، ولا اصطدام ولكن نرى خلق، وحكمة وعناية، وكرم، وتكريم.
الأرض بعد الدحو
يذكر علماء التفسير والمتكلمون عن العروض والأطوال والبحار والأنهار من علماء العرب القدامى أن الأرض بعد دحوها وتهيئتها، أخذت الشكل الحالي لها وأصبحت عبارة عن كرة من الماء العظيم إلا مقدار الربع. أي أن اليابس 90 درجة والماء 270 درجة. وقد اقتضت العناية الإلهية، والحكمة الربانية، أن ينحسر الماء عن هذه المساحة، لتعيش عليها الحيوانات، وتنبت فيها الزروع والثمار، كما قال تعالى: وَالأرْضَ وَضَعَهَا لِلأَنَامِ (الرحمن:10). قالوا: والمعمور من هذه الدرجات التسعون اليابسة البادية من الماء قريب من الثلثين أي 65 درجة وباقي اليابسة غير معمور.
وجعل الله تعالى ما يقابل الأرض اليابسة بحرا محيطا (المحيط الهادي) وهذا هو البحر الرئيسي في الأرض، قال المفسرون: وهو الذي فيه الجزائر الخالدات، المتاخمة لبلاد المغرب (يقصدون الأمريكتين) والتي تفصل بينها وبين ساحل بلاد المغرب 10 درجات أي مسيرة شهر تقريبا (هكذا قدروها)، وقالوا: هو بحر لا يمكن سلوكه ولا ركوبه لكثرة أمواجه، واختلاف ما فيه من الرياح والأمواج. ولا يستخرج منه شيء.
هذا وصف للبحر المحيط (المحيط الهادي) موجود بكتب التفسير كلها وقد ذكره ابن كثير المولود سنة 701 والمتوفي سنة 774 هجرية. وقد ذكر رحمة الله أقوال العلماء الذين ذكروا أن الأمريكتين في المحيط الهادي بعد بلاد المغرب بعشر درجات وسموها (الجزائر الخالدات) والتي ينسب اكتشافهما إلي (كريستوفر كولومبس) مع أن ذكرهما وجد في كتب العرب والمسلمين في أوائل التاريخ الهجري. بل أنهم ذكروا أن سليمان عليه السلام ذهب إليهما بجنوده، بواسطة الريح التي سخرها الله له. وقد ترك هناك علامات ودلائل موجودة حتى اليوم، يذكرونها هناك بآثار الحضارة (الهيليسينية) وهي حضارة سليمان عليه السلام ثم أنهم حددوا سواحل هذا المحيط تحديدا دقيقاً وذكروا أبعاده وأسماء البلاد المتاخمة له، وأسماء البحار المتفرعة منه.
فذكروا منها أنه ينبعث من المحيط الشرقي بحار أخر فيها جزائر كثيرة حتى يقال أن بحر الهند فيه 1700 جزيرة فيها مدن وعمارات، سوى الجزائر العاطلة، يقال له البحر الأخضر، فشرقيه بحر الصين، وغربيه بحر اليمن، وشماله بحر الهند وجنوبه غير معلوم.
وذكروا أن بين بحر الهند وبحر الصين جبال فاصلة بينهما، وفيها فجاج تسلك المراكب بينها، يسيرها لهم الذي خلقها، كما جعل مثلها في البر أيضا قال الله تعالى: وَجَعَلْنَا فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (الأنبياء:31).
هذا هو البحر المحيط. ثم إن الله تعالى فرّع من هذا البحر المحيط سبعة أبحر تتخلل اليابس. وهي التي ذكرها تعالى في سورة لقمان بقوله وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مـَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (لقمان:27). فالشجر هنا تعبير عن شجر الأرض كله وهي بلاغة تفيد: لو إنما في الأرض من شـــجر أقلام، فوحد الشجرة، لما تقرر في علم المعاني من استغراق المفرد أشمل، والبحر المحيط مع سعته يمده السبعة أبحر الموجودة في الأرض، وكتب بها معلومات الله وعجائبه في مصنوعاته الدالة على قدرته ووحدانيته لنفد هذا البحر قبل أن تنتهي وتنفد تلك المعلومات. كـل هـذا رغــــم أن القرآن والتــوراة وسائر الكتب كان فيها تبيان كل شيء.

إتيان السماء والأرض
لقد اكتملت الأيام الأربعة تماما. وفي بداية اليوم الخامس حدث حادث وتم أمر رغم أنه كان على درجة كبيرة من الأهمية، ورغم حدوثه مرة واحدة في تاريخ الكون ورغم أن الله تعالى ذكره في كتابه بإيضاح شديد إلا أن علماء التفسير لم يدركوا المعنى الصحيح لهذا الحدث.
وذكرنا في بداية حديثنا عن مراحل الخلق أنها ثلاث مراحل بينها (حدث متخلل) ولعل ذلك يبين لماذا ذكرت مراحل الخلق في سورة فصلت في أربع آيات، وذلك لأن مراحل الخلق تخللها حدث هام، كان هذا الحدث بعد اكتمال المرحلة الثانية، أي أنه تم في أول المرحلة الثالثة.
يقول تعالى في سورة فصلت الآية 11 ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ .
إن هذه الآية توضح عملا وقولا صدرا من السماء والأرض للمرة الأولى والأخيرة في حياة الكون وكان عملهما أنهما (أتيا) وكان قولهما أنهما قالتا (أتينا) ولم ينسب للأرض أو للسماء بعد ذلك أي عمل قاما به حتى قيام الساعة. ولكي نعرف المكان الذي أتيا فيه، نعود إلى حديث بدء الخلق الذي رواه البخاري عن رسول الله  أنه قال:" كان الله ولم يكن شيء غيره، وكان عرشه على الماء، وكتب في الذكر كل شيء ثم خلق السموات والأرض" .
وكذلك حديث ابن عباس وابن مسعود أن النبي  قال:" إن الله تعالى كان عرشه على الماء، ولم يخلق شيئا مما خلق قبل الماء، فلما أراد أن يخلق الخلق أخرج من الماء دخانا فارتفع فوق الماء فسما عليه فسماه سماء ثم أيبس الماء فجعله أرضا واحدة ثم فتقها فجعلها سبع أراضين في يومين" إن هذين الحديثين ليدلان على أن أصل الخليقة: الماء. وأن هذا الماء هو الذي كان العرش عليه، وأن بدء الخلق كان بارتفاع الدخان منه ثم توالت الأحداث، حتى إذا مـا اكتمل بناء السماء وتهيئة الأرض للحياة عليها، انتقلتا من مكان خلقهما إلى مكانهما الحالي، تحتل الأرض المركز فيه. فلم يتم الخلق بداهة في هذا المكان الذي نحن فيه الآن، بل تم في مكان آخر ثم صدر أمر الله تعالى لهما بالإتيان للمكان الذي نـحن فيه الآن. وكانت هذه هي الحركة الوحيدة التي قامت بها السموات والأرض، وقد صدرت منهما أيضا الكلمة الوحيدة التي نطقا بها قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ.
إن الآية واضحة الدلالة تماما، ومنطقية تماما مع توالى الأحداث، ورغم ذلك فلم يقل المفسرون بهذا. وإنما قالوا: إن الله تعالى أمر السماء والأرض بأن تأتى كلا منهما ما بداخلها من أمور. أي أنه تعالى قال للسماء: أطلعي شمسك وقمرك ونجومك. وأما أنت يا أرض فأطلعي نباتك وأخرجي ثمارك وشقي أنهارك.
هذا ما يقوله المفسرون وهو كلام غير معقول، وغير مقبول. أيأمر الله الأرض بأن تأتى ما فيها بعد ما أخبر أنه خلق كل ما فيها في أربعة أيام؟ ويأمر السماء أن تأتى بما فيها ثم بعد ذلك يأمرها مرة أخرى بعد يومين بأن تأتى ما فيها؟.
إن الآية واضحة وضوحاً تاماً لا يقبل خلافاً أن الأرض والسماء انتقلتا من مكان إلى مكان. وهذا ما كان لابد منه، لأن السماء والأرض لم تخلقا في مكانهما الحالي، وإنما خلقا فوق الماء الذي كان العرش عليه، ثم أتيا إلى هذا المكان الذي هما فيه الآن ووضعهما الله تعالى وأقرهما فيه. لذلك يقول تعالى وَالأرْضَ وَضَعَهَا لِلأَنَامِ (الرحمن:10).
والوضع لا يأتي أبدا إلا إن كان قبل ذلك غير موضوع، أي كان قبل ذلك محمولا وهذا ما حدث للسماء والأرض وقد كانتا محمولتين فوق الماء ثم وضعتا في مكانهما الحالي ووضعت الأرض في مركز هذا العالم وكانت الأرض في مكانها هذا تميد ثم بعد أن سوى الله السموات السبع وأوحي في كل سماء أمرها، وانتهي أمر الخلق وكمل، أقر الله كل شيء وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ (القمر:3) فأقر الله الأرض بالجبال، فألقاها عليها، وقد كانت معلقة فوق الأرض كالنجوم والكواكب، وقد فوجئت الملائكة بالأرض وهي مستقرة ثابتة بعدما رأتها قبل ذلك تتمايل وأعجبت من قوة الجبال الرواسي.
من أجل ذلك قلنا أن الله تعالى خلق الجبال في بداية المرحلة الثانية، تماما كما ذكر في سورة فصلت، ولكنه لم يرسيها في الأرض إلا بعد اكتمال الخلق وانتقال الأرض إلى مكانها الحالي، تماما كما ذكر في سورة النازعات، وذلك لأن الجبال رواسي، والأرض في مكان خلقها لم تكن رست بعد، وليس هو بمكانها الذي ستستقر فيه، فلما أتت إلى مكانها هذا ثبتها الله تعالى بالجبال.
لذلك قال تعالى في سورة (فصلت) وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وقد كان ذلك في بدء الخلق وفي مكان تخلقها. ثم قال في سورة (النازعات) أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءهَا وَمَرْعَاهَا (31) وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا (32) ومعروف أن هذه السورة ذكرت المخلوقات بترتيب حدوثها، فوضح هنا أن الجبال تم بالفعل إرسائها في الأرض بعد أن كانت مِنْ فَوْقِهَا .
وفي حديث ابن عباس وابن مسعود في بدء الخلق إن رسول الله  أخبر بأن الله تعالى خلق يوم الجمعة المخلوقات السماوية، إلي ثلاث ساعات بقين منه، ثم خلق الآجال في أول ساعة من هذه الثلاث الباقية من اليوم، ثم ألقى في الأرض ما ينفعها. ولا شك أن لفظ الإلقاء في القرآن إنما يعود على الجبال.
لم يرد في العهد القديم في آيات بدء الخلق، أي ذكر عن الجبال لا خلقها ولا إرسائها.
وقد تنبه نفر قليل من علماء المسلمين قديما وحديثا إلي أن الإرساء للجبال عملية مستقلة عن الخلق وأنه تم من فوق الأرض واستدلوا على ذلك بلفظ أَلْقَى. جاء بكتاب (الإسلام في عصر العلم) لمحمد أحمد الغمراوي وأحمد عبد السلام الكردي صـ 341 ما نصه:
ولكن الدلالة في  أَلْقَى أخص منها في (جعل) وقد لاحظ ذلك أبن عطيه فيما ذكره أبن حيان عن تفسير الآية رقم 15 من سورة النحلوَأَلْقَى فِي الأرْضِ رَوَاسِيَ أن تَميدَ بِكم.
إذ نقل عنه قوله:
" قال المتأولون:  أَلْقَى بمعنى خلق وجعل، وهي عندي (الكلام لابن عطية) أخص من (خلق) و(جعل) وذلك أن  أَلْقَى تقتضي أن الله أوجد الجبال ليس من الأرض ولكن من قدرته واختراعه ويؤيد هذا النظر ما روى في القصص. إلى أخر ما قال عنه الحسـن ووهب بن منبه".

المرحلة الثالثة: الخميس والجمعة
بعد اكتمال الأربعة أيام، تكون المرحلة الثانية قد اكتملت. ومع بداية المرحلة الثالثة أتى الله تعالى بالسماء والأرض إلي مكانهما الحالي. تتميز هذه المرحلة عن سابقتيها أن الخلق فيها تم بالأمر. من أولها إلى آخرها بداية من الأمر للسماء والأرض بأن يأتيا اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا إلى خلق ما في السموات السبع. أما الخلق في المرحلتين الأوليين فقد كان بالخلق المباشر مـن الله تعالى، أي كـان بيد الله عز وجل كقول وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْيدٍ (الذاريات:47). فالسماء والأرض خلقتا في المرحلة الأولى بيد الله تعالى ثم تهيئة الأرض في المرحة الثانية كان بيده عز وجل. أما المرحلة الثالثة وهي خلق ما في السموات فقد كان بأمر الله تعالى، يوضح ذلك قوله تعالى وهو يخبرنا عن الخلق في المرحلة الثالثة: ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ (11) فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (12) (فصلت).
يخبرنا تعالى أنه كما فتق الأرض إلى سبع أراضين (القارات السبع) فإنه تعالى فتق السماء إلى سبع سموات (السموات السبع).
وببناء السماء وجعلها سبعا، تحول أيضا الدخان الذي أصل السماء إلى بناء عظيم جميل مكون من سبع طوابق في غاية الحسن والبهاء والروعة والجمال وهذا معنى قوله تعالى وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ (الذاريات:7) وبعد أن كانت السماء مادة واحدة اختلفت كل سماء عن غيرها في الحجم واللون والشكل، رغم تطابقها على بعضها البعض، إذ أنها متناسبة في التكوين بحيث لو زال ما بينها من فراغ لعادت مرة أخرى كتلة واحدة ككرة عظيمة. وتحول الدخان إلى شكل جديد جميل ليس غريبا علينا، فالإنسان أصله من طين وتحول إلى لحم ودم وشكل جميل، والأرض التراب يخرج منها ثمرات مختلف ألونها، فكذلك السماء.
*****

























عدد السموات
كما فصل الله تعالى القول في دحو الأرض وما أودعه فيها من آيات، فقد فصل عز وجل القول أيضا في خلق السموات وما فيها من آيات، تفصيلا غاية في البلاغة والتنسيق والبيان.
إن الرقم (7) له عند الله شأن، فإنه تعالى خلق خلقه مكون من هذا الرقم فخلق تعالى السموات سبعاً والأرض سبعاً. ولهذا سنرى مدى العلاقة الوثيقة بين الرقم (7) وبين السموات والأرض وما فيها وما بينها من آيات.
وقد ذكر ابن القيم الجوزية فضيلة الرقم سبعة في كتاب ذاد الميعاد فقال:
" وأما خاصية السبع فإنها قد وقعت قدرا وشرعا، فخلق الله عز وجل السموات سبعاً، والأراضين سبعاً، والأيام سبعاً، والإنسان كمل خلقه في سبعة أطوار، وشرع سبحانه لعباده الطواف سبعاً، والسعى بين الصفا والمروة سبعاً، ورمى الجمار سبعاً سبعاً، وتكبيرات العيدين سبعاً في الأولي، وقال  مروهم بالصلاة لسبع، وإذا صار للغلام سبع سنين خير بين أبويه في رواية، وأمر النبي  في مرضه أن يصب عليه من سبع قرب، وسخر الله الريح على قوم عاد سبع ليال، ودعا النبي  أن يعينه على قومه بسبع كسبع يوسف، ومثل الله سبحانه ما يضاعف به صدقة المتصدق بحبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة، والسنابل التي رأها صاحب يوسف سبعاً، والسنين التي زرعوها دأبا سبعاً، وتضاعف الصدقة إلى سبعمائة ضعف إلى أضعافا كثيرة ويدخل الجنة من هذه الأمة بغير حساب سبعون ألفاً، فلا ريب أن لهذا العدد خاصية ليست لغيره.
والسبعة جمعت معانى العدد كلـه، وخواصه، وللأطباء أعتناء عظيم بالسبعة. وقد قال بقراط كل شيء من هذا العالم فهو مقدر على سبعة أجزاء، والنجوم سبعة، وأسنان الناس سبعة أولها طفل إلى سبعة ثم صبى إلى أربعة عشر ثم مراهق ثم شاب ثم كهل ثم شيخ ثم هرم إلى منتهى العمر. والله تعالى أعلم بحكمته وشرعته وقدره بتخصيص هذا العدد".
وفي سبع آيات لا غير من آيات القرآن يذكر تعالى عدد السموات التي خلقها وهي سبع سموات. يقول تعالى:
(1) ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ (البقرة:29)
(2) وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ وَمَا كُنَّا عَنْ الْخَلْقِ غَافِلِينَ (المؤمنون:17).
(3) فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا (فصلت:12)
(4) اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنْ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ (الطلاق:12)
(5) الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا (الملك:3)
(6) أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا (نوح:15)
(7) وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا (النبأ:12).
لقد ذكرت السماء في القرآن 120 مرة والسموات 190 مرة ومن كل هذه الآيات ذكر الله سَبْعَ سَمَوَاتٍ 7 مرات فقط في كل القرآن الكريم.
إن التجريبيين لا يعترفون بالسموات، ولا حتى بسماء واحدة، وهم يطلقون على السماء الدنيا (الفضاء) فهم لم يتركوا أمرا مما نص عليه الدين إلا وخالفوه، لأنهـم لهذا بعثوا، وأرسلوا، فهم رسل إبليس الذي لعنه الله. فهم يستبدلون آيات الله بالنظريات ويستبدلون كتب الله المنزلة بكتبهم المؤلفة، وهم قد صرحوا بذلك دون خوف أو حياء.
وقد طبقت نظرياتهم حرفيا، وترك كتاب الله حتى في بلاد المسلمين تركوه وراءهم ظهريا. واقتصر أمره على مجرد التلاوة، أو الحفظ، أما الاتباع والتطبيق فقد كان من نصيب نظريات التجريبيين.
يقول تعالى في كتابه أنه خلق سبع سموات، ولم يرد لذكر السموات السبع كلمة واحدة في كل مؤلفات التجريبيين الكونية، واتبعهم في ذلك علماء المسلمين أو معظمهم ـ حتى علماء الشرع منهم ـ وأنكروا وجود سبع سموات ويعتبرون الرقم (7) هو صيغة مبالغة ويشبهونه بقوله تعالى اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ (التوبة:80) فالرقم (70) هنا صيغة مبالغة ولا يقصد منه ذات العدد فلوا استغفر لهم (70000) مرة أو أكثر فلن يغفر الله لهم.
ويقولون أن كل كوكب سماء لنا، ونحن سماء لكل كوكب، فهناك إذن ملايين السموات وملايين الأراضي (كذا يقولون)، فكل جرم سماوي هو أرض لمن فوقه، وفي نفس الوقت هو سماء لمن تحته. هكذا وصل الأمر بعلماء المسلمين من بعد عصر النهضة، حتى الآن، ومن لايزال معتقدا من علماء المسلمين بوجود سموات سبع، لا يقوم بالرد على من ينكر وجودها، وكأن الأمر مجرد مسألة قابلة لهذا الرأي أو ذاك.
ولكننا نبين لهؤلاء بالدليل على أن السموات سبع لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ (الأنفال:42). والقول في السبعين أنها صيغة مبالغة ومثلها الرقم (7) غير صحيح. إذا أن العرب كانت تستخدم رقم (70) للتكثير ولازلنا نستعمل ذلك حتى الآن. وكانت العرب تجريه مجرى المثل. وقد ذكر الشوكاني أن الله تعالى ذكر السبعين لأن العدد سبعة عدد شريف، فهو عدد السموات والأراضين، والبحار والأقاليم والنجوم السيارة وأيام الأسبوع.
إن آيات القرآن والأحاديث الصحيحة المستفيضة لتؤكد هذا العدد. ووجود الملائكة في السموات، وسدرة المنتهي والبيت المعمور، والأنبياء الذين رآهم رسول الله  في رحلة المعراج ليؤكد ذلك. وكذلك إجماع كل المسلمين قبل عصر النهضة على ذلك لم يشذ منهم واحد.
سبع أرضين



أدخل عنوان بريدك الإلكتروني هنا يصــــلك كل جديــــد





بلغ الادارة عن محتوى مخالف من هنا ابلغون على الروابط التي لا تعمل من هنا



توقيع : manel


التوقيع



قصة الخلق من العرش إلى الفرش  story of Creation By Eid Wardany Emptyالجمعة 25 يناير - 22:33
المشاركة رقم: #
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
عضو الجوهرة
الرتبه:
عضو الجوهرة
الصورة الرمزية


البيانات
عدد المساهمات : 17945
تاريخ التسجيل : 17/10/2012
رابطة موقعك : ورقلة
التوقيت

الإتصالات
الحالة:
وسائل الإتصال:


مُساهمةموضوع: رد: قصة الخلق من العرش إلى الفرش story of Creation By Eid Wardany



قصة الخلق من العرش إلى الفرش story of Creation By Eid Wardany

احتار كثير من العلماء في تفسير هذه الآية:
اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنْ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الأمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا (الطلاق:12).
هذه الآية تخبرنا أن الله تعالى خلق سبع سموات، وخلق من الأرض مثلهن وكلمة مثلهن تعنى أنها مثل السموات تماما، ليس فقط في العدد وإنما أيضا في الشكل والتطابق والتسوية. إن الله تعالى عندما استوى إلى السماء وهي دخان، سواهن سبع سموات أي فتق السماء وجعلها سبعا، وأصبح بين كل طبقة وأخرى من هذه السبع فراغ، وهذا الفراغ متساو لكل طبقة. هذا الفراغ هو السماء والطبقة ذاتها هي أرضية لهذه السماء فتكون بعد هذا الفصل أو التسوية أو الفتق سبع سموات من ضمنها السماء التي فوقنا، فهي السماء الدنيا. وأيضا سبع أرضيات لهذه السموات من ضمنها أرضنا وهي السابعة، لأننا عندما نعد سبع سموات نعدها من أسفل إلي أعلي أي سماءنا هذه هي الأولى (السماء الدنيا) إلى أعلى حتى السماء السابعة، وهي أعلى السموات وهي فوق السموات الستة.
أما عندما نعد الأرضين، فإننا نعد من أعلى إلى أسفل عدا تنازليا، فإن أرضنا تكون الأرض السابعة، فالأرض نزول، فتعد من أعلى أولاً إلى أسفل والسماء علو فتعد من أسفل إلى أعلى، فأرضنا هي السابعة، لكن السماء فوقنا هي الأولى. وقوله تعالى يَتَنَزَّلُ الأمْرُ بَيْنَهُنَّ فمعلوم أن الأمر يتنزل بين السموات وهو في نفس الوقت بين أرضيات هذه السموات حتى ينزل الأمر إلى أرضنا هذه وهي الأرض السابعة. وهذه الأرضية سماها رسول الله  (كثف) أي أن السماء عندما فتقت وفصلت وأصبحت سبعا كان بين كل منها فاصلاً هو هذا الكثف أو هذه الأرضية. فأرضية السماء السابعة هي أول أرض، وأرضية السماء الأولى (الدنيا) هي سابع أرض.
أما من ناحية الشكل والخلقة والصنعة، فلا يوجد مثيل لأرضنا لا في السموات السبع ولا في غيرها، ولا يشبه أي كوكب أرضنا، فالجبال والبحار والأنهار والأشجار والحيوانات والغلاف الجوى والزروع والثمار والمعادن والثروات والمعايش والأقوات، لا توجد إلا في هذه الأرض. وهي الوحيدة بهده الصورة، أمـا بكونها أرضية للمخلوقات ففوقها ست أراضى أخرى تقل الملائكة، وأرضنا هذه واحدة منها وهي السفلى، أو كما قال تعالى:
أَسْفَلَ سَافِلِينَ في سورة (التين) لَقَدْ خَلَقْنَا الإنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4) ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ (5).
لقـد ذكرت السماء بالجمع أي: سموات 190 مرة ولم تذكر الأرض بصيغة الجمع مرة واحدة، وقد ورد ذكر الأرض في القرآن 450 مرة كلها بصيغة المفرد حتى في سورة الطلاق عند ذكر السبع سموات لم تذكر الأرض بصيغة الجمع مثل السموات بل قال تعالى اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنْ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ.
عندما أعلم الله تعالى الملائكة أنه سيجعل في الأرض خليفة، لم تسأل الملائكة: أي أرض هي؟ فلو كان هناك غير أرضنا هذه لقالت الملائكة أي أرض؟ ولكنهم قالوا بما يفهم من قولهم أنهم عرفوا الأرض التي يعنيها الله تعالى لا لشيء إلا لأنها أرض واحدة وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ (البقرة:30).
ذكر الله تعالى أن الأرض مثلهن عقب ذكره سَبْعَ سَمَوَاتٍ مما يعنى أنها مثل السموات تمامـا، وهـذا لا يمكن إلا حـالة أن تكون للسموات أرضيات مثلها. وقوله: يَتَنَزَّلُ الأمْرُ بَيْنَهُنَّ يؤكد أنها فوق بعضها تتخلل السموات. فالأمر من وحي وتدبير لشئون الخلق يتنزل من عند الله ويمر بهذه السموات وأرضياتها.
لم يخبرنا عز وجل في القرآن في أي آية، عن وجود أرض أخرى، أرسى عليها جبالا أو أخرج منها ماءً أو أنبت فيها زرعا، أو أوجد عليها مخلوقات وأرسل إليها رسلاً لكي يتنزل الأمر عليهم. لم يثبت خلال تاريخ البشرية أن هناك أرضاً غير أرضنا، أو مخلوقات غير مخلوقات هذه الأرض.












هنا صورة















شكل تقريبي يوضح السموات السبع والأرضون السبع وأرضنا مركزها. وواضح من الشكل أن سماءنا هي الدنيا أي رقم 1حتى السماء السابعة آخر سماء. أما أرضنا فهي الأرض السابعة، بينما أرضيه السماء السابعة هي الأرض الأولى. فعندما نعد السموات نبدأ من أسفل ونصعد. وعندما نعد الأرض نبدأ من الأرض العالية وننزل للأرض السفلى. والأرضيات العليا عليها الملائكة والسفلي عليها الجن والإنس.

نظرية تمدد الكون
يرى التجريبيون - ومن ورائهم علماؤنا - أن المجرات حدثت منذ عشرين ألف مليون سنة نتيجة دوى (انفجار) هائل وبشيء أقرب إلى السباق، من نقطة بدء واحدة ومن مادة واحدة، ضغطت بشدة حتى صارت كرة واحدة ساخنة للغاية. ثم حدث الدوي الهائل الذي أطلق المادة في كل الاتجاهات. ثم بردت المادة بمرور الوقت. وتكونت هذه المجرات التي ما زالت تسرع وتبتعد، لذلك فالكون يتمدد ويتوسع.
وتخيلوا لهذا الغرض بالونا من المطاط توجد نقاط مطبوعة على سطحه، فإذا بدأت في نفخه بالتدريج يتمدد سطحه إلى أحجام أكبر وأكبر، وتتباعد المسافات بين كل نقطة والأخرى باستمرار بحيث تصل إلى مرحلة معينة ثم تعود إلى الانكماش مرة أخرى.
يقول (جورج جاموف) في كتاب (بداية بلا نهاية) وهو أحد أشهر علماء الفيزياء في القرن العشرين (1904: 1968) يقول هذا التجريبي عن ظاهرة التمدد هذه.
" بدراسة الأطياف الصادرة عن هذه المجرات البعيدة لاحظ علماء مرصد (ولسون) ومعهم (هابل) أن خطوط الطيف تنحاز قليلا نحو الحد الأحمر من هذا الطيف، وأن هذه الإزاحة المعروفة (بالإزاحة الحمراء) تكون أقوى في المجرات البعيدة، ووجد في الحقيقة أن الإزاحة الحمراء في المجرات المختلفة تتناسب طردياً مع بعد المجرة عنها.
وأنسب تفسير لهذه الظاهرة أن نفترض أن كافة المجرات تبتعد عنا بسرعة كبيرة تتزايد كلما زادت المسافة بيننا وبينها.
وهذا التفسير يعتمد على ما يطلق عليه (ظاهرة دوبلر) وهي تجعل الضوء الآتى إلينا من مصادر تبتعد عنا يغير لونه نحو الإتجاه الأحمر من الطيف".
ثم يتساءل (جاموف):" والآن نستطيع ان نسأل أنفسنا عن القوى المسئولة عن تمدد الكون؟ وهل سيتوقف هذا التمدد؟ وهل سيتحول إلى انكماش؟ وهل هناك احتمال في أن كتل الكون المتمدد سوف تنقلب علينا وتضغط نظامنا (درب التبانة) ونظامنا النجمي والشمسي والأرض والبشر عليها إلى فقاعة ذات كثافة نووية.
وفقا للاستنتاجات المعتمدة على أفضل المعلومات المتاحة نستطيع أن نقول بأن ذلك يستحيل أن يحدث".
ثم يشكك الرجل في كل ما لديهم من معلومات قائلا:" ووفقا لأفضل المتاح من بيانات عن كتل المجرات يبدو أن الطاقة الحركية للمجرات المتباعدة أكبر بعدة مرات من طاقة الوضع المتبادلة بينها مما يترتب عليه أن هذا الكون سيستمر في التمدد إلى ما لا نهاية دون أن تكون هناك أي فرصة لانكماشه أو تقاربه مرة أخرى".
" ومع ذلك ينبغي أن نتذكر أن أغلب البيانات الرقمية الخاصة بالكون ليست دقيقة تماما بصفة عامة، ومن الممكن أن تسفر الدراسات المستقبلية عن عكس هذا الاستنتاج".
" لكن حتى لو توقف الكون عن التمدد فجأة، وانقلب اتجاه حركته فسوف يكون أمامه بلايين الأعوام قبل أن يحل هذا اليوم الرهيب الذي وصفته الأغنية الزنجية بـ (يوم تتهاوى النجوم) وقبل أن تسحقنا السماء المنهارة".
وصدق الله إذ يقـول إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا (6) وَنَرَاهُ قَرِيبًا (7) يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ (المعارج). ويقول فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ (Cool وَإِذَا السَّمَاءُ فُرِجَتْ (9) (المرسلات) وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ (2) وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَت(3) (التكوير) فهذا قول الله وليس الأغنية الزنجية.
أرأيتم أيها السادة علماء المسلمين ماذا يقول الذين تتبعونهم. وعلى كلٍ، فالتجريبي الذي قال هذه المقالة والذي لا يعترف بإله لهذا الكون، ولا يعترف باليوم الآخر هو في كل ما قال (يفترض) ولا يثبت، ولا يزعم ذلك الإثبات. أما علماؤنا الأجلاء، فلم يردوا هذا الكلام ولم يدحضوه، ولم يعرضوا كلمة الله في هذا الكون، إنهم لم يفعلوا ذلك وليتهم سكتوا، بل المفجع أنهم شهروا أقلامهم للدفاع عن هذه الأقوال الكافرة بالله واليوم الآخر، وليس هذا فقط بل إنهم يعتبرون ما قاله التجريبيون هو الحق، وليس مجرد افتراض. ثم يصلون إلى آخر مطافهم - وسيسألون عن ذلك - إلى تأكيد افتراءاتهم بآيات القرآن.
وإليكم أمثلة:
الداعية الإسلامي الشيخ"عبد المجيد الزنداني" في كتاب (توحيد الخالق) قال:" قرر علم الفلك الحديث (وانتبهوا إلى: قرر) بأن السماء لا زالت في اتساع دائم في تكوين مـدن نجومية جـديدة باستمرار، أو في تباعد هـذه النجوم باستمرار. ويقول تـعالى وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْيدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ.
وفي كتاب آخر للشيخ يقول" اكتشف علم الفلك الحديث تمدد الكون".
الداعية الإسلامي الشيخ (عبد الرازق نوفل) في كتابه (السماء وأهل السماء):
" أين تبدأ السماء؟ وأين تنتهي؟.. لعل مما يوضح قدر أسرار هذا العمق، ما وصل إليه العلم أخيرا من أن السماء منذ وجدت وهي تتمدد من كل جهاتها وإلى غير حد وأن سرعة اتساع السماء وتمددها تزداد باستمرار.. وما زالت السماء تتمدد وتتسع وبسرعة هائلة تبلغ 14 ألف ميل في الثانية وقد ظلت على هذا الاندفاع ملايين الملايين من السنين، وما زالت تندفع في السماء دون أن تصل إلى حافتها.. فأين نهايتها؟ ويقول القرآن الكريم عن هذه الحقيقة العلمية وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْيدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ".
الداعية الإسلامي الشيخ" ابن خليفة عليوي" ذكر في كتاب (سبعون برهانا علميا على وجود الله) ما ذكره التجريبيون عن تمدد الأجرام السماوية في الفضاء وسرعة تمددها قال:" لو كان الكون أزلياً كما يدعون من قبل لما كان قابلا للتمدد والتغيُّر باستمرار، ولما لم يكن كذلك كان الكون حادثاً وكل حادث لا بدله من محدث وليس ذلك المحدث إلا الله تعالى القائل في محكم آياته: وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْيدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ".
وحتى لا نطيل نكتفي بهذا القدر من أقوال علمائنا الأجلاء، ولا أظن أن هناك مخالفا لما يقولونه وآية ذلك ما نختم به هذا الأمر بما ورد من تفسير (المنتخب) الذي أعده لجنة من كبار علماء الإسلام بجمهورية مصر العربية. قال المؤلفون عند قوله تعالى وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْيدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ تشير هذه الآية إلى أن التوسعة مستمرة على الزمن، وهو ما أثبته العلم الحديث أيضا وعرف بنظرية التمدد التي أصبحت حقيقة علمية في أوائل هذا القرن. وحاصلها أن السدم خارج المجرة التي نعيش فيها تبتعد عنا بسرعات متفاوتة بل إن الإجرام السماوية في المجرة الواحدة تبتعد بعضها عن بعض" أ. هـ.
حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ. قبل أن نذكر رأي القرآن والسنة وعلماء الأمة – قبل عصر الإلحاد – أذكر بأن (جورج جاموف) التجريبي الذي ذكرنا قوله عن التمدد، يفترض هو وزملاؤه ولم يقل الرجل (ثبت علميا) أو (قرر العلم) أو (حقيقة علمية).
ويؤكد تجريبي آخر بأن هذا مجرد فرض، بل إنه لا يعترف به فيقول" دونالد روبرت كار" (دكتوراه في الطبيعة):" أما الرأي الذي يقول بأن هذا الكون دوري، أي أنه ينكمش ثم يتمدد، ثم يعود فينكمش مـن جديد... ألخ، فإنه رأي لم يقم على صحته دليل، ولا يمكن أن يعتبر رأيا علميا، بل مجرد تخمين. ومن ذلك نرى أن القول بأن للكون بداية يتفق مع مـا جاء مثلا في الإنجيل" لقد خلق الله في البداية السموات والأرض" وهو رأي تؤيده قوانين الديناميكا الحرارية والأدلة الفلكية والجيولوجية".
لقد كان هذا الرجل أمينا مع الناس، مؤمنا بدينه، ورفض الافتراضات العلمية، لأن في إنجيله آية تقول:" لقد خلق الله في البداية السموات والأرض".
أما علماء القرآن الأجلاء فإننا نذكرهم بسبع آيات لا ثامن لها تقرر أن السموات، لم تعد دخانا كما كانت وإنما تحولت إلى بناء متين بناه الله بيده بناءً بلغ من قوته ومتانته أن الله تعالى جعله من غير أعمده أو أن له أعمدة ولا نراها كما فسرها ابن عباس ولنر هذه الآيات السبع التي لم يذكر في القرآن أن الله تعالى بنى شيئا غير هذه السموات السبع:
1- وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا (الشمس:5)
2- أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمْ السَّمَاءُ بَنَاهَا (النازعات:27)
3- وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا (النبأ:12)
4- أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا (ق:6)
5- وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْيدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ (الذاريات:47)
6- الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الأرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً (البقرة:22)
7- اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الأرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً (غافر:64).
وعلى ذلك فالسماء مبنية، البناء المعروف في الذهن: لبنة لبنة. ففي الآية الأولى يقسم تعالى أنه بنى السماء، وفي الآيتين الأخيرتين يخبر بأنه تعالى جعل الأرض قرار وأساسا وقاعدة لهذا البناء.
والآية الثانية تقرر أن بناء السماء أشد من خلق كل الناس، فإذا كان الناس من القوة بحيث لا يبعثروا في الأرض، بل هم يتحركون بهدف، وبقدر، وهم جميعا إنما يدورون بين أماكن معيشتهم ومستقراتهم، فإذا كانوا هم كذلك، فالسماء أشد منهم.
أما الآية الثالثة فهي تقرر أن فوقنا سبع سموات، شدت وقويت حتى إنها من شدتها وقوتها، لا تحتاج إلى أعمدة. بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا (الرعد:2) وهي إذا كانت سبعاً فبعضها فوق بعض فكيف تتمدد السموات السبع؟ لأنه من المفهوم أن السماء الدنيا إذا تمددت واتسعت فإن السماء الثانية سيكون لها ذلك.. وهكذا كل السموات. وكيف تستقر الملائكة في السماء وهي تتمدد بهم وتسرع في التوسع؟
ثم إن الله تعالى يلفت نظرنا إلى السماء فوقنا هل يحدث بها أي تغيير عما كانت عليه؟ إن شكل السماء كما هو منذ عهدناها صغارا وتغيرنا نحن وكبرنا وتمددنا وتبدلنا ولم تتغير هي ولم تتمدد لأنها عندما تتمدد فيكون ذلك قيام الساعة يَوْمَ تَمُورُ السَّــــمَاءُ مَوْرًا ( الطور:9) ولو حدث تمدد لحدث لها تشقق والله تعالى ينفي عنها ذلك فيقول فَارْجِعْ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ (3) ثُمَّ ارْجِعْ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ (الملك:4) وعندما يحدث في السماء فطور، أي تشقق فاعلم أنها القيامة. إِذَا السَّمَاءُ انشَقَّتْ (الانشقاق:1).
وقد نسى علماؤنا أن التجريبيين الذين يتبعونهم لم يقولوا أبدا بتمدد السماء واتساعها وإنما يقولون بتمدد وانكماش النجوم وفرق بين السماء وأجرامها التي أودعها الله فيها دون انفجار ودون دمار.
ثم إن النجوم والقمر والشمس نراها كل يوم وليلة ولا يحدث تغيير في مواضعها منذ أن خلقها الله، وقد أخبر بذلك أهل الفلك لدى الحضارات القديمة أنها نفس النجوم ونفس المطالع ونفس المواعيد، لم تتغير ثانية واحدة.
نأتي إلى معنى الآية التي يلفقونها لتطابق مع أقوال التجريبيين:
وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْيدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُون (الذاريات:47).
لا يوجد تفسير واحد من التفاسير يقول بأن معنى الآية: أن السماء تتمدد حتى تفسير المنتخب لمجمع البحوث الإسلامية بالقاهرة فإنه عند شرح الآية يقول:" والسماء أحكمناها بقوة. وإنا لقادرون على أكثر من ذلك" إنه نفس تفسير السلف ولا غبار عليه، فكيف بعد ذلك يعلقون على هذا الشرح بما ينفيه لأن التمدد والتوسع الذي قالوا به خلاف (الإحكام والقوة) الذي فسروا به.
يقول (ابن كثير) في تفسيره لهذه الآية: وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا جعلناها سقفا محفوظاً رفيعا بِأَيْيدٍ بقوة وَإِنَّا لَمُوسِعُون قد وسعنا أرجاءها ورفعناها بغير عمد حتى استقلت كما هي.
وهكذا تتفق كل التفاسير على هذا المعنى الذي ينفي أي تغيير في السماء. وكيف يكون ذلك وكل قوانين الكون ثبتها الله لينتفع الناس بما في الكون يقول تعالى وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِر ولو تخيلنا تغير درجة غليان الماء لأكثر من مائة درجة أو أقل. ماذا سينتج عن ذلك؟ ماذا لو تغيير قانون ونظام الطفو في الماء ولو تغيير نظام التبخير والتكثيف، وقانون الاحتكاك للأرض، وقانون التعادلية بين النسل للحيوانات والتعادلية بين الأكسجين والكربون من الإنسان والنبات إلى آخر القوانين؟ إن الكون بذلك سينفرط عقده. تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا. أليس الله تعالى يقول إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَــوَاتِ فكيف تتفلت السماء وتهرب من إمساك الله لها إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَــوَاتِ وَالأرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ (فاطر:41).
النظرية الإسلامية والنظريات المعاصرة



أدخل عنوان بريدك الإلكتروني هنا يصــــلك كل جديــــد





بلغ الادارة عن محتوى مخالف من هنا ابلغون على الروابط التي لا تعمل من هنا



توقيع : manel


التوقيع



قصة الخلق من العرش إلى الفرش  story of Creation By Eid Wardany Emptyالجمعة 25 يناير - 22:34
المشاركة رقم: #
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
عضو الجوهرة
الرتبه:
عضو الجوهرة
الصورة الرمزية


البيانات
عدد المساهمات : 17945
تاريخ التسجيل : 17/10/2012
رابطة موقعك : ورقلة
التوقيت

الإتصالات
الحالة:
وسائل الإتصال:


مُساهمةموضوع: رد: قصة الخلق من العرش إلى الفرش story of Creation By Eid Wardany



قصة الخلق من العرش إلى الفرش story of Creation By Eid Wardany

هذه هي النظرية الإسلامية، وهي الحقيقة العلمية، والتي تختلف تماما، جملة وتفصيلا عن النظريات الكونية الحديثة، والتي وضعها رجال لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا بأي كتاب سماوي وهذه النظريات المخالفة رغم أنها وجهات نظر لم تثبت علميا، ولا يدعي أصحابها ذلك، إلا أنها أخذت صفة الحقيقية العلمية التي لا تقبل النقض، واعتمدها علماؤنا لتدرس، ووافق علماء الشرع على هذا النهج، بل وأيدوا ذلك بآيات قرآنية، ونسخ العمل بكل ما قلنا من حقائق الكتاب والسنة، ولم يعد يدرج ما قاله الله ورسوله من أمور متعلقة ببدء الخلق بين النظريات، وأصبحت الآيات والأحاديث التي تنص على ذلك من التراث شأنها شأن ليالي ألف ليلة وليلة، وحكايات أبو زيد الهلالي، وأغاني الأصفهاني سواء بسواء لا تفرق عنها في شيء إلا أن آيات القرآن يتبرك بها بالقراءة، ويتعبد بها في الصلاة.
أما أن يدرس على طلاب العلم آيات الله في الكون بديلا عن نظريات التجربيين، فهذا ما لا يكون. أيستبدلون نظرية تكوين الأرض التي تقول أن الأرض تكونت في خمسة بلايين من السنين بقول الله خَلَقَ الأرْضَ فِي يَوْمَيْنِ؟ وأنها ظلت بليون عام آخر حتى بردت وأصبحت بحالتها الراهنة ويأتون بقول الله وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ؟
لقد رأينا مدى الجهالة والعمى فيما يقوله التجريبيون من أقوال لا يقبلها العقل السليم. فأي عقل هذا الذي يقبل القول بأن الأرض جزء من الشمس؟ وإن كانت كذلك فلماذا بردت الأرض ولم تبرد الشمس؟ وأي نجم ذلك الذي انفجر فخرجت منه هذه الكواكب التي يختلف كل كوكب منها حجما وشكلا وسرعة واتجاهاً عن الآخر؟ وكيف أصبحت الأرض بهذه الصورة البديعة المتناسقة، المتناسبة وبهذا التقسيم وهذا البسط وهذا التناسق وهذا التمهيد وهذا التنوع مما لا يوجد في سائر الكواكب التي تكونت كلها من أصل واحد؟
وكيف أتت البحار إلى الأرض دون سائر الكواكب وكيف جرت الأنهار عليها بهذه الصورة؟ وكيف رست فيها الجبال دون غيرها؟
لماذا هي من بين جميع الكواكب التي يحدث لها ذلك وأصلهم جميعاً واحد؟ أيقتنع رجال الكنيسة بذلك؟ أيعتقد علماء الإسلام بهذا؟ أيؤمن أحبار اليهود بهذا الهراء؟ إن كانوا جميعا يقتنعون ويعتقدون ويؤمنون بهذا، فإنهم والله للكفر أقرب منه للإيمان. وإن لم يكونوا كذلك فلماذا يسكتون؟ لم لا ينطقون؟ لم لا يصححون؟ أيقول الله بأنه طحى الأرض وقسمها، ويقولون بل هي التي تزحزحت.. ويسكتون؟ أيقول الله أن هذه الجبال أتت للأرض مِنْ فَوْقِهَا وألقيـت فيها ويقولون بل تكونت الجبال من باطن الأرض.. ويسكتون؟
أيقول الله أنه أودع في الأرض معايش أهلها وأقواتهم، ويقولون أن هذه ثروات طبيعية أتت بها الطبيعة، وتحللت في باطنها بعض الكائنات على مدار بلايين السنين وكونت بترولا وفحما وغير ذلك ويسكتون؟
هل هذا هو الإيمان الذي يريده الله من المؤمنين؟ وهل هذه هي العبودية التي يريد الله أن يتعبدوه بها؟
إذا كان الأمر كذلك فقد كان أبو جهل وأبو لهب أعبد منهم جميعا إن قالوا بذلك، وقد كانا يؤمنان بالله وبخلقه لكل شيء وبقدرته على كل شيء وبتدبيره لكل شيء يقول تعالى: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَــوَاتِ وَالأرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّا يُؤْفَكُونَ (61) اللَّهُ يَبْسُطُ الـرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عـِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (62) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ (العنكبوت).
اللهم إني أبرأ إليك مما يقولون وأشهد أن ما قلته هو الحق، وأن ما يقولونه هو الضلال المبين. وصدقت إذ قلت: مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَــوَاتِ وَالأرْضِ وَلا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا ) الكهف:51).

غيب السموات والأرض
دائما ما ينظر الناس إلى السماء ـ إذا نظروا ـ على أساس أنها المجهول واللانهائية والتيه، والغموض والأسرار، والإبهام، وكل ما يمكن أن يقال من قاموس اللغة، في هذا الشأن، وهذه ليست نظرة إيمانية، بل إنها نظرة تشككيه، نظرة من لا يلتزم بدين ولا يتبع آيات.
إن المؤمن له نظرة غير هذه، نظرة الموصول بالله، خالق السموات والأرض، المرتبط بالوحي، والتابع للأنبياء والرسل اللذين رأوا ملكوت الله إما رأي العين، وإما بإخبار الله لهم والثانية لا تقل صدقا عن الأولى.
والمؤمن بالقرآن وبأنه منزل من عند الله. وبأن آياته احتوت على تفاصيل كل شيء في هذا الكون، ويؤمن بنبوة محمد  الذي توفي وما طائر يقلب جناحيه في السماء إلا ذكر لأمته منه علماً، الذي بيًن كل شيء لأن هذه كانت مهمته وذلك كان واجبه، يعلم أن الله تعالى قد بين وفصل ما في السموات وما في الأرض سواء في خلقهما أو ما فيهما من آيات، ومن ثمً فلا يوجد في خلق السموات أو الأرض غيب مهما كان. وإلا ما كان الله ليأمر عباده بقوله انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَــوَاتِ وَالأرْضِ (يونس:101) إذا كان ما فيهما مجهول وغامض وغيب وسر. بل إنها آيات واضحة بينة.
ولقد أنفق في سبيل استكناه ما سموه بالغموض بلايين الجنيهات، مما كان يكفي لإشباع قارة جائعة لعدة أعوام، وهلك من الرجال والنساء والدواب ما هلك. ولأن الله قد حكم عليهم بالجهل فإنهم لم يعلموا، ولن يعلموا شيئا.
قال تعالى سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِي الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ (الأعراف:146).
فأنى لهؤلاء أن يقفوا على آيات الله وقد صرفهم الله عنها، مهما ذهبوا في الفضاء ومهما دخلوا في الأشياء، فإنهم مصروفون عن العلم، والذين يعطيهم الله من فضله صنف محدد معلوم. وهم المتقون وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (البقرة:282) قَدْ بَيَّنَّا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ  (البقرة:118) أما غيرهم فلا سبيل لهدايتهم لآياته إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ (الزمر:3) .
فهل يعقل أن يأخذ المؤمنون ممن ختم الله على قلوبهم وعلى أسماعهم وعلى أبصارهم، كيف ننتظر من هؤلاء نورا وهم يعيشون في الظلمات؟ بل كيف ننتظر منهم علما وقد حكم الله عليهم بالجهالة؟ أم كيف ننتظر منهم هدىً وهم الذين اختاروا لأنفسهم الضلالة.
ووالله ما علم رواد الفضاء في كل رحلاتهم، وبكل محاولاتهم عن النجوم مثلما علم الأعرابي البدوي، البسيط، الذي لا يجيد قراءة ولا كتابة. ووالله ما خرج رواد الفضاء بعد كل ما فعلوه بأي جديد يفيد الإنسان، لأن الله تعالى قضى بأن لا يعلمهم وأن لا يفقههم، وأنه تعالى يصرفهم عن آياته، فمهما حاولوا لن يصلوا إلى شيء إلا بإذن الله.
وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلا بِمَا شَاءَ (البقرة:255).
وليجب على هذا السؤال أي واحد من علماء الفلك: ماذا تعلمتم من رحلات الفضاء وما نتيجة كل أبحاثكم عن الكون؟؟
إنني على يقين أنهم لم يصلوا إلى شيء ولن يصلوا. لأن الإجابة الصحيحة أنهم لم يتعلموا شيئا. وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ (النور:39).
إنهم يلهثون وراء سراب، لن يصلوا إلى شيء، حتى إذا ما جاءوا إلى ما ظنوا أنه علم، إذا به سراب. ولكن الله فضلا عن أنه يصرفهم عن آياته فإنه تعالى يستدرجهم من حيث لا يعلمون وهو تعالى يملى لهم.
يقول كبيرهم السير" جيمس جينز" في كتابه (النجوم ومسالكها) عما وصلوا إليه:" أبعد ما توصل إليه العلم الفلكي الحديث (وانتبهوا أيها السادة إلى هذا التلخيص الهام لأبعد ما توصلوا إليه):
(1) الأرض ليست إلا فردا من أفراد المجموعة الشمسية.
(2) الأسرة الشمسية ليست إلا فردا من أفراد المجموعة المجرية.
(3) المجموعة المجرية ليست إلا فردا من أفراد المدن النجمية التي في
الفضاء".
ثم يضيف الرجل" وإن كان وراء ذلك شيء فلا يمكن أن يكون سوى أكوان أخرى كاملة لا تفاعل بينها وبين كوننا".
فهذا أعظم وأبعد ما توصل إليه العلم، وهي معلومات خاطئة. نعم إن وراء كوننا أكوان وأكوان، سموات بعضها فوق بعض، وفيها ملائكة كرام، وبيننا وبينهم وثائق وروابط وشيجة.
فماذا نأخذ من هؤلاء؟ الظلام، الضلال، السراب؟
أخيرا يقول هذا التجريبي، يأساً مما وصلوا إليه من التيه والضياع" أمامكم عرض كبير من النظريات المختلفة لتختاروا منها ما تشاءون. ولكنى شخصياً لا أضع ثقتي في أي منها".
وهذا الفلكي الأشهر (أدوين هابل) يقول:" وهكذا انتهى استكشاف الفضاء إلى موقف الحيرة والالتباس، فكلما ازداد تقدمنا إلى أعماق الفضاء تضاءلت معلوماتنا فتلاشت سريعا".
آمنت بالله، وصدق الله. أرأيتم ما يقوله كبراؤهم عما توصلوا إليه؟ وماذا يقول كبراؤنا من أتباعهم؟ أنهم وصلوا إلي الحقائق العلمية، والقول الفصل. إن أي كلام يقوله أي واحد من التجريبيين الغربيين حتى ولـو كان فرضا، أو لغوا، أو كلمة هو قائلها، يعتبرها كبراؤنا حقيقية علمية، وإثبات علمي.
هل يعقل أن (هابل) هذا و(جينز) تدرس أقوالهما ونظرياتهما التي يعتبرونها هم:" لا شيء" و" أنهم كانوا في حيرة والتباس" علي طلاب العلم في مدارسنا وجامعاتنا؟
ثبت عن ابن عباس رضى الله عنهما أنه قال:" يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء، أقول: قال رسول الله . وتقولون: قال أبو بكر وعمر". سبحان الله حجارة من السماء؟ لماذا؟ لا حول ولا قوة إلا بالله. لأنهم يقابلون ما يقوله رسول الله  بما يقوله أبو بكر وعمر رضى الله عنهما. وهما لا يقولان ما يتعارض مع قول رسول الله .
فماذا ننتظر نحن من السماء ونحن ندع ما يقوله الله ورسوله، ونقول: قال" نيوتن" قال" أينشتاين"؟.. اللهم عفوك فَلْيَحْذَر الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (النور:63).
إن الله تعالى الـذي أنـزل القرآن لم يترك شيئاً لأن القـرآن تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ (النحل:89) مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ  (الأنعام:38) ففي القرآن كل ما يهمنا أو نحتاج إليه وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (الزمر:27).
أيخبرنا القرآن عن (الحيض) ولا يخبرنا عن الكون؟ أيحدثنا عن (التيمم) ولا يحدثنا عن الشمس والقمر؟ أيخبرنا عن النمل والبعوض ولا يخبرنا عن سكان الكواكب الأخرى إن كانت ! لقد حدثنا القرآن عن كل شيء، تفصيلاً لا يبقى بعده غموض ولا طلاسم. إلا أن هناك أمور اختص الله تعالى بها نفسه لتحقيق الغاية التي خلق لأجلها الخلق، وللدلالة على قدرة الله تعالى ونفاذ مشيئته. وهذه الأمور سماها تعالى (الغيب). وهي في هذا الكون كله خمسٌ فقط. وعلى رغم أهميتها للإنسان إلا أن الله غيّبها عـن الخلق واختص بها نفسه يقـول تعالى في سورة لقـمان الآية (34) إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ.
فالله تعالى وحده عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ فلا يعلم ذلك جبريل أعلم أهل السماء، ولا محمد  أعلم أهل الأرض.
وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ في الأوقات التي جعلها الله والأماكن التي تنزل فيها على من يشاء من عبادة وَيَعْلَمُ مَا فِي الأرْحَامِ من الـذكور والإناث، والصلاح والفساد وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ من النفوس كائنة ما كانت بما فيها الملائكة والأنبياء والجن والإنس  مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا ماذا سيحدث لها غدا وماذا ستكسب من خير أو شر، من كسب الدنيا، أو كسب الدين وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ أي: بأي مكان يقضى عليها بالموت. وهذه الخمس هي التي لا ينبغي لأحد علمها.
عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (الجن:26) وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ (آل عمران:179). وهذا الغيب لا يعلمه أحد ولا ينبغي لأحد وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلا هُوَ (الأنعام:59). وقال تعالى مخبراً عن النبي وَلا أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ (هود:30).
هذا هو غيب السموات والأرض. غير أن لدينا ثلاث آيات يخبرنا الله تعالى أنه أطلع رسوله على الغيب وهذه الآيات هي تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ (هود:49) وردت مرة. وقوله تعالى ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْك وردت مرتان.
وبتدبر هذه الآيات، نجد أن الغيب المقصود هنا ليس غيب السموات والأرض، بل هو غيب الحضور عن أحداث تاريخية لم يكن هو ولا أحد مـن قومه قد حضرها. ولا علم بها من مصدر موثق، وقد كانت الآيات الثلاث يختم بها ثلاث قصص لثلاث من الشخصيات، الأولى عن نوح مع قومه، والثانية عن يوسف مع أخواته، والثالثة عن مريم مع زوج أختها، فهي أحداث حدثت بالفعل وليست من غيب السموات أو الأرض بل هي غيب علي من لم يحضرها أو يعاصرها. لذلك قال تعالى في سورة هود بعد ذكر قصة نوح عليه السلام: تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ (هود:49) وفي سورة يوسف يقول تعالى بعد سرد قصته عليه السلام ذَلكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ (يوسف:102) وفي سورة آل عمران بعد إخبار الله لرسوله عن أمر مريم عليها السلام وكفالة زكريا عليه السلام لها قال تعالىذَلِكَ مِنْ أنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ (آل عمران:44).
لقد بدأت الآية الأولى بكلمة تِلْكَ والأخريان بكلمة ذَلِكَ، ومعروف في علم اللغة العربية أن تلك للبعيد، وذلك كذلك، كذلك فقد كانت أحداث قصة نوح بعيدة جدا فقومه أول قوم أهلكهم الله بذنوبهم، أما يوسف، ومريم فهما أقرب زمنا من نوح كذلك لم يقل تعالى في الآيتين الأخيرتين مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا كما قال في الآية الأولى، بل قال وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ وذلك لأن قصة يوسف يتعلق أمرها باليهود والثانية بالنصارى وقد كان لهما أتباع من اليهود والنصارى أثناء نزول القرآن، ولا يستبعد أن يعلم بأمرهما أحد من قومه، ولكن أن يكون لديهم فهذا مستحيل، لذا أخبر بأمور لا يعرفها أهل الكتاب.
هذا الغيب، كما قلنا غيب الحضور مثل ما قاله تعالى عن الصالحات: فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ (النساء:34) والغيب هنا: غيبة الزوج. وكل ما أوحي لرسول الله  تحت هذا النوع الذي شاء الله أن يعلمه الناس.
وخلق السموات والأرض من النوع الثاني أيضا، فقد أخبر الله تعالى بما حدث في خلقهما مفصلا فقال إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَــوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيات لإولِي الألْبَابِ (آل عمران:190) وقال إِنَّ فِي السَّمَــوَاتِ وَالأَرْضِ لآيات لِلْمُؤْمِنِينَ (الجاثية:3) ومـن هنا نرى أنه ليس في الأمر أسرار، ولا مجهول، يستحق أن يفنى البشر في سبيله المال والجهد والروح.
ولقد قلنا أن أمر الله للناس بالبحث في بدء الخلق كان لغير المؤمنين بالوحي وتوجيه لهم باستقراء الكتاب المنظور والآيات المرئية وهي آيات مباشرة ليس دونها نبي أو رسول، بل هي آيات من الله دون واسطة إن كان في هذه الواسطة عائق - بزعمهم - أو على غير هواهم، أو يجدون في أنفسهم حسداً، أو حرجاً للإيمان بالله عن طريقه أو لأي مبرر يدعونه فقد وجههم الله للكون وما فيه من آيات وهي كما اخبرنا تعالى (في السموات والأرض) وهي أيضا (في خلق السموات والأرض) وهي كلـها لا تحتاج أكثر من النظر، لذلك قال أَفَلَمْ يَنْظُرُوا أما الأمر بالسير قُلْ سِيرُوا فِي الأرْضِ فليس السير للنظر في آيات الكون، لأن آيات الكون في كل مكان  أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ (6) وَالأرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (ق). وإنما كان الحث على السير في الأرض للوقوف على مآل المكذبين من الأقوام وقد كانوا هنا وهناك في مصر الفرعونية، وبابل الآشورية ‎‎‎‎‎‎‎‎‎، والشام الفينيقية، واليمن السبأية، وفي قرى قوم لوط وفي مـدين والحجر والأحقاف... وهـي حولهم في كل مكان وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُمْ مِنْ الْقُرَى وَصَرَّفْنَا الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (الأحقاف:27).
لذلك حث الله المكذبين بالوحي في سبع آيات لا ثامن لها في كل القرآن على السير في الأرض ليروا بأعينهم كيف فعل الله بالمكذبين الذين خلوا من قبلهم، الذين أبقى الله من آثارهم بعد تدميرهم ما يكون به عبرة لمن بعدهم كما قال تعالى عن قوم لوط بعد تدميرهم: وَتَرَكْنَا فِيهَا آيَةً لِلَّذِينَ يَخَافُونَ الْعَذَابَ الألِيمَ (الذاريات:37) وأخبر تعالى أنه نجى فرعون ببدنه فقال تعالى فَاليَومَ نُنَجِيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُوَن لِمَن خَلفَكَ آَيَةً (يونس:92). أما آيات الله السبع التي حثهم فيها على السير فيقول تعالى فيها:
(1) قُلْ سِيرُوا فِي الأرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ (النمل:69)
(2) قُلْ سِيرُوا فِي الأرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ كَانَ أَكْثَرُهمْ
مُشْرِكِينَ (الروم:42)
(3) قُلْ سِيرُوا فِي الأرْضِ ثُمَّ انظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (الأنعام:11)
(4) قُلْ سِيرُوا فِي الأرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النشْأَةَ الآخرة (العنكبوت:20)
(5) فَسِيرُوا فِي الأرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (النحل:36)
(6) فَسِيرُوا فِي الأرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (آل عمران:137)
(7) وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِي وَأَيَّامًا (سبأ:18).
وفي سبع آيات أخر ينكر تعالى عليهم كفرهم بعد سيرهم ورؤيتهم للهالكين من قبلهم بهذا الأسلوب البليغ أَفَلَمْ أَوَلَمْ فيقول:
(1) أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ  (يوسف:19)
(2) أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الأرْضِ (غافر:82)
(3) أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ
دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا (محمد:10)
(4) أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا
فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (الحج:46)
(5) أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ
كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الأرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا (الروم:10)
(6) أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ
وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً (فاطر:44)
(7) أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِنْ
قَبْلِهِمْ كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الأَرْضِ فَأَخَذَهُمْ اللَّهُ
بِذُنُوبِهِمْ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ (غافر:21).
هذه آيات الله تعالى في السماء والأرض وهي مكشوفة واضحة إما بقول الله وإما بترك أثارهم لمن بعدهم، فيكون الماضي كله معروض أمامهم في حاضرهم فلا أسرار ولا غموض في هذا الكون يستره الله عن الإنسان الذي كرمه وميزه وفضله على كثير ممن خلق تفضيلا. حتى التاريخ معروض حولهم في الأرض. حتى المستقبل فقد عرض الله تعالى من أحداثه الكثير وكشف للإنسان ما سيؤول إليه مصيره إن آمن، وما سيؤول إليه إن كذب.
ولم يكلف الله الإنسان بالتعب والنصب للبحث في الكون، وأن يلقى بنفسه في التهلكة، وقد قدم له كل ما يحتاج إليه، وكشف له تفصيلا كيف بدء الخلق، وبين لـه آياته في السماء والأرض. ويكفي الإنسان ليطلع على آيات ربه أن يقرأ آياته المكتوبة، أو أن ينظر في آياته المبثوثة في كل مكان حوله. مجرد النظر، دون تعب ودون كلفه وغـرم. أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ (ق:6) أَوَلَمْ يَنظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَــوَاتِ وَالأَرْضِ (الأعراف:185) قُلْ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَــوَاتِ وَالأَرْضِ (يونس:26).
فالأمر لا يحتاج أكثر من ذلك.
أخبرنا تعالى أنه خلق سبع سموات ومن الأرض مثلهن، ثم أخبرنا بأنه تعالى يعلم غيبهن في سبع آيات لا ثامن لها من كل آيات القرآن، يقول تعالى:
(1) إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَــوَاتِ وَالأَرْض (هود:123) .
(2) وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَــوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأمْرُ كُلُّهُ ( يونس:124)
(3) وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إلا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ
(النحل:77)
(4) قُل اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَــوَاتِ وَالأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ
(الكهف:26)
(5) قُل لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَــوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إلا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُون أَيَّانَ
يُبْعَثُونَ (النمل:65)
(6) إِنَّ اللَّهَ عَالِمُ غَيْبِ السَّمَــوَاتِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (فاطر:38)
(7) إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَــوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (الحجرات:18).
بكل هـذه الصيغ المختلفة (أعلم - عالم - يعلم - لا يعلم إلا هو - له وحده غيب السموات والأرض) يقطع الله تعالى الرجاء في أن يعرف أحد ذرة في هذه السموات أو الأرض إلا بما شاء.
ولا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إلا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَــوَاتِ وَالأرْضَ (البقرة:255) وشاء الله ألا يحيط بعلمه إلا المتقون وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمْ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ.
وهاهي أكبر وكالة فضائية في الأرض (ناسا) التي تصب لها الأموال صبا هل استطاعوا أن يعلموا من كون الله ذرة من علم فوق ما علمه الله تعالى للناس في كتبه؟ إنهم يخدعون شعبهم الذي يمول أبحاثهم بإعلانهم عن كشف جديد بين وقت وآخر، ولو جمعنا كل ما أعلنوه من اكتشافات فـإنه في الحقيقة لن يزن مثقال ذرة. وإنني لأؤكد أن علـماء هذه الوكالة مجتمعين لا يعلمون مـن الفلك والفضاء والنجوم مـا كـان يعلمه راعي غنم بدوي كـان يعيش في صحراء العرب منـذ قرون.
مبدع السموات والأرض وفاطرهما
إن العمارات العظيمة التي أبدعها الإنسان على الأرض، قد يكون لها مصمم وأخر منفذ يشتركان في إيجادها، وعلى قدر روعة التصميم، ودقة التنفيذ، يكون جمال المبنى، وأجمل وأضخم بناء في هذا الوجود هو بناء السموات والأرض.
ولله المثل الأعلى، فقد أخبر تعالى أنه جل شأنه هو الذي أبدع تصميم هذا الكون الفريد (السموات والأرض) فهو تعالى الذي أبدع تشكيلهما بكل ما فيهما من روعة وجمال، وحسن وبهاء، على غير مثال، وهو تعالى المنفذ وحده لما صممه وأبدعه تنفيذا دقيقا بحيث لا تقل إحكام خلق الذرة في الكون عن إحكام خلق المجرة فيه، هذه الدقة التي تجعل كل ما في الكون العظيم يتناغم وينسجم مع بعضه البعض، بحيث لا تصطدم ذرة فيه مع أخرى، ولا نجم مع أخر، ولا يكون فيه خلل أو عيب أو خطأ.
وقد صمم تعالى هذا الشكل الجمالي للسموات على نسق واحد فهن متساويات ومتطابقات، وصمم الأرض تصميماً أخر مخالفاً لتصميم السموات إن هذا التصميم الرائع لكليهما سماه تعالى: إبداعاً، وهذا التنفيذ الدقيق سماه: فطوراً. والبديع والفاطر هما من أسمائه وصفاته عز وجل. فالبديع هو الخالق على غير مثال سابق. والفاطر: هو المنشئ والمنفذ لما أبدعه. لذلك ورد في القرآن أنه تعالى (بديع) مرتين اثنتين فقط، وذكرتا مع السموات والأرض، وذلك لأن كلا منهما كان له تصميم خاص وإبداع منفرد أما (فاطر) فقد ذكرت سبع مرات وذلك لأنه تعالى فطر السموات والأرض ونفذهما وهم سبع سموات ومن الأرض مثلهن.
فقال تعالى عن الإبداع:
(1) بَدِيعُ السَّمَــوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (البقرة:117)
(2) بَدِيعُ السَّمَــوَاتِ وَالأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ
وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (الأنعام:101).
أما عن تنفيذ ما صممه الله تعالى وأبدعه فيقول عز وجل في سبع آيات لا غير
في كل القرآن:
(1) قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَــوَاتِ وَالأرْضِ (الأنعام:14)
(2) فَاطِرَ السَّمَــوَاتِ وَالأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ (يوسف:101)
(3) قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَــوَاتِ وَالأَرْضِ  (إبراهيم:10)
(4) الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَــوَاتِ وَالأَرْضِ (فاطر:1)
(5) قُلْ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَــوَاتِ وَالأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ (الزمر:46)
(6) فَاطِرُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ جعلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنْ الأنْعَامِ أَزْوَاجًا (الشورى:11)
(7) قَالَ بَل رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَــوَاتِ وَالأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُم مِنْ الشَّاهِدِينَ (الأنبياء:56).
وعن أبى حاتم والبيهقي أن عبد الله بن عباس قال: كنت لا أدري ما فاطر السموات والأرض حتى أتاني أعرابيان يختصمان في بئر، فقال أحدهما: أنا فطرتها يقول: ابتدأتها.
آيات خلق السموات والأرض



أدخل عنوان بريدك الإلكتروني هنا يصــــلك كل جديــــد





بلغ الادارة عن محتوى مخالف من هنا ابلغون على الروابط التي لا تعمل من هنا



توقيع : manel


التوقيع



قصة الخلق من العرش إلى الفرش  story of Creation By Eid Wardany Emptyالجمعة 25 يناير - 22:35
المشاركة رقم: #
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
عضو الجوهرة
الرتبه:
عضو الجوهرة
الصورة الرمزية


البيانات
عدد المساهمات : 17945
تاريخ التسجيل : 17/10/2012
رابطة موقعك : ورقلة
التوقيت

الإتصالات
الحالة:
وسائل الإتصال:


مُساهمةموضوع: رد: قصة الخلق من العرش إلى الفرش story of Creation By Eid Wardany



قصة الخلق من العرش إلى الفرش story of Creation By Eid Wardany

(6) خَلَقَ السَّمَــوَاتِ وَالأرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهـَارَ عَلَى اللَّيْل وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ (الزمر:5)
(7) وَخَلَـقَ اللَّهُ السَّمَــوَاتِ وَالأرْضَ بِالْحـَقِّ وَلِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (الجاثية:22).
ومن إعجاز القرآن في ذكر الرقم (7) أنه ذكر ما في السموات وما في الأرض من آيات متنوعة فجمع كل نسق مترابط مع بعضه بعضا برابط معين في سبع آيات.
فمثلاً نجد أن الله عز وجل ذكر خلق السموات والأرض بلفظ (خلقنا) في سبع آيات وذكر تعالى لفظ (خلْـق) بتسكين اللام في سبع آيات أيضا، كما أورد تبارك وتعالى إقرار الكافرين بأنه تعالى خلق السموات والأرض في صيغ كهذه وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأرْضَ أو كهذه أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأرْضَ بنفس العدد (7). وأورد لفظ (خلَـق) بفتح اللام ومع كل آية معلومة جديدة في آيات (7) ثم لأنه تعالى رب السموات السبع والأراضين السبع ولا رب لهما سواه فقد وردت رَبُّ السَّموَاتِ وَالأرْضِ 14مرة فقط في كل القرآن الكريم.
وهكذا.. تتناسب آيات السموات والأرض وهي تبلغ أكثر من نصف ألف آية بحيث تتناغم كل (7) آيات لعلم من العلوم، لأنه تعالى أحكم آياته، وكما جعل الله آياته في الكون سبعا، فقط جعل لهذا الرقم آية في كتابه. والتي ينبغي على علماء المسلمين أن يبحثوا في كتابه تعالى وفي كونه إن أرادوا، ولا يتركوا آيات الله في كتابه دون تدبر ولا اتباع، ويتركوا آياته في كونه دون بحث واطلاع، تاركين البحث فيها للتجريبيين وحدهم، معلنين استسلامهم التام لكل ما يقولونه وكل ما يفترضونه بإسلوب مخزٍ، قانعين في خنوع بأن يكون لهم دور الذنب، بينما يريد الله لهم أن يكونوا شهداء على الناس.
أيام الخلــق
تنص الكتب السماوية صراحة على أن الخلق تم في ستة أيام. لكن النظريات المعاصرة، تخالف ذلك مخالفة فجة حيث يقدرون أن الكون تكون - وليس خلق - في بلايين السنين، وما يدفعهم لهذا التقدير، أن هذا الكون تكون من تلقاء نفسه وليس بفعل قوة قادرة، آمرة، عالمة، حكيمة، فكان لا بد لكي يصل الكون إلى هذه الحالة التي هو عليها الآن أن يمر بعدة مراحل تستغرق بلايين السنين.
(أحمد بن تيمية) و(مصطفي إبراهيم فهمي) نموذجان عربيان، الأول منحه علماء عصره لقب (شيخ الإسلام). والثاني منحه علماء عصره لقب (دكتور). يقول ابن تيمية معبرا عن الحقيقة الإسلامية:" وأهل الملل متفقون على أن الله خلق السموات والأرض في ستة أيام. وخلق ذلك من مادة كانت موجودة قبل هذه السموات والأرض وهي الدخان. كما قال تعالىثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ وهذا الدخان هو بخار الماء الذي كان حينئذ موجودا. كما جاءت بذلك الآثار الواردة عن الصحابة والتابعين وكما دل أهل الكتاب، وتلك الأيام لم تكن مقدرة بمقدار حركة هذه الشمس وهذا الفلك فإن هذا مما خلق في تلك الأيام، بل تلك الأيام مقدرة بحركة أخرى".
أما دكتور (مصطفي إبراهيم فهمي) فيقول معبرا عن النظريات المعاصرة:
" إن كوكبنا بدأ بالانفجار العظيم، الـذي حـدث منذ مـا يقرب مـن عشرة بلايين سنة (10000000000000 سنة) ولـم تتكـون المجموعة الشمسية إلا منـذ خمسة بـلايين سنـة (5000000000000 سنة) ولم يبدأ ظهور الحياة إلا بعد مرور بليون سنة أخرى وتزيد.
ثم حـدث تطور بيولوجي بطيء من الكائنات البسيطة الأولى وحيدة الخلية ولم تظهر الكائنات المركبة متعددة الخلايا إلا منذ (600000000 سنة)، وأخيرا منذ فتــرة تحسب بالآلاف لا غير ظهر الإنسان العاقل".
وعلى قول الدكتور فالأرض لم تخلق كما قال الله وأخبر رسوله وأجمع علماء الأمم واتفق أهل الملل في ستة أيام، اختص الأرض منها أربعة أيام فقط بل تكونت الأرض خلال عشر بلايين سنة.
فمن نصدق؟؟
إنني أصدق الله... وأصدق رسوله... وأصدق التوارة والإنجيل والقرآن. أما علماء الأرض الآن جميعا فهم يصدقون ما يقوله الدكتور مصطفي لا لشيء إلا لأنها نظرة الأسياد والكبراء الغربيين للكون. وهذه النظرية هي المعتمدة علميا والتي تدرس لطلاب العلم.
أما (موريس بوكاي) وهو عالم مؤمن فقد حاول أن يوفق بين ما يقوله الله وبين ما يقوله التجريبيون، وقال بأن كلمة الأيام التي ذكرها القرآن لا تعنى اليوم المعروف لنا وإنما تعنى مراحل، وخطأ الأستاذ كلمات التوراة التي تنص صراحةً أنها أيام كأيامنا.
وللمرة الثانية أقول بأن الأستاذ بوكاي هو الذي أخطأ الفهم، ولم تخطئ التوراة في هذا الأمر، كما أن القرآن لم يقصد بكلمة (أيام) أنها مراحل. ولا نجد مبررا لأن يستبدل الله كلمة مراحل بكلمة أيام، وكأن هذه الكلمة كانت غائبة عن علم الله جل شأنه. إن القرآن استخدم كلمة الأطوار في خلق الإنسان لأن الأمر كان كذلك، ولم يستخدمها لخلق السموات والأرض لأنها لم تكن كذلك. قال (موريس بوكاي):" يقول القرآن ضمناً بفترات زمنية طويلة رقمها بالعدد 6 ولا شك أن العلم الحديث لم يسمح للناس بتقرير أن عدد المراحل المختلفة للعمليات المعقدة التي أدت إلى تشكيل العالم هو ستة مراحل، ولكنه أثبت بشكل قاطع أنها فترات زمنية طويلة جدا، تتضاءل إلى جانبها الأيام كما نفهمها وتصبح شيئا تافها".
إذن فبوكاي يرى أن الأيام هنا لا تعنى اليوم الذي نعرفه، ولا حتى اليوم الذي قال عنه البعض أنه بألف سنة، لأن التجريبيين قالوا فيها أن الفترة كانت بلايين السنين، والمشكلة أيضا أن العلم الحديث لم يقل بأنها حتى 6 مراحل، بل قال ببلايين السنين.
مقدار الأيام
من وجهة نظر الدين فلا خلاف أن السموات والأرض خلقتا في ستة أيام غير أن هناك من يقول بأنها ليست أياما بقدر أيامنا هذه المعروفة. ولكن يرى جمهور علماء المسلمين أن هذه الأيام بقدر أيامنا هذه، وإن لم يكن الشمس ولا القمر قد وجدا بعد.
أما القائلون بأنها أيام غير أيامنا هذه فهم يحتجون بأن هذه الأيام مقدرة بحركة الشمس حول الأرض، والشمس خلقت بعد الأرض. وهو رأي له وجاهته. بخلاف القول بأن الأيام هي مراحل أو أطوار فقول بلا دليل. فضلا عن مخالفته الصريحة للنص، لذلك فلن نلتفت إلى هذا القول.
وحتى نرجح أحد الرأيين لابد أن نعود - كما تعودنا - للقرآن والأحاديث فبنفس طريقة القرآن المعجزة، ذكر الله تعالى أيام الخلق في (7) آيات فقط لا ثامن لها، حيث ذكر تعالى في هذه الآيات السبع أنه خلق السموات والأرض في ستة أيام:
(1) إن رَبَّكُمْ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَــوَاتِ وَالأرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ (الأعراف:54)
(2) إِنَّ رَبَّكُمْ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَــوَاتِ وَالأرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الأمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إلا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ (يونس:3)
(3) الَّذِي خَلَقَ السَّمَــوَاتِ وَالأرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا (الفرقان:59)
(4) اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَــوَاتِ وَالأرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ (السجدة:4)
(5) وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَــوَاتِ وَالأرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا (هود:7)
(6) وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَــوَاتِ وَالأرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ (ق:38)
(7) هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَــوَاتِ وَالأرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنْ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَاكُنْتُمْ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (الحديد:4).
قبل البحث عن مقدار الأيام الستة نسجل بعض الملاحظات على الآيات:
1 – إن الآيات السبعة ذكر فيها خلق السموات والأرض في ستة أيام.
2 - في ست آيات منها يذكر العرش، وفي خمس آيات من هذه الست يذكر تعالى الاستواء عليه. وفي الآية السادسة يذكر أن العرش كان عند خلق السموات والأرض على الماء. وفي حديث لابن عباس يذكر أن الماء محمول على متن الريح، كما أن لفظ الاستواء هنا يذكر على أنه تم بعد خلق السموات والأرض لقوله تعالى ثُمَّ وهي للترتيب الزماني.
3 - في الآية السابعة التي لم يذكر فيها العرش ذكر الله تعالى أنه لم يمسه مِنْ لغُوبٍ واللغوب يعنى التعب والنصب. وذلك ردا على ما ذكره مؤلف النص الكهنوتي للعهد القديم أن الله تعالى خلق السموات والأرض في ستة أيام واستراح في اليوم السابع، فنفي تعالى عن ذاته اللغوب (مجرد المس) فهو تعالى القادر على كل شيء، والذي لا يعجزه شيء، فقال: وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ ولم يذكر في هذه الآية التي تنفي التعب والنصب عن الله (الاستواء على العرش) حتى لا يتبادر إلى الذهن أنه تعالى استوى على العرش من التعب والنصب.
كذلك ذكر في هذه الآية لفظ (خلقنا) بصيغة الجمع وليس خلق لتوحي بعظمة الله تعالى لفظ الجمع إذا ذكر في حق الله فإنه يعني العظمة والكبرياء أما في حق العبد فيعنى التواضع.
كرر في السبع أنه تعالى خلق السموات والأرض في ستة أيام للتأكيد على المدة والمقدار. وأن كان الحق ليس في الآيات أي تكرار لأنه تعالى في كل آية يمن على عباده بعلم جديد من عنده عن خلق السموات والأرض لم يذكره قبل ذلك.
نأتي لمقدار هذا اليوم: فالجمهور على أنه كيوم من أيام الدنيا، والبعض على أنه يوم من أيام الآخرة التي مقدارها ألف سنة، فيكون الخلق قد استغرق 6000 سنة. وقول الجمهور هو الأولى والأصوب، ويؤيده القرآن والسنة والكتاب المقدس، أما القول الآخر فلا حجة له إلا أن الشمس لم تكن موجودة أثناء خلق السموات والأرض كمـا يستدلون بالآية: َإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (الحج:47).
إن تكرار مدة الخلق وأنها ستة أيام، في أكثر من آية (7 آيات)، وكون المخاطبين أمة أمية، وكـون الآيات لم تبين مقدارها ببيان آخر، خاصة وفي أمر آخر متعلق بزمن حدد تعالى أنها مِمَّا تَعُدُّونَ مما يعد منطبقا علي أي زمن يذكر، يعطى انطباعا أنها أيام قدر أيام الدنيا، خاصة والمخاطبين لا يعرفون غيرها.
ولم يقل أحد مـن علماء التفسير أن هـذا اليوم محدد بالشمس، يقول ابن تيمية:" وتلك الأيام لم تكن مقدرة بحركة هذه الشمس وهذا الفلك، فإن هذا مما خلق في تلك الأيام، بل تلك الأيام مقدرة بحركة أخرى".
ذلك أن مقدار اليوم لا تحدده الشمس بل حدده الله تعالى، وقبل خلق الشمس بل وقبل خلق السموات والأرض، وقد كتب الله تعالى هذا المقدار في الكتاب الذي عنده فوق العرش، إذن فمقدار اليوم محدد كما هو الآن قبل خلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة. كما ورد في حديث بدء الخلق.
إن الشمس بالنسبة لليوم هي فقط علامة ودليل على بدايته ونهايته، تماما مثل (ساعة اليد) التي تبين الوقت وأصبحت منتشرة، إن هذه الساعة لم تصنع بالصورة التي هي عليها الآن إلا منذ بضع سنين فهل كان اليوم قبل اختراع هذه الساعات غير معروف أو غير موجود، بل كان اليوم موجودا ومعروفا أيضا بعـلامات أخرى كالساعة الرملية والإسطرلاب والمزوالة، وظل الشمس...
والساعة لم تحدد اليوم بل هي دليل عليه، كذلك الشمس كانت دليلاً على الأيام. لأن اليوم بمقداره كان محددا قبل خلق السموات والأرض وسيظل أيضا بعد انتهاء السموات والأرض.. يوم القيامة.
ليلة القدر
في حديث بدء الخلق الذي رواه البخاري" كان الله ولم يكن شيء غيره، وكان عرشـه علي الماء، وكتب في الذكر كل شيء وخلق السموات والأرض".
وعند مسلم عن رسول الله  أنه قال:" كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة. وكان عرشه على الماء".
فخلق السموات والأرض كان بعد كتابة مقادير الخلائق بخمسين ألف سنة أي أن وقت كتابة المقادير كان بداية الزمن بالنسبة للخلائق، وهذا الذي حدد علي أساسه حساب الخمسين ألف سنة، ومن ثم فهو كالتقويم بالنسبة للكون الذي كان قبل خلق الشمس والقمر، وكان قبل خلق السموات والأرض، بخمسين ألف سنة. ولا شك أن هذا الوقت له عند الله شأن وقدر، حتى أنه تعالى بعد مرور هذه الخمسين ألف بالتمام أي جاء هذا الوقت بعد هذه المدة فبدأ الله تعالى فيه خلق السموات والأرض، أي أنه تعالى أيضا بدأ خلق السموات والأرض من هذا الوقت الذي قدر فيه مقادير الخلائق، وبعد ستة أيام خلق الله القمر الذي هو تقويم السموات والأرض وبدأ القمر عمله بتكملة هذه الأيام الست، فدار دورته مكملا دورة كاملة في 354 يوم، حيث أن درجات الدائرة 360 فأتم القمر في أول دورته 354 يوماً متممة للأيام الستة وكانت نهاية دورة القمر الأولي عند هذا الوقت الذي قدر فيه مقـادير الخلائق.
ولقدر هذه الأيام الست التي خلقت فيها السموات والأرض أنقصت من السنة، وأصبح القمر يكمل السنة بدورته 354 يوما فقط.
لذلك فإننا نرى أن هذا الوقت الذي كتب فيه مقادير الخلائق، والذي بدأ فيه خلق السموات والأرض. هو وقت مبارك ولا شك، ولذلك أيضا نرى أن هذا الوقت هو الذي سماه الله تعالى بليلة القدر، أي ذلك الوقت الذي تم فيه كتابة المقادير، وبدأ فيه الخلق.
ومما يؤكد هذا الرأي أن الله تعالى أنزل فيه آخر رسالاته الخاتمة على البشر وقال تعالى حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ (3) فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (4) أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (5) رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (الدخان). ويقـول تعالى: إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3) تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْر ٍ(4) سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْر(القدر).
فقوله تعالى إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ يعنى أن هذه الليلة كانت موجودة قبل ذلك ولم يوجدها نزول القرآن، وبمعنى آخر أن القرآن بلغ من قدره أن الله تعالى أنزله في هذه الليلة المباركة التي تحددت فيها مقادير الخلائق، والتي ينزل فيها كل عام ما يكون مما سيقضيه الله في خلقه في هذا العام. واعتبر الله هذه الليلة خير الليالي، وأخبر أنه تعالى سيكافئ فيها من تقرب إليه، وسيستجيب فيها لمن دعاه.
الأيام الستة
من ذلك نري مقدار الأيام حدد أيضا في اللوح المحفوظ وسجل مقداره قبل خلـق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، أي قدر مقدار اليوم في ليلة القدر، وتم خلق السموات والأرض في أيام حدد مقاديرها سلفاً، غير أن خلق السموات والأرض كان هو العمل الأول في شأن الكون الذي سار على هذا المقدار المحدد وكان أول تطبيق للأيام في خلق السموات والأرض الذي تم في ستة منها.
يقول تعالى في سورة التوبة إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَــوَاتِ وَالأرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ إن هذه الآية يفهم منها أن الزمن حدده الله تعالى وثبت هذا التحديد في كتابه وأنه عز وجل حدده بالمقدار الذي نتعارف عليه الآن وهو السنة اثني عشر شهرا. وعلى ذلك لا يقال أن الزمن تحدد يوم خلق السموات والأرض ولكن بدء التطبيق الفعلي للزمن من يوم خلق السموات والأرض. ثم بعد خلق الشمس والقمر جعلهما الله للسنين والحساب (بالنسبة لنا) قال تعالى وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ. أما الزمن ذاته فلا تكونه الشمس ولا يكونه القمر ولكنهما علامتين عليه. وفي الحديث الصحيح الذي يرويه رسول الله  عـن ربه" لا تسبوا الدهر، فأنا الدهر، أقلب الليل والنهار". فلا الشمس ولا القمر هما اللذان يقلبان الليل والنهار، إنما يقلبهما الله.
وفي تفسير" فتح القدير" للشوكاني يقول عن الآية:" أي عدد الشهور للسنة عند الله في حكمه، وقضائه وحكمته اثني عشر شهرا ثابتة في علمه في أول ما خلق الله العالم. ويجوز أن يكون فِي كِتَابِ اللَّه أي مثبتة في اللوح المحفوظ. وفي هذه الآية بيان أن الله تعالى وضع هذه الشهور وسماها بأسمائها على هذا الترتيب المعروف يوم خلق السموات والأرض. وأن هذا الذي جاءت به الأنبياء ونزلت به الكتب، وأنه لا اعتبار بما عند العجم والروم والقبط من الشهور التي يصطلحون عليها ويجعلون بعضها ثلاثين يوما، وبعضها أقل. وقوله تعالى: مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ هي: ذو القعدة، ذو الحجة، والمحرم، ورجب، ثلاثة سرد وواحد فرد. ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ أي كون الشهور كذلك ومنها الأربعة الحرم هو الدين المستقيم. والحساب الصحيح. والعدد المستوفي" أ. هـ.
وعلى هذا التفسير للآيات يكون اليوم عند الله هو اليوم الذي نعرفه في الدنيا ويؤيد ذلك ما قاله رسول الله  في حجة الوداع:" إن الزمان قد استدرا كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض" فالزمان أصبح له هيئة أي شكل فعلي تطبيقي، يوم خلق الله السموات والأرض، وليس يوم خلق الله الشمس والقمر.
وقد اتفق أنه  حج في تلك السنة من ذي الحجة وأن العرب كانت قد نسأت النسيئ يحجون في كثير من السنين، بل أكثرها، في غير ذي الحجة والأربعة الحرم كانت العرب تحرمها في الجاهلية كما حرمت في الإسلام، غير أنها في الجاهلية كانت تستبدل الشهور بغيرها حسبما يقترح عليهم (النسأة).
وإنما كانت الأشهر الحرم أربعة لأجل أداء مناسك الحج والعمرة، فقد حرم الله ذو الحجة لأن فيه المناسك، وحـرم شهر قبله وشهر بعده، للذهاب والعودة فيأمن فيه الحاج. وحرم رجب في وسط الحول لأجل البيت والاعتمار به لمن يقدم إليه من أقصى جزيرة العرب، فيعتمر ويعود آمنا.
كذلك وردت أحاديث صحيحة على الأيام التي خلق الله فيها السموات والأرض وأن بدايتها كانت يوم الأحد ونهايتها يوم الجمعة.
أما من استدل بأن اليوم ليس كيوم الدنيا، بل بألـف سنة بالآية 47 من سورة الحج وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ.
قـال الشوكاني عن هذه الآية في تفسيره:" يقـول تعالى: وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ.
أي يستعجلونك بالعذاب لأنهم كانوا منكرين لمجيئه أشد الإنكار فاستعجالهم له هو على طريقة الاستهزاء والسخرية وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ قال الفراء: إن هذه الآية وعيد لهم بالعذاب في الدنيا والآخرة. قال (الزجاج): إعلم أن الله لا يفوته شيء وإن يوما عنده وألف سنة في قدرته سواء. لا فرق بين وقوع ما يستعجلونه من العذاب وتأخره في القدرة. إلا أن الله تفضل بالإمهال وخطابهم في ذلك كمال حلمه لكون المدة القصيرة عنده كالمدة الطويلة عندهم كما في قوله إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا (6) وَنَرَاهُ قَرِيبًا. وقال الفراء: أي يوم من الآخرة كألف سنة. وقيل المعنى: أن يوما من الخوف والشدة في الآخرة كألف سنة من سني الدنيا فيها خوف وشدة. وكذلك يوم من النعيم قياساً". أ. هـ
ويقول (سيد قطب) في كتابه (في ظلال القرآن): وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ يقول:" ذلك دأب الظالمين في كل حين، يرون مصارع الظالمين ويقرءون أخبارهم ويعلمون مصائرهم، ثم هم يسلكون طريقهم غير ناظرين إلي نهاية الطريق، فإذا ذكروا بما نال أسلافهم استبعدوا أن يصيبهم ما أصابهم، ثم يطغى بهم الغرور والاستهزاء إذا أملى لهم الله على سبيل الاختبار، فإذا هم يسخرون ممن يخوفهم ذلك المصير، وإذا هم من السخرية يستعجلون ما يوعدون وَلَنْ يخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ فهو آت في موعده الذي أراده الله وقدره وفق حكمته. واستعجال الناس به لا يعجله كي لا تبطل الحكمة المقصودة من تأجيله. وتقدير الزمن في حساب الله، غيره في حساب البشر وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ".
ويقول (ابن كثير) في تفسيره وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ أي هؤلاء الكفار الملحدون المكذبون بالله وكتابه ورسوله واليوم الآخر، كما قال تعالى وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنْ السَّمَاءِ أَوْ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (الأنفال:32) وَقَالُوا رَبَّنَا عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ وقوله وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ من إقامة الساعة، والانتقام لأعدائه والإكرام لأوليائه. وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ أي هو تعالى لا يعجل، فإن مقدار ألف سنة عند خلقه هو كيوم واحد عنده بالنسبة لحكمه، لعلمه أنه على الانتقام قادر وأنه لا يفوته شيء وإن أنظر" أ. هـ.
وما نسب لابن عباس أن هذا اليوم من الأيام التي خلق الله فيها السموات والأرض لا يصح نسبه لابن عباس، وإنما هو لتلميذه مجاهد. أما الذي ثبت عن ابن عباس فهو رأى مخالف. كما أن الآية لم ترد في تقرير الخلق وإنما وردت في الحكم، وفي الإمهال والاستعجال. ثم إن تفسير الآيات عند كل المفسرين لا يعطي هذا المعنى.
وقد أيد ابن تيمية هذا الرأي وقال بأن" تلك الأيام لم تكن مقدرة بحركة هذه الشمس وأن مقدار هذا اليوم سيكون ثابتا حتى بعد قيام الساعة، وعندما تنشق هذه السموات ويدخل أهل الجنة سيكون هناك أيام، قال تعالى وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا (مريم:62) وقد جاءت الآثار عن النبي  بأن الله تبارك وتعالى يتجلى لعبادة المؤمنين يوم الجمعة، وأن أعلاهـم منزلة من يرى الله تعالى كل يوم مرتين. فذكر هنا اليوم وليس في الجنة شمس ولا قمر. ولا هناك حركة فلك، بل ذلك الزمان مقدر بحركة أخرى وأمر آخر كما جاء في الأثر أنهم يعرفون ذلك بأنوار تظهر من جهة العرش".
وعلى هذا المعني الذي قال به علماء الإسلام فان اليوم عند الله هو ذاته اليوم في الدنيا إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَــوَاتِ وَالأرْضَ فالأيام والشهور عند الله هي التي حددها في كتابه وهي التي خلق عليها السموات والأرض والتي حرك الشمس عليها. وليس هناك أي دليل من الكتاب ولا من حديث رسول الله  يقول بأن اليوم عند الله يعادل ألف سنة من أيامنا، ولا أنه خلق السموات والأرض في ستة آلاف سنة مما نعد.
والآية التي التبس على البعض معناها فسرها جمهور العلماء بالمعني الذي ذكرنا كما أن شرح الآية لغويا لا يقبل هذا المعني الذي قال به بعضهم.
كما أن حرف (الكاف) أتي في كل القرآن بمعني (مثل) أي للتشبيه وليس للمساواة والآيات التي ورد بها هذا الحرف تأتي كلها بهذا المعني: كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ وَلا يَكُونُوا كَالــَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ كَالأعْلامِ كَالْمـُهْل كَصَيِّبٍ كَزَرْعٍ كَسَرَابٍ كَلَمْحٍ بِالْبَصـَرِ كَمَثَلِ رِيحٍ مَوْجٍ كَالْجِبَالِ كَالَّـذِي يُغْشَى عَلَيْهِ طَلْعُهَا كَأَنَّـهُ رُءوسُ الشَّيَاطِينِ كَأَنَّهُمْ يَـوْمَ يـَرَوْنَهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا كَمَثَلِ الْكَلْبِ كَمَثَلِ حَبـَّةٍ كَالْعِهْنِ الْمَنفُوشِ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ .
فكل هذه الأمثلة وغيرها يأتي بها الله للتشبيه والتمثيل، وليس للفعل والواقع فمثلا قوله تعالى: كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أتت للتشبيه. وهذه غير قوله تعالى وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ فالباء هنا للفعل والحقيقة غير الكاف في الآية الأولي. وكذلك قوله تعالى أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنْ الْمَلائِكَةِ فهذه علي الحقيقة وليست للتشبيه. ولو أراد الله تعالى أن يخبرنا بأن اليوم عنده يساوى مقدار ألف سنة من مقدار أيامنا لقال (وإن يوما عند ربك بألف سنة مما تعدون) لجاء بحرف (الباء) مثل ما هو في آية الملائكة وغيرها ولم يأت بحرف (الكاف) الذي هو للتشبيه والتمثيل.
وسياق الآية إنما يدل على أن الله لا يستعجل بعجلة أحد لأن الوقت لا يؤثر فيه تعالى فاليوم والألف عند الله سواء، والطول والقصر في الوقت كذلك، لأن تعالى هو الدهر.
المسافة بين السموات والأرض
صرح القرآن، وتواترت الأحاديث، وأجمع علماء الإسلام على أن المسافة بين السماء والأرض حـوالي سبعـة مليون كيلـو متر (7000000كم) والمسافة بين كـل سماء والتي تليها (7000000كم) أيضا. إن هذا القول الآن يعتبر غاية في الغرابة، وقد يعد ضرباً من الجنون، خاصة ووكالة (ناسا) الفضائية الأمريكية، قالت بأن الشمس تبتعد عن الأرض بمسافة 150 مليون كيلو متر وهي أقرب النجوم إلينا. وإنني لألتمس العذر لمن يرميني بهذا، وذلك لأن علماء الفلك الآن والمنجمين يفترضون أن الناس لا عقول لهم، بل هم استطاعوا أن يغيبوا عقولهم، يفهم هذا من المصطلحات والأرقام التي يتكلمون بها.
واستطاع هؤلاء أن يحتكروا منطقة السماء أو كما يسمونها (الفضاء) وهم يشترطون على من يحاول الاقتراب من هذه المنطقة أن ينحي عقله جانبا ويتبعهم.
ولو خاطر وغامر أحد اتباعا لأمر الدين وراح يقلب ناظريه إلي السماء وتفكر فيها وتدبر، فإنه لا محالة سيفقد عقله ولن يعود إليه، وهنا لا يلومن إلا نفسه لأنه لم يستجيب لنصيحة المنجمين - علماء النجوم والفلك - ولم ينحي عقله جانبا ويتبعهم ثم بعد انتهاء التأمل والتفكر يلبس ويركب عقله مرة أخري.
بل إنني أيضا أنصحك بهذه النصيحة ولا أطلب منك أن تنحي عقلك جانبا بل أحذرك أن تفكر بعمق فيما أعرضه عليك من معلومات أقدمها لك وقد استقيتها من المنجمين وحتى أسهل لك الأمر سأشرح بعضاً من مفرداتهم. فانهم عندما يقيسون المسافات فلا يقيسونها بالوحدات التي تعارفنا عليها أو تعارف عليها البشر منذ الخليقة بل اخترعوا مصطلحات حديثة يتفاهمون بها كما يتفاهم زملاء المهنة الواحدة بمفردات خاصة بهم. رغم أن السماء والأرض ليست حكرا على مهنة أو فئة من الناس، إلا أن المنجمين استطاعوا ببراعة فائقة أن يستولوا على السماء ولم يقدر أحد على مجرد النظر فيها فضلا عن التدبر أو التفكر في آياتها ولو سألنا ربنا يوم القيامة عن عدم الاستجابة لآياته وعدم التفكير فيها، لكان لنا العذر، فأي عاقل يمكنه أن يغامر بما تبقي له من عقل – الآن - ويفعل ما يريده منه الله:
1) أَوَلَمْ يَنظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ (الأعراف:185)
2) قُلْ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ (يونس:101)
3) أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ (ق:6)
4) إِنَّ فِي السَّموَاتِ وَالأَرْضِ لأيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ (الجاثية:3)
5) إِنَّ فِي خَلْقِ السّــــَمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِلآيَاتٍ لأولِي الألْبَابِ  (آل عمران:190)
6) وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ (آل عمران:191)
7) وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ (الحجر:16).
حتى لو كان الأمر كما يقول به المنجمون فيكون من الصعب، بل من المستحيل النظر والتفكر والتدبر في خلق السموات والأرض وما بينهما. ولكن الأمر ليس كذلك ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها، لا يكلف الله نفسا إلا ما أتاها. ومن المستحيل أن الله تبارك وتعالى يكلف عباده بأن يتفكروا في السماء وقـد جعلها تعالى بهذا التعقيد. بل حاشا لله، فآيات الله واضحة، بيّنة، ميسرة للذكر والفكر، ولا عذر لأحد في تركه لآيات السماء، ولا حجة له فيما فعله المنجمون والفلكيون في معلومات السماء، لأنه تعالى أوحى إلي رسوله بالمعلومات الصحيحة، والتي هي على النقيض مما يقول به هؤلاء، يقول تعالى وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ (الأنبياء:32). فكما أنهم استبدلوا أيام خلق الأرض الأربعة وقالوا إنها تكونت في عشرة ملايين سنة، فكذلك قالوا عن أبعاد الأجرام السماوية، ناهيك عن السماء ذاتها وخالفوا بكل ما قالوه ما أوحى به الله لرسوله، وسكت علماؤنا على هذه المخالفات بل إنهم أيدوهم فيما قالوا، ودون استثناء، بآيات القرآن، وأعتقد أنه لو كان في الدنيا عجائب فهذا الأمر أولها عجبا.
لقد وصل الأمر بأهل الفلك أنهم بعدوا بين الأجرام السماوية للحد الذي عجزوا هم أنفسهم عن تتبع وحساب ما قالوا به. فراحوا يضعون قواعد ومصطلحات يستطيعون هم أنفسهم أن يفهموا أنفسهم.
إنهم يقولون إن الأبعاد بين الأجرام السماوية كبيرة جدا، وقد كانوا يتحدثون بالملايين فطرحوا هذه الأرقام وقالوا بالبلايين، ثم قالوا بأن الأمر أكبر بكثير جدا، بدرجة لا يتصورها العقل من الأرقام، فاخترعوا (السنة الضوئية). فقالوا: إن الضوء ينطلق بسرعة معينة، هي أكبر سرعة عرفوها حتى اليوم" على حد قولهم" فهو ينطلق بسرعة 300 ألف كيلو متر في الثانية الواحدة، هكذا يقولون. وعلى ذلك فهو ينطلق في الدقيقة بسرعة 18 مليون كم، أما في الساعة فهو يقطع مسافة 108000000000(مائة وثمانية مليار)، أما في اليوم فيقطع مسافة 25920000000000 (خمسة وعشرون ألف وتسعمائة وعشرون مليارا كم) وبالتالي فإنه يقطع في السنة 94608000000000 (ولم أستطيع قراءة هذا العدد البسيط). هذا الرقم يقطعه الضوء في العام فسموها السنة الضوئية.
يقول الدكتور" إمام إبراهيم أحمد" في كتاب (عالم الأفلاك):
" الحمد لله... لقد وقفنا أخيرا إلي مقياس مناسب، على أساسه أصبح بعد أقرب نجم إلينا حوالي 4 سنين ضوئية فقط، وإن كانت عجائب السماء التي سيرد ذكرها فيما بعد تبعد عنا ملايين السنين الضوئية. وثمة وحدة أخرى اتخذها الفلكيون لقياس أبعاد النجوم والمجرات هي (البارسيك) وهذه الوحدة تعادل 26 ,3 سنة ضوئية وهي قيمة تم استنتاجها عن طريق عمليات رياضية لا مجال لذكرها، لكن المهم أن هذه الوحدة تقلل أرقام المسافات إلي حوالي ربع السنين الضوئية" أ. هـ.
فإذا كان أقرب نجم إلينا يبلغ بعده عنا المسافة التي قالوا بها 4 سنين ضوئية فما هى مسافة أبعد نجم عنا؟ ويقولون إن أقرب مجرة إلينا (المرأة المسلسلة) ويمكن رؤيتها بالعين المجردة أحيانا وهي تبتعد عنا بنحو 700000 سنة ضوئية أي أنها تبتعد عنا بالكيلو مترات 662256000000000000000000 هذا بعد أقرب مجرة إلينا وذاك أقرب نجم ولا أستطيع أن أقدم أمثلة أبعد من أقرب الأجرام السماوية إلينا، أفلا يغفر لنا ربنا إذا لم نتدبر ونتفكر في خلـق السموات والأرض، وأن نكتفي بمجرد النظر دون غيره. ويجوز أن نترك النظر من باب سد الذرائع للحفاظ على عقولنا.
التجريبيون يريدون أن يقولوا لنا:" إن هذه هي أبعاد أقرب الأجرام الفضائية التي يريد منكم ألهكم أن تتفكروا وتتدبروا فيها فما رأيكم؟".
ولقد نقل إلينا هذه الرسالة علماؤنا الإجلاء. وأكدوا لنا أن كل ما يقوله التجريبيون قد ثبت فعلا علميا وليس مجرد افتراض، ولو سألناهم: ما هي أدلتكم؟ فلن ينطقوا بكلمة.
ترى ما الذي يدفع التجريبيين لأن يقولوا هذا الهراء؟
لقد ذكرنا في مدخل هذا الكتاب بعضا من أقوالهم التي تعبر عن كفرهم بالله وإنكار وجوده بالكلية. حتى سمى هذا العصر وبحق (عصر الإلحاد) وهم يسمونه (عصر النهضة).
لقد بدءوا كفرهم بقولهم إن هذا الفضاء (لانهائي) ولقد فقد حياته بسبب هذه المقولة واحد منهم وهو" جيردانو برونو" الفلكي الإيطالي الذي حكمت عليه الكنيسة بالإعدام حرقــا بسبب اعتقاده بلا نهائية هذا الفضاء عام 1600 ميلادية قي روما.
وعلمهم إبليس الدرس فلم يقل أحد منهم بعد ذلك صراحة بلا نهائية الفضاء، بل راحوا يطلقون هذه الأرقام حتى انتهى جهدهم في عدها، فاخترعوا مصطلحات تزيد البعد حتى إذا ما رسخ في الأذهان - وذلك بعد سنوات طويلة - المسافات اللانهائية ظهرت مرة أخري دون خوف أو وجل مقولة اللانهائية. بل أن علماء القرآن ذاتهم سقطوا - بحسن نية - في هذا الشرك. وقال محمد الغزالي" رحمه الله في كتاب" مائة سؤال وجواب في الإسلام" والتي نصها: " قال - يعني محاوره - تعني أن السموات السبع هي الأفلاك؟
قلت: لا أجزم بشيء من هذا، ولا العلم يجزم هو الآخر بشيء عن حقيقة الفضاء وطبقاته الذاهبة في الغيوب. والذي أراه وأحس به، أننا نتحرك في إطار معين إذا تجاوزناه إلي أعلي أو إلي أدنى فلن نصل إلي نهاية".
وباللانهائية قال" جاليليو" و" نيوتن" و" أينشتاين". ولكي يكون لكلامهم سند وقبول فإنهم راحوا يوزعون الملايين أو البلايين علي النجوم والمجرات. وبالطبع هذه البلايين لا يغرمها أحد، وليست من (جيب) أحد، فهي تلقى جزافاً دون حساب. فلا دليل ولا برهان ولا علم ولا سلطان ولا هدى ولا كتاب منير فقط بعض النظريات والفرضيات قال عنها كبيرهم السير" جيمس جينز":
" أمامكم عرض كبير من النظريات المختلفة لتختاروا منها ما تشاءون، ولكني شخصياً لا أضع ثقتي في أي منها".
أما زميله"هابل" فقال:" وهكذا انتهى استكشاف الفضاء إلي موقف الحيرة والالتباس".
ونترك نحن الكتاب والسنة ونأخذ من حيرتهم والتباسهم ما نأخذ، والذي هم أنفسهم يزهدون فيه. ويستشعرون، بل يعلمون أنه غش وخداع.
أما أنا فإنني أسجل هنا شهادتي وأشهد عليها ربى، أنني أكذب" جينز" و"هابل" و" جاليليو" و" نيوتن" و"أينشتاين" في كل ما قالوه عن كون الله، وأصدق محمداً  الذي أوحي الله تعالى إليه قرآنا وسنة بين فيهما، ليس فقط بعد النجوم والمجرات، بل بعد السماء ذاتها.
قد لا أجد مصدقا لما أقول، وقد يستهزئ المستهزئون ويسخر الساخرون من قولي إن المسافة التي بيننا وبين السماء حوالي (7) مليون كيلو متر، ومما سيزيدهم استهزاء وسخرية أنه ليس للكنيسة الآن رجال يدافعون عن الدين، ولا رجال للإسلام ينصفون الكتاب والسنة، وقد أُعلن عن انتصار التجريبيين الآن، ولم تعد للكنيسة قائمة ولا صوت، أما علماء الإسلام فبعد ذهاب الخلافة الإسلامية تفرقوا إلي ثلاث فرق، لكل فرقة أتباعها، فريق راح يناوئ الحكام وآخر يساندهم والثالث ترك هؤلاء وأولئك وراح يتتبع خطى التجريبيين حذو القذة بالقذة حتى دخلوا وراءهم جحر الضب. وتفرع من هذه الفرق جماعات وقله قليلة اعتزلت كل تلك الفرق، وآثرت السلامة واكتفت بالحديث عن اللحية والجلباب والإسبال والنقاب وما شابه، زعماً بأن هذا هو الهدى ودين الله الحق الذي أرسل الله تعالى له رسولا ليظهره على الدين كله ولو كره الكافرون.
أحاديث المسافة
(1) قال الإمام أحمد حدثنا عبد الرازق حدثنا يحيى بن العلاء عن عمه شعيب بن خالد حدثني سماك بن حرب عن عبد الله بن عميرة عن الأحنف بن قيس عن عباس بن عبد المطلب قال: كنا جلوساً مع رسول الله  بالبطحاء فمرت سحابة فقال رسول الله :" أتدرون ما هذا؟" قلنا: السحاب قال:" والمزن" قلنا: والمزن. قال:" والعنان" فسكتنا فقال:" هل تدرون كم بين السماء والأرض؟" قلنا: الله ورسوله أعلم. قال:" بينهما مسيرة خمسمائة سنة ومن كل سماء إلي سماء مسيرة خمسمائة سنة وكثف كل سماء مسيرة خمسمائة سنة. وفوق السماء السابعة بحر بين أسفله وأعلاه كما بين السماء والأرض ثم فوق ذلك ثمانية أوعال بين ركبهن وأظلافهن كما بين السماء والأرض ثم على ظهورهن العرش بين أسفله وأعلاه كما بين السماء والأرض. والله فوق ذلك وليس يخفي عليه شيء من أعمال بنى آدم".
(2) وعند الترمذي:
روى أبو هريرة رضى الله عنه قال: بينما النبي  جالسُ وأصحابه إذ أتي عليهم سحاب فقال:" هل تدرون ما هذا؟ (يعنى السحاب)" قالوا: الله ورسوله أعلم. قال:" هذا العنان (السحاب) هذه روايا الأرض تسوقه إلى قوم لا يشكرونه ولا يدعونه" ثم قال:" هل تدرون كم بينكم وبينها؟" قالوا: الله ورسوله أعلم. قـال:" بينكم وبينها ميسرة خمسمائة عام" ثم قال:" هل تدرون ما فوق ذلك؟" قالوا الله ورسوله أعلم. قال:" فإن فوق ذلك سماء بعد ما بينهما مسيرة خمسمائة سنة" حتى عـد سبع سموات بين كل سماءين كما بين السماء والأرض ثم قال:" هل تدرون ما فوق ذلك؟" قلنا: الله ورسوله أعلم. قال:" فإن فوق ذلك العرش".
(3) روى ابن أبى عاصم في كتاب السنة:
عن عبد الله بن مسعود عن رسول الله  قال:" بين سماء الدنيا والتي تليها خمسمائة عام. وبين كل سماء خمسمائة عام. وغلظ كل سماء خمسمائة عام، وبين السماء السابعة وبين الكرسي خمسمائة عام. وبين الكرسي وبين الماء خمسمائة عام. والعرش فوق الماء. والله فوق العرش لا يخفي عليه شيء من أعمالكم".
(4) وروى هذا الحديث أيضاً" ابن ماجة" من حديث سماك ووقفه.
(5) ورواه أيضا" شريك" من حديث سماك أيضاً.
(6) ورواه" ابن خزيمة" في صحيحه عن أبي ذر مرفوعا.
(7) ورواه" الطبراني" بنحوه.
(Cool ورواه" أبو داود" عن عبد المطلب وصححه" ابن خزيمة":
"هل تدرون ما بين السماء والأرض؟" قلنا الله ورسوله أعلم. قال إحدى أو اثنتان أو ثلاث وسبعون"." قال" وما فوقهما مثل ذلك" حتى عد سبع سموات" ثم فوق السماء السابعة البحر من أسفله إلى أعلاه مثل ما بين سماء إلى سماء. ثم فوقه ثمانية أوعال ما بين أظلافهن وركبهن مثل ما بين سماء إلى سماء. ثم العرش فوق ذلك، بين أسلفه وأعلاه مثل ما بين سماء إلى سماء ثم الله فوق ذلك".
قال ابن حجر في شرحه لصحيح البخاري:" والجمع بين اختلاف هذا العدد في هاتين الروايتين أن تحمل الخمسمائة على السير البطيء كسير الماشي على هينته، وتحمل السبعين على السير السريع كسير السعاة".
وقد اتفق علماء الحديث وعلماء التفسير على أنه ليس هناك تعارض بين الروايتين (الخمسمائة) و(السبعين) إلى أن المسافات تختلف مقاديرها باختلاف المقدر به فالخمسمائة عام مقدرة بسير الإبل والسبعين بسير البريد، وهو يقطع قدر ما تقطعه الإبل سبعة أضعاف كما هو معلوم.
وكما هو واضح من الأحاديث أن المقياس هنا بالسير سواء على الأقدام أم بسير الإبل فكلاهما واحد. فليست السرعة هنا بالسنة الضوئية أو بالصاروخ أو بالسيارة ولكن مقياس المسافة وسيلة مشتركة بين كل الناس في كل العصور. ومما يعقله العقل ويتحمله فكر الإنسان العادي.
ومعنى الأحاديث أن بيننا وبين السماء الدنيا مسيرة خمسمائة عام وبين السماء الدنيا والثانية مسيرة خمسمائة عام وبين الثانية والثالثة خمسمائة عـام وهكذا حتى السماء السابعة. و(غلظ) أو (كثافة) كل سماء خمسمائة عام، والغلظ أو الكثف هو الذي قلنا عنه أنه (أرضية) كل سماء لأن لكل سماء (أرضية) أو أرض فسمك هـذه الأرض مسيرة خمسمائة عام. وسمك السماء كذلك.
لم يختلف أحد من العلماء حول هذه المسافة ولم يشذ واحد منهم وقال بخلاف ذلك ولم يضعف أحد هذه الأحاديث التي أوردنا بعضها فكلها أحاديث صحيحة.
إنني على يقين أن علماؤنا ستأخذهم الدهشة من هذا الكلام. ولكنها الأحاديث، وأحاديث رسول الله  وليس كلامي، وهو موجود في بطون الكتب. ولكن علماؤنا يكتمونه ولا يبينونه للناس، أما الذي يبين للناس فهو ما يقوله التجريبيون الذين يؤمنون بأي شيء إلا الله، ويبينون للناس هذه (اللانهائية) التي لم يقل بها الله ولا رسوله ولا واحد من العلماء المعتبرين.
ورب سائل يسأل: أليس القرآن تبيانا لكل شيء، وتفصيلاً لكل شيء، وفيه من كل شيء مثلا، فكيف لا يذكر هذا الأمر، وقد فصل في خلق السموات والأرض هذا التفصيل؟
نقول: إن القرآن لم يغفل هذا الأمر، وهذه الأحاديث التي ذكرناها لم تكن سوى تبيانٍ لما ذكره الله عن المسافة التي بين السماء والأرض. بل والمسافة التي بين السموات والأرض. بل إن الله منّ علينا وعرفنا المسافة التي بيننا وبين عرشه المجيد.
ولا تأخذ الذين يقرءون القرآن ولا يجاوز حناجرهم الدهشة من هذا القول. وأذكر بما اتفقنا عليه أن بيننا وبينهم، كتاب الله وسنة رسوله وإجماع علماء الأمة (قبل عصر الإلحاد): يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الأخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلا (النساء:59).
بعد السماء في القرآن:
يقول تعالى في سورة السجدة اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَــوَاتِ وَالأرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ (4) يُدَبِّرُ الأمْرَ مِنْ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (5).
إن الله تعالى في هـذه الآية يخبرنا بأن أمره ينزل من السماء إلى الأرض ثم يعرج مرة أخرى في يوم. هذا اليوم مقداره بأيامنا نحن ألف سنة ، أي ما يقطعه الأمر ذهابا وإيابا في يوم نقطعه نحن في ألف سنة ذهابا خمسمائة سنة وإيابا خمسمائة سنة كما اخبر رسول الله .
وهذا ما قالت به التفاسير جميعا (تفاسير ما قبل عصر الإلحاد). قال (ابن كثير) في تفسيره:" أي ينزل أمره من أعلى السموات إلى أقصى تخوم الأرض السابعة كما قال تعالى اللهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنْ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الأمْرُ بَيْنَهُنَّ وترفع الأعمال إلى ديوانها فوق سماء الدنيا، ومسافة ما بينهما وبين الأرض خمسمائة سنة.
وقال مجاهد والضحاك: النزول من الملك في مسيرة خمسمائة عام وصعوده في خمسمائة عام ولكنه يقطعها في طرفة عين" أ. هـ.
ويقول الحسن البصري الماوردي في تفسير" النكت والعيون":" إن الملك ينزل ويصعد في يوم مقداره ألف سنة فيكون مقدار نزوله خمسمائة عام ومقدار صعوده خمسمائة عام. وقوله مِمَّا تَعُدُّون أي تحسبون من أيام الدنيا".
وقـال أبو على الفضل بن الحسن الطبرسي في تفسير" مجمع البيان":" أي يدبر الأمور كلها ويقدرها على حسب إرادته فيما بين السماء والأرض، وينزلها مـع الملك إلى الأرض ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ الملك، أي يصعد إلى المكان الذي أمره الله أن يصعد إليه فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ أي يوم كان مقداره لو ساره غير الملك ألف سنة مما يعده البشر. خمسمائة عـام نزوله، وخمسمائة عام صعوده، فينزل الملك بالتدبير أو الوحي ويصعد إلى السماء فيقطع في يوم واحد من أيام الدنيا مسافة ألف سنة مما تعدونه أنتم لأن ما بين السماء والأرض مسيرة خمسمائة عام لابن آدم. وهذا معنى قول ابن عباس والحسن والضحاك وقتادة" أ. هـ.
وقال الشوكاني في تفسيره" فتح القدير":
" لما بين سبحانه خلق السموات والأرض وما بينهما بين تدبيره لأمرها: أي يحكم الأمر بقضائه وقدره من السماء إلى الأرض، والمعنى: ينزل أمره من أعلى السماء إلى الأرض السابعة كما قال تعالى اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنْ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الأمْرُ بَيْنَهُنَّ ومسافة ما بين السماء الدنيا إلى الأرض التي تحتها نزولاً وطلوعاً ألف سنة من أيام الدنيا. وقيل المراد بالأمر: المأمور به من الأعمال، أي ينزله مدبراً من السماء إلى الأرض، وقيل يدبر ‏أمر الدنيا بأسباب سماوية من الملائكة وغيرها نازلة أحكامها وآثارها إلى الأرض. وقيل العرش موضع التدبير، كما أن ما دون العرش موضع التفصيل. كما في قوله ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الأمْرَ وما دون السموات موضع التصرف. قـال الله: وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا ثم لما ذكر الله تعالى تدبيره للأمر قال: ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ أي ثم يرجع ذلك الأمر ويعود ذلك التدبير إليه سبحانه في يوم مقداره ألف سنة من أيام الدنيا. وذلك باعتبار: مسافة النزول من السماء والصعود إليها من الأرض كما قـدمنا، وقيل يدبر أمر الحوادث اليومية بأثباتها في اللوح المحفوظ فتنزل بها الملائكة، ثم تعرج إليه في يوم مقداره ألف سنة من أيام الدنيا.
وقيل المعنى: أن الملك يعرج إلى السماء في يوم كان مقداره



أدخل عنوان بريدك الإلكتروني هنا يصــــلك كل جديــــد





بلغ الادارة عن محتوى مخالف من هنا ابلغون على الروابط التي لا تعمل من هنا



توقيع : manel


التوقيع



قصة الخلق من العرش إلى الفرش  story of Creation By Eid Wardany Emptyالجمعة 25 يناير - 22:36
المشاركة رقم: #
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
عضو الجوهرة
الرتبه:
عضو الجوهرة
الصورة الرمزية


البيانات
عدد المساهمات : 17945
تاريخ التسجيل : 17/10/2012
رابطة موقعك : ورقلة
التوقيت

الإتصالات
الحالة:
وسائل الإتصال:


مُساهمةموضوع: رد: قصة الخلق من العرش إلى الفرش story of Creation By Eid Wardany



قصة الخلق من العرش إلى الفرش story of Creation By Eid Wardany

وقال الشوكاني في تفسيره:
" إن الملائكة إذا عرجت من أسفل العالم إلي العرش كان مسافة ذلك خمسين ألف سنة. وأنهم إذا عرجوا من هذه الأرض التي نحن عليها إلي باطن هذه السماء التي هي سماؤنا الدنيا كان مسافة ذلك ألف سنة لأن ما بين أسفل السماء إلي الأرض خمسمائة عام وغلظ كل سماء خمسمائة عام".
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم في قوله فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ قال: منتهى أمره من أسفل الأرضين إلي منتهى أمره من فوق السموات العلي مقدار خمسين ألف سنة وعن يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ قال: يعني بذلك ينزل الأمر من السماء إلي الأرض ومن الأرض إلي السماء في يوم واحد فذلك مقدار ألف سنة. لأن ما بين السماء والأرض مسيرة خمسمائة عام.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس أيضا قال:" غلظ كل أرض (أرضية) خمسمائة عام وغلظ كل سماء خمسمائة عام. وبين كل أرض إلي أرض خمسمائة عام، ومن السماء إلى الأرض خمسمائة عام. فذلك أربعة عشر ألف عام. وبين السماء السابعة إلى العرش مسيرة ستة وثلاثين ألف عام. فذلك قوله: فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ ".
وهذا التفصيل الأخير لابن عباس في غاية الدقة وروعة البيان. ورضي الله عنه فقد دعا له رسول الله  بأن يفهمه الله القرآن. وقد كان.
إن عدة أحاديث تتضافر كلها دون تناقض لتؤكد أن المسافة بين الأرض والعرش يسيرها ابن آدم في خمسين ألف سنة لو قدرله السير. أما الملائكة والروح فتقطعها في يوم واحد. يؤكد ذلك الأحاديث التي رواها عدة رواة عن بعد السماء عن الأرض وأنه خمسمائة عام سيرا وأن بين كل سماء والتي تليها مسيرة خمسمائة عام وكثافة كل سماء خمسمائة عام أيضا وقلنا أن هذا تفسير فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ أي النزول إلى الأرض والعودة إلي السماء إذن فلدينا مسافة ثابتة وهي خمسمائة عام، وهي وحدة قياس لأنها بعد ما بين كل سماء والتي تليها، وهي غلظ كل سماء وبعد ما بين الماء والسماء السابعة وبعد ما بين الكرسي والماء. وغلظ الكرسي. وبعد ما بين العرش والماء.
وكثف العرش ذاته، وهكذا جميع المسافات الموجودة في الكون من الأرض السابعة إلي العرش مسيرة ثابتة (خمسمائة عام) لأي شيء بينهما سماء، أو ماء، أو كرسي، أو عرش، أو كثافة، أو ما بينهما.
هناك حديث صـحيح عن رسول الله  رواه البخاري والطبراني" إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيل الله. ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض".
وهذا لفظ البخاري ولفظ الطبراني:" ما بين الدرجتين مسيرة خمسمائة عام".
ورواه الترمذي بزيادة." لو أن العالمين اجتمعوا في إحداهن لوسعتهم". وتكملة الحديث عندهم جميعا" فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس. فأنه أوسط الجنة وأعلى الجنة وفوقه عرش الرحمن".
فهذا الحديث الصحيح يبين لنا أن الجنة مائة درجة فأن بين كل درجتين كما بين السماء والأرض أي مسيرة خمسمائة عام. وان أعلاها جميعا الفردوس لأنها تحت العرش. إذن فالجنة منتهاها تحت العرش. وبدايتها ستكون من فوق الأرض لأن النار ستكون تحت الأرض وليس بين الاثنين إلا حجاب. كما قال تعالى في سورة الأعراف وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ أي سور فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ (الحديد:13) فهذا الحديث يحدثنا صراحة عن المسافة التي بين الأرض إلى العرش وأنها مائة درجة في الدرجة خمسمائة عام فيكون المجموع خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ.
وقال العلماء المتحدثون والمفسرون في صفة العرش إن بعد ما بينه وبين الأرض خمسين ألف سنة، وبعد ما بين قطريه أي اتساعه خمسين ألف سنة.
سبعة مليون كيلو متر
إذا اتفقنا علي أن بعد السماء عن الأرض مسيرة خمسمائة عام، ولابد أن نتفق علي ذلك كمؤمنين لأدلة الكتاب والسنة ولإجماع علماء الأمة، ولا يوجد مخالف واحد.
بقي أن نوضح الآن، كيف تكون المسافة بهذا التحديد سبعة مليون كيلومتر. أي أن مسيرة خمسمائة عام = 7000000 كم.
لقد كان الأسلم لنا أن نكتفي بتوضيح الآيات والأحاديث التي تتحدث عن المسافة بين السماء والأرض وأنها مسيرة خمسمائة عام وكفي. خاصة ولم يقل أحد أبدا بهذا التحديد الدقيق لا من السلف، ولا من الخلف.
كنا نود أن نقف عند هذا الحـد، ولكن حتى لا يفهم أحد قدر مسافة الخمسمائة عام فهماً خاطئاً فنكون بذلك لم نفعل شيئاً، لأنهم الآن يستخدمون مصطلح السنين أيضا، فضـلا عن البلايين المبلينة التي يلقونها بدون حساب لأقرب الأجرام السماوية. ثم ثالثا لأن الناس في هذا العصر لا يعرفون قدر هذا المقياس. لذلك كان واجبا على المسلمين أن يبينوا للناس وأن يصححوا المفاهيم المغلوطة التي اكتسبت على مدار أكثر من ثلاثة قرون من الزمان.
وحيث سكت العلماء عن التبيين، فشعرت - وأنا طالب علم - أنه فرض عين علىّ طالما عرفت أن أعرف الناس.
والأمر ببساطة شديدة مستقى أيضا من الكتاب والسنة وإجماع علماء المسلمين. وسنتوصل إلى هذا التحديد بأكثر من طريقة:
الطريقة الأولى:
إن الأحاديث تصرح دون أي لبس أو غموض، أن مسيرة الخمسمائة عام هي سيراً لا جرياً ولا طيراناً. وببساطة نستطيع أن نحسب كم كيلو مترا في هذه المدة.
من المعلوم أن الإنسان العادي يسير في الساعة 5 كم. ومن المعلوم أن يوم المسير هو 8 ساعات. إذن يسير الإنسان العادي في اليوم 40 كم.
ومن المعلوم أيضا أن السنة مقدارها 354 يوما فتكون المسافة المقطوعة في العام هي 40 × 354 =14160 كم وعلى ذلك فالمسافة في الخمسمائة عام هي 14160 × 500 =000 7080 كم (سبعة مليون وثمانون ألف كيلو متر).
الطريقة الثانية:
نعلم من السيرة وتاريخ العرب أن للعرب رحلة سنوية للشام صيفا ومثلها لليمن شتاءً ونعلم من هذه المصادر أيضا أن الرحلة كانت تستغرق شهرا ذهابا وشهرا إيابا. وعلى ذلك فقد كانت (مسيرة شهر) وحدة قياس معلومة لكل العرب آن ذاك لأن حياة قريش كانت تقوم على هذه الرحلات السنوية.
لذلك عارضت قريش قول رسول الله  عندما قال لهم إنه أسرى به إلى بيت المقدس في ليلة واحدة، بأنهم يذهبون إليها في شهر. والمسافة بين مكة والشام حوالي 1200 كم يقطعونهـا في شهـر. إذن يقطعون في السنة 1200 × 12 = 14400 ويقطعـون في الخمسمائة عام 14400 × 500 = 7200000 كم (سبعة ملايين ومائتي ألف كيلو متر).
الطريقة الثالثة:
وهذه الطريقة من القرآن الذي اتخذ (مسيرة الشهر) وحدة قياس. فقال تعالى: وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ (سبأ:12) وقد اتفق المفسرون أن الريح كانت تسير بالغداة مسيرة شهر وتسير بالعشي مثلها، أي أنها في اليوم الواحد (غدوا وعشيا) تسير مسيرة شهرين.
قال الحسن: كان النبي سليمان يغدو من دمشق فيقيل بإصطخر وبينهما مسيرة شهر للمسرع، ثم يروح من إصطخر فيبيت بكابل، وبينهما مسيرة شهر. وبالنظر إلى خريطة العالم نجد أن المسافة التي قسنا بها في الطريقة الثانية كانت من مكة إلى الشام وهي مسيرة شهر هي نفس المسافة تماما بين إصطخر بإيران ودمشق، وهي نفسها بين اصطخر وكابل بأفغانستان، وبـذلك يكون القرآن قد اعتمد هذا المقياس(مسيرة شهر) وهي حوالي 1200كم.
الطريقة الرابعة:
في سورة النمل سرعتان ذكرهما الله تعالى، واحدة لعفريت من الجن، والثانية لمن عنده علم الكتاب. يقول تعالى قَالَ يَا أَيُّهَا المَلاُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (38) قَالَ عِفْريتٌ مِنْ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ (39) قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنْ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ. يقول المفسرون إن مقام سليمان الذي يجلس فيه لقضاء الأحكام حوالي نصف يوم وعلى ذلك فسرعة عفريت الجن في أن يأتي بالعرش من اليمين التي تبعد عن مملكة سليمان بحوالي 2400 كم أي حوالي مسيرة شهرين يقطعها في نصف يوم.
أما العرش فقد جيء به في غمضة عين، أو ارتداد جفن العين أي حوالي خمس ثوان تقريبا بمعدل 486 كم / ث. لذلك نرى أن العرش قد جاء بالأمر (بسرعة الأمر) وقد اتفق مفسرو القرآن على أن العرش جاء بالدعاء ولم يأت به بشر، وأن وزير سليمان (آصف بن برخيا) دعا الله باسمه الأعظم، وكان يعلمه، فجيء له بالعرش قبل أن يغمض سليمان جفنه الذي نقدر أنه استغرق 5 ثواني تقريبا. إذن نحن بحاجة أن نحسب سرعة (الأمر) التي جاء بها العرش.
لقد أخبرنا الله تعالى أن سرعة الأمر الذي ينزل من السماء إلى الأرض ثم يعود مرة أخرى في يوم. نقطعه نحن في ألف سنة إذن سرعة الأمر في اليوم تساوى 000 14000 كم (مسافة السماء ذهابا وإيابا) ÷ 8 (ساعات مسيرة اليوم) = 1750000 كم / ساعة، أي حوالي 29167 كم / دقيقة، أي 486 كم / ث. وهي نفس السرعة التي قدرناها أول هذه الطريقة والتي تتناسب تماما مع سرعة الأمر والتي سنفصل الكلام فيها في الباب السابع.
الطريقة الخامسة:
ثبت في القرآن أن الجن كانوا يصعدون إلى السماء ويتخذون منها مقاعد للسمع يقول تعالى: وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا (Cool وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعْ الآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا (الجن) ونعلم من الآيات أن الجن كانت تجلس من السماء مجلساً بحيث تكون في مرمى الشهب وفي نفس الوقت على مقربة للسمع. وكما عرفنا أن إمكانية الجن في الطيران محدودة إلى حد ما، فهاهو عفريت منهم يعرض على سليمان عليه السلام أن يأتيه بعرش ملكة سبأ الذي يبعد عنهم بحوالي 2400 كم في فترة تبلغ نصف يوم، إذن فبعد السماء ليس ببلايين السنين الضوئية كما يزعم المفترون، بل هي على بعد يقبل الصعود إليه من بعض المخلوقات كالجن وسرعتهم ليست بسرعة الضوء.
الطريقة السادسة:
ثبت عن رسول الله  فيما رواه أحمد عن عبد الله بن عمرو قال:
" لو أن رضاضة مثل هذه - وأشار إلى جمجمة - أرسلت من السماء إلى الأرض وهي مسيرة خمسمائة سنة لبلغت الأرض قبل الليل". وهذه السرعة متناسبة تماما مع سرعة (الأمر) الموجودة بالآية (5) من سورة السجدة يُدَبِّرُ الأمْرَ مِنْ السَّمَاءِ إِلَى الأرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ وهي مسافة 7 مليون كم فكأن الرضاضة أرسلت بسرعة (الأمر).
الطريقة السابعة:
وهذه الطريقة نحسب بها بعد السماء بصورة تقريبية. وهي عروج رسول الله  إلى سدرة المنتهي وهي في السماء السابعة ثم نزوله مرة أخرى وذلك في ليلة واحدة. إن هذه الرحلة المباركة نعتقد أنها استغرقت حوالي 7 ساعات حيث عرج برسول الله بعد العشاء وعاد قبل الفجر ولا يوجد أي حديث أو أثر يحدد وقت العروج أو النزول بالضبط لذلك قلنا بأنها 7 ساعات على وجه التقريب، وهذه الرحلة صعد فيها رسول الله  بصحبة رئيس الملائكة جبريل علية السلام، ولقد توقف رسول الله في كل سماء للسلام على من فيها من الأنبياء وللاستفسار عن بعض الآيات التي رآها ثم فرضت عليه وعلى أمته الصلاة التي يصليها المسلمون الآن وهي خمسون صلاة خففت إلى خمس. إن السرعة التي صعد فيها رسول الله للسموات هي سرعة الملائكة والروح التي قال عنها الله تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ (المعارج:4).
وذكرنا أن الملائكة والروح تعرج في يـوم لو سرنا نحن هذه المسافة لاستغرقت خمسين ألف سنة. وذكرنا أيضا أن هذه المسافة مقدارها 7 مليون كم في مائة درجة أي 700000000 كم (سبعمائة مليون كيلو متر) يسيرها الملك في يوم، إذن سرعته في الساعة 000 00 5 87 كم أي 1458333 كم / دقيقة، أي 24305 كم / ثانية. وصعود السموات السبع (14طبقة) استغرق حوالي ساعة والنزول مثلها وباقي الليل وهو حوالي خمس ساعات استغرقت المقابلات والمحادثات والرؤى.
ومسافة السماء التي ذكرناها 000 7000 كم تتفق مع معطيات هذه الرحلة والوقت الذي استغرقته والسرعة التي استخدمت فيها. أما لو قدرناها كما يقول التجريبيون ببلايين السنين الضوئية فكانت الرحلة تحتاج لبلايين البلايين من السنين الضوئية وليس لليلة واحدة.
صفة جبريل تحدد المسافة
روى البخاري ومسلم من حديث عامر الشعبي عن مسروق قال: كنت عند عائشة رضى الله عنها فقلت: أليس الله يقول وَلَقَدْ رَآهُ بِالأفُقِ الْمُبِينِ (التكوير:23) وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (النجم:13) قالت: أنا أول هذه الأمة سأل رسول الله  عنها فقال إنما ذاك جبريل لم يره في صورته التي خلق عليها إلا مرتين، رآه منهبطا من السماء إلي الأرض سادا عظيم خلقه ما بين السماء والأرض".
وروى أحمد عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله  رأيت جبريل على سدرة المنتهى وله ستمائة جناح فسالت عاصما عن الأجنحة فلم يخبرني فأخبرني بعض أصحابه أن ما بين كل جناحين كما بين المشرق والمغرب. قال ابن كثير سنده قوي جيد.
هذا الحديث حدد تماما المسافة عندما عرفنا أن الجناح تقريبا قطر الأرض ما بين المشرق والمغرب وقطرها 12000(كما يقولون) × 600 (جناح) = 7200000 كم وهذا ما سنؤكده بأدلة أخري.
الأدلة العقلية لبعد السماء
إن تحديد بعد السماء الدنيا عن الأرض بمقدار 7 مليون كم، ليس من تقديرنا ولا استنتاجنا، ولم نفعل نحن أكثر من تحويل مسيرة الخمسمائة عام إلى كيلو مترات، ربما تزيد قليلا أو تقل قليلا عما حددنا.
وهذا التحديد بالطبع لا يتناسب أبدا مع معطيات رجال الفلك عن الأبعاد في الفضاء وهي أبعاد لا تقبلها الآيات ولا الأحاديث ولا العقول السليمة، فلو قلنا إن بعد السماء عن الأرض يقدر بخمسمائة سنة ضوئية وليس (مسيرة)، لما وصلنا إلى أقرب مجرة والتي تبعد عنا كما يقولون 000 700 سنة ضوئية وهي مجرة المرأة المسلسلة أما إذا اعتبرنا الخمسمائة عام سيرا كما أخبر الرسول  فلن نصل فيها إلى الشمس التي تبعد عنا بزعمهم 150 مليون كم بل سنحتاج إلى حوالي 11 ألف سنة.
إن معطيات التجريبيين لتتناقض تناقضا صارخاً مع معطيات الآيات التي تتحدث عن السموات والأرض. وعلى سبيل المثال: يقول تعالى في سورة الحج الآية (65) وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الأرْضِ إلا بِإِذْنِهِ إن السماء يمكن أن تقع على الأرض لولا رحمة الله الممسكة بها، لكن هل يتصور عقل أن السماء يمكن أن تقع على الأرض في ظل الأرقام الفلكية التي يعطيها رجال الفضاء المنجمون بالنسبة للنجوم والمجرات وأحجامها وأبعادها من الأرض، وهي تعتبر أقل من ذرة رمل في صحراء الأرض، هكذا يصورونها لنا بالنسبة للفضاء كله فإنه لا يمكن أن ترى بالعين المجردة ولا حتى بالميكروسكوب العادي.
إن هذا التصور فضلا عن أن العقل لا يطيقه، فإنه يتناقض بالطبع مع هذه الآية. فأي أرض تلك التي ستقع عليها السماء؟
إنهم يقيسون بعد بعض المجرات ببلايين السنين الضوئية.
يقول المهندس (سعد شعبان) في كتابه" الطريق إلى الكواكب":" إنه أمكن التغلغل إلى أعماق في الفضاء تعادل ثلاثة أمثال ما كان متيسرا بالتليسكوب البصرية العادية فوصلوا إلى مسافة 000 000 000 000 6000 (ستة آلاف بليون سنة ضوئية)".
فأين بالله الأرض التي يخبرنا أنه يمسك السماء أن تقع عليها؟ وهل هذه آية لقوم يعقلون كما يخبر ربنا في كتابه فأي عقل يطيق ذلك؟ إن هذا الرقم الذي قالوا به ليس بالكيلومترات إنما بالسنين الضوئية أي أنه يساوى بالكيلو مترات:
000000000000 94608 كم (السنة الضوئية) × 000000000000 6000
(العمق الذي وصلوه) = 000000000000000000000000000 5676480كم (ولم أستطع قراءة الرقم).
إنني أطلب من علمائنا الاحتفاظ بعقولهم حتى نختم هذا الفصل لأننا في حاجة إليها، لأنه لو كان هذا البعد ثبت التوصل إليه كما يدعون فما بعد السماء ذاتها؟
ثم ما مقدار السماء الثانية فالثالثة … ما مقدار السموات السبع؟ وهذا السؤال للمؤمنين بالسموات السبع. وقبل أن تفقدوا عقولكم من التفكير في الأرقام والأعداد، هل من المعقول أن يخاطبنا الله في كتابه في أكثر من خمسمائة آية عن (السموات والأرض). فأي أرض تلك التي يضيفها الله للسموات؟
هـل يعقل أن يضاف مالا يدرك بالتلسكوبات إلى السموات بهذه الأرقام الفلكية التجريبية؟ أليس في ذلك تعارض مع آيات القرآن لقد حكم رجال الكنيسة في القرن السابع عشر على (جيردانو برونو) بالموت حرقاً لمقولة تعارضت مع آية واحدة بالكتاب المقدس. فما بال رجال الدين وعلماء الإسلام يسكتون على مخالفة آيات في القرآن الكريم؟
وليتهم يسكتون وحسب.. إنهم يثبتون ذلك !! وبالقرآن أيضا !!
إن علماءنا يوردون هذه الأرقام ثم يقولون مقولتهم الشهيرة:
" لقـد سبـق القـرآن العلم الحديـث في هذا الاكتشاف" ثم يقـولون مستدلين بآيـات الله" فيقول تعالى فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ (75) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (الواقعة) فقد أثبت القرآن منذ أكثر من ألف وأربعمائة سنة أن المسافات بين النجوم وبعضها مسافات عظيمة حتى أن الله تعالى أقسم بها وبذلـك يكون القرآن قد سبق العلم الحديث". إنهم يقولون ذلك، ولا أدرى من أين جاءوا بهذا التفسير لقوله تعالى فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ.
وهذا التفسير لمواقع النجوم وبأن أبعادها الفلكية التي قال بها المنجمون لم يقل به أحد أبداً من علماء الأمة قبل عصر النهضة، وليس هناك أي وجه تقارب بين هذا الذي قالوه والمعنى المراد للآيات.
وقد أخرج النساني وابن جرير ومحمد بن نصر والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقى في الشعب عن ابن عباس قال: انزل القرآن في ليلة القدر من السماء العليا إلى السماء الدنيا جملة واحدة، ثم فرق في السنين، وفي لفظ، ثم نزل من السماء الدنيا نجوما (أي متفرقا) ثم قرأ فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ  (الواقعة:46).
وأخـرج عبد بن حميد وابن جرير ومحمد بن نصر وابن المنذر وابن أبى حاتم والطبرانى وابن مـردوية عنه فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ  قال: القرآن وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ قال: القرآن.
وأخرج ابن مردويه عنه أيضا في الآية قال: نجوم القرآن حين ينزل.
وقال الفراء والزجاج: المراد بمواقع النجوم نزول القرآن، والضمير في وَإِنَّهُ على القسم الذي يدل عليه أقسم. والمعنى أن القسم بمواقع النجوم لقسم عظيم لو تعلمون ثم ذكر سبحانه المقسم عليه فقال إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (الواقعة:77) أي كرمه الله وأعزه ورفع قدره على جميع الكتب.
فهذا هو تفسير السلف لمواقع النجوم، وحتى لو كان المعنى على مواقع نجوم السماء فإن الآية لا علاقة لها بما يقولون من هذه الأبعاد التي لا يقبلها نقل ولا عقل.
من الأمور أيضا التي لا يقبلها العقل طبقاً لأقوال التجريبيين: أمر الوحي.
إن القرآن قد نزل من اللوح المحفوظ جملة واحدة إلى السماء الدنيا كان ذلك ليلة القدر ثم نزل القرآن بعد ذلك على الأرض منجماً أي مفرقاً على مدار سنين بعثة رسول الله . فكانت تنزل بعض آيات إجابة لسؤال سائل أو تعليقاً على حدث، أو تعقبا على غزوة، أو توجيهاً، أو عتابا، أو تحذيرا أو حكما، أو فتوى أو تصحيحا لفهم خاطئ... وهكذا...
وطبقا لما قلناه من سرعة الملائكة وإنها 24305 كم / ث، وعلى ذلك فإنه لكي ينزل جبريل عليه السلام من السماء الدنيا بالوحي على رسول الله  يستغرق في النزول إلى الأرض 4.8 دقيقة، ولو أضفنا إليها مسافة كثف السماء فستكون المدة أقل من عشر دقائق، وهي مدة مناسبة تماما مع ما كان ينتظره رسول الله  ليوحي إليه بآيات إجابة لسؤال معين سئل فيه.
ولقد وردت إلينا مناسبات عديدة كان رسول الله  يسأل في أمر لا يعرفه فينزل إليه جبريل بعد دقائق، وقد حدث له هذا الأمر عندما سئل عن الروح وذي القرنين وعندما سألته (خولة بنت ثعلبة) عن يمين الظهار الذي صدر من زوجها. وعن أسماء الكواكب، وغيرها مما كان رسول الله  يسأل فيه فينتظر الإجابة من جبريل، وكانت الإجابة أحيانا بأحاديث وكثيرا بآيات قرآنية، ولهذا يقال إن القرآن نزل منجماً.
والسؤال الآن طبقا لما يقال عن الأبعاد المهولة واللامعقولة لأجرام السماء وأنها تبلغ بلايين السنين الضوئية، أي أن الضوء على سرعته المهولة (000 300) كم / ث يستغرق بلايين السنين حتى يأتي إلينا صادرا من بعض النجوم. نسأل: كيف يأتي إلينا جبريل عليه السلام من السماء الدنيا وسرعته 305 24 كم / ث؟. وإن كنتم ترون أن هذه السرعة لا تتناسب مع جبريل فإننا سنضاعف هذه السرعة 10 أضعاف. أيكفي هذا؟ سنضاعف 15ضعفاً حتى نتقارب مع سرعة الضوء التي قالوا بها. فكيف يأتي جبريل عليه السلام من السماء اللانهائية إلى الأرض ليرد على سؤال؟
نشرت مجلة الأزهر على مـدار ثلاث سنوات عدة مقالات للدكتور" منصور محمد حسب النبي" بعنوان (المعجزة القرآنية في حساب السرعة الضوئية). وقد حاول الدكتور على مدار هذه السنوات أن يثبت ما قاله التجريبي" أينشتاين" - أعلم علماء عصره على حد تعبير الدكتور - عن نظرية النسبية، ومدى توافق سرعة الضوء مع معطيات القرآن، وأن سرعة الضوء هي سرعة الأمر في قوله تعالى يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنْ السَّمَاءِ إِلَى الأرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ وما قاله أينشتاين بالطبع لا يؤكد ما جاء بالقرآن، لأن أينشتاين لا يؤمن أصلا بالقرآن ولا بغيره من الكتب المقدسة.
وقال الدكتور - غفر الله لنا وله - إن المقصود من الآية أن الأمر يتحرك بسرعة الضوء التي قـال بهـا أينشتاين وهي 000 300 كم / ث أو بدقـه أكثر 5 ,792 299 كم / ث.
ولأنني طالب علم لا دراية لي بالمصطلحات الضخمة التي يتكلم بها الدكاترة فإنني سأسلم بما يقوله الدكتور، بأن جبريل عليه السلام كان يتحرك بسرعة الضوء طبقا لتفسير الآية الخامسة من سورة السجدة، وإنني بداية أعتذر إلى رسول الله  الذي فسر الآية بأن مسيرة السماء مسيرة خمسمائة عام سيرا على الأرجل أو بالإبل، بخلاف ما يقوله الدكتور أنها بسرعة الضوء، وأعتذر لكل علماء الأمة الذين جاءوا قبل أينشتاين لإجماعهم على أن مسافة السماء مسيرة خمسمائة عام، وأعتذر لكل علماء التفسير الذين جاءوا قبل أينشتاين وقالوا بأن معنى الآية الخامسة التي يتحدث عنها الدكتور بأنها تعنى أن الملك أو الأمر يقطع المسافة من السماء إلى الأرض ثم العودة في يوم نقطعه نحن لو قدر وفعلنا ذلك في ألف سنة سيراً.
نعتذر لهؤلاء جميعا ولتاج رأسي الذي لا ينطق عن الهوى  وأفترض أن جبريل عليه السلام كان ينطلق بسرعة الضوء طبقا للآية (5) سورة السجدة كما قال الدكتور. فإنه طبقا لما قال به علماء الفلك زملاء أينشتاين بأن أقرب المجرات إلينا - أكرر أقرب - هي مجرة المرأة المسلسلة تبعد عنا (000 700) سنة ضوئية.
أي أن الضوء وهو ينطلـق بسرعة 000 300 كم / ث سيستغرق لوصوله إلينا من هـذه المجرة 000 700 سنة. أي أن جبريل عليه السلام لو أتانا فقط من أقرب مجرة وسرعته هي سرعة الضوء وهي أكبر سرعة كونية كما يدعون، فسيصل إلينا بعد 700 ألف سنة.
هل هذا يعقل؟
علماءَنا الأفاضل أليس هــذا مـا تقولـونه وتستميتون في إثباته. إننا نقر لكم بـه الآن - على سبيل الافتراض - نقر أن الأمر يتحرك بسرعة الضوء وأن جبريل عليه السلام ينطلق بسرعة الضوء. ولو قال الدكتور" حسب النبي" أن جبريل والملائكة لا تخضع لنفس سرعة الضوء، وإنما هذه السرعة سرعة الأمر أما الملائكة فتزيد سرعتها على ذلك وأنه لابد لها من سرعة قصوى، لأن كل أمر (مستقر) كما يخبر ربنا. ونحن أيضا نسلم له بهذا ولكن سيظل السؤال باقيا إن أمر الله حتى يصل إلينا يحتاج لملايين السنين وليس ليوم واحد كما يقول الله لأن أقرب مجرة تبعد عنا 700 ألف سنة ضوئية أي أن الأمر لو نزل إلينا من أقرب مجرة لوصل إلينا بعد 700 ألف سنة والله تعالى يقول  فِي يَوْمٍ.
أما جبريل عليه السلام فيقول عنه الدكتور حسب النبي إنه يعتقد في وجود سرعة أكبر من سرعة الضوء" ربما يكون ذلك في عالم الجن أو الملائكة لأن هذه العوالم يجوز لها أن تتحرك بسرعة أكبر من سرعة الضوء. لأنها لا تخضع لعالمنا المقيد بمبدأ أينشتاين. وكل مخلوق ميسر لما خلق له وكل شيء عنده بمقدار وأؤكد أن عالم الجن والملائكة مقيد أيضا بحد أقصى في سرعته وليس اعتماداً على التخيلات لأربط الظن باليقين". هذا ما يقوله الدكتور.
وإنني لأجد نفسي متفقا مع الدكتور في بعض ما قال وأخالفه في البعض الآخر: أخالفه لقوله إن سرعة الجن قد تكون أكبر من سرعة الضوء، حيث عرفنا من سورة النمل قدرات أحد عفاريت الجن المسخرة لسليمان وهي لا تتجاوز 00 24 كم / ساعة. كما أخالفه في قوله إن عالمنا يخضع لمبدأ أينشتاين. فعالمنا يخضع لقوانين الله عز وجل ولا شأن للعالم بهذا الذي ذكره.
وأتفق معه في أن للجن والملائكة سرعة قصوى، لأن كل شيء عند الله بمقدار ولكن تُرى ما تبلغ السرعة القصوى هذه للملائكة؟
إن الدكتور يقول بأن: أينشتاين اكتشف المبدأ الأساسي للنظرية النسبية والذي على أساسه ظهرت قوانين، وثبتت صحتها عمليا وتجريبيا على مدى قرن من الزمان ولم يتجرأ أحد أن يدعي بأن هناك سرعة أكبر من سرعة الضوء في الفراغ" وقد طلع على الدكتور حسب النبي دكتور آخر هو الدكتور" عبد الرحمن أحمد السمان" قال بأن هناك سرعة أكبر من سرعة الضوء هي سرعة (الفوتونات) 1.7 قدر سرعة الضوء. وأصر الدكتور حسب النبي على أن أحدا لا يمكن أن يخطئ أينشتاين. إن كلا العالمين لم يقوما بتجريب هذا أو ذاك بنفسيهما وإنما هو النقل والاتباع لرجال الغرب، والتسليم المطلق بما يقولون.
ويبقى سؤلنا: ما هي سرعة الملائكة ومنها جبريل عليه السلام؟
ماذا لو قلنا إن سرعة جبريل عليه السلام أكبر من سرعة الضوء، كسرعة ذلك الشيء الذي ذكره الدكتور السمان، لنعطى جبريل سرعة هي ضعف سرعة الضوء. لا.. بل ضعفين.. بل نعطيه عشرة أضعافها، وآخر الكلام سنعطيه ألف سرعة الضوء !! ولا يسأل أحد كيف ذلك فأنا لن أدفع من جيبي ولا من جيب الدكاترة ولا من جيب أحد.
أيها السادة سنعطى جبريل عليه السلام ألف قدر سرعة الضوء؟ حتى يتمكن عليه السلام من أداء مهمته بأقصى سرعة ممكنة. تصوروا أيها السادة أن جبريل وله هذه السرعة التي لا يتصورها عقل ولا يقبلها. سيحتاج إلى 700 سنة ليصل إلينا من أقرب مجرة (المرأة المسلسلة) ترى فمتى سيصل إلينا لو جاء من أبعد مجرة؟ ومتى سيصل إلينا لو جاء من السماء؟ بل متى سيصل لو جاء من السماء السابعة؟ ومتى سيصل إلينا لو جاء من تحت العرش؟
تُرى أين الحق وأين الباطل؟ أين الصواب وأين الخطأ؟ لا يمكن أن يكون أينشتاين أعلم علماء عصره - كما يقول علماء المسلمين - مخطئ، ولا يمكن أن يكون كل علماء الفلك - غربيين وشرقيين، مؤمنين، وكافرين - مخطئين في حساباتهم الفلكية وأرقامهم التي ذكرنا بعضها وقد اتفقوا عليها جميعا. إذن فلم يعد أمامنا إلا أن نكذب ما جاء به محمد  ذلك الذي يتحدث بلغة الجمل والناقة، فلا يمكن تخطئة من يتحدث بالفوتونات والإلكترونات والكهرومغناطيسيات والتاكيونات والميونات إلى آخر الألفاظ التي يقولون بها.
إنني أيها السادة أصدق محمداً رسول الله  وأكذب أينشتاين وكل علماء الأرض لو اتفقوا على معارضة حرف واحد مما جاء به.
إن علماءنا يعتقدون، كما يعتقد جميع المؤمنين أن القرآن نزل ليتواءم مع كل عصر لأنه الرسالة الأخيرة، وأنه لابد أن يتحدث في كل عصر بلغته، وهم غير مخطئين في عقيدتهم هذه، لكن خطأهم أنهم لا يعلمون أن القرآن وإن كان مناسبا لكل العصور، فأنه أيضا جاء بلغة مشتركة بين كل العصور وآياته وأدلته مشتركة لكل زمان ولكل مكان.
لقــد كان القـرآن متمشيا مع كل عصر وكل مكان عندما قال لمخاطبيه: أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ (ق:6) ولم يقل (إلى الطائرات فوقهم) لأن آية السماء فوق كل كائن حي مهما كان وفي كل زمان ومكان.
وكان القرآن عصريا عندما قال أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (الغاشية:7) لأن الإبل لا يجهلها أحد في أي عصر ولا في أي مصر. ولم يقل القرآن (أفلا ينظرون إلى مكوك الفضاء) لأنه لم يكن موجودا قبل ربع قرن من الآن ولا يعرفه معظم سكان الأرض حتى الآن.
وحدثنا الله عن آية الجبال ولم يحدثنا عن الإنترنت لأن معظم سكان الأرض حتى في وقتنا هذا لا يعرفون الإنترنت.
وعندما تحدث القرآن عن مسافة السماء لم يقل بمسيرة الضوء أو الفوتونات لأن القرآن عندما نزل لم يكن المخاطبون يعرفون ما هي سرعة الضوء، بل لا يعرفون الضوء نفسه إلا من الشمس، ولم يكن في ليلهم ضوء ولم يكن حتى مسجد رسول الله  يضاء آنذاك ولا حتى بفتيل الزيت، ولكنه كان بالطبع مضاء بمحمد  والذين معه.
علماء الإسلام: خاطبوا الناس على قدر عقولهم. وكلموهم باللغة التي نزل بها القرآن. لأن سوي ذلك تكلف.
لقد أتى علماؤنا في هذا العصر بأمور لم يقل بها الله ورسوله، وإنما قال بها التجريبيون وهم جنود إبليس فأتونا بالمجموعة الشمسية والأبعاد الفلكية واللانهائية والنسبية والجاذبية وغيرها.
وهذا ليس آخر المطاف ولا أول الطريق. فعلى مدار تاريخ الإسلام ونزول القرآن جند إبليس جنده ليصد عن سبيل الله بكل وسيلة. ولكل عصر جنود وأتباع ولكل أتباع مفردات ومصطلحات. وقد ظهر الشيعة والخوارج والمرجئة والمعطلة والمجسمة والجبرية وأهل الكلام والفلاسفة والماسونية والشيوعية والاشتراكية والعلمانية التي نعيش دولتها الآن.
ولكل عصر مفرداته، وقديما أتى (أهل الكلام) بقضية خلق القرآن التي استغرقت وقتا وجهدا، وأخذاً وردا ً، حتى انتهت واندحرت وجاء غيرها. وفي كل مرة كان العلماء أو الفرقة الناجية تقف لهذه البدع وتدافع عن الدين فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأرْضِ (الرعد:17).
إلا أن هذا العصر الذي قل فيه العلم وكثر فيه الجهل وانتشرت فيه البدع وصدق في أهله قول رسول الله  فيما رواه الترمذي عن ابن عمر رضى الله عنهما" ليأتين على أمتي كما أتى على بنى إسرائيل حذو النعل بالنعل حتى إن كان منهم من أتى أمه علانية لكان في أمتي من يصنع ذلك. وإن بنى إسرائيل تفرقت على ثنتين وسبعين ملة، وتفرقت أمتي على ثلاث وسبعين ملة كلهم في النار إلا ملة واحدة" قالوا: من هي يا رسول الله؟
قال:" ما أنا عليه وأصحابي".
وقال الأوزاعي اصبر نفسك على السنة وقف حيث وقف القوم، وقل بما قالوا، وكف عما كفوا عنه. واسلك سبيل سلفك الصالح. فإنه يسعك ما وسعهم.
وأخرج الترمذي وصححه عن عبد الرحمن بن عمرو السلمي قال: أتينا العرباض بن سارية وهو ممن نزل فيه ولا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنْ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلا يَجِدُوا مَا يُنفِقُونَ (التوبة:92) فسلمنا وقلنا أتيناك زائرين وعائدين ومقتبسين. فقال عرباض: صلى بنا رسول الله  الصبح ذات يوم ثم أقبل علينا بوجهه، فوعظنا موعظة بليغة ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب. فقال قائل: يا رسول الله، كأن هذه موعظة مودع. فماذا تعهد إلينا.
فقال:" أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن عبدا حبشيا فإنه من يعش بعدى فسيرى اختلافا كثيرا. فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدى. تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور. فإن كل محدثه بدعة وكل بدعة ضلالة".
يقول تعالى: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ (يوسف: 108).
سفن الفضاء والأبعاد



أدخل عنوان بريدك الإلكتروني هنا يصــــلك كل جديــــد





بلغ الادارة عن محتوى مخالف من هنا ابلغون على الروابط التي لا تعمل من هنا



توقيع : manel


التوقيع



قصة الخلق من العرش إلى الفرش  story of Creation By Eid Wardany Emptyالجمعة 25 يناير - 22:37
المشاركة رقم: #
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
عضو الجوهرة
الرتبه:
عضو الجوهرة
الصورة الرمزية


البيانات
عدد المساهمات : 17945
تاريخ التسجيل : 17/10/2012
رابطة موقعك : ورقلة
التوقيت

الإتصالات
الحالة:
وسائل الإتصال:


مُساهمةموضوع: رد: قصة الخلق من العرش إلى الفرش story of Creation By Eid Wardany



قصة الخلق من العرش إلى الفرش story of Creation By Eid Wardany

لقد أفاض القرآن في ذكر آيات السموات والأرض لتكون فيها الكفاية للمؤمنين بالوحي والمتبعين للآيات، مما يغنيهم عن البحث في غيرها. فيؤكد ربنا تبارك وتعالى في سبع آيات لا ثامن لها أنه خَلَقَ السَّمَــوَاتِ وَالأرْضَ بِالْحَقِّ لينفي أنهما تكونتا بدمار، أو انفجار، أو اصطدام، أو صدفة أو لهوا، أو عبثا، أو باطلا، فيقول تعالى:
(1) وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَــوَاتِ وَالأرْضَ بِالْحَقِّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ (الأنعام:73)
(2) أَلـَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأرْض بِالـْحَقِّ إِنْ يَشَأْ يـُذْهِبْكُمْ وَيـَأْتِ بِخَلـْقٍ جَـدِيدٍ (إبراهيم:19)
(3) خَلَقَ السَّمَــوَاتِ وَالأرْضَ بِالْحَقِّ تَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (النحل 3)
(4) خَلَقَ اللَّهُ السَّمَــوَاتِ وَالأرْضَ بِالْحَقِّ إِنَّ فِي ذَلِكَ لأيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ  (العنكبوت:42)
(5) مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَــوَاتِ وَالأرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إلا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى (الروم:Cool

لعل البعض يسأل: كيف تكون السماء على مسافة 7 ملايين كيلو متر بينما سفن الفضاء تقطع في رحلتها للفضاء ملايين الكيلو مترات، بل إن السفينة الأمريكية (فواجير) أو (الرحالة) قطعت مسافة 5,5 بليون كم عام 1986؟
نجيب على ذلك بأن نقول إننا لا نثق في كل أرقامهم وكل معلوماتهم التي يعطونها. هذا أولا.
وثانيا: نقول بأن السفن الفضائية لا تسير في خط مستقيم إلى الهدف، بل تسبح في مسار دائري، وبذلك قد تدور السفينة حتى تنتهي الحياة ولا تصل إلى هدف طالما هي تدور حول الأرض حتى ولو انتقلت من مدارها. والمعروف أن الاتجاهات تفقد تماما في الفضاء، ولذلك يستوي لدى رجال الفضاء النوم وقوفا أو جلوسا أو استلقاءً.
إن ما وصلنا إليه من معرفة بعد السماء عن الأرض وبعد العرش، وأنها مسافات لا تقارن بما يقال من أرقام عن أبعاد الفضاء، فإننا لم نبتدع في الأمر، بل كان دليلنا الكتاب والسنة وما قال به علماء الأمة. وإنه لمن نافلة القول أن ننبه أننا لا نقيس قدرة الله وعظمته بطول أو قصر المسافات. فلو كان القول كذلك لكان قول التجريبيين هو الأقرب للإيمان لأنهم يقولون بلانهائية الكون. فيكون كذلك الأمر لقدرة الله وعظمته لأنه لا نهاية لهما.
ولكن الأمر لا علاقة له بالإسراف في الأبعاد. نحن فقط نفينا اللانهائية وأثبتنا ما أثبته الله ورسوله. وضبطنا الأمر بمقياس نفهمه نحن اليوم. ولا أقول أن المسافة بالزمن لم تعد مستعمله، بل هو المقياس المتفق عليه بين كل البشر، فإن كانت الأمم تختلف في وحدات القياس، فمنهم من تقيس بالذراع، وأخرى بالقصبة، وثالثة بالمتر، وغيرها بالكيلو، والميل، وهناك من يقيس بالفرسخ أو القدم أو الياردة أو الدونم أو الهكتار ولكنهم جميعا يتفقون على مقياس مشترك وهو وحدة الزمن، فيحسبون الأبعاد بالوقت.
الجنة والنار
أعدهما الله لعباده.. الذين سينقسمون في الدنيا إلي فريقين لا ثالث لهما فريق كافر وهم الأكثر وفريق مؤمن وهم الأقل. يقول تعالى هُوَ الَّذِى خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرُُ ومِنكُم مُّؤْمِن (التغابن:2).
لذلك سيسعد المؤمنون بالجنة وسيشقى الكافرون بالنار يَوْمَ يَاْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسُُ إلا بِإِذْنِهِ فَمِنهُمْ شَقِىُُّ وَسَعِيدُُ (105) فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُواْ فَفِى النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرُُ وَشَهِيقُُ (106) خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَــوَاتُ وَالأَرْضُ إلا مَا شَآءَ رَبُّكَ إنَّ رَبَّكَ فَعَّالُُ لِمَا يُرِيدُ (107) وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُواْ فَفِى الْجَنَّة خَالِدِينَ فِيهَا مـَا دَامَتِ السَّمَــوَاتُ وَالأَرْضُ إلا مَا شَآءَ رَبُّكَ عَطَآءََ غَيْرَ مَجْذُوذِِ (هود).
من أجل ذلك فقد خلق الله تعالى الجنة والنار، وهيأهما. فهما مرصودتان ومشتقتان لأهلهما.. ومـن ثم فهما موجودتان الآن.. لقوله تعالى عن الجنة أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِين وعن النار أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِِين.
والجنة مائة درجة وقد روى البخاري عن رسول الله  أنه قال:" إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيل الله ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض، فإذا سألتم الله فـاسألوه الفردوس، فـإنه أوسط الجنة، وأعلى الجنة، وفوقه عرش الرحمن، ومنه تفجر أنهار الجنة".
وأعلى منزلة في الجنة ينالها شخص واحد تسمى" الوسيلة" وسينالها - إن شاء الله - النبي .
وفي المسند عن أبى سعيد قال: قال رسول الله :" الوسيلة درجة عند الله ليس فوقها درجة، فسلوا الله أن يؤتيني الوسيلة".
وللجنة ثمانية أبواب يدخل منها كلٌ بحسب عمله كما ورد في الحديث المتفق عليه" من أنفق زوجين في سبيل الله من ماله دعي من أبواب الجنة، وللجنة ثمانية أبواب، فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة، ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة، ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الصيام" فقال أبو بكر الصديق: والله ما على أحد من ضرر دعي من أيها دعي، فهل يدعى منها كلها أحد يارسول الله؟ قال:" نعم، وأرجو أن تكون منهم" وورد أن باب الصائمين يسمى الريان.
كما ورد أن الله خص من لا حساب عليهم بباب خاص، ففي الحديث المتفق عليه من حديث أبي هريرة في حديث الشفاعة" فيقول الله: يامحمد أدخل من لا حساب عليه من أمتك من الباب الأيمن وهـم شركاء الناس في الأبواب الأخر" ثم بين في هـذا الحديث سعة أبواب الجنة فـقال:" والذي نفس محمد بيده: إن بين المصراعين من مصاريع الجنة، أو ما بين عضادتي الباب، كما بين مكة وهجر، أو كما بين مكة وبصرى". وأبواب الجنة مغلقة وتفتح يوم القيامة لأهلها، كما أنها تفتح كل عام في شهر رمضان، كما ورد في الصحيحين أن رسول الله  قال إذا دخل شهر رمضان فتحت أبواب الجنة، وغلقت أبواب النار".
أمـا النار فسبع دركات بعضها تحت بعض وهي: الأول جهنم، والثاني لظى، والثالث الحطمة، والرابع السعير، والخامس سقر، والسادس الجحيم، والسابع الهاوية. وقيل أن كل هذه الأسماء علم على النار. وسينزل هذه الدركات من أهلها كل حسب كفره ومعاصيه، والدرك الأعلى سيكون للعصاة من أمة محمد  أما الدرك الأسفل فسيكون للمنافقين.
وللنار أيضا أبـواب ورد في القـرآن أنها سبعة لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابِِ لِكُلِ بَابِِ مّنْهُمْ جُزْءُُ مَّقْسُوم (الحجر: 43) هذه الأبواب يبدو أنها الآن مفتحة، لأنها تغلق كل عام في شهر رمضان. كما أنها ستغلق على أهلها بعد اكتمال عددهم حتى يكونوا خالدين فيها ولا يكن مطمع في الخروج منـها، لذا يقول تعالى عَلَيهِمْ نَارُُ مُّؤْصَدَة ومؤصدة: أي مغلقة الأبواب.
والسؤال: إذا كانت الجنة والنار مخلوقتان وموجودتان الآن فأين هما؟
من استقراء الآيات والأحاديث نجد أن الله تعالى قد جعل جنته في أعلى عليين، وجعل ناره في أسفل سافلين. لذا فالجنة" درجات" والنار" دركات".
أخرج أبو الشيخ في العظمة عن ابن مسعود قال: الجنة في السماء السابعة العليا، والنار في الأرض السابعة السفلى.
وقد صرح القرآن بأن الجنة في السماء لقوله تعالى عِندَ سِدْرَةِ المُنتَهَى (14) عِندَهَا جَنَّةُ المَأْوَى (النجم). وسدرة المنتهى: شجرة في السماء السابعة ينتهي إليها كل ما يهبط من فوقها، وكل ما يعرج من تحتها، والجنة عندها أيضا. لذا فإن الله تعالى سيقربها يوم القيامة.
ولكن القرآن لم يصرح بمكان النار، وإنما يفهم من استقراء الآيات أنها تحت الأرض، بل وصرحت بذلك أحاديث رسول الله  فقد روى الشوكاني في تفسيره (فتح القدير) أنه: أخرج أحمد والبخاري وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن حبان وصححه عن يعلي بن أمية قال: قال رسول الله :" إن البحر هو جهنم" ثم تلا نَاراََ أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا.
وبـهذا قال كثير من علماء السلف بأن الـنار في الأرض. وذكر الأمام القرطبي باباً في كتابـه (التذكرة) بعنوان (باب ما جاء أن جهنم في الأرض وأن البحر طبقها).
أما قراءة آيات القرآن فنجد أن ذكر النار يشعر بأنها أسفل سافلين، وأن الله تعالى سيبرزها يوم القيامة. لذا نجد أن جهنم يوم القيامة ستبرز.. لأنها تحت الأرض، أما الجنة فستقرب.. لأنها في السماء. يقول تعالى وَأُزْلِفَتِ الجَنَّةُ لِلمُتقِينَ (90) وَبُرِزَتِ الجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ (الشعراء).
وبرزوا: أى ظهروا من قبورهم في الإرض يوم القيامة. فالآيات تصف الجنة بالاقتراب لأنها كانت بعيدة في السماء، وتصف النار بالظهور لأنها كانت مختفية في الأرض. كذلك ترد ألفاظ دخول النار بـما يشعر بأنها أسفلنا كالإلقاء، والهوي، والأنهيار كقوله تعالى أَلُقِيَا فِى جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارِِ عَنِيدٍ وَإذَآ أُلْقُواْ مِنْهَا مَكَاناً ضَيِّقا فَأنـْهَارَ بـِهِ فِى نَارِ جَهَنَّمَ فَاُمُّهُ هَآوِيَةُُ (9) وَمَآ أدُرَاكَ مَا هِيَه (10) نَارُُ حَامِيَة.
وفي الصحيحين عن رسول الله  أنه قال:" إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين ما فيها يهوي بها في النار، أبعد ما بين المشرق والمغرب".
وذكر ابن كثير في النهاية أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: أتى جبريل إلى رسول الله  في حين لم يكن يأتي فيه فقال:" يا جبريل مالي أراك متغير اللون. فقال: إني لم آتك حتى أمر الله بفتح النار. فقال رسول الله : ياجبريل صف لي النار وانعت لي جهنم. فقال إن الله أمر بها فأوقد عليها ألف عام حتى ابيضت، ثم أوقد عليها ألف عام حتى احمرت، ثم أوقد عليها ألف عام حتى اسودت، فهي الآن سوداء مظلمة لايضىء شررها، ولا يطفي لهيبها. وقال: والذي بعثك بالحق لو أن حلقة من السلسلة التي نعت الله في كتابه وضعت على جبال الدنيا لأذابتها. فقال النبي  حسبي يا جبريل لا يتصدع قلبي، فنظر النبي  إليه يبكي، فقال يا جبريل تبكي وأنت من الله بالمكان الذي أنت به. قال: وما يمنعني أن أبكي وأنا لا أدري لعلي أن أكون في علم الله على غير هذه الحال. فقد كان إبليس مع الملائكة، وقد كان هاروت وماروت من الملائكة، فلم يزل  يبكي وجبريل حتى نوديا: يا محمد ويا جبريل إن الله أمنكما أن تعصياه، قال: فارتفع جبريل، وخرج النبي  فمر بقوم من أصحابه يتحدثون ويضحكون. فقال: تضحكون وجهنم من وراءكم لو تعلمن ماأعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا، ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله تعالى، فأوحى الله: يا محمد إني بعثتك مبشرا. قال: فقـال رسول الله  أبشروا وسددوا وقاربوا" قال الحافظ إسماعيل بن محمد بن الفضل: حديث حسن وإسناده جيد.
وأخـرج الشيخان في صحيحيهما وأحمد في مسنده أن رسول الله  قال "إشتكت النار إلى ربها فقالت: أكل بعضي بعضا. فأذن لها بنفسين، نفس في الشتاء، ونفس في الصيف، فأشد ما تجدون من الحر من فيح جهنم، وأشد ما تجدون من البرد فهو من زمهرير جهنم"
وقال " يؤتى بجهنم يومئذ لها سبعون ألف زمـام، مـع كـل زمام سبعون ألف ملك يجرونها" وجر النار مما يوحى على أنها في الأرض بخلاف الجنة التي ستقرب من السماء.
وقد يتساءل البعض: كيف تكون النار في الأرض والله تعالى يقول يَوْمَ تُبَدَّلُ الأرْضُ غَيْرَ الأرْضِ وَالسَّمَوَاتُ؟ نقول بأن تبديل الأرض لايعني تغييرها بالكلية وإنما تغيير معالمها وصفاتها. يفسر ذلك حديث جابر الذي رفعه:" تمد الأرض مد الأديم ثم لايكون لابن آدم منها إلا موضع قدميه" وكذلك حديث ابن عباس في تفسير الآية قال:" يزاد فيها، وينقص منها، ويذهب آكامها وجبالها، وأوديتها وشجرها، وتمد مد الأديم العكاظي".
* * * * *





























خلق الكائنات العاقلة
الملائكة ـ الجن ـ الإنس






خلق الملائكة
ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهـِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ (11) فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا.. (فصلت:11). بعد أن خلق الله السموات السبع في المرحلة الثالثة والأخيرة من الخلق أوحى في كل سماء أمرها، وكان ذلك الأمر في اليوم السادس. وكان هذا الذي أوحاه الله في كل سماء: أهلها.
وهم الملائكة. خلقهم الله تعالى من نور لما رواه مسلم عن النبي  قال" خلقت الملائكة من نور، وخلق الجان من مارج من نار وخلق آدم مما وصف لكم".
* وقد خلقهم الله ليكونوا جنوده، الذين يقومون علي شئون الخلق بأمر الله تعالى وتدبيره.
* وقال بعض علماء التفسير أن أصل خلق هذه الكائنات من الماء الذي قلب نورا فخلق منه الملائكة، وقلب نارا فخلق منه الجان، وقلب إلي طين فخلق منه من خلق وما خلق.
وقد خلقهم الله تعالى في صورة جميلة. وخلق لهم أجنحة، بها يتحركون. لأن حركتهم كما قال تعالى سباحة فقال وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا وهم متفاوتون في القوة والقدرة وعدد الأجنحة. قال تعالى الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَــوَاتِ وَالأرْضِ جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (فاطر:1) وهم لا يوصفون بالذكورة أو الأنوثة كسائر خلق الله.
* تسكن الملائكة في السموات وهم أهلها ولا ينزلون إلى الأرض إلا بالأمر من الله. وهم ينزلون لتدبير شئون الخلق. قال عنهم تعالى فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا واتفق العلماء على أنهم الملائكة لأن كل شيء في الكون تقوم عليه ملائكة بتكليف من الله تعالى. وكما حسن الله خَلق الملائكة فقد حسن خُلقها حتى وصفها الله تعالى بقوله كِرَامٍ بَرَرَةٍ وأخبرنا رسول الله  بأن من خلقهم الحياء.
* والملائكة لا تأكل ولا تشرب، كما أنهم لا يتعبون ولا يملون.
* أما عددهم فهو مما استأثر به في علم الغيب عنده فقال وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إلا هُو وهم كثيرون حتى أنه لا يوجد في السموات السبع موضع قدم إلا وفيه ملك. وقد أخبرنا أن البيت المعمور الذي في السماء السابعة يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه آخر ما عليهم. كما روى الشيخان وغيرهما.
* وللملائكة أسماء وقد أخبرانا القرآن والسنة عن أسماء بعضهم. ومـن الذين ذكروا في القرآن: جبريل وهـو رئيس الملائكـة وأكثرهم ذكرا في القرآن وقـد وصفه الله بصفات جليلة الرُّوحُ الأمِينُ (الشعراء:193) رُوحُ الْقُدُس (النحل:102) رَسُولٍ كَرِيمٍ (19) ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ (20) مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ (التكوير) ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى (النجم:6) وهو له ستمائة جناح ما بين كل جناحين كما بين المشرق والمغرب.
وجبريل عليه السلام موكل بالوحي. وبعقوبة من يكذب بالوحي. فهو عليه السلام الذي ائتمنه الله تعالى على الوحي فكان رسول الله تعالى إلى الأنبياء. وقد كانت آخر مرة ينزل فيها جبريل إلى الأرض عندما نزل ليصلي على رسول الله  بعد وفاته.
وعندما أعلنت اليهود أنها تكره جبريل وأنه عدوهم أنزل الله تعالى: قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (97) مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيـلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ (98) (البقرة).
ومن الملائكة أيضا ميكال أو ميكائيل: وهو من أشرف الملائكة المقربين موكل بالمطر والنبات. وقد رأى رسول الله  كلا الملكين. رأى جبريل مرتين على صورته الحقيقة: مرة في الأرض يسد ما بين السماء والأرض ومرة في السماء عندما عرج إليها.
وروى الإمام أحمد أن رسول الله  سأل جبريل:" ما لي لم أر ميكائيل ضاحكا قط؟ فقال: ما ضحك ميكائيل منذ خلقت النار". ولميكائيل ملائكة معاونون يصرفون الرياح والسحاب كما يشاء الله ويأمر.
ومن الملائكة المصرح بأسمائهم في القرآن" مالك" خازن النار قال عنه تعالى: وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ (77) لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ (78) (الزخرف) ومعه معاونون أيضا وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنْ الْعَذَابِ(غافر) ووصفهم الله تعالى بقوله: عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (التحريم:6) وذكــر تعالى عددهم فقال عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ (30) وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إلا مَلائِكَةً (المدثر).
ومنهم أيضا (هاروت وماروت) قال عنهما تعالى وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ (البقرة:102).
هـؤلاء هم الملائكة الذين ورد ذكرهم في القرآن بالاسم. وباقي أسمائهم أخبرنا بها رسول الله :
منهم إسرافيل الذي ينفخ في الصور. ومنهم رضوان خازن الجنة. ومنكر ونكير الموكلان بسؤال القبر. وقيل إن ملك الموت يسمى عزرائيل.
وملك الموت معه أيضا معاونون يأتون الإنسان المراد قبض روحه على حسب عمله. قـال تعالى عـن ملك الموت قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (السجدة:11) وعن أعوانه قال حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ (61) ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمْ الْحَقِّ أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ (الأنعام).
وروى ابن أبى حاتم عن جعفر بن محمد قال: سمعت أبى يقول: نظر رسول الله  إلى ملك المـوت عند رأس رجل من الأنصار. فقال له النبي :" يا ملك الموت ارفق بصاحبي فانه مؤمن" فقال ملك الموت: يا محمد طب نفسا وقرعينا فإني بكل مؤمن رفيق. واعلم أن ما في الأرض بيت مدر (بيت من طين) ولا شعر في بر ولا بحر إلا وأنا أتفحصهم في كل يوم خمس مرات حتى إني أعرف بصغيرهم وكبيرهم بأنفسهم والله يا محمد لو أنى أردت أن أقبض روح بعوضة ما قدرت على ذلك حتى يكون الله هو الآمر بقبضها".
وقد أعطى الله الملائكة القدرة على التشكيل بغير أشكالهم. وقد كان رسول الله يأتيه جبريل في صورة رجل شبيه بالصحابي" خليفة بن دحية الكلبي". وأتى جبريل إلى مريم في صورة بشر فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا (مريم:17) وجاءت لإبراهيم ملائكة في صورة بشر. وكذلك ذهبوا إلى لوط.
والملائكة منظمون تماما في عبادتهم وفي كل شئونهم. وقد قال  لأصحابه يوما وهو يسويهم" ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربها؟" قالوا: وكيف يصفون عند ربهم؟ قال "يكملون الصف الأول فالأول يتراصون في الصف" رواه الجماعة إلا البخاري.
وأخبر  ما امتازت به أمته عن الأمـم" جعلت صفوفا كصفوف الملائكة" رواه مسلم. ويقول تـعالى عن إتيان الملائكة يوم القيامة وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا (الفجر:22) وعن وقوفهم يوم القيامة يومَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا لا يَتَكَلَّمُونَ إلا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا (النبأ:38). وقد دلت أحاديث المعراج على أن الملائكة لا تفتح لأي أحد إلا إن كان قد أذن له في الدخول.
وظيفة الملائكة
يخبرنا القرآن الكريم وأحاديث الرسول أن الملائكة لها مع الله شأن وهو العبادة. ومع خلق الله شأن وهو التدبير.
أما عبادتها: فإنهم يسبحون، ويصلون، ويحجون، ويطيعون الله ولا يعصونه، ويخشونه تعالى.
تسبيحهم: فالملائكة عملهم الدائب وشغلهم الشاغل وروح حياتهم التسبيح يحملون العرش يسبحون، ويطوفون حول العرش يسبحون، يفعلون أي شيء يسبحون وكما قال تعالى: يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ (الأنبياء:20) ويقول الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا (غافر:7).
وروى أن أربعة منهم يقولون: (سبحانك اللهم وبحمدك لك الحمد على حلمك بعد علمك) وأربعة يقولون: (سبحانك اللهم وبحمدك لك الحمد على عفوك بعد قدرتك). وفي سورة الصافات يقول تعالى وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ (165) وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ وفي سورة الشورى يقول تَكَادُ السموات يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ وَالْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الأرْضِ أَلا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
روى مسلم في صحيحه، عن أبى ذر قال: سئل رسول الله 
أي الذكر أفضل؟ قال:" ما اصطفي الله لملائكته أو لعباده: سبحان الله وبحمده".
صلاتهم: روى الطبراني عن جابر بن عبد الله عن رسول الله :
" ما في السموات السبع موضع قدم ولا شبر ولا كف إلا فيه ملك قائم أو ملك ساجد أو ملك راكع. فإذا كان يوم القيامة قالوا جميعا: ما عبدناك حق عبادتك".
وروى الطبراني أيضا عن حكيم ابن حزام قال: بينما رسول الله  في أصحابه إذ قال لهم: أتسمعون ما أسمع؟ قالوا: ما نسمع من شيء قال" إني لأسمع أطيط السماء، وما تلام أن تئط وما فيها موضع شبر إلا وعليه ملك ساجد أو قائم".
حجهم: يحج الملائكة إلى كعبتهم التي في السماء السابعة واسمها" البيت المعمور" الذي أقسم به تعالى في سورة الطور وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ.
وقد روى البخاري ومسلم وغيرهما من حديث المعراج قول رسول الله  " ثم رفع بي إلى البيت المعمور، وإذا هو يدخله كل يوم سبعون ألفا لا يعودون إليه آخر ما عليهم".
خشيتهم من الله تعالى: يقول تعالى عنهم: وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ (الأنبياء:28). وروى عن رسول الله :" إن لله ملائكة حول العرش تجرى أعينهم مثل الأنهار إلى يوم القيامة. تميد كأنما تنفضهم الـريح مـن خشية الله تعالى، فيقول لهم رب العزة كما في الحديث القدسي:" } ياملائكتي، ما الذي يخيفكم وأنتم عندي؟ { فيقولون: يا رب لو أن أهل الأرض اطلعوا من عزتك وعظمتك على ما اطلعنا عليه، ما أساغوا طعاما ولا شرابا، ولا انبسطوا في فرشهم، ولخرجوا إلى الصحاري، يخورون كما تخور البقر".
وقال محمد بن المنكدر: لما خلقت النار طارت أفئدة الملائكة من أماكنها فلما خلق آدم عادت.
وحدث ابن وهب قال: حدثنا ابن زيد قال: لما خلق الله النار ذعرت منها الملائكة ذعراً شديدا وقالوا: ربنا لم خلقت هذه النار؟ ولأي شيء خلقتها؟ قال: } لمن عصاني من خلقي{ ولم يكن لله يومئذ خلق إلا الملائكة، والأرض ليس فيها خلق إنما خلق آدم بعد ذلك.. وقرأ قوله تعالى: هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا قال عمر بن الخطاب: يا رسول الله ليت ذلك الحين. ثم قال:" وقالت الملائكة: ويأتي علينا دهر نعصيك فيه؟ لا يرون له خلقا غـــيرهم قال لا } إني أريد أن أخلــق في الأرض خلقــا وأجعل فيها خليفة {".
وروي عن النواس بن سمعان رضي الله عنه قال: قال رسول الله " إذا أراد الله أن يوحي بالأمر تكلم بالوحي أخذت السموات منه رجفة، أو قال رعدة شديدة، خوفا من الله عز وجل، فإذا سمع ذلك أهل السموات صعقوا وخروا لله سجدا، فيكون أول من يرفع رأسه جبريل عليه السلام فيكلمه الله تعالى من وحيه بما أراد" رواه ابن أبي حاتم وابن خزيمة والطبراني وابن جرير.
وفي الطبراني عن جابر أن رسول الله  قال" مررت ليلة أسري بي بالملأ الأعلى وجبريل كالحلس البالي من خشية الله تعالى" والحلس كساء يبسط في أرض البيت.
هذه عبادتهم أما عملهم: فـقد أخبرنا الله تعالى في القرآن أن لهم أعمالا متعلقة بخلقه، فهم جنوده. يقول ابن عباس" كلفهم الله بأمور عرفهم العمل بها والوقوف عليها. بعضهم لبني آدم يحفظون ويكتبون. وبعضهم بالأمطار والنبات، والخسف والمسخ والرياح والسحاب".
وقد وكل تعالى بالرحم ملكا، وبالجبال ملكا، وبالبحار ملكا، كما وكل تعالى للجنة ملائكة موكلون بعمارتها وعمـل آلاتها وأدواتها وأوانيها وغراسها وفراشها ونمارقها وأرائكها...
وللنار ملائكة موكلة بعمل ما فيها، وإيقادها، ولأغلالها وسلاسلها. وللأفلاك ملائكة تحركها وتديرها، وللشمس والقمر والكواكب وسائر ما في السماء. وبالرياح ملائكة تصرفها وبالسحاب ملائكة تسوقه إلي حيث أمرت به: ثبت في الصحيح عن النبي  أنه قال" بينما رجل بفلاة من الأرض إذ سمع صوتا في سحابة يقول: اسقى حديقة فلان. فتتبع السحابة حتى انتهت إلي حديقة فأفرغت ماءها فيها. فنظر فإذا رجل في الحديقة يحول الماء بمسحاة. فقال لـه: ما اسمك يا عبد الله؟ فقال فلان. الاسم الذي سمعه في السحابة. فقال: إني سمعت صوتا في هذه السحابة التى هذا ماؤها يقول اسقى حديقة فلان. فما الذي تصنع في هذه الحديقة؟ قال إني أنظر ما يخرج منها فاجعله ثلاثة أثلاث: ثلث أتصدق به وثلث أنفقه علي عيالي وثلث أرده فيها".
كما وكل الله تعالى ملائكة يصلون على معلمي الناس الخير. وملائكة يبلغون رسول الله  من صلى عليه من أمته. وملائكة يقفون على أبواب المساجد قبل الجمعة يكتبون الأول فالأول، حتى إذا صعد الخطيب على المنبر طووا صحفهم، وجلسوا يستمعون الذكر. وملائكة يؤمنون على من يدعون لإخوانهم بالغيب ويقولون: آمين ولك مثله. وملائكة تبتلى بنى آدم كما ورد في حديث الأبرص والأقرع والأعمى الذي رواه البخاري ومسلم.
وملائكة يقاتلون مع المؤمنين كما فعلوا في معركة بدر وقد كانوا من أفضل الملائكة وفضلهم في غيرهم كفضل من شهد بدرا من الصحابة على غيرهم.
وكما قاتلوا أيضا في غزوة الخندق. وثبت في الصحاح أن جبريل جاء رسول الله بعد رجوع الأحــزاب وعلى ثنايا جبريل النقع (الغبار) وكـان رسول الله يغتسل فقال لرسـول الله :" أوضعتم سلاحكم، فإنا لم نضع سلاحنا بعد. فقال: إلى أين؟ فأشار إلى بنى قريظة".
وهناك ملائكة موكلة بحفظ المدينة ومكة من الدجال. وملائكة باسطوا أجنحتهم على الشام.
وهناك ملائكة يلعنون المرأة التي لا تستجيب لزوجها، كما في الحديث الذي رواه
البخاري عن رسول الله " إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت فبات غضبان لعنتها الملائكة حتى تصبح".
وتلعن من أشار إلى أخيه بحديدة وإن كان أخاه لأبيه وأمه. كما في حديث مسلم. وملائكة تلعن من يسب أصحاب رسول الله . ومن يحولون دون تنفيذ شرع الله. ومن يؤوى محدثاً.
وروى البخاري" ما من يوم يصبح فيه العباد إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقاً خلفاً. ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكاً تلفاً".
وعنه  قال" ما من يوم طلعت فيه الشمس إلا وبجنبتيها ملكان يناديان يسمعهما خلق الله كلهم إلا الثقلين: يا أيها الناس هلموا إلى ربكم، إن ما قل وكفي، خير مما كثر وألهى، ولا غربت شمسه إلا وبجنبتيها ملكان يناديان".
وروى في الصحاح عن رسول الله  أنه قال:" إن لله ملائكة سيارة فضلاء يبتغون مجالس الذكر فإذا وجدوا مجلسا فيه ذكر قعدوا معهم وحف بعضهم بعضا بأجنحتهم حتى يملئوا ما بين السماء والأرض فإذا تفرقوا عرجوا وصعدوا إلى السماء. فيسألهم الله عز وجل وهو أعلم بهم: من أين جئتم؟ فيقولون: جئنا من عند عباد الله في الأرض يسبحونك ويكبرونك ويهللـونك ويحمدونك ويسألونك. قال: ومـاذا يسألوني؟ قالوا: يسألونك جنتك. قال: وهل رأوها؟ قالوا: لا يا رب. قال: كيف لو رأوهـا؟ قالوا: ويستجبرونك. قال: ومما يستجيروني؟. قالوا: من نارك يا رب فيقول: قد غفرت لهم فأعطيتهم ما سألوا وأجرتهم مما استجاروا. قال، يقولون: رب، فيهم فلان خطاء إنما مر فجلس معهم. فيقول: وله غفرت هم القوم لا يشقى بهم جليسهم" اللفظ لمسلم.
هذا ما تقوم به الملائكة في الأرض ومع أهلها مما كلفهم به الله وأمثال ذلك كثير وإنما اقتصرنا على بعض أعمالهم. وهذه وإن كانت أعمال عامة لكل الناس فإن لكل واحد منا عدد من الملائكة ملزمون به.
رحلة الملائكة معك
رحلة طويلة، يصحبك فيها كوكبة من الملائكة الكرام. تبدأ من وجودك في بطن أمك مضغة، ثم تدوم ما دامت السموات والأرض.
وهذه الرحلة دليل - للمؤمنين فقط - بأن الكون قائم على المبدأ الإنساني القوى. هذا المبدأ الذي يتبناه المؤمنون ويعارضه التجريبيون، ينص عليه القرآن صراحة فيقول: وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلا (الإسراء:70) ويقول تعالى: وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَــوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ (الجاثية:13) ومع ذلك وجد من المسلمين من أنكر هذا المبدأ ورفض هذه النعمة واستعلى على أن يقبل التكريم من رب العالمين.
وعن هذا المبدأ يقول الدكتور مصطفي ‎إبراهيم فهمي:" هناك من يرى أن كوكبنا الأرض هو في أغلب الاحتمال الكوكب الوحيد الذي ظهرت فيه الحياة، وبالتالي فإن الإنسان هـو محور الكون. والكون بكل تاريخه وبنيته وخواصه إنما يمهد لأن تظهر عليه الحياة البشرية الواعية. وهذا المبدأ يستبعد وجود أي حياة على الكواكب الأخرى بدليل أنه بعد مرور ما يزيد على عشرة بلايين سنة من عمر الكون لم يتوصل أحد بعد لأي برهان يثبت وجود حياة على كوكب آخر. وهذا ما يسمى بالمبدأ" الإنساني القوى" ويعترض علماء كثيرون على المبدأ الإنساني القوى، لأنه يجرى مضاد لاتجاه مسار العلم الحديث.
لقد كانت النظريات القديمة لأرسطو وبطليموس ترى أن الأرض ليست هي مركز الكون بإنسانها الذي فيها. ولكن كوبرنيقوس وجاليليو أثبتا أن الأرض ليست هي المركز، وإنما هي تدور حول مركز آخر هو الشمس ثم انتهت الأبحاث إلى أن الأرض مجرد كوكب متوسط الحجم يدور حول نجم متوسط هو الشمس وذلك على الأطراف من مجرة عادية تسمى درب التبانة. هذه المجرة ليست سوى مجرة واحدة بين ما يقرب من مليون المليون من المجرات فيما يمكن رصده من الكون. فكيف يزعم أي مبدأ أن هذا البناء كله إنما يوجد من أجلنا نحن في كوكبنا المنزوي هذا؟".
ثم يضيف الدكتور" أن هذا زعم فيه عجرفة وسخف يذكران بالفلسفات القديمة التي كانت تصمم على أن الإنسان والأرض هما المحور والمركز، وأن النجـوم مجرد ثقوب صغيرة وضعت في السماء ليبتهج الإنسان بمرآها".
ولكي نقف على وجهة النظر الأخرى نذكر ما قاله"سيد قطب" في ظلال القرآن تفسيرا لقوله تعالى من سورة البقرة {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاًٌ} يقول إن كلمة {لَكُمٌْ} هنا ذات مدلول عميق، وذات إيحاء عميق، إنها قاطعة في أن الله خلق هذا الإنسان لأمر عظيم، خلق ليكون مستخلفا في الأرض مالكا لما فيها، فاعلا مؤثرا فيها، إنه الكائن الأعلى في هذا الملك العريض، والسيد الأول في هذا الميراث الواسع، ودوره في الأرض إذا وفي أحداثها وتطوراتها هو الدور الأول، إنه سيد الأرض وسيد الآلة.
إنه ليس عبداً للآلة كما في العالم المادي اليوم.
والنعمة التي يمتن الله بها على الناس هنا - وهو يستنكر كفرهم به - ليست مجرد الإنعام عليهم بما في الأرض جميعا. ولكنها - إلى ذلك - سيادتهم على مـا في الأرض جميعا. ومنحهم قيمة أعلى من قيم الماديات التي تحويها الأرض جميعا هي نعمة الاستخلاف والتكريم فوق نعمة الملك والانتفاع العظيم".
إنه لأمر خطير أن يدخل بعض الناس الدنيا، ويخرج منها، ولم يعرف دوره وقيمته. رغم كل آيات الله المكتوبة والمكنونة لوضعه على الطريق.
يقول أمية ابن أبى الصلت:
لم تخلق السماء والنجوم والشمس معها قمر يقوم
قدرها المهين القــيوم والحشر والجنة والحميم
إلا لأمر شأنه عظيم
ليت بنو آدم يدركون قيمتهم عند الله. تلك القيمة التي بلغت حداً أن الله يجعل خطا فاصلا بين عبادة الملائكة له عز وجل وبين دعائهم الدائم لبنى آدم. ولعل هذا الأمر هو الذي يوضح لنا كيف سخر لنا الله ما في السموات. إننا نفهم أن كل ما في الأرض مسخر لنا فهذا ما نراه بالفعل. ولكن كيف سخر لنا الله ما في السموات كما أخبرنا في قرآنه؟
يقول تعالى عن حملة العرش ومن حوله في سورة غافر - ولنتأمل كيف سخرت لنا أرفع الملائكة مكانا ومكانة الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (7) رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُم وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (Cool وَقِهِمْ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِي السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ .
ويقول تعالى عن باقي ملائكته في السموات تَكَادُ السَّموَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ وَالْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الأرْضِ أَلا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (الشورى:5). ولا نعلم من الملائكة أعلى قدرا من جبريل عليه السلام وقد كانت وظيفته تبليغ الوحي لبنى آدم. فكان يقطع المسافة بين السموات والأرض نزولاً وصعوداً على مدار تاريخ البشر من آدم عليه السلام حتى محمد . فما بالنا بمن دون جبريل من الملائكة.
أيها الإنسان كم كرمت، وفضلت وميزت عن كثير من المخلوقات. وكم فعل الله تعالى من أجلك. وأنت لا تعرف قيمتك ولا نعمة ربك عليك. يقول تعالى في الحديث القدسي الجليل }يابن آدم : لو علمت قدر نفسك عندنا ما أهنتها.. إنما أخرجناه إبليس من الجنة إذ لم يسجد لك وأنت في صلب أبيك .. فوا عجبا .. كيف صالحته .. وتركتنا!!{.
وتمكن من الملائكة كلفها الله تعالى بك وأمرها أن تقوم عليك تبدأ معك من بطن أمك.
اللقاء الأول: روى الشيخان عن عبد الله بن مسعود رضى الله عنه قال: حدثنا رسـول الله  وهو الصادق المصدوق:" إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً نطفة، ثم يكون في ذلك علقة مثل ذلك، ثم يكون في ذلك مضغة مثل ذلك. ثم يرسل الملك فينفخ فيه الروح. ويؤمر بأربع كلمات يكتب: رزقه، وأجله، وعمله، وشقي أو سعيد".
هذا هو اللقاء الأول بالملائكة ملك يأتيك وينفخ فيك الروح ويكتب لك شهادة ميلادك الحقيقية لا شهادة السجل المدني التي تحتوى على بيانات لا تنفع في الآخرة في شيء. فيدون أربع بيانات: (رزقك: كم يكون وكيف. وأجلك: متى تموت وأين. وعملك: خير هو أم شر. ثم مصيرك: شقي أنت أم سعيد).
اللقاء الثاني: أما لقاءك الثاني مع الملائكة فعندما يكتمل مدة حملك في بطن أمك تسعة أشهر ويبدأ موعد خروجك إلى الدنيا. فيرسل الله إليك ملكا ليخرجك، وهو الملك الموكل بالأرحام يقول تعالى في هذا الحديث القدسي: } يا ابن آدم: جعلت لك قرارا مكينا في بطن أمك. وغطيت وجهك بغشاء رقيق حتى لا تتأذى برائحة الطعام. وحولت وجهك في ظهر أمك حتى لا يؤذيك التنفس. وجعلت لك متكأين، متكأ عن يمينك، ومتكأ عن شمالك. أما الذي عن يمنيك فالكبد وأما الذي عن شمالك فالطحال وعلمتك القيام والقعود وأنت في بطن أمك. أفيقدر على هذا أحد غيري؟ ولما حان موعد وضعك أرسلت إلى الملك الموكل بالأرحام ليخرجك. فأخرجك على ريشة من جناحه. وأنت ليس لك سنا تقطع بها ولا يدا تفتح بها ولا رجلا تمشى عليها. وجعلت لك عرقان رقيقان في صدر أمك يخرجان لك لبنا سائغا حار في الشتاء، بارد في الصيف. وجعلت الحنان في قلب أبويك، فلا يأكلان حتى تأكل ولا يشربان حتى تشرب. أفيقدر على هذا أحد غيري؟
ولما قوى عودك. واشتد ظهرك بارزتني بالمعاصي في الخلوة ومع الجماعة ولم تستح منى. ومع ذلك إن سألتني أعطيتـك. وإن دعوتني أجبتك. وإن استغفرتني غفرت لك. يا ابن آدم: من أكثر منـى جودا وكرما. وأنا الجواد الكريم؟ {.
اللقاء الثالث: عندما تخرج إلى الدنيا يستقبلك ملكان يحفظان جسدك ويؤمّنان حياتك حتى يأتي أمر الله فيخليا بينه وبينك. يقول تعالى: وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ (2) النَّجْمُ الثَّاقِبُ (3) إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ (الطارق). ويقول وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ (الأنعام:61). إنها حراسة خاصة لكل إنسان على حده، لا يفارقانه مـن ميلاده إلا عند موته. وينتهي دورهما. يقول تعالى سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَســـَارِبٌ بِالنَّهَارِ (10) لَهُ مُعَقِّــبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْــهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُــونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ (الرعد).
وروى أبن المنذر وأبو الشيخ عن على رضى الله عنه في هذه الآية: ليس من عبد إلا ومعه ملائكة يحفظونه من أن يقع عليه حائط أو ينزوي في بئر، أو يأكله سبع أو غرق أو حرق. فإذا جاء القدر خلوا بينه وبين القدر.
اللقاء الرابع: يتم هذا اللقاء عندما تبلغ الرشد والحلم. فيرسل الله إليك ملكين يحفظان لك أعمالك وأقوالك جميعا يقول تعالى وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (10) كِرَامًا كَاتِبِينَ (11) يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ (الانفطار). ويقول تعالى إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنْ الْيَمِينِ وَعَنْ الشِّمَـالِ قَعِيدٌ (17) مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (ق).
قال ابن عباس في قوله مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ يكتب كل ما تكلم به من خير أو شر حتى إنه ليكتب قولة: أكلت، شربت، ذهبت، جئت، رأيت، حتى إذا كان يوم الخميس عرض قوله وعمله فأقر منه ما كان فيه من خير أو شر وألقى سائره. وذلك قوله تعالى يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ (الرعد:39). وقال الحسن البصري في هذه الآية:" يا ابن آدم بسطت لك صحيفة، ووكل بك ملكان كريمان. أحدهما عن يمينك، والآخر عن يسارك، فأما الذي عن يمينك فيحفظ الحسنات. وأما الذي عن يسارك فيحفظ السيئات. فاعمل ما شئت، أقلل أو أكثر، حتى إذا مت طويت صحيفتك وجعلت في عنقك معك في قبرك، حتى تخرج يوم القيامة، فعند ذلك يقول تعالى وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا (13) اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفي بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا (الإسراء) ثم يقول الحسن: عدل والله فيك من جعلك حسيب نفسك".
وروى الطبراني في معجمه الكبير عن أبى أمامه أن رسول الله  قال" إن صاحب الشمال ليرفع القلم ست ساعات عن العبد المسلم المخطئ، فإن ندم واستغفر الله منها ألقاها، وإلا كتبت واحدة".
اللقاء الخامس: مع ملك من الملائكة جعله الله لك قرينا يلهمك الخير ويحثك عليه، وهو مقابل للقرين من الجن الذي يحث على الشر والمعصية ومخالفة الرحمن واتباع الشيطان. روى مسلم عـن رسول الله  أنـه قـال:" مـا منكم مـن أحد إلا وقد وكل به قرينه من الجن وقرينه من الملائكـة ". وهـذا تبيان لقـوله تـعالى وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ (البلد:10) وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (الشمس).
اللقاء السادس: يروى البخاري عن أبى هريرة لقاءك السادس مع الملائكة الكرام. قال: قال رسول الله " الملائكة يتعاقبون ملائكة بالليل وملائكة بالنهار ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر. ثم يعرج إليه الذين باتوا فيكم فيسألهم وهو أعلم فيقول: كيف تركتم عبادي فيقولون: تركناهم وهم يصلون وأتيناهم وهم يصلون". وهذان الملكان المتعاقبان غير الحفظة والكتبة فهم موكلون لرفع تقرير عام يومي عنك إلى الله تعالى.
هذا ويعرف الملائكة في السموات حالك مع باقي بنى آدم، وذلك من بعضهم البعض ويذكرون بنى آدم بالاسم. فقد روى عن رسول الله : أن ملائكة الله يعرفون بنى آدم ويعرفون أعمالهم. فإذا نظروا إلى عبد يعمل بطاعة الله ذكروه بينهم وسموه وقالوا: أفلح الليلة فلان. نجا الليلة فلان. وإذا نظروا إلى عبد يعمل بمعصية الله ذكـروه بينـــهم وسموه وقالوا: هلك فلان الليلة".
كما أنهم وهم في السموات يتحاورون في شئون بنى آدم التي تنفعهم وترفع درجاتهم عند الله. في سنن الترمذي ومسند أحمد عن عبد الله بن عباس أن رســـول الله  قال:" أتانى الليلة ربى تبارك وتعالى في أحسن صـورة (أتاه في المنام). فقال } يا محمد هل تدرى فيم يختصم الملأ الأعلى؟ { قلت: لا. فوضع يده بين كتفي حتى وجدت بردها بين ثديي، فعلمت ما في السموات وما في الأرض. فقال } يا محمد هل تدرى فيم يختصم المــلأ الأعلى؟ { قلت: نعم. في الكفارات والدرجات. والكفارات: المكث في المساجد بعـد الصلوات. والمشي علـى الأقدام إلى الجماعات، وإسباغ الـوضوء على المكاره. قـال }صدقت يا محمد ومن فعل ذلك عاش بخير ومات بخير وكان من خطيئته كيوم ولدته أمه وقال: يا محمد. إذا صليت فقل: اللهم إني أسألك فعل الخيرات وترك المنكرات، وحب المساكين، وان تغفر لي وترحمني. وتتوب علىّ. وإذا أردت بعبادك فتنة فاقبضني إليك غير مفتـون{. والدرجات: إفشاء السلام، وإطعام الطعام والصلاة بالليل والناس نيام".
اللقاء السابع: أما لقاءك الأخير – في الدنيا – مع الملائكة فيكون عند قبض روحك فكما أن الذي نفخ فيك هذه الروح ملك. فإن الذي يقبضها أيضا ملك. ستلتقي بملك الموت. الذي يأتيك ومعه أعوان ومساعدون: حتى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفتهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ (الأنعام:61). وسترى الملائكة حسب عملك. حيث يختلف النزع لروح المؤمن عن روح الكافر من حيث شكل الملائكة وأسلوب النزع والتعامل مع المحتضر. يقول تعالى وَلَوْ تَرَى إِذْ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ بَاسِطُوا أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنفُسَكُمْ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ (الأنعام:93).
ويقول وَلـَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (الأنفال:50).
وأحاديث رسول الله  تبين بتفصيل أكثر، طريقة نزع الروح وأسلوب التعامل مع صاحبها.
أما المؤمنون فلهم شأن آخر، وأسلوب مغاير. هو في غاية الرقة والتلطف والبشر يقول تعالى إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمْ الْمَلائِكَةُ أَلا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30) نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مـَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (31) نُزُلا مِنْ غَفُورٍ رَحِيم ٍ(32) (فصلت).
وعندما تنزل في قبرك لا تكون في مثواك الأخير كما يقولون، بل هي مرحلة بـين الدنيا والآخرة. تسمى بحياة البرزخ. فعندما تنزل قبرك ويتركك المشيعون، أهلك وجيرانك وأحبابك، وتبقى وحدك في بيت الغربة، بيت الوحدة، بيت الوحشة بيت الظلمة، بيت الدود. تسمع من ينادى عليك: } عبدي رجعوا وتركوك. وفي التراب دفنوك. ولو ظلوا معك ما نفعوك ولن ينفعك إلا أنا. وأنا الحي الذي لا يموت{. وهنا تلتقي بالملائكة، ولكن في لقاء فريد، فتراهم بعد أن كنت لا تراهم.
يروى هذا اللقاء الصحابي الجليل البراء ابن عازب عن رسول الله ، أن المؤمن إذا نزل في قبره" فيأتيه ملكان شديدا الانتهار فينتهرانه ويجلسانه، فيقولان له: من ربك؟ ما دينك؟ من نبيك؟ وهي آخر فتنة تعرض على المؤمن. فذلك حين يقول الله عز وجل يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ فيقول: ربى الله، ديني الإسلام، ونبيي محمد . وينادي مناد من السماء: أن صدق عبدي".
أما العبد الكافر أو الفاجر" ويأتيه ملكان شديدا الانتهار فينتهرانه ويجلسانه فيقولان له: من ربك؟ فيقول: هاه لا أدرى. فيقولان له: ما دينك؟ فيقول: هاه لا أدري. فيقولان: فما تقول في الرجل الذي بعث فيكم؟ فلا يهتدي لاسمه. فيقال: محمد فيقول: هاه.. هاه لا أدرى، سمعت الناس يقولون ذلك. فيقولان: لا دريت ولا تليت. فينادي مناد أن كذب عبدي" رواه البخاري ومسلم وغيرهما.
أما يوم القيامة فإنه يكون اللقاء الأكبر بين الإنسان والملائكة لأن يوم القيامة من أسمائه يَوْمَ التَّلاقِ. حيث يلتقي سكان الأرض بسكان السماء ويلتقي الأولون بالآخرين، ويلت



أدخل عنوان بريدك الإلكتروني هنا يصــــلك كل جديــــد





بلغ الادارة عن محتوى مخالف من هنا ابلغون على الروابط التي لا تعمل من هنا



توقيع : manel


التوقيع



قصة الخلق من العرش إلى الفرش  story of Creation By Eid Wardany Emptyالجمعة 25 يناير - 22:38
المشاركة رقم: #
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
عضو الجوهرة
الرتبه:
عضو الجوهرة
الصورة الرمزية


البيانات
عدد المساهمات : 17945
تاريخ التسجيل : 17/10/2012
رابطة موقعك : ورقلة
التوقيت

الإتصالات
الحالة:
وسائل الإتصال:


مُساهمةموضوع: رد: قصة الخلق من العرش إلى الفرش story of Creation By Eid Wardany



قصة الخلق من العرش إلى الفرش story of Creation By Eid Wardany

خلق الإنسان


تاريخ الميلاد: يوم الجمعة، اليوم السابع من أيام الأسبوع، كان ميلاد أول البشر الإنسان الأول. وأصل البشرية جميعا ذكورا وإناثا. يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (النساء:1).
فضيلة من إحدى الفضائل أن يخلق آدم - وهذا هو اسم المخلوق البشرى الأول - يوم الجمعة. روى مسلم عن رسول الله  أنه قال" خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة. فيه خلق آدم. وفيه أدخل الجنة. وفيه أخرج منها. وفيه تقوم الساعة".
وكان من فضل الله علي آدم وبنيه أن الله خلقه بعد أن أصبح كل شيء معد ومهيأ لوجوده في السماء والأرض.
يخبرنا القرآن عن خلق الإنسان بأدق التفاصيل وعن مراحل خلقه جميعا في حوالي 70 آية والتي نعلم منها أن الإنسان خلق في 7 أطوار. يقول تعالى مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا (13) وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا (نوح).
هذه الأطوار السبع جمعها تعالى في آية واحدة من سورة الحج: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنْ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الأرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفي وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا.
وفي سورة (المؤمنون) يقول تعالى وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ (12) ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (13) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ.
فهذه الآيات تقرر أن أصل الإنسان من طين أو سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ أي نوع مميز ومنقى من الطين. أما الآية السابقة من سورة الحج فتقرر أن أصل الإنسان تراب. وفي الحديث الذي رواه البخاري عن رسول الله  قال" إن الله خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض فجاء بنو آدم علي قدر الأرض فجاء منهم الأبيض والأحمر والأسود.. وبين ذلك والخبيــث والطيب.. والسهل والحزن وبين ذلك".
فالطين: تراب وماء. والماء هو أصل كل الكون، وكل الخلائق. وكل الأحياء يقول تعالى:
وَجَعَلْنَا مِنْ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ (الأنبياء:30)
واللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ (النور:45)
وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنْ الْمَاءِ بَشَرًا (الفرقان:54).
فهذه الآيات تفيد أمورا ثلاثة: الأمر الأول: وهي الآية الأعم، تقرر أن كل شيء يوصف بالحياة من الماء. وعلي ذلك يدخل فيها النبات والحيوان والإنسان.
والآية الثانية: أخص من الأولي فهي تخبر أن كل دابة خلقت من ماء. وتعني الحيوان والإنسان.
أما الآية الثالثة: فهي خاصة بالإنسان وحده.
ثم هناك 4 آيات أخرى يقرر فيها عز وجل أنه خلقنا من تراب. وتشترك هذه الآيات الأربع مع آيات الماء الثلاثة السابقة لتكون معا بآياتها السبـع.. الطين. هكذا 3 آيات للماء و4 آيات للتراب، ولعل هذه النسبة بينهما 3: 4 حتى كانت درجة الطين من التماسك واللزوجة التي قال عنها تعالى فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمْ مَنْ خَلَقْنَا إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لازِبٍ (الصافات:11) أي: سلهم من أشد في الخلق خلقهم أم خلق المخلوقات الأخرى من سماوات وما فيها من ملائكة وأجرام سماوية. وأرض وما فيها من شياطين وجبال. فهم مخلوقون من طين لاصق أي أن مادة خلقهم من طينة على درجة من الليونة واللزوجة بحيث كانت تلصق وتلزق باليد. فلو زادت نسبة التراب عن هذه النسبة لكان الطين من التماسك بحيث لا يلزق باليد عند الإمساك. ولو زاد الماء عن نسبته لما تماسك الطين.
فهذه معلومات جيدة ودقيقة تشعرنا بأن الأمر يتم أمام أعيننـا ونلمسه بأيدينا. ومن هذا نجد أن الإنسان خلق من ماء بنسبة 3 :4 مع التراب، وتكون منه الطين اللازب. ومن المعلوم أن ثلاثة أرباع جسم الإنسان ماء.
ثم يؤكد لنا ربنا أن تشكيل الإنسان الأول تم من هذا الطين في سبع آيات أخر سوي الآيات السبع المشترك فيها الماء والتراب. كقوله تـعالى هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ (الأنعام:2) وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِين (المؤمنون:12).
أرأيتم إلي الدقة العجيبة في المعلومات التي بين أيدينا عن خلقنا؟
ثم يحدثنا القرآن عن مرحلة جديدة علي الطين فيقول تعالى وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (الحجر:26). فالآية توضح مرحلة أخرى من مراحل التحول للطين، فإن الإنسان - وهو آدم - بعد ما صور في هيئته التي خلقه الله عليها ترك علي تشكيله هذا حتى أسود الطين أي أصبح حمأ وتغير ريحه أي أصبح مسنونا فيبس وأنتن، وصار كما قال الله تعالى صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ (الرحمن:14) طين يابس لو طرقت عليه لأصدر صوتا كأنك تطرق علي الخزف لفراغ جوفه.
وعندما وصل الطين إلي هذه الحالة أصبح كتمثال من الفخار قد تم تشكيله في أحسن صورة، كان هذا التمثال بطول 60 ذراعا وعرض 7 أزرع.
وأخبر الله تعالى ملائكته بأمر هذا المخلوق الجديد، وأمرهم فيه بأمر.
قـال تـعالى وَإِذْ قـَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (28) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (الحجر).
وقال تعالى إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ (71) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (ص:17).
لم تسجد الملائكة لمجرد الطين، ولو أمروا لفعلوا، ولكن الأمر صدر لهم بأن يسجدوا بعد أن ينفخ فيه من روح الله.
وروى السدي عن أبى مالك وعن ابن عباس وعن مرة الهمداني عن ابن مسعود في قصة خلق آدم عليه السلام قال:" فبعث الله جبريل عليه السلام إلي الأرض ليأتيه بطين منها، فقالت الأرض: أعوذ بالله منك أن تنقص مني أو تشينني. فرجع ولم يأخذ شيء وقال: يا رب إنها عاذت بك فأعذتها. فبعث ميكائيل. فعاذت منه، فأعاذها. فرجع فقال كما قال جبريل. فبعث ملك الموت، فعاذت منه، فقال: وأنا أعوذ بالله أن أرجع ولم أنفذ أمره. فأخذ من وجه الأرض وخلط، ولم يأخذ من مكان واحد. وأخذ من تربة حمراء وبيضاء وسوداء. فلذلك خرج بنو آدم مختلفين. ولذلك سمي آدم، لأنه أخذ من أديم الأرض. فصعد به فقال الله تعالى لـه } أما رحمت الأرض حين تضرعت إليك { فقال: رأيت أمرك أوجب من قولها، فقال: } أنت تصلح لقبض أرواح ولده {.
فبل التراب حتى عاد طينا لازب (يلتصق بعضه ببعض) ثم ترك حتى أنتن مِنْ حَمَإٍ مَسْنُون. قال: منتن. ثم قال للملائكة إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ (71) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ فخلقه الله بيده لكي لا يتكبر إبليس عليه، يقول: } أتتكبر عما عملت بيدي ولم أتكبر أنا عليه {.
فخلقه بشرا فكان جسدا من طين أربعين سنة من مقدار يوم الجمعة فمرت به الملائكة ففزعوا منه لما رأوه، وكان أشدهم منه فزعا إبليس، فكان يمر به فيضربه فيصوت الجسد كما يصوت الفخار، تكون له صلصلة، فذلك حين يقـول صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ ويقول: لأمر ما خلقت.
ودخل من فمه وخرج من دبره فقال إبليس للملائكة لا ترهبوا من هذا فإنه أجوف ولئن سلطت عليه لأهلكنه.
ويقال: إنه كان إذا مر عليه مع الملائكة يقول: أرأيتم هذا الذي لم تروا من الخلائق ما يشبهه، إن فضل عليكم وأمرتم بطاعته ما أنتم فاعلون؟
قالوا: نطيع أمر ربنا فأسر إبليس في نفسه لئن فضل عليً فلا أطيعه ولئن فضلت عليه لأهلكنه.
فلما بلغ الحين الذي أراد الله أن ينفخ فيه الروح قال الله للملائكة فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ فلما نفخ فيه الروح ودخل الروح في رأسه عطس، فقالت له الملائكة: قل الحمد لله. فقال: الحمد لله. فقال الله له: } رحمك ربك { فلما دخل الروح رجليه قام عجلان إلي ثمار الجنة خُلِقَ الإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ (الأنبياء:37) ".
هذه باختصار شديد قصة آدم عليه السلام في رأى الدين أما علماء الفلك والطبيعة أو كما نسميهم: التجريبيون، فلهم قول آخر من جنس ما قالوه في الكون. فهم لا يعترفون بأن الإنسان وجد هكذا علي صورته التي هو عليها الآن، بل إنهم يقولون أن الإنسان ينحدر من أصل آخر يختلف عن أصل آدم. ويقولون بأن حياته بدأت بجرثومة، ظهرت علي السطح ثم تحولت إلي حيوان صغير، ثم تدرج هذا الحيوان فأصبح ضفدعا، فسمكة، فقردا، ثم ترقي هذا القرد وتمدن فصار إنسانا، فالإنسان في نظرهم قرد متمدن. وقد استطاع ذلك القرد بعبقريته، وبنبوغه أن يتطور ويتغير إنسانا ذكيا بعد أن كان قردا غبياً.. وهذا الذي يقولونه هو خلاصة نظرية النشوء والارتقاء لداروين. ومعظمهم قد اقتنعوا بنظريته، وقد أوردنا في مدخل الكتاب بعض ما قالوه عن هذه النظرية وأن قناعتهم بها تأتي من أنهم وجدوها بديلا عن الإله الذي ينكرونه بالمرة.
وأعتقد أن هذه النظرية إن كان دارون يقصد بها نفسه وأنه أنحدر من فصيلة القرود فالرجل لم يخطئ، وقوله صحيح. فقد أنبانا الله في القرآن أنه مسخ بعض اليهود إلي قردة فقال تعالى وَلَقَدْ عَلِمْتُمْ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ (البقرة:65). وذكر الكتاب المقدس كلام لعيسى عليه السلام كهذا القول، ونحن نعرف أن "دارون" يهودي فلعل أصله كان من أحـد هذه القرود وإن كنا نعلم أن القرود التي مسخت لم تتناسل. ولكن من يدرى؟
أما إن كان" دارون" يقصد بكلامـه كل الجنس فقوله باطل وباطل ما يقول. وعلي غرابة ما يقوله هؤلاء، إلا أنه متوقع منهم، ولم لا وقد قال الله عنهم وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنْ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمْ الْغَافِلُونَ (الأعراف:179).
ولكن ما كان غير متوقع أن نجد من علماء المسلمين من يؤيد هذه النظرية حتى وصل الأمر إلي بعض علماء القرآن، بل والذين تعلمنا علي أيديهم، وشببنا علي علومهم، قالوا أقوالا نرجو ألا تكون هذه خاتمة أقوالهم. والأعمال بخواتيمها، لذا نسأل الله لهم الهداية ولنا التثبيت.
وصدق من قال:" الناس هلكى إلا العالمون. والعالمون هلكى إلا العاملون. والعاملون هلكى إلا المخلصون. والمخلصون علي خطر عظيم".
ولماذا لا يكونون علي خطر عظيم والقلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء.
ولماذا لا يكونون علي خطر عظيم وقد علمنا أن أحدنا ليعمل بعمل أهل الجنة حتى يكون بينه وبينها خطوة فيسبق عليه الكتاب.. فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها.. اللهم سلم سلم.. اللهم سلم سلم.
اللهم اقبضنا إليك غير مفتونين.. ولا ضالين ولا مضلين.. واختم لنا بخاتمة السعادة يا أكرم الأكرمين.
فقد أكتشف أخيرا ونحن علي أعتاب يوم القيامة أن آدم ليس أبو البشر هكذا أكتشف نفرا من أعز وأنفس علماء المسلمين. وهو أمر ينذر بخطر عظيم، وينبأ بأن باطن الأرض أولي لنا من ظاهرها.. ويدفعنا أن نقتني بعض غنمات ونذهب في الجبال نتتبع منازل القطر والأعشاب وأن نعتزل الدنيا وما فيها. لأن أهل الذكر أصبحوا علي هذه الحالة.
ويقول هؤلاء أن آدم ليس أبو البشر، بل هو أبو الإنسان - لا حول ولا قوة إلا بالله - لأنه فرق لدى هؤلاء بين البشر والإنسان، فالبشر ظهروا قبل الإنسان مجرد مخلوقات متحركة حيوانية، وأنهم ظلوا كذلك ليس بينهم وبين الإنسان إلا انتصاب القامة والسير علي قدمين، ملايين السنين حتى تزود هذا المخلوق بملكات وقدرات عليا، التي جوهرها العقل والحياة الاجتماعية، وبدأ بعـد ملايين السنين يتكلم ويمشي علي قدمين، وتحررت يداه ورجلاه وأصبح هذا المخلوق جاهزا من الناحية الفسيولوجية ومؤهلا لتزويده بنفخة الله الروحية ليكون عندئذ. وعندئذ فقط" الإنسان".
آدم إذن جاء بعد ملايين السنين من وجود البشر علي الأرض التي كانت تعيش كما قال دارون كالقرود والأنعام ثم تطورت هذه البشرية بعد ملايين السنين، ثم اصطفي الله آدم من بين البشر لينفخ فيه من روحه وليصبح الإنسان الأول. أي أن الله تعالى لم ينفخ في الطين وإنما نفخ في بشر هكذا فهموا من قوله تعالى إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ (71) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (ص). فالله خلق البشر من الطين ثم خلق أو استخلص الإنسان من البشر بعد ملايين السنين.
وخالف هؤلاء قول الله ورسوله واتبعوا غير سبيل المؤمنين وخالفوا إجماع الأمة التي لم يشذ واحد منها ويقول بما قاله هؤلاء. خالفوا قول الله الذي قال الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنسَانِ مِنْ طِينٍ (7) ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ (السجدة).
وخالفوا قول رسول الله  الذي قال فيما رواه عنه الإمام أحمد في مسنده عن العرباض ابن سارية أنه  قال:
" إني لعبد الله، مكتوب خاتم النبيين وإن آدم لمنجدل في طينته. وسأنبئكم بأول ذلك: دعوة أبي إبراهيم، وبشرى عيسى، ورؤيا أمي، رأت حين ولدتني كأنه خرج منها نورا أضاءت له قصور الشام".
فالرسول الذي يؤمنون به يقول أنه مكتوب خاتم النبيين وآدم منجدل في طينته، وهم يقولون أن آدم أصل بشرى ولم يكن طينا. ثم يقولون أنه أبو الإنسان وليس أبو البشر ورسولهم يقول في حديث الشفاعة المروي في الصحيحين وفيه أن الناس يلتمسون من يشفع لهم من هول يوم الزحام فيذهبون إلي آدم يسألونه الشفاعة فيقولون له:" يا آدم أنت أبو البشر، خلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه وأسجد لك ملائكته وأسكنك جنته ألا ترى إلي ما نحن فيه؟ ألا تشفع لنا عند ربك؟ فيقول نفسي نفسي اذهبوا إلي غيري.." الحديث.
وخالفوا إجماع الأمة - دون استثناء - وقد ذكر هـذا الإجماع " محمد علي الصابوني" في كتاب" النبوة والأنبياء" حيث قـال تحت عنوان" آدم أول البشر" فقال:" حدثنا القرآن الكريم عن خلق آدم عليه السلام وأخبرنا أنه أول مخلوق من البشر ظهر علي سطح الأرض في هذا الوجود. فهو إذن أبو الخلائق، وأصل هذا العالم، وإليه ينتمي جميع سكان الأرض وليس قبله مخلوق من النوع الإنساني علي الإطلاق أما من غير البشر فقد كان هناك ملائكة قبله، وكان من الجن مخلوقات قبله..".
" لقد جاءت النصوص القرآنية مؤيدة أن آدم عليه السلام هو أول المخلوقات، وأنه لم يكن قبله أحد من هذا النوع البشري.. وكذلك الكتب السماوية كلها قد أجمعت علي هذا، وبذلك تضافرت الأخبار عن جميع أهل المـلل والأديان بأن آدم أبو الخليقة، وأنه أول مخلوق من البشر علي الإطلاق".
الخطيئة العظمى
إنها أول الخطايا، وأعظمها علي الإطلاق. لم يعصى الله أحد مثل ما عصى إبليس. إن الكافرين، والملحدين والمشركين في تاريخ الكون لم يروا الله. ولم يسمعوه وإنما. أرسل الله إليهم رسلا من جنسهم، أما إبليس فالأمر يختلف. إننا نرى ونسمع حوارا مباشرا، إن الأمر جد مختلف، لـن يتكرر هـذا المشهد أبـدا. ذلك الذي كان في الملأ الأعلى.
ولنري ذلك المشهد. فالله جلت قدرته يصفه لنا كأننا نراه رأى العين: إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ (71) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (72) فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (73) إلا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنْ الْكَافِرِينَ (ص).
إن الملائكة فور سماعها للأمر خرت ساجدة، الملائكة كلهم أجمعون، دون استثناء سجدت، وعندما رفعت من السجود رأت إبليس واقفا وحده بين جموع الملائكة التي لا يعلم عددها إلا الله. كان يقف وحده.
إنني كلما تخيلت هذا الأمر وجدتني لا أستطيع استجماع ملامح هذا المشهد الرهيب، لا أستطيع مجرد تخيل، أن كل من في الملأ الأعلى ساجد بعدما أمر الله وإبليس وحده يقف شامخاً أمام الجبار منتصبا وقد هوى الجميع أمامه وحوله سجودا لأمر الله، كيف احتمل إبليس هذا المشهد المهول.
لم تتصور الملائكة أن إبليس امتنع عن السجود، وظنوا أنه لم يسمع، أو أنهم تعجلوا في السجود أو أي تبرير آخر لموقف إبليس هذا، ولم يخطر على بالهم أنه يرفض السجود، وسجدوا مرة أخرى ليعطوا لإبليس الفرصة لأن يسجد. ورفعوا مرة أخرى من السجود فوجدوا إبليس لا يزال واقفا غير عابئ بالأمر، فعلموا بحجم الكارثة. فنحن إحياءً لهذه الذكرى نسجد مرتين في كل ركعة.
ورغم أن الموقف لا يحتاج إلي دليل على أن إبليس عصي ربه. ورغم أننا لا يمكن أن نلتمس لإبليس العذر في ما فعل، ورغم أن الأمر واضح تمام الوضوح إلا أن الأمر متعلق بالرحمن الرحيم، بالغفور الـودود، ذو العرش المجيد، متعلق باللطيف، بالصبور، بالحليم، بالكريم، بالعظيم..
ويعلم الله تعالى ما في نفس إبليس لماذا لم يسجد، يعلم الله ذلك تماما إلا أن المربى العظيم يعلم عباده درسا من أنفع الدروس وهو: ألا نتعجل في الحكم دون أن نلتمس العذر، وأن نعطي فرصة للمخطئ ليدافع عن نفسه.
أننا نكاد أن نرى هذا المشهد بأعيننا ونسمعه بآذاننا وندركه بقلوبنا والحليم يتكلم فيقول: قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (الحجر:32)
قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلا تَسْجُدَ إِذ أَمَرْتُكَ (الأعراف:12)
قـَالَ يـَاإِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَاسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنْ الْعَالِينَ (ص:75). أن الله عز وجـل لا يرضى لعباده الكفر، ويكره لهم أن يتعذبوا لأن عذابه أليم شديد. وهو تعالى يفعل كل ما من شانه أن يعيد عباده إلي الصواب بإرادتهم وإلي ما يرفع عنهم مقته وغضبه، حتى إذا ما بدا منهم ألا سبيل إلي الرجوع كان أخذه إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ(هود:102). ورغم كل ذلك ماذا فعل إبليس؟
وماذا رد على خالقه عز وجل:
قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا (الإسراء:61)
قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (ص:76)
قَالَ لَمْ أَكُنْ لأسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (الحجر:33).
لقد صدر حكم الله تعالى على إبليس وتحدد مصيره منذ البداية:
قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنْ
الصَّاغِرِينَ (الأعراف:13).
قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (34) وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ (35) (الحجر)
قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (77) وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ (78) (ص).
وعرف إبليس أنه لا سبيل إلي الرجوع في هذا الحكم لقوله تعالى مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلامٍ لِلْعَبِيدِ (ق:29). وعلم إبليس انه وارد النار وأنه قد أتي بأعظم معصية ممكن أن تكون. وانه مهما فعل بعد ذلك فلن يأتي بأعظم مما أتى. فقد صمم على أمر ما. وعلمه الله تعالى لأنه يعلم السر وما يخفي. ومع ذلك فقد أراد الله لحكمة يريدها أن يترك إبليس يفعل ما يشاء. ولأنه تعالى الكريم الأكرم، والحكم العدل، فقد استجاب لكل مطلب طلبه إبليس في الدنيا، لأن الدنيا لا تعدل عنده جناح بعوضة. وبالغ إبليس في طلباته وجرأه حلم الله وكرمه. ماذا طلب إبليس؟
قَالَ أَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (14) قَالَ إِنَّكَ مِنْ الْمُنظَرِينَ (الأعراف).
قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (79) قَالَ فَإِنَّكَ مِنْ الْمُنظَرِينَ (80) إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ (ص).
ولما ضمن إبليس أنه لن يؤاخذ إلا يوم القيامة، لأنه تعالى وعده ووعده حق، ويعلم إبليس ذلك تماما، وهو علي ما كان منه يعلم قدر الله.
قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16) ثُمَّ لأتِيَنهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ (17) قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذءومًا مَدْحُورًا لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ (الأعراف).
قَالَ رَبِّ بمَا أَغْوَيْتَنِي لأزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأرْضِ وَلاَُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (39) إلا عِبَادَكَ مِنْهُمْ الْمُخْلَصِينَ (40) قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ (41) إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ
سُلْطَانٌ إلا مَنْ اتَّبَعَكَ مِنْ الْغَاوِينَ (42) وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ (43) لَهَا سَبْعَةُ
أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ (الحجر:41).
قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إلا قَلِيلا (62) قَالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَوْفُورًا (63) َاسْتَفْزِزْ مَنْ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الأمْوَالِ وَالأولادِ
وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إلا غُرُورًا (64) إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلا (الإسراء).
قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لأغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82) إلا عِبَادَكَ مِنْهُمْ الْمُخْلَصِينَ (83) قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ (84) لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ (ص).
وعلي رغم هذا الموقف الذي تم في الملأ الأعلى وفصله لنا الله تفصيلا والذي بدا منه كم الحقد والغيرة والحسد والضغينة التي يحملها إبليس لآدم وذريته. وعلي الرغم من تحديه السافر لبني آدم واستعراضه لسيناريوهات الحرب معهم، وتعريفهم بالجهات التي سيأتيهم منها، والطرق والوسائل التي سيستخدمها معهم، وعلي رغم التحذير الصريح من الله تعالى الذي حذرنا فيه من إبليس قائلا يَا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنْ الْجَنَّةِ (الأعراف:27) علي الرغم من كل ذلك إلا أن معظم بني آدم سيقعون تحت إغوائه وفتنته. لذلك يقول تعالى وقد جاء بنو آدم يوم القيامة واستوجب معظمهم النار أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (60) وَأَنْ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (61) وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلا كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ (62) هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ (63) اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ (يس).
خلق حواء
يقول تعالى: وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (الذاريات:49) لقد شاءت إرادة الله عز وجل أن يقوم الكون على الزوجية لينفرد هو عز وجل وحده بالوحدانية، فخلق تعالى الزوجين ذكراً وأنثى في كل شيء خلقه. وفي القرآن ورد لفظ الذكر 12 مرة، ولفظ الأنثى 18 مرة أي بنسبة 2: 3 وأعتقد أن هذه النسبة هي الموجودة في الكون بالفعل، حتى في البشر، 2 ذكور: 3 إناث.
الوجود كله قائم على هذا النظام، في الحيوان وفي النبات، في الذرة وفي المجرة، في الساكن وفي المتحرك، في كل شيء. فالذرة تحتوى على إلكترون سالب، يقابله البروتون الموجب، وفي الكهرباء سالب وموجب وفي النبات بمختلف أشكاله وأنواعه وأصنافه كما قال تعالى:
وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ (الرعد: 3).
وفي الحيوان بمختلف أنواعه من وحيد الخلية إلى متعدد الخلايا، إلى الثدييات، إلى الإنسان، كلها تحمل الزوجية، وتحمل شارة الذكورة والأنوثة إما متصلة أو منفصلة. حتى الجسيمات الملونة داخل الخلايا تتجمع على هيئة أزواج: ثلاث وعشرين زوجاً. يقول تعالى: سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الأزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الأرْضُ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ (يس:36).
وينفرد تعالى وحده بالوحدانية:
قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ.
والإنسان كسائر المخلوقات، يقول تعالى وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا (فاطر:11). لذلك جعل الله لآدم زوجا، يقول تعالى هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا (الأعراف:189).
حكى السدي عن أبى صالح وأبى مالك عن بن عباس وعن مرة عن بن مسعود وعن ناس من الصحابة أنهم قالوا:" أخرج آدم من الجنة فكان يمشى فيها وحشي ليس له زوج يسكن إليها فنام نومة فاستيقظ وعند رأسه امرأة قاعدة، خلقها الله من ضلعه. فسألها: "مـن أنت؟" قـالت:" امرأة". قال:" ولم خلقت؟" قالت:" لتسكن إليّ". فقالت الملائكة ينظرون ما بلغ علمه:" ما اسمها يا آدم؟" قال:" حواء" قالوا:" ولم كانت حـواء؟" قـال:" لأنها خلقت من شيء حي".
وذكر ابن إسحاق أنها خلقت من ضلعه الأقصر الأيسر وهو نائم ولأم (أصلح) مكانه لحما ومصداق ذلك قوله تعالى  يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالا كَثِيرًا وَنِسَاءً (النساء:1).
وفي الصحيحين من حديث زائد عن ميسرة الأشجعي عن أبى حازم عن أبى هريرة عن النبي  أنه قال:" استوصوا بالنساء خيراً، فإن المرأة خلقت من ضلع أعوج وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه وإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج فاستوصوا بالنساء خيراً".
أين مسكن الزوجية
قال تعالى: وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ (البقرة:35). لا نرى في هذه الآية أي لبس في أن الله تعالى أسكن آدم وزوجته الجنة. الجنة المعروفة في الذهن وهي جنة الخلد، خاصة وهي معرفة بأداة التعرف (ال).
وإن كانت هذه الآية لا تكفي لمعرفة حقيقتها ومكانها. فماذا نقول في وصف هذه الجنة الذي ورد في سورة طه: فَقُلْـنَا يَـا آدَمُ إِنَّ هَـذَا عَـدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجـِكَ فَـلاَ يـُخْرِجَنَّكُمَا مِنْ الْجَــنَّةِ فَتَشْقَى (117) إِنَّ لَكَ أَلاَ تَجـُوعَ فِيهَا وَلاَ تَعْرَى (118) وَأَنَّكَ لا تَظْمَأُ فِيهَا وَلاَ تَضْحَى.
وهذا الوصف لا ينطبق إلا على جنة الخلد.
وإن كانت هذه الآيات لم تفصــح عن حقيقــة هذه الجنة فكيف لا نصدق خبر رسول الله  الذي رواه مسلم في صحيحه عن أبى هريرة رضى الله عنه عن رسول الله  أنه قال: " يجمع الناس فيقوم المؤمنون حين تزدلف لهم الجنة فيأتون آدم فيقولون يا أبانا استفتح لنا الجنة فيقول: وهل أخرجكم من الجنة إلا خطيئة أبيكم".
وإن كان دخول آدم لم يفصح عن مكان وحقيقة هذه الجنة. أفلا يدل على ذلك خروجه منها حيث قال تعالى:
فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (البقرة:36). فكيف ستكون الأرض مستقر لهم إلا إن كانوا قبل ذلك في السماء؟
وهل يمنع أن تكون الجنة في السماء لأن إبليس دخلها والمفترض أنه طرد من الملأ الأعلى وحكم عليه بالخروج والهبوط؟
إن إبليس قد صدر عليه الحكم بالخروج والهبوط ولكن الله تعالى لم ينفذ فيه هذا الحكم فورا للحكمة التي يريدها عز وجل. فإن كان قد طرد فهو لم يعود إليها مستقرا، بل لأداء مهمة واحدة ولحكمة يريدها الله فقد تركه يفعل ما يشاء. لأن الأصل أن آدم مخلوق للأرض ولعمارتها والخلافة فيها.
ثم في قوله تعالى فَدَلاَهُمَا بِغُرُورٍ وقوله قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ (الأعراف).
وقد ذهب إلى القول بأنها جنة الخلد التي في السماء جمهور العلماء. وقال القرطبي إن أهل السنة مجمعون على أن جنة الخلد هي التي أهبط منها آدم، وأن الذين خالفوا كانوا من المعتزلة والقدرية. وعموما الاختلاف هنا أمره هين.. ولا يستحق إهدار الجهد في إثبات أصح الرأيين.
خطيئتنا الأولى
حكم على إبليس بالطرد، والخروج من الملأ الأعلى والهبوط إلى الأرض، ولم يكن هذا بالأمر الهين على إبليس لذلك صمم إبليس ألا ينزل إلا ومعه آدم (يده على يده ورجله على رجله). ولم يكن في ذلك تحـدى لإرادة الله. لأنه تعالى قد خلق آدم للأرض وأخبر بذلك ملائكته وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأرْضِ خَلِيفَةً (البقرة:30).
وقد أراد تعالى قبل أن ينزل آدم إلى الأرض أن يؤكد له عداوة إبليس الشديدة له، وأن ما قام به إبليس من رفضه السجود له لم يكن إلا لبغضه الشديد له، ولما وجده في نفسه من الحسد والحقد. لهذا الأمر أدخل الله آدم الجنة ولم ينفذ أمر الطرد لإبليس إلا بعد أن يقضى هذا الأمر. وبدقة بالغة وتفصيل رائع يبين عز وجل ما تم في هذا الأمر حتى لكأننا في الجنة مع آدم وزوجته نرى ونسمع ما يدور. يقول تعالى وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنْ الظَّالِمِينَ (الأعراف:19).
أدخل الله آدم وزوجته الجنة ومنحهما كـل شيء فيها وَكُلا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا (البقرة:35) كل شيء مباح في الجنة إلا أمرا واحداً هو ألا يأكل من شجرة عينها له ربه وأراها له هَذِهِ الشَّجَرَةَ وزيادة في الاحتياط نهاهما عن مجرد الاقتراب وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ وحذرهما الله من مغبة المعصية فَتَكُونَا مِنْ الظَّالِمِينَ ونصحهما وبين لهما ما سيكون لهما في الجنة وما سيحدث لهما لو خرجا منها: فَقُلْنا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلاَ يُخْرِجَنَّكُمَا مـِنْ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى (117) إِنَّ لَكَ أَلاَ تَجُوعَ فِيهَا وَلاَ تَعـْرَى (118) وَأَنَّكَ لا تَظْمَأُ فِيهَا وَلاَ تَضْحَى (طه).
ولعلنا نلاحظ أن الله تعالى خاطب آدم دون زوجته في كل الآيات التى أمامنا:
وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ (الأعــراف:19).
وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ (البقرة:35).
فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ (طه:117).
وذلـك لأن الله تعالى قـد حـدد – ومـن البـداية - أن الرجل قيم على المرأة. كما قـال: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ (النساء:34). فآدم مسئول عن نفسه ومسئول عن أهله. وحواء مسئولة عن نفسها فقط. وحديث كلكم مسئول عن رعيته، يحدد أن الرجل مسئول عن كل مؤسسة الأسرة برمتها. والمرأة مسئوله عن ما يخصها. لذلك يوضح الله تعالى ذلك لآدم وأن المسئولية سيتحملها هو بالذات فَلاَ يُخْرِجَنَّكُمَا مِنْ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى (طه) إنه تعالى يحذرهما بلفظ المثنى فَلاَ يُخْرِجَنَّكُمَا ولكن العاقبة بلفظ المفرد فَتَشْقَى.. وهكذا كل رجل.
لم يمكثا بالجنة كثيرا حتى جاءهما إبليس. وليست القضية: كيف دخل إبليس الجنة، فله قدرات لأن يفعل ذلك وطالما لم ينفذ حكم الطرد بعد. لكن القضية كيف بعد ما رأى آدم بعينيه، وسمع بأذنيه ما كان من إبليس، عندما رفض أن يسجد له. وكيف بعد كل ما نصحه الله به. وكيف وكل شيء في الجنة مباح له. وليس عليه آية تكليفات، ولا أي أوامر ولا أي نواهٍ إلا نهيا واحدا ورغم كل ذلك يعصى آدم ربه كما عصاه إبليس؟ لقد كان لآدم حجة سيخبرنا عنها بعد قليل.
الآن ننظر كيف تمت هذه المعصية، وكيف استطاع إبليس أن يغوى آدم. وهل طبق إبليس نفس السيناريوهات التي أعلنها؟ نحن الآن أمام مشهد الخطيئة لحظة بلحظة:
فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إلا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنْ الْخَالِدِينَ (20) وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنْ النَّاصِحِينَ  (الأعراف).
هذه أول تجربة للشيطان في الغواية. فعل فيها تماما مثل ما صرح أمام ربه والمبدأ الإبليسي" الغاية تبرر الوسيلة".
نجده في هذه التجربة واضح تماما. إننا نكتشف أن هناك غاية لإبليس لم يكشف عنها إلا في هذه الآية لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا.
إنه هدف غريب.
هـل كان يعلم إبليس أن المعصية تعرى؟ يبدو ذلك. إن الآية لتكشف لنا بالفعل أن هدف إبليس لم يكن مجرد إنزال آدم من مكانه ومكانته. فهو سينزل. إن هدف إبليس أن يعرى العورات التي أمر الله أن تستر. إذن له مغزى من هذا الأمر.
إننا تعارفنا أن نرفع الراية فوق الأشهاد دليلا على النصر. إن هذا الرمز بالفعل ما يفعله البشر في أي معركة، لابد من نصب الراية التي لا معنى لها إلا أنها دليل واضح ظاهر على انتصار أصحابها، حتى عندما كانت أمريكا وروسيا تتباريان في السفر إلي الفضاء والصعود إلى القمر والكـواكب الأخرى، كان أهم ما في الرحلة أن ينصب الفضائيون على سطح القمر أو تنصب آلات السفن على سطح الكواكب راية دولتهم.
إذن فعلامة انتصار إبليس ورايته أن ننزل نحن رايتنا. وهي تلك التي نستر بها عورتنا. وإبليس لا يعتبر نفسه منتصرا إلا إذا نـزع لباسنا وكشف عورتنا وزيادة في القهر والإذلال يجعلنا نحن بأيدينا، ننزع عنا لباسنا. لنكشف نحن عورتنا أمام بعضنا البعض. هذا هو هدف إبليس وهذه هي رايته التي تعنى أنه انتصر يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا.
ولننظر في الآيات ولنرى كيف تمت الغواية، وكيف كان إبليس حريصا عليها وعلى تحقيق أهدافه. وكيف كان يأتيهما كما قال لربه ثُمَّ لأتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ ولا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ (الأعراف:17). وكيف استخدم كل أسلوب ممكن.
نعود للآيات: فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا وَقـالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إلا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِـنْ الْخـَالِدِينَ (20) وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنْ النَّاصِحِينَ .
نحن أمام نص الحوار الإبليسي كاملا، ونلاحظ أنه استخدم فيه وسائله الثلاثة بالتدريج: (وسوس، وقال، وأقسم) وبدأ بالوسوسة وانتهى بالقسم وهو بالطبع يحلف كذبا.
إن الشجرة كانت بعيدة عن آدم وحواء، لذا نهاهما الله عن مجرد الاقتراب. إلا أننا نكتشف من هذا النص أن إبليس يقول لهما: هَذِهِ الشَّجَرَةِ فكلمة: هَذِهِ تدل عن القريب بخلاف (تلك) التي تدل على البعيد وقد استعملت هذه الكلمة (تلك) ولكن بعد وقوع المحظور عندما قال لهما الله أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ إذن فقد استطاع إبليس في أول خطواته معهما أن يقربهما من الشجرة. ونجد أن عملية التقريب هذه جاءت بعد الوسوسة. فبمجرد أن آدم وزوجته يقفان أمام الشجرة حتى ان الشيطان يقول لهما هَذِهِ الشَّجَرَةِ فقد ارتكبا المعصية، وأتيا ما نهى الله عنه وقد كان النهى صريحا ولا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ.
وانتقل إبليس من مرحلة الوسوسة إلى مرحلة القول الصريح ليؤكد انتصاره الذي حققه بأن قرب آدم من الشجرة التي كان بعيدا عنها جدا، يـدل ذلك ما قاله تعالى في سورة طه فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلَى ولننظر إلى الفرق الكبير. إنه هنا يقول هَلْ أَدُلُّك وخطوة خطوة، خطوة خطوة، وبالوسوسة وحـدها نجد أنفسنا أمام الشجرة وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ. أصبحت هَذِه للإشارة عن القريب، من أجل ذلك يحذرنا الله تعالى ليس فقط من الشيطان وإنما أيضا من خطوات الشيطان ولا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (البقرة:208).
كما يحذر تعالى في بعض المحظورات المفتنة من مجرد الاقتراب. مثل قوله تعالى:
لا تَقْرَبُوا الصّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى (النساء:43)
ولا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلا (الإسراء:32)
ولا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ (الأنعام:151)
ولا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ (الإسراء:34).
هذا النهى الأخير لخطورته ورد مرتين في آيتين من سورتين. الأنعام (الآية:152) و(الإسراء:34).
والجهد الأكبر يبذله إبليس للاقتراب. وبعد ذلك يسهل الأمر. لأن النفس والهوى سيشاركان الشيطان ويكونان ظهيران له على صاحبهما.
وبعد أن كان الأمر وسوسة، أصبح إبليس يقول، وقد علا صوته وَقَالَ وهذا (القول) يكشف لنا عن مدى الغش والخداع الذي يستخدمه الشيطان ولعل هذا كان أول غش في تاريخ الإنسانية، يكون من الشيطان للإنسان، لذلك السلف يقولون: لقدر رأينا أنصح عباد الله لعباد الله الملائكة، ووجدنا أغش عباد الله لعباد الله الشياطين. والغش محرم في الدين لذا يقول رسول الله " من غشنا فليس منا"، وكذب إبليس على آدم عندما قال له إن هذه الشجرة شَجَرَةِ الْخُلْدِ وهو خبث من إبليس لا يزال يكرره، أن يغير الاسم المنفر، ويضع مكانه الاسم الجميل ولكنه مزور. لقد كانت الشجرة محرمة ولم تكن أبدا شجرة الخلد. ويغير إبليس الاسم من الشجرة المحرمة إلى شجرة الخلد، وهو أسلوب متكرر يعمل به الآن، ووسيلة من أهم وسائل نجاحه.
فقد تنفر الخمور باسمها الأصلي" خمور" أو" أم الخبائث"، فيغير الاسم لتصبح " مشروبات روحية ". وليتحول اسم الربا إلى الفوائد، ويسمى العرى تحررا والحرية اسم جميل ومسمى أجمل. ثم يسمى المجون واقتراف الرذائل على مرأى ومسمع من الناس فنا. وهكذا.
ومن أحدث أسمائه التي استبدلها في مصر اسم" مس إيجيبت" أي" آنسة مصر" هذا بالنسبة لمصر. فقد وجد إبليس إحجام بنات مصر عن الاشتراك في مسابقته العالمية التي سماها" مسابقة ملكة الجمال" وذلك لطبيعة أهل مصر المتدينة، وعلمهم أن الله يحرم على المرأة أن تظهر زينتها إلا لمحارمها، فغير الاسم الأصلي إلي" اختيار مس إيجيبت" أما المضمون للمسابقة فهو هو، اختيار أفضل حجم للأرداف والنهود والخصور والعيون والقدود.
ومن أغرب أسمائه التي اخترعها اسم أطلقه على شاطئ للعراة بمنطقة العجمي بالإسكندرية سماه إبليس" شاطئ الفردوس" والفردوس كما نعلم أعلى الجنة وأوسط الجنة وسقفها عرش الرحمن وتنطلي الخديعة على الكثيرين من الغافلين.
ثم في مرحلة ثالثة يستخدم فيها إبليس كل ما أوتى من خبث ودهاء وكذب وخداع فيحلف بالله على صدق ما يقول. يقول تعالى وَقاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنْ النَّاصِحِينَ. وبذا سقطت آخر الحصون لدى آدم. إن إبليس يقسم لهما بالله. ولا يمكن أن يقسم أحد بالله كذبا - هكذا اغترا - وحتى لو كان كذلك فإنه يتحمل المسئولية لحلفه كذبا. وهذا من تلبيس إبليس.
ويحدثنا الله تعالى في سورة طه عن معلومات جديدة وكيف أثر إبليس على آدم وزوجته، وكيف دخل لهما. ومن أي باب دخل. يقول تعالى: قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلَى. لقد لمس إبليس عليه اللعنة وترا حساسا في آدم ووضع يده على مهلكيه (الحرص والأمل)، حب التملك، والأمل في طول البقاء، الحرص على الاستحواذ، وطول العمر. التفاني في جمع المال، والخوف من الموت. كل هذا لمسه إبليس فقال غاويا: هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلَى.
وعلى ذلك فإن كانت أول معصية حدثت في الملأ الأعلى بسبب الحسد وكانت من إبليس فإن أول معصية تحدث من آدم - وفي السماء أيضا - هي من الحرص. وكان الدافع شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلَى تماماً كما كان الدافع لمعصية إبليس: الكبر والاستعلاء.
وكانت النتيجة
فَدَلاهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ (الأعراف:22). لقد تدليا وهما ما زالا في السماء. لقد أسقطهما في الاختبار الذي وضعا فيه.
ونجح إبليس. في أول تجربة له مع آدم. وسقط آدم في أول تجربة له مع إبليس.
وكانت نتيجة السقوط في الامتحان أن تعريا وبدت لهما سؤاتهما. ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (الأنفال:53).
وصل إبليس إلى النتيجة التي كان يبتغيها، وتعرى آدم وحواء وبدت لهما سؤاتهما، وبذا يكون قد رفع الراية، ويتقهقر إبليس، وهما يحاولان في خجل وفي حياء وقد اسقط في ايديهما، يحاولان تغطيه عوراتهما، ستر نفسيهما، وهما يجريان هنا وهناك، ويبتسم الشيطان في نفسه، ولعله قهقه منتشيا، واختفي من المشهد بعد أن انتهى كل شيء.
يقول بعض العلماء المحدثين - حبا في المخالفة - أن معنى بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا ليس ظهور الأعضاء التناسلية لهما، ولكن بدا لهما أن هذا العمل الذي فعلاه كان سيئ ومن هنا جاءت السيئة والسيئات. وهذا القول لم يقل به أحد من علماء الإسلام قبلا ولا بعدا إلا نفرا قليلا على أعتاب القرن الواحد والعشرين مخالفين لله ورسوله والمؤمنين، ومتبعين نصا محرفا في العهد القديم والذي يقول بأن الحية - لا إبليس - هي التي دلت حواء على الشجرة وكانت من أحسن الأشياء وأعظمها، فأكلت حواء عن قولها وأطعمت آدم فعند ذلك انفتحت أعينهما وعلما أنهما عريانين فوصلا من ورق التين وعملا ميازر. وإن كان في هذا النص أنهما كانا عريانين من قبل ولم يكتشفا ذلك إلا بعد المعصية، فإن هؤلاء النفر المخالفين يقولون بأن شيئا لم يحدث لهما، إنهما فقط اكتشفا أنهما ارتكبا سيئة.
ورغم أن هناك قاعدة أساسية في أصول الأحكام تقول: لا اجتهاد مع النص. إلا أن المجترئين على الله ورسوله لن يخلوا منهم زمان أو مكان. فالله تعالى يقول: يَا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمْ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنْ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا لَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ
ويقول رسول الله  في الحديث الذي رواه ابن أبى حاتم عن أبى بن كعب" إن الله خلق آدم رجلا طوالا كثير شعر الرأس كأنه نخلة سحوق (طويلة) فلما ذاق الشجرة سقط عنه لباسه فأول ما بدا منه عورته فلما نظر إلى عورته جعل يشتد في الجنة فأخذ شعره شجرة فنازعها فناداه الرحمن عز وجل: } يا آدم منى تفر؟ { فلما سمع كلام الرحمن قال: يا رب لا. ولكن استحياء".
وروى الحافظ بن عساكر من طريق محمد بن إسحاق عن الحسن عن ذكران عن الحسن البصري عن أبى ابن كعب قال: قال رسول الله " إن أباكم آدم كان كالنخلة السحوق. ستين ذراعا كثير الشعر، موارى العورة، فلما أصاب الخطيئة في الجنة بدت له سوأته فخـرج من الجنة فلقيته شجرة فأخذت بناصيته، فناداه ربه } أفرارا منى يا آدم { قال: بل حياء منك والله يا رب مما جئت به". وللحديث طرق أخرى.
وبما أن التعري علامة انتصار الشيطان، ومخالفة الرحمن. فإن البشرية الآن بما وصلت إليه الآن من التعري، ونزع اللباس، وكشف العورات، قد أعلنت انتصار الشيطان عليها، ورفعت له الراية.
لقد استطاع الشيطان أن يفتن البشرية على الأرض، كما فتن أبوهم وأمهم في السماء.
روى البخاري عن أبي هريرة أن رسول الله  قال:" حاج موسى آدم عليهما السلام فقال له: أنت الذي أخرجت الناس بذنبك من الجنة وأشقيتهم. قال آدم: يا موسى أنت الذي اصطفاك الله برسالاته وبكلامه، أتلومني على أمر قد كتبه الله عليّ قبل أن يخلقني



أدخل عنوان بريدك الإلكتروني هنا يصــــلك كل جديــــد





بلغ الادارة عن محتوى مخالف من هنا ابلغون على الروابط التي لا تعمل من هنا



توقيع : manel


التوقيع



قصة الخلق من العرش إلى الفرش  story of Creation By Eid Wardany Emptyالجمعة 25 يناير - 22:38
المشاركة رقم: #
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
عضو الجوهرة
الرتبه:
عضو الجوهرة
الصورة الرمزية


البيانات
عدد المساهمات : 17945
تاريخ التسجيل : 17/10/2012
رابطة موقعك : ورقلة
التوقيت

الإتصالات
الحالة:
وسائل الإتصال:


مُساهمةموضوع: رد: قصة الخلق من العرش إلى الفرش story of Creation By Eid Wardany



قصة الخلق من العرش إلى الفرش story of Creation By Eid Wardany

ويؤيد (كالفن) ذلك القول بقوله بعد الإشارة إلى أحد نصوص التوراة:" إن الأرض ثابتة بحيث لا يمكن تحريكها، ومن ذا الذي يتجاسر بأن يضع رغبة كوبرنيقوس فوق إرادة القدرة الإلهية".
وإن لم تكن الكنيسة قد تدخلت، فقد انتقد المفكرون كوبرنيقوس ذاته بشدة وذلك لأنه قال ما يعارض الدين بهذه النظرية التي ليست فقط تفترض دوران الأرض وثبات الشمس، بل بإلغاء فكرة العلة الإنسانية لنظام الكون وهي مبدأ أساسي في الدين، كذلك تلغى نظريته فكرة وجود محرك لهذه الكرات السماوية، بل إنها تتحرك بإرادتها وبتأثير الشمس وليس أمر آخر.وجاء نيوتن وأكد ذلك بنظرية الجاذبية التي ألغت فكرة الإله بالمرة.
إن كتاب كوبرنيقوس عن الحركات للكرات السماوية، وكتاب جاليليو" الحوار" الذي أيد فيه هذه النظرية وحاول إثباتها، أتمنى أن يقرأهما علماء المسلمين ليروا كيف أن هذين الكتابين اللذين أحدثا الانقلاب الكوني كما نرى كانا أساسا لمعارضة فكرة الدين وإلغاء كل المبادئ الدينية، ذلك الذي أثار حفيظة رجال الكنيسة، وليروا كم كانت ضربتهم هم للدين قاصمة لتأييدهم أفكار هذين الرجلين، واتهامهم لرجال الكنيسة بالجمود والتسلط.
رائد عصر الإلحاد: جاليليو جاليليه
لقد كان من الممكن أن تدفن أفكار كوبرنيقوس في طي النسيان حيث مر قرابة قرن من الزمان ولم يتغير في الكون شيء، ولم يكن ثم جديد عن الشمس والقمر، لولا أن سخر إبليس جندياً جديداً من جنوده الذي كان أجدل من كوبرنيقوس.إنه جاليليو جاليليه الذي ولد في 15 فبراير عام 1564 في مدينة (بيزا) الشهيرة ببرجها المائل، وتلقى علومه بجامعتها وعين مدرسا للرياضات بتلك الجامعة.ثم بدأ اهتمام جاليـليو بعلم الفلك وقرأ كتابات كوبرنيقوس واقتنع بها وراح يناصرها في محاضراته وكتاباته.وكان أكثر ما جذب جاليليو لأفكار كوبرنيقوس معارضتها لمبادئ الدين الأساسية.
وبدأ جاليليو أولا بإبراز عدم تنافر التعاليم الكوبرنيقية مع تعاليم الكنيسة.ثم بعد ذلك طالب جاليليو رجال الكنيسة بعدم تدخلهم في الأمور العلمية وتركهم يقولون ما يقولون حتى لا تبدو الكنيسة في موقف العاجز في المستقبل.
وعلى الجانب الأخر بدأ جاليليو يدعو لتعاليم كوبرنيقوس.جرأة منه ومن علماء عصره في تناول قضايا تمس صميم الدين، فحرمت بعض الكتب العلمية وهي ليست بالطبع علمية بالمعنى الصحيح للعلم، بل كانت في الحقيقة كتبت كفرية.ووجهت الكنيسة تحذيرا إلى جاليليو للكف عن مناصرة الآراء الكوبرنيقية.
وفي عام 1632 أنهي جاليليو كتابه وطبع (الحوار) وهو الكتاب الذي غير نظام الكون رأساً على عقب رغم أنه لم يأت بأدلة جديدة على أدلة كوبرنيقوس غير أنه عمل على الرد على جميع الانتقادات التي وجهت للنظرية، هذا فضلا عن احتواء الكتاب لأراء تنطوي على كفر صريح بالدين وتكذيب لأمور الغيب من الجنة والنار والعرش والملائكة وغيرها ولولا خشيته من رجال الكنيسة لأنكر وجود الله.بيد أنه وإن كان قد اثبـت للكون إلها فقد كان إلهاً كالعدم فقد سلبه جميع خصائص الألوهية والربوبية ليصبح إلها خاصاً بعلماء عصر النهضة شبيها بعض الشيء بإله أبى جهل وأبى لهب إلا أن الأخيرين على كفرهما أكثر إيمانا من جاليليو وأتباعه.
وإزاء هذا الموقف من جاليليو فقد حذرت الكنيسة بيع الكتاب بعدما احتال جاليليو على طبعه، وإذ لم يمتثل جاليليو بقرار الحظر تم تشكيل محاكمة لمحاسبته بسبب ذلك.
وخلال أربع جلسات للمحكمة تراجع جاليليو عن آرائه وتنصل من كتابه وتبرأ من كوبرنيقوس وأشيع الآن كذبا أن جاليليو ظل يصرخ في الجلسات وفي محبسه بمقولة.أراد علماء اليوم أن يصنعوا بها من جاليليو بطلا أسطوريا.
وإن كان في الحقيقة قد أصبح كذلك دون حاجة لأي كلام إذ أشيع أنه كان يردد هذه العبارة حتى صارت مثلاً " ومع ذلك فالأرض تدور" . بل إن الذي يعلمه المطلعون والباحثون أن جاليليو تبرأ راكعا من كل ما قال.وقال:
" إنــني لم أتمسك بالآراء الكوبرنيقية، كما أنني لم أتمسك بها منذ أن صدر لي الأمر بالكف عنها وعلى كل حال، فإنني أؤيدكم فلتفعلوا إذن ما ترونه".
ومثلما فعل كوبرنيقوس بكتابه (حركات الكرات السماوية) وقال فيه: إن هذه الكرات لا يحركها محرك من خارجها بل تتحرك بإرادتها وبتوجيه من الشمس.وكانت هذه هي البذرة لإلغاء وجود الله.ذلك الذي لم يصل إليه كفار العرب عندما قال عنهم الله في سورة العنكبوت الآية (61) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَــوَاتِ وَالأرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّا يُؤْفَكُونَ فقد فعل ذلك أيضا جاليليو بكتابه الحوار الذي جاء ليقضى على أهم المبادئ التي قام عليها الدين ويجتثها من الجذور، حتى قال البابا (أوروبان الثامن)" لقد كان جاليليو باعثا لأكبر فضيحة للمسيحية".
نعم إلى هذا الحد تشبع جاليليو بالأفكار الإبليسية والتعاليم الكوبرنيقية ووجه سهاما مسمومة إلى المبادئ الأساسية للدين.وأصاب جاليليو الغرض وانتشر سمه ليس فقط في أوروبا بل في كل القارات، وليس فقط في المسيحيين بل وفي المسلمين واليهود على السواء.
جاء بمقدمة الحوار، وقد كتبت له مقدمات إحداها لأينشتاين: لقد كان مبدأ جاليليو هو تعديل لما روجت له الكنيسة من أحكام علمية منها:
(1) أن الأرض تشكل شيئا دنيئا ممتلئا بالرذيلة بينما السماء هي دار
الفضيلة ومن ثم فإن الأرض تختلف عن السماء في الجوهر والمرتبة.
(2) أن كل ما في السماء من كواكب ونجوم قد خلقت لعلة الأرض ومن
أجل إنارتها وإسعادها.ومن ثم فيتحتم أن تكون الأرض في المركز من السماء وأن كل الأجرام السماوية تدور في أفلاكها حول هذه الأرض.
(3) أن فوق أرضنا هذه سبع سماوات بعضها فوق بعض، طبقة فوق
طبقة ثابتة حول الأرض.
(4) أن الأرض خلقت لعلة الإنسان وجعل ما في الكون لعلته وخدمته.
هذه أيها السادة المبادئ التي كانت تروج لها الكنيسة والتي من أجلها كما يقول واضعو مقدمات الكتاب ألف جاليليو كتابه، وهو فعلا ما يفهم من الكتاب الذي وضعه جاليليو في ثلاثة أجزاء ليبطل بالدليل ما تروج له الكنيسة من تعاليم.
ورغم أن جاليليو بكتابه هذا هو الذي أيقظ الفتنة النائمة القائلة بدوران الأرض وثبات الشمس ومركزيتها للكون.فإنه لم يأت بدليل على ذلك سوى دليل واحد لا غير في كل أجزاء كتابه الثلاثة وفيها أكثر من ألف صفحة، وباقي الكتاب دحض لتعاليم الكنيسة التي ذكرناها بكم هائل من الفلسفة، والسفسطة والجدل العقيم، الذي لا يمكن بأي حال أن يقنع سوى الكاره للدين المنكر لوجود إله لهذا الكون.
والآن تعالوا لنرى دفوع جاليليو التي أوردها في كتابه الذي غير به الأحوال:
أما عن الدفع الأول:
فقد عمل جاليليو على إثبات أن الأرض متحركة مثلها مثل الأجسام السماوية الأخرى.وهي تمتلك صفاتها، وجوهر الأرض لا يختلف عن جوهر هذه الأجسام، بل إنها تتفاعل معها وتؤثر فيها كتأثير الند للند، وهي في سلسلة من الكواكب تدور حول الشمس ليست هي أول أو آخر أفرادها.فإن كان الحال هكذا فلم التطلع إلى السماء باعتبار أن فيها الدار الأسنى والتي تسكنها الملائكة وتستقر فيها الأرواح الخيرة بعد تركها تلك الأجسام المتعفنة، وإن كان الحال كذلك فلـم تكون الجنة في السماء، أو النار في كوكب كذا وكذا.
هذا هو الدفع الأول الذي دفعه جاليليو وأراد إثبات أن الأرض لا تختلف عن غيرها من الأجرام السماوية وهي لذلك تدور مثلها.وأنه ليس هناك شيء اسمه أدنى وآخر أسمى.وليس في السماء ملائكة، ولا أرواح المؤمنين، ولا جنه ثًم ولا نار، فالكون كله ليس إلا أعداد هائلة من الأجرام السماوية السابحة في الفضاء الذي ليس له نهاية. استغرق الرد على هذا الدفع الجزء الأول من كتاب جاليليو (الحوار).
أما الدفع الثاني :
تمثل في القول بأن الكون يحتوى على عدد لا نهائي من النجوم التي تحيطها الكواكب، تختلف في أبعادها عن مركزها، كاختلاف أبعاد كواكب المجموعة الشمسية عن مركزها وهو الشمس.ومن ثم فإن احتمال توفير ظروف جوية مماثلة لتلك السائدة فوق الأرض، أو باختصار احتمال وجود عدد لانهائي من الأراضي في هذا الكون يظل قائما ما قامت الأرض، وما وجدت مجموعتنا الشمسية نفسها. إذن فالأرض ليست مركزا لمجموعتنا الشمسية.أو لكوننا الصغير. ولا هي مركز للأكوان الصغيرة الأخرى.كما أن احتمال وجود حياة فوق ملايين الأراضي المحتملة فوق هذا الكون تنفي أن يكون الكون كله قد خلق لعلة الإنسان الأرضي، أو هي على الأقل، لم تحسم بعد من الناحية العلمية. هذا ما قاله ليثبت عدم أهمية الأرض وأن غيرها في الفضاء ملايين، ومن عند جاليليو بدأت تظهر هذه الأرقام الضخمة التي تسمى بالأرقام الفلكية.وحتى الآن وبعد غزو الإنسان للفضاء، وبعد تعمقهم بأجهزتهم إلى عمق 6000 بليون سنة ضوئية كما يزعمون لم يكتشفوا أرضاً ثانية.. كأرضنا.
أما الدفع الثالث:
ردا على قول الكنيسة" إن فوق أرضنا سبع سماوات بعضها فوق بعض" فقد دفع جاليليو بقوله" إن الكون إنما هو فراغ شاسع مليء بالمجموعات الشمسية المتناثرة تتحدد فيها الظواهر وفقا للوضع النسبي بين الأجسام الكونية المختلفة وهو لذلك لا يحتوى على فوق مطلق ولا على تحت مطلق".
وعلق الدكتور (على حلمي موسى) الذي وضع مقدمة الترجمة العربية على مقولة جاليليو:" إن الكون إنما هو فراغ شـــاسع" فقال:" لم يشـأ جاليليو بالقول بلا نهاية الكون التي أدت بالكنيســـة إلى الحكم على الفيلسوف (جيردانو برونو) بالموت حرقا في17 /2 / 1600، وإن هذا ما يفهم ضمناً من الحوار".
وهذا القول وغيره في حواره فهمت منه الكنيسة اعتقاد جاليليو بلا نهاية هذا الفضاء وأنه لا توجد فوق الأرض أي سماوات وكان ذلك من أسباب محاكمته.
أما الدفع الرابع:
ردا على قول الكنيسة" بأن الأرض خلقت لعلة الإنسان وجعل ما في الكون لعلته وخـدمته" قال جاليليو" إن احتمال وجود حياة فوق ملايين الأراضي المحتملة في هذا الكون، تنفي أن الكون كله قد خلق لعلة الإنسان الأرضي".
هذه هي دفوع جاليليو على تعاليم الكنيسة.أما دليله الوحيد في كتابه عن دوران الأرض فقد كان ظاهرة" المد و الجزر" أي أن حركة الأرض هي التي تسبب المد والجزر فقال:" إنني أكرر وأركز على أنه لا توجد حتى الآن إمكانية أخرى لتعليل حركات المياه في البحر المتوسط التي نستطيع مشاهدتها فعلا، إذا كانت الأحواض المحتوية على مياهه غير متحركة".
هذا الدليل على حركة الأرض لحركة المياه في البحار. أبطله كل علماء الأرض عندما قالوا بأن المد والجزر إنما هو من تأثير جاذبية القمر. وبذلك لم يعد في كتاب الحوار لجاليليو ما يدعو لأن يغير نظام الكون.
في مقدمة الترجمة الألمانية لكتاب الحوار لجاليليو يقول" إميل شتراوس" مخبرا عن تعاليم جاليليو وموقف الكنيسة منها:" لقد علمت الفلسفة الجديدة الناس أن الأرض نجم ككل النجوم، وأن النجوم أراض مثل أرضنا.لقد تكتلت المدارس المسيطرة آنذاك ضد هذه المعلومة، كما أن هذه الجملة كانت أساساً هي الفكرة التي هبت الكنيسة للدفاع ضدها.فحتى ذلك الحين اعتبر الناس الأجسام السماوية خالدة لا تتغير إلى الأبد، بل إنها أشياء سامية رفيعة لا ينبغي مقارنتها بحسالة هذا الكون القذر، وهي الأرض.فمع أن الإنسان لم يعد يعتقد في أنها مسكونة بالآلهة - كما كان يعتقد الإغريق والرومان - إلا أنه اعتقد أنها مليئة بالأنوار الملائكية، وبرغم من ذلك فقد رأى أيضا أنها قد خلقت جميعها من أجل خدمة هذه الأرض.
لقد كان تحرير العقول من هذه الآراء الدينية التي تضع أهمية كبرى للإنسان في الكون، وتعليمها أن الأجسام السماوية - وإن لم تكن مطابقة تماما للأرض إلا أنها يمكن مقارنتها بها، يمثل الخطوة الأولى تجاه المعرفة الخطرة - ولقد تحسست ذلك القوة المحافظة بغريزتها - التي تقول بأن الإنسان لم يخلق لعلة أشباح معينة، وأنه ليس ثمة أشباح قد خلقت لعلته وأنه عليه أن يمسك بزمام أمره ويوجه خط سيره في الحياة حسبما تهيئ له طبيعته".
تلك هي تعاليم الكنيسة - عن الكون وخالقه – وهي تتفق في مجملها مع تعاليم الإسلام، وأن دفوع جاليليو كلها تحمل كفرا بواحاً، لا يقل عن كفر فرعون وهامان.
فتعاليم الإسلام تقول:
إن الأرض ثابتة والشمس هي التي تدور حولها بل إن كل ما في السماء يدور حول الأرض وأن كل هذه الأجرام مسخرة فعلا لأهل الأرض.وأن هذه الأرض ليس لها مثيل في هذا الكون، وأن فوقها سبع سموات بعضها فوق بعض، وأن الجنة في السماء، وأن الملائكة تسكن السموات وهي أجسام نورانية، وليست أشباحاً، وأنها أيضا مسخرة لخدمة الإنسان.وأن مستقر أرواح المؤمنين في السماء، وأن الأرض حقا ممتلئة بالرذيلة، والسماء هي دار الفضيلة لأن السماء تسكنها الملائكة التي لا تعصى الله طرفة عين، والأرض يسكنها الإنس والجن وقد أفسدوا فيها وسفكوا الدماء، حتى قال تعالى ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُون (الروم:41) ورغم ذلك فإن الإنسان هو علة هذا الكون لقوله تعالى: وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَــوَاتِ وَالأرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا (هود:7) أي أن الله تعالى خلق السموات والأرض في المدة التي ذكرها لابتلاء الإنسان واختباره.وقـال تـعالى وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَــوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ في ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (الجاثية:13).
هذه هي التعاليم التي كان رجال الكنيسة يروجون لها، وهي التي نقم عليها جاليليو والملحدون معه.وقد قام رجال الكنيسة بصدهم آنذاك، ثم كان الفضل لنشر تعاليم جاليليو وإحيائها بعد وئدها يرجع إلى الذين عظموا جاليليو، وكل من جاء بعده الذين لم ينطقوا إلا كفرا.
ووجد من العلماء الآن من تحامل على رجال الكنيسة بدعوى محاربتهم للعلم ونظروا لجاليليو وأمثاله على أنهم رواده.وهذا واحد من أرجح علماء المسلمين عقلا وأوسعهم إطلاعا وأكثرهم حرصا وأعفهم لسانا وأرقهم فؤاداً في هذا العصر، يقول في كتاب من أفضل ما أنتجه الفكر المعاصر هو كتاب" ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين".إنه عالم الهند الأشهر أبو الحسن النـدوي (رحمه الله) يقول عن هؤلاء وأولئك: تحت عنوان: (اضطهاد الكنيسة للعلم):
" كان من أعظم أخطاء رجال الدين في أوربا ومن أكبر جناياتهم على أنفسهم وعلى الدين الذي كانوا يمثلونه أنهم دسوا في كتبهم الدينية المقدسة معلومات بشرية، ومسلمات عصرية عن التاريخ والجغرافيا والعلوم الطبيعية ربما كانت أقصى ما وصلوا إليه من العلم في ذلك العصر، ولعلهم فعلوا ذلك بحسن نية ولكن كان أكبر جناية على أنفسهم وعلى الدين فإن ذلك كان سببا للكفاح المشئوم بين الدين والعقل والعلم الذي انهزم فيه الدين.ذلك الدين المختلط بعلم البشر الذي فيه الحق والباطل هزيمة منكرة، وسقط رجال الدين سقوطاً لم ينهضوا بعده حتى الآن، وشر من ذلك كله وأشأم أن أوربا أصبحت لا دينية.
وكان ذلك في عصر انفجر فيه بركان العقلية في أوربا، وحطم علماء الطبيعة والعلوم سلاسل التقليد الديني فزيفوا هذه النظريات الجغرافية التي اشتملت عليها هذه الكتب وانتقدوها في صرامة وصراحة، واعتذروا عـن عدم اعتقادها والإيمان بها بالغيب، وأعلنوا اكتشافاتهم العلمية واختباراتهم، فقامت قيامة الكنيسة وقام رجالها المتصرفون بزمام الأمور في أوربا وكفروهم واستحلوا دماءهم وأموالهم في سبيل الدين المسيحي.وأنشئوا محاكم التفتيش التي تعاقب أولئك الملحدين والزنادقة.. وكان منهم العالم الطبيعي المعروف"جيردانو بورنو".نقمت منه الكنيسة آراء من أشدها قوله بتعدد العوالم، وحكمت عليه بالموت حرقاً.وهكذا عوقب العالم الطبيعي الشهير (جاليليو جاليليه) بالقتل لأنه كان يعتقد بدوران الأرض حول الشمس.
هنالك ثار المجددون المتنورون وعيل صبرهم وأصبحوا حربا لرجال الدين وممثلي الكنيسة والمحافظين على القديم، ومقتوا كل ما يتصل بهم ويعزى إليهم من عقيدة وثقافة وعلم وأخلاق وآداب، وعادوا الدين المسيحي أولا، والدين المطلق ثانيا.وكانوا إذا ذكروا الدين، ذكروا تلك الدماء الذكية التي أريقت في سبيل العلم والتحقيق، وتلك النفوس البريئة التي ذهبت ضحية لقسوة القساوسة ووساوسهم": انتهي.
الكنيسة المفترى عليها
وعندما تحريت الأمر، واطلعت على سيرة رجال الكنيسة آنذاك وسيرة العلماء أصحاب "الدماء الذكية" و" النفوس البريئة" علمت إلى أي حد يفتري التاريخ الذي كان يكتبه على مدار حياة البشرية، علمانيون.وأسفت إلى حال رجال الكنيسة الآن وقد صاروا لا يعرفون معروفاً ولا ينكرون منكراً.وللأمانة التي يفرضها علينا الدين أسجل هنا موقفين لأولي الأمر من المسلمين في عصرهـم الذهبي (القرن الثاني الهجري).وأولي الأمر من رجال الكنيسة في أسوأ عصورهم التي يقال إنهم وقفوا فيها ضد العلم والعقل وكيف تصرف رجال الكنيسة في عهد الظلمات، أو العصور الوسطى، أو محاكم التفتيش مع أحد الكافرين بكل الأديان، وبكل الكتب وبكل الآلهة.
يقول محرر مدخل" كتاب الحوار" إميل شتراوس" عن معاملة جاليليو أثناء المحاكمة بالجزء الأول من الحوار صـ 138 فإن جاليليو لم يتلق تعذيباً جسدياً ولكنه فقط واجه ما يسمى بالفزعة الخفيفة".
وفي يونيو سنة 1633 حكم على جاليليو بالحكم الذي جاء في حيثياته:
" وبما أنه قد صدر منذ فترة وجيزة كتاب طبع في السنة الماضية في فلورنسا ويبين عنوانه أنك مؤلفه، وبما أنه قد قيل للمجلس المقدس أنه كنتيجة لنشر الكتاب المذكور قد شاع الرأي الخطأ القائل بحركة الأرض وسكون الشمس يوما بعد يوم:
فقد تم فحص الكتاب المذكور بكل عناية وقد وجد أن الكتاب يحتوى على انتهاك سافر للأمر المذكور أعلاه والذي تم إبلاغه لك آنذاك وذلك أنك قد دافعت في الكتاب المذكور عن التعاليم التي قد لعنت سابقا والتي وصفت لك صراحة بأنها ملعونة، كما أنك قد اجتهدت في الكتاب المذكور من خلال تحويرات مختلفة أثارت الرأي بأنك نفسك تعتبرها لم تتقرر بعد، وأنها بالتحديد محتملة، وهو ما يعتبر في ذاته خطأ فادحاً للغاية وذلك لأن كل رأى تم إقراره وتعريفه كنقيض للكتاب المقدس، لا يمكن أن يكون بأي حال: محتملاً أو قابلاً للوقوع".
" بعد أن تحددت لك فترة زمنية متوازية للدفاع عن نفسك تقدمت بشهادة مكتوبة.. كي تعتذر عن خطئك هذا، ولكن كَيلا يعزي إلى نيتك السيئة، بل إلى طموحك المغرور.بيد أن الشهادة المذكورة، التي أحضرتها أنت من أجل الدفاع عن نفسك تعتبر ملائمة فقـــط لإدانتك بقدر أكبر.وذلك لأنك مع أن الرأي المذكور قد اعتبر مناقضا للكتاب المقدس قد تجرأت بشرح هذا الرأي والدفاع عنه وعرضه وكأنه قابل للوقوع. كذلك فإن التصريح الذي تحايلت في الحصول عليه بطريقة ماكرة خبيثة، لا يبرر أنك لم تقل شيئا عن الأمر الذي صدر لك".
" وبما أنه قد ظهر آنذاك أنك لم تقل الحقيقة كلها بصدد نزعتك (أو مذهبك الديني) فقد رأينا أنه من الضروري إجراء التحقيق السخيف معك.وأثناء هذا التحقيق فإنك قد أجبت بخصوص نزعتك أو الذي قد ثبت ضدك - كما ذكر أعلاه بأنك كاثوليكي ومن ثم فقد وصلنا بعد أن تدبرنا بعمق وفحصنا موضوعك هذا من جميع جوانبه، واعترافاتك جميعها التي ذكرت، وأعذارك، وكل النواحي القانونية الأخرى إلى الحكم المحدد ضدك والمذكور أسفله".
" وبعد التوسل إذن للاسم المقدس لسيدنا يسوع المسيح، وأمه مريم المجيدة العذراء في كل زمان ومكان فإننا نقول نحن المجتمعين كهيئة المحكمة، ونعلن ونحكم ونقر: بأنك يا جاليليو المذكور أعلاه من خلال الأشياء التي ثبتت في المحاكمة والتي اعترفت أنت بها.قد حملت هذا المجلس المقدس على الشك فيك بشدة بتهمة الزندقة، وانك اعتقدت في التعاليم المضللة التي تتناقض مع الكتب المقدسة الإلهية.والتي تقول: (بأن الشمس هي مركز الكون، وهي لا تتحرك من الشرق إلى الغرب وبأن الأرض تتحرك وهي ليست مركز الكون) وفي أنك اعتبرتها تعاليم حقة حتى بعد أن أعلن أنها نقيض للكتاب المقدس، وقلت: إنه من الممكن لرأى ما حتى لو كان مناقضاً للكتاب المقدس أن يعتبر كرأي محتمل ويدافع عنه بوصفه كذلك - وأنك بناء عليه قد وقعت تحت جميع العقوبات وأنواع الحظر التي أعلنت من خلال الكتاب المقدس والدساتير الأخرى العامة والخاصة ضد أولئك الذين سقطوا بطريقة مماثلة لك.أننا نصدق على انك برئ من كل هذه العقوبات والمحظـورات بشـرط أنك أولا تلعن وتسب أمـامنا بقلب مخلص وعقيدة صافية كـل الضلالات والزنـدقات المذكورة ضـدك، وكـل الضلالات والزنـدقات المعارضـة للكنيسة الكاثوليكية الرسولية في روما".
كانت هذه المحاكمة في عصر النهضة الذي أعتبر الملحدون فيه هم رسل المحبة والسلام ورجال الدين هم البرابرة، ومصاصو الدماء في القرن السابع عشر.
وحادث مشابه - ولا نقول محاكمة مشابهة لأنه لم يتم ذلك - حدث في عصر النهضة الإسلامي وهو القرن الثاني الهجري.ولكن مع الفرق فقد كان أولى الأمر الذين أنيط بهم الحفاظ على الدين وحماية الكتاب المقدس من المساس هم الذين يروجون لتعاليم مخالفة للكتاب، في حين أن العلماء المسلمين صناع عصر النهضة ذلك هم الذين كانوا يتمسكون بالكتاب وبنشر تعاليمه كما يريد الله، متتبعين سبيل رسول الله دون أن يحيدوا.
يحكى ابن كثير في كتاب البداية والنهاية عن هذه الفتنة فيقول:
إن الخليفة المأمون كتب إلى نائبه ببغداد (إسحاق بن إبراهيم بن مصعب) يأمره بأن يمتحن القضاة، والعلماء بالقول بخلق القرآن وأن يرسل إليه جماعة منهم، وكتب إليه يستحثه في كتاب مطول، محتجا بأن القرآن محدث وكل محدث مخلوق، وهذا احتجاج لا يوافقه عليه كثير من المتكلمين، فضلا عن العلماء، وقد عين المأمون جماعة من المحدثين ليحضرهم إليه، فلما حضروه امتحنهم بخلق القرآن، أي أن يقولوا بأن القرآن مخلوق، فأجابوه إلى ذلك وأظهروا موافقته، وهم كارهون فردهم إلى بغداد وأمر نائبه في بغداد" إسحاق بن إبراهيم" أن يمتحن كل علماء الحديث والفقه وأئمة المساجد وغيرهم وأن يذكر لهؤلاء موافقة النفر من المحدثين الذين وافقوا المأمون وهم معروفون بينهم ولم يكن منهم أحمد بن حنبل، فأجاب كل من امتحن بالموافقة فوقعت فتنة عظيمة بين الناس.
أحمد بن حنبل … وجاليليو جاليليه
لا يوجد في تاريخ البشرية حادثان متشابهان ومتناقضان في آن واحد مثل هذين الحادثين، ووجه الشبه بينهما: أن كليهما حـدث في عصرين للنهضة: عصر النهضة الإسلامي وعصر النهضة المسيحي.وتعلق الحادثان بمخالفة الكتاب المقدس لكل منهما، وتعرض بطلا الحادثين لمحنة واحدة والتصقت في كلا الحادثين صفة التشدد لمن تمسك بنص الكتاب.كذلك خرج بطلا القصتين من محنتيهما متوجين.هذا وجه التشابه.ووجه التناقض هو أن ما حدث في محنة جاليليو كان بعكس ما حدث لفتنة" أحمد بن حنبل" بطل المحنه الأخرى.
فقد كان أحمد بن حنبل هو الوحيد في عصره الذي تمسك بتعاليم الكتاب المقدس (القرآن) وكان جاليليو هو الوحيد في عصره الذي تمسك بمخالفة الكتاب المقدس.رغم انصياع جميع زملاء جاليليو وجميع زملاء ابن حنبل لضغوط أولى الأمر.
كما كان عصر النهضة الإسلامي هو عصر أحمد بن حنبل حيث بدأت حركة تدوين الأحاديث وتفسير القرآن وظهور المذاهب الفقهية الإسلامية الكبرى.فقد كان عصر النهضة العلماني هو عصر جاليليو جاليليه حيث بدأت فيه المذاهب التجريبية التي حلت محل المذاهب الفلسفية.
ومن أوجه التناقض للمحنتين، أن أولى الأمر في محنة أحمد كانوا هم المخالفين لنصوص الكتاب، والذين ينشرون تعاليـم لم يقل بها الله ولا رسوله.بينما كان أولو الأمر في عصر جاليليو هم المتمسكون بنصوص الكتاب المقدس وتعاليمه.
ومن أوجه التناقض أيضا أن أحمد بطل المحنة الأولى تعرض لأشد تعذيب، نتيجة تمسكه بالكتاب المقدس وعدم مخالفته في كلمة واحدة، مجرد كلمة أن يقول (القرآن مخلوق) بينما عومل جاليليو معاملة كريمة لم يتعرض فيها لأي أذى رغم مخالفته الشديدة للكتاب المقدس وعدم تمسكه بأي مبدأ من مبادئه.
ومن أوجه التناقض أيضا أن جاليليو بعد هذه المحنة أصبح رائد عصر النهضة وأصبح أحمد رائد المتشددين حتى أصبح مثلا يسب به كل متعنت (أنت حنبلي؟) كذلك الحال مع رجال الكنيسة الذين تمسكوا بالكتاب المقدس أصبحوا عنوانا للتشدد والظلم والقهر.افتراء عليهم.
ثم كان التناقض في موقف الشخصيتين: فبينما نجد تمسك أحمد بالكتاب رغم كل المحاولات من وعد ووعيد وإغراء وتعذيب وطول حبس وقيام الخليفة بنفسه بامتحانه وتعذيبه بالصورة التي سنراها الآن.نجد جاليليو قد خر راكعاً متذللا نادما، وعلى الصورة المزرية التي سنراها بعد قليل.هذا رغم أنه لم يتعرض لأي أذى.وأغرب ما في الأمر أن يخرج جاليليو بعد ذلك بطلا ورائدا ورمزا.ولا حوله ولا قوة إلا بالله.
يقول ابن كثير عن فتنة (خلق القرآن) ومحنة (أحمد بن حنبل):
أحضر إسحاق جماعة مـن الأئمة والأعلام ومنهـم" أحمد بـن حنبل" وقـرأ عليهم كتاب" المأمون" وأخبرهم عن موافقة الفقهاء والمحدثين، وأئمة المساجد.ثم راح يمتحنهم واحدا واحدا، وأكثرهم امتنع من القول بخلق القرآن، حتى جاء دور أحمد بن حنبل فقال له: أتقول إن القرآن مخلوق؟ فقال أحمد: القرآن كلام الله لا أزيد على هذا.فقال له ما تقول في صفات الله؟ فقال: ليس كمثله شيء وهو السميع البصير.فقال رجل من المعتزلة: إنه يقول سميع بأذن، بصير بعين.فقال له إسحاق: ما أردت بقولك سميع بصير؟ فقال: أردت منها ما أراد الله منها.وهو كما وصف نفسه.ولا أزيد على ذلك.
فكتب إسحاق إجابات الحاضرين الممتحنين جميعا وأرسـل بها إلى المأمون.وقد كان من الممتحنين من أجاب إلى القول بخلق القرآن مصانعةً مكرهاً.لأنهم كانوا يعزلون من لا يجيب من وظائفه.وإن كان له رزق على بيت المال قطع.وإن كان مفتياً منع من الإفتاء، وإن كان شيخ حديث ردع عن الإسماع والأداء، ووقعت فتنة صماء ومحنة شنعاء وداهية دهياء، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
يقول ابن كثير: فلما وصلت إجابات القوم إلى المأمون بعث إلى نائبه يمتدحه على ما فعل ثم أمره بأن يجمع الممتنعين منهم عن القول بخلق القرآن ويمتحنهم مرة أخرى.ومن أجاب منهم يطلق سراحه ويشهر أمره في الناس ومن لم يجب منهم يرسله إلى أمير المؤمنين مقيدا حتى يرى فيه رأيه.وقد كان رأيه أن يضرب عنق من لم يقل بقوله.وإزاء ذلك أجاب القوم جميعا مكرهين متأولين قوله تعالى: إلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ (النحل:106) ولم يمتنع إلا اثنان" أحمد بن حنبل" و" محمد بن نوح الجند يسابوري" فأرسلا مقيدين إلى المأمون.وفي طريقهما إليه أرسل المأمون إلى نائبه أنه قد بلغني أن القوم إنما أجابوا مكرهين متأولين قوله تعالى: إلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وقد أخطئوا في ذلك خطأ كبيرا فأرسلهم إلىّ جميعا، وكان أحمد ومحمد بن نوح قد سبقا الناس.وفي الطريق دعـا أحمد الله عز وجل ألا يريهما المأمون ولا يراهما ولا يجتمعا به.واستجاب الله دعاء ابن حنبل وهلك المـأمون قبل أن يصلوا إليه.ورد الناس إلى بغداد.
يقول ابن كثير: إن المأمون كان قد استحوذ عليه جماعة من" المعتزلة" فأضلوه عن طريق الحق إلى الباطل، وزينوا له القول بخلق القرآن ونفي الصفات عن الله عز وجل.
يقول: فلما كانا في طريق جاءه رجل من الأعراب من العباد يقال له" جابر بن عامر" فسلم على الإمام أحمد وقال له:" يا هذا إنك وافد الناس فلا تكن شؤما عليهم وإنك رأس الناس اليوم، فإياك أن تجيبهم إلى ما يدعونك أليه فيجيبوا مثلك فتحمل أوزارهم يوم القيامة.وإن كنت تحب الله فاصبر على ما أنت عليه فإن ما بينك وبين الجنة إلا أن تقتل، وإنك إن لم تقتل تمت وإن عشت، عشت حميدا".قال أحمد:" وكان كلامه مما قوى عزمي".
فلما اقتربا من جيش الخليفة جاء خادم وهو يمسح دموعه بطرف ثوبه، ويقول:" يعز على يا أبا عبد الله أن المأمون قد سل سيفا لم يسله قبل ذلك.وأنه يقسم بقرابته من رسول الله ، لئن لم تجبه إلى القول بخلق القرآن ليقتلنك بذلك السيف" فجثا الإمام أحمد على ركبتيه ورمق بطرفه إلى السماء.وقال:" سيـدي غر حلمك هذا الفاجر حتى تجرأ على أوليائك بالضرب والقتل.اللهم فإن يكن القرآن كلامك غير مخلوق فاكفنا مؤنته".
قال: فجاءهم الصريخ بموت المأمون في الثلث الأخير من الليل.
وفي طريق العودة إلى بغداد مات محمد بن نوح وهو في قيوده، وصلى عليه أحمد ولما وصل إلى بغداد أودع في السجن نحوا من ثمانية وعشرين شهرا وقيل نيفا وثلاثين شهرا ثم أخرج إلى الضرب بين يدي المعتصم.
ولما توجه للمعتصم زادوا عليه في القيود حتى انه كان يجرها جرا.فلما دخل عليه أدناه المعتصم منه.وقال:" لولا أنك كنت في يد من كان قبلي لم أتعرض إليك" ثم قال لعبد الرحمن بن أبى دؤاد وكان بجانبه:" ألم أقل لك يا عبد الرحمن وأمرتك أن ترفـع المحنة؟" ثم قـال المعتصم:" ناظره.. كلمه".فقال عبد الرحمن:" ما تقول في القرآن؟ فلم أجبه (يقـول أحمد) فقال المعتصم:" أجبه" فقلت:" ما تقول في العلم؟ فسكت.فقلت: القرآن علم الله.ومن زعم أن علم الله مخلوق فقد كفر بالله" فســكت.فقالوا فيما بينهم (الحاضـرون): " يا أمير المؤمنين كفرك وكفرنا" فلم يلتفت إلى ذلك.فقال عبد الرحمن:" كان الله ولا قرآن".فقلت:" أكان الله ولا علم؟: فسكت.فجعلوا يتكلمون من هاهنا وهاهنا.فقلت" يا أمير المؤمنين، أعطوني شيئا من كتاب الله أو سنة رسوله حتى أقول بـه" فـقال: عبد الرحمن" وأنت لا تقول إلا بهذا؟ فقلت:" وهل يقوم الإسلام إلا بهما".
وجرت مناظرات طويلة، واحتجوا بقوله مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ وبقوله اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وأجاب بما حاصله أنه عام مخصوص وبقوله تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فقال عبد الرحمن بن أبى دؤاد:" هو والله يا أمير المؤمنين ضال مضل، مبتدع وهنا قضاتك والفقهاء فسلهم" فقال لهم: ما تقولون؟ فأجابوا بمثل قول ابن أبى دؤاد.
لم يكن المعتصم يريد ضرا بالإمام أحمد.فأحضره في اليوم الثاني ليناظرهم ويناظروه، ثم اليوم الثالث كذلك.في كل يوم يعلو صوت أحمد عليهم وتغلب حجته حجتهم، وتنوعت بهم المسائل في المجادلة ولا علم لهم بالنقل.فجعلوا يضعفون الأحاديث وينكرونها.وفي غضون ذلك كله يتلطف به الخليفة ويقول:" يا أحمد أجبني إلى هذا حتى أجعلك من خاصتي وممن يطأ بساطي.فيقول أحمد:" يا أمير المؤمنين يأتوني بآية من كتاب الله.أو سنة رسول الله  أجيبهم إليها".
وظلوا يستعدون الخليفة بكل وسيلة فقالوا:" يا أمير المؤمنين هذا كافر ضال مضل".وقال له إسحاق بن إبراهيم نائب بغداد:" يا أمير المؤمنين ليس من تدبير الخلافة، أن تخلى سبيله ويغلب خليفتين" وأيـدهم ابن أبى دؤاد.عندئـذ حمى واشتد غضب المعتصم، وكان ألينهم عريكة فقال لأحمد:" طمعت فيك أن تجيبني" ثم قال:" خذوه واخلعوه واضربوه".
يقول ابن حنبل:" وجيء بالضرابين ومعهم السياط فجعل أحدهم يضربني ســوطين ويقول له المعتصم شد قطع الله يدك.ويجيء الآخر فيضربني سوطين ثم الآخر كذلك فضربوني أسواطاً فأغمى علىّ، وذهب عقلي مراراً.فإذا سكن الضرب يعود علىّ عقلي.وقام المعتصم إلىَ يدعوني إلى قولهم فلم أجبه.وجعلوا يقولون: ويحك الخليفة على رأسك فلم أقبل.وأعادوا الضرب ثم عاد إلىّ فلم أجبه.فأعادوا الضرب ثم جاء إلى الثالثة فدعاني فلم أعقل ما قال من شدة الضرب.ثم أعادوا الضرب، فذهب عقلي فلم أحس بالضرب.
وأرعبه ذلك من أمري.وأمر بي فأطلقت، ولم أشعر إلا وأنا في حجرة من بيت.وقد أطلقت الأقياد من رجلي.وكان ذلك في اليوم الخامس والعشرين مـن رمضان سنة إحدى وعشرين ومائتين.ثم أمر الخليفة بإطلاقه إلى أهله.وكان الإمام أحمد رجلا طويلا رقيقاً أسمر اللون كثير التواضع.رحمه الله.وجعـل أحمد كـل من آذاه في حل إلا أهل البدع.وكان يتلو قول الله تعالى وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا. وكان يقول: ماذا ينفعك أن يعذب أخوك المسلم بسببك".
قال البخاري:" لما ضرب أحمد بن حنبل كنا بالبصرة، فسمعت أبا الوليد الطيالسي يقول: لو كان أحمد في بنى إسرائيل لكان أحدوثة.وقال إسماعيل بن الخليل: لو كان أحمد في بنى إسرائيل لكان نبيا.وقال حرملة: سمعت الشافعي يقول: خرجت من العراق فما تركت رجلا أفضل ولا أعلم ولا أروع ولا أتقى من أحمد بن حنبل".
قال رسول الله :" لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذ لهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك".
سادتي العلماء: أعتذر إليكم عن تسببي في إيلامكم بذكر هذه المواجع، وتلطيفا للأمر أنتقل بحضراتكم سريعا إلى روما سنة 1632وتحديدا شهر يونيو لنرى جاليليو في ساحة المحكمة وهو راكع على ركبتيه أمام هيئة المحكمة المكونة من عشرة من المطارنة.ولنسمع جاليليو رائد عصر النهضة وبطل هذه المحنة وهو يقول:
" أنا جاليليو جاليليه ابن المتوفى فتشنتسيو جاليليه من فلورانسا، البالغ من العمر سبعين عاماً، الماثل شخصياً أمام المحكمة، والراكع أمام سموكم أصحاب المقام الرفيع السادة مطارنة محكمة التفتيش العامة ضد الشرور والزندقة في كل العالم المسيحي، وأمام عيني توجد الأناجيل المكرمة التي ألمسها بيدي، أقسم إنني قد اعتقدت دائما، والآن أعتقد وبمساعدة الإله سوف أعتقد في المستقبل في كل ما تعتبره الكنيسة الرسولية المقدسة في روما، وكل ما تعظ به وتعلمه.
ولكن بما أنني وبعد أن صدر الأمر القانوني من هذا المجلس المقدس، إنني يتحتم على الكف تماما، عن الرأي الخاطئ القائل بأن الشمس هي مركز الكون وهي ليست متحركة وأن الأرض ليست المركز، وهي متحركة. وليس من المسموح إلى اعتبار هذه التعاليم الخاطئة بأنها حقه أو الدفاع عنها أو تدريسها بأي طريقة سواء شفهياً أو تحريرياً.
وبعد أن كشف إلى أن هذه التعاليم تتناقض مـع الكتاب المقدس.قمت بتأليف كتاب وتسليمه للطبع وشرحت فيه التعاليم التي لعنت سابقا وقدمت فيها بدرجة كبيرة من دلائل تعضدها دون إضافة نقد لها، وبما أنني من خلال ذلك قد جعلت هذا المجلس المقدس يشك بشدة في إنني زنديقاً، أي إنني اعتبرت أن الشمس هي مركز الكون وهي لا تتحرك وأن الأرض ليست هي المركز وهي تتحرك .
لذلك وبما إنني آمل من سموكم ومن كل مسيحي مؤمن رفع هذا الشك الشديد الموجه ضدي بحق فإنني تبت، وألعن وأسب بقلب مخلص وعقيدة صافية، الضلالات والزندقات المذكورة، وعلى الإطلاق كل وأي ضلالات أخرى تتناقض مع الكنيسة المقدسة المذكورة، وأنني أقسم إنني في المستقبل، لن أقول، أو أزعم شفاهياً أو تحريرياً شيئا آخر يمكن للمرء أن يستشعر منه شكا مماثلا ضدي.وأنني عندما أتعرف على زنديق أو أي فرد مشكوك في أنه زنديق، فإنني سأبلغ عنه المجلس المقدس أو المدعى العام لمحكمة التفتيش، أو القس العام للجهة حيثما أكون.
إنني أقسم أيضا، وأعد بالوفاء بدقة ومراعاة كل الكفارات التي سنت أو ستسن لي في هذا المجلس.ولو أنني - حاشا للإله - – قد أخلفت بأي من الوعود أو التعهدات، أو الأقسام المذكورة فإنني أضع نفسي تحت كل العقوبات والإصلاحيات المحددة والمعلنة بواسطة القانون المقــدس، وكل الدساتير الأخرى، العامة والخاصة، ضد أولئك الذين يتصرفون بهذه الطريقة، وبقدر ما يوفقني الإله وأناجيله المقدسة هذه التي ألمسها بيدي.
أنا المدعو جاليليو جاليليه تبت وأقسمت ووعدت، وألزمت نفسي كما هو مذكور أمامي، وللتصديق فقد قطعت هذه الشهادة التي قرأتها كلمة كلمة على نفسي ووقعتها
بيدي".
(روما في دير المينرفا - في 22 من يونيو 1633)
يقول إميل شتراوس في مقدمته لكتاب جاليليو" ومع أنه قد عومل برفق على عكس ما أراد خصومه، إلا أن العقبات قد وضعت في طريق نشاطه المستقبلي".
ولعل ذلك يوضح أن جاليليو لم يتراجع خوفا أو تقية، بل كانت توبة، رغم أن أتباعه من المسيحيين أو المسلمين لم يتوبوا.
ودخل جاليليو التاريخ واعتبر أبا للعلوم الحديثة نظرا لإحلاله طريقة التفكير التجريبي العلمي، محل التفكير المبني على الاستنباط العقلي.غير أن البعض من علماء عصره يذهب إلى أنه لم يستند في كتاباته إلى التجارب بمعناها الحديث وإنما استند فقط إلى تجارب فكرية على نسق مفكري العصور الوسطى.
وقال" ستيلمان دراك" في مقدمة الطبعة الألمانية الجديدة لكتاب الحوار:" إن اكتشاف مخطوطات ترجع إلى العصور الوسطى أوضح ظاهريا أن الكثير من" الحوار" لجاليليو قد اقتبس من أعمال كتبت في القرن الرابع عشر".
وعن نظرية" المد والجزر" وهي دليل جاليليو على دوران الأرض الثنائي (حول نفسها وحول الشمس) يقول دراك:" وفي سنة 1618 نوه جاليليو في أحد خطاباته إلى أنه أراد نشر نظريته حول المد والجزر ولو حتى كـ" لعبة فكرية شيقة".
من كان يتخيل أن" لعبة جاليليو الشيقة" تطيح بكلام الإله المحكم - أي عقل سليم يصدق هذا وأي منطق يقبله؟ لكن ذلك قد حدث.
الجزاء من جنس العمل
وقبل مغادرة روما نقف على نهاية جاليليو الذي قال عنه أتباعه " انه كان يتمتع بحواس ثائرة وكان يجد سرورا لا يعادله سرور في صحبة الغواني وعلى الأخص في صحبة واحدة منهن تدعى"..." ولم يتزوج جاليليو أبداً، وقد كان لجاليليو ثلاثة أبناء دون أن يتزوج.
يقول جاليليو عن نهايته بعد أن سلبه الله النعمة التي لم يستفد منها، ولم يؤمن رغم كل ما رآه من آيات، فكف بصره، واستبد به الأسى:" إن هذا الكون الذي كبرته مئات المرات بكشوفي الغريبة وآلاتي العجيبة.قد انكمش بالنسبة لي من الآن فصاعداً إلى مجرد الحيز الصغير الذي يشغله جسماني".
هكذا انتهى الحال بالرجل الذي حرك الأرض وأوقف الشمس، ضيق الله عليه الأرض بما رحبت حتى ضاقت عليه نفسه وهو الذي قال باللانهائية للفضاء.
يقول" إميل اشتراوس" في الثامن من يناير سنة 1642، السنة التي ولد فيها إسحاق نيوتن مات جاليليو في حضور ابنه وزوجة ابنه وتلميذيه وممثلين اثنين عن المجلس المقدس.
وحول مراسم دفنه قام صراع (كريه) تقرر في نهايته دفنه في سكوت تام في رواق جانبي صغير بكنيسة سانتا كروس بفلورنسا".
لعل من الواجب علينا أن ننتقل الآن إلى بغداد لنلقى نظرة وداع على الإمام العظيم بطل المحنة الأولى" أحمد بن حنبل".
يقول ابن كثير: في ليلة الجمعة، الثاني عشر من ربيع الأول – الشهر الذي ولد فيه وتوفي رسول الله  - اشتد بالإمام الوجع.وروى ابنه عبد الله وابنه صالح أيضا أنه قال: " حين احتضر أبى جعل يكثر أن يقول: لا بعد، لا بعد، فقلت يا أبه ما هذه اللفظة التي تلهج بها في هذه الساعة؟ فقال يا بني إن إبليس واقف في زاوية البيت وهو عاض على إصبعه وهو يقول: فتني يا أحمد؟ فأقول لا بعد لا بعد – يعني لا يفوته حتى تخرج نفسه من جسده علي التوحيد - لأن أحمد يعلم أنه جاء في الحديث أن إبليس قال: يا رب وعزتك وجلالك مـا أزال أغويهم مـا دامت أرواحهم في أجسادهم.فقال الله } وعزتي وجلالي ولا أزال أغفر لهم ما استغفروني {.
وأحسن ما كان من أمره أنه أشار إلي أهله أن يوضئوه، فجعلوا يوضئونه وهو يشير إليهم أن خللوا أصابعي وهو يذكر الله عز وجل في جميع ذلك.فلما أكملوا وضوءه توفي رحمه الله صبيحة الجمعة.وحضر غسله نحو من مائة من بيت الخلافة من بني هاشم، فجعلوا يقبلون بين عينيه ويدعون له ويترحمون عليه رحمه الله.وخرج الناس بنعشه والخلائق حوله من الرجال والنساء ما لم يعلم عددهم إلا الله.ولم يستقر في قبره رحمه الله إلا بعد صلاة العصر وذلك لكثرة الخلق.
هذا وقد قام بإحصاء المشيعين غير واحد، بل تم إحصاء رسمي من الأمير محمد بن طاهر وذلك (لعدم) سابقة تجمع هذا العدد.يقول البيهقي فبلغت ألف ألف وسبعمائة ألف سوي من كان في السفن (أي مليون وسبعمائة ألف رجل وامرأة).قال البيهقي رواية عن عبد الوهاب الوراق إنه قال: ما بلغنا أن جمعا في الجاهلية ولا في الإسلام اجتمعوا في جنازة أكثر من الجمع الذي اجتمع علي جنازة أحمد بن حنبل.وقال الوركاني: (جار أحمد بن حنبل) أسلم يوم مات أحمد بن حنبل عشرون ألفاً من اليهود، والنصاري والمجوس.وروي البيهقي عـن الحجاج بن محمد الشاعر أنه قال: ما كنت أحب أن أقتل في سبيل الله ولم أصل علي الأمام أحمد.وروي عن بعضهم قال: دفن اليوم سادس خمسة أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وعمر بن عبد العزيز وابن حنبل.
انتقال الصراع إلي المسلمين



أدخل عنوان بريدك الإلكتروني هنا يصــــلك كل جديــــد





بلغ الادارة عن محتوى مخالف من هنا ابلغون على الروابط التي لا تعمل من هنا



توقيع : manel


التوقيع



قصة الخلق من العرش إلى الفرش  story of Creation By Eid Wardany Emptyالجمعة 25 يناير - 22:39
المشاركة رقم: #
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
عضو الجوهرة
الرتبه:
عضو الجوهرة
الصورة الرمزية


البيانات
عدد المساهمات : 17945
تاريخ التسجيل : 17/10/2012
رابطة موقعك : ورقلة
التوقيت

الإتصالات
الحالة:
وسائل الإتصال:


مُساهمةموضوع: رد: قصة الخلق من العرش إلى الفرش story of Creation By Eid Wardany



قصة الخلق من العرش إلى الفرش story of Creation By Eid Wardany

في الربع الأول من القرن العشرين استطاع إبليس بضربة مزدوجة من إسقاط رمزين، أحدهما في الأرض والآخر في السماء.
أما رمز الأرض فهو الخلافة الإسلامية التي أسقطها عام 1924 وكانت تحملها الدولة العثمانية، آخر دول الخلافة حتى الآن.وقد كانت رمزا لوحدة المسلمين وتجمعهم والتفافهم حول راية واحدة علي اختلاف أعراقهم.وتفتتت الدولة الإسلامية إلي دويلات، ولم تقم للمسلمين قائمة بعد ذلك وحتى الآن.
وأما الرمز الثاني الذي نجح إبليس في إسقاطه هو الرمز السماوي، عندما جعل الشمس هي مركز الكون بعد أن كانت تدور حول الأرض.
رفع الحظر عن كتاب" الحوار" بعد..2 سنة وذلك في 25 من سبتمبر 1822وحتى هذا التاريخ ولعدة سنوات بعده ظل الناس علي رأيهم بأن الأرض ثابتة والشمس تدور حولها.ولكن مع بداية القرن العشرين بدأت في الظهور من جديد.ولكن هذه المرة علي يد المسلمين.
لم تدخل أفكار كوبرنيقوس وجاليليو إلي البلاد الإسلامية إلا بين يدي الاستعمار الأوربي وبواسطة المسلمين" المستغربين" أنفسهم الذين فتنوا بحضارة الغرب ولا يزالون، ولم تجد هذه التعاليم صدي في بلاد الإسلام في بادئ أمرها، لرفض علمائنا لها واعتبارها مخالفة صريحة وواضحة لا تحتاج إلي تأويل، لقوله تعالى وَالشَّمْسُ تَجْرِي فكيف تكـون مركز الكون.وكيف تدور الأرض حول نفسها وحول الشمس والله تعالى يقول جَعَلَ الأرْضَ قَرَارًا.ومثلما حدث في القرن الثالث الهجري مع فتنة خلق القرآن، فقد حدث في القرن العشرين فتنة (جريان الأرض).ومثلما روج" المعتزلة" لفرية خلق القرآن قديما.روج (المستغربون) لفرية دوران الأرض حديثا.
وبــدأ صراع مشابه لما حدث في القرن السابع عشر الميلادي بين رجال الكنيسة والتجريبيين، فقد قام في بلاد الإسلام صراع جديد بين علماء الدين والمستغربين غير أن الصراع انتهى في الغرب بانتصار رجال الكنيسة وتمسكهم بتطبيق الكتاب المقدس أما في الشرق فقد انتهى بانتصار التجريبيين" المستغربين" ونسخت آيات القرآن الكريم وتوقف العمل بكل ما هو متعلق بالأمور الكونية، وخلق السموات والأرض، ولم يكن انتصار المستغربين - رغم قلتهم - يرجع لقوة حججهم، بل كان يرجع لضعف علماء المسلمين، الذين انتهت دولتهم بسقوط الخلافة.
استمر صراع المستغربين (وهـم المسلمون الذين بعثوا إلى الدول الأوربية للتعـليـم والتنوير) مع رجال الشرع عدة سنوات استنفدت تقريبا الربع الأول من القرن العشرين.
كيف بدأ الصراع؟
عندما بدأ الاستعمار الغربي يقسم تركة الـرجل المريض (الدولة العثمانية) أراد أن يستفيد من" المستشرقين" الذين كانوا يدرسون - بتكليف من حكوماتهم - لغة الشرق ودين الشرق وحضارة الشرق، وذلك لخدمة أغراضهم الاستعمارية، كذلك استجلبوا نفرا من المسلمين ممن عرف عنهم التمرد على أوضاعهم، وقاموا على تربيتهم كما يريدون.
كان المستشرقون يعلمون أن القرآن مثله مثل الكتاب المقدس ينص على ثبات الأرض وجريان الشمس، وتنفيذا لمخطط استعماري أرادوا شغل المسلمين بأي قضية يختلفون فيها ويفترقون وقد كان شعارهم (فرق تسد)، فلم يجدوا لذلك أنجح وأفضل من تعاليم كوبرنيقوس وجاليليو التي جربت في القرن السابع عشر الميلادي.فبدءوا يحيون هذه النظرية بعد مواتها، ولكن هذه المرة ليس بينهم في الغرب بل بين المستغربين من المسلمين، الذين فتنوا بحضارة الغرب أفتتاناً جعلهم يتنصلون من كل ما هو شرقي حتى الدين.
وأوحى المستشرقون للمستغربين بالفكرة، ونقلها الآخرون لبلادهم، ولم يتقبل علماء الشرع هذه النظرية لمخالفتها الصريحة لكتابهم ولسنة نبيهم ولإجماع سلفهم.
وبدأ الصراع..
المستغربون يتهمون علماء الشرع بنفس ما اتهم به رجال الكنيسة، الجمود والتحجر والرجعية والتخلف.وعلماء الشرع يتهمون المستغربين بالانحلال والفسوق والابتداع والولاء للغرب.وظلت سنوات ولم يكتب لهذه النظرية أي قدر من النجاح.
وكان لابد من طريقة للاختراق إزاء تمسك علماء الشرع بموقفهم.فكانت الفكرة الجديدة والرائعة.ففجأة أعلن عن كشف جديد.
ما هو؟؟
إن الشمس تجرى.
كانت المفاجأة كبيرة جداً لعلماء المسلمين، واعتبر انتصار كبير للقرآن.ولكن ما هي تفصيلات هذا الكشف العلمي الجديد؟
قالوا: ثبت علميا أن الشمس ليست ثابتة كما كان يقول كوبرنيقوس وجاليليو بل إنها تجرى.
ولكن..
إنها لا تجرى حول الأرض !!
لا تجرى حول الأرض؟ فحول ماذا تجرى إذن؟
إنها تجرى حول المجرة.
المجرة !! أي مجرة؟
مجرتنا.. درب التبانة.
درب التبانة؟ ما هذا؟ ولماذا درب التبانة بالذات؟
هكذا أثبت العلم.
الشمس تدور حول درب التبانة؟ وما شأن درب التبانة بالشمس؟
هكذا أثبت العلم.
العلم أثبت أن الشمس تدور حول المجرة؟ وكيف تدور حول المجرة في يوم؟
إنها لا تدور في يوم.
لا تدور في يوم؟ ففي كم إذن تدور؟ في يومين؟ إن هذا أمر غريب وعجيب !!
لا لا.. إنها تدور في 250.
الشمس تدور حول ما تسمونه هذا في 250 يوما؟؟ كيف يكون ذلك؟؟
بل تدور حول المجرة في 250 مليون سنة.
وترك المستغربون علماء الشرع يضربون أخماساً في أسداس.
ويوما بعد يـوم، تغير الموقف، وتحول الصراع إلى صف علماء الشرع ولم يعد صفا بل صفوفاً.ونجحت الخطة الإبليسية.
فقد رأى البعض أن ما حدث نصر للقرآن وأنهم عارضوا عندما كان كلام المنجمين يتعارض مع القرآن أما وقد أثبتوا ما أثبته الله فلا مبرر للمعارضة الآن.
وقال آخرون إن القضية كما هي فالله تعالى لم يقل إن الشمس تجرى حول المجرة.كما أن الشق الثاني يظل قائما وهو: أن الأرض لا تدور وقد أثبت الله أنها قراراً.ورد الأولون بأن الله بالفعل لم يقل بأنها تجرى حول المجرة ولكنه أيضا لم يقل إنها تجرى حول الأرض.كما أن قول الله بأن الأرض قراراٍِِ فهي كذلك بالنسبة لمن عليها وليس بلازم أن تكون قرارا لباقي الأجرام السماوية.
ثم ذكروهم بما وصل إليه الحال في أوربا التي تشددت أمام العلم، كيف فقدت الكنيسة سلطانها، وضاعت هيبتها وكيف أن جيردانو الذي كان زنديقا أصبح اليوم شهيدا، وجاليليو رائدا، وكوبرنيقوس فتح له التاريخ أبوابه. وانتهى الأمر بأن أصبحت أوربا بلا دين بعد أن اختارت العلم وتدينت بالعلمانية ولم يعد الله يعبد عندهم إلا أيام الآحاد من بعض العجائز ولا يدخلون الكنائس إلا عند عقد الزواج، ولا يسمعون آيات الكتاب المقدس إلا على المقابر.
وكانت الفتنة، والمحنة، والداهية الدهياء.خاصة وقد بدأ زحف المستعمرين على بلاد الإسلام، وقد رأى المسلمون مظاهر القوة والحضارة والتقدم واضحة عليهم.وأشار إليهم المستغربون بأن هؤلاء ما وصلوا إلى ما وصلوا إليه إلا بانفتاحهم وتحررهم وأنهم أعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله. ويجب على المسلمين أن يحذوا حذوهم ويتتبعوا أثرهم شبراً بشبر وذراعاً بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلوه وراءهم.وفي نفس الوقت لا يتركون دينهم، ولكن لا يخرجون به من المساجد.
ويوما بعد يوم كان الحال قد تغير، ولكي يثبت علماء الشرع للمستغربين والمستشرقين أنهم ليسوا ضد العلم، والإسلام يحث على العلم، وإنما هم فقط ضد الإلحاد، فقد عكفوا على إثبات صحة كل ما قاله التجريبيون بآيات القرآن الكريم، وتبارى علماء المسلمين وتسابقوا في ذلك.فقد كان علماء الغرب يخترعون، وهم يؤيدون.. يكتشفون، وهم يثبتون... وبالقرآن.
ووقف إبليس يرنو إلى أطراف العالم في زهو، وكيف نجح في أن يؤلف بين قلوب المؤمنين والكافرين.وكيف نجح في أن يثبت علماء المسلمين - وليس رجال الكنيسة - كل آراء الملحدين … وبالقرآن.
واستبدلت من كتب المسلمين الآيات القرآنية ليوضع مكانها (النظريات العلمية) وأصبح علماء الشرع قبل غيرهم يعلمون الناس أن الأرض لم تخلق في أربعة أيـام فقد أثبت العلم أنها بلايين السنين.وأنها لم تخلق بالعناية الإلهية، بل باصطدام نجم مع الشمس في عملية تدميرية.وأن كل الأجرام السماوية يحكمها قانون نيوتن للجاذبية وليس قـانون القدرة الربانية وأن السماء التي بناها الله تتمدد.وأن الأرض التي أقرها وأرساها تتحرك وأن الشمس التي كانت تجرى لمستقرها، أصبحت تجرى حول المجرة.
تطويع الآيات
استفاد التجريبيون الغربيون من هذه التبعية الكاملة من زملائهم الشرقيين لهم وكأنهم عرفوا أن نبوءة نبي الإسلام قـد تحققت، وأن جيلا من المسلمين سيأتي وسيتبعونهم شبرا بشبر، وذراعا بذراع.واستفاد إبليس أيضا من هذا الوضع أيما إفادة وأوحى إلى أوليائه بلعبة شيقة وهي" تطويع الآيات" ولكن تحت اسم" سبق القرآن" وهذا الأسلوب إبليسي معروف بقلب الحقائق وتغيير الأسماء منذ تسميته للشجرة المحرمة التي نُهي آدم عن الأكل منها شَجَرَةِ الْخُلْدِ .
يعلم المستشرقون وعلماء الغرب أن القرآن يخبر عن الأرض بأنها مبسوطة وممدودة وَالأرْضَ مَدَدْنَاهَا (ق:7) وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ الأرْضَ بِسَاطًا (نوح:19) وَإِلَى الأرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ (الغاشية:20) فطلع علماء الغرب وأهل الفلك والمنجمون على العالم بأنهم اكتشفوا أن الأرض ليست مسطحة ولا مبسوطة ولا ممدودة ولكنها كروية.
وأخرج علماء المسلمين قرآنهم وبحثوا، وبعد حين صاحوا فرحين" لقد سبق القرآن العلم الحديث في إثبات كروية الأرض في أكثر من آية منها":
يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ (الزمر:5).وعلى رغم إجماع سلف الأمة على كروية الأرض والسموات، إلا أن علماءَنا المعاصرين لم يفطنوا إلى ما وصل إليه سلفهم إلا بعد أن أعلن أهل الفلك أن الأرض كروية.
بعد عدة سنوات أعلن رجال الفلك الغربيون أنهم اكتشفوا أن الأرض ليست كروية وإنما هي بيضاوية الشكل، وتملك الحزن علماءنا، وأمسكوا عن القول بكروية الأرض.وسكتوا عن الكلام في أمر الأرض من قريب أو بعيد، حتى جاء اليوم الذي انتفضوا فيه مهللين وأعلنوا قوله تعالى َنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الأفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ هاهو القرآن الذي نزل قبل ألف وأربعمائة عام يقرر حقيقة علمية أثبتها العلم الحديث وهي أن الأرض بيضاوية الشكل يقول تعالى وَالأرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا (النازعات:30) فقد اكتشفوا أن بعض أهل ريف مصر يطلقون على البيضة لفظ: دحية.فمن الذي أخبر محمداً  هذه الحقيقة التي اكتشفت في هـذا العصر الحديث.
والغريب في الأمر أن أحدا من علماء التفسير أو حتى علماء الإنتاج الحيواني لم يقل إن هذا هو معنى الآية. ومراد الله عز وجل المتفق عليه على هذه الآية والتي لم يخالف فيها أحد أن معنى دحاها هو ما فسره عز وجل ذاته أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءها وَمَرْعَاهَا أي أن الدحو هو تهيئة الأرض بالصورة التي تحدثنا عنها والتي تمت في اليومين الأخيرين للأرض. هذا هو المعنى القرآني للكلمة، أما معناها اللغوى فهو: البسط.
ولم تدم فرحة المسلمين للمرة الثانية.فلم يمض وقت حتى أعلن علماء الفلك أنه ثبت لديهم: أن الأرض ليست بيضاوية، إنما ثبت علميا أن الأرض مستديرة ولكنها مشطوفة القطبين، أي قطرها الاستوائي يزيد عن قطرها القطبي بعدة كيلومترات.فقد اكتشفوا أن نصف قطرها القطبي هو 6357 كم بينما يبلغ نصف قطرها الاستوائي 6378 كم.
ترى ماذا يصنع علماء القرآن في هذا المأزق؟
يقيني أنهم لن يعجزوا، ولن يعدموا حيلة.وقد تمرس علماء القرآن الآن في الكشوف القرآنية ليوافقوها مع كل ما أنتجته العبقرية الغربية من اكتشافات وما وصلوا إليه من اختراعات.لم تمض سنوات قليلة حتى أفحم علماء المسلمين رجال الفلك الغربيين، بأنهم مهما فعلوا فلن يسبقوا القرآن، الذي ذكر الله فيه كل شيء، وأنهم لن يستخرجوا كل ما فيه جملة واحدة بل إنهم سيفاجئون العالم حينا بعد حين، إذا ما قيلت نظرية فانهم سيردون عليها - تأييدا - بالقرآن.
وبنفس المقدمة:" أن القرآن قد سبق الكشوف العلمية بألف وأربعمائة عام عندما قرر بأن الأرض مشطوفة القطبين - إذ إن الله تعالى ذكر في سورة الرعد: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الأرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا وَاللَّهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (الرعد:41).
بل مَتَّعْنَا هَؤُلاءِ وَآبَاءهمْ حَتَّى طَالَ عَلَيْهِمْ الْعُمُرُ أَفلا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الأرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا أَفَهُمْ الْغَالِبُونَ (الأنبياء:44).
ورغم أن الآيات واضحة تمام الوضوح في أنها لا تتحدث عن أمور كونية بل عن أمور حكمية.إلا أنهم استدلوا بهذه الآيات، إذ إن ظاهر الآيات ممكن أن يحمل على هذا، أما معنى الآيات فلا يهم.
إن الله تعالى في كلتا الآيتين يتحدث عن أخذه للكافرين، وأن هذا الأمر قدره في اللوح المحفوظ وهو سنة جعلها الله لم يُكذّب أو يظلم من الأمم فإنه تعالى يجازيهم في الدنيا قبل الآخرة يقول تعالى وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إلا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَابًا شَدِيدًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا (الإسراء:58).
أي ما من أهل قرية إلا سيهلكون بموت أو بعذاب يستأصلهم، والمراد بالقرية أهلها والقرية هي المدينة الكبيرة.وكذلك المراد بأطراف الأرض: جوانبها ونواحيها.وإنما قيل قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ لأن يوم القيامة ستهلك كل القرى.بكل أهلها الصالحين والطالحين.أما هذا الإهلاك في الدنيا فيخص الكافرين والظالمين وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إلا وَأَهْلُهَا ظَالِمُون (القصص:59) وهذا أمر مقدر ومسطر في اللوح المحفوظ.
ولقد رأى كفار قريش ذلك فيمن حولهم، قرى لوط والأحقاف وهي في طريقهم للشام، والحجر وهي في طريقهم لليمن وغيرهم ممن حولهم.وبذلك تنقص الأرض باستمرار من أهلها الفاسقين ويستبدل بهم غيرهم.يقول تعالى وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُمْ مِنْ الْقُرَى وَصَرَّفْنَا الآيَاتِ (الأحقاف:27).
وأرى أن أنسب تعليق على قول هؤلاء بأن نقص أطراف الأرض هو نقصها من القطبين هـو مـا قـال" سيد قطب" في ظلال القرآن.فقال رحمة الله عن هذه الآية أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الأرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا وَاللَّهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ قـال:
" وإن يد الله القوية لبادية الآثار فيما حولهم، فهي تأتى الأمم القوية الفتية حين تبطر وتكفر وتفسد، فتنقص من قوتها وتنقص من ثرائها، وتنقص من قدرها.وتحصرها في رقعة من الأرض ضيقة بعد أن كانت ذات سلطان وذات امتداد.وإذا حكم الله عليها بالانحسار فلا معقب لحكمه ولابد له من نفاد".
قال سيد قطب بالهامش معلقا على شرحه:" هذا هو المعنى المتعين لهذا النص، لا ما يخبط فيه دعاة التفسير العلمي للقرآن من دلالة هذه الآية على نقص أطراف الأرض عند القطبين وانبعاجها عند خط الاستواء.إلى آخر هذا الهراء.إن السياق القرآني يحدد مدلول العبارات فيه.فليتق الله من يخبطون في هذا المجال دون فقه وبصيرة بطبيعة هذا القرآن".
وآية نقص الأرض حول روسيا الشيوعية، ومن قبلها بريطانيا العظمى التي كانت لا تغرب عنها الشمس، وفرنسا التي امتد ملكها للدول الإسلامية، وألمانيا التي غزت العالم، والدولة العثمانية، وغيرها من الدول التي انكمشت الأرض تحتها، تثبت المعنى الصحيح.
ورغم معنى الآية الواضح فقد حرف هذا المعنى إلي معنى آخر بعد عصر النهضة.
وعلى ما يبدو أن التجريبيين قد ضاقوا ذرعاً بمطاردة المسلمين لهم بالقرآن الذي هربوا من آياته وكفروا به قبل أن يقرءوه.ولأنه ليس ما يفعله أعداء الدين من اكتشاف النظريات إلا هدماً للدين وليس التوصل إلى حقيقة الكون، فإن مسألة العقيدة لا تبرح ذهنهم، فإنهم يضعون النظريات ليحاربوا بها فكرة الإله.يقول تعالى: ولا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنْ اسْتَطَاعُوا (البقرة:217) لذلك تنازلوا بسهولة شديدة عن كل ما قاله كوبرنيقوس وجاليليو من مبدأ ثبات الشمس ومركزيتها للكون، لان المهم لديهم أن يثبتوا ولو بالإدعاء تناقض الكتب المقدسة مع العلم الحديث، وهذا هو الدور الرئيسى لكل النظريات التي أخرجوها.
هذه المرة فتشوا عن وصف للأرض لا يوجد في القرآن، فهداهم تفكيرهم إلى ما أعلنوه أخيرا عـن شكل الأرض وهـو وصف" كوميدي" أكثر منه علمي - مادمنا في تسلية "اللعب بالآيات" فقالوا: " لقد أثبتت الصور الملتقطة للفضاء أن الأرض تبدوا" كمثرية الشكل".وفسروا ذلك بأنها مستديرة في محيطها إلا جزءاً منها مقبباً ومرتفعاً عن بقية الأرض.وعلى الفور انكب علماء المسلمين على مصاحفهم لينظروا ماذا يقول القرآن في هذا الكشف العلمي الجديد. ورغم أن الصور المنشورة للأرض لا تقول أبداً بأن الأرض "كمثرية الشكل" إلا أن علماءنا لا يكذبون أبدا علماء الغرب ويقولون " أتكذبون وكالة ناسا التي أوصلتنا للقمر؟".
ومنذ إعلان هذا الكشف وهم يبحثون، ولا يزالون. ووجدوا أثناء بحثهم أن القرآن قد ذكر كثيراً من الفواكه والخضراوات، ولكنه لم يذكر" الكمثرى" وإن كان ذكرها يندرج ضمن ذكر الفواكه التي ذكرت في القرآن 14 مرة، ولكنهم يريدون، للإفحام ذكراً خاصاً لها وأن تكون أيضا في آية تتحدث عن الأرض أو آية قريبة منها.ووجدوا بالقرآن: (نخيل وأعناب) و(رطبا جنيا) و(طلح منضود) و(التين والزيتون) وفاكهة أخرى كثيرة.إلا" الكمثرى" ولا يزال البحث جارياً عنها.
غير أن البعض تسرع - إنقاذاً للموقف - وأوردوا آية على أنها دليل" الكمثرى" والحقيقة أنه لا علاقة لها بالكمثرى، وادعوا أن هذا سبق علمي للقرآن، وأقول: بأن هذه الآية ليست كمثرية.كما أنه قد سبق للمستدلين بها أن استدلوا بهذه الآية نفسها على أن الأرض مشطوفة القطبين.وهـذان أمران لا يمكن الجمع بينهما، لأن مشطوفة القطبين أمر والكمثرى أمر آخر.
قال" عبد الرازق نوفل" رحمه الله في كتاب (دنيا الزراعة والنبات) وواضح من اسم الكتاب أن له أيضا علاقة بالكمثرى:" بعد أن تمكن العلم الحديث من تصوير الأرض من خارجها في عصر الفضاء، ومن الأقمار الصناعية أعلن أن الأرض أشبه بحبة الكمثرى وأن أقرب شكل لها هو البيضة".
ولا ندرى ما وجه الشبه بين البيضة والكمثرى؟
وقال الدكتور" جمال الدين الفندي" في كتابه" لماذا أنا مؤمن":
" ثبت أن الأرض غير كاملة الاستدارة.إذ يزيد قطرها عند خط الاستواء على قطرها الواصل بين القطبين بنحو 21 كيلو متر مما يجعلها غير كاملة التكور ولكن" كمثرى الشكل" إلى حد ما وتدل القياسات الحديثة على استمرار هذا التباعد على الشكل الكروي ببطء شديد جدا".ثم استدل الكاتبان على الكمثرى بالآية وَالأرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا ولأن معظم علمائنا غير مطمئنين إلى وجود هذا الشبه بين أي من الآيات التي ذكرت وبين الكمثرى فلا يزال البحث جاريا.
ولأننا نعتبر أن ما يذكره التجريبيون هو حقائق لا تقبل النقض فإن أحدا لم يكلف نفسه عناء البحث - ولو بالنظر للصور المنشورة - عن صحة هذه المعلومة الكمثرية.رغم أنهم قد غرروا بنا قبل ذلك في أمور ادعوا إثباتها علميا ثم تراجعوا، كما حـدث مثلا في قولهم بمركزية الشمس للكون، وغيرها.
هذا هو حالنا أيها السادة مع علماء الغرب (التجريبيين) ومع آيات الله التي نحمده تعالى أنه تكفل بحفظها من التحريف، ولم يترك الأمر لنا.
لقد كان علماء السلف قبل ذلك يوجهون بالقرآن جميع علماء الأرض من غير المسلمين إلى تغيير ما لديهم من علوم إذا وجدوها مغايرة لما ينص عليه القرآن وكانوا يستجيبون.ووصلنا إلى زمن علماء الأرض جميعا يناقضون آيات القرآن.وعلماء القرآن يوافقون ويوفقون.
أدلة ثبات الأرض
أدلتنا على ثبات الأرض كثيرة ومتنوعة ، وأدلة شرعية وعلمية ومادية ، وأدلة لأهل الكتاب من كتبهم المقدسة لديهم ، وكذلك تاريخ الحضارات . أما الأدلة الشرعية فهي من الكتاب والسنة وإجماع الأمة . وقبل أن نبدأ في سرد أدلتنا نسأل الذين يقولون بدوران الأرض هذا السؤال :
ما دليلكم على دوران الأرض؟
لايوجد دليل .
ونتحدى أي مخلوق على ظهر الكرة الأرضية أن يأتي بدليل .. دليل واحد .
هل يتصور علماء المسلمين أن كوبرنيقوس وجاليليو غيروا نظام الكون وقلبوا وضع الأرض والشمس دون دليل واحد؟؟
وإلا فما هو الدليل؟؟
لا يوجد دليل واحد .. واحد فقط .. واحد لا غير يقول بإن الأرض هي التي تدور.. وأن الشمس هي الثابتة.
هل يتصور علماء الأرض المعاصرين أنهم خالفوا آيات الله إلى تعاليم جاليليو دون دليل؟ لأن دليل جاليليو الوحيد وهو: المد والجزر، أبطله علماء الغرب أنفسهم؟
نسأل علماء الأرض قاطبة:
ما هو دليلكم على أن الأرض تدور حول نفسها وحول الشمس؟
نحاول أن نجد أي دليل لنتعامل معه، ونناقشه، ونرد عليه، فلا نجد.
ألم تقولوا " لقد أثبت العلم" فما هو دليل الإثبات؟
أما علماء الإسلام الآن فلديهم الدليل، وبالطبع من القرآن الذي ينص على ثبات الأرض ودوران الشمس حولها، أتوا من القرآن بدليل غريب: عبارة عن جزء من آية في قوله تعالى من سورة النمل: الآية 88 يقول بعضها ـ الذي استدلوا به ـ وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ والغريب أن الجبال هي الدليل الأول على ثبات الأرض ، ومع ذلك فقد أتوا بهذا الجزء من الآية كدليل وحيد على النظرية التي أصبحت أكبر حقيقة على الأرض ـ هكذا يرونها ـ .
وهذا الاجتزاء من الآية ليس أمانة علمية، ولا علاقة له بالعلم، ولا يجوز العمل بـه لأنه يؤدى إلى عواقب وخيمة، واستنتاجات باطلة.
فهل يجوز أن نستدل بإجابة الموتى لمن يدعوهم بهذا الجزء من الآية: إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى (الأنعام:36) ؟ هل يجوز الاستدلال بأن الذين يحملون العرش ومن حوله في النار لقوله تعالى في سورة غافر أَصْحَابُ النَّارِ (6) الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ؟ هـل يجوز الاستدلال بجواز الإشراك بالله لأن القرآن ذكر ذلك إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثلاثَةٍ (المائدة:73)؟ إن هذا الاجتزاء للآيات يؤدى إلى أمور خطيرة وباطلة بطلانا مطلقا.بل انه لا يجوز في آيات أن تقرأ كاملة، بل لابد من تجزئتها في القراءة والعرض وإلا ما كان على الكافرين من حرج لأنهم قالوا حقا إذا قرأت الآية هكذا: ولا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا (يونس:65) فهل قولهم إن العزة لله جميعا يحزن ولكنهم لم يقولوا أصلا ذلك.فالجزء الثاني من الآية هو من قول الله عز وجل.وعرفنا علم التجويد وهو علم معنى بقراءة وترتيل القرآن أن هناك وقف لازم بعد قوله ولا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُم ونقف ثم نكمل إِنَّ الْعِـزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا هُـوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ وكـذلك الأمر في قـوله تـعالى فلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ  (يس:76) ومن ثم فالاستدلال بالآيات أو بأجزاء منها لا يكون اعتباطا ولا بأي صورة، ولقد مر النبي  على رجل يخطب في قومه وقال:" من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما" فقال :" بئس الخطيب أنت" ثم قال  موضحا خطأ الخطيب هذا" فقد كان ينبغي أن يصل كلامه فيقول: ومن يعصهما فقد غوى أو يقف على: ورسوله فقد رشد".
فإذا كان هذا مكروها في الخطب ففي كلام الله أشد.
وهذا هو للأسف الذي يتعامل به دعاة" التفسير العلمي للقرآن" وهو أسلوب يعطي لأي أحد أن يدلل على قوله من القرآن، أيا كان ما يقول، وأي قضية مهما كانت يمكن إثباتها ونفيها بهذا الأسلوب.
وهـاك مثال:" إن الصلاة ليست فرضا على المؤمنين... بل إن هناك نهياً عن الصلاة.يقول تعالى في سورة النساء لا تَقْرَبُوا الصّلاةَ بل إنه تعالى يتوعد المصلين أشد وعيد فيقول فَـوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (الماعون:4) وأثبت القرآن أن قوما أعلنوا التزامهم قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ وبما أن التجريبيين الغربيين لا يصلون، فيكون القرآن قد سبقهم وسبق العلم الحديث بأكثر من ألف وأربعمائة سنة.
ما رأيكم أيها السادة في هذا الإثبات، أليس من القرآن؟ ألم نفعل مثلكم؟ أم أنه حلال عليكم حرام علينا؟ ولكن بالطبع إن هذه القضية لا يقول بها إلا مغيب العقل كمن يقول لصاحبه:
دع المساجد للعباد تسكنهــــا وطـف بنا حول خمار يسقينا
لم يقل ربك ويل للأولى سـكروا بـل قال ربكSadويل للمصلينا)
بهذا الأسلوب يتعامل علماؤنا في إثبات ما لم يثبته الله ولا رسوله، وتعاملوا مع كل النظريات المعاصرة في إثباتها بالقرآن بهذه الطريقة.ولقد رأينا كيف رفض السلف القول بخلق القرآن لمجرد أن الله لم يقل بذلك ولم يقل به رسوله.رغم استناد المروجين لهذا القول بآيات من القرآن وبنفس أسلوب ذلك المخمور.
نأتي إلى الآية التي يثبت بها علماء المسلمين ويستشهدون بها على دوران الأرض يقول تعالى وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَــوَاتِ وَمَنْ فِي الأرْضِ إلا مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ (87) وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ (88) مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ (89) وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إلا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ.
إن هذه الآية التي يستدلون بها على دوران الأرض، ذكرها الله تعالى ضمن آيات توضح مشهداً من مشاهد يوم القيامة.ولا علاقة لهذه الآية بالحياة الدنيا لأن الله تعالى أخبر في القرآن أن الجبال ثابتة، راسية، منصوبة وليست في الدنيا بأي حال من الأحوال متحركة وإلا فكيف يخبرنا تعالى أن الجبال ثابتة ثم نكتشف بعد ذلك أنها ليست ثابتة وإنما هي تمر مر السحاب؟
إن الله تعالى يخبرنا بأن الجبال في الدنيا ثابتة، ولكنها في اليوم الآخر لن تكون كذلك، وهذا لأن كل ما في الكون سينقلب إلى ضده فالثابت سيتحرك والمتحرك سيثبت والمنير سينطفئ والمنطفئ سيشتعل، والمشتعل سيبرد والبارد سيتوهج، وما في الباطن سيظهر وما كان في الظاهر سيبطن.باختصار شديد سينقلب كل شيء إلى ضده يقول تعالى كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ (الأنبياء:104).فهذا الكون الممتلئ بالنشاط والحيوية والحركة والعمل والنظام والدقة (سيدمر).
يقول تعالى فَارْجِعْ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ (الملك:3) هذا في الدنيا، ليس في السماء شقوق، أما يوم القيامة فيقول عنها تعالى إِذَا السَّمَاءُ انفَطَرَتْ (الانفطار:1) وهذا يوم القيامة بلا شك.ويقول تعالى وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا (الشمس:5) هذا في الدنيا أما في الآخرة إِذَا السَّمَاءُ انشَقَّتْ (الانشقاق:1).أما الأرض فيقول تعالى عنها جَعَلَ الأرْضَ قَرَارًا(النمل:61) هذا في الدنيا أما يوم القيامة إِذَا زُلْزِلَتْ الأرْضُ زِلْزَالَها إِذَا رُجَّتْ الأرْضُ رَجًّا..
والشمس قال عنها في الدنيا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا أما في الآخرة فيقول إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ (التكوير:1) وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ.وقال تعالى عن القمر وَالْقَمَرَ نُورًا (يونس:5) هذا في الدنيا، أما الآخرة فيقول وَخَسَفَ الْقَمَرُ (القيامة:Cool.ويقول عن الكواكب في الدنـيا إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ (الصافات:6) أمـا في الآخرة وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انتَثَرَتْ (الانفطار:2) وعـن النجـوم في الدنيا النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا (الأنعام:97) أما يوم القيامة فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ (المرسلات:Cool.والبحر قال عنه تعالى في الدنيا لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا (النحل:14) وفي الآخـرة وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ (التكوير:6) وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ (الانفطار:3) وما من شك أن ذلك سيكون يوم القيامة.
وكذلك الجبال قال تعالى عنها في الدنيا وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا (النازعات:32) وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا (النبأ:7) وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ (الغاشية:19) أمـا عن الآخـرة فيقول تـعالى وَسُيِّرَتْ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا (النبأ:20) وَكَانَتْ الْجِبَالُ كَثِيبًا مَهِيلا (المزمل:14) تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ (النمل:88).
أدلة القرآن الكريم
الدليل الأول
الجبال هي الدليل الأول لثبات الأرض
إنــها لواحدة من عجائب علماء المسلمين بعد عصر النهضة أن يأتوا بالدليل الأول والصريح على ثبات الأرض، وبالأداة التي ثبت الله بها الأرض حتى لا تميل، ويجعلوها دليلاً على الدوران.
إن الله تعالى لم يخبر بأنه ثبت الأرض بالجبال في آية ولا اثنتين ولكن في اثنتي عشرة آية يؤكد الله أنه ثبت الأرض بالجبال وخلق الجبال لتثبت الأرض يقول تعالى:
(1) وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الأرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِي (الرعد:3).
(2) وَالأرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ (الحجر:19),
(3) وَأَلْقَى فِي الأرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ (النحل: 15).
(4) وَجَعَلْنَا فِي الأرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ (الأنبياء: 31).
(5) أَمَّنْ جَعَلَ الأرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ (النمل:61).
(6) وَأَلْقَى فِي الأرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ (لقمان:9).
(7) وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا (فصلت:10).
(Cool وَالأرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ (ق:7).
(9) وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ (المرسلات:27).
(10) وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا (النازعات:32).
(11) ألَمْ نَجْعَلْ الأرْضَ مِهَادًا (6) وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا (7) (النبأ).
(12) أَفلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (17) وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَت ْ(18)
وَإِلَى الْجِبـَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ (الغاشية).
بهذه الآيات الإثنتى عشرة يخبرنا تعالى أنه ثبت الأرض، فلو كانت الجبال تتحرك هذه الحركات التي ذكرها كوبرنيقوس فما فائدة الجبال؟ وأي شيء تثبته الجبال؟
إن أهل الفلك لم ينسبوا للأرض حركة واحدة بل ست حركات:
(1) حركة حول نفسها بسرعة 1044 ميل / ساعة أي 1680 كم / ساعة.
(2) حركة دائرية حول الشمس بسرعة 67 ألف ميل / ساعة أي
78 ,107825 / ساعة.
(3) حركة دائرية مع الشمس حول المجرة بسرعة 497 ألف / ميل
أي 000 800 كم / ساعة.
(4) حركة نحو نجم النسر بسرعة 43 ألف ميل أي 000 70 كم / ساعة.
(5) حــركة لتمدد الكــون (مع الشمس) بســرعة 14 ألف في الثانيــة أي 50 مليون ميل / ساعة.
(6) حركة ترنحية مع نفسها أشبه بحركة ترنح نحلة لعب الأطفال التي
تميل وهي تدور ذات اليمين وذات الشمال.
وهناك حركات أخرى ذكرها العلماء ولم نذكرها هنا اختصارا.
فكيف نجمع بين هذين القولين، قوله تعالى أنه ثبت الأرض باثنتي عشرة آية، وقول كوبرنيقوس وأتباعه أن لها أكثر من ست حركات؟
لا يمكن الجمع بينهما. فمن نصدق الله أم كوبرنيقوس؟
إن أهل الأرض جميعا يصدقون كوبرنيقوس.وكوبرنيقوس لا يؤمن بالله.
ولكنى أصدق الله.وأقول بأن الأرض ثابتة، ولو قال كل سكان الأرض أنها تدور.
لقد ذكرنا أن الله تعالى بعد ما خلق الأرض خلق لها جبالاَ رواسي.ولكنه تعالى لـم يرس الأرض بالجبال فور خلقها، وذلك لأن الأرض انتقلت من مكان إلى آخر، من مكان خلقها إلى مكانها الحالي، وأتت إليه بالأمر.وبعد ما أتت الأرض مع السموات جعلت تميد كما روى أحمد عن انس ابن مالك عن النبي  قال:" لما خلق الله الأرض جعلت تميد (تتحرك وتتمايل) فخلقت الجبال فألقاها عليها فاستقرت.فتعجبت الملائكة من خلق الجبال.فقالت: يارب هل من خلقك شيء أشد من الجبال؟ }قال نعم الحديد {.قالت يارب هل من خلقك شيء أشد من الحديد قال } نعم النار { قالت: يارب فهل من خلقك شيء أشد من النار؟ قال: } نعم الريح {.قالت: فهل من خلقك شيء أشـد من الريح؟ قال: } نعم ابن آدم يتصدق بيمينه يخفيها من شماله {.
ويوم القيامة ستعود الأرض كما بدأها الله تعالى كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ (الأنبياء:104) وستمر الأرض بالمراحل التي بدأت بها ولكن ما جعل فيها أخيرا (إرساء الجبال) سينزع منها أولاً.أخرج ابن المنذر عن ابن الجراج قال: قالت قريش: يا محمد كيف يفعل ربك بهذه الجبال يوم القيامة فنزلت الآية وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا (105) فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا (106) لا تَرَى فِيهَا عِوَجًا ولا أَمْتًا (طه).
أي أنه تعالى يقلع الجبال من أصولها ثم يصيرها رملا يسيل سيلا ثم يصير كالصوف المنفوش، تطيرها الرياح هنا وهناك ثم كالهباء المنثور، فتكون مواقعها بعد ما قلعت منها الجبال قاعا صفصفا، أي أرضا مستوية ملساء مكشوفة لا تَرَى فِيهَا عِوَجًا ولا أَمْتًا فلا ترى في الأرض يؤمئذ منخفضاً ولا مرتفعاً ولا شيئا بارزاً من الأرض.
وهنا ستتحرك الأرض، تزلزل، وترج، وتدك:
إِذَا زُلْزِلَتْ الأرْضُ زِلْزَالَهَا.
إِذَا رُجَّتْ الأرْضُ رَجًّ.
إِذَا دُكَّتْ الأرْضُ دَكًّا دَكًّا.
وكما أتت الأرض فإنها ستعود، بعد أن تخرج ما أودع فيها، وتبعثر قبورها، وتفجر بحارها، فتعود مرة أخر.يَوْمَ تُبَدَّلُ الأرْضُ غَيْرَ الأرْضِ وَالسَّمَــوَاتُ (إبراهيم:48).
والآية 88 من سورة النمل التي يظن البعض أنها تتحدث عن حركة الأرض، وهي إحدى اثنتى عشرة آية تتحدث أيضا عن مصير الجبال في اليوم الآخر، تماما كما أخبر تعالى عن دور الجبال في الدنيا في اثنتى عشرة آية، حتى تكون هذه مقابلة لتلك ولم يقتصر إعجاز القرآن عند حد المساواة التامة بين آيات الجبال في الدنيا وبين آيات مصيرها في الآخرة، بل في لفتة معجزة أخرى يذكر تعالى هذه الآيات المتعلقة بنهاية الجبال في الآخرة في النصف الآخر من القرآن.الاثنتى عشرة آية ذكرت من منتصف سورة الكهف وهو أول النصف الآخر للقرآن حتى سورة القارعة.وقد وردت جميع هذه الآيات الأربع والعشرين في السورة المكية فقط، ذلك أن أهل مكة كانوا يكذبون باليوم الآخر.وكما أخبرهم تعالى عن خلقهم أخبرهم عن خلق الجبال الأكبر والأشد منهم، وكما أخبرهم عن إعادتهم يوم البعث أخبرهم عن إعادة الجبال كما كانت.وأنها ستعود مرة أخرى من حيث أتت، بل وسيرونها وهي تمر من فوقهم كالسحاب.
والآيات الاثنتى عشرة التي تخبرنا عن مصير الجبال يوم القيامة هي:
(1) وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الأرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا (الكهف:7).
(2) وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا (105) فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا (106) لا تَرَى فِيهَا عِوَجًا ولا أَمْتًا (طه:105).
(3) يوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا (9) وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْرًا (10) ( الطور:10).
(4) إِذَا رُجَّتِ الأرْضُ رَجًّا (4) وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا (5) (الواقعة:5).
(5) وَحُمِلَتِ الأرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً (الحاقة:14).
(6) يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ (Cool وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ (المعارج:9).
(7) يَوْمَ تَرْجُفُ الأرْضُ وَالْجِبَالُ وَكَانَتْ الْجِبَالُ كَثِيبًا مَهِيلا (المزمل:14).
(Cool وَإِذَا الْجِبَالُ نُسِفَتْ ( المرسلات:10).
(9) وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا ( النبأ:20).
(10) وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنفُوشِ ( القارعة:5).
(11) وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ ( التكوير:3 ).
هذه إحدى عشرة آية تحدد مصير الجبال في اليوم الآخر، ولا يوجد غيرها في القرآن إلا الآية 88 من سورة النمل والتي هي دليل البعض على دوران الأرض.فأيـن نضع هذه الآية؟ ألـيس مناسباً أن نضعها هنا لتتساوى آيات الجبال في الدنيا مع آيات الجبال في الآخرة.وليس فقط لتتساوى الآيات بل إن هذه الآية توسطت مشهدا من مشاهد يوم القيامة.بدأ المشهد بقوله تعالى وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّور وانتهي المشهد بقوله تعالى هَلْ تُجْزَوْنَ إلا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ كذلك ورد بهذه الآية فعل للجبال تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ وكذلك بقية آيات الجبال في اليوم الآخر فقد نسب للجبال فعلا في جميع الآيات دون استثناء.
(نسير الجبال ـ ينسفها ـ تسير ـ بست ـ دكت ـ تكون ـ ترجف ـ نسفت سيرت ـ تكون ـ سيرت ـ تمر) أثنى عشر فعلا كلها حركة تختلف إحداها عن الأخرى، ما بين البس وهو التقطيع والتفتيت، والرجف والدك والنسف والسير والمرور...
بينما لا نجد للجبال في الاثنتى عشرة آية التي تتحدث عنها في الدنيا أي فعل، فلم ينسب ربنا فعلا واحداً للجبال، حتى في قوله والْجِبَالَ أَرْسَاهَا فالهاء هنا تعود على الأرض أي أنه تعالى أرسى الأرض بالجبال.
وقد عرضت الآية 88 بنفس الصورة التي عرضت بها عدة آيات تعرض مشاهد للجبال في اليوم الآخر.كمثل الآية 105 سورة طه: يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا (102) يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِنْ لَبِثْتُمْ إلا عَشْرًا (103) نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طـَرِيقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إلا يَوْمًا (104) وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا.
وبنفس العرض تأتى الآية 88 من سورة النمل: وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَــوَاتِ وَمَنْ فِي الأرْضِ إلا مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ (87) وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ.
وكما هو واضح من سياق الآية لكل ذي عقل سليم أن الآية التي يستدل بها بعض علماء المسلمين على دوران الأرض لا شأن لها بذلك.
وقد اتفقت كل التفاسير لعلماء ما قبل عصر الإلحاد و أجمع المحدثون والفقهاء أن هذه الآية تخبر عن يوم القيامة، والأمر لا يكون إلا كذلك، وإلا لتناقضت آيات الله من الثبات للحركة.وقد وردت بسورة النمل آيتان للجبال آية تتحدث عن جبال الدنيا والأخرى التي نحن بصددها.ولم تجمع سورة كلا النوعين إلا هذه السورة وسورة النبأ التي يقول تعالى فيها أَلَمْ نَجْعَلِ الأرْضَ مِهَادًا (6) وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا وفي نفس السورة يقول تعالى: يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا (18) وَفُتِحَتْ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَابًا (19) وَسُيِّرَتْ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا.
أما سورة النمل فقد ذكرت جبال الدنيا في قوله تعالى: أَمَّنْ جَعَلَ الأرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ (النمل:61) يقول" سيد قطب" عـن هذه الآية" والرواسي الثابتة تقابل الأنهار الجارية في المشهد الكوني الذي يعرضه القرآن هنا والتقابل التصويري ملحوظ في القرآن.وهذا واحد منه.لذلك يذكر الرواسي بعد الأنهار".
أما عن الآية الأخرى في نفس السورة فيقول" سيد قطب":
وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَــوَاتِ وَمَنْ فِي الأرْضِ إلا مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ (87) وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ: ويصاحب الفزع الانقلاب الكوني العام الذي تختل فيه الأفلاك، وتضطرب دورتها ومن مظاهر هذا الاضطراب أن تسيير الجبال هذا يتناسق مع ظل الفزع الأكبر.ويتجلى الفزع فيه وكأنما الجبال مذعورة مع المذعورين".
هذا التفسير ورد بكتاب" في ظلال القرآن" وهو من التفاسير المؤلفة بعد عصر النهضة ولم يفلت صاحبه من تأثير هذا العصر، وإن كان أقلهم تأثيرا، لذلك كان من القلائل الذين عصمهم الله من التقول عليه بما لم يقله تعالى في هذه الآية.
أما تفسير المنتخب فقد علق مؤلفوه على الآية بالآتي:
" تقرر الآية الكريمة أن جميع الأجسام التي تخضع للجاذبية الأرضية مثل الجبال والبحار والغلاف الجوى.. الخ، تشترك مع الأرض في دورتها اليومية حول محورها ودورتها السنوية حول الشمس ولكن هذه الدورة لا تدرك فهي مثل حركة السحاب في الجو يراها الناظرون بعيونهم ولكن لا يسمعون صوتها أو يلمسونها وإن إيراد هذه الحقائق العلمية على لسان النبي - التي لم تكن قد وصلت إلى علمه - دليل على أنها موحى بها من عند الله".
تحويل الجبال إلى سحاب
إن تفسير الآية بمثل ما قال به مؤلفو" المنتخب" يخرج مدلول الآية عن مراد الله وتعطيل للمعني الصحيح الذي في هذه الآية بإخفائه، وهذه الآية من أعجب الآيات وفيها دليل على قدرة الله العظيمة، وإتقان الله في صنع الأشياء إذ تتحول السحب إلي جبال وهو أمر يتكرر في الأرض كل يوم، أما في اليوم الآخر فستتحول كل جبال الدنيا إلي سحاب وهو أمر لن يحدث إلا مرة واحدة.
وإن كـان علماء عصر الإلحاد المؤمنون فيه والكافرون يستعظمون أن تتحول الجبال إلي سحاب.فإنهم لا يجحدون أن يتحول السحاب إلى جبال في الدنيا.والتجريبيون يعلمون ذلك ولا ينكرونه بعدما رأوا ذلك الأمر من الطائرات، والمؤمنون يعلمون ذلك من قول الله تعالى لهم في سورة النور أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنْ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالأبْصَارِ (43).ففي هذه الآية يخبر الله عن نوع من السحاب واسمه (السحاب الركامي) الذي يتراكم بعضه فوق بعض حتى يصل إلى ارتفاع 20 كيلو متر، وينزل منه الودق أي المطر كما ينزل منه البرد.أي الثلج.فالسحاب إذن يتحول إلى جبال في هذا النوع الركامي.أقول يتحول إلى جبال ولا أقول كالجبال كما يقول بعض المفسرين إن السحاب يصبح كالجبال.وهذا لم يقله الله تعالى فالله يقول وَيُنَزِّلُ مِنْ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ ولم يقل من مثل الجبال.فالسحاب يتحول بالفعل إلى جبال من حيث الارتفاع ومن حيث التجمد والصلابة.
أما في الآخرة فستنقلب الأمور كما ذكرنا، وستنقلب الجبال إلي سحاب.ولكي ندرك هذا الأمر سنتحدث عن هذه الآية كلمة كلمة لنرى عجبا.
وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ.
وَتَرَى إنه خطاب لكل منا على حده، فرغم هول الموقف وجلال الأمر والقلق على المصير، فان كلا منا سيرى هذه الآية، بل إن عرضها أمامنا سيكون كأن كلا منا وحده المعني بها وكأنها معروضة له وحده.
الْجِبَالَ والرؤية ستكـون للجبال وليس لغيرها، والجبال ليست كما يقول مفسرو العصر إن الأمر ينطبق على الجبال والبحار والغلاف الجوى... الخ بل إن الجبال وحدها هي المعنية.
تَحْسَبُهَا أي تظنها، والكلمة بهذا الشكل تَحْسَبُهَا لم ترد في كل القرآن إلا هنا.
جَامِدَةً لقد فسرها المفسرون بمعني: قائمة ثابتة، ولكن المعني أدق من ذلك، فمعني جـامدة: أي صلبة، وليس معناها ثـابتة وإلا لقال تـعالى (ثابتة) ولكنه قـال جَامِدَةً أي تحسبها في الحالة الأولى للمادة، ونحن نعرف أن للمادة ثلاث حالات جامدة، وسائلة، وغازية.ونعرف أن جزيئات المادة (الجامدة) أقوي ترابطا من غيرها، ومسافتها البينية أقل من غيرها، وحركة هذه الجزيئات أقل حركة بالنسبة لغيرها من جزيئات السائل أو الغاز.والجبال من المعلوم أنها تندرج تحت الحالة الأولى للمادة، وهذا العلم بحال الجبال لا يخفى حتى على الأمي.
لذلك سنخطئ جميعا في ظنننا بحال الجبال يوم القيامة إذ أننا سنظنها بحالتها التي عهدناها وعرفناها بها، أي جامدة بمعني صلبة وليس بمعني ثابتة لأنه مستحيل أن تنخدع البشرية كلها بالظن في المتحرك أنه ثابت، فهذا الأمر لا يمكن تصوره ولا الخطأ فيه خاصة والله تعالى يخبر وفي آيات كثيرة أنها تتحرك وتسير يوم القيامة، ولن ننخدع في ذلك لإخبار الله لنا وللرؤية البصرية.ولكن من الممكن أن تنخدع حواسنا جميعا في حالة المادة فنظن السائل صلباً والصلب سائلاً، أو الغاز سائلاً والسائل غازاً وهكذا وكثيرا ما يحدث ذلك لنا.
وكما ذكرنا ستتحول الجبال إلى سحاب، أي تتحول من أول حالات المادة وهي الصلبة، إلى أخر حالاتها وهي الغازية، مروراً بالحالة الثانية وهي السائلة.كيف؟
إن مراحل تحول الجبال إلى سحاب لم يتركها القرآن



أدخل عنوان بريدك الإلكتروني هنا يصــــلك كل جديــــد





بلغ الادارة عن محتوى مخالف من هنا ابلغون على الروابط التي لا تعمل من هنا



توقيع : manel


التوقيع



قصة الخلق من العرش إلى الفرش  story of Creation By Eid Wardany Emptyالجمعة 25 يناير - 22:40
المشاركة رقم: #
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
عضو الجوهرة
الرتبه:
عضو الجوهرة
الصورة الرمزية


البيانات
عدد المساهمات : 17945
تاريخ التسجيل : 17/10/2012
رابطة موقعك : ورقلة
التوقيت

الإتصالات
الحالة:
وسائل الإتصال:


مُساهمةموضوع: رد: قصة الخلق من العرش إلى الفرش story of Creation By Eid Wardany



قصة الخلق من العرش إلى الفرش story of Creation By Eid Wardany

فجاءت ست كلمات لأول مرة ولآخر مرة في آية واحدة لتدل على أنه حدث فريد في الدنيا والآخرة.
هذا هو دليلنا الأول على ثبات الأرض هو تثبيتها بالجبال التي أرساها الله فيها، وهو دليل في الكتاب. وهذه باقي أدلة القرآن:
الدليل الثاني: نفي الحركة والفعل للأرض
بإحصاء كلمة الأرض التي وردت في القرآن وجدنا أنها ذكرت (451) مرة. لم يرد مرة واحدة مع كلمة الأرض أي فعل فيه حركة، بل ولا غير الحركة سوى أفعال التسبيح فقط. بخلاف الشمس التي ذكرت حوالي 30 مرة وردت مع معظمها أفعال حركة.
كذلك كما تذكر الشمس دائما مع القمر، وكلاهما متحركان، تذكر الأرض مع السموات وكلتاهما ثابتتان .
الدليل الثالث: نفي السجود للسموات والأرض
أثبت الله تعالى لكل الكائنات عبودية تتعبد بها له سبحانه وتعالى سواء أكانت سموات أو أرض أو شمس أو قمر أو نجوم أو شجر أو جبال أو دواب أو أناس فكلها تعبد الله تعالى فنسب الله لهم جميعا التسبيح له.ونسب لهم أيضا السجود ما عدا السموات والأرض فلا تسجدان.
فقد نسب لكل ما في الكون التسبيح بما فيه السموات والأرض كما قال تُسَبِّحُ لَهُ السَّموَاتُ السَّبْعُ وَالأرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إلا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ( الإسراء:44).فكل الكائنات هنا تسبح حتى السموات والأرض.
ولم ينسب تعالى للأرض سجودا ولا للسماء مع خضوعهما لله وتسبيحهما ولكن دون هذا النوع من العبادة، لأن فيه حركة، والله تعالى قد ثبتهما وأمسكهما لينتفع سكانهما بثباتهما.
فأثبت تعالى للسموات والأرض طاعة كاملة له كشأن الكائنات.فمثلا:
1- وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءك وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الأمْرُ
هكـذا أمـر الله، كـانت الطـاعة التامة وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الأمْرُ
(هود:44).
2- أن السموات والأرض تبكي على المؤمنين الصالحين لفراقهم إذا ماتوا
أما غيرهم فلا تبكى عليه فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمْ السَّمَاءُ وَالأرْضُ (الدخان:29).
3- وأنكرت الأرض على من قال إن لله ولداً تَكَادُ السَّمَـوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ
مِنْهُ وَتَنشَقُّ الأرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا (90) أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا (مريم).
4- أثبت الله لها وللسموات طاعة من بدئهما حتى نهايتهما.ففي البدء:
قَالَتَا أَتَيْنَا َطائِعِينَ ( فصلت:11).
وفي الختم قال عن كل منهماوَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ (الانشقاق:5).
أما السجود فقد أثبته تعالى لجميع الكائنات والمخلوقات في السموات والأرض ولم يثبته لهما.أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَــوَاتِ وَمَنْ فِي الأرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِن اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ (الحج:18).
فكل هذه الكائنات على عظمتها وحركتها تسجد لله وهو سجود حقيقي باستثناء السموات والأرض.وقد كان الله تعالى قادراً على أن يسجدهما.ولكنه تعالى منعهما من ذلك ليثبتهما لمن عليهما.
أفيثبتها الله لنا ونحركها نحن؟ أيمنعها الله أن تتحرك لتسجد له ونعطى لها نحن كل هذه الحركات؟
الدليل الرابع:إتيان السموات والأرض
ذكرنا أن الله تعالى خلق السموات والأرض في غير مكانهما الحالي، في المكان الذي خلقهما فيه من الماء، الذي كان العرش عليه، وبعد تمام اليوم الرابع أمرهما تعالى أن يأتيا إلى مكانهما الحالي.فقال تعالى: ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ (فصلت:11).
لقد أتت السماء والأرض إلى هذا المكان الذي نحن فيه.فإذا كانت الأرض في هذا
المكان الذي هي فيه، فإنما جاءته من أول الخليقة بأمر الله.وطاعة لله.فكيف تترك مكانها هذا لتلف وتدور؟ ولم يخبرنا الله أنه أصدر لها أمراً آخر بعد إتيانها إلى مكانها وقال: اذهبا بأمر الله.فتذهب الأرض وتتحرك حيث شاءت.
بل إن الكلمة ذاتها أَتَيْنَا توحي بأن مكانها هذا لم يأمرها الله لتذهب إليه، وإنما حدد تعالى لها مكانا ثابتا معيناً وقال اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا.فأتت إليه مع السماء.
الدليـل الخامس: الأرض قرارا
القرار هو الثبات والتمكن والسكون والإستقرار.وفي الفقه القانونى (الإقرار سيد الأدلة) لأن المرء يثبت على نفسه ويقر.وفي اللغة القرار: السكون والثبوت.
أخبرنا تعالى بأن الأرض مستقرة بنا.وأخبرنا بـأن الأرض مستقرة في مركز العالم.وفي قلب الكون.
يقول تعالى اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاء (غافر:64).
يقول البعض تفسيراً إنها قارة بالفعل كما قال تعالى، ولكنها قارة بالنسبة لنا ولما عليها، ولكنها ليست كذلك بالنسبة للكون.
ولكيلا يكون للناس حجة على الله في أنهم فهموا الآية على هذا الفهم.فقد أورد الله تعالى آية أخرى تعطى نفس المعنى ولكن دون أن يكون فيها ما يدعو للبس أو سوء الفهم فقد كانت الآية السابقة تذكر كلمة لَكُمُ في قوله جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ قَرَارًا فجاءت الآية الأخرى دون هذه الكلمة، حتى لا يكون لنا شأن بقرارها، أي (ليست قارة لكم) فقال تعالى أَمَّنْ جَعَلَ الأرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلالَهَا أَنْهَارًا‎ (النمل:61) ليس هنا لَكُمُ.إذن فلو جعلنا معنى الآية الأولى أنه تعالى جعل الأرض قارة بالنسبة لنا وليست بالنسبة للكون، وتعللنا لـهذا المعنى بوجـود كلـمة لَكُمُ فإن الآية الثانية خلت منها ولا حجة لأحد في هذه الآية أن يقول إن مـراد الله أنها قارة بالنسبة لنا.
كذلك وردت كلمة جَعَل في الآيتين.والجعل مرحلة تالية للخلق.وقد علمنا أن الجبال أرساها الله في الأرض بعد أن خلق الأرض، وبدا أنها غير مستقرة ولاحظت الملائكة ذلك.فالقرار إذن للأرض جاء كعملية مستقلة للأرض فهي لم تستقر فور خلقها.
يتلاحظ أيضا أن الآية الثانية جاءت في صيغة سؤال فالله تعالى يقول: من الذي جعل الأرض ثابتة مستقرة لا تتحرك؟ أفتكون الإجابة، أن نقول: إنها ليست ثابتة ولا مستقرة؟ هل يقول بـذلك مؤمن؟ مع أن هذا السؤال لم يطرح على المؤمنين وإنما على الكافرين، الذين قال عنهم تعالى بعد إيراد آية قرار الأرض بَلْ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ (النمل:66).
ولقد اتفق سلف الأمة جميعا دون استثناء على قرار الأرض وثباتها وعدم إتيانها بأي حركة.يقول ابن كثير:" جَعَلَ الأرْضَ قَرَارً أي قارة، ساكنة ثابتة لا تميــد ولا تتحرك بأهلها، ولا ترجف بهم، فإنها لو كانت كذلك لما طاب عليها عيش ولا حياة".
ولتثبيت المعنى لمن في قلوبهم شك من أن قرارها يعنى ثباتها قوله تعالى لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الأرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى (الحج:5) فقد جاء ذلك بعد قوله تعالى عن المضغة مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ فالمخلقة تثبت وتستقر في الرحم، وغيرها تنزل منه ولا تستقر فيه، وقوله تعالى وَلَكِنْ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنْ اسْتَقَرَّ مَكَانـَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا (الأعراف:143). هكذا كل آيات القرار في القرآن لا تعنى إلا الثبات.
يلفت انتباه قارئ القرآن المتدبر، الآيات المستفيضة التي يؤكد فيها تعالـى أن الأرض مستقرة، وغير متحركة وأنه تعالى ثبتها بالجبال الرواسي، المنتصبة الشاهدة على ذلك، ويجعلنا هذا الأمر نتساءل: لماذا يؤكد الله تعالى على هذا الأمر بكل هذا التأكيد؟
من قراءة التاريخ وعلم الكون والفلك نجد الإجابة على تساؤلنا.بأنه كانت ثمة محاولات من بعض الفلاسفة لتغيير معتقدات البشر بحقيقة الكون وباءت هذه المحاولات بالفشل لمخالفة ما يقولونه لما يراه الناس، ولوجود الأنبياء والمرسلين الذين يعلمون الناس مجددا حقيقة الكون.
غير أن هـذه المحاولات كتب لها النجاح منـذ قـرن تقريبا عندما سرت في أهل الأرض جميعاً قناعة تامة بأن الأرض تدور حول نفسها وحـول الشمس.كأنهـم وقعـوا جميعاً تحت تأثير واحـد غامض، حتى أنهم جميعاً لا يعرفون دليلاً واحداً على ما يقولون، ويصدق فيهم قوله تعالى أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ (53) فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَا أَنْتَ بِمَلُومٍ (54) وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ (الذاريات).
يذكـر التاريـخ أن اثنين من الفـلاسفة قالوا بـدوران الأرض قبـل كوبرنيقوس.كان الأول" فيثاغورث" اليوناني الذي رأي من منطلق فلسفي ‎أن الأرض لا يمكن أن تكون نقطة العالم المركزية، إذ تقطنها نقائض عديدة، كما أنها في ذاتها مظلمة ويجب أن يكون وسط العالم مضيئا، لأن الضوء إحد الطيبات.
فكما نرى لم تكن هذه النظرية مؤسسة على علم ومشاهدة، إنما مجرد رأي وهوى ومن عجب أمر هؤلاء في اتباع الهوى، أن فيثاغورث كان من رأيه ألا تكون الأرض هي المركز لأن بها النقائص وأنها مظلمة.ثم جاء جاليليو ليثبت أن الأرض لا تكون مركزا للكون، وأنها ليست كما يظن بها نقائص، وأنها لا تختلف عن غيرها في شيء، وهي كأي جرم في السماء، فلماذا نعتبرها مركزالكون؟؟
ولم يلتفت أحد لما قاله فيثاغورث، وكأنه لم يقل شيئاً، ولكن احتفظ التاريخ بنظريته على الورق أكثر مما احتفظ بالكتب المنزلة، فهكذا التاريخ.
وفي القرن الثالث قبل الميلاد ظهر في" الإسكندرية" فليسوف آخر هو" إريستاخورس الساموسي" (280 ق.م) ورأي الآخر أن يجعل الشمس مركزا للكون.والأرض والكواكب في أفلاك حولها يسبحون.وأن النجوم الثوابت لابد وأن تكون على مسافات شاسعة، تفسيرا لعدم ملاحظة أية إزاحة ظاهرية لها.وغير هذين لم نسمع أحدا قال بجريان الأرض ومركزية الشمس.وربما كانت هنــاك آراء أخـ‏رى من هنا أو هناك تقول بمثل هذا من الفلاسفة ولكنها لم تحفظ لشذوذها وخروجها عن إجماع البشر، ولأنها ثالثا لم تعتمد في دعواها على دليل واحد.
كـذلك يذكر التاريخ أن فلاسفة قاموا بالرد ودحض نظريات زملائهم القائلين بمركزية الشمس منهم" أرسطو طاليس المقدوني" وهو فيلسوف إغريقي ولد عام 384 وتوفي عام 322 قبل الميلاد.وهـو التلميذ الأشهر لأفلاطون.ومعلم الإسكندر الأكبر.أسس عام 325 ق.م" المـدرسة البريباتية" وهو مؤسس علم المنطق والمذهب الذي يشار إليه باسمه وقد ترجمت جميع كتبه إلى اللغة العربية في القرنين التاسع والعاشر الميلادي.
وقد تصور أرسطو النسق الكوني على أساس التجربة البسيطة المشاهدة واعتبر عناصر الأشياء أربعة (الماء والهواء والنار والتراب).فهو يقول بان التراب هو أثقل العناصر الأربعة لأنك لو أتيت بإناء به تراب وماء وهواء وهززت ذلك تماما، فأنك ستشاهد فقاقيع الهواء تتصاعد فوق السطح والتراب يترسب في القاع وإذا أوقدت نارا تصاعد اللهب عاليا خلال الهواء، وفي النظام الكوني تكون الأرض مكانها القاع (المركز) وطالما استقرت في مكانها وليست من سبب لتحريكها حركة دورانية، أو أي حركة انتقالية أخرى بينما النجوم والكواكب لم تستقر مكاناً فهي دائما في حركة سنوية حول الأرض الساكنة.
كما جاء كلوديوس بطليموس الفلكي السكندري (140: ق.م) ليؤيد نظرية أرسطو وتوسع في تفسير حركات الكواكب والنجوم ثم قام بصياغة نظرية متكاملة عن بناء الكون تعتمد على اعتبار الأرض ساكنة في مركزه والكواكب السبعة بما فيها الشمس والقمر تدور حولها في مدارات ثابتة شبه دائرية.ودون نظريته عن الكون في كتابه الرئيسي" النظام الفلكي الأكبر" ولم يحدث إن استقر نظام كهذا النظام الذي تصوره بطليموس.
ونظام بطليموس في مجمله لا يتعارض مع الرؤية الدينية للكون.ويعتبر كتابه (النظام الفلكي الأكبر) الذي ترجم إلى اللغة العربية باسم" المجسطى" هو من أكبر مؤلفات البشر.
إذن فتأكيد القرآن على ثبات الأرض لم يكن من فراغ، ولا لمجرد التأكيد.ورغـم كل ذلك فقـد خالـف المسلمون ربهم.وأولوا آياتـه، واتبعوا مـن كفروا بالله واتبعوا هواهم وكان أمرهم فرطا.
الدليل السادس: الأرض موضوعة
آية فريدة أيضا في نوعها لا يوجد لها مثيل في القرآن تدل دلالة قاطعة، ولكن لأولى الألباب، أن الأرض ثابتة، أو كما تقول الآية" موضوعة" هذه الآية في كتاب الله تعالى في عروس القرآن" سورة الرحمن" رقمها (10) تقول: وَالأرْضَ وَضَعَهَا لِلأنَامِ.
ومعنى الآية كما تدل كلماتها واضح، أن الأرض موضوعة: مرصودة مستقرة ثابتة، في المكان الذي هي فيه لتستقر بما عليها من الخلق.بكل أنواعهم.
ووضع الأرض في الآية مقابل لرفع السماء، في الآية السابقة عليها يقول تعالى وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وهنا وَالأرْضَ وَضَعَهَا فكما أن السماء مرفوعة، فإن الأرض موضوعة، أي مقرة في السفل.. ثابتة.
وكلمة (وضع) لا تفيد إلا الثبات والقرار فهذا معنى الكلمة في معجم" لسان العرب"، وهو ما يستفاد من كل الآيات التي ورد فيها لفظ (وضع) مثال ذلك قوله تعالى:
حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا (محمد:4) أي حتى تسكن الحرب وتسكت ويستقر وضعها لكلا المتحاربين.وفي قوله تعالى وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذىً مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ (النساء:102) إن الآية توضح أن الله تعالى رخص للمجاهدين أن يضعوا أسلحتهم أثناء الصلاة إن كانت هناك ضرورة، من أذى أو مطر.للنظر إذن إلى تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ ولنتخيل المحاربين وهم يضعون أسلحتهم ثم وهم يتحركون بدونها هل سيتحرك السلاح بعد وضعه؟
وفي قوله تعالى عن النساء العجائز فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ (النور:60) هذه أيضا رخصة لهن أن يضعن ثيابهن التي ظللن يتحركن بها في شبابهن وصباهن فعند الكبر يضعن هذه الثياب التي كانت تحجب مواضع الفتنة والإغراء.
وكما يقول تعالى وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنْ الظَّهِيرَةِ وذلك في قوله يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمْ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُــونَ ثِيَابَكُمْ مِنْ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشَاءِ ثَلاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ (النور: 58).في هذه الآية يعلم الله تعالى المؤمنين أدباً من آداب الأسرة وسلوكاً يحفظ لهم خصوصياتهم: أن يعلموا صغارهم ومواليهم أن يستأذنوا في ثلاث أوقات، هي أوقات تكشف العورات.الوقت الأول من قبل صلاة الفجر، والـوقت الثاني وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشَاءِ والوقت الثالث وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنْ الظَّهِيرَةِ.أي وقت الظهيرة إن كانت فيه قيلولة وتحلل من الثياب للراحة، فهنا وضع الثياب: استقرارها وثباتها بعد أن كان يتحرك بها.وبعد وضعها لن تتحرك هي، بل يتحرك الجسم بدونها.أما هي: فموضوعة وفي قوله تعالى: مِنْ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ (النساء:46) وتحريف الكلم عن مواضعه يعنى تحريكه من المكان الذي وضعه وثبته الله فيه.
ومثل ذلك قوله تعالى إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا (آل عمران:96) وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ (الأنبياء:47) وقـوله وَوُضِـعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ(الزمر:69) فهذه كلها بمعنى تثبيت مـا وضعه الله تعالى، فلا يتحرك.ومـن ذلك أيضا وضع الحمل" الولادة" سماها القرآن وضعاً في (9) آيات وهذا العدد تحديدا هو نفس عدد الشهور التي تحمل وتضع فيها المرأة (9) أشهر.لـذا كـان مـن إعجاز القـرآن أن تأتى كلمة الوضع بمعنى" الولادة" (9) مرات.
كقوله تعالى وَأُوْلاتُ الأحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ (الطلاق:4).وقوله تعالى حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا (الأحقاف:15) فالوضع هنا جاء بنفس معنى وضع الثياب الملبوسة، والمحمولة، وهنا وضع الأحمال التي لا تنفك الحوامل عن الحركة بها فعندما تلد تكون قد وضعت الحمل، ليستقر الجنين بعد الوضع على الأرض، فتتحرك الأم بدونه بعد وضعه بعيدا عن بطنها.وينزل الجنين ويستقر ويثبت في المكان الذي يوضع فيه ولا يمكن أن يتحرك من موضعه ويظل فترة من الزمن كذلك، لا يتحرك إلا بمحرك آخر دونه.
هذه هي المعاني التي جاءت في القرآن لكلمة" وضع" لذلك ذكر تعالى أنه: وضع الأرض أي ثبتها في مكانها.فهل يتصور أن تتحرك الثياب الموضوعة، أو الأسلحة الموضوعة أو الأحمال الموضوعة.أو الأكواب الموضوعة؟ هل يمكن أن تتحرك من مكانها بنفسها؟ ولو حدث وحركها أحد من مكانها فعندئذ لا تعتبر" موضوعة".
فإذا حُمل السلاح فلا يعتبر موضوعاً وإذا لُبست الثياب لا تعتبر موضوعة.وإذا حُركت الأرض ودارت فلا تعتبر موضوعة.والله تعالى أخبر أنها كذلك"موضوعة" وأنه تعالى هو الذي وضعها، ولم توضـع بذاتها وَالأرْضَ وَضَعَهَا لِلأنَامِ فإذا وضع الله الأرض فمن ذا الذي يقدر على تحريكها.
وإذا قال الله وَالأرْضَ وَضَعَهَا لِلأنَامِ فمن ذا الذي يقول (والأرض تميل وتلف وتدور)؟ ومن يقل بذلك فليرفع صوته لأن الله تعالى سيكتب شهادته.أو لا يرفع فإنه تعالى يعلم السر وأخفي.
الدليل السابع: الأرض قائمة
"الأرض ثابتة واقفة" ولو كان هناك معنى أخر للثبات غير هذه الكلمات لقلناه كمعنى لهذه الآية الوحيدة بهذا المدلول.وهي قوله تعالى: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالأرْضُ بِأَمْرِهِ (الروم:25).
فهذه الآية ليس لها معنى إلا أن الأرض كالسماء ثابتة في مكانها" واقفة" يعنى: عكس المتحركة.وهذا أيضا ليس من ذاتها ولكن بأمر الله تعالى.وإلا فلن تكون كذلك.وكلمة (القيام) تعنى في القرآن الثبات وقوفاً دون حركة.ولتوضيح هذا المعنى نورد بعـض الآيات:
يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا (البقرة:20). يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (المطففين:6).
يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا (النبأ:38) .
فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ (الكهف:77) .
فَنَادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ (آل عمران:39) .
وَطَهِّرْ بَيْتِي لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (الحج:26) .
الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ (آل عمران:191).
فكل هذه الآيات وغيرها، جاءت فيها كلمة (القيام) بمعنى الوقوف ثباتاً دون أى حركة.وكل مادة (قام) في القرآن التي جاءت في أكثر من مائة آية.لا تعنى إلا ذلك.
ولم يقل تعالى عن الأرض أنها واقفة بل قال أنها قائمة.لأن كلمة الوقوف لم ترد في القرآن سوى أربع مرات وجاءت كلها بمعنى (الحبس) كما في قوله تعالى: وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ (الصافات:24) يعنى احبسوهم في مكانهم قبل أن ينصرفوا إلى النار ليسألوا.وقوله: وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى رَبِّهِمْ (الأنعام:30) وهذا كما نقول الآن" محبوس على ذمة التحقيق" وقوله: وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ (الأنعام:27) أي حبسوا أمام النار.وقوله: وَلَوْ تَرَى إِذْ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ (سبأ:31) أي محبوسون.
يقول ابن كثير في تفسير قوله تعالى: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالأرْضُ بِأَمْرِهِ (الروم:25) أن هذا كقوله تعالى: وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الأرْضِ إِلا بِإِذْنِهِ (الحج:65) وقوله: إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَوَاتِ وَالأرْضَ أَنْ تَزُولا (فاطر:41) وكان عمر بن الخطاب رضى الله عنه إذا اجتهد في اليمين قال:" والذي تقوم السماء والأرض بأمره" أي هي قائمة".
فالأرض لو لم تكن قائمة: ثابتة في مكانها بأمر الله لذهبت وتحركت وزالت.

الدليل الثامن: الأرض ممسوكة
هل يمكن للممسوك أن يتحرك؟
فإن قال الله تعالى إن الأرض ممسوكة، وقلنا نحن أن الأرض متروكة تتحرك حيث قال كوبرنيقوس أليس هذا تكذيبا لله وتصديقا لكوبرنيقوس؟ أليس ذلك كفراً؟ وكيف غابت هاتان الآيتان عن علماء المسلمين وهم يقرءون كتاب الله ويحفظونه؟ ولو كانتا في بالهم ولم تغيبا عنهم فكيف لم يفهموهما؟
وإن كانوا قد فهموهما فكيف طاوعهم إيمانهم بالله أن يقولوا أن الأرض تتحرك في كل اتجاه وبحركات مختلفة وبسرعات متفاوتة، أي أنهم قالوا: الأرض منفلتة.كيف قالوا ذلك؟ يقـول تعالى: إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَوَاتِ وَالأرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا (فاطر:41).
يقول ابن كثير:" أخبر تعالى عن قدرته العظيمة التي تقوم بها السموات والأرض عن أمره وما جعل فيهما من القوة الماسكة لهما فقال: إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَوَاتِ وَالأرْضَ أَنْ تَزُولا أي أن تضطربا عن أماكنهما".
وهذا الفهم للآية ليس خاصاً بابن كثير، فكل علماء المسلمين فهموا هذا المعنى وكل المفسرين فهموا ذلك وإنما نذكر ابن كثير لأن تفسيره لدى كل علمائنا الآن.
وحتى نفهم معنى الإمساك نسوق هذا الحديث:
أخرج أبو يعلى وابن جرير وبن أبى حاتم والداقطني وبـن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات، والخطيب في تاريخه، عن أبى هريرة قـال: سمعت رسول الله  يقـول على المنبر:" وقع في نفس موسى: هل ينام الله عز وجل؟ فأرسل الله إليه ملكاً فأرقه ثلاثا وأعطاه قارورتين في كل يد قارورة، وأمره أن يحتفظ بهما، فجعل ينام وتكاد يداه تلتقيان، ثم يستيقظ فيحبس إحداهما عن الأخرى، حتى نام نومة فاصطفقت يداه وانكسرت القارورتان.قال: ضرب الله له مثلا أن الله تبارك وتعالى لو كان ينام لم تستمسك السموات والأرض".
وأخرج ابن أبى حاتم من طريق عبد الله بن سلام: أن موسى قال: يا جبريل هل ينام ربك؟ فذكر نحوه.
والإمساك عكس الإرسال والترك، ولو لم يمسك الله تعالى السموات والأرض لزالتا من مكانيهما. لأن كل شيء في الكون متحرك غير ساكن. فلم يذكر تعالى أنه يمسك بالشمس ولا بالقمر ولا بغيرهما من أجرام السماء، وإنما هي مرسلة، متحركة، مسخرة، جارية، سابحة في أفلاكها، بخلاف السموات والأرض.
ويقول تعالى وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الأرْضِ إِلا بِإِذْنِهِ (الحج:65) فهو تعالى يمسك السماء أن تقع على الأرض لأن كلتاهما ثابتتان، الأرض تحت والسماء فوقها، والله تعالى يمسكهما لأمرين: الأول: ألا تزولا، والثاني: ألا تقع السماء على الأرض والوقوع بهذه الصورة التي يذكرها لنا الله تعالى كنعمة من نعمه، غير متحقق بل وممتنع ومستحيل في ظل معطيات الفلكيين والمنجمين عن الأرض والفضاء.
ولكن معطيات القرآن أن السماء هي البناء فوق هذه الأرض، ومن الممكن أن يقع البناء على القواعد والأساس، كما يقول تعالى: قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمْ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمْ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ (النحل:26).إن الأحجام التي يقدمها القرآن عن السماء والأرض لمتناسبة بحيث يمكن إضافة هذه إلى تلك، وحيث يتصور وقوع السماء على الأرض.وكذلك الأبعاد.فنسبة الأرض إلى السماء (1000:1)، وليست ذرة تبعد عن غيرها من النجوم بلايين البلايين من السنين الضوئية.فلو كانت الأرض خيمة نصف قطرها متر لكانت بالنسبة إلى السماء في أرض فضاء نصف قطرها ألف متر.أو بنسبة حجرة مساحتها 4 متر تحت سقف مصنع مساحته 4 كيلو متر.
هذه إذن نسبة معقولة تماماً، ولا ينفر من تخيلها الطبع، بخلاف ما إذا كانت المقارنة بين ذرة لا ترى بالعين ولا بالتلسكوبات العادية، وأحجام بملايين وملايين السنين الضوئية.
ثم هذا الإمساك الذي خص الله به السموات والأرض عن غيرهما من الأجرام فيه دلالة على ثباتها، وهذه الحركات التي يعطيها كوبرنيقوس للأرض وهي أكثر من ست حركات، لا يمكن في ظلها أن تكون ممسوكة.

الدليل التاسع: نفي التسخيرللسماء والأرض
لقد ذكر تعالى في كتابه أنه ثبت السموات والأرض إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَوَاتِ وَالأرْضَ أَنْ تَزُولا (فاطر:41) ثم أخبر سبحانه بأن كل شيء فيهما متحرك، أي مسخر، ومسخر تحديدا للإنسان وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ (الجاثية:13) كذلك لا يتوقف التسخير للإنسان على مدار اليوم كـله، ففي الأربعة والعشرين ساعة تسخير، في النهار وفي الليل، ما في السموات وما في الأرض.حتى أن آيات القرآن قـد جاءت بـهذا التناسق البديع فذكر الله تعالى المسخرات في (24) آية منها (12) آية على المسخرات في السماء ومثلها على المسخرات في الأرض.
يقول تعالى ذاكراً ما سخره في السموات:
(1) ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُـلٌّ يَجْرِي لأجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الأمْرَ
يُفَصِّلُ الآيَاتِ (الرعد:2).
(2) وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ (النحل:12).
(3) وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ  (إبراهيم:33).
(4) وَسَخَّرَ لَكُمْ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ (إبراهيم:33).
(5) وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأجَلٍ مُسَمًّى (الزمر:5).
(6) وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأجَلٍ مُسَمًّى ذَلِكُمْ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ (فاطر:13).
(7) وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى (لقمان:29).
(Cool وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ (الأعراف:54).
(9) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ. (العنكبوت:61).

(10) أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ .
(لقمان:20).
(11) وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ (الجاثية:13).
(12) َلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاءِ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلا اللَّهُ (النحل:79).
ويقول تعالى عن المسخرات في الأرض:
(1) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي الأرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ (الحج:65).
(2) وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ  (إبراهيم:32).
(3) وَسَخَّرَ لكُمُ الأنهَارَ (إبراهيم:32).
(4) اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ  (الجاثية:12).
(5) وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ (النحل:14).
(6) وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأرْضِ(البقرة:164).
(7) وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ إلي قوله تعالى كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (الحج: 36).
(Cool كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ (الحج:37).
(9) فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ (ص:36).
(10) أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ (لقمان:20).
(11) وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ الْفُلْكِ وَالأنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ (12) لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ (الزخرف:12).

(12) وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ (الجاثية:12).
فهذه 24 آية للمسخرات في كل وقت (خلال 24ساعة) وفى كل مكان (السموات والأرض) ويتلاحظ أننا ذكرنا قـوله تعالى: وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ (الجاثية:12) أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ (لقمان:20) مرتين أي في آيات السماء وآيات الأرض وذلك لأنهما آيتين مشتركتين.
شمل التسخير إذن كل شيء في الأرض وفي السماء وما بينهما حتى الملائكة الكرام وذكرنا في الباب الثاني كيف أن الملائكة مسخرة لبنى آدم.فكل ما تحت العرش مسخر لابن آدم ليكون هـو سيدا بينها، وليكون أيضا عبدا لمن فوق العرش سبحانه وتعالى.
وكما منع تعالى السموات أن تسجد، وهي أعلى مقامات العبادة وكذلك الأرض.وذلك لئلا تميد بأهلها وتتحرك بمن عليها في سجودها.فإنه تعالى أيضا لم ينسب للسموات أو الأرض تسخيرا وقد ذكر تعالى كل المخلوقات أنه سخرها ولكنه لم ينسب لـذات السموات أو ذات الأرض تسخيرا، بل ذكر تسخير من فيهما، وما فيهما جميعا فضلا منه تعالى وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ (الجاثية:12) منعت السموات والأرض من السجود لله، وكذلك منعت من التسخير لبنى آدم مع قيامهما بباقي أنواع العبادات وذلك لما في السجود والتسخير من الحركة.بالنسبة للسجود: حركة في المكان، وبالنسبة للتسخير حـركة حول المكان.ومعنى التسخير الحركة والتذليل والجري الدائب للمسخر له.لذلك أي شيء في الكون مسخر فهو متحرك (ريح، سحاب، شمس، قمر، نجوم، كـواكب، بحر، نهر، فلك، ليل، نهار، حيوان، طير).
أما الأشياء الثابتة فلم ينسب لها تسخير كالجبال والشجر، رغم أنهما يسجدان، ولكن لم يذكر مع أي منهما كلمة سخر، ولكن ذكر معهما السجود: (الحج:18)
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ
فذكر للشجر سجودا لا تسخيرا، لأن حركة الشجر في مكانه واضحة وليست خافية.أما أن يتحرك في الأرض فممتنعة.
أما الجبال فقد نسب لها تعالى تسخيرا خاصة وهي أن تسبح مع داود، فليس تسخيرها كتسخير غيرها، بحركة وجرى ودوران وما شابه ذلك من الحركات، ولكن تسخير من نوع خاص كان فيه معجزة لداود وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ (الأنبياء:79) فهو تسخير تسبيح لا تسخير جرى وحركة.
كذلك نسب تعالى للجبال سجودا، وإن كنا لا نراه ولكنه على أي حال غير ممتنع ولعل الجبال تسجـد بالفعل والحركة في الأرض بصورة لا نراها، ولكنها قد تكون هي المسببة للزلازل والبراكين التي ربما أنها تحدث نتيجة لحركة هذه الجبال في الأرض بالسجود.
وقد أخبرنا تعالى بأن للجبال شعورا وأحاسيس لا تختلف عن مشاعر الإنسان وأحاسيسه، وربما فاقتها، يقول تعالى:
لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ (الحشر:21).
تـكاد السمواتُ يتفطرن منه وتنشق الأرضُ وتخر الجبالُ هـداً (90) أن دعـوا للـرحمن ولداً (مريم).
فلما تجلى ربه للجبل جعله دكاً (الأعراف:143).
فلا يمنع أن يكون تصدع الأرض بالزلازل والبراكين نتيجة لسجود الجبال، والله أعلم.
أما هذه المسخرات التي ذكرها تعالى في الآيات فهي في حركة دائمة في السماء أو في الأرض أوبين السماء والأرض.ولو كان حقا أن الأرض تجرى وتأتى بهذه الحركات والسرعات الغير معقولة، لكان الله قد ذكرها من ضمن المسخرات، ولكن الله تعالى أقرّ الأرض وثبتها ووضعها وأمسكها، ولو تحركت كما يقولون، فلن يستقر عليها الماء، ولن يستقر على الماء فلك، ولن يستقر على اليابس ناس ولا دواب، ولن يكون بين السماء والأرض رياح ولا سحاب.
فتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض له نظام غاية في الدقة فكيف يتم ذلك التصريف للرياح والسحاب حول الأرض الذي يتم بكل جزء فيها؟ فالرياح تتحرك على الأرض شرقا وغربا، شمالا وجنوبا بنظام دقيق بحيث تقلب حـرارة الشمس على بقاع الأرض كلها، وتنقل الماء برفعه من البحار إلى السماء ثم توزعه في السماء.فهذه الرياح التي تفعل ذلك منها يومية وأخرى موسمية وغيرها محلية وغيرها دائمة وكذلك التجارية والعكسية، كيف تنضبط حركة هذه الرياح جميعا حول أرض تتحرك بجنون في كل مكان وفي كل اتجاه، وبكل السرعات.
وهذا السحاب الذي يتم توزيعه إلهياً على أقاليم الأرض بنسب دقيقة معينة تختلف بإرادة الله مـن إقليم إلى آخر، ومن زمان إلى آخر، فكيف يتم تصريف هذا السحاب والأرض تدور وتنطلق.
والشمس والقمر والنجوم والكواكب، كيف تتعامل بهذا النظام الدقيق مع الأرض وهم جميعا يتحركون بدقة بالغة بين مدارىّ الأرض؟ كل يوم بقدر معين ثابت لا يتغير ولا يتبدل على مر الأيام والشهور والسنين.نظام تنضبط فيه الساعات والدقائق والثواني مع كل شبر في الأرض، بل كل مغرز إبرة.كيف يتم ذلك والأرض تدور حول نفسها وحول الشمس وحول المجرة، وحول نجم النسر، وحول الفضاء المتمدد بزعمهم؟ ثم هي بعد ذلك تميل ذات اليمين وذات الشمال؟
الدليل العاشرمركزية الأرض
أخبرنا الله تعالى أن الأرض مركز الكون ، وذلك عندما أخبرنا بالمسافة بين والأرض السماء ، وبينها وبين العرش ، فعن بعد السماء فقد قال تعالى يُدَبِّرُ الأمْرَ مِنْ السَّمَاءِ إِلَى الأرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ: (السجدة:5) .وهذه الآية تدل فضلا عن بعد السماء عن الأرض فإنها تدل على مركزية الأرض لأن المسافة من الأرض ـ من أي مكان فيها ـ إلى السماء ـ لأي مكان فيها ـ مسافة واحدة . ولا يحدث هذا إلا إذا كانت الأرض وسط السماء تماما كالنقط وسط الدائرة .ونفس الأمر لبعد العرش عن الأرض المذكور في الآية (4) من سورة المعرج .
هذا بعض ما تيسر لنا جمعه من أدلة القرآن .
أدلــة السنة
الدليل الأول
وهي الأحاديث التي أخبر فيها رسول الله  عن المسافة التي بين السماء والأرض. وهي أحاديث صحيحة متواترة تلقاها المسلمون بالقبول ولم يطعن أي عالم على سند أو متن لأي حديث من هذه الأحاديث. وقد توافقت مع قول الله تعالى في سورة (السجدة:5) يُدَبِّرُ الأمْرَ مِنْ السَّمَاءِ إِلَى الأرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ وسورة المعارج، وهي مسيرة خمسمائة عام أو بالكيلومتر حوالي 7000000 كم. وهذه المسافة من كل مكان في الأرض إلى أي مكان في السماء. مما يدل على مركزية الأرض وأيضا على ثباتها، لأن نقطة المركز في الدائرة هي النقطة الوحيدة التي تتساوى بعد أي نقطة من المحيط عنها.
الدليل الثاني
ما ذكره صحابة رسول الله  أنه أخبرهم عن كل شيء في الكون من مبدأه إلى منتهاه، ولم يترك طائر يقلب جناحيه في السماء إلا وذكر لهم منه علما وعلى أهمية أمر الأرض فلم ينقل أي صحابي أو تابعي أو أحد من سلف الأمة حديثاً صحيحا ولا ضعيفا ولا حتى موضوعاً، يقول فيه بأن الأرض تتحرك حركة واحدة من هذه الحركات. ولم يرد حديث يقول بأن الأرض ثابتة لأن ثباتها لم يكن بحاجة إلى بيان، بعد ما ذكرناه من أدلة الكتاب. وكانت عقيدة المخاطبين آنذاك هي: أن الأرض ثابتة لا فرق في ذلك بين المؤمنين والكافرين. ولم تكن الآيات في حاجة إلى بيان من الرسول .
ولما كان بدء الخلق للأرض أنها كانت تتحرك، ثم بعد ذلك ثبتها الله فقد ورد ما يفيد ذلك عنه.وقد ذكرنا ما ورواه أحمد عن انس بن مالك عن رسول الله  أنه قال:" لما خلق الله الأرض جعلت تميد (تتمايل) فخلقت الجبال فألقاها عليها فاستقرت..." (الحديث).
الدليل الثالث البيت المعمور فوق الكعبة
روى الطبرانى عن ابن عباس عن رسول الله  قال:" البيت المعمور في السماء يقال له الضراح وهو على مثل البيت الحرام، بحياله، لو سقط لسقط عليه، يدخله كل يوم سبعون ألف ملك ثم لا يرونه قطٍ.فإن له في السماء حرمة على قدر حرمة مكة" يعنى في الأرض.
وهكذا قال الكوفي عن ابن عباس ومجاهد وعكرمه والربيع بن أنس والسدى وغير واحد.وقال قتادة ذكر لنا أن رسول الله  قال يوما لأصحابه:" أتدرون ما البيت المعمور؟" قالوا: الله ورسوله أعلم.قال:" مسجد في السماء بحيال الكعبة لو خر لخر عليها".إن هذا يدل على أن الأرض ثابتة، راسخة لا تتحرك قدر أربع أصابع ولو كان ذلك كذلك فلن يسقط البيت المعمور على الكعبة لو سقط.
فلو كانت الأرض تدور حول نفسها لما كانت الكعبة وهي فى الأرض تحت البيت المعمور وهو في السماء، فكون البيت المعمور فوق الكعبة تماما لدرجة أنه لو سقط لسقط عليها فإن هذا يعنى أن الكعبة على الأرض لا تتحرك أبدا، فما بالكم وأنتم تقولون أن الأرض تدور حول نفسها، وحول الشمس، وحول المجرة … إلي أخر هذه الحركات.كيف سيكون البيت المعمور فوق الكعبة تماما؟
هل ستدور السماء مع الأرض أثناء دوران هذه الأخيرة حول نفسها وحول الشمس أم أنكم تكذبون هذه الأحاديث وتصدقون كوبرنيقوس؟
اللهم إهد قومي فإنهم لا يعلمون.
الدليل الرابع المعراج وثبات الأرض
أجمع المسلمون على أن رسول الله  عرج به إلى السماء، وقضى جزءا كبيرا من الليل حتى نزل قبل الفجر.
فلو فرضنا إن رسول الله  نزل بعد أربع ساعات من عروجه فإنه سينزل في مدنية (بيضون) بالجزائر، لأنها تقع بين خطى الطول صفر ومدار السرطان.هذا بافتراض أن الأرض تدور. ولو نزل بعد خمس ساعات لنزل في صحراء (إيجيدي) بموريتانيا الواقعة بين خط طول (10) ومدار السرطان.
ولو تأخر  ست ساعات في السماء، فإنه لن يجد يابسة ينزل عليها، إذ أن دورة الأرض ستجعل مكان نزوله المحيط الأطلنطي الذي يبلغ عرضه ثلاث ساعات زمنية أي أنه  لن يتمكن من النزول على اليابس حتى بعد تسع ساعات.فلابد أن ينزل من السماء قبل مرور ست ساعات، أو بعد مرور تسع ساعات، ولكنه في الحالة الثانية يكون قد ابتعد مكانا وزماناً، لأنه بعد تسع ساعات سينزل على المكسيك، وسيكون وقت الضحى.والثابت عند المسلمين أن الرحلة بدأت ليلا، وانتهت ليلا قبل الفجر.ما رأي السادة العلماء في هذه المشكلة؟
كيف نزل رسول الله  على نفس المكان الذي صعد منه بعد عدة ساعات؟ ونريد إجابة علمية ومنطقية، ولا يخف علينا قدرة الله الذي أصعده إلى سدرة المنتهى فوق السماء السابعة، أن ينزله في أي مكان شاء، ولكن في هذه الحالة سينزل من مكان في السماء غير الذي صعد منه، وسيضطر إلى الطيران من المكان الذي نزل منه إلى مكة، أو سيتجه رأساً من السماء إلى مكة رغم دوران الأرض بحيث ينزل عليها في أي مكان ذهبت إليه، ولكن في كل هذه الأحوال كان رسول الله  سيخبرنا عن هذا الأمر ضمن كل الآيات التي رآها في رحلته، وهو لم يترك شيء إلا وأخبر به لأنه (رسول). فلماذا لم يخبر الرسول  المرسل إليهم بما رآه من حركة دوران الأرض، وهو الوحيد من البشر الذي يكون قد رأي هذه الآية - إن كانت - وعاد مرة أخرى للناس ليخبرهم بها، لأن من صعد من الأنبياء قبله كإدريس أو عيسى لم يعودوا بعد، ليخبروا بهذا الأمر.فهل هذه الآية - دوران الأرض - لم تلفت انتباه الرسول فيحدث بها؟
نحن نسأل هذه الأسئلة ونفكر هذا التفكير، طبقا لآيات الله التي تقول إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ فها نحن نفكر ونتعقل ونتعلم في هذه المسألة التي نرى أنها غابت عن تفكير علمائنا الذين قالوا بدوران الأرض.
أما عن أول من صعد إلى السماء من غير الأنبياء فهو الروسي" يوري جاجارين" وقد كان من الكافرين، عندما سئل عن أغرب ما رآه في صعوده قال:" التعاقب السريع لليل والنهار".ولم يقل جاجارين الدوران السريع للأرض، وهذا كافر من الكافرين لم يقل بدوران الأرض وقد صعد بنفسه إلى السماء.
ورسول الله رسول من المرسلين لم يقل بدوران الأرض وقد صعد إلى السماء.

الدليل الخامس أبواب السماء
روى الحافظ الموصلي وابن أبى حاتم بنحوه عـن انس بن مالك رضى الله عنه عن النبي  قال:" ما من عبد إلا وله في السماء بابان، باب يخرج منه رزقه، وباب يدخل منه عمله وكلامه، فإذا مات فقداه وبكيا عليه وتلا هذه الآية: فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالأرْضُ (الدخان:29) وذكر أن آل فرعون لم يكونوا عملوا على الأرض عملاً صالحاً فتبكى عليهم، ولم يصل لهم إلى السماء من كلامهم ولا من عملهم كلام طيب ولا عمل صالح فتفتقدهم فتبكى عليهم".
وروى ابن حاتم عن عباد بن عبد الله قال: سأل رجل عليا رضى الله عنه: هل تبكى السماء والأرض على أحد؟ فقال له: لقد سألتني عن شيء ما سألني عنه أحد قبلك.إنه ليس من عبد إلا له مصلى في الأرض، ومصعد عمله في السماء.وإن آل فـرعون لم يكن لهم عمل صالح في الأرض.ولا عمل يصعد في السماء.وقرأ الآية.
وروى بن جرير عن سعيد بن جبير قال:" أتى بن عباس رضى الله عنه رجل فقال: يا أبا العباس أرأيت قول الله تعالى: فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالأرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ فهل تبكى السماء والأرض على أحد؟ قال رضى الله عنه إنه ليس واحد من الخلائق إلا وله باب في السماء، منه ينزل رزقه وفيه يصعد عمله.فإذا مات المؤمن اغلق بابه من السماء الذي كان يصعد فيه عمله وينزل منه رزقه ففقده بكى عليه.وإذا فقده مصلاه من الأرض التي كان يصلى فيها ويذكر الله عز وجل فيها بكت عليه.وإن قوم فرعون لم تكن لهم في الأرض آثار صالحة، ولم يصعد إلى الله منهم خير، فلم تبك عليهم السماء والأرض.
وقال مجاهد: ما مات مؤمن إلا بكت عليه السماء والأرض أربعين يوميا صباحا. فقلت: أتبكي الأرض؟ فقال: أتعجب؟ وما للأرض لا تبكي على عبد كان يعمرها بالركوع والسجود؟ وما للسماء لا تبكى على عبد كان لتكبيره وتسبيحه فيها دوى كدوى النحل.قال قتادة: كان آل فرعون أهون على الله عز وجل من أن تبكى عليهم السماء والأرض.
وفي الحديث الذي رواه الترمذي وقال حديث صحيح ورواه غيره عن زر بن حبيش عن صفوان بن عسال رضي الله عنه أن أعرابيا سأل رسول الله : المرء يحب القوم ولما يلحق بهم؟ قال النبي :" المرء مع من أحب يوم القيامة" فما زال يحدثنا حتى ذكر بابا من المغرب مسيرة عرضه أو يسير الراكب في عرضه أربعين أو سبعين عاماً.قال سفيان (أحد الرواه) قِبَل الشام، خلقه الله تعالى يوم خلق السموات والأرض مفتوحا للتوبة لا يغلق حتى تطلع الشمس منه".
فمن هذا نعلم أن هناك باب عرضه مسيرة أربعين أو سبعين عاما وهو باب عام لكل الناس هو باب التوبة وليس باب خاصا كأبواب الرزق والعمل، وعرض هذا الباب على أحد الروايتين مليون كيلو متر (مسيرة سبعين عاما) وأن هذا الباب قِبَل الشام أي فوق الشام تماماً، ولا يمكن أن يكون الباب فوق الشام إلا إذا كانت الأرض ثابتة تماما.لا تلف ولا تدور.
من جملة هذه الأحاديث والآثار نعلم أن بالسماء أبواب ينزل منها الرزق ويصعد فيها العمل، وأن هذه الأبواب متصلة بطرق في السماء معينه، ما بين السماء والأرض.
وعن هذه الطرق الموصولة من الأرض إلى السماء.يقول تعالى: فَلْيَرْتَقُوا فِي الأسْبَابِ وقوله تعالى وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الأسْبَابَ (36) أَسْبَابَ السَّمَوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى (غافر) قال ابن عبـاس ومجاهد: الأسباب: طرق السماء وأبوابها.
وقال تعالى: أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ (الطور:38) أي مرقاة إلى الملأ الأعلى.
فإذا كانت هناك طرق موصولة بين الأرض وأبواب السماء، فإن ذلك يلزم ثبات الأرض، فلا تدور ولا تتحرك.
هذه الطرق الصاعدة في السماء لابد وأنها تمر بين الكواكب والنجوم بحيث تخلوا هذه الطرق منها.وهذا أمر يحتم ثبات الأرض، لأن هذه الطرق فضلا عن كونها مؤدية لأبواب الرزق.ومصاعد للأعمال، فإنها تكون ممرا للأمر الذي يدبر في السماء، وينزل إلى الأرض، ثم يعرج مرة أخرى.ومثل هذا أيضا الملائكة الذين ينزلون من السماء إلى الأرض وهم لا زالوا ينزلون إلا جبريل عليه ال



أدخل عنوان بريدك الإلكتروني هنا يصــــلك كل جديــــد





بلغ الادارة عن محتوى مخالف من هنا ابلغون على الروابط التي لا تعمل من هنا



توقيع : manel


التوقيع



قصة الخلق من العرش إلى الفرش  story of Creation By Eid Wardany Emptyالجمعة 25 يناير - 22:40
المشاركة رقم: #
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
عضو الجوهرة
الرتبه:
عضو الجوهرة
الصورة الرمزية


البيانات
عدد المساهمات : 17945
تاريخ التسجيل : 17/10/2012
رابطة موقعك : ورقلة
التوقيت

الإتصالات
الحالة:
وسائل الإتصال:


مُساهمةموضوع: رد: قصة الخلق من العرش إلى الفرش story of Creation By Eid Wardany



قصة الخلق من العرش إلى الفرش story of Creation By Eid Wardany

الشمس تجري






أثبتنا بأكثر من دليل أن الأرض هي مركز الكون وأنها كرة وسط كرة السماء وبينها وبين السماء مسيرة خمسمائة عام، أي حوالي 7 مليون كم. وإذا كانت الأرض مركز الكون فهي لا تتحرك. وقد ثبتها الله وأرساها بالجبال وبالتالي فإن الشمس هي التي تدور حول الأرض مرة كل يوم.
وليست الشمس مركز الكون، ولا مركز ما يطلقون عليها بالمجموعة الشمسية بل إن جاز تسميتها بالمجموعة الأرضية لكان أولى، ولكنها ليست مجموعة شمسية ولا مجموعة أرضية، بل هي مجموعة سماوية جعلها الله زينة للسماء الدنيا.
فالأرض هـي مركز الكـون ونسبة المسافة بين نصف قطـر الأرض ونصف قطـر السماء 1: 1000 وفي السماء شمس واحدة، وقمر واحد، وأحد عشر كوكبا وعدة آلاف من النجوم ومجرة واحدة، وشهبا تطلق من هنا وهناك لحفظ السماء ولدحر الشياطين الذين يصعدون للسماء يتسمعون الأخبار من الملائكة وكل ما في السماء لا يخرج عن ثلاث وظائف، هداية، وزينة، وحفظ.
وجريان الشمس حول الأرض ثابت بثبوت الأرض بالأدلة التي ذكرناها. وفيها الكفاية لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد. ومع ذلك فسنذكر أيضا الأدلة الخاصة بالشمس وهي أدلة مستفيضة سنحاول بإذن الله ذكر بعضها لكثرتها ولأن تاريخ البشرية بكل ما فيه من حضارات وملل وأديان وثقافات قد أجمع على أن الشمس تجرى وأنها تدور حول الأرض كل يوم.
ولم يذكر التاريخ أن أحدا خالف ذلك قبل عصر النهضة سوى اثنين هما" فيثاغورث" اليوناني و" إريستاخـورس" السكندري وكـلاهما ظـهرا قـبل الميلاد. واثنين في عصـر النهـضة هما" كوبرنيقوس" البولندي و" جاليليو" الإيطالي ولم تلق أقوال الأربعة أي تأييد. وظلت البشرية حتى بداية القرن العشرين وهي تؤمن بقول الله في الشمس وتعتقد على اختلاف مشاربها وأماكنها بأن الأرض ثابتة والشمس تدور حولها.
حتى بدأ العالم الإسلامي يقتنع بالفكرة التي غرره بها الاستعمار، وما لبث أن اقتنع بها الغرب نفسه الذي رفضها وأنكرها حتى بعد موت جاليليو بمائتي عام أي بعد قرنين كاملين.
ثم أقتنع بها الغرب عندما بدأ المسلمون يؤيدونها بالقرآن الذي لا يوجد فيه آية واحدة، بل لا توجد فيه كلمة واحدة تقول بأن الشمس ثابتة وأن الأرض هي التي تدور.
ودون أدلة، ودون جديد في الأمر. ترك اليهود ما في كتابهم، وترك النصارى ما في كتابهم وترك المسلمون ما في كتابهم. تركت الأمم الثلاثة كتبها الثلاثة التي تؤمن بأنها نزلت من عند الله. والتي تـدعي إيمانها بها، والتي تدعي اتباعها لما فيها تركت هـذه الكتب لتتبع كتاباً واحـدا اسمه" حركات الكرات السماوية" لأحد الناس، ليس بنبي ولا رسول، ولم يدع هو أنه كذلك، ولم يدع أيضا أنه أوحي إليه بما فيه ولم يـدع أن مـا فيه هـو الحقيقة، بل إن الرجل - وحسابه على الله - قـال إنـه مجرد فرض. وتـرك أهـل الكتب كتبهم، ورسلهم، وآمنـوا بما قـاله" كوبرنيقوس" بعد مرور 300 سنة على موته، وآمنوا بما قاله" جاليليو" بعد 200 سنة من موته وخالفوا جميعا ما نزل على محمد وما نزل على عيسى وموسى عليهم الصلاة والسلام.
معتقدات الشعوب في دوران الشمس
رغم اختلاف أهل الأرض في خالقهم ما بين مؤمن وكافر، واختلافهم في الأنبياء الذين أرسلوا إليهم ما بين مصدق ومكذب، إلا أنهم جميعا مؤمنهم وكافرهم لم يختلفوا في أمر الشمس والقمر وأنهما يدوران حول الأرض كل يوم.
وفى كتاب" معجم الحضارة المصرية القديمة" نقرأ عن صورة الكون:
كون المصريون فكرة عن صورة العالم. كانوا يعتبرون العالم أرضا يمرالنيل في وسطها، ويحيط بها الماء، هـذا الماء هـو المحيط الدائـري الأعظم (وكل هذا صحيح).. الذي أنتجه الإله الأول" نون" الذي خرجت منه الدنيا. وكان هو منشأ النيل والمطر. وفوق هذه الأرض المسطحة سماء أشبه بطبق مسطح، يفصله عن الأرض، الهواء.
أما حواف العالم فاعتقدوا أنها الأماكن التي تنشأ فيها الرياح. وأن حده الشرقي هو المكان الذي تخرج منه الشمس من المحيط في الصباح. ثم تعود ثانية في المساء عند حده الغربي، وتذهب إلى العالم السفلي.
واختلفت الآراء عن طبوغرافيا العالم السفلي للمعتقدات الدينية، فاعتقد المصريون أنه نسخة مقلوبة من الدنيا، سماؤه مقلوبة من الناحية الأخرى من الأرض.. وتخيلوه رقعة متسعة من الماء. حيث تستعيد الشمس قواها. بعد أن تموت في المساء".
للوهلة الأولى يظن قارئ هذا المعجم أن ما يذكره عن معتقدات قدماء المصريين هو أساطير الأولين، ولكن المتأمل لهذا الاعتقاد يجده متطابقا تماماً مع عقيدة أهل الكتب السماوية جميعا بعد تنقيح العبارات من أسماء الآلهة التي يذكرونها.
فالعالم الذي علموه: أرض يمر النيل في وسطها، والمتأمل لخريطة العالم سيجد أن النيل فعلا يمر وسط العالم.
كذلك اعتقدوا بأن هذه الأرض (اليابسة) يحيط بها الماء ويسمونه (المحيط الدائري الأعظم) وذكرنا أن المسلمين يقولون بذلك تماما، ويسمون هذا الماء الدائري الذي يحيط باليابس" البحر المحيط" و" المحيط الأعظم".
ويعتقدون بأن خالق هذا البحر العظيم هو الله أي بتسميتهم" نون" خالق الدنيا.
كذلك يعتقدون بأن النيل والمطر مصدرهما هذا البحر المحيط، الذي يتبخر منه الماء الذي يجرى منه النيل، ومنه يكون المطر. وأنهم يقولون بأن النيل والمطر من نشأة الله" نون". وأن هذه الأرض المسطحة فوقها سماء يفصل بينهما الهواء.
واعتقدوا بأن الرياح تأتى من أطراف اليابسة. وأن حدود الأرض اليابسة هو البحر المحيط من الشرق وهو أيضا الذي يحد اليابسة من الغرب. وهو حق إذ أن المحيط الهادي هو حدود القارات من الشرق ومن الغرب.
وكذلك يعتقدون أن الشمس تشرق من هذا البحر المحيط وتغرب أيضا فيه.
أما عن جغرافية الأرض فكما هو واضح، نفس ما نعرفه ونعلمه نحن عن الأرض. فقد عرفوا أنها مستديرة، كروية، وأن النصف الآخر للأرض هو نسخة مقلوبة من هذه الأرض التي نعيش عليها. فالأرض في النصف الآخر عكس هذا النصف. غير أن النصف السفلي رقعة متسعة من الماء. وهو المحيط الهادي. ثم إنهم كانوا يعتقدون بأن الشمس تغرب كل يوم في هذا المحيط وتشرق منه كل صباح.
إن هذا النص موجود بمعجم الحضارة المصرية القديمة صـ 207. يعنى هذا أن المصريين كانوا يعتقدون كغيرهم من سكان الأرض في كل زمان أن الشمس تدور حول الأرض الثابتة كل يوم.
وفى كتاب" المعتقدات الدينية لدى الشعوب" نقرأ عن الشمس:
" أنها تعبر السماء يوميا بعربة مبددة الظلام والشر. وتوزع أشعتها بالتساوي على جميع المخلوقات وعلى نحو صارم ودون تفرقة. وفى الليل تعبر العالم السفلي وتواصل دورتها".
وعن دورة القمر نقرأ: والقمر في قاربه الهلالي يعبر السماء المظلمة بانتظام.
ويقسم السنة إلى أشهر كل منها ثلاثون يوما". وهذه عقيدة بلاد ما بين النهرين التي قامت عليها أقدم الحضارات الإنسانية (السومريين والبابليين، والآشوريين).
ولم تشذ حضارة من الحضارات ولا أمة من الأمم عن هذه العقيدة في الشمس وأنها تدور حول الأرض كل يوم دورة.
دوران الشمس في الكتاب المقدس
لقد تصدت الكنيسة لتعاليم كوبرنيقوس التي أراد بها قلب أوضاع الدنيا والدين بقوله أن الشمس ثابتة وأنها مركز الكون، وأن الأرض هي التي تدور حولها وحول نفسها، كما وقفت بحزم لجاليليو الذي جـاء بعد كوبرنيقوس بقرنين، ليحيى تراثه ويردد قوله وينشر مذهبه. ونجحت الكنيسة في ردعه. ولم يكن ذلك تسلطاً من الكنيسة كما يفتري المفترون، ولم يكن ذلك منها دفاعا عن فلسفات قديمة، أو أساطير الأولين، وإنما كان ذلك حماية للدين، وتمسكا بتعاليم الكتاب المقدس والذي ينص صراحة على أن الشمس هي التي تدور حول الأرض وليس العكس.
ففي سفر (يوشع) الإصحاح العاشر الآية رقم 13نقرأ:
" حينئذ كلم يشوع الرب، يوم أسلم الرب الأموريين أمام بني إسرائيل. وقال أمام عيون بني إسرائيل: يا شمس دومي على جِعبون، ويا قمرعلى وادي أيلون. فدامت الشمس ووقف القمر حتى انتقم الشعب من أعدائه. أليس هذا مكتوبا في سفر ياشر. فوقفت الشمس في كبد السماء. ولم تعجل للغروب يوم كامل".
دوران الشمس في القرآن
قلنا إن الله تعالى لم ينسب للأرض على كثرة ذكرها أي جري أو أي حركة، أو حتى أي فعل سوى التسبيح، والإتيان الذي حدث منها مـرة واحدة في بدء خلقها، ثم أقرها الله تعالى حيث أتت، وثبتها بالجبال، وأصبحت في مكانها هذا قائمة موضوعة وممسوكة. حتى التسخير لبني آدم، بل السجود لله رب العالمين، منعه الله عنها، وذلك لفائدة بني آدم.
أما الشمس فقد ذكرت في القرآن 32 مرة، منها مرتان عن نهايتها، والباقي 30 مرة عن حياتها في الدنيا، وهذا الرقم هو نفسه عدد أيام شهرها 30 يوم. وفى هذه المرات الثلاثين، تذكر الشمس بأفعال الحركة 23 مرة مثل:
(تأتي، بازغة، سخر، تدلك، تشرق، تطلع، تسجد، تجري، تدرك،.....).
وقد أخبر الله تعالى أنه سخر الشمس. ولا يعني ذلك سوى أنها تدور حول الأرض.
تسخير الشمس
في سبع آيات لا ثامن لها في القرآن يذكر تعالى أنه سخر الشمس:
(1) وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأجَلٍ مُسَمًّى (الرعد:2)
(2) وَسَخَّرَ لَكُمْ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ (إبراهيم:33)
(3) وَسَخَّرَ لَكُمْ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ  (النحل:12)
(4) وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى (لقمان:29)
(5) وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأجَلٍ مُسَمًّى  (فاطر:13)
(6) وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأجَلٍ مُسَمًّى (الزمر:5)
(7) وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ (الأعراف:54).
ومعنى أن الشمس مسخرة أي مذلـلة، عاملة في طاعة، متحركة، دائبة. فالشمس مسخرة بالمعنى المعروف للكلمة، والمتبادر إلي الذهن من كلمة (مسخر).
ولا يمكن أن يتصور تسخير دون حركة. فكل ما سخره الله في الأرض ونص على أنه مسخر فهو يتحرك ويجرى في الأرض أو حولها، البحر والفلك والسحاب والريح والطير، والبغال والحمير والخيل فكل هذه مسخرات وكلها تتحرك وتجرى.

لذلك لم ينسب للأرض تسخير وإنما التسخير لمن هو فيها. فإن كان الأمر كذلك فأيهما الثابت وأيهما المتحرك؟



أدخل عنوان بريدك الإلكتروني هنا يصــــلك كل جديــــد





بلغ الادارة عن محتوى مخالف من هنا ابلغون على الروابط التي لا تعمل من هنا



توقيع : manel


التوقيع



قصة الخلق من العرش إلى الفرش  story of Creation By Eid Wardany Emptyالجمعة 25 يناير - 22:41
المشاركة رقم: #
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
عضو الجوهرة
الرتبه:
عضو الجوهرة
الصورة الرمزية


البيانات
عدد المساهمات : 17945
تاريخ التسجيل : 17/10/2012
رابطة موقعك : ورقلة
التوقيت

الإتصالات
الحالة:
وسائل الإتصال:


مُساهمةموضوع: رد: قصة الخلق من العرش إلى الفرش story of Creation By Eid Wardany



قصة الخلق من العرش إلى الفرش story of Creation By Eid Wardany

طلوع الشمس




يقول تعالىوَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ (الكهف:17).
إن هذه الآية تخبر عن حدث هام، سماه الله آية، وآية ظاهرة. وهذه الآية مرتبطة بالشمس. وهي تحدثنا عن أربعة أفعال للشمس، منهما فعلان مألوفان يتكرران كل يوم وهما: طلعت، وغربت.. وفعلان غريبان عن الشمس وهما: تزاور، وتقرض.
والتزاور من الزور وهو الميل. والقرض: العدول عن الشيء والتجاوز. وإحداث هذين الفعلين من الشمس هو الآية التي ذكرها تعالى في هذا الموضع، أي أن الشمس ليست فقط تطلع وتغرب، فهذا الأمر ليس فيه آية خاصة أو غريبة على الشمس، فطلوع وغروب الشمس هو آية دون شك، ولكنهما في هذه المناسبة بالذات وفي هذا الأمر ليس آية لكي يخصهما تعالى بالذكر، لذلك لم يوفق من المفسرين من قال بأن الكهف كان جهة الشمال، حيث لا تصيبه الشمس في طلوعها ولا في غروبها فلو كان الأمر كذلك ما قال تعالى أن في ذلك آية.
إن الآية تخبر بأمر غير عادى قد حدث، نستنتج ذلك من ذكر الأفعال الأربعة للشمس ومن وصف الله تعالى لما حدث بأنه آية، من إمكانية رؤية ذلك الأمر لقوله وَتَرَى وهذا الأمر غير العادى والذي سماه الله آية هو ميلان الشمس كل شروق وانحرافها كل غروب، وذلك كل يوم على مدار 300 سنة. كذلك تخبر الآية أنها في الصباح تميل عن ذات الكهف، وفي المساء تنحرف عن ذات الفتية وليس عـن الكهف وهـذا واضح مـن قوله: تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ. مما يدل على أن وضع الكهف المتسع في داخله كان يسمح للشمس بالسطوع في مدخل الكهف مما يجعل أشعتها في الغروب تصل إلى داخله.
وحتى لا تؤذى الشمس النائمين داخل فجوة الكهف كانت الشمس تعدل مسارها في طلوعها وفي غروبها، كآية من آيات الله، بحيث أننا الآن لو وجدنا هذا الكهف وهو في إحدى قرى الأردن لوجدناه مواجها للشمس بحيث تسقط أشعتها على مدخله في الشروق ولعلها تدخل بأشعتها إلى داخل الكهف عند غروبها وقد كانت أثناء وجود الفتية داخله تنحرف عنه.
هذه الآية دليل قاطع على أن الشمس هي التي تدور حول الأرض وإلا لما نسب الله تعالى هذه الأفعال للشمس.
إن حركة الشمس لا نتوهمها ولا نحس بها ولا نستنتجها، بل إننا نراها بأعيننا ومع ذلك فإنهم يقولون إن الأمر خلاف مـا نرى ونحن جميعا مخدوعون، أو موهومون فالحقيقة أن الشمس لا تتحرك، إنما الأرض هي التي تتحرك، ولكننا لا نشعر بحركتها، فنتخيل أن كل ما في السماء هو الذي يتحرك. تماما كما يتوهم راكب السفينة عندما تبحر السفينة فيتوهم أن المدينة بكل ما فيها هي التي تبتعد عنه والحقيقة أنه هو الذي يبتعد بسفينته، والأرض أمامه ثابتة، وكذلك، من يركب قطار فيتوهم أن الأرض أمامه والنخيل والأشجار تجرى والحقيقة أنها ثابتة والقطار هو الذي يجرى.
هل يصدق عقل أن هذا هو دليل كوبرنيقوس على دوران الأرض؟ وأن حالنا كحال راكب السفينة؟ هل يتصور عاقل أن البشرية من آدم إلى كوبرنيقوس ظلت تعيش في وهم وفيهم الأنبياء والمرسلين؟
يقول تعالى فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (الأنعام:78).
هذه الآية دليل آخر على حركة الشمس حول الأرض في الكلمتين (بازغة وأفلت) إن كلمة بزغ تعنى طلع، وكلمة أفل تعنى غاب. وهاتان الكلمتان لم تذكرا في القرآن إلا في هذه الآيات من سورة الأنعام: فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ (76) فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قـَالَ لَئِنْ لـَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنْ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ (77) فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (78) لم ترد كلمة بزغ أو أفل في القرآن إلا في هذه الآيات وهي عن حركة الكرات السماوية (الكواكب، والقمر، والشمس) وليس الأرض.
أما كلمة طلع التي ذكرت في القرآن 19 مرة منها خمس مرات عن طلوع الشمس ومرة واحدة عن مطلع الفجر. ولم يذكر القمر ولا الكواكب بالطلوع.
فهذه الكلمات (طلع، بزغ، أفل) تعنى أن الشمس تدور حول الأرض. إذ نسب الله تعالى الأفعال لها ولم ينسبها للأرض، وهذه الأفعال نسبت لمن فعلها، وفعلها يحتاج إلى حركة، لذلك لا يعتبر طلوعاً ولا بزوغاً ولا أفولاً، لو كانت الأرض هي التي تدور فتظهر هذه الأجرام السماوية، فإن ذلك لا يسمى بهذه الأسماء.
في كل هذه الآيات نرى ارتباطا وثيقا بين الشمس والقمر ففي آيات التسخير السبع وفي آيتي البزوغ والأفول نجد أن ذكر القمر مقترنا بذكر الشمس في كل الآيات. وهم يقولون بأن القمر يدور حول الأرض، والقرآن يقرن دائما الشمس بالقمر، فهي إذن تدور مثله حول الأرض، ولم يقترن ذكر الشمس بالأرض أبداً في القرآن.
فلا يقترن ثابت بمتحرك. وإنما يقترن الثابتان (السموات والأرض) ويقترن المتحركان (الشمس والقمر).
يقول تعالى أَقِمْ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ (الإسراء:78).
والدلوك هو الزوال، وجنوحها للمغيب بعد ما تزول من كبد السماء. فهذا الميلان منسوب للشمس وليس للأرض. وهم يقولون بأن الأرض تميل ميلان دائم بمقدار 23.5 درجة وهذا أمر غير متصور ويستحيل وقوعه. والحق أن الأرض لا تميل أبدا وإنما الشمس هي التي تميل.
*************


الله يأتي بالشمس
يقول تعالى في سورة البقرة الآية 258:
 إِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنْ الْمَشْرِقِ 











(صورة ملتقطة من الفضاء للأرض لحظة شروق الشمس عليها)
في أول ذكر للشمس في القرآن، تكون على لسان أبي الأنبياء إبراهيم، وتذكر في موضع التحدي والإعجاز، وبيان للمقدرة الإلهية، ودليل هذه القدرة أن الله  يَأْتِي بِالشَّمْسِ يقول تعالىقَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّي الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنْ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنْ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (البقرة:258).
فالشمس ليست ثابتة، ولكنها تأتى.
وهي لا تأتى وحدها. ولا بفعل جاذبية نيوتن. وليست هي مركز الكون كما قال كوبرنيقوس وأيده جاليليو ثم نيوتن ثم أينشتاين ثم علماء المسلمين من بعدهم.
لم يذكر تعالى هنا أن الشمس تأتى كخبر من الأخبار أو معلومة من المعلومات. بل جاء ذكر إتيان الشمس في موضع التحدي. وبين من ومن؟ بين نبي من أعظم الأنبياء وهو خليل الرحمن وأبو الأنبياء وأحد أولى العزم من الرسل، والنبي المجمع عليه من جميع أهل الأديان، ومتفق على نبوته بين كل الملل، بل وتدعي كل ملة أنه نبيها الخاص بها. وبين ملك من أكبر ملوك الأرض، وأول مـن ملك الأرض، وقـد كان يحكم دولة معبودهم الأول هو الشمس. ويحكم شعبا يعرف عـن الشمس والقمر والكواكب أكثر مـن أي أمـة وجـدت في التاريخ حتى الآن، وهـو الملك" النمرود".
بوضوح تام لا يحتمل مجازا ولا تأويلا ولا فلسفة قال إبراهيم:
 إِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنْ الْمَشْرِقِ 
وإبراهيم عليه الصلاة والسلام لا يكذب. وهو أيضا لا يقول من عنده، وإنما قوله وحي يوحي. أي أن ما قاله هو قول الله عز وجل ولا يعرف الشمس مثل خالقها.
وأنتم بالطبع تقولون: إن الأرض تدور من الغرب إلى الشرق، وبالتالي تظهر الشمس من الشرق، فكأنها بظهورها تأتى من هناك.
وهذا القول مخالف تماما للقرآن والسنة، وللغة العربية، ولقول إبراهيم عليه السلام. بل إن النمرود الذي اعترض اعتراضا مثل هذا على القضية الأولى التي تحداه بها إبراهيم عليه السلام عندما قال: رَبِّي الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ لم يعترض على قول إبراهيم بأن الشمس تأتي من المشرق، وقال بأن الأرض هي التي تدور، تماما كما فعل في القضية الأولي. فقد استغبى الملك وجاء برد مثل هذا الاعتراض في القضية الأولي فقال: أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ ورغم أن هذه المسألة لا تحتمل جدلاً إلا أن الملك جادل وقال أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ . كيف؟
إنه نفس أسلوب القائلين بأن الأرض عندما تدور تبدو الشمس من المشرق فتكون قد أتت. فشرح الملك لإبراهيم كيف يحيى ويميت، فقال: أأتى باثنين قد استوجبا الإعدام في حكمي، فأعفو عن أحدهما فأكون قد أحييته، وأنفذ في الآخر فأكون قد أمته.
هل قصد إبراهيم عليه السلام من قوله رَبِّي الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ هذا الذي يقول به الملك؟ بالتأكيد لا. ولكن الملك كان مجادلا متفلسفاً، متألهاً. فقال بمثل ما يقول به أصحاب دوران الأرض. ورغم أن الملك يبدو ملتويا في مناظرته إلا أنه لم يبد مثل هذا الاعتراض للمسألة الثانية التي ألجم فيها بالحجة وبهت لعجزه عن الرد فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ. لقد كان أمام النمرود وقد عرفنا خبثه والتواءه أن يقول لإبراهيم عليه السلام: إن الله لا يأتي بالشمس من المشرق ولا يأتي بها من أي مكان بل إنها أصلا لا تأتي وإنما الأرض هي التي تأتي. إذن فقد كانت الآية واضحة وفهمها الملك كما أرادها إبراهيم، أن الشمس هي التي تتحرك وتأتى، فلم يستطيع جوابا ولم ينطق ببنت شفة.
هل يقول أحد من علمائنا أن الله تعالى أراد بقوله يَأْتِي بِالشَّمْسِ هو ظهورها لمن على الأرض عند دورانها حول نفسها؟ والإجابة على هذا السؤال أنه ليس واحدا فقط من علماء المسلمين يقول بذلك وإنما جميعهم يقول هذا.
لذلك سنوضح الأمر ونحتكم إلى كتاب الله لنفصل فيه وننظر في كلمة (أتى) في القرآن: لنعلم أن هذه الكلمة موضوعة في الآية لحكمة وفي مكانها الصحيح، وإلا لقال إبراهيم عليه السلام. إن الله يظهر الشمس من المشرق، أو قال يحضر أو يطلع أو يشرق. وهذه الألفاظ استعملها القرآن في أكثر من مـوضع لكنها لم تستعمل في هذه الآية، حتى نعلم أن كلمة (أتى) جاءت لتعطى دلالة خاصة ولا يوجد لفظ آخر يعطى مثل دلالة كلمة (أتى) التي تعنى: المجيء عن قصد وإرادة ومن الآتي ذاته.
وهذه بعض آيات القرآن التي توضح هذا المعنى:
ْتَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلا (الإسراء:92) فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ (مريم:27) فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ (الأعراف:138) حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِي النَّمْلِ (النمل:18) قَالَ عِفْريتٌ مِنْ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ (النمل:39) وَإِنْ كَـانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا (الأنبياء:47) وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ (الفرقان:40) وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ فَقَالَ لَهَا وَلِلأرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِين (فصلت:11) فَإِنْ لمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلا كَيْلَ لَكُمْ عِندِي وَلا تَقْرَبُونِ (يوسف:60).
فكلمة أتى في الآيات لا يمكن استبدالها بكلمة أخرى كحضر مثلا. لأن (حضر) تعني الإتيان أيضا ولكن دون قصد وإرادة. بل تعنى مجرد التواجد. أما الإتيان ففوق ما ذكرنا يعنى الحركة والهمة والإرادة، يقـول تعالى: وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُوْلُوا الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ (النساء:Cool. أي إذا كانوا متواجدين أثناء القسمة. فالفعل لا يعنى أنهم طلبوا أو استدعوا، بل: إذا كانوا حاضرين أثناء القسمة. يختلف هذا تماما عن ما إذا كانت الآية (وإذا أتى القسمة أولوا القربى) فهذه العبارة تفيد أن المال لا يقسم إلا بوجود هـؤلاء فإتيانهم شرط للقسمة فإذا أتوا يقسم وإلا فلا. ولكن المراد غير ذلك.
يقول تعالى وَاسْأَلْهُمْ عَنْ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ (النساء) أي اسألهم عن أمر القرية التي كانت موجودة على شاطئ البحر (بحكم موقعها) ولم تأت هي للبحر عمدا أو بحركة منها.
يقول تعالىفَإِذَا أَمِنتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ (البقرة:196) أي أن هـذا الحكم يكون لمن يكن أهله من سكان الحرم. وكان الحرم موطنهم. ولو استبدل لفظ حضر بأتى لتغير المعنى تماما بل لا يستقيم المعنى بالمرة.
ويقول تعالى: فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا (الأحقاف:29) يخبرنا تعالى عن الجن لما جاءوا إلى مكان النبي  وسمعوا القرآن أعجبوا به وآمنوا من فورهم. ولم يقل تعالى (فلما أتوه) لأنهم لم يأتوا قاصدين مريدين لهذا الأمر، بل صرفهم الله تعالى إلى هذا المكان وساقهم إليه وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنْ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا  فرغم انهم حضروا، ورغم أن الله تعالى أتى بهم إلا إنهم لم يأتوا، لانتفاء القصد.
والجن في حضورهم كانوا مثل الشمس في إتيانها، حيث أن الله تعالى في الأمرين هـو الآتي بهما، ولكن انتفاء القصد من الجن نفي عنهم تعالى الإتيان.
وهكذا كل لفظ (أتى) أو حضر لكل منهما معنى رغم اشتراكهما في التواجد والانتقال فالشمس هنا لم تحضر أي لم يكن ظهورها مجرد انتقال، بل انتقال وعن قصد وعمد وإرادة. فقال تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنْ الْمَشْرِقِ ولم يقل (إن الله يحضر الشمس من المشرق) فربما التبس الأمر على الملتبسين وظنوا أنها تظهر بدوران الأرض وإن كان لفظ حضر أيضا يفيد هو الآخر الانتقال لكن ليس بقصد وإرادة.
حتى العبادات نجد أن اللفظ (أتى) له مدلول هام فيها. فأركان الإسلام الخمس تشترط خمـسة أفعال مختلفـة، كل فعل منها يعطى معنى مغايرا تماما عن غيره والأفعال هي (شهد،أقام، صام، أتى، حج) وكل فعل من هذه الأفعال يدل على عبادة متباينة تماماً عن غيرها. يقول رسول الله  :" بنى الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله. وأقام الصلاة وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت لمن استطاع إليه سبيـلا". فجعل للقلب واللسان عبادة وهي الشهادة، فلا يحرك إلا اللسان مع إقرار القلب. وجعل للجوارح الظاهرة عبادة وهي الصلاة ويتحرك المصلى في مكانه بقيام وركوع وسجود. وجعل للجوارح الباطنة عبادة وهي الصوم. فيمتنع تحريك أي شهوة في نـهار رمضان. وجعل للمال عبادة في أن يتحرك المال وينتقل من يد المزكي إلى يد المزكي إليه، وهذا هو الإيتاء. من الفعل أتى، وهو يتضمن نفس المعنى الذي ذكرناه للإيتاء. فلا تعتبر زكاة ما لم ينتقل المال ويخرج من ملك المزكي إلى ملك المزكي إليه وأن يكون ذلك عن قصد وإرادة فلو تخلفا القصد والإرادة لا تعتبر زكاة. ولو وجد هذا القصد وهذه الإرادة ولم ينتقل المال ويتحرك لا تعبير زكاة.
ثم جعل لكل هذه الجوارح ولهذا المال عبادة مشتركة وهي الحج.
من ذلك نجد أن القول بأن الإتيان هو مجرد ظهور الشمس من جهة الشرق عند دوران الأرض من الغرب إلى الشرق قول باطل لغة وشرعا. فالشمس عندما تأتى تنتقل بنفسها من مكان إلى آخر بقصد وإرادة. وإذا تخلف أحد الأمرين تخلف الإتيان.
مطلع الشمس ومغربها
في سورة الكهف يقص الله تعالى خبرا عن" ذي القرنين" وهو أحد ملوك الأرض الصالحين. وسمي بذلك لأنه ملك ما بين مشرق الشمس ومغربها. فيخبرنا عز وجل أن" ذا القرنين" بلغ المغرب أولا فقال تعالى في الآية 86: حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ فالآية تتحدث عن غروب الشمس أي المكان الذي تغرب فيه والفعل منسوب للشمـس وَجَدَهَا تَغْرُبُ أي أن الشمس هي التي تغرب وليست الأرض هي التي تغرب. وقد حدد القرآن في هذه الآية مغرب الشمس، وأنه فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ أي ماء به طينة سوداء حامية.
ولتحديد هذا المكان على الأرض فإننا نقيس من مكة المكرمة تسعين خطا غربا - لأن مكة هـي مركز الأرض كما ذكرنا - فسنصل إلى خط الطول الذي يعطونه الآن رقم 50 وبالبحث في هذا المكان عن ما يمكن أن يكون عَيْنٍ حَمِئَةٍ فإننا نجد أن هذا الوصف لا ينطبق إلا على مصب نهر الأمازون.
وفي كتاب جغرافية العالم للدكتور كمال غلاب وصف لهذا النهر بأنه" حوض الأمازون يقطعه خط الإستواء وتنصرف مياهه في نهر الأمازون وهو أغزر الأنهار في العالم ويجري في اتجاه عام من الغرب إلى الشرق في سهل مستو وتحمل روافد النهر الهابطة من الإنديز ومنابع روافده الكبرى الهابطة من الكتل القديمة شماله وجنوبه كميات هائلة من الطمي ردمت هذا الحوض وملأته بطبقات سميكة من الطمي والصلصال".
وبينما تصف الآية الأولى المكان الذي تغرب فيه الشمس فإن الآية الثانية تصف السكان اللذين تطلع عليهم الشمس. يقول تعالى: حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطلعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطلُعُ عَلَى قَومٍ لم نَجعَل لهم مِن دُونِها سِتراَ فالآية تصف حال السكان اللذين وجدهم ذو القرنين عند مطلع الشمس حيث لم يجعل الله لهم حائلاً يظلهم من حر الشمس إذا اشتد. وقد حدد القرآن في هذه الآية مطلع الشمس، ولتحديد هذا المكان على الأرض فإننا نقيس من مكة المكرمة تسعين خطا شرقا، فنصل إلى خط الطول الذي يعطونه الآن رقم 130 وبالبحث في هذا المكان عن موضع لايمكن أن يقام عليه ما يستر فإننا نجده على جزيرة صغيرة بإندونسيا تسمى (هالماهيرا) وهي عبارة عن غابة استوائية مدارية لاتصلح لبناء قرى أو مدن لأنها كثيفة الأشجار، وهذان المكانان (مطلع الشمس ومغربها) يبعدان عن مكة المكرمة 90 درجة وكذلك عن المستقر.
ففي الآيتين نجد أن الفعلين للشمس ولا ذكر للأرض هنا تَغْرُبُ تَطلُعُ فكيف يقول تعالى إن الشمس تغرب وتطلع ونقول نحن إنها لا تفعل هذا ولا ذاك. بل إن الأرض هي التي تدور من الغرب إلى الشرق، فتبدو لنا الشمس تغرب وتطلع، بينما الحقيقة إنهـا لا تفعل ذلك؟ كيف يكذب أهل الأرض جميعاً الله عز وجل.
والشمس تجرى
كنت كلما قرأت القرآن أتعجب كثيرا من قول أولئك الذين كانوا يعبدون حجارة يصنعونها بأيديهم وقد يعلمون أنها لاتنفع ولا تضر، ولكنهم مجرد أتباع لآبائهم الأولين. ولا يقل عن ذلك تعجبي من عقول من يزعمون أنهم مؤمنون بالله، ومتبعون لكتابه. ثم هم يقولون بأن الأرض تجرى حول الشمس، بينما ربهم يقول في كتابه إن الأرض قارة ثابتة، وأن الشمس هي التي تجرى.
كيف طاوع المؤمنين إيمانهم وقالوا بأن الشمس ثابتة بالنسبة للأرض؟
من أجل ماذا يخالفون ربهم؟ وما دليلهم على هذه المخالفة؟
إن العقل والعلم يقولان أن أية نظرية تخالف تجربة واحدة مما تقرره هذه النظرية من نتائج تكون نظرية خاطئة. وأن ما بنى على باطل فهو باطل.
ومع ذلك رأينا نظرية ثبات الشمس ودوران الأرض قد أسست على باطل، ومع ذلك ظلت النظرية سارية. وأثبتت التجارب خلاف ما قال به واضعو النظرية ومع ذلك يتمسكون بصحتها. فقد أسست نظرية دوران الأرض على ثبات الشمس، ثم ثبت لهم بعد ذلك أن الشمس ليست ثابتة وإنما هي تجرى. وكان هذا حرياً بأن ينسف بالنظرية من جذورها. هكذا اتفق واضعو ومؤيدو ومروجو نظرية دوران الأرض على أن النظرية أساس بنيانها المتين هو ثبات الشمس ومركزيتها للكون، وثبت لهم بعد ذلك أن الشمس تجري، وأنها ليست مركز الكون. ورغم انهيار الأساس إلا أنهم لا زالوا متمسكين بقوة بنيانهم ومتانته وصحته فأنى لهم ذلك؟
قال فيثاغورث واضع بذرة دوران الأرض: " إن الأرض لا يمكن أن تكون نقطة العالم المركزية، إذ تقطنها نقائض عديدة. كما أنها في ذاتها مظلمة، ويجب أن يكون وسط الدنيا مضيئاً لأن الضوء إحدى الطيبات".
وقال كوبرنيقوس واضع نظرية دوران الأرض ومركزية الشمس:" في هذا المعبد الكبير من ذا الذي يستطيع أن يضع تلك الشعلة المضيئة في مكان آخر سوى المركز، حيث تضيء كل الأشياء في وقت واحد، فهذه الشمس هي نور العالم، بل هي روحه، بل هي التي تتحكم فيه، وهي جالسة على عرشها القدسي، ترشد أسرة الكواكب إلى طريقها".
وقال جاليليو الذي أقنع سكان الأرض أنها تدور وأن الشمس هي المركز - دون أي دليل:" إن الشمس تقف ساكنة في مركز الكون، والأرض لا تقف في مركز الكون وإنما تدور يوميا حول نفسها، وسنوياً حول الشمس".
هؤلاء الثلاثة هم صناع نظرية دوران الأرض فيثاغورث وكوبرنيقوس وجاليليو. الأول وضع البذرة والثاني سقاها والثالث رعاها. وقد انهدم نصف النظرية وشقها الأساسي. وهو قولهم إن الشمس ثابتة وأنها مركز الكون. وكان ينبغي أن يتبعه النصف الثاني القائل بدوران الأرض.
وكان ينبغي أن يتمسك أهل القرآن بموقفهم، فقرآنهم لم يخذلهم، وأن يزيدهم ذلك إيمانا به واستمساكاً. أما أن يغرر بهم ويغويهم الشيطان بأن جريان الشمس لم ينقض نظرية القائلين بثباتها. وإنما ينقض قول أهل القرآن القائل بأن الشمس تجرى، فهذا أمر لا يعقل ولا يتصور.
ولكن ذلك تم بالفعل وتراجع أهل القرآن عن موقفهم ووافقوا الشيطان والتجريبيين في أن الأرض هي التي تدور، رغم أنه ثبت لديهم أن الشمس تجرى كما يقول قرآنهم.
هكذا انقض أساس النظرية، والعقل والعلم يقولان بأن تنقض النظرية كلها ولكن ذلك لم يكن وتمادوا في غيهم وتمسكوا بإفكهم وقالوا: (ومع ذلك فالأرض تدور). وجريان الشمس؟ ماذا تفعلون فيه؟ ففكروا، ودبروا، ونظروا، ثم قالوا: إنها تجرى حول المجرة.
وليس على من صرفهم الله عن آياته وتركهم في الظلمات، وختم على سمعهم وأبصارهم بغشاوة، وجعل على قلوبهم أكنة، ليس عليهم جناح أن يقولوا بهذه الهرطقة والزندقة والشعوذة والخطرفة - على حد تعبير المجلس الكنسي - أما أن يتبعهم أهل القرآن الـذين بين لهم رسولهم ما قاله القرآن وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ وأخبرهم عن مكان هذا المستقر. وأن الشمس بذلك تدور حول الأرض. فهذا لا يكون إلا في الزمن الذي أخبر عنه  بأن المسلمين سيتبعون فيه الغرب شبرا بشير حتى لو أتى أحدهم أمه لأتاها. وأحسب أننا نعيش هذا الزمن، وإيانا كان يعنى رسول الله.
ولو سألنا أهل الأرض الآن، مؤمنهم أو كافرهم، القائلين بدوران الأرض. وبأن الشمس إنما تجرى حول المجرة. لماذا تدور الشمس حول المجرة؟ فلن يجيبوا إلا بأن كل شيء في الكون يجذب كل شيء فيه - يريدون كوناً قائما بذاته - وما دامت الشمس تجذب الكواكب والأرض، فلا بد أنها الأخرى مجذوبة بشيء. هذا الشيء هو المجرة. والمجرة لابد أن يجذبها شيء آخر. ما هو؟ المجموعات النجمية. والمجمـوعات النجمية ماذا يجذبها؟ إلى هنا: لا يدرون.
وأيا ما كان الأمر، فهنا يظهر مرة أخرى السؤال الملح: لماذا تدور الشمس حول المجرة؟ وهي لن تكمل دورتها إلا بعد ملايين السنين الضوئية؟ وما هو دليلكم على ما تقولون؟ ولماذا لا يكون جريها حول الأرض وهو ما نراه بأعيننا؟ أهي المخالفة لقول الله وحسب؟
كان ينبغي على المؤمنين وهم (أولوا الألباب، أولوا النهي) أن يدركوا أن الشمس مسخرة للأرض وليس للمجرة، وأن فلـك الشمس الذي تسبح فيه حول الأرض وليس حول المجرة. وأن الشمس والقمر في سباق حول الأرض وليس حول المجرة وأن الله تعالى لم يذكر المجرة أبدا في كتابه، وأن الرسول لم يذكرها أبدا في حديثه. وما المجرة إلا تشكيل من النجوم يتكتل في منطقة معينة من السماء لأمر يريده الله وسنبينه عند الحديث عن المجرة. ثم إن الله تعالى الذي سخر الكون للإنسان لم يقل في القرآن. إني جاعـل في المجرة خليفة. بـل قال إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأرْضِ خَلِيفَةً (البقرة:30).
ثم هل أرسل الله إلى المجرة رسلاً؟
وهنا قد يقول أحد المغيبة عقولهم: إن الله لم يقل، ولم يحدد اتجاه جرى الشمس. ولم يقل أنها تجرى حول الأرض. فمن الممكن أنها تجرى إلى أي مكان.
وأشبه بهذا القائل بمن يتحدث إليه آخر وليس في المكان غيرهما ثم عند نهاية الكلام يسأل المستمع المتكلم: هل أنت تكلمني؟ ولو قلت له: هل هذا سؤال؟
فسيقول لك: إن المتحدث لم يقل لي في بداية حديثه: إنني أحدثك. ولكن الخطاب موجه لك وحدك؟ وليس ثم غيرك !!
هذه الحال أشبه بحال الذين يقول الله لهم: أن الشمس تجرى، وأنها مسخرة لكم. وأنها تطلع كل يوم عليكم. وأن الله يأتي بها لكم. ثم يقولون: إن الكلام ليس لنا. عندما يقول تعالى وَالشَّمْسُ تَجْرِي إِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنْ الْمَشْرِقِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (يس:40) أهذا حديث يخص الأرض أم المجرة؟
ربما لم يقل القرآن صراحة أن الشمس تجرى حول الأرض. ولكنه قال ما هو أدق وأضبط وأبين من ذلك. فحدد مكاناً بعينه تجرى إليه الشمس وهو (المستقر) ثم بين رسوله مكان هذا المستقر تحديدا لا يقبل لبساً أو غـموضاً معه وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ وللمؤمنين بالله وكتبه ورسله القائلين بأن الشمس تجرى حول المجرة، ونحن نختلف معهم، هل يقبلون أن نحتكم إلى الله ورسوله كما دعانا الله لذلك في قوله فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلا هل يقبلون ذلك؟
إذن فلنبحث في القرآن عن وجهة الشمس وهي تجرى. وإن كان والله الأمر لا يحتاج إلى بحث. ولكن لا بأس.
يقول تعالى في سورة يس: وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعـَزِيزِ الْعـَلِيمِ (38) وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ (39) لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (40) .
هذه الآيات تتحدث عن آية من آيات الله للناس، ونعمة من نعمه عليهم. في الحياة الدنيا، فلا شأن لهذه الآيات باليوم الآخر.
فيخبر الله تعالى: أن هذه الشمس المسخرة لنا والتي نراها بأعيننا تأتى من الشرق وتذهب في الغرب. إنما تجرى نحو مستقر لا نراه نحن. وليس الأمر مجرد شروق وغروب. هذا المستقر هو الذي تجرى من أجله، ومن أجل الوصول إليه، حتى إذا ما وصلت إليه استقرت فيه لمدة ثم تعاود جريها بعد ذلك، وهكذا، والأمر ليس متروكا لتقدير الشمس وجريها وإرادتها، ولكن الأمر بتقدير الله الذي لا يستطيع أحد أن يعقب على تقديره، لأن الله تعالى الإله الذي يأمر فيطاع، وثانيا أوامره وتقديراته بعلم وحكمه.
وهذا القمر الذي نراه بأعيننا يبزغ ويأفل، له أمور لا نراها بأعيننا، وهي أن الله تعالى ينزله منازل مقدرة تقديرا، فيمكث في كل منزل مدة حتى يعود متقوسا دقيقاً كالعرجون اليابس القديم، الذي قطع مـن نخلته منذ مدة، فيكون بذلك علامة أنـه نزل في كل منازله التي قدرها ربه، فيبدأ من جديد.
وحركة الشمس والقمر البادية لنا ونراها بأعيننا والتي تتقدم فيها الشمس على القمر نصف الشهر ثم يتقدم القمر النصف الآخر، فيها أمور لا ندركها نحن بأعيننا، هي من تدبير الله تعالى فيهما، والذي قدر ألا تدرك الشمس القمر لحكمة بالغة ولا تلحقه في جريه، رغم أنها أكبر منه، وأسرع منه، وأضوأ منه، ورغم أنها تجرى في نفس اتجاهه، ولكنها لا تلحق به، وذلك لأنه تعالى جعل حركتهما مستديرة متوازية حول الأرض. وجعل لكل منهما فلكاً يدور فيه موازياً تماما لفلك الآخر. غير أن فلك القمر هو الأقرب للأرض، وفلك الشمس هو الأبعد والأكبر إذ أن فلكها أربعة أضعاف فلك القمر، لذلك فرغم سرعتها فإنها لا تدركه، أي لا تقطع فلكها وتدور في أبراجها وتنزل منازلها في نفس المدة التي يفعل هو فيها كل ذلك. في هذا السباق السماوي.
والشمس والقمر، لا يصنعان الليل والنهار وإنما هما فقط يجريان فيهما، فالليل والنهار هما الوقتان اللذان يجري فيهما الشمس والقمر. وكل منهما (الشمس والقمر والليل والنهار) في فلك يسبحون. أي في مدار دائري يسبحون. وليس في مدار بيضاوي أو إهليليجي كما يقولون الآن. ولكل حكمه وعمله.
فهذه هي الآيات التي يفعلها الله للشمس والقمر والليل والنهار مغايرة لما نراه بأعيننا ونحن لا نرى إلا مظاهر هذه الآيات وآثار فعل الله فيها.
تماما كما أخبر تعالى في آيات الأرض التي تسبق آيات السماء هـذه وقـال فيها: وَآيَةٌ لَهُمْ الأرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ (33) وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنْ الْعُيُونِ (34) لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلا يَشْكُرُونَ (35) سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الأزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الأرْضُ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ (36) (يس).
فهذه الآيات تخبر أن الله تعالى هو الفاعل لما تخرجه الأرض من زروع وثمار وأنه تعالى له تدبير في الأرض لا نراه بأعيننا وإنما نرى أثره. واضح ذلك من الآيات الأرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ فالذي أحياها هو الله والذي أخرج منها هو الله وفي الكلمات (وجعلنا) (وفجرنا) فهذه أعمال الله في الأرض كما رأيناها في السماء لذلك يقول تعالى في سـورة الـواقعة أَفَـرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ (63) أَأَنْتُمْ تَزْرَعـُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُـونَ (64) فهذه الآيات الأرضية سبقت هذه الآيات السماوية، ثم ذكر تعالى بعد ذلك آيات بحرية تخبرنا أيضا أنه تعالى له شأن وأمر في البحر الذي نرى أثره فقط بأعيننا. يقول تعالى: وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (41) وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ (42) وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلا صَرِيخَ لَهُمْ وَلا هُمْ يُنقَذُونَ (43) إِلا رَحْمَةً مِنَّا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ (44)  (يس).
فـواضح من الآيات أن حقيقة الأمر غير ما نرى، فليست الفلك هي التي تحملنا رغم رؤيتنا لذلك، وليس الريح هو الذي يسيرنا، وليست نجاتنا من الغرق لأن البحر هادى والريح طيبة، بل إن الأمر غير ذلك، فالحقيقة التي لا نراها أن لله الأمر من قبل ومن بعد ولـه تـعالى تدبير في البـحر لا نـراه ولكــننا نـرى أثــره، فهو تعالى حَمَلْنَا وَخَلَقْنَا و نُغْرِقْهُمْ و رَحْمَةً مِنَّا . فالأمر من قبل ومن بعد لله.
فآيات السماء التي ذكرها لنا تعالى للشمس والقمر والليل والنهار هي التدابير التي لا نراها بأعيننا وإن كنا نرى أثرها. وما نراه هو ما قاله عنهم تعالى أنهم جميعا يدورون حول الأرض. يقول تعالى ذاكرا الجري لمخلوقاته الأربع (الشمس والقمر والليل والنهار) في أربع آيات لا غير في القرآن الكريم:
(1) اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ
الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الأمْرَ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ
رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ .
(2) يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ
يَجْرِي لأجَلٍ مُسَمًّى ذَلِكُمْ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا
يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ (فاطر:13)
(3) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ
وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (لقمان:29)
(4) خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأجَلٍ مُسَمًّى أَلا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ  (الزمر:5).
فهذه الآيات الأربع هي التي قال فيها تعالى كُلٌّ يَجْرِي لأجَلٍ مُسَمًّى وفيها الشمس والقمر والليل والنهار. وفي الآيات أيضا خلق السموات والأرض، وفي الآيات ولوج الليل في النهار والنهار في الليل، وفي الآيات تكوير الليل على النهار والنهار على الليل، وما من شك أن هذا الولوج وهذا التكوير حول الأرض وليس حول المجرة، وهذا الجري في الآيات الأربع أجله المسمى هو يوم القيامة ومكان الجري هو حول الأرض.
ولا ذكر للمجرة هنا على الإطلاق بل لا ذكر للمجرة في القرآن الكريم أبدا.
ما هو المستقر؟
يقول تعالى: وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ما دمنا قد اتفقنا على أن الشمس تجرى، فنحن بحاجة أن نقف على معنى (المستقر) الذي تجرى الشمس إليه، فهو الفيصل بين ما نقوله نحن من أن الشمس تجري حول الأرض، وبين ما يقوله كل سكان الكرة الأرضية الآن أنها تجرى لتدور حول المجرة.
نريد أيضا أن نتفق أولا أن المستقر ليس هو النهاية، وهذه الآية كما قلنا تتحدث عن نعم الله تعالى على الإنسان في الأرض والسماء، في البر والبحر. فمن قال أن المستقر هو مصير الشمس يوم القيامة فقد جانبه الصواب.
والمستقر نقيض المفر. لذلك وردت الكلمتان في مناسبة واحدة في سورة (القيامة): قُولُ الإنسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ (10) كَلا لا وَزَر َ(11) إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ(12) .
فالمستقر يعنى الاستقرار في مكان معين فترة زمنية معينة، سواء كان هذا المكان كبيرا أو صغيرا، وسواء كان الوقت طويلا أم قصيرا وذلك: بقصد وإرادة.
هذا التعريف الذي نراه للمستقر مستقى من جملة الآيات المذكورة فيها، ومن المعنى المتعارف عليه في الذهن.
فعناصر المستقر هي: مكان، وزمان، وقصد وإرادة.
فالمكان: عنصر جوهري للمستقر وبدونه لا يكون المستقر، ولا يشترط في المكان مساحة فوجود النطفة في الصلب أو الترائب وهي لا ترى بالعين توجد في مستقر. ورحم الأم مستقر للجنين. والقبر مستقر للميت. والأرض مستقر للإنسان. واستراحات الطريق مستقرات للمسافر. والفنادق مستقرات للمغتربين. والبلاد مستقرات للمقيمين. والجنة مستقر للمؤمنين، والنار مستقر للكافرين.
أما الزمان: فهو ضروري أيضا للمستقر وإن كانت المدة ذاتها غير مشروطة.
فقد تكون دقائق معدودة كالاستقرار في الاستراحات. وقد تكون ساعات كالاستقرار في الفنادق. وقد تكون أياما كالاستقرار في الصلب، أو الترائب. وقد تكون شهورا كالاستقرار في الرحم. وقد تكون سنونا كالاستقرار في البلاد. وقد تكون أحقابا كالاستقرار في القبور. وقد تكون خلودا كالاستقرار في الجنة أو النار.
غـير أنه يشترط للاستقرار مدة من الوقت مهما قلت. ومن ثم لا يكون المرور استقرارا وإن تواجد في المستقر مادام على سبيل المرور..
كذلك القصد والإرادة: فهما عنصران أساسيان في المستقر فيكون النزول في المكان لوقت معين وبإرادة الاستقرار. فلو خرج المسافر من بلدته متوجها إلى مكان آخر ونوى أن ينزل في طريقه في استراحة معينة لراحته وراحة دابته فهذه الاستراحة مستقر. أما إن خرج لا ينوى التوقف ثم أصابته ضرورة ألجأته للتوقف في مكان حتى لو كان هذا المكان استراحة في الطريق فلا يعتبر هذا مستقرا. ولو بقى في مكان ما في الطريق لمدة ساعات لعطل أو ضر أصاب سيارته أو دابته فلا يعتبر هذا المكان مستقرا. بل يعتبر هذا (ملجأ).
وعلى هذا المعنى فالشمس تجرى كل يوم للوصول لهذا المستقر الذي هو بمثابة الاستراحة في طريق رحلتها، استراحة في منتصف المدار الدائري الذي تدور فيه حول الأرض. وهو مكان محدد وتقف فيه مدة معينة، وتبقى فيه بإرادتها وتذهب إليه بقصد وليس اضطرارا. بل إن الآية لتخبر أن الشمس لا تجرى لتدور حول الأرض، فهذا لا يعنيها ولكنها تجرى شوقا إلى هذا المكان بالتحديد، حتى إذا ما وصلت إليه تزودت لغدها. وعاودت كرتها. وهذا معنى وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا وقبل أن نعرف ماذا تفعل الشمس في مستقرها، نذكر ما قاله مؤلفـو" المنتخب" حول هذه الآية لنتحسر على ما وصل إليه العلم في عصر الإلحاد، فهم يقولون: في قوله تعالى وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَـهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ :
" والشمس تسير لمستقر لها، قدره الله زمانا ومكانا، ذلك تدبير الغالب بقدرته المحيط علما بكل شيء".
وهذا القول ليس تفسيرا لقول الله الـذي يقول وَالشَّمْسُ تَجْرِي وهم يفسرونها"والشمس تسير" فلم يقل به علماء التفسير في كتبهم، ولم تقل به العرب في لغتها هذا فضلا عن أنهم لم يفسروا المستقر الذي فسره رسول الله  بالمكان الذي تسجد فيه الشمس وتستأذن كل يوم بعد غروبها.
أما في تعليق العلماء على هذه الآية التي شرحوها بهذا الشرح فقد قالوا:" إن هذه الآيات الكريمة تبين معاني وحقائق علمية لم يتعرف عليها العلماء إلا في أوائل القرن الرابع عشر".
هذه العبارة الأولى لتعليقهم لا تحتمل السكوت للوصول إلى آخر تعليقهم، فمن الذي قال إن هذا الذي عرضه مؤلفو المنتخب حقائق علمية؟ إن غاية ما قاله أصحابها إنها (فروض نظرية) وليست أبداً حقائق علمية. ومن الذي قال إن هذه النظريات ظهرت في أوائل القرن الرابع عشر؟ إنهم أنفسهم يناقضون هذا القول في آخر عرضهم لهذا التعليق.
المهم إنهم يقولون:
" والشمس هي إحدى نجوم السماء، وهي كسائر النجوم، ولها حركتها الذاتية، ولكنها تتميز عن النجوم الأخرى لقربها من الأرض وبأن لها مجموعة من الكواكب والأقمار والمذنبات والكويكبات تتبعها دائما وتخضع لقوة جاذبيتها حيث تجعلها من حولها في مدارات متتابعة بيضاويـة الشكل، وجميع أفراد هذه المجموعة تنتقل مع الشمس خلال حركتها الذاتية.
والخلاصة أن الشمس والأرض والقمر وسائر الكواكب والأجرام تجرى في الفضاء بسرعة محدودة. وفي اتجاه محدود، ويلاحظ إن الشمس ومجموعتها والنجوم القريبة منها، تقع في داخل سديم عظيم ممتد في السماء يسمى بسديم المجرة، وقد تبين من الدراسات الحديثة أن سائر أجزاء السديم تدور حول المركز بسرعة تتناسب وعكس بعدها عن المركز.
كما اتضح أيضا أن الشمس والأرض وكواكبها والنجوم القريبة منها تدور بسرعة وفي اتجاه محدد، تبلغ هذه السرعة حوالي 700 كم في الثانية، وتتم دورتها حول المركز في مدى حوالي 200 مليون سنة ضوئية.
وصفوة القول أن الآية الكريمة التي تنص على أن الشمس تجرى لمستقر لها لم يتعرف على معانيها العلماء إلا في أوائل هذا القرن ولا يمكن أن تدرك الشمس القمر، لأن كلا منهما يجرى في أفلاك متوازية فيستحيل أن يتقابلا، كما يستحيل أن يسبق الليل النهار حيث يتطلب ذلك أن تدور الأرض حول محورها من الشرق إلى الغرب بدلا من اتجاهها الحالي من الغرب إلى الشرق.
والقمر خلال دورته حول الأرض، ودورة الأرض حول الشمس يمر بمجموعات من النجوم تسمى بمنازل القمر. وفي الربع الأول والأخير من الشهر يظهر القمر شكله كالعرجون القديم أي يسير كالسباطة إذا قدمت ويبست واعوجت".
هذا التعليق للجنة القرآن والسنة التي قامت بتأليف تفسير" المنتخب" وهم كما ذكر في مقدمة التفسير" لجان علمية من جهابذة العلماء وفطاحل الباحثين والمفكرين". لا يحتوى على جملة واحـدة صحيحة شرعا أو علماً. ومـا يعنينا في هذا المقام هـو قولهم:" أن الشمس والأرض وكواكبها والنجوم القريبة منها تدور بسرعة وفي اتجاه مـحدد، تبلغ هـذه السرعة حوالي 700 كم / ث وتتم دورتها حول المركز في مدى حوالي 200 مليون سنة ضوئية".
هل هذا هو تفسير قوله تعالى وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا فأين المستقر هنا؟
إن هذا القول لم يقل به الله ولا رسوله، ولا المؤمنون في أزمنة العلم والعلماء. ولكن هذا القول هو خبط الكافرين من صناع عصر الإلحاد وأهل الذكر عندنـا على دربهم سائرون.



أدخل عنوان بريدك الإلكتروني هنا يصــــلك كل جديــــد





بلغ الادارة عن محتوى مخالف من هنا ابلغون على الروابط التي لا تعمل من هنا



توقيع : manel


التوقيع



قصة الخلق من العرش إلى الفرش  story of Creation By Eid Wardany Emptyالجمعة 25 يناير - 22:42
المشاركة رقم: #
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
عضو الجوهرة
الرتبه:
عضو الجوهرة
الصورة الرمزية


البيانات
عدد المساهمات : 17945
تاريخ التسجيل : 17/10/2012
رابطة موقعك : ورقلة
التوقيت

الإتصالات
الحالة:
وسائل الإتصال:


مُساهمةموضوع: رد: قصة الخلق من العرش إلى الفرش story of Creation By Eid Wardany



قصة الخلق من العرش إلى الفرش story of Creation By Eid Wardany

ماذا تفعل الشمس في مستقرها؟


للذين لا يعلمون - ولو بحسن نية - كيف تجرى الشمس، ولا يعرفون إلى أين تتجه ولا يعرفون ماذا تفعل عندما تصل إلى وجهتها وهدفها. فلهؤلاء نقدم لهم شرح رسول الله  لكيفية جريان الشمس، وماذا تفعل في مستقرها. مع الوضع في الاعتبار أن الشرح لم يقصد به أن يعرفهم أن الشمس تجرى حول الأرض لأن ذلك كان من المعلوم بالضرورة والعادة والفطرة، ولو قال لهم أن الشمس تجرى حول الأرض فكأنما يقول لهم: أن الشمس تشرق صباحاً وتغرب مساءً. إذ لم يكن أحد يشك أبداً أنها تدور حول الأرض. ولكن رسـول الله  أراد أن يعلمهم المكان المحدد الذي تجرى الشمس إليه، ويعلمهم أمراً محددا تفعله الشمس في هذا المكان. كمعلومة جديدة عليهم.
قال ابن حجر في شرحه لصحيح البخاري:" ذكر البخاري ستة أحاديث في باب واحد الغرض منه بيان سير الشمس في يوم وليلة، وظاهره مغاير لكلام أهل الفلك: أن الشمس مرصعة في الفلك، فإنه يقتضي أن الذي يسير هو الفلك. وظاهر الحديث أنها هي التي تسير وتجرى ومثله قوله تعالى وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ أي يدورون.
قال ابن العربي: أنكر قوم سجودها وهو صحيح ممكن، وتأوله قوم على ما هي عليه من التسخير الدائم، ولا مانع أن تخرج عن مجالها فتسجد ثم ترجع. قلت (ابن حجر): إن أراد بالخروج.. الوقوف، فواضح، وإلا فلا دليل على الخروج" انتهى.
فالرسول  في هذه الأحاديث التي رواها البخاري ومسلم وغيرهما يخبرنا بدقة وتفصيل لا يقبل تأويلا بما يلي:
روى البخاري قال: حدثنا محمد بن يوسف، حدثنا سفيان الأعمش عن إبراهيم التميمي عن أبيه عن أبى ذر قال: قال رسول الله  لأبى ذر حين غربت الشمس" تدرى أين تذهب"؟ قلت: الله ورسوله أعلم. قال:" فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش فتستأذن فيؤذن لها، ويوشك أن تسجد فلا يؤذن لها. ويقال: ارجعي من حيث جئت، فتطلع من مغربها. فذلك قوله. وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ .
هذه رواية البخاري وكتاب البخاري أصح كتاب عند المسلمين بعد القرآن وقد روى الحديث مسلم وأحمد والترمذي والنسائي وغيرهم.
يقول ابن كثير رحمه الله:" وهذا لا يدل على أنها تصعد إلى فوق السموات من جهتنا حتى تسجد تحت العرش". فابن كثير ينبه على أن الشمس لا تترك مدارها حـول الأرض الذي تدور فيه، فهي لا تتجه نحو المجرة، ولا السموات ولا شيء من ذلك. ثم يضيف ابن كثير:" بل هي تغرب عن أعيننا وهي مستمرة في فلكها الذي هو فيه، وهو الرابع فيما قاله غير واحد مـن علماء التفسير، وليس في الشرع ما ينافيه، بل في الحس ما يدل عليه ويقتضيه وهو الكسوفات".
يؤيد ابن كثير أن الشمس في الفلك الرابع كما يقول كثير من المفسرين، وكما يؤكده الحس من كسوفات الأجرام السماوية (القمر والزهرة وعطارد) مع الشمس ويقول بأن الشرع ليس فيه ما ينافي ذلك. وهو حرص ابن كثير رحمه الله كغيره من السلف، والخوف من إثبات أو نفي ما لم يقل به الله. ثم يقول:
" فإذا ذهبت الشمس حتى تتوسط فلكها وهو منتصف الليل مثلا في اعتدال الزمان بحيث تكون بين القطبين. فإنها تكون أبعد ما يكون عن العرش وقت الزوال مـن جهتنا".
ومعنى كلام ابن كثير أن الشمس عندما تذهب في غروبها تجرى حتى إذا كانت في منتصف فلكها تماماً، وكانت بذلك فوق خط الاستواء (وقت اعتدال الزمان) متقاطعا مع الخط الواصل بين القطبين حيث يكون الوقت في مكة آنذاك منتصف الليل وتكون بذلك في أقرب نقطة إلى العرش، لأنها عندمـا تكون مـن جهة مكـة وقت الـزوال" الظهيرة" تكون في أبعد نقطة من العرش. ثم يقول ابن كثير:
" فإذا كانت في محل سجودها (المستقر) استأذنت الرب جل جلاله في طلوعها من الشرق فيؤذن لها فتبـدو من جهة الشرق وهي مع ذلك كارهة لعصاة بنى آدم أن تطلع عليهم، ولهذا قال أمية:
تأبى أن تبدو لنا في رسلها إلا مـعذبة وإلا تجــــلد
فإذا كان الوقت الذي يريد الله طلوعها من جهة مغربها تسجد على عادتها وتستأذن في الطلوع من عادتها فلا يؤذن لها. فجاء أنها تسجد أيضا ثم تستأذن فلا يؤذن ثم تسجد على عادتها وتستأن في الطلوع من عادتها، فلا يؤذن لها وتطول تلك الليلة، فتقول الشمس: يا رب إن الفجر قد اقترب، وإن المدى بعيد فيقال لها أرجعي من حيث جئت فتطلع من مغربها. فإذا رآها الناس آمنوا جميعاً وذلك حينما لا ينفع نفس إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً وفسروا بذلك قوله تعالى وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا قيل: موضعها الذي تسجد فيه تحت العرش" انتهى كلام ابن كثير.
ليس ما ذكرناه عن سجود الشمس في مستقرها سراً من الإسرار، ولا علماً مقصوراً على أهل الذكر بل كان الأمر معروفاً لكل المسلمين حتى بداية القرن العشرين ثم توقف الحـديث عن الكلام في سجود الشمس وامتنعت الكتب المؤلفة بعد ذلك من ذكر هذا الأمر، وأحجم الخطباء عن ذكر ذلك في خطبهم، وأمسك العلماء عن الخوض فيه في أحاديثهم، وأصبح هذا العلم محبوسا في كتب التراث ومكتوما في صدور العلماء والخطباء والفقهاء والوعاظ والدعاة. وكأن الأمر قد نسخ أو أن الشمس قد كفت عن السجود منذ بداية هذا القرن. ومن سمع ولو مرة واحدة من عالم حديثا عن سجود الشمس، أو قرأ ذلك في كتاب أو مجلة أو جريدة أو سمع في الإذاعة أو التليفزيون فليقل لنا.
إن ذلك لا يحدث ولن يحدث أبداً إلا إذا تحرر علمـاء المسلمين من التبعية لعلماء الغرب.
سجود الشمس في الحضارة القديمة
أنكر المؤمنون بالله الآن سجود الشمس بدعوى أنها لا تعقل، وفي نفس الوقت نسبوا لها القدرة على التحكم في كل الكواكب التي حولها. وأنها تشدها إليها جميعا وتجرى بهم جميعا حول المجرة ولا يستطيع كوكب أن ينفلت من جاذبية الشمس. حتى الأرض التي سخر لها كل شيء تتحكم فيها الشمس وتوجهها حيث أرادت إن هذا الكلام الذي لا يمت بصلة للإيمان يقول به المؤمنون بالله الآن. وفي نفس الوقت يستعظمون أن تسجد الشمس لله ولا خيار للمؤمنين في أن يقولوا ويعتقدوا هذا لأن الغرب قالوا ذلك.
هكذا وصل الحال بمؤمني الأرض في سنة 2000 ميلادية، أما النصوص التي بين أيدينا وعمرها 4000 سنة قبل الميلاد فتوضـح لنا أن قدماء المصريين كـانوا يعتقدون بـدوران الشمس حـول الأرض كـل يوم، ويقولون بسجود الشمس في مستقرها تماما كـما ذكـر الحديث وكما شرح ابن كثير.
ففي كتاب" معجم الحضارة المصرية القديمة" تأليف نخبة من علماء الغرب. ذكروا اعتقاد المصريين القدماء صـ 207 وأن الشمس كانت تطلع من المحيط الأعظم (المحيط الهادي) في الصبـاح وتعود إليه ثانية في المساء من عند حده الغربي. وتذهب إلى العالم السفلي. وأنهم كانوا يعتقدون أن العالم السفلي نسخة مقلوبة من الدنيا التي نحن نراها، حيث رقعة متسعة من الـماء تقابلها سماء مثل التي فوقنا، وهو التصور السليم للكرة الأرضية.
هذا الماء هو المحيط الهادي الذي تذهب إليه الشمس" فتستعيد الشمس قواها بعد أن تموت في المساء". إنه نفس التصور الإسلامي للشمس التي تذهب لمستقرها فتسجد وتستأذن لتستعيد دورتها بدوران جديد. ولم أجد وصفا لسجود الشمس الذي قال به القرآن والسنة والذي ينكره المسلمون الآن أدق من هذا الوصف الفرعوني البديع.
المجاز في القرآن
ليس في القرآن آيات ولا في السنة أحاديث يستحي العلماء ويتحرجون من ذكرها سوى آيات وأحاديث السجود للشمس هذه التي نتحدث عنها.
نسخ علماؤنا هذه الآيات والأحاديث، احتراما لما توصل إليه التجريبيون من علوم ومعارف تتعارض تماما مع هذه الآيات والأحاديث. وحتى لا يكون الإسلام متخلفا عن ركب الحضارة والتقدم فقد كتم علماؤنا هذا العلم، تماما كما فعلوا مع آيات وأحاديث بُعد السماء عـن الأرض، والاستواء على العرش وكلها آيات صريحة وأحاديث صحيحة، ولكنهم يخجلون من ذكرها لجماهير الناس، لأنها لا تتناسب مع عصر" الإنترنت". ولأنهم إذا ذكروا هذا العلم فإنه سيتناقض ولا شك مع قولهم الذي يقولونه بأن الشمس هي مركز الكون، أو على حسب آخر إشعار من رؤوسهم في الغرب أنها مركز عالمنا نحن أي المجموعة الشمسية.
ولكن علمائنا قد يتعرضون لأسئلة من عوام الناس عن هذه الأمور التي يكتمونها فعندئذ يلجئون إلى ما يسمى بالمجاز. أو قد تعترض مفسرو القرآن لهذا العصر آيات كهذه فيلجئون إلى الدوران بعيدا عن المعنى الصحيح.
فهاهو" سيد قطب" رحمه الله وهو من أقل المفسرين تأثرا بعصر الإلحاد يقول في قوله تعالى وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا قال:" والشمس تدور حول نفسها ولكن عرف أخيرا أنها ليست مستقرة في مكانها، إنما هي تجرى.. تجرى فعلا. تجرى في اتجاه واحد في الفضاء الكوني الهائل بسرعة حسبها الفلكيون بإثني عشر ميلا في الثانية ! والله ربها الخبير بها وبجريانها وبمصيرها – يقول: أنها تجرى لمستقر لها. هذا المستقر الذي ستنتهي إليه لا يعلمه إلا سبحانه".
إن آية المستقر التي نحن بصددها لم تتحدث عن سجود الشمس صراحةً ولكن بيَن رسول الله  فيما رواه البخاري وغيره أنها تذهب لتسجد في مستقرها ثم تعود للشروق ثم تغرب فتذهب لتسجد وتستأذن ثم تعود للشروق.. وهكذا. ولا أظن أن الشيخ سيد قطب قد خفيت عليه هذه الأحاديث التي ذكرها جميع المفسرين دون استثناء مفسرو قبل عصر الإلحاد.
لقد ذكرت سجود الشمس صراحة آية أخرى هي الآية رقم (18) من سورة الحج: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ .
لقد ذكرت تفاسير ما قبل عصر الإلحاد أن الشمس كغيرها من الأجرام السماوية وكذلك الكائنات الأرضية تسجد لله عز وجل. كما نسجد نحن لكن ليس بنفس الصورة.
أما تفاسير ما بعد عصر النهضة فيختلف الأمر فيها. فمثلا يقول تفسير المنتخب:" ألم تعلم أيها العاقل أن الله يخضع لتصريفه من في السموات ومن الأرض والشمس والقمر والنجوم الجبال والشجر والدواب، وكثير من الناس يؤمن بالله ويخضع لتعاليمه فاستحقوا بذلك الجنـة، وكثـير منهـم لـم يؤمن به ولم ينفذ تعاليمه فاستحقوا بذلك العذاب والإهانة...".
هذا تفسير لما بعد عصر الإلحاد، والتفاسير التي تسبق هذا العصر، بعضها أيضا استعظم أن تسجد لله فقالوا بسجود الملائكة الموكلة بها، أو سجودها باستجابتها لأمر ربها كما ذكر" المنتخب". وقد قالت بذلك قلة لا تذكر من علماء السلف، أنكر عليهم الجمهور ذلك القول وهذا المسلك باعتقادهم أن القرآن فيه مجاز.
كان نفر قليل من المسلمين لا يذكر، يقولون بأن القرآن يستخدم المجاز أما المفسرون الآن فجميعهم دون استثناء يعتقدون أن القرآن يستخدم المجاز ومن ثم ينكرون سجود الشمس وينكرون على من قال عنـه الله أنه يتكلم. فينكرون أن تقول السموات والأرضأَتَيْنَا طَائِعِينَ. أو تقول النار هَلْ مِنْ مَزِيدٍ. أو أن يشهد على الكافرين سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ أو وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ.
ولا يقتنعون بأن الجبال تأوب وتسبح وكذلك الطير، أو أن جهنم تغتاظ وتزفر أو أن الجمادات تسجد. قائلين بأن كل ذلك لا يحدث لأن هذه الكائنات من الجمادات والحيوانات والنباتات أو الكائنات الغيبية لا تعقل ولا تدرك ومن ثم فإنما يحدث ذلك منهم على سبيل المجاز والتأويل. وفرقوا بين الحقيقة والمجاز.
فالحقيقة ما يفيد اللفظ المطلق أو هو المعنى الذي يسبق إلى الذهن عند الإطلاق. أما المجاز فما لا يفيد إلا مع التقييد. والقول بذلك في القرآن هو تكذيب لله عز وجل. وقد رأينا كيف أن الله تعالى يقول أن من في السموات والأرض والشمس والقمر وغيرهما يسجد لله كما في الآية (18) من سـورة الحج، ويقول مفسرو المنتخب أنها لا تسجد وإنما تخضع له. كذلك يقولون عن تسبيـح الرعد الذي ذكره تعالى في سورة الرعد الآية (13) من قوله: وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ فقالوا:" وأن الرعد خاضع لله تعالى خضوعا مطلقا حتى أن صوته الذي تسمعون كأنه تسبيح له سبحانه بالحمد على تكوينه دلالة على خضوعه".
فالله تعالى يقول أن الرعد يسبح وهم يقولون: كأنه يسبح. أليس ذلك تكذيب لله تعالى؟ ولا حول ولا قوة إلا بالله.
إن تقسيم الألفاظ إلى حقيقة ومجاز لم يظهر إلا في المائة الثالثة، وانتشر في المائة الرابعة على يد المعتزلة و نحوهم من المتكلمين. ولم يقل به قبلهم أحد من الأئمة المشهورين في العلم ولا تكلم به أحد من أئمة اللغة والنحو الأوائل.
قال ابن القيم في كتاب" الصواعق المرسلة": أنهم قد اختلفوا في جواز المجاز في اللغة بين مانع ومجيز، إلا أن من يجيزه في اللغة يمنعه في القرآن.
وقد أدى القول بالمجاز إلى نفي كثير من النصوص الشرعية. وصرف المعنى الحقيقي لظواهرها إلى معان مغايرة دون وجود قرائن توجب القول بتلك المعاني لذا أنكر أهل السنة وجوده في الشرع أصلا وأجمعوا على بطلان القول به.
وذكر" الشنقيطي" في كتاب" منع جواز المجاز" أن القول بالمجاز يفضي إلى نفي بعـض القرآن وأنه كان ذريعة إلى نفي كثير من الصفات الثابتة لله تعالى في القرآن. كاليد والاستواء والنزول، فنفوا مثل هذه الصفات الثابتة بالوحي عن طريق القول بالمجاز.
ومن جملة ما ادعاه القائلين بالمجاز في القرآن لفظ الكيد والمكر والاستهزاء والسخرية المضاف إلى الله تعالى، وزعموا أنه مسمى باسم ما يقابله عن طريق المجاز.
وقد رد على القائلين بالمجاز ابن تيمية رحمه الله إذ قال:" وليس كذلك، بل مسميات هذه الأسماء إذا فعلت بمن لا يستحق هذه العقوبة كانت ظلما له، وأما إذا فعلت بمن فعلها بالمجني عليه عقوبة له بمثل فعله كانت عدلا كما قــال تعالى:
كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ فكاد له كما كادت اخوته، لما قال له أبوه يَا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا ( يوسف:5) وقال تعالى: إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا (15) وَأَكِيدُ كَيْدًا (الطارق). وقوله وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ وقال الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (التوبة:79). و لهذا كان الاستهزاء بهم فعلا يستحق هذا الاسم" أ. هـ
ومـن الأمثلة التي يستدل بها القائلون بالمجاز في القرآن قوله تعالى وَاسئِل الْقَرْيَةَ (يوسف:82). فقالوا: إن المراد به أهلها، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه. وكذلك المجاز في قوله جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنقضَّ ورد ابن تيمية على المثال الأول بأن لفظ القرية والمدينة والنهر وأمثال هـذه أحيانا يعود على الحال والمحل، كلاهما داخل في الاسم، وهو أحيانا يعود على الحال وهو السكان، وأحيانا يدور على المحل وهو المكان، ففي قوله تعالى وَضَرَبَ اللَّهُ مَثلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً أراد الحال وهم السكان. وفي قوله أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ أراد المحل وهو المكان لا السكان، وذلك من غير إضمار ولا حذف. كما أن لفظ الإرادة قد استعمل للجماد. وهو مشهور في اللغة".
وقال محمد أمين الشنقيطي على مثال الجدار بأنه لا مانع من حمله على حقيقة الإرادة المعروفة في اللغة لأن الله يعلم للجمادات ما لا نعلمه لها كما قال تعالى: وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ. وقد ثبت في صحيح البخاري حنين الجذع الذي كان يخطب عليه . وثبت في مسلم أنه قال:" إني لأعرف حجراً كان يسلم علىّ في مكة". وأمثال هذا كثيرة جداً. فلا مانع من أن يعلم الله من ذلك الجدار إرادة الانقضاض.
وبهذا المجاز نفي علماء هذا العصر السجود عن الشمس. وهم بالتالي ينفون آيات السجود.
ولا يجب أن يكون سجود الشمس وغيرها من الكائنات التي تسجد، كسجود الإنسان على سبعة أعضاء، ووضع الجبهة على الأرض. فهذا سجود مخصوص بالإنسان، بل إن من الأمم من يعتبر ركوعهم هو السجود كما قال تعالى: وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ والمقصود الدخول في هيئة الركوع فهذا سجودهم. وكما يقول ابن تيمية رحمه الله: السجود اسم جنس، ولكن لما شاع سجود الآدميين المسلمين، صار كثير من الناس يظن أن هذا سجود كل أحد.
فالشمـس تسجد سجودا حقيقيا وليس مجازاً، وتسجد كل يوم بعد غروبها وقبل شروقها، كما أخبر بذلك رسول الله ، وهذا يقتضي بالطبع أنها تدور حول الأرض إذ كيف تسجد بعد غروبها وتستأذن للشروق مرة أخرى كل يوم ما لم يكن دورانها هي حول الأرض.
السباق الأبدي
لازلنا في رحاب آيات سورة يس ونحن الآن مع هذه الآية:
 لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ .
نفهم من هذه الآية أن سباقا أبديا منذ بداية الخليقة إلى أن تنتهي بين هذين المنيرين الشمس والقمر. وأن علاقة حميمة كائنة بينهما.
كذلك نعلم من الآية أن الشمس لا تدرك القمر أبداً، وليس هذا عجز منها، بل إنه أدب في هذا التسابق، أن يكون هو دائما أمامها. نفهم ذلك من قوله تعالى لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ أي لا يجوز للشمس ولا يجب أن تلحق القمر، فهي من ثم متأدبة بأدب الله، طائعة لأمر سيدها.
كما نفهم من مبدأ السباق أن كلاهما يجرى في مدارٍ موازٍ لمدار الآخر، وإلا فمن المستحيل عقلا أن يكون لكل منهما وجهة وهما في نفس الوقت في تسابق، لا يجوز عقلا أن تكون الشمس متجهة في جريها إلى الدوران حول مركز المجرة، بينما القمر يدور حول الأرض.
ونفس الفهم أيضا من كلمة الإدراك فلا يقبل عقلاً أن الله عز وجل يخاطبنا على هذا السباق ويؤكد لنا أن الشمس لا تلحق بالقمر أبداً وذلك لأن لكل منهم وجهة هـو موليها. بل إن الشمس والقمر يجريان في مسارين متوازيين. وهذا ما لا يفهم غيره. لذلك فإن تفسير المنتخب لم يستطع الهروب من الاعتراف بموازاة المسارين حول الأرض. فقالوا تعليقاً على هذه الآية" ولا يمكن أن تدرك الشمس القمر، لأن كل منهما يجرى في أفلاك متوازية فيستحيل أن يتقابلا وتستحيل أن يسبق الليل النهار". إنهم يقرون بأن أفلاك الشمس والقمر متوازية وهذا الذي يقولوه يتناقض تماما مع قولهم بأن الشمس تجرى حول المجرة، والقمر يجرى حول الأرض. فكيف تكون أفلاكهما متوازية؟ إن هذا التناقض والتخبط ليس من آيات القرآن، وإنما هو من الفهم الخاطئ لآياته ولكي نعرف لماذا لا ينبغي للشمس أن تدرك القمر، فإننا يجب أن نعرف معنى الإدراك ولكي نعرف معنى الإدراك فنحن في حاجة لمعرفة وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ما معناها.
هذا الجزء من الآية ورد مرتين في القرآن كله هذه المرة في سورة يس: والأخرى في سورة الأنبياء الآية (33) في قوله تعالى وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ .
ففي هاتين الآيتين اجتمعت هذه المخلوقات الأربع الليل والنهار والشمس والقمر، وقال تعالى كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ. والفلك هو مدار دائري حول الأرض والفلكة أيضا تطلق على فلكة المغزل. وهي بكرة تدور حول قطب ثابت. والسباحة هي الحركة في سهولة ويسر دون عائق، وهي نفس ما تقوم به الكائنات في الماء. وبين الفَلك والفُلك تشابه.
وردت كلمة الفَلك مرتين اثنتين وذكر في كلتاهما الليل والنهار والشمس والقمر أما الفُلك فقد ذكرت في القران 7 مرات وذلك لتتناسب مع الـ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ التي وردت في القرآن والتي هي بالفعل في الأرض.
والفُلك والفَلك كلاهما لا يسير على الأرض بل الأول في الماء والثاني في السماء، وكلاهما يحيط بالأرض. وكلاهما يتحرك بقدرة الله وأمره. وكلاهما محمول بقدرة الله وتتحرك بعيد عن اليابسة. والحركة في الأرض اليابسة تسمى سياحة – بالياء – بينما الحركة في الماء أو في السماء فتسمى سباحة. وكما أن الماء مستدير حول الأرض فكذلك فلك السماء مستدير حول الأرض. والسباحة وإن كانت تعنى السير بسهولة ويسر، فهي بمعنى أدق تعنى العوم إذ السير يحتاج إلى أقدام. أما السباحة فلا تحتاج إلى ذلك. لذلك كانت حـركة الملائكة في نزولها من السماء إلى الأرض والعودة تسمى سباحة يقول تعالى وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا. فالليل والنهار والشمس والقمر يسبحون في أفلاك حول الأرض.
والشمس لا تدرك القمر، ولكن لا يعنى ذلك أن القمر دائما متقدم عليها. ولكن الإدراك هنا له معنى. فالشمس والقمر يدوران حول الأرض سباحة، وإنه وإن كانت طريقة الجري أو الحركة واحدة وهي السباحة إلا أن القمر فلكه أصغر وأضيق في محيطه من فلك الشمس، إذ أن القمر فلكه الأول والشمس فكلها الرابع ومحيط الرابع أكبر وأطول من محيط الأول. لذلك نجد القمر يدور في فلكه، وينزل جميع منازله، ويقطع أبراج السماء الإثنى عشر في شهر. أما الشمس فإنها تفعل نفس الأشياء في سنة لطول مدارها.
فالقمر مداره أصغر من مدار الشمس، فدائما ما يسبق القمر إلى إنهاء دورته إلى دورة جديدة وهذا المعنى هو المفهوم من القرآن. يقـول تعالى: حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ أي لحقه ووصل إليه أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ نفس المعنى أيضا. وكذلك لا تَخَافُ دَرَكًا وَلا تَخْشَى وقولهفَلَمَّا تَرَاءَ الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ .
وعلى هذا فلن تلحق الشمس القمر في أن تقطع ما قطع من دورته، حتى ولو حاذته في السير، أو حتى تخطته فهي في الحقيقة لم تدركه، لأن القمر يكون عند ذلك قد سبق الشمس ودار بالأرض أكثر من دورات الشمس، ورغم أن الشمس آية النهار والقمر آية الليل، ورغم أن القمر يسبق الشمس دائما ألا أن الليل لا يمكن أن يسبق. وهي قدرة الله البالغة في أن جعل آيتي الليل والنهار مستقلتين عن آيتي الشمس والقمر.
وما حال الشمس والقمر في هذا السباق ألا كحال متسابقين في الجري حول ملعب كرة قدم أحدهما يدور حول الملعب في أقرب (حارة) إليه، أي هو المجاور لدائرة الملعب. والآخر يجرى في أبعد (حارة) وهما يدوران في هذا الوضع عدة ساعات فإن المتسابق الذي يجرى في الحارة الأولى يدور حول الملعب أكثر من مرة بينما المتسابق الأخر لم يتمكن من الدوران إلا مرة أو مرتين، وهو قد يحاذي المتسابق الأول وقد يتخطاه، ولكنه لن يدركه أبداً وقد يكون أسرع منه لأن دائرة المتسابق الأول أضيق كثيرا من دائرة المتسابق الآخر.
وكذلك الحال مع الطائفين بالبيت الحرام فالذي يدور حول البيت وهو ملاصق له ينهي طوافه سبع مـرات بينما الذي يدور من مكان بعيد ربما يكون قد دار دورتين أو ثلاثة أو أقل، وربما يتجـاوز هذا الطائف الأخير الطائف الأول أثناء طوافه ولكنه لا يكون قد أدركه.
ألا يفهم من هذا التسابق أن الشمس تدور حول الأرض، مثلها مثل القمر. وأهل الفلك يسلمون بدوران القمر حول الأرض، والقرآن يخبرنا بأنهـما في تسابق. إذن فالأمر واضح، ولكننا نصحح كمسلمين معلومات أهل الفلك ونقول بأن القمر يدور حول الأرض كل يوم وليس كل شهر، وكذلك تفعل الشمس.
القمر تابع للشمس
من معلومات أهل الفلك الخاطئة أن القمر تابع للأرض يسير مع الأرض حيثما سارت ويدور حولها حيثما دارت، والصحيح أن القمر تابع للشمس، وكلاهما مسخر للأرض.
وكان ينبغي على علماء المسلمين الآن أن يفهموا ذلك، فكيف يكون القمر تابعا للأرض وربهم قال أن القمر تابع للشمس. في قوله تعالى: وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا (1) وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاهَا (2) .
فالله تعالى يقسم بالشمس ونورها المتوهج، ويقسم بالقمر التابع لها. وهذا هو معنى الآية الواضح.. فالقمر يتلو أي يتبع الشمس وليس يتلو الأرض ولا يتبعها. وليس أيضا معنى الآية أن ضوء القمر يتبع ويخلف ضوء الشمس، فالآية لا تتحدث أبدا عن ذلك ولم تتحدث عن خلفة الضوء، كما أن الواقع يخالف هذا، إذ قد نرى القمر بالنهار والشمس ساطعة، وقد تغرب الشمس ولا نرى للقمر ضوءا. فالآية لا علاقة لها بنور القمر، ولكن بجرم القمر ذاته.
كيف يتلو القمر الشمس؟
ليست تلاوة القمر للشمس كما فهم البعض تلاوة نور هذا لنور هذه، وليست التلاوة أيضا أن يطلع القمر بعد غروب الشمس فهو يطلع ويظهر قبل غروب الشمس ولكن التلاوة هنا معناها الاتباع. وهو المعنى اللغوي والشرعي للكلمة. فالأمر بين الاثنين أمر تبعية، وهو تماما كتبعية علماء المسلمين لعلماء الغرب سواء بسواء، أو بالأصح شبرا بشبر وذراعا بذراع.
فالقمر كذلك متبعا للشمس ومتتبعا لدورانها، وهو يدور بين يديها، أو خلفها، وهو يستمد نوره منها، وهو بدون الشمس لا يعتبر قمرا. ولكي يكون قمرا ذو أهلة فلابد من دورانه حول الأرض متتبعا الشمس، حتى لو سبقها، كالطفل يتبع أمه سواء سار خلفها أو أمامها، فعينه منها ووجهته وجهتها، وإلا ضل عنها وضاع. فكذلك القمر يتحرك ذهاباً وإياباً، سبقا وتأخراً، ولكنه بين يديها لا يضل عنها ولا يتركها تغيب عنه وإلا يخسف، وهذا بخلاف الشمس التي لا يتأثر وجودها بوجود القمر فهي موجودة وظاهرة في أوقات طلوعها سواء كان القمر أو لم يكن. لذلك لابد للقمر أن يتبع الشمس حتى لو سبقها، وهذا الأمر يتصور حال دوران القمر حول الأرض في فلكه القريب من الأرض وهو الفلك الأول، أما الشمس فهي بعيدة عن الأرض وهي في الفلك الرابع.
لذلك نقول بأن القمر تابع للشمس وليس تابـع للأرض. فقد اقتـرن ذكر القمر بذكـر الشمس 15 مرة ودائما ما يكون القمر بعد الشمس الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ ولا توجد آيـة واحدة تقول (القمر والشمس) ولا توجد آية واحدة اقترن فيها ذكر القمر بذكر الأرض. فلم نقــرأ مرة واحدة (الأرض والقمر).
فالأرض إذن ثابتة، والشمس تدور حولها، والقمر يدور أيضا تابعا للشمس.
الأرض ليست تابعة للشمس
الأرض الـتي خلقها الله فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ بينما كـان للسموات السبع يومان، أصبحت في القرن العشرين أقل من ذرة في هذا الفضاء، وهي لا تتميز عن غيرها مـن ملايين الأجرام السماوية أو بلايينها، وأنها مجرد فرد من أفراد المجموعة الشمسية التسعة، لا هي أكبرهم ولا أصغرهم، ولا أبعدهم ولا أقربهم، وأن الشمس تفضل عليها بمليون مرة، وأنها تتبع الشمس حيث ذهبت ولا تنفك من أسرها كأنها هي المسخرة لها. هذه عقيدة المقدسين للشمس الآن. ولا تختلف كثيرا عن عقيدة عباد الشمس في أي مكان وأي زمان.
وهذه هي نفسها عقيدة المؤمنين بالله ورسوله وكتابه في الشمس، وهم يعلمون علم اليقين أن هذه العقيدة في الشمس مخالفة ومناقضة تماما للعقيدة الصحيحة. ولكنهم مطمئنين لهذه العقيدة الوسطية بين تقديس الشمس وإسباغها بما ليس لها، وبين عبادة الله تعالى، وهي عقيدة لو ماتوا عليها سيكون موقفهم على الصراط يوم القيامة في غاية الصعوبة. وموقفهم أمام الله محرجا للغاية وهم يرون الشمس التي أسبغوا عليها صفات الألوهية مكورة، وملقى بها في النار.
الأرض التي خلقها الله في أربعة أيام من أيام الخلق الستة ليست تابعة للشمس التي خلقت في لمح البصر بكلمة كُنْ. ولم تشرف كالأرض بالخلق المباشر، ولكن كما قال تعالى وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا (فصلت:12). وليست الأرض فردا من أفراد المجموعة الشمسية، لأنه ليس هناك مجموعة شمسية، بل هناك مجموعة سماوية - إن جاز التعبير - والشمس فردا متميزا فيها مع الكواكب والنجوم، وكلها مسخرات بأمر الله للأرض. وكلها زينة بأمر الله للسماء. ومن اعتقد في غير ذلك فعقيدته باطلة.



أدخل عنوان بريدك الإلكتروني هنا يصــــلك كل جديــــد





بلغ الادارة عن محتوى مخالف من هنا ابلغون على الروابط التي لا تعمل من هنا



توقيع : manel


التوقيع



قصة الخلق من العرش إلى الفرش  story of Creation By Eid Wardany Emptyالجمعة 25 يناير - 22:43
المشاركة رقم: #
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
عضو الجوهرة
الرتبه:
عضو الجوهرة
الصورة الرمزية


البيانات
عدد المساهمات : 17945
تاريخ التسجيل : 17/10/2012
رابطة موقعك : ورقلة
التوقيت

الإتصالات
الحالة:
وسائل الإتصال:


مُساهمةموضوع: رد: قصة الخلق من العرش إلى الفرش story of Creation By Eid Wardany



قصة الخلق من العرش إلى الفرش story of Creation By Eid Wardany

الظل دليل دوران الشمس


نعمة من أكبر النعم على المخلوقات، وآية من أكبر الآيات، ودليل على حركة الشمس اليومية حول الأرض من أكبر الدلالات.
فلأنها نعمة فهي ستكون من نعم الجنة التي عدها وأعدها الله للمؤمنين وَنُدْخِلُهُمْ ظِلا ظَلِيلا (النساء:57).
وهو آية من أكبر آيات الله، لأن الله تعالى ذكره من آيـاته الكبرى التي عددها فــي سورة الفرقان وعد منها هذه الآية أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلا فقد ذكر تعالى في سورة الفرقان (7) آيات من آيات الخلق بدأها بالظل ثم الليل ثم النهار ثم الرياح ثم الماء ثم مرج البحرين ثم البشر وذكر قبل كل آية منها أنه تعالى الذي جعلها. وكوٌنها بقوله: وَهُوَ الَّذِي. ولكنه خص آية الظل بذكره ذاته تعالى.
أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا ثُـمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلا (45) ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضًا يَسِيرًا (46) وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ اللَّيْلَ لِبَاسًا وَالنَّوْمَ سُبَاتًا وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا (47) وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنزَلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا (48) لِنُحْيِيَ بـِهِ بَلْدَةً مَيْتًا وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا (49) وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلا كُفُورًا (50) وَلـَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيرًا (51) فَلا تُطِعْ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا (52) وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَـذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَحْجُورًا (53) وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنْ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا .
يقول الشوكاني تفسيرا لآية الظل:" لما فرغ سبحانه من ذكـر جهالة الجاهلين وضلالهم، أتبعه بذكر طرف من دلائل التوحيد مع ما فيها من عظيم الإنعام، فأولها الاستدلال بأحوال الظل فقال أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وهـذه الرؤية إما بصرية، والمراد بها ألم تبصر إلى صنع ربك، أو ألم تبصر إلى كيف مده ربك، وإما قلبية بمعنى العلم، فإن الظل متغير، وكل متغير حادث، ولكل حادث موجد، والتقدير: ألم تر إلى الظل كيف مده ربك يعنى الظل من وقت الإسفار إلى طلوع الشمس وهو ظل لا شمس معه، وهو من غيبوبة الشمس إلى طلوعها.
قال أبو عبيدة: الظل بالغداة، والفيء بالعشي. لأنه يرجع بعد زوال الشمس، سمى فيئا لأنه فاء من المشرق إلى جانب المغرب.
وقال ابن السكيت: الظل ما نسخته الشمس. والفيء ما نسخ الشمس وحقيقة الظل أنه أمر متوسط بين الضوء الخالص والظلمة الخالصة. وهذا التوسط هو أعدل الطرفين. لأن الظلمة الخالصة يكرهها الطبع وينفر عنها الحس. والضوء الكامل لقوته ينبهر الحس البصري ويؤذى بالتسخين، ولذلك وصفت الجنة به. بقوله وَظِلٍّ مَمْدُودٍ .
وقوله وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا أي لو شاء الله سكونه لجعله ساكنا ثابتا دائماً مستقراً لا تنسخه الشمس. أو لو شاء لمنع الشمس الطلوع.
وقوله ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلا أي جعلناها علامة يستدل بها بأحوالها الظل وذلك لأن الظل يتبعها كما يتبع الدليل في الطريق من جهة أنه يزيد بها وينقص ويمتد ويتقلص.
وقوله ثُمَّ قَبَضْنَاهُ أي قبضنا ذلك الظل الممدود ومحوناه عند إيقاع شعاع الشمس موقعه بالتدريج حتى انتهي ذلك الإظلال إلى العدم والاضمحلال.
وقيل المراد في الآية أن الظل يبقى في الأرض من طلوع الفجر إلى شروق الشمس، فإذا طلعت الشمس صار الظل مقبوضاً مقبوضاً وخلفه فى هذا الجو شعاع الشمس فأشرقت على الأرض وعلى الأشياء إلى وقت غروبها. فإذا غربت فليس هناك ظــل.
وقوله قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا ومعنى إلينا: أن رجوع الظل إليه، كما أن حدوثه منــه.
وقوله قَبْضًا يَسِيرًا: أي على تدريج قليل، قليل، بقدر ارتفاع الشمس، وقيل أيضـا سريعا" انتهى كلام الشوكاني.
وقال ابن كثير في تفسيره لهذه الآية:" شرع سبحانه وتعالى في بيانه الأدلة الدالة على وجوده وقدرته التامة على خلق الأشياء المختلفة والمتضادة، فقال تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ .
قال بن عباس ومجاهد: هو ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس.
وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا أي دائما لا يزول.
وقوله تعالى: ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضًا يَسِيرًا أي الظل، وقيل الشمس. ويَسِيرًا أي سهلا، قال ابن عباس: سريعا.
قال مجاهد: خفيا حتى لا يبقى في الأرض ظل إلا تحت سقف أو تحت شجرة.
وقوله ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلاً أي لولا أن الشمس تطلع عليه لما عرف.
وقال قتادة: دليلا: تتلوه وتتبعه، حتى تأتي عليه كله" أ. هـ.
هذا ما فهمه السلف للآية، فالظل هنا ليس مجرد ما يستره الحائط والشجرة من شعاع الشــمس وهي موجودة، بل هو الوقت الذي ذهب فيه الليل بظلامـه ولم تشرق فيه الشــمس بعد.
وحتى يعلم السادة العلماء القائلين بأن الأرض هي التي تـدور لتحدث ذلك الظل يقول تعالى ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلا فليست الأرض إذن هي الدليل، بل الشمس. والدليل هنا لا يمكن أن يكون ثابتا، وإلا لم يكن دليلا. أليس كذلك؟
هل يجوز لغة، أو شرعاً، أو عرفا أن يكون الدليل ثابت؟ لا يمكن.
ولو كانت الأرض هي التي تدور لكانت الآية (ثم جعلنا الشمس عليه علامة). ولكن أن تكون دليلاً فلابد وأن تكون متحركة حول الأرض.
ولكي تطمئن قلوبكم أسوق لكم الدليل من القرآن. على أن الدليل: لابد أن يتحرك ويسوق إلى ما يدل عليه، هذه سبع آيات لم يذكر غيرها في القرآن كله ورد فيها كلمة دليل بكل مشتقاتها:
(1) فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلا دَابَّةُ الأرْضِ تَأْكُلُ منسأته
(سبأ:14)
(2) فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا
يَبْلَى (طه:120)
(3) إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَنْ يَكْفُلُهُ فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ
عَيْنُهَا وَلا تَحْزَنَ (طـه:40)
(4) وَقَالَتْ لأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (11) وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ
نَاصِحُونَ (القصص)
(5) وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَــلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ
إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ(سبأ:7)
(6) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (الصف:10)
(7) أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ
دَلِيلاً (الفرقان:45).
هـذه الآيات السبع واضحة الدلالة على أن الدليل لابد أن يتحرك سواء كان: حيوان دَابَّةُ الأرْضِ أو إنسانا أُخْتُكَ و الَّذِينَ كَفَرُوا أو جـن الشَّيْطَانُ أو جـماد الشَّمْسَ. وليس في أي من هذه الأدلة إلا وهو يتحرك ليدل.
وهذه الآيات السبع ذكـرت الدليـل من كل مخلوق: جماد أو حيوان، من الإنس أو الجن، من المؤمن أو الكافر.
ولكننا نلحظ أمرين هنا:
الأول: لم يذكر النبات من ضمن الأدلة، وذلك لأن النبات ثابت في الأرض ولا يكون نباتا إلا إذا ثبت في الأرض. ومن ثم فلا يصلح دليلا.
الثاني: الآية السادسة يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ فالخطاب هنا من الله تعالى، فكيف يكون دليلا وهو تعالى مستوٍ على عرشه؟ ولابد للدليل من حركة. والأمر ببساطة شديدة أن الله تعالى وهو مستوٍ على عرشه أرسل رسله ليقوموا بهذا الأمر ويكونوا أدلة للناس إلي ما يريده الله تعالى. وهذا ما تبينه الآية السابقة على هذه الآية يقول تعالى: هُوَ الَّذِي أَرْسَـلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (9) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) .
إذن فقد كان الدليل للمؤمنين هو رسول الله الذي أرسله بهذه الرسالة ليدل الناس على ما ينجيهم من عذاب الله. فرسله هم الأدلة للناس وهم الذين يتحركون للتبليغ والدلالة.
فكذلك الأمر بالنسبة إلى الشمس التي هي أيضا تتحرك، بل تجرى. والشمس ليست دليلا عادياً، بل إنها أقوى دليل مادي، فبها يضرب المثل على الدليل البيِن الواضح الذي لا يختلف عليه عاقلان.
أحسب أن أهـل الفلك والمنجمين وعلماء المسلمين القائلين بدوران الأرض يكفيهم هذا الدليل الذي هو كالشمس، لا بل هو الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلاً .
إن الظل على الأرض ثابت ثم نشعر بحركته بالشمس، فالشمس دليل على حركة الظل التي لولاها لكان الظل ثابتا بالفعل. وعندما تتحرك الشمس قادمة سريعا من الشرق فأنها تسوق الظل الذي كان موجودا قبل شروقها أمامها، ويبقى هذا الظل مساقا مادامت السموات والأرض، ومادامت الشمس متحركة، وهي دليل على الظل حتى كأنها تسير في وسطه، وذلك لأن الظل يكون موجوداً قبل شروق الشمس أي أنه أمامها. ويكون موجودا أيضا بعد غروبها أي خلفها. فالظل أمام الشمس، والظل خلف الشمس متحرك بحركتها، وهي لا تصنعه. فالشمس تصنع ضوءا ونورا، ولكنها دليل على وجوده. ودليل له تحركه كلما تحركت، كأنها هـي في وسطه، لأنه قبل الشروق أمامها وبعد الغروب خلفها، فالشمس تدور حول الأرض.
* * * * *



اختلاف الليل و النهار
آية، ونعمة، ودليل.
من أعظم آيات الله في الكون، الليل والنهار. هكذا خلقهما الله. وكما ذكرنا أن الليل والنهار آيتان مستقلتان عن الشمس والقمر، وخلق مستقل عنهما، لا علاقة لوجودهما أو عدمهما بالشمس أو القمر. وذكرنا أن الله تعالى خلقهما في المرحلة الأولى من مراحل الخلق وربما في اليوم الأول. بينما الشمس والقمر مخلوقان قطعاً في اليوم الأخير، وربما في الساعات الأخيرة منه.
فالليل والنهار هما الظلمة والنور، المخلوقان المستقلان اللذان سيبقيان حتى بعد فناء الشمس والقمر يوم القيامة. واللذان يعمل فيهما الملائكة التي في السموات، رغم عدم وجود شمس أو قمر في السموات يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ (الأنبياء:20) واللذان يعمل فيهما من في القبور للأموات، رغم عـدم وجـود شمس أو قمر في الأرض السفلي: النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ. واللذان يعمل فيهما النعيم لأهل الجنة، رغم عدم و جود شمس أو قمر، أو حتى وجود سموات أو أرض: وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا (مريم:62).
وأخبرنا تعالى بأنه خلق الليل والنهار، كخلق مستقل في سورة الأنعام وفي أول آياتها حيث يقول تعالى: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ وقد افتتحت التوراة بهذه الآية كما قال" وهب بن منبه" أن أول الأنعام أول التوراة، وقد حدثت التوراة التي بأيدي أهل الكتاب الآن أن الظلمات والنور خلقا في اليوم الأول بينما الشمس والقمر قد خلقا في المرحلة الأخيرة من مراحل الخلق.
وقد فصل القرآن كيفية خلق الليل والنهار أولا فقال تعالى في سورة النازعات أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمْ السَّمَاءُ بَنَاهَا (27) رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا (28) وَأَغْطـَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا (29) وَالأرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا (30) فبين الله تعالى أنه بمجرد فصل السماء عن الأرض، أظلم الليل وأخرج النهار، وذكرهما بأشد حالاتهما الغطش لليل وهي الظلمة الحالكة التي كالعمى. والضحى وهو أضوء أوقات النهار. وذكرت الآيات أن الأرض بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا ولم يكن ثم شمس ولا قمر ولا غيرهما.
من أجل ذلك بدأ الله بذكر الليل و النهار عندما ذكر خلق هذه الآيات في الآية الوحيدة في كل القرآن التي ذكرت خلقهم فقال عز وجل وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (الأنبياء:33).
كما أنه تعالى خصهما بالذكر في كونهما آيتين فقال وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ (الإسراء:12) وقد اجتمعت الآيات الأربعة (الليل والنهار، والشمس والقمر) في عدة آيات بلغ مجموعها في كل القرآن 9 آيات. اجتمعت فيها هذه المخلوقات الأربع. وقد سبق ذكر الليل والنهار في 7 آيات:
(1) يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ
يَجْرِي لأجَلٍ مُسَمًّى (فاطر:13)
(2) وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ (فصلت:37)
(3) وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (الأنبياء:33)
(4) يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ
يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى (لقمان:29)
(5) وَسَخَّرَ لَكُمْ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ (النحل:12)
(6) يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ
(الأعراف:54)
(7) يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ
يَجْرِي لأجَلٍ مُسَمًّى (الزمر:5).



أدخل عنوان بريدك الإلكتروني هنا يصــــلك كل جديــــد





بلغ الادارة عن محتوى مخالف من هنا ابلغون على الروابط التي لا تعمل من هنا



توقيع : manel


التوقيع



قصة الخلق من العرش إلى الفرش  story of Creation By Eid Wardany Emptyالجمعة 25 يناير - 22:44
المشاركة رقم: #
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
عضو الجوهرة
الرتبه:
عضو الجوهرة
الصورة الرمزية


البيانات
عدد المساهمات : 17945
تاريخ التسجيل : 17/10/2012
رابطة موقعك : ورقلة
التوقيت

الإتصالات
الحالة:
وسائل الإتصال:


مُساهمةموضوع: رد: قصة الخلق من العرش إلى الفرش story of Creation By Eid Wardany



قصة الخلق من العرش إلى الفرش story of Creation By Eid Wardany

ما أروعها من آيات بينات يمتزج فيها الجمال بالإعجاز، والبيان والتفصيل، عن الليل والنهار والشمس والقمر، وجميعهم يسبحون، ويجرون، ويتسابقون. وكلهم مسخرون. هذه الآيات لتدل دلالة قاطعة على أن كل منهم متميز عن الأخر بائن عنه.
ولعظم آيتي الليل والنهار فإن الله تعالى ذكرهما ضمن الآيات الباهرات الدالة على قدرته إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأولِي الألْبَابِ وفي سورة يونس قدم تعالى ذكر الليل والنهار على كل ما خلق فقال تعالى: إِنَّ فِي اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُون.
والليل والنهار نعمة من أعظم نعم الله على خلقه التي لا تتم إلا باختلاف الليل والنهار، والفائدة والمصلحة والنفع في اختلافهما، وتعاقبهما وولوجهما وتكورهما وتقلبهما، وتسبيحهما، وتسخيرهما، وجريهما، وتسابقهما، وفي إغشاء الليل وسلخ النهار. لذلك أخبر تعالى أن فيهما آيات لأولى الألباب، ولقوم يوقنون.
يخطئ في حق ربه، ويظلم نفسه من ينسخ كل هذه الآيات لليل والنهار ويلغى وجودهما تماما عندما يقول أن الليل والنهار إنما يكونا بدوران الأرض حول نفسها.
إن لليل حالات وأحوال، لا يمكن أن تأتى بمجرد دوران الأرض حول نفسها أمام الشمس الثابتة بالنسبة لها. فدوران الأرض هذا لا يحدث ليلا ولانهاراً.
كذلك ليست الشمس هي المحدثة لليل والنهار فيكون نهارا بوجودها وليلا بغيابها ليس الأمر كذلك. إن الليل والنهار كما قلنا مستقلان في الخلق ومستقلان في التسخير حول الأرض. فيقول تعالى: وَسَخَّرَ لَكُمْ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ.
إنما جعلت الشمس عليه دليل، كما ورد بالعهد القديم:
" لتكن أنوار في جلد السماء لتفصل بين النهار والليل. وتكون علامات للأعياد. كمــا للأيام والسنين. ولتكن أنوار في جلد السماء لتضئ الأرض.
وكان كذلك، وعمل الله المنيرين العظيمين - المنير الأكبر لحكم النهار، والمنير الأصغر لحكم الليل - والنجوم. وجعل الله في جلد السماء لتنير على الأرض. وتحكم على النهار والليل. ولتفصل بين النور والظلمة. ورأى الله أنه حسن وكان مساء وكان نهار: اليوم الرابع".
وهذه المعطيات متفقة جميعا مع معطيات القرآن والسنة، لا يختلفان معها إلا في الوقت حيث ينص القرآن على أن هـذه الأجرام السماوية تمت في اليومين الأخيرين للخلق. وبينت السنة أن ذلك تم في اليوم الأخير منهما. أي اليوم السادس.
والليل والنهار نعمة لأن للناس فيهما شئون متباينة. فقال تعالى:
وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا (10) وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا (11) (النبأ)
وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ (الروم:23)
هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا (يونس:67)
فَالِقُ الإصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا (الأنعام:96)
قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلا تَسْمَعُونَ (71) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلا تُبْصِرُون َ(72) وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمْ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (القصص).
وإن كان الله تعالى هو الذى خلق الليل والنهار خلقا مستقلا، فإنه تعالى يجعلهما يختلفان يقول سبحانه:
وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا (الفرقان:62)
ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ (الحج:61)
يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ (النور:44)
وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ (المزمل:20).
وثبت في الصحيحين عن أبى هريرة عن رسول الله  قال:" يقول الله تعالى:
} يؤذيني ابن آدم ويسب الدهر. وأنا الدهر بيدي الأمر. أقلب الليل والنهار {.
وقد ذكرنا حدود النهار عند الحديث عن بدء خلق الليل والنهار، وقلنا أن طَرَفِي النَّهَارِ (هود:114) وَأَطْرَافَ النَّهَارِ (طه:130) لهما وقت يختلف عن طلوع الشـمس وغروبها، فالنهار يبدأ طرفه الأول عندما يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الأبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الأسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ (البقرة:187) وآخر النهار عند اختفاء الضوء ودخول الظلام وروى ابن كثير عن بعضهم أنه إذا جاء الليل قال الرب جل جلاله: }غشى عبادي خلق عظيم، فالليل تهابه، والذي خلقه أحق أن يهاب{ رواه ابن أبى حاتم.
فليس دوران الأرض هو الذي يحدث الليل والنهار وليست الشمس كذلك. ولكن الله تعالى هو الذي يخلفهما ويقلبهما. أما الشمس فإنها تدور في النهار، وهي علامته كما أن القمر علامة الليل. وليست الأرض هي محدثتهما لأن الأرض ثابتة، لا دوران لها، ولا حراك ولا فعل ولا تسخير ولا حتى سجود.
أحوال الليل والنهار
وللذين في قلوبهم شك من دوران الليل والنهار حول الأرض، حال ثبات الأرض وأن الشمس تدور في النهار حول الأرض. وليست هي التي تصنع الليل والنهار. وللذين في قلوبهم مرض، فلا يشعرون بقدرة الله، وينكرون يد الله التي تعمل لهم الليل والنهار، وتمسك السموات والأرض، نعرض لهم أحوال الليل والنهار التي ذكرها تعالى في كتابه:
المحو والإثبات
يقول تعالى وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّـهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجـَعَلْنَا آيَةَ النَّـهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضلاً مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً (الإسراء:12) فالله تعالى جعل الليل والنهار آيتين، وليس آية واحدة. ولا يمكن للشمس أو الأرض أن تصنعا الآيتين.
وآيتي الليل والنهار: ما في كلا منهما من العجائب التي تحار في وصفها الإفهام ولتعاقبهما ومـا فيهما من الإظلام والإنارة وسائر ما اشتملا عليه. ومعنى فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ أي طمسناه فجعلناه مظلماً. وهذا يعنى أن هذه الظلمة مجعولة، مصنوعة، ليست مجرد انعدام الضوء. بل هي جعل مستقل. فالظلمة ليست فضاء أو عدم وإنما هي مادة، ووجود وحالة كائنة.
وقوله تعالى وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً أي منيرة. فهل دوران الأرض حول نفسها يفعل ذلك؟
التكوير
يقـول تعالى يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ (الزمر:5) هذه الآية تصف أمراً لله تعالى مع الليل والنهار فهو سبحانه يأتي بالليل فيكوره على النهار ومعلوم أن الأرض كرة، وإن لم يكن معلوم فهذه الآية تخبر بذلك، فهي ليست بيضاوية، ولا كمثرية ولكنها مستديرة كالكرة، لذلك عندما يغطى الله تعالى النهار بالليل فإنه عز وجل يكوره ثم يكور النهار على الليل وهكذا... لا تفعل ذلك الأرض، ولا تفعل ذلك الشمس، ولو كانت أيتهما تفعل ذلك لقال الله. ولا مانع من ذلك فقد أخبر تعالى أنه يهدى في ظلمات البر والبحر فقال أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ (النمل:63) ولكنه تعالى في آية أخرى أخبر أنه يهدينا بالنجوم، أي أن النجوم هي وسيلة الهداية فقال وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ (الأنعام:97). فلو كانت الأرض هي التي تحدث الليل والنهار بدورانها لقال تعالى ذلك.
وقال تعالى: يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لأوْلِي الأبْصَارِ (النور:44). فهذه الآية تؤكد أن الذي يكور ويقلب هو الله. والآية واضحة أن الليل والنهار لا يأتيان نتيجة دوران الأرض والشمس ولكن نتيجة التكوير والتقليب الذي يتم مـن الله عز وجل. ويا سبحان الله فرغـم وضـوح الآية ومعناها إلا أن العبرة فيـها لأوْلِي الأبْصَارِ وقليل ما هم.
ومثل ذلك قوله تعالى أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ (لقمان:25) وقوله ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ (الحج:61) وقد ذكر الولوج في خمس آيات لم ينسب فيها إلا لله.
فالله تعالى يدخل هـذا في ذاك وذاك في هذا. فالتكوير والتقليب لا يتم برفع هذا والإتيان بذاك. ولكن يتم ذلك بالتداخل بحيث يحل أحدهما مكان الآخر بصورة رائعة ساحرة، هي من أجمل المشاهد الكونية التي تتكرر كل يوم مرتين مرة بعد الفجر ومرة بعد الغروب. وكيف؟ أن الليل بظلامه يتخلل النهار رويدا... رويدا... بخفة ونعومه وسرعة غير ملحوظة، وكيف تتغير ألوان السماء من أول درجات الزرقة الأقرب للبياض حتى تصل إلى أعلاها حتى تقترب من السواد ثم تسود بالفعل، وعكس هذا يحدث بعد الفجر عندما يسفر الصبح ويتنفس. إن هذا الجمال وهذا الجلال لا يحدثه إلا الله ذو الجمال والجلال، ولا تحدثه أبداً الأرض.
والذين لا يفقهون الآيات القرآنية، ولا يبصرون الآيات الكونية. فليأخذوا كرة ومصباحا صغيراً في حجرة مظلمة ولينظروا هل يحدث أي تغير في الحجرة أو على الكرة من دوران هذه الكرة أمام مصدر الضوء الثابت. لن يكـون هناك أي تغيير يلحظ على الإطلاق. أما لو حرك مصدر الضوء وثبتت الكرة ودار الضوء حولها فإن كل شيء أمامه سيتغير وسيحل النور محل الظلام، والظلام محل النور وهكذا. إنها وربى لآيات. ولكن أين المبصرون؟
يصور لنا تعالى في مشهد مهيب كيف تتم عملية الولوج بهذه الكلمات: يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا (الأعراف:54)، إن الليل هنا يحاول تغطية النهار بالدخول فيه، أو بأن يتخلله، وهي صورة تعجز الكلمات عن وصفها ولكنها تحس عند التأمل بعد الغروب كيف يتم التبديل والإحلال من النور إلى الظلمة، من البياض إلى السواد، ومن النهار إلى الليل، يتم تغطية القبة السماوية كلها بمساحتها الشاسعة، الواسعة. وتغطية الأرض كلها بما فيها ومن فيها – أمام أعيننا - يتم ذلك جميعه في دقائق لا تصل إلى ساعة، لقد تم الأمر بسرعة كبيرة جدا ولكنها في نفس الوقت لا تدرك ولا يشعر بها وكأن الأمر تم خلسة رغم أننا ننظر ونتأمل ولكننا نفاجأ بأن الكون كله أصبح أمامنا أسوداً معتماً.
إن هذا الأمر السحري هو معنى قوله يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وهذا هو إعجاز القرآن وجمال اللغة التي أنزل بها. فهذا الوصف لدخول الليل بهذه الطريقة السريعة وفي نفس الوقت بصورة ناعمة حتى أننا لم نشعر بسرعتها، ولا حتى كيف تم هذا الإحلال، ولا في أي لحظة من اللحظات تحديداً، تم هذا التبديل.
إن دوران الأرض لا يحدث هذا الجمال وهذا الإبداع. فما كان ذلك ولا يكون ولكن هذا عمل الخالق، الجميل، البديع، الذي حرك الليل ذاته ليفعل ذلك.
هل الليل ذاته هو الذي تحرك وسار؟ نعم ولهذا يقول تعالى وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ ولم يقل: (والأرض إذا دارت).
حالات الليل السبع
لم يكتف القرآن بذكر الليل في دخوله وإحلاله محل النهار، بل لقد ذكر كل حالات الليل وهي 7 حالات، ذكرها تعالى في سبع آيات متشابهات في النسق، والكلمات والحروف. والعرض.
(1) وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى (الليل:1)
(2) وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ (الفجر:4)
(3) وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى (الضحى:2)
(4) وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ (التكوير:17)
(5) وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَق  (الانشقاق: 17)
(6) وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ (المدثر:33)
(7) وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا (الشمس:4).
لقد عرض الله هذه الآيات جميعا بأسلوب القسم، والله تعالى لا يقسم إلا ليؤكد لنا تعالى عظم المقسم به أو المقسم عليه. وحالات الليل هذه لا يشعر بعظمتها إلا أولوا الألباب.
وجاءت كل آية منها في ثلاث كلمات. كل آية 12 حرف ما عدا الآية الأولى 13 حرفا والآية السابعة 14 حرفا. ورقم 12 هو نفس عدد ساعات الليل غالبا، لذلك لم تأت كل الآيات بنفس العدد. ونقصت الآية السادسة حرفاً. لأن الليل ينقص ويزيد.
وبهذه الآيات السبع التي أقسم الجبار بها، تعرض أفعال الليل في الأرض وفي الشمس وفي الخلائق. وأيضا في النهار.
أما فعل الليل في الأرض فهو: (يسر) وأيضا (عسعس).
وأما فعل الليل في الشمس فهو: (يغشاها).
وأما فعل الليل في الخلائق فهو: (سجى) وأيضا (وسق).
و أما فعل الليل في النهار فهو: (يغشى) وأيضا (أدبر).
وأحوال الليل هذه دليل على وجود الله، ودليل على قدرته. لأنه تعالى الذي أعلن أنه الفاعل لها جميعا. وهي حقا آيات دالة عليه وأنه سبحانه موجود. وإلا فمن أوجدها؟ إن غير المؤمنين يقولون بأن الذي أوجدها هو دوران الأرض حول نفسها. ومؤمنو هذا العصر يقولون مثل قولهم تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (البقرة:118) وهي آيات دالة على قدرته وحكمته، وجماله، ولطفه، ورحمته، ووده، فمن ذا الذي يقدر على ذلك إلا الله؟ من الذي يقدر أن يفعل هذا بالشمس، وبالنهار وبالأرض وبكل الخلائق؟ من؟
من هذا الذي يدبر الليل، ويسريه؟ من هذا الذي يغشى الشمس ويجليها؟ من هذا الذي يفرض سلطانه وأحكامه على كل الناس وكل الخلائق ولا يقدر أحد على الخروج؟ من؟ أهي الأرض التي تـدور؟ فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ.
إن الآيات لتتحدث بإيجاز معجز عن فعل الليل في الكون بما فيه، ومن فيه. فالآية الأولى: تتحـدث عن الليل وهو يدخل ويتخلل النهار ويحل محله وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى والثانية: تتحدث عن سير الليل في الأرض وليس دوران الأرض. فالليل هو الذي يتحرك ويسير على الأرض وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ. والثالثة: تتحدث عن إظلام الليل للأرض، حتى تكون الحركة عليها في الليل بالعسعسة. والرابعة: تتحدث عن فعل الليل في الخلائق بسكونه وسكوته وصمته وهدوئه إِذَا سَجَى والخامسة: عن لمه ، وضمه، وجمعه وحشره للخلائق والكائنات في أوكارها وأعشاشها ومساكنها ومستودعها. وستره لكل شيء وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَق. والسادسة: عـن انصرافه وتوليه تاركا الأرض بمن فيها للنهار وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ والسابعة: عـن تغطيته لنورها الذي كانت تنشره في الأرض إِذَا يَغْشَاهَا إن هذا فعل الليل بأمر الله وتدبيره ، وليس الأمر مجرد دوران للأرض.
سلخ الليل
يقول تعالى وَآيَةٌ لَهُمْ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ (يس:37).
إنها صورة فريدة، وآية وحيدة، إن الليل مخلوق، يسلخ ويستخرج منه، من جوفه، ومـن جرابه، ومن جلده النهار، فإذا ما انسلخ النهار، وخرج، كأنما الروح قد خرجت، فهو الموت، وهي الظلمة. ويبقى الغطاء والغشاء، واللباس، يغطى الكون. ولكن كيف يعود النهار بعد السلخ والمثل العربي يقول" لا يضير الشاة سلخها بعد ذبحها" فكيف يعود النهار مرة أخرى بعد عملية السلخ هذه. ليست هناك قوة في هذا الكون تعيد الحياة إلى الميت إلا قوة الله تعالى، وقدرته فهو ســبحانه: يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنْ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنْ الْحَيِّ ( الأنعام: 95).
أالله يفعل ذلك بقدرته أم الأرض بدورانها؟
روى أحمد في مسنده: أن هرقل كتب إلى النبي  يقول إنك دعوتني إلى جنة عرضها السموات والأرض. فأين النار؟
فقال :" سبحان الله فأين الليل إذا جاء النهار؟".
يقول ابن كثير: وهذا الرد يحتمل معنيين (أحدهما): أن يكون المعنى في ذلك أنه لا يلزم من عدم مشاهدتنا الليل إذا جاء النهار أن لا يكون في مكان، وإن كنا لا نعلمه وكذلك النار تكون حيث شاء الله عز وجل. وهذا أظهر. (الثاني): أن يكون المعنى أن النهار إذا تغشى وجه العالم من هذا الجانب فإن الليل يكون من الجانب الآخر. فكذلك الجنة، في أعلى عليين، فوق السموات تحت العرش. والنار أسفل سافلين.
الأرض أكبر من الشمس
لقد غرر المنجمون الغربيون بعلمائنا وعلماء كل دين عندما أقنعوهم باطلا بلا نهائية الفضاء، وأن بيننا وبين الأجرام السماوية ملايين السنين الضوئية وبلايين أيضا. وأن الأرض ذرة في الكون، لا ترى بالتلسكوبات العادية.
وهم يقولون باطلا لأنهم لم يشهدوا خلق السموات والأرض. ويقولون باطلا، لأن الله صرف عنهم آياته سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِي الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَـــا غَافِلِينَ (الأعراف:146).
وآيات الله وعلمه لا تؤتى إلا بإذن الله وإرادته: مهما استخدمت من وسائل وأجهزة وأدوات فلـن تتحصل ذرة من العلم إلا بمشيئة الله وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إلا بِمَا شَاءَ وشاء الله أن لا يعطى العلم إلا للمتقين وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمْ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ.
وطبقا للأرقام الهائلة التي يلقون بها اعتباطا، فقد أعطوا للشمس بعضا من الملايين، لأنهم لا يرونها. وأعطوا للأرض بعض الآلاف لأنها لا تساوى ذرة في هذا الكون. فهم يقولون أن حجم الشمس 1320000 (مليون وثلاثمائة وعشرين ألفا) مـن حجم الأرض، وعمرها 4.5 بليون سنة، وستظل موجودة 5.5 بليون سنة. وأنها تبعد عن الأرض 150 مليون كيلو متر.
والشمس بهذا الحجم تعتبر نجما أقل من المتوسط بالنسبة لحجم النجوم.
أما الأرض فإن قطرها الاستوائي قدروه بنحو 12756 كم يقل 21 كم في القطر القطبى لذلك فقالوا كمثرية. أما محيطها نحو 40077 كم.
وكان لابد أن يعطوا للشمس هذه الأرقام، لأنها حلت محل الإله المحرك الذي كان يحرك الكون من خارجه، ولكن رأوا أن الكون يحرك من داخله، والذي يحركه هو الشمس بقدرة ذاتية فيها سموها" الجاذبية". وما يقولونه هو نفس ما قاله عباد الشمس قديما، ونفس ما اسبغوه عليها من قدرة وحكمه، ولم يتميز هذا العصر إلا في الأرقام التي أعطوها للشمس وهي بالطبع بالملايين المملينة ، ولم لا أليست الإله الجديد؟ .
ونفس العقيدة التي كان يعتقدها عباد الشمس في إلههم (الشمس) هي نفس عقيدة المؤمنين بالله الآن، سواء بسواء لم تزد إلا في الأرقام. فالشمس في قلب العالم، تحركه وتشده إليها وتمسكه أن يـزول. والمجموعة التي سموها الشمسية تقوم بأمر الشمس، وقدرتها، وتوجيهها إلى حيث ما شاءت الشمس يَاحَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ هكذا أصبح حال الشمس التي كانت قبل ذلك، مسخرة دائبة، ساجدة. تم تحويلها من عابدة إلى معبودة، ومن مسخرة إلى متحكمة. وتم ذلك مرحلة، مرحلة، فقد ألغى لها السجود، ثم التسخير، ثم هي الآن موصوفة بصفات الله عز وجل.
والأمر بخلاف ما ذكروا تماما. فالشمس محكومة لا حاكمة، مسخرة بالأمر حول الأرض وليست هي التي تشد الكواكب إليها. كما أن الأرض أكبر من الشمس.
ما دليلنا على ذلك؟
كشأننا لن نتحدث برأينا، بل سنتلمس أدلتنا من معطياتنا الدينية.
عندما تحدثنا عن بدء الخلق ذكرنا أن الأرض استغرق خلقها أربعة أيام تماماً أما السموات السبع فقد استغرق خلقها يومين غير كاملين، أما الشمس والقمر وغيرهما من الكواكب والنجوم. فساعة من اليوم السادس، وربما أقل من ساعة، لأنهم جميعا خلقوا بالأمر وبكن كما قال تعالى فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَموَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا (فصلت:12).
أولا: هل من العقل أن تكون الأرض وبما عليها من بحار وأنهار وجبال وأشجار وغابات ونباتات وحيوانات أصـغر من الشمس التي خلقت في دقائق لتكون مسخرة للأرض.
ثانيا: تطمئن النفس لتكرار ذكر الأرض مع السموات مئات المرات أن بينهما نسبة وتناسب ومن ثم فهي أكبر من الشمس.
ثالثا: يقول تعالى في سورة غافر الآية (56) لَخَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ واضح من خاتمة الآية أن هذه المعلومة لا يعلمها أكثر الناس. ففي هذه الآية يذكر تعالى أكبر المقاييس، وكان تعالى قد ذكر أصغرها فقال عَالِمِ الْغَيْبِ لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأرْضِ وَلا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْبَرُ إلا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (سبأ:3) وكونه تعالى يضرب المثل بأكبر مخلوقاته السَّمَوَاتِ والأرْضِأي مضيفا الأرض للسموات التي هي أكبر شيء في كوننا فهذا يؤكد أن الأرض أكبر من الشمس وإلا لذكرت الشمس بدلا من الأرض.
إذا فالأرض وحدة قياس كالسموات، ولكنها من أكبر الوحدات يقول تعالى عَالِمِ الْغَيْبِ لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأرْضِ وَلا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْبَرُ إلا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ فهذا يدل على أن الأرض هي أكبر الأجرام بعد السموات.
رابعاً: يقول تعالى في سورة الأنعام: وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ وَلِيَكُونَ مِنْ الْمُوقِنِين َ(75) فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ (76) فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لاَكُونَنَّ مِنْ الْقَوْمِ الضَّالِّين َ(77) فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُون َ(78) إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِي لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالأرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ (79) إن إبراهيم عليه السلام يتحدث عن الأجرام السماوية، والأرض، وليس من موقف الشك بل من منطلق اليقين.
فهو قد رأى ملكوت السموات والأرض فليس كلامه مجرد وجهة نظر. بل إنه قد رأى ملكـوت السموات والأرض رأى العين. والألوهية منتهى أمرها إلى الله وحده في يقين إبراهيم. ولكنه استخدم معهم أسلوب الاستدلال الذي استخدمه مع عباد الأصنام. ومع عباد البشر، وقد كانت عبادة الكواكب منتشرة في بابل ولها معابد فاستعمل معهم العقل والمنطق. وبأسلوب فيه السخرية، والحط من آلهتهم التي يعبدونها من دون الله.
في هذه الآية نجد السموات والأرض، والشمس والقمر والكواكب. وقد تناولها إبراهيم حسب ترتيب حجمها ترتيبا تصاعديا، بادئا من الكواكب ومنتهيا بالشمس التي قال عنها: هَذَا أَكْبَرُ أي أن الشمس أكبر مـا في السماء، فأكبر من القمر ومن الكواكب. ولكنها ليست أكبر من الأرض المذكورة مع السموات.
خامساً: في آية بديعة، محكمة، فريدة في نوعها، يذكر تعالى سجود الكائنات مرتبة ترتيبا تنازلياً. وهـو أمـر واضـح دون أي لبس: يقول تعالى في سورة الحج آية (18): أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ.
فهذا الترتيب ترتيبا تنازليا من الأكبر إلى الأصغر. ولو كان أحد في شك من وضع الشمس من حيث الترتيب الحجمي، فليضعها في أي مكان يشاء من الآية، ولن يجد لها مكانا سوى ما هي فيه.
والذي يؤكد لنا هذا الترتيب الصحيح أن الآية وردت بسورة الحج التي تكرر فيها ذكر أمور وأشياء، ذكرت مرتبة ترتيبا زمنيا أو مكانيا، تنازليا أو تصاعديا. وهو أمر متلاحظ في الآيات من أولها إلى آخرها: وهذه بعض الأمثلة، وإلا فالسورة كلها على هذا النمط.
فأول الآيات ترتب ما ستحدثه زلزلة الأرض الكبرى بالخلق ترتيبا زمنيا، حسب ما سيحدث: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (1) يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ.
ثم يذكر عز وجل ترتيب الخلق للإنسان يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنْ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الأرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفي وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وكل هذا الترتيب الذي لا ريب فيه في آية واحـدة (آية 5). وفي ترتيب عملية النبات يقول تعالى وَتَرَى الأرْضَ هَامِدَةً فـَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مـِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ. وعن الساعة يقول وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مـَنْ فِي الْقُبُورِ. وترتيب أسباب تطهير البيت الحرام: وَطَهِّرْ بَيْتِي لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ. ثم رتب دور العبادة: وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا. ثم رتب الأمم المكذبة كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَثَمُودُ(42( وَقَوْمُ إِبْرَاهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ (43) وَأَصْحَابُ مَدْيَنَ وَكُذِّبَ مُوسَى.
وهذا الترتيب هو الذي فهمه الصحابة والتابعيين وباقي السلف الصالحين. لذلك قال ابن تيمية: في تفسير قوله تعالى: وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا (1) وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاهَا (2) وَالنَّهَارِ إِذَا جَلاهَا (3) وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا (4) وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا (5) وَالأرْضِ وَمَا طَحَاهَا (6) وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7).
قال:" أقسم الله بالسماء والأرض والنفس ولم يذكر معهم فعلا كما ذكر مع الشمس والقمر والليل والنهار ، ولكن ذكـر فاعلها: وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا (5) وَالأرْضِ وَمَا طَحَاهَا (6) وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7). ولم يقسم بفعل النفس لأنها تفعل البر والفجور وهو سبحانه لا يقسم إلا بما هو معظم من مخلوقاته.
وأما السماء والأرض فليس لهما فعل ظاهر يعظم في النفوس حتى يقسم بهما إلا ما يظهر من الشمس والقمر، والليل والنهار.
والسماء والأرض أعظم من الشمس والقمر والليل والنهار، والنفس أشرف الحيوان المخلوق. فكان القسم بصانع هذه الأمور العظيمة مناسبا. وكان أقسامه بصانعها تنبيها على أنه صانع ما فيها من الشمس والقمر والليل والنهار. فتضمن الكلام: الأقسام بصانع هذه المخلوقات، وبأعيانها، وما فيها من الآثار والمنافع لبنى آدم" أ. هـ.
وإنني هنا أسجل تقديري واحترامي لهذا الأستاذ الجليل" ابن تيمية" رحمه الله وقد كان الرجل عالماً في الفلك كعلمه في الشرع يشهد له العلماء والمؤرخون وأصحاب التراجم. لذلك فكلامه نابع من العلم والإيمان وهما عمقين بعيدين لم يصلهما" جاليليو" الذي جاء بعد ابن تيمية بحوالي أربع قرون.
وابن تيمية ذكر هنا معلومتين هامتين يعبران عن الفهم الإسلامي لحقائق الكون هما:
(1) أن السماء والأرض ليس لهما فعل ظاهر يعظم في النفوس كما للشمس والقمر والليل والنهار.
(2) إن السماء والأرض اعظم من الشمس والقمر والليل والنهار.
فالمعطيات الدينية تقول بأن السماء والأرض ليس لهما أي فعل، ولننظر إلى سور القرآن وهي 114 سورة فلن نجد سورة واحدة باسم السماء أو الأرض، بينما نجد سور باسم الشمس والقمر والنجم والليل والضحى والفيل والنمل والبقرة والتين والطور والحديد. وذلك لأن السموات والأرض علي عظمهما وقدرهما فلا دوران لهما ولا فعل ولا حركة إلا أنهما يقلان المخلوقات جميعاً.
إذن فأحجام المخلوقات كما رتبها الله في سورة الحج وهي كالتالي:
السموات، فالأرض، فالشمس، فالقمر، فالنجوم، فالجبال، فالشجر، فالدواب، فالناس.



أدخل عنوان بريدك الإلكتروني هنا يصــــلك كل جديــــد





بلغ الادارة عن محتوى مخالف من هنا ابلغون على الروابط التي لا تعمل من هنا



توقيع : manel


التوقيع



قصة الخلق من العرش إلى الفرش  story of Creation By Eid Wardany Emptyالجمعة 25 يناير - 22:44
المشاركة رقم: #
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
عضو الجوهرة
الرتبه:
عضو الجوهرة
الصورة الرمزية


البيانات
عدد المساهمات : 17945
تاريخ التسجيل : 17/10/2012
رابطة موقعك : ورقلة
التوقيت

الإتصالات
الحالة:
وسائل الإتصال:


مُساهمةموضوع: رد: قصة الخلق من العرش إلى الفرش story of Creation By Eid Wardany



قصة الخلق من العرش إلى الفرش story of Creation By Eid Wardany

معلومات أرضية


لنترك ما قاله التجريبيون عن الأرض جانباً، وسواء أكانوا فلكيين أو منجمين أو طبوغرافيين. أو طبيعيين أو رياضيين. فلم يـر واحد منهم الأرض وهي تخلق. ونحن لم نراها، ولا نقول بما رأيناه، فلم نر إلا ما أرانا الله من الآيات، ولكننا سنقول ما يقوله الإسلام عن الأرض. وقد توصلنا بحمد الله وعونه وإرادته إلى هذه المعلومات التي استقيناها كلها من الدين:
(1) الأرض من أول مخلوقات الله: استغرق خلقها أربعة أيام، يومان لخلق جرمها. ويومان لخلق ما فيها من منافع ومصالح. ولم تخلق كما قالوا في بلايين السنين، عدوها 10 بلايين.
(2) لا يعلم على وجه التحديد متى خلقت الأرض. ولكنها خلقت بعد خلق اللوح
المحفوظ والقلم بخمسين ألف سنه. وتوافق بدء خلقها مع ليلة القدر وليس عمر الأرض كما يقولون بلايين السنين عدوها 4.5 بليون سنه بعدما تكونت ولكن المؤكد أن عمرها لا يبلغ عدة آلاف من السنين. أما نهايتها فليس كما قالوا بعد 5.5 بليون سنه ولكن لا يعلم أحد متى ستنتهي فهو من أول الغيبيات الخمس. ولكن المؤكد أنها ستنتهي يوم القيامة. بدكها ورجها. وزلزلتها ثم تبديلها. والحق أن عمر الأرض قد بقي منه بضع مئات من السنين إن لم يكن عشرات .
(3) الأرض هي أسفل سافلين وهي مركز الكون وفوقها سبع سموات بكثفها. أي بأرضياتها. وأرضنا هي السابعة وسماؤنا هي الأولى. وبيننا وبينها حوالي 7 مليون كم (مسيرة خمسمائة عام). وهي كاملة الاستدارة ، لا بيضاوية ، ولا مشطوفة القطبين ولا كمثرية ، ولكنها كروية تماماً.
(4) والأرض يغطي معظمها الماء. إلا مقدار الربع فهو يابس. واليابس مقسم إلى سبع قارات وهي التي نسميها:
(1) أفريقيا (2) آسيا (3) أوربــــا
(4) استراليا (5) أمريكا الشمالية (6) أمريكا الجنوبية (7) القارة القطبية الجنوبية.
ويتخلل هذا اليابس سبعة أبحر. أما بقية الماء واسمه (البحر المحيط) فهو الذي يقابل اليابس من الجهة الأخرى ويحيط به من كل اتجاه.
(5) محيط الأرض 43200 كيلو متر وليس كما يقولون 40077 كم. وبما أن الأرض دائرة فهي 360 درجة. فتكون المسافة بين كل درجتين 120 كم.
المهم في الأرض دقة محيطها واكتماله. أما القطر فلا يهم أن يكون رقماً صحيحا مكتملا لأن الأرض هي مركز ويحيط بها كل شيء ويدور حولها كل شيء ومن ثم فكان لابد أن يكون المحيط منضبطا وتاما فهو 360 × 120 = 43200 كم. أما باقي الأجرام السماوية فالمهم فيها القطر لأنها تدور حول محيط الأرض، وسنرى دقة أقطارها، وأنها أرقام صحيحة مكتملة بخلاف محيطاتها.
(6) قسمت الأرض تقسيما ذهنيا، فرضياً إلى خطوط طول وخطوط عرض. أما خطوط العرض فهي خطوط أفقية، متوازية. تدور بالكرة الأرضية، تمثل 180 دائرة.
ويقسم الأرض إلى نصفين متساويين خط يسمى بخط الاستواء وهو يدور بالأرض من نصفها وأعطى لهذا المدار الرقم (صفر) وتزداد الأرقام شمالاً وجنوباً بزيادة الدوائر العرضية حتى آخر نقطة شمالا وأعطى لها رقم (90) وتسمى نقطة القطب الشمالي. وآخر نقطة في جنوب الكرة مثلها وتسمى نقطة القطب الجنوبي.
وأعطى لبعض الدوائر الأخرى أسماء علاوة على الأرقام، فهناك مدار السرطان وهو مدار شمال مدار الاستواء وهو عند خط 22.75 عرض. ومدار آخر مماثل جنوبه ويسمى مدار الجدي وهو عند خط عرض 22.75 جنوباً.
وهذه هي الدرجات الصحيحة للمدارين وليس كما يقولون 23.5 شمالا وجنوباً وسنثبت ذلك بإذن الله. وهناك أيضا الدائرة القطبية الشمالية وأخرى جنوبية عند خطى عرض 67.25 شمال وجنوب.
(7) أما خطوط الطول. فقد قسمت الأرض أيضا إلى خطوط طول متساوية قدرها 360 خط بعدد درجات الدائرة، حيث يكون بين كل خط وآخر درجة واحدة. وبهذه الخطوط جميعها يحدد الزمان والمكان بدقة على الأرض. والمسافة بين الدرجة والأخرى 120 كم مكاناً و4 دقائق زماناً. بحيث يكون لكل 15خط ساعة كاملة.
وهذه الخطوط لم يحددها رجال الفضاء ولا رواد عصر الإلحاد (عصر النهضة) وإنما هي خطوط معروفة منذ آلاف السنين، وليس تحديدها وتقسيمها بهذا من صنع البشر بل هو تقسيم وتحديد إلهي سنثبت ذلك في حينه بإذن الله.
غير أن أرقام هذه الخطوط هي التي تم تحديدها في أواخر القرن التاسع عشر. وقد انعقد المؤتمر الجغرافي سنة 1884 في جرينتش القريبة من لندن وكان ضمن أعمال هذا المؤتمر تحديد خط طول ليكون هو خط الصفر. فاختاروا الخط الذي يمر على قرية جرينتش تيمنا بمكان الانعقاد وجعلوا هذا الخط هو الخط الرئيسي الذي أعطى له رقم صفر وأصبح هو الذي يقسم الكرة الأرضية، حيث تبدأ الأعداد من يمينه ومن شماله لتنتهي جميعا بخط طول 180o.
وقد جاء اختيار هذا الخط بالذات ليكون الخط الرئيسي لأن إنجلترا كانت آنذاك سيدة الأرض ليس غير ذلك. ولكن الحقيقة أن هذا ليس هو الخط الرئيسي طبقا للتقسيم الإلهي لخطوط الطول والعرض. وإنما كان هناك خط رباني هام ينبغي على علماء المسلمين أن يتمسكوا به لأنه هو الحق. ولكن علماء المسلمين لا حول لهم ولا طول.
خط الصفر مكة المكرمة
ليس هذا عاطفة دينية ولا تعصبا مليا ولكن هذا هو الحق المبين. ولو كان هناك إنصاف لما كان أمام المؤمنين والكافرين سوى هذا الخط الذي يمر بمكة المكرمة ليكون هو الخط الرئيسي الذي تتفرع منه الخطوط يمينا وشمالا فمكة، والكعبة تحديدا هي التي تتوسط الأرض وسنسوق للمؤمنين أدلة من الكتاب والسنة، وسنسوق للكافرين أدلة من أطلس الخرائط الجغرافي.
أما أدلة الكتاب:
فهي قوله تعالى:
وَلِتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا (الأنعام:92، الشورى:7) فهذا الأمر نزل مرتين في آيتين. والمقصـودة بأم القرى هي (مكة المكرمة) فهي الأم والأصل والأساس ومن حولها متفرع منها. كقول تعـالى (أم الكتاب) أي الكتاب الرئيسي الذي يتفرع منه وينسخ منه كل الكتب. وكما أن الأم هي الأصل الذي يتفرع منه كل الأفرع فكذلك مكة هي الأم وكلمة مَنْ حَوْلَهَا توحي بتوسط مكة تماماً يؤيد هذا أيضا قولــه تعالى:
وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عـَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا (البقرة:143).
ومكة هي أعظم القرى لأنها محل البيت الحرام الذي جعله الله لكل الناس، فوضعه تعالى وسط الأرض. وهو قبلة المسلمين في كل مكان. وهذا يعنى أن البيت الحرام تحديدا هو نقطة مركز الأرض. الذي فوقه البيت المعمور الذي في السماء ولو خر لخر عليه.
وعندما يتحدث القرآن عن المشرق أو المغرب فإنما يحدد هما من مكة المكرمة وهو ما رأيناه عندما تحدث عن مطلع الشمس ومغربها الذان وصل اليهما ذو القرنين، وعندما أخبر سبحانه وتعالى عن الأرض التي أورثها لبني إسرائيل فقد حددها من الخط الذي يمر بمكة المكرمة فقال تعالى في سورة الأعراف الآية 137 وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا  والمقصود بمشارق الأرض ومغاربها هي أرض الشام وما حولها، ونحن نعلم أن أرض الشام ليست في شرق الأرض ولافي غربها، وإنما هي في وسطها، هذا بالنسبة لمعلوماتنا الحديثة، ولكن القرآن يخبرنا أن الخط المار بمكة المكرمة ينصف الأرض الى نصفين، نصف مشرق وآخر مغرب، وحيث أن الشام وما حولها يمر بها هذا الخط فإنه يجعلها بين المشرق والمغرب، وفي الحديث الذي رواه مسلم عن رسول الله  أنه أخبرعن أهل الشام فقال: " لايزال أهل المغرب ظاهرين لايضرهم من خالفهم حتى تقوم السـاعة". قال أحمد بن حنبل: أهل المغرب هم أهل الشام. وقال بن تيمبة: هم كما قال الإمام أحمد لوجهين:
أحدهما: ان في سائر الحديث بيان أنهم أهل الشام.
الثاني: أن لغة النبي  وأهل مدينته في" أهل المغرب" هم أهل الشام ومن يغرب عنهم كما أن لغتهم في أهل الشرق هم أهل نجد والعراق ومن يشرق عنهم.
فالاعتبار في كلام النبي  بما كان غرباً وشرقاً له بالمدينة.
إذن فالمدينة المنورة على ساكنها الصلاة والسلام هي ومكة على خط الصفر الذي يقاس به..
والشام (فلسطين ولبنان والأردن وسوريا) بحسابنا نحن هي من بلاد الشرق وتحديداً الشرق الأوسط لإنها شرق جرينيتش. ولكن بحساب الشرع هي من بلاد الغرب لإنها غرب مكة والمدينة. فكل ما كان غرب مكة والمدينة فالغرب، وكل ما كان مشرقهما فالشرق.
فمكة أم القري من تحتها دحيت الأرض، والشـام إليها يحشر الناس، فمكة مبدأ والشام معاد في الخلق. لذلك أسري برسول الله  من مكة إلي بيت المقدس في الشام. لأن مبعثه ومخرج دينه من مكة، وكمال دينه وظهوره وتمامه حتى مملكة المهدي بالشام. (انتهى كلام ابن تيمية).
من أجل ذلك كان رسول الله  يحدد المكان أو الزمان على الأرض بمكة والمدينة وهما على خط الصفر.
وهناك حديث أخر أشكل على كثير من العلماء ويسمي بحديث النزول، وهو حديث صحيح متواتر يقول فيه رسول الله :" ينزل ربنا - تبارك وتعالى - إلي السماء الدنيا في ثلث الليل الآخر. فيقول: هل من داعٍ؟ فاستجب له. أو مستغفر؟ فأغفر له. حتى يطلع الفجر".
لقد أثير هنا تساؤل أن رسول الله  وقّتَ النزول بالثلث الآخر من الليل ومعروف أن الليل ينتقل مـن مكان إلي آخر مما يلزم أن يكون الليل دائما، ويكون الرب دائما من السماء. ولا يحل هذا الإشكال إلا إذا عرفنا أن المقصود بالليل هنا ليس هو ليل الأرض كلها وأنما ليل خط الصفر أي ليل مكة المكرمة تحديداً. هذا فضلاً عن اعتقادنا بأنه تعالى لا يـزال فوق العرش، ولا يخلو العرش منه مع نزوله إلى السماء الدنيا، ولا يكون العرش فوقه، وليس نزوله كنزول إجسام بنى أدم من السطح إلي الأرض بحيث يكون السقف فوقهم، بل الله منزه عن ذلك.
وبنفس توقيت ليل مكة المكرمة ينزل ربنا تبارك وتعالى إلي السماء الدنيا يباهي بأهل عرفة الملائـــكة ويقـــول: }انظروا إلي عبادي اتوني شعثا غبرا{. كما ورد عن رسول الله .
أما أدلة السنة:
فقـد روى عبد الرازق وعبد بن حميد وابن المنذر عن قتادة في قوله وَلِتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى قال: هي مكة. وبلغني أن الأرض دحيت من مكة. وروى عن عطاء بن دينار نحوه.
وهو الخط الذي يمر أيضا بقبر رسول الله بالمدينة.
فهذا الخط يمر إذن بالحرمين الشريفين، ويقابل في نفس الوقت البيت المعمور الذي في السماء السابعة.
أيترك علماء المسلمين هذا الخط ويتخذوا من عزبة أو كفر جرينتش مركزا للأرض.
























أما الأدلة المادية:
لـو نظرنا في أطلس الخرائط لوجدنا مكة المكرمة تتوسط العالم شرقا وغربا وشمالا وجنوبا. وإذا وضعنا القارتين الأمريكيتين بجوار قارتي أوربا وأفريقيا أي ضممنا القارات الأربع لتعود لوضعها قبـل الطحو فسنجد مكة تتوسط اليابسة تماما من كل الجهات، على غير (عزبة جرينتش) التي يقسم خطها العالم إلى الثلث والثلثين. وجرينتش كما هو واضح أقصى الشمال من العالم.
كذلك نرى خط السرطان الذي يتوسط الأرض اليابسة يمر بين مكة والمدينة تماما علاوة على ذلك فإن الخط الطولي المار بمكة المكرمة وهو الآن (40o ) شرق جرينتش هو خط يمر بأرض الحضارات القديمة والأديان الثلاثة الموجودة في الأرض جميعا والتي مصدرها السماء. كما أن هذا الخط هو أقرب خطوط الأرض للأرض المقدسة بفلسطين.
وأخيرا فهذا الخط المار بمكة المكرمة هو الخط الفاصل بين قارتي أسيا وأفريقيا، وأسيا وأوربا. لذا على علماء الأرض تصحيح الوضع في هذا الأمر أيضا. فمكة هي الخط الرئيسي وأما الأمر الذي هو في غـاية الأهمية والذي يحتم علينا تغيير خط الصفر من جرينتش إلى مكة. هو مستقر الشمس الذي هو مقابل تماما لمكة من الجهة المقابلة من الأرض.
أين المستقر؟
يقول تعالى: وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (يس:38) وقد ذكرنا شرح رسول الله  لهذه الآية وتبيانه لمعنى المستقر، وماذا تفعل فيه الشمس. فيما رواه البخاري عنه عندمـا قال لأبي ذر حين غربت الشمس" تدرى أين تذهب؟" قلت الله ورسوله أعلم. قـال:" فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش فتستأذن فيؤذن لها. ويوشك أن تسجد فلا يؤذن لها. ويقال ارجعي من حيث جئت، فتطلع من مغربها فذلك قوله تعالى وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ. وذكرنا شرح ابن كثير للمكان الذي تذهب فيه الشمس حتى تسجد. وهو في المحيط الهادي فوق خط الاستواء، وفي المكان الذي يقابل مكة المكرمة، وهو التقاء خط 140 مع خط الاستواء.






هنا صورة

معلومات شمسية
(1) الشمس خلقت في الساعات الأخيرة من اليوم السادس من أيام الخلق. ولم تخلق كالأرض، ولكنها خلقت بكن.. فكانت، عمرها من عمر الأرض إلا أنها تصغر عنها بستة أيام. وستنتهي أيضا مع الأرض في يوم واحد.
(2) والشمس ليست كروية وإنما هي كقرص الرحى. وهي تدور حول الأرض كل يوم في مدار دائري تماما طوله 4320000 كم (أربعة مليون وثلاثمائة وعشرون ألف كم).
(3) قطر الشمس 9000كم بينما يبلغ قطر الأرض 14000كم تقريباً. وتبعد الشمس عن الأرض بمسافة 687272.72 كم (ستمائة وسبعة وثمانون ألف كم ومائتان واثنين وسبعين كم وسبعمائة وعشرين مترا).
(4) تقطع الشمس مدارها في يـوم 24 ساعة بسرعة 180000 كم / ساعة، 3000 كم / دقيقة، 50 كم / ث. وتقف كـل يوم لتسجد حوالي 2.45 دقيقة كل يوم.
(5) عندما تكون الشمس في الأفق أي متأهبة للغروب (أو الشروق) فإنها تشغل بقرصها 4 / 3 درجة أي أننا لو وضعنا 480 قرصا متجاورين متماسين فستحيط بالأرض تماما. ولو فعلنا ذلك بالقمر فإننا سنحتاج إلى 360 قرصا تماما لأن قرص القمر عندما يكون مماس للأفق فهو يشغل درجة تماما. كذلك يستغرق قرص الشمس لكي يختفي من الأفق 3 دقائق، أما القمر فيستغرق اختفاء قرصه من الأفق 4 دقائق.
(6) تدور الشمس في الفلك الرابع حول الأرض بينما القمر في الفلك الأول وعطارد في الفلك الثاني، الزهرة في الفلك الثالث.
(7) نســبة محيط الأرض (43200 كـم) إلى مــدار الشمس (4320000 كم) هو 1: 100.
(Cool يصل ضوء الشمس إلينا في لمح البصر. ولا يستغرق 8 دقائق كما يقولون.
(9) تتحرك الشمس بين المدارين (السرطان والجدي) وكلاهما يقع عند خطى 22.75 شمال وجنوب الاستواء. ومجموعهما 45.5o تطلع الشمس بينهما ذهابا 182 مطلعا وإيابا 182 آخرين لتتم سنتها 364 يوم، تزيد عليها 62, من اليوم هي إجمالي مدة سجودها كل يوم 2.45 دقيقة.
وليس كما يقولون أن سنتها 25, 365 يوما. وحيث أن الشمس تطلع 182 مطلع في نصف السنة متخطية 45.5o (ما بين المدارين) فإن ذلك يعنى أنها تقطع كل يوم ربع درجة أي 30 كم.
علاقة الشمس بالقارات
بما أن الشمس يكون طلوعها الدائب طول السنة بين المدارين (السرطان شمالا والجدي جنوبا ) فإن في أثرها في القارات السبع لآية، بل آيات:
أ - فقارة أفريقيا هي الوحيدة بين القارات التي يمر عليها جميع المدارات. بل هذه المدارات الثلاثة لتقسم القارة تقسيما دقيقا حكيما مما يوحي بأن يد القدرة قد عملت هذا التقسيم. حيث يمر خط الاستواء في منتصفها فيقسمها نصفين بالتساوي، بينما المداران يسويان طرفيها الشمالي والجنوبي، حيث تكون المسافة شمال مدار السرطان مساويا تماما للمسافة في جنوب مدار الجدي.
ب - ثم هناك قارتان يمر عليها مداران هما آسيا وأمريكا الجنوبية. فآسيا يمر بجنوبها مدار السرطان، وأقصى الجنوب خط الاستواء. أما أمريكا الجنوبية فيمر وسطها مدار الجدي وشمالها خط الاستواء.
جـ – وهناك قارتين يمر بكل منهما مدار واحد. أمريكا الشمالية يمر بجنوبها مدار (السرطان). واستراليا يمر بوسطها مدار (الجدي).
د - وهناك قارة وحيدة لا يمر عليها أي مدار من مدارات الشمس وهي قارة أوربا التي لا يصل إليها إلا أشعتها فقط طول العام على معظم أجزائها. وأثر ذلك أيضا على لون بشرة سكانها.
هـ - ثم أخيرا القارة السابعة وهي القطبية الجنوبية (انتاركتيكا)، وهي فضلا عن بعدها عن المدارات فإن أشعة الشمس لا تصيبها إلا نصف عام فقط. لذلك فهي قارة جليدية.
ملخص مدارات الشمس في القارات
(1) قارة أفريقيا: الوحيدة التي تمر عليها المدارات الثلاثة بالتساوي.
(2) قارة أوربا: لا يمر عليها أي مدار.
(3) قارة آسيا: يمر عليها مداران (الاستواء، والسرطان).
(4) قارة أمريكا الجنوبية: يمر عليها مداران (الاستواء، والجدي).
(5) أمريكا الشمالية: يمر عليها مدار واحد (السرطان).
(6) استراليا: يمر عليها مدار واحد (الجدي).
(7) انتـاركتيكا: لا يمر عليها أي مدار، ولا يصلها شعاع الشمس إلا 6 أشهر في السنة. إن هذا التقسيم البديع، المحكم صنعته القدرة الإلهية بطحـو الأرض إلى قارات متباينة. وبدوران الشمس حولها بين مدرات متساوية منطلقة من مكان واحد هو المستقر هذا التقسيم الذي من أجله لون الله البشرات بألوان متباينة، وغير اللغات بألسنة مختلفة، وهذا لا تصنعه الأرض بدورانها. إنما هذا من صنع الله عز وجل وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ (الروم:22).
وبطلوع الشمس بين المدارين تتحدد الفصول الأربعة، ويتفاوت طولي الليل والنهار فعندما تطلع الشمس فوق خط الاستواء يكون الخريف والربيع في نصفي الأرض ثم عندما تصل الشمس إلى رأس السرطان يكون الصيف في النصف الشمالي والشتاء في الجنوبي. وعندما تعود الشمس إلى خط الاستواء مرة أخرى يكون الربيع والخريف بالتبادل بين نصفي الأرض. ثم عندما تصل الشمس إلى رأس الجدي يكون الصيف في النصف الجنوبي والشتاء في الشمالي وهكذا.
أما اختلاف طولي الليل والنهار وتباينهما طولا وقصرا فلحركة الشمس اليومية بين المدارين، فعندما تكون مطالع الشمس ناحية السرطان يطول نهار النصف الشمالي ويقصر ليله. وفي نفس الوقت يقصر نهار نصف الأرض الجنوبي ويطول ليله. وعندما تكون مطالع الشمس ناحية مدار الجدي يحدث العكس. وعندما تكون مطالعها علي خط الاستواء يستوي الليل والنهار في نصفي الكرة الأرضية.













صورة








كيفية الدوران و تكون الفصول
تدور الشمس حول الأرض في مدار دائري تماماً طوله 4320000 كم تقطع هذا المدار في يوم 24 ساعة .
تنهى الشمس دورتها اليومية، وينتهي مدارها بوصولها إلى المستقر، وهو فوق منتصف المحيط الهادي (جنوب شرق جزر هاواي) عند التقاء خط الاستواء بخط طول 140. هذه المنطقة هي التي تنتهي عندها دورة الشمس اليومية، وهي التي يتـم فيها السجود والاستئذان، ويكون وقت الظهيرة في هذا المكان، منتصف الليل في مكة. أما بالنسبة لحركتها على اليابسة فهي تنتقل كل يوم من مطلع إلى أخر فتقطع المسافة التي بين المدارين في سنة كاملة وهي 45.5o فتقطع كل يوم4/1 درجة تقريباً فتكون قد طلعت 182 مطلع ثم تعود أدراجها إلى حيث بدأت في 182 مطلع آخر ليكتمل لها بذلك 364 مطلع في السنة يضاف إليها مدة سجودها كل يوم 2.45 دقيقة أي في السنة 14ساعة و52 دقيقة و48 ثانية أي 62, من اليوم. لتكمل بذلك السنة الشمسية 364.62 وليس 365.25.
كيف تدور الشمس بين المدارين؟
لو اعتبرنا بداية السنة الشمسية من بداية طلوعها من مدار الاستواء. فإن ذلك يكون في 21 مارس وهو بداية فصل الربيع في النصف الشمالي، والخريف في النصف الجنوبي، فتبدأ الشمس بطلوعها من المستقر بعد استئذانها وتدور في مدار يقطع الأرض نصفين تماما.
وفي هذا اليوم يتساوى الليل والنهار تماما لكل منهما 12 ساعة. وتتساوى أشعة الشمس في انتشارها على الأرض. فالشمس توزع أشعتها 90 درجة حولها في كل مكان. ففي هذا اليوم تكون الشمس عمودية تماما على خط الاستواء بينما تصل أشعتها إلى نقطة القطب الجنوبي وكذلك الشمالي بالتساوي، حتى إذا ما عبرت اليابسة بعدما أشرقت عليها خارجة من المحيط بادئة بالشروق على جزر إندونيسيا مارة بالمحيط الهندي فقارة أفريقيا فالمحيط الأطلنطي فأمريكا الجنوبية ثم تعود إلى المحيط الهادي مرة أخرى من الغرب حتى تذهب إلى مستقرها فتسجد دقيقتين وخمسة وأربعين ثانية. وتستأذن للطلوع فيؤذن لها. فتعود لجريها منطلقة لتشرق على اليابسة من جديد فتطلع من المحيط إلى اليابس ولكنها قد تقدمت شمالا 30 كم.
أي أنها تطلع من مطلع جديد بعد مطلع الأمس 4/1 درجة شمالا وتظل في جريها حتى تغرب عن اليابسة من مغرب آخر شمال مغرب الأمس 4/1 درجة أي 30 كم.
ثم تواصل جريها حتى تصل إلى مستقرها وهـو نفس مـكان الأمس فهي لا تغير مستقرها لأنه" مستقرها" فتسجد لله عز وجل 2.45 ق ثم تستأذن فيؤذن لها فتنطلق لتشرق على الأرض اليابسة بيوم جديد.
وهكذا تطلع الشمس كل يوم من مطلع جديد على سكان اليابسة، لكنها كل مرة تعود في المحيط إلى نفس مستقرها الذي عيناه، لا تتحرك عنه كل يوم إلا بمقدار ما تسجد. وتظل الشمس تتحرك في شروقها وكذلك غروبها ناحية مدار السرطان كل يوم بنفس القدر 4/1 درجة إلى أن تصل المدار بعد 91 مطلع فتكون قد قطعت 22.75o وعند حلولها رأس المدار تكون قد أنهت فصلى الربيع (في شمال الاستواء) والخريف (في جنوبه) وتبدأ فصلين جديدين، الصيف على سكان شمال خط الاستواء، لأن الشمس تطلع كل يوم فوقهم أو قريبا منهم. والشتاء على النصف الجنوبي حيث تطلع الشمس بعيدا عنهم. ويكون ذلك 21 يونيه. وتبدأ الشمس رحلة العودة من رأس السرطان متجهة كل يوم ناحية مدار الجدي وتطلع من مكان المطلع السابق تماما، وبعد 91 مطلع أي 91 يوما تصل مرة أخرى إلى خط الاستواء فتنهي بذلك فصلي الصيف والشتاء.
ويبدأ فصلين جديدين الخريف شمالا والربيع جنوبا (أي عكس ما حدث في المرة الأولى عندما كانت الشمس متجهة لمدار السرطان). ويكون ذلك في 22 سبتمبر.
أما عن الليل والنهار: فإنهما يتساويان عندما تطلع الشمس فوق خط الاستواء ولكنها عندما تطلع بعد ذلك وهي متحركة في مطالعها جهة السرطان، فإن النهار يطول دقيقة كل يوم لأن الشمس تطلع كل يوم من مطلع يبعد عن سابقه 4/1 درجة، والدرجة 4 دقائق كما ذكرنا.
وكلما زاد الليل نقص النهار بنفس قدر زيادة الليل. أي أن الليل والنهار يتبادلا هذه الدقيقة فيزيد هذا في ذاك. ثم عندما تعود الشمس من السرطان إلى الاستواء مرة أخرى يزيد ذاك في هذا. حتى يعودا كما كانا متساويين.
كذلك يختلف ليل ونهار المنطقة الشمالية عن ليل ونهار المنطقة الجنوبية لخط الاستواء اختلافاً تبادليا أيضا. فإذا كان في يوم ما ليل شمال الاستواء قصير، كان في المقابل ليل الجنوب طويل. ويكون ليل الشتاء طويل سواء أكان في الشمال أو في الجنوب. ونهاره قصير، وذلك لأن الشمس تكون بعيدة فيقصر وقت طلوع الشمس. ويكون ليل الصيف قصير ونهاره طويل لنفس العلة.
وزيادة دقيقة أو نقصانها في أحد الوقتين إنما يكون لسكان ما بين المدارين أما خارجهما فالمدة تزيد قليلا أو كثيرا حسب قرب أو بعد المكان من المدارين وهو ما سنبينه في حينه بإذن الله.
ثم ما حدث مع الشمس في النصف الشمالي أثناء تقدمها لمدار السرطان ورجوعها منه، يحدث بنفس الصورة في النصف الجنوبي مع تبادل الفصول وتبادل طولي الليل والنهار. حتى إذا وصلت الشمس إلى رأس مدار الجدي تكون الشمس أيضا قد طلعت 91 مطلعا في 91 يوما فيبدأ فصلين جديدين الشتاء في الشمال والصيف في الجنوب ويكون ذلك في يوم 22 ديسمبر ويسمى هذا اليوم (الانقلاب الشتوي) كما يسمى يوم 22 يونيه (الانقلاب الصيفي). أما في الربيع والخريف فيسمى بدايتهما (اعتدال الزمان)، لأن فيه يتساوى الليل والنهار.
تبدأ الشمس رحلة العودة إلى خط الاستواء متتبعة نفس المطالع السابقة حتى تصل مرة أخرى إليه يوم 21 مارس، فتكون الشمس قد أتمت دورة كاملة، قطعت فيها 12برجاً وطلعت بين المدارين 182 مطلعا ذهابا، ومثلها إيابا. فتكون قد طلعت في السنة 364 مطلعا يضاف إليها أوقات السجود وقدرها 62, من اليوم.
علاقة الشمس بسكان ما بعد المدارين
تدور الشمس حول الأرض من الشرق إلى الغرب ولكنها أثناء دورتها لا تصل إلى أقصى شمال الأرض (القطب الشمالي) وإلى أقصى جنوبها (القطب الجنوبي) ولكنها تدور فقط متنقلة بين المدارين اللذين على بعد 22.75 شمالا وجنوبا أي 45.5o من 180o، فهي تدور في ربع الأرض ولكنه الربع الأوسط والأكبر.
والشمس تتعامد على سكان المدارين حينما تمر فوقهم. ولكنها لا تتعامد أبدا على سكان ما بعد المدارين. بل أنها في أطراف الأرض قد تظهر ليل نهار، في نصف سنة، وقد تختفي ليل نهار في نصف السنة الآخر وذلك بالتناوب بين الطرف الشمالي والطرف الجنوبي. وذلك لأن الشمس توزع أشعتها على الكرة الأرضية 90 درجة في كل اتجاه، فهي عندما تدور حول مدار الاستواء تصل أشعتها إلى القطبين، ثم عندما تتجه مطالعها نحو مدار السرطان تتقلص أشعتها من عند القطب الجنوبي كل يوم 30 كم أي 4/1 درجة وفي نفس الوقت ترسل أشعتها إلى ما بعد نقطة القطب الشمالي وبنفس القدر الذي يتقلص من القطب الجنوبي يذهب إلى ما بعد القطب الشمالي حتى تصل الشمس إلى مدار السرطان فعندئذ يتقلص شعاعها حتى خط عرض 67.25 وسمى هذا الخط بالدائرة القطبية الجنوبية.
وتظل أشعة الشمس تتقلص عن هذه المنطقة يوما فيوم حتى يقف التقلص عند الدائرة القطبية الجنوبية يوم 22 يونيه، بينما يتخطى شعاع الشمس نقطة القطب الشمالي حتى يصل إلى 22.75 درجة زيادة على القطب. أي يصل إلى الدائرة القطبية الشمالية من الجهة المقابلة. أي تظل الدائرة القطبية الشمالية منيرة بالشمس طول ستة أشهر، تصل في مناطق إلى حد أن ترى الشمس ليل نهار.
وعند القطبين يكون الوضع غريبا جدا لأن الشمس تظل دائرة حول الأرض ليل نهار. أما النصف الآخر فلا يرى الشمس ليل نهار وهكذا بالتناوب. هذا بالنسبة للراصد من فوق نقطتي القطبين تماما.
وتوقف الشمس وسجودها ليس أمرا معنويا، بل أمرا ماديا، وإن كان ليس بلازم أن يكون السجود لجميع الكائنات مماثل لسجود الإنسان على سبعة أعضاء.
وبإمكان التأكد من توقف الشمس لمدة 2.45 دقيقة كل يوم في المستقر.
وهذه المدة هي نفس المدة التى يسجدها الإنسان. فمتوسط سجود المسلم في صلاته حوالي 5 ثواني في السجدة الواحدة. فإذا كان المسلم يصلي في اليوم 17 ركعة لخمس فروض وفي كل ركعة سجدتان. فيكون إجمالي ما يسجده في اليوم نفس ما تسجده الشمس في مستقرها.
والشمس عندما تجرى فهي لا تفعل ذلك لمجرد الجري، ولا لتدور حول الأرض بل إنها تنطلق شوقا إلى مستقرها رغبه في التقرب إلى ربها لأنه" أقرب ما يكون العبد إلى ربه وهو ساجد" كما ثبت عن النبي . ولأن هذه الثواني هي زادها لباقي الرحلة وبه تتقوى وعليه تحيا ومن أجله تجري. وكأنها تحسب عمرها الحقيقي بهذه الدقائق المعدودة التي تتشرف فيها بالسجود والكلام إلى ربها عز وجل.
لقد أخبر الله تعالى المؤمنين بأن هذه الأمور التي ذكرناها تتم بثبات الأرض.
واختلاف مطالع الشمس يرجع لما سماه القرآن الْمَشْرِقَيْنِ وأيضا الْمَشَارِقِ.
بعد المشرقين 5460 كم
يخبرنا الله تعالى بأن اختلاف الفصول و اختلاف طولي الليل والنهار لاختلاف المشارق وتم هذا الأمر في آيات منها:
(1) وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأرْضِ وَمَغَارِبَهَا
(الأعراف:137)
(2) قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ (الشعراء:28)
(3) رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ الْمَشَارِقِ (الصافات:5)
(4) رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ (الرحمن:17)
(5) فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ (المعارج:40)
(6) رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لا إِلَهَ إلا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلا (المزمل:9)
(7) حَتَّى إِذَا جَاءنا قَالَ يَا ليتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ
(الزخرف:38).
(Cool فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنْ الْمَشْرِقِ (البقرة:258).
ذكرت الآيات الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ و المَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِو الْمَشْرِقَيْنِ و الْمَغْرِبَيْنِ إن هذه الآيات أيها السادة تبين أمورا لا يرقى إليها خيال التجريبيين، وهي أمور لا ينتبه إليها إلا أولو الألباب. وعلماؤنا بإذن الله أهل لذلك.
هذه الآيات ذكرت مشرق ومغرب مفردا ومثنى وجمعا.
كما ذكرت الآيات بعداً لما بين المشرقين.
أما ذكر المشرق والمغرب. بكل الصيغ، مفرد ومثنى وجمع. تأكيد لأن الشمس لها مشرق تشرق منه ولها مغرب تغرب فيه وأنها ليست ثابتة بالنسبة للأرض، وأن حركة الشمس التي نراها حركة حقيقية، وليس كما يقولون:" إنها حركة ظاهرية" " وإن الأرض هي التي تتحرك" " وإنه بمجرد دورانها تظهر الشمس".
يمحو القران هذا الوهم بتأكيد أن هناك مشرقا ومغربا بل مشرقين ومغربين. والمشرقين هما مشرق الصيف ومشرق الشتاء ومثلهما للمغربين، أي مداري السرطان والجدي.
وأما المشارق والمغارب فهي مطالع الشمس وعددها 182 مطلع في المشرق ومثلها في المغرب. وهذه المطالع بين المدارين تطلع فيهما الشمس مرتين مرة ذهابا وأخرى إيابا لتكون الفصول الأربعة ولتكون سنة شمسية.
أما ذكر الآيات لمشرق ومغرب ولم تذكر فيها شمالا وجنوبا، لأن الأمر ليس متعلقا بجهات للأرض بقدر ما هو متعلق بمطالع ومساقط للشمس. ومما يؤكد ذلك أن القرآن لم يذكر الجهتين الأخريين الذين تعارفنا عليهما الشمال والجنوب. ولكن القرآن يذكر فقط الشــرق والغـرب. مما يعنى أن الأرض لها اتجاهان رئيسيان متعلقان بمطالع الشمس ومساقطها. مما يعنى أكثر أن الشمس لها اتجاهان ثابتان لا غير تأتى وتذهب فيهما.
ويبدو هنا سؤال ولا تبدو له إجابة، وهو: هل دوران الأرض حول الشمس كما تقولون سيجعل هناك اتجاهين محددين؟ إن الأرض بهذا الدوران فضلاً عن دورانها حول نفسها، بالإضافة لباقي حركاتها تنفي أن يكون لها أي اتجاه ثابت لا مشرق ولا مغرب ولا غيرهما. بل سيصبح الشرق غربا والغرب شرقا بعد 12 ساعة من الدوران. فعندما تكون الساعة 7 صباحا تكون الهند في الشرق ونيويورك في الغرب، أما بعد 12 ساعة - أي بعد نصف دوره للأرض - سيصبح العكس، فستكون الهند غربا ونيويورك شرقا.
ولكن الآيات حددت أن الأرض لها مشارق ومغارب، أي أماكن تطلع منها الشمس وأماكن تغرب فيها. ويقول تعالى فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنْ الْمَشْرِقِ فهو اتجاه ثابت ومكان محدد.
أما بعد المشرقين الذي ذكر في قوله تعالى: حَتَّى إِذَا جَاءنا قَالَ يَا ليتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ (الزخرف:38) فالمشرقين هما: مدار السرطان ومدار الجدي فهما مشرقا الشمس صيفا وشتاء وبعد ما بينهما 5460 كم. هذه المسافة عرفناها بالحساب والاستنتاج والإعجاز العددي للقرآن الكريم.
أما معرفتها بالإعجاز العددي للقرآن فقد حصرنا الآيات التي وردت فيها المشارق والمغارب وبجمع أرقام هذه الآيات وجدنا أنها كالتالي:
السورة الأعراف الصافات المعارج المجموع
رقم الآية 137 5 40 182



أدخل عنوان بريدك الإلكتروني هنا يصــــلك كل جديــــد





بلغ الادارة عن محتوى مخالف من هنا ابلغون على الروابط التي لا تعمل من هنا



توقيع : manel


التوقيع



قصة الخلق من العرش إلى الفرش  story of Creation By Eid Wardany Emptyالجمعة 25 يناير - 22:46
المشاركة رقم: #
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
عضو الجوهرة
الرتبه:
عضو الجوهرة
الصورة الرمزية


البيانات
عدد المساهمات : 17945
تاريخ التسجيل : 17/10/2012
رابطة موقعك : ورقلة
التوقيت

الإتصالات
الحالة:
وسائل الإتصال:


مُساهمةموضوع: رد: قصة الخلق من العرش إلى الفرش story of Creation By Eid Wardany



قصة الخلق من العرش إلى الفرش story of Creation By Eid Wardany

وهو عدد مطالع الشمس وبضرب هذا الرقم في عدد أيام الشهر 30 فيكون 5460 كم.
أما الحساب فهـو بضـرب مسافة الدرجة 120كم × عدد درجات المداريـن 45.5 oفيكون الناتج: 5460 كم.
أين عرش إبليس؟

قد يندهش جمهور المسلمين إذا أخبرناهم بأحاديث صحيحة عديدة لرسول الله  يحدد فيها مكان عرش إبليس ولماذا اختار هذا المكان بالتحديد ليكون مقرا لعرشه. ويتساءل بعد ذلك المسلمون ولماذا لا يخبرنا علماؤنا بهذه الأحاديث لنولي الأمـر أهميته؟
والإجابة: أن علماء المسلمين يستحون أشد الحياء من هذه الأحاديث التي تخالف ما يقوله السادة التجريبيون. ومع ذلك فنستأذن علماءَنا الأجلاء أن نكشف لجماهير المسلمين بعضا من العلم المكتوم.
روى أحمد عن جابر بن عبد الله عن رسول الله  قال:" عرش إبليس في البحر يبعث سراياه في كل يوم يفتنون الناس وأعظمهم عنده منزلة أعظمهم فتنة للناس".
وإبليس عليه اللعنة يحاكى الله عز وجل، كفرا منه واستكبارا. فإذا كان للرحمن عرش فإنه يتخذ لنفسه أيضا عرشاً. وإذا كان عرش الرحمن على الماء فإن الشيطان يتخذ لنفسه عرشاً على الماء.
والبحر عند العرب إذا ذكر مطلقا فهو البحر المحيط أي المحيط الهادي. والشيطان يتخذ المحيط الهادي مقرا لعرشه لأنه أولاً أكبر بحر في الأرض ولأنه ثانيا يريد أن يكون متصلا بكل الأرض وأسهل وأمثل وسيلة هو البحر المحيط الذي يتخلل جميع القارات وهو أكثر من نصف الأرض. كما أن البحر عموما هو الموطن الأصلي للجن. وروى البخاري عن أبى هريرة عن رسول الله  أنه قال" رأس الكفر نحو المشرق". وروى البخاري أيضا ومسلم عن الزهري عن سالم عن النبي أنه قام إلى جانب المنبر فقال:" الفتنة هاهنا. من حيث يطلع قرن الشيطان" أو قال" قرن الشمس".
وروى البخاري عن عمر رضى الله عنهما أن رسول الله  قال" إذا طلع حاجب الشمس فدعوا الصلاة حتى تبرز. وإذا غاب حاجب الشمس فدعوا الصلاة حتى تغيب. ولا تحينوا بصلاتكم طلوع الشمس ولا غروبها، فإنها تطلع بين قرني شيطان، أو الشيطان".
فهذا الحديث وغيره يبين مكان العرش وبالتالي مكان المستقر، لأن الشمس عندما تصل إلى مستقرها في نهاية وبداية سيرها يكون الشيطان منتصباً تحتها بقرنيه كأنها تسجد له وتستأذنه - هكذا يوهم نفسه - وكأن عباد الشمس الذين يسجدون لها في طلوعها أو غروبها يسجدون له، يوهم نفسه أيضا.
هكذا وجد الشيطان الرجيم أنسب مكان لعرشه وجعله مستقرا تحت مستقر الشمس حيث تسجد هي لربها، وحيث يسجد لها عبادها. وهي حلقة من قصة إبليس مع الشمس. وكثيرة تلك الأحاديث التى تؤكد أن الفتنة في الشرق وأن إبليس عرشه في البحر وأن الشمس تطلع بين قرنيه.
ومعرفة مكان عرش إبليس يفسر لنا اللغز المحير لهذا المكان من المحيط الهادي من اختفاء للسفن والطائرات وحوادث يشوبها الغموض.
فلا نتعجب إذا عرفنا مصير سفينة أو طائرة تمر فوق عرش الشيطان.
سورة الشمس
ليس في القرآن سورة باسم الأرض، وذلك لأن الأرض ليس لها أي فعل، ولا أي حركة بخلاف الشمس التي لا تتوقف عن الحركة إلا لتسجد ثم تستأذن وتستأنف سيرها:
وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا (1) وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاهَا (2) وَالنَّهَارِ إِذَا جَلاهَا (3) وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا (4) وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا (5) وَالأرْضِ وَمـَا طَحَاهَا (6) وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (Cool قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا (10) كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا (11) إِذْ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا (12) فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا (13) فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا (14) وَلا يَخَافُ عُقْبَاهَا (15) .
نـزلت سورة الشمس في مكة وترتيبها في المصاحف رقم (91) وآياتها (15) آية.
وقد تبدو السورة للوهلة الأولى غريبة لاختصاص ثمود بالذكر فيها دون كل الأمم أو لأنها ذكرت أصلا في سورة تتحدث عن آيات كونية. لكن المتدبر سيجد أن الأمر عجيب وليس غريب. ومعجز رغم أنه موجز.
ففيها 10 آيات تتحدث عن آيات عامة، و5 آيات تتحدث عن آيه خاصة، والآيات العامة 4 منها عن الشمس وحدها: ضوءها وحرارتها في آية. وحركتها في الثانية، وإظهارها في الثالثة، واختفاءها في الرابعة.
وآية عن بناء السماء، وآية عن تقسم قارات الأرض. و4 آيات عن النفس: تهيئتها لقبول الخير والشر في آية، وإيداع علم الخير والشر في النفس، فتعرف أن هذا خير وهذا شر بالفطرة في آية ثانية. وأن من يزكي نفسه بأن يجعلها تعمل الخير دائما فسوف يفلح، وهذه التزكية غير التزكية المنهي عنها في قوله: فَلا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ (النجم:32). فهذه تزكية مرفوضة إذا كانت تزكية إدعاء، وقول، وكلام، بأن ينسب الإنسان لنفسه أو حتى لغيره فردا كان أو جماعة الصلاح والتقوى. فهذا لا يجوز أما أن يزكى نفسه بالفعل والعمل فهذا هو المطلوب والهدف الأساسي من الابتلاء.
وسيخسر خسرانا مبينا من يغمس نفسه في الشر والرذيلة لأنه سيوردها نار جهنم يوم القيامة وهذه خيبة من الإنسان ما بعدها خيبة.
وهذه الشمس بما تفعله وما يفعله القمر والليل والنهار معها آية لا تخفي على أحد أنها دليل على قدرة الله ووحدانيته، وأنه المتصرف والمدبر لأمر الشمس وحده بلا شريك. وآية السماء ببناءها العظيم المبهر الذي ليس فيه أي عيب أو خطأ أو يشوبه أي خلل، آية على وجود الله العظيم وجماله وإبداعه.
وآية الأرض بتغطيتها بالماء من كل نواحيها وتوزيع الأرض اليابسة وارتفاعها عن الماء بالقدر الذي يمنع الماء من الطغيان عليها وبالقدر الذي يسمح للشمس أن توزع ضوءها بتناسق وتباين مراد. حيث تختلف بهذا التقسيم للقارات، عادات الناس وتقاليدهم وألوانهم وألسنتهم وميولهم ونشاطهم وأعمالهم وثقافاتهم واشكالهم وأحجامهم وأطوالهم. وذلك ليتم تبادل العلاقات بينـهم واحتياج بعضهم لبعض وانـجذاب بعضهم لبعض. كقوله تعـالى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ (الحجرات:13). فبدأ ذلك بطحو الأرض أي تقسيمها بهذا الشكل المعجز الذي هو فعل الله لا فعل السنين وهو من قدرته تعالى، لا من زحزحة القارات عبر ملايين السنين.
وآية النفس العجيبة وهي النفس الإنسانية التي تختلف عن كل النفوس. في قابليتها لعمل الشيء ونقيضه. والتي من أجلها قام هذا الامتحان الكبير، ولها سخر كل شيء. كل ذلك آيات بينات باهرات سواء في النفس أو الآفاق.
ورغم هذه الآيات التي لا يختلف أحد على عظمتها فإن الإنسان أعرض عنها ولم يلتفت إليها، فأرسل الله إلى الأمم آيات خاصة لهم، وكان منها آية الناقة.
وسبب ذكرها في سورة الشمس لأنها كانت آية كالشمس في ضحاها. وثمود هم الذين طلبوها. لقد أعلنت ثمود لصالح أنها لن تؤمن بـه إلا إذا جاءهم بآية فكان ما طلبوا، وأخرج لهم الله من صخور الجبل ناقة عظيمة الجسم بديعة الشكل وشهدوا جميعا هذا الحدث بأعينهم وعلموا جميعا أنها ناقة الله ومـع ذلك كذبوا رسولهم فقال لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا أي.. أليست هذه هي الآية التي طلبتموها للإيمان. ولما رأى صالح طغيانهم، خاف عليهم فحذرهم مغبة أن يحدثوا أمرا في الناقة أو مسقاها. فكان مـا خشى صالح منه فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا (14) وَلا يَخَافُ عُقْبَاهَا (15) أي أنه تعالى يفعل ما يريد ولا يخاف عاقبة ما يفعل، فلا معقب لحكمه.
البروج و المنازل
ذكرت هاتان الكلمات في القرآن.
أما البروج فقد ذكرت أربع مرات. يقول تعالى:
وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ (البروج:1)
وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ (16) وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ
رَجِيم ٍ(17) (الحجر)
أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُّمْ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ (النساء:78)
تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا
(الفرقان:61).
فالسراج وهي الشمس والقمر المنير يسيران وينتقلان في هذه البروج.
وأصل البروج: الحصون. فهي حصون مشيدة بالنجوم (كأنها قلاع) كشأن الحصون أن تكون في أماكن مرتفعه من الأرض و هي تشيد على أعلى مكان في البلدة كذلك بروج السماء فهي أعلى شيء في السماء. لأنها مكونة من النجوم. وهي محميات براجمات الشهب وهي تدور في السماء. ولقد ضرب الله بها المثل لقدرته تعالى في الموت فقال أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِككُّمْ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ. لأنها أعلى مكان في السماء ومحفوظة بأقوى أساليب الدفاع.
ولا خلاف بين الأمم في أنها اثنا عشر برجاً. تسميها كل أمة بلسانها، ويتفقون في المعنى على أسماء العرب لها ويبدءون بما ابتدأت به العرب منها، وهي: الحمل (الكبش)، والثور، والجوزاء (التوأمان)، والسرطان، والأسد، والعذراء (السنبلة)، والميزان، والعقرب (الصورة)، والقوس (الرامي)، والجدي، والدلو والحوت (السمكة).
وسموا الأبراج بهذه الأسماء لأن نجومها كانت مشاكلة للصورة المسماة بأسمائها. فأسماء الأبراج تبعا لما تخيله الناس من صور تكونها النجوم في السماء. وسمي المداران اللذان تدور الشمس بينهما باسمي النجمين المقابلين للمدارين في القبة السماوية. فهذا السرطان لأنه يقابل نجم السرطان. وذاك الجدي لمقابلته لنجم الجدي فيها.
وإذا تحركت الأرض بالدوران فلن يكونا هذين النجمين مقابلين للمدارين المسميين باسمهما. فكون المدارين ثابتين فإنما هذا دليل على ثبات الأرض.
وقسمت هذه الأبراج الإثنى عشر إلى منازل، هي عند جميع الأمم ثمانية وعشرون منزلا وتسميها كل أمة بلسانها، ويتفقون في معانيها ويبدءون بما ابتدأت به العرب منها وهي: النطح، والبطين، والثريا، والدبران، والهقعة، والهنعة، والذراع، والنثرة، والطرف، والجبهة، والزبرة، والصرفة، والعواء، والسماك، والغفر، والزبـــاني، والإكليل، والقلب، والشولة، والنعائم، والبلدة، وسعد الذابح، وسعد بلع، وسعد السعود، وسعد الأخبية، والفرع المقدم، والفرع المؤخر، والبطن.
وهذه الاسماء هي أسماء لنجوم تقابل أجزاء شكل البرج، فمثلا الزراع والنثرة والطرف والجبهة والزبرة والصرفة والعواء والسماك هي أعضـاء الأسد. والزباني والإكليل، والقلب، والشولة، كلها أعضاء للعقرب. وهكذا.
والأبراج والمنازل هي التي يجري فيها القمر والشمس والكواكب، فالشمس تبقى في كل برج من هذه الأبراج شهر، وتنزل كل من هذه المنازل 13 يوم.
القطب: نقطة لا تتحرك، يدور حولها الفلك، وفي القاموس نجم تبنى عليه القبة وهي نقطة لا يبلغها الشمس والقمر، ولا غيرهما من الكواكب الدرارى. والقطب لا يزول كما لا يزول قطب الرحى. وللفلك قطبان، قطب في الشمال، وقطب في الجنوب على نقطتين متقابلتين، تدور الكواكب كلها بين النقطتين. ويرى ذلك سكان المناطق القريبة منهما. وفي إطلاق لفظ القطبين على القطب الشمالي والقطب الجنوبي للأرض لا يعنى أن الأرض تدور حول هذين القطبين. ولكن لأن كلا منهما يقابل نقطة القطب في القبة السماوية. وكأن القبة رحى تدور حول هذين القطبين المرتكزين بين الأرض والسماء.
وعند القطب الشمالي نجم ثابت في السماء تدور حوله نجوم القبة السماوية، وثبات هذا النجم دليل مادي على ثبات الأرض وعدم دورانها حول الشمس.
*****















شكل تقريبي للأرض والقبة السماوية حولها وبها الأبراج وعددها 12والمنازل وعددها 28 منزلا. والشمس والقمر ينزلان هذه المنازل والأبراج. فالشمس تنزل المنزلة وتبقى فيها 13يوماً. وتبقى في البرج شهرا. ويلاحظ في الأبراج أنها تشغل منزلتين وثلث منزلة فكل برج له منزلتان وثلث. وأعطيت للمنازل أسماء هي أشهر أسماء النجوم الموجودة بها والتي تكون الشمس قريبة منها وكذلك القمر. وكما هو واضح يشغل نصف السماء 6 أبراج دائما. فلا تخلو القبة من وجود 6 أبراج تختلف شهرياً.

طلوع الشمس من مغربها
من الأمور المتفق عليها لدى جميع المسلمين طلوع الشمس من مغربها فقد ثبت ذلك عن رسول الله  بأحاديث صحيحة رواها كل رواة الأحاديث لأن طلوع الشمس من مغربها علامة انتهاء الامتحان الكبير والابتلاء العظيم فبعد طلوع الشمس من مغربها لا يقبل إيمان أحد لم يكن مؤمنا قبل ذلك.
وفي حديث سجود الشمس الذي رواه البخاري وغيره أن رسـول الله  قال لأبى ذر:" فإنها تذهب حتى تسجد تحت العـرش فتستأذن فيؤذن لها ويوشك أن تسجد فـلا يـؤذن لها. ويقال لها ارجعي مـن حيث أتيت. فتطلع مـن مغربها فـذلك قـوله تـعالى وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا (يس:38).
وعن الحافظ أبو بكر البيهقي عن عبد الله بن مسعود قال ذات يوم لجلسائه: أرأيتم قول الله تعالى: تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ (الكهف:86) ماذا يعنى؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: أنها إذا غربت سجدت له وسبحته وعظمته ثم كانت تحت العرش، فإذا حضر طلوعها سجدت له وسبحته وعظمته ثم استأذنته. فيقال لها: اثبتي. فتجلس مقدار ليلتين قال: ويفزع المتهجدون وينادى الرجل تلك الليلة جاره يا فلان. ما شأننا الليلة. لقد نمت حتى شبعت، وصليت حتى اعييت ثم يقال لها اطلعي من حيث غربت فذلك يوم لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل. أو كسبت في إيمانها خيرا".
وفيما رواه ابن مردوية عن رسول الله :" فبينما هم كذلك صاح الناس بعضهم في بعض فقالوا: مـا هذا؟ فيفزعون إلى المساجد. فإذا هم بالشمس قد طلعت حتى صارت في وسط السماء، رجعت فطلعت من مطلعها قال: فحينئذ لا ينفع نفساً إيمانها".
والسؤال هنا: لمن الخطاب؟ هل هو للشمس أم للارض؟ كيف ستطلع الشمس من مغربها؟ هل ستدور إلى الجهة الأخرى؟
هل ستغير الشمس من اتجاهها تماماً. فبدلا من الدوران حول المجرة، ستلتفت للأرض وتدور حولها؟
وفي الحديث الذي رواه أحمد" ثم تستأذن في الرجوع فلا يرد عليها شيء، حتى إذا ذهب من الليل ما شاء الله أن يذهب. وعرفت أنه وإن أذن لها في الرجوع لم تدرك المشرق قالت: رب ما أبعد المشرق. من لي بالناس. حتى إذا صار الأفق كأنه طوق استأذنت في الرجوع فيقول لها. ارجعي فاطلعي من مكانك، فطلعت على الناس من مغربها".
فهذا يؤكد أن الشمس تشرق كل يوم كعادتها من المشرق، لقوله" وعرفت انه وإن أذن لها في الرجوع لم تدرك المشرق..".
وكيف ستعود من حيث أتت إذا كانت هي تجرى نحو المجرة أو نحو أي شيء من ذلك الذي يدعونه؟
كذلك لا يمكن أن يكون طلوعها من المغرب هو تغيير دوران الأرض حيث تدور من الشرق إلى الغرب.
نعتقد أيها السادة لو لم يكن هناك أدلة على دوران الشمس حول الأرض وثبات هذه الأخيرة سوى هذا الدليل لكفي. فماذا ستقولون فيه إرضاءً لكوبرنيقوس أو جاليليو أو غيرهما؟
هل هذه الأحاديث لم تصل ليد علمائنا الأجلاء؟ ولو كانت وصلتهم فما ردهم عليها هل يكذبون رسول الله؟ هل يكذبون الرواة؟ هل لديهم فهم خاص لهذه الأحاديث؟

*****
















آية القمر









إحـدى آيات الله تعالى، وبدعا من إبداعاته، ونعمة تامة للناس، وهم عنها غافلون، إنه القمر، دليل الحيارى، وسمير المستوحشين، ورفيق الطريق، ذلك القرص الأبيض الذي يتحدى في عليائه ظلمات الليل، والذي يغشى نوره نور كل الكواكب والنجوم. ممتع مرآه هلالاً. وملهم مرآه بدراً.
ذلك الذي من روعته وجماله وجلاله عبد. وما هو إلا آية واحدة من آيات الله في الكون. قد يعرف الكثير من الناس فائدة الشمس، ولكن الكثيرين جدا يجهلون فائدة القمر.
يقول ابن القيم في وصف الشمس والقمر في كتاب (التبيان في أقسام القرآن):" ومن تدبير أمر هذين النيرين العظيمين وجدهما من أعظم الآيات في خلقهما وجرمهما ونورهما وحركاتهما على نهج واحد لا ينيان، ولا يفتران، دائبين، ولا يقع في حركتهما اختلاف بالبطء والسرعة، والرجوع والاستقامة، والانخفاض والارتفاع. لا يجرى أحدهما في فلك صاحبه. ولا يدخل عليه في سلطانه. ولا تدرك الشمس القمر، ولا يجىء الليل قبل انقضاء النهار. بل لكل حركة مقدرة، ونهج معين لا يشركه فيه الآخر. كما أن له تأثيراً ومنفعة لا يشركه فيها الآخر. فهذا القمر جرم أسود مستدير. عظيم الخلق، يبدو النور بخيط متسخن ثم يتزايد كل ليلة. حتى يتكامل نوره فيصير أضوأ شيء وأحسنه وأجمله ثم يأخذ في النقصان حتى يعود إلى حالته الأولى فيحصل بسبب ذلك معرفة الشهور والسنين. وحساب آجال العلم. من مواقيت حجهم وصلاتهم ومواقيت أجائرهم ومدايناتهم ومعاملاتهم التي لا تقـوم مصالحهم إلا بها، فمصالح الدنيا والدين متعلقة بالأهلة.
فإذا تأمل هذا البصير اللبيب ورأى أن هذا الجرم، وإلى سيره دائبا لا يفتر مسخر، مدبر، وهبوطه تارة وارتفاعه أخرى، وأفوله تارة وظهوره تارة، وذهاب نوره شيئا ثم عودته إليه كذلك، وسبب ضوئه جمله واحدة حتى يعود قطعة مظلمة بالكسوف علم قطعا أنه مخلوق مربوب مسخر، تحت أمر خالق قاهر مسخر له كما يشاء، وعلم أن الرب سبحانه لم يخلق هذا باطلا وعلم أن هذه الحركة فيه لابد أن تنتهي إلى انقطاع وسكون، وأن هذا الضوء والنور لابد أن ينتهي إلى ضده، وأن هذا السلطان لابد أن ينتهي إلى العزل وسيجمع بينهما جامع المتفرقات بعد أن لم يكونا مجتمعين ويذهب بهما حيث يشاء.
ولو شاء الله تعالى لأبقى القمر على حالة واحدة لا يتغير، ولجعل التغيير في الشمس، ولو شاء لغيرهما معا. ولو شاء لابقاهما على حالة واحدة. ولكن يرى عباده آياته في أنواع تصاريفها ليدلهم على أنه الله الذي لا إله إلا هو الملك الحق المبين، الفعال لما يريد أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأمْرُ (الأعراف).
أما تأثير القمر في ترطيب أبدان الحيوان والنبات. وفي المياه، وجزر البحر ومده وبحرانات الأمراض وتنقلها من حال إلى حال وغير ذلك من المنافع فأمر ظاهر.
ومن تأمل حكمته سبحانه في ارتفاع الشمس وانخفاضها ولإقامة هذه الأزمنة الأربعة من السنة وما في ذلك من مصالح الخلق، ففي الشتاء تغور الحرارة في الشجر والنبات. وحصول الأفعال والقوى وحركات الطابع. وفي الصيف يخرم الهواء فينضج الثمار. وتشتد الحبوب، ويجفف وجه الأرض، فيتهيأ للحمل والنبات، بمنزلة راحة الحامل بين الحملين، ففي هذه الأزمنة مبدأ ومعاد مشهود، وشاهد بالمبدأ والميعاد الغيبي. وبمصلحة هذين النيرين تتم مصالح العالم، وبذلك يظهر الزمان، فإن الزمان مقدار الحركة.
والسنة الشمسية مقدار سير الشمس من نقطة الحمل إلى مثلها والسنة القمرية مقدرة بسير القمر وهو أقرب إلى الضبط واشتراك الناس في العلم به، وقدر أحكم الحاكمين تنقلهما في منازلهما لما في ذلك من تمام الحكمة ولطف التدبير، فإن الشمس لو كانت تطلع وتغرب في موضع واحد لا تتعداه لما وصل ضوؤها وشعاعها إلى كثير من الجهات، فكان نفعها يفقد هناك، فجعل الله سبحانه طلوعها، دولا بين الأرض لينال نفعها وتأثيرها كل البقاع. فلا يبقى موضع من المواضع التي يمكن أن تطلع عليها إلا أخذ بقسط مـن نفعها واقتضى هذا التدبير المحكم أن وقع مقدار الليل والنهار على 24 ساعة. ويأخذ كل منهما من صاحبه.
ومنتهى كل منهما إذا امتد خمس عشرة ساعة، فلو زاد مقدار النهار على ذلك إلى 50 ساعة مثلا أو أكثر لاختل نظام الكون أيضا، وتعطلت المصالح. ولفسد أكثر الحيوان والنبات وكذلك لو نقص.
ولو استويا لما اختلفت الفصول في السنة لأن باختلافهما مصالح العباد والحيوان فكان في هذا التدبير المحكم من الآيات والمصالح والمنافع ما يشهد بأن ذلك تقدير العزيز العليم" أ. هـ.
القمر المظلوم
القمر عند التجريبيين الآن لا قيمة له، خاصة بعدما صعدوا إليه ولم يجدوا فيه ما يساوى ما أنفقوه في سبيله، وما تكبدوه وما ضحوا به من أرواح من أجل السير دقائق على ظهره ـ كما يدعون ، وأنا أشك في صعودهم ـ فالقمر لا علاقة له في تحديد المواقيت، وتقويم الشهور، لأنهم يتخذون الشمس دليلا فيعرفون بها اليوم والشهر والسنة. والقمر لا يعترفون به.
وهو عندهم تابع للأرض لا فائدة منه إلا أنه أحد أجرام السماء التي يوجد في المجموعة الشمسية - كما يسمونها - 61 قمرا مثله. فمعظم الكواكب حولها أقمار. وإن كان في القمر نفع فهو ملهم لبعض الشعراء، وما خلا عاشقان إلا كان هو ثالثهما، ولعل هذا هو أهم دور للقمر الآن أنه حارس للعشاق أو هو ضروري لاكتمال المشهد الجمالي لهم.
هـذه الصورة على النقيض مما كانت تبدو للقمر قديما. فقد اتخذته أمم كثيرة معبودا لها. ومنهم مـن اتخذه إلها مستقلا لا شريك له، ومنهم من عبده مع الشمس ونسبوا لهما الاختصاصات. وقد ظلموه قديماً وحديثاً.
ولم تقدر البشرية قيمة القمر التي خلقه الله لها. ولم يعترفوا بالمهمة الرئيسية للقمر، والتي من أجلها خلقه الله وسخره.
القمر في القرآن
خلق من خلق الله وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَر (الأنبياء:33) فلم يتكون القمر من اصطدام الشمس بنجم، أو من دمار نجم، كما أنه لم يتكون من المحيط الهادي، فلم يخرج القمر من الأرض أبداً. وإنما هو خلق مستقل تماماً.
وهو أيضا آية من آيات الله، وليس (ديكورا) لجلسة شاعرية رومانسية وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ (فصلت:37). آية دالة على وجوده وقدرته وعلمـه وحكمتـه ولكـن أكثر الناس لا يعلمون.
والقمر كغيره من مخلوقات الله العابدة، الطائعة. وقد أخبر تعالى أنه أحد العابدين وثانى السبعة الذين يسجدون لله: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ... (الحج:18) وهو واحد من الذين سخرهم الله تعالى للإنسان وَسَخَّرَ لَكُمْ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ (إبراهيم:33) ويجرى القمر كالشمس. وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي (الزمر:5).
وليس في الكون كله إلا قمران: قمر في السماء، وآخر في الأرض. وقمر السماء لا يوجد في الكون غيره لقوله تعالى: أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا (15) وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا (16) (نوح) ففي السموات السبع لا يوجد إلا قمرنا هذا.
ويقولون أن للمريخ قمرين وللمشترى 16 قمراً وزحل 23 قمراً حتى عدوا أكثر من ستين قمرا في الفضاء، فهذا كله باطل، والقرآن يخبر أن هناك قمراً واحداً. والكتاب المقدس يخبر أن هناك قمراً واحداً وكل تاريخ البشر وكـل الحضارات تقول بأن في السماء قمراً واحداً. وعيناي لا ترى إلا ذلك.
وما يقوله المنجمون والفلكيون فهو كذب. وتكذيب لكل من ذكرت. تماما كما كذبوا في قولهم عن الأرض بأن هناك مثلها ملايين في الفضاء. فالقمر بهذا الشكل المتميز، بحجمه وشكله ونوره ومنازله وسيره، فليس في السماء إلا هو.
وفي القرآن ذكر القمر 28 مرة، معظمها آيات مكية. ومن هذا العدد ذكر مرة (أهلة) وهذا الرقم 28 هو نفس عدد منازل القمر.
اقترن ذكر القمر بذكر الشمس 15 مرة وجاء فيها جميعا تالى لها (الشمس والقمر) وهو تأكيد لقوله تعالى وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاهَا (الشمس:2) أي تلا الشمس. فليس القمر تابع للأرض ولكن هو - إن جاز التعبير - تال وتابع للشمس. لأن معنى تلا: تبع. كما أن القمر لم يقترن ذكره بالأرض أبدا.
ويوجد في القران سورة باسم (القمر) كما للشمس. ترتيبها في المصاحف رقم 54.
قمرنا في الأرض
وكما أن في السماء قمراً ففي الأرض قمر آخر، هو: محمد . بل أخبرنا الله أنه قمر الأرض وشمسها كقمر السماء وشمسها سواء بسواء أليس الله تعالى يقول: تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا (الفرقان:61) والسراج هو الشمس.
ويقول تعالى عن محمد : وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا (الأحزاب:46).
ونفس الوظائف والخصائص التي جعلها الله للشمس والقمر في السماء جعلـها لرسول الله  في الأرض. فهو زينة الأرض، وهو ضوءها ونورها وهو  مثلهما الهادي من الضلال، والمخرج من الظلمات إلى النور، وهكذا قال الله تعالى عن الشمس والقمر ومحمد  فقال تعالى عن القمر هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا (يونس:5) وقـال عـن محمد  قَدْ جَاءكمْ مِنْ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ (المائدة:15).
يدور القمر حول الأرض يومياً
قلنا أن البشر ظلموا القمر، وحرموه من ثمرة كفاحه، وقد ظل يجرى حول الأرض منذ أن خلقه الله حتى الآن، وحتى آخر لحظة من عمره لهدف أساسي وجوهري هو أن يكون تقويما لعدد السنين والحساب. وهو دور مكلف به من الله تعالى. وقـام به القمر على أكمل وجه وأحسن حال، وظل دائباً مسخراً يقطع الأبراج، ينزل المنازل، يجرى في الفلك، يتقدم أمام الشمس ويتأخر، يذوق الموت كل شهر ويولد آلاف المرات، ويخسف به مرات ومرات، ينفلق فلقتين، ويلتئم، لا يستنكف أن يكون - وهو القمر - تابعا للشمس، كل ذلك من أجل الإنسان، مؤتمرا بأمر الله، لا يعصي له أمرا.
لم يعترف الإنسان - وهو ظلوم جهول - بكل هذا الجهد، وبهذا التفاني، ولم يعطَ أي اعتبار لمدة الخدمة الشاقة، واستغنى بالشمس عن القمر، في معرفة السنين والحساب.
ولأن الجزاء من جنس العمل. فإن القمر يفضح البشر الذين أهملوا دوره بل وهضموا حقه، ونسبوا التقويم للشمس التي اعتبروها مركزا للكون، ويكشف القمر كذب جميع الذين يقولون بأن الأرض تدور والشمس ثابتة بالنسبة لها.
ولكن كيف افتضح أمر الكاذبين؟
نقول: إن الأدلة التي سقناها هي جميعا أدلة شرعية لا تلزم العلميين ولا تلزم غير المسلمين. ولكننا سنسوق الآن دليلا ليس فقط علمياً، بل هو مادي، فهو لكل الناس للعالمين والأميين والجاهلين، والمؤمنين والكافرين.
وهذا الدليل مشاهد للكافة دون احتياج لأي تجربة، ودون استخدام أي أجهزة وهو دليل يغنى عن كل هذه الأدلة التي أجهدنا القارئ بها.
فأنتم جميعا تقولون بأن الأرض تدور حول نفسها كل يوم مرة. وتدور حول الشمس مرة كل عام. وتقولون بأن القمر يدور حول الأرض كل شهر دورة.
كما أنكم تقولون بأن دوران الأرض حول نفسها يسبب الليل والنهار، ويسبب ظهور الشمس بالنهار من جهة الشرق ثم تنتقل إلى الغرب، ويأتي أيضا القمر بنفس الحركة من الشرق، ويبدو لنا قد ذهب بالدوران إلى الغرب. وهكذا تبدو النجوم في السماء تتحرك حركتها الظاهرية من الشرق إلى الغرب. بينما هي لا تتحرك، هكذا تقولون.
كما أنكم تقولون بأن سبب طلوع الشمس من مطالع متجددة كل يوم يرجع إلى أن الأرض لها ميل أثناء دورانها حول الشمس، يجعل الشمس كأنها تغير من وضعها فتطلع من مطلع جديد كل يوم.
ولكـن القمر يكشف أن الأمر على غير ما تقولون.. تماما. إذ أنه يقطع الأبراج الإثني عشر في شهر واحد، ويطلع بين المدارين، كما تفعل الشمس غير أنه يذهب من مدار الجدي إلى مدار السرطان في 14 يوم ثم يعود إلى مدار الجدي مرة أخرى في نفس المدة فيتم الدورة.
وعلى ذلك فالقمر يسير مع الشمس في اتجاه أحد المدارين 14 يوما، ويخالفها في اتجاه المدار الآخر في 14 يوماً أخرى. وهذا يعنى أن الشمس تطلع من مكان فيطلع القمر في نفس الليلة من مكان آخر مخالف لمكان طلوع الشمس، ويظل الحال على هذا الأمر، الشمس تتجه في مطالعها يمينا والقمر يتجه في مطالعه شمالا.
وليس هذا فحسب، إنما كلما تقدمت الشمس خطوه تقدم القمر 13 خطوه، وفي عكس اتجاهها. وذلك لأن القمر لا بد أن يقطع بعد المشرقين (5460 كم) في 14 ليلة بينما تقطعه الشمس في 182 يوم. لذلك ينزل القمر كل ليلة منزلة بينما الشمس تظل - رغم طلوعها المتجدد كل يوم - في المنزلة 13 يوم.
فكيف يكون ذلك والأرض تدور حول نفسها؟
هل يعقل أن الأرض تدور حول نفسها فتظهر الشمس متجهة مطالعها يمينا، والقمر متجهة مطالعه إلى اليسار؟ ويظلا على هذا الأمر 14 يوما؟ والمفروض طبقا لدوران الأرض أن يرى كل ما في القبة السماوية من أجرام منحرفا في نفس الاتجاه الذي تنحرف فيه الشمس؟
أما النجوم فأمرها أعجب.
وذلك لأنها تخرج كل يـوم من نفس مطالعها السابقة وتسقط كل يوم في نفس مساقطها القديمة. ولو راقبنا طلوع النجوم وأفولها لوجدناها جميعا تطلع وتغرب في نفس أماكنها لا يحيد نجم واحد عن مكانه. هذا رغم أن جميع النجوم لا تطلع كل يوم في نفس الموعد السابق بل إنها تبكر في طلوعها 4 دقائق كل يوم ومع ذلك فإنها جميعا تطلع من نفس المكان، وكذلك أفولها.
إذن فنحن أيها السادة أمام أمر لا يمكن أن يحدث إلا إذا كانت الأرض ثابتة. وكل ما في القبة يدور حولها. ويدور كما قال تعالى وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (يس:40) فكل له مساره وله زمنه.
فالشمس تطلع متجهة ناحية اليمين 4/1 درجة. بينما القمر يطلع متجها ناحية الشمال 3.25 درجة فيرى كل يوم الشمس في اتجاه والقمر في اتجاه عكسها والنجوم ثابتة في نفس مكانها تطلع كل يوم من نفس مطالعها.
ولو كان الأمر أيها السادة أمر الأرض لرأينا كل ما في السماء يظهر بصورة واحدة. ولرأينا اختلاف مطالعها في اتجاه واحد جميعا. وحسبما تتجه الشمس في مطالعها. وكان لا يمكن مع ميلان الأرض أن تظهر النجوم من نفس أماكنها السابقة لا تتغير مليمتر واحد. ولا أن تذهب الشمس يمينا والقمر شمالا بثلاثة عشر مرة مثل الشمس.
فهذا الأمر أيها السادة يكشف عن خطأكم بمنتهى الوضوح. ويمكنكم جميعا أن تتأكدوا من ذلك دون حاجة إلى دراسة أو أجهزة فهذا أمر ميسر لكل الناس.
الميلان: إتباع للشيطان و مخالفة للرحمن
أثبتنا لكم بالدين والعلم والمشاهدة خطأ ما تقولون بدوران الأرض حول نفسها وحول الشمس. ورأيتم أن الشمس والقمر والنجوم تنفي أن تكون الأرض هي التي تميل في دورانها لتختلف المطالع.
وهـذا هو القرآن يتحدث عن الميل حيث يثبت أن القائلين به يتبعون الشيطان ويخالفون الرحمن.
فقد ذكرنا الآيات التي تنفي الميد عن الأرض. والميد هو الميلان، غير أن الميد هو الميل المادي الظاهري. والميل: النفسي الباطني، وكلا الأمرين نفاهما الله ونهى عنهما.
أما الميد فقال تعالى عنه وَأَلْقَى فِي الأرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ (النحل: 15) وقال وَجَعَلْنَا فِي الأرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ (الأنبياء:31 ) فالأمر غاية في الوضوح أن الأرض لا تميل ولا تميد.
وأما الميل فيقول فيه تعالى: وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلا عَظِيمًا (النساء:27). وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً ( 102 ). وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ ( 129).
هذه الآيات الثلاث من سورة النساء وهي كل ما ذكر في القرآن عن الميل. ونلاحظ أن كل آية ذكرت لفظ الميل مرتين أَنْ تَمِيلُوا مَيْلا فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ. ففيها جميعا الفعل والحال. والله تعالى يحذر منهما جميعا. فالآية الأولى تبين أن هذا من فعل الشيطان. وهو بالفعل الذي أوحى لأوليائه أن الأرض تميل والرحمن نفى هذا الميل. مع ذلك فأهل الأرض يصدقون الشيطان ويتبعونه ويقولون أن الأرض تميل. ويكذبون بذلك الرحمن ويخالفونه. والآية الثانية توضح أن الميل من فعل الكافرين. وهو ما نراه بالفعل فهم الذين اخترعوا فكرة أن الأرض تميل ونحن الذين اتبعناهم.
علم التاريخ و الحساب
قال تعالى مبينا علة خلق الشمس والقمر:
هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إلا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (يونس:5).
وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً  (الإسراء:12).
إن هاتين الآيتين لتوضحان علة خلق الشمس والقمر وكذلك الليل والنهار. فهو تعالى جعل الشمس ضياء. والقمر نورا، فهذا لينير الليل وتلك لتضئ النهار كما أنه تعالى جعل الليل سكنا، وجعل النهار معاشا.
وبالإضافة إلى هذه الخصائص فقد جعل الله تعالى الشمس والقمر لمعرفة عدد السنين ولعلم الحساب. وعن هذا يقول تعالى فضلا عن الآيتين السابقتين:
 الَشمس وَالقَمَر بحسبَان (الرحمن:5).
 فَالِقُ الإصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا (الأنعام:96).
تطلق العرب لفظ الحسبان على أمرين على الرحى، وعلى الحساب. والشمس والقمر في حركتهما حول الأرض يدوران لمعرفة السنين والتاريخ والآجال والمدد والحساب. لذلك يشمل لفظ القرآن (الحسبان) هذين الأمرين، طريقة الدوران وسبب الدوران.
وقد نص الكتاب المقدس في العهد القديم الإصحاح الأول أن الله تعالى خلق الشمس والقمر لنفس العلة التي ذكرها القرآن:
" وقال الله: لتكن أنوار في جلد السماء لتفصل بين النهار والليل، وتكون علامات للأعياد كما للأيام والسنين ولتكن أنوار في جلد السماء لتضئ الأرض. وكان كذلك. وعمل الله المنيرين العظيمين - المنير الأكبر لحكم النهار، والمنير الأصغر لحكم الليل - والنجوم وجعلها في جلد السماء لتنير على الأرض، ولتحكم على النهار والليل ولتفصل بين النور والظلمة، ورأى الله ذلك أنه حسن، وكان مساء وكان نهار اليوم الرابع".
فالنيرين العظيمين (الشمس والقمر) جعلهما الله في فلك السماء " لتنير على الأرض" و" لتفصل بين النور و الظلمة" و" لتحكم على النهار و الليل" و" لتفصل بين النهار والليل" و" لتكون علامات الأعياد كما للأيام والسنين" و" لتضئ الأرض" هذه المهام جمعيا نستخلصها من الآيات 14: 19 الإصحاح الأول.
وهي معطيات متفقة تماما مع معطيات القرآن، ومع الواقع الذي نراه. ومع معطيات الحضارات البشرية كلها.
وللمؤمنين بالقرآن يعطى الله بعض المبادئ ليسيروا عليها. هذه المبادئ تفهم من معاني الآيات وأيضا من أرقامها، بل ومن أرقام السور التي تحمل أسماء" الشمس"،" القمر" فالمبادئ التي تفهم من الأرقام هـي كما يلي:
سورة الشمس رقمها وعنوانها بالمصاحف كالتالي:
(91) سورة الشمس مكية وآياتها 15
ولهذين الرقمين (91) و(15) مغزى هام جداً بالنسبة للشمس وحركتها. فرقم 91 هو نفس مجموع الدرجات التي بين المدارين واللذان تدور بينهما الشمس. وقلنا وصححنا أن المدارين يقعا على خط عرض 22.75 وليس 23.50. وطبقا للتقدير الصحيح فيكون بعد ما بين المدارين 22.75 شمالا + 22.75 جنوبا = 45.5 أي من مدار الجدي إلى السرطان. تقطعها الشمس مرتين (ذهابا وإيابا) فتكون 91 لذلك وردت سورة الشمس في المصاحف رقم (91).
أما مدارها في السماء حول الأرض فهو 360 درجة وبقسمة هذه الدرجات على آيات سورة الشمس (15 آية) ينتج الآتي 360 ÷ 15 = 24 وهي عدد ساعات اليوم.
أما سورة القمر فقد جاء ترتيب السورة رقم (54) فالسنة القمرية (54) تمـامـا فــوق 300 لتكون 354 يوماً.
أما المبادئ التي تفهم من المعاني فقالوا: أن علم عدد السنين والحساب يؤخذ من الشمس والقمر، فالشمس لمعرفة قدر اليوم وقدر الأسبوع. والقمر لمعرفة الشهر والسنة. وما يحدث الآن في الاعتماد في التقويم على الشمس وحدها حتى في معرفة الشهر والسنة فهو أمر مخالف لسنة الله الكونية، ولآياته القرآنية والأحاديث النبوية، ومخالف أيضا لسيرة الأمة الإسلامية قبل قرن من الزمن امتدادا إلى بداية التقويم الهجري بل ومخالف لما عمل به العرب في الجاهلية قبل الإسلام. وقد اتخذت معظم الدول الإسلامية بتقويم الشمس وحدها حتى لو كان في ذلك مخالفة صريحة لله ورسوله وتراث الأمة، ولكن في ذلك رضا لأهل الغرب، والمهم رضا هؤلاء. ولا أمل لعودة هذه الأمة للعمل بتقويم القمر إلا إذا فعل الغرب ذلك.
وحتى يعلم المسلمون المخالفون لشرع الله، نعمة التقويم بالقمر التي أرادها الله لهم، ونقمة التقويم بالشمس نذكر طرفاً من عيوب هذا التقويم، ومزايا التقويم بالقمر، والمتاعب التي سببها التقويم الشمسي للآخذين به.
التقويم الميلادي (الشمسي) والتقويم القمري(الهجري)
طريقة التقويم التي سارعلى نهجها البشر، حتى الآن لم تخل من عيوب مما يحتاج إلى تصحيح كل مدة من الزمن. وهذا رغم اختلاف كل أمة وكل جيل على طريقة معينة للتقويم إلا أنها جميعا لا تخلو من عيوب لأنهم لا يعتمدون على القمر الذي جعله الله لهم لهذا الأمر.
حتى التقويم المعمول به الآن هو غاية في التعقيد. ولا يعدلون إلى التقويم السهل البسيط المنضبط وهو تقويم القمر، لا لشيء إلا لأن الله شرع الاعتماد عليه وهم لا يريدون إلا مخالفة الله. حتى لو تسبب لهم بذلك تعب ومشقة في الدنيا وهوان وعذاب في الآخرة، يقول تعالى يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ (البقرة:185) يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَج
(المائدة:6) ورغم ذلك فقد خالف الناس.
فهذا التقويم المعمول به في معظم دول العالم بما فيها الدول الإسلامية والذي يسمى بالتقويم الميلادي، هو في حقيقته تعديل للتقويم الروماني والذي كان سائدا قبل ميلاد المسيح بأكثر من 750 سنة ثم عدل في عهد يوليوس قيصر عام 46 قبل الميلاد، حيث جعل الشمس وحدها هي الأساس للتقويم. وثبتت مدة العام 365.25 يوما وقسمت إلى 12 شهرا خصص للشهر الأول وهو يناير 31 يوما وللشهر الثاني فبراير 30 يوما، وتبادلت الأشهر الباقية أيامها بين 30 و 31 يوم على التتابع، غير أن هذا النظام يجعل العام 366 يوما فقد خفض شهر فبراير إلى 29 يوما فيما عدا السنوات الكبيسة حيث يزاد له يوم.
وشرف البرلمان الروماني يوليوس قيصر بتغيير اسم الشهر السابع إلى يوليوس (شهر يوليو) وعندما تسلم أغسطس قيصر مقاليد الأمور عام 44 قبل الميلاد أرغم البرلمان الروماني على تسمية أحد الشهور باسمه فغير أسم الشهر الثامن إلى (أغسطس) ولكي يكون الشهران المسميان باسم القيصرين 31 يوما لكل منهما فقد أخذ يوما من فبراير وأضيف إلى أغسطس.
وأدت الشكاوى التي أثيرت بسبب عدم تساوى أطوال أرباع العام الخاص بأغسطس قيصر إلى عمل تغييرات أخرى، فأخذ يوم من سبتمبر وأضيف إلى أكتوبر، وأخذ يوم من نوفمبر وأضيف إلى ديسمبر. وعلى الرغم من كل هذا فلقد كان عام القياصرة أطول من اللازم بحوالي 12.5 دقيقة. وتجمع هذا الفرق على مر الزمن حتى اصبح عدد كبيرا من الأيام وبحلول عام 1582 تراكم الخطأ من وقت الاتفاق على تثبيت عيد الفصح وبلغ حوالي 10 أيام، فأصدر البابا جريجوري الثالث عشر مرسوما باستقطاع عشرة أيام من التقويم، فأوجب أن يكون اليوم التالي للرابع من أكتوبر 1582 هو 15 أكتوبر 1582 ولكي يمنع تكرار هذا الموقف أصدر مرسوما آخر يقضى بجعل كل سنة قرنية تقبل القسمة على 400 سنة كبيسة، وهذا يقلل الخطأ إلى مقدار صغير إذ يجب أن تمر 4000 سنة لإحداث خطأ قدره يوم واحد.
ومنذ هذا التاريخ اطلق على التقويم اسم" التقويم الجريجوري" ولأن بدايته أرجعت إلى ميلاد السيد المسيح فقد شاعت تسمية (الميلادي).
أما في بلاد الشام فقد عمل بالتقويم السرياني التي يرجع العمل به إلى أحد قواد الإسكندر الأكبر، وكان قد استقر به المقام في أرض سوريا، وبدأ العمل به عام 312 قبل ميلاد المسيح. وتنوعت سنواته أيضا بين الكبيسة والبسيطة. غير أن أسماء الشهور يطلق عليها مسميات أخرى وهي:
تشرين الأول، تشرين الثاني، كانون الأول، كانـون الثاني، شبـاط، آزار، ميسان، آيار، حزيران، تموز، آب، أيلول.
أما اليهود فقد اتخذوا لأنفسهم تقويما أطلقوا عليه" التقويم العبري" تتشابه فيه أسماء الشهور مع التقويم السرياني، لأن أصل كلا التقويمين يرجع إلى حضارة الكلدانيين. ويعتبر التقويم العبري السنة شمسية، بينما شهوره قمرية، ولذلك تختلف عدد الشهور خلال السنة فقالوا تكون أثنى عشر شهرا إذا كانت السنة بسيطة، وتزداد إلى 13 شهرا إذا كانت السنة كبيسة وفي كل 19 سنة توجد 7 سنوات كبيسة.
وأسماء الشهور العبرية هي: تشرى، مرحشواى، كسلو، طبت، شباط، أزار، آزار ثاني، نيسان، آيار، سيوان، تموز، آب، أيلول.
وأقباط مصر الأرثوذكس يستخدمون تقويما يوجد به شهر (نسئ) عدد أيامه 6 فقط.
أما العرب فقد كانوا يعتمدون في تقويمهم على القمر وليس الشمس وكان شهرهم يختلف بين 29 و30 يوم تبعا لظهور القمر. ولم يستقر العرب في الجاهلية على بداية شهورهم إلى حدث واحد. وكانوا ينسبونها إلى بعض الأحداث الهامة التي طرأت على مجتمعهم، وكانوا يطلقون على شهورهم القمرية أسماء متعددة، والأرجح أنها تغيرت في أوائل القرن الخامس الميلادي قبل ميلاد سيدنا محمد  وسميت بالأسماء الحالية، وكان العرب يعطون أنفسهم فترة للراحة والتوقف عن القتال خلال 4 شهور أطلقوا عليها" الأشهر الحرم" هي: رجب، ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم.
وفي عهد النبي  استمر الحال على ما هو عليه في احترام تحريم القتال خلال هذه الأشهر الأربعة التي تتفرق على فترتين، الأولى طولها 3 شهور والثانية طولها شهرا واحداً وكانت السنة تبدأ بشهر المحرم.
وفي عهد أبى بكر الصديق رضى الله عنه يطلقون على السنين أسماء أشهر أحداثها، مثل سنة الهجرة، وسنة الأمر بالقتال، وسنة حدوث الزلازل، وسنة الوداع وسنة فتح العراق.
غير أن الفضل في تحديد بداية التقويم يرجع إلى عمر بن الخطاب رضى الله عنه وكان مبعث ذلك خطاب أرسله عامله على البصرة" أبو موسى الأشعري" وذكر فيه أنه تحرر في شهر شعبان. فأتاه رد أبو موسى يقول:" لقد قرأنا كتابا محله شعبان فما ندرى أهو الذي نحن فيه أم الشهر الماضي" فأدرك عمر ضرورة وضع بداية للتاريخ الإسلامي. فجمع الصحابة وتداولوا في أنسب البدايات فاقترح بعضهم اتخاذ مولد الرسول بداية، وقال آخرون باتخاذ سنة البعثة بداية ورجح كثيرون بدأ التاريخ من سنة الهجرة، فقال عمر بن الخطاب: " الهجرة فرقت بين الحق والباطل فأرخوا بها"، وبالمحرم لأنه منصرم الناس من حجهم". ومنذ هذا الوقت بدأت تسمية التقويم الإسلامي باسم" التقويم الهجري" نسبة إلى ابتدائه من عام حدوث هجرة رسول الله  من مكة إلى المدينة، وأسماء الأشهر القمرية: المحرم، صفر، ربيع الأول، ربيع الآخر، جمادى الأول، جمادى الآخر، رجب، شعبان، رمضان، شوال، ذو القعدة، ذو الحجة.
وعند العرب يبدأ اليوم بغروب الشمس ويبدأ الشهر ببزوغ الهلال في الليلة الأولى منه. وكما أن الناس يتركون هدى الله في مسألة الإيمان والعقيدة فإنهم تركوا هدى الله في أخذهم بالتقويم الرباني، وهو تقويم القمر، الذي جعله الله لهذا الأمر، وهيئه لذلك بإنزاله في منازل، كل يوم منزل جديد، وفي كل منزل يأخذ شكلا جديدا وبعدا جديدا في السماء لا يخفي على أحد وهو يبدأ هلالاً صغيراً وليدا ويكبر كل يوم ضعف ما كان عليه في اليوم الأول. مما يجعله بعد 14 يوم يصبح بدراً أي كامل الإنارة والاستدارة، وذلك عندما يواجه الشمس بكل وجهه المواجه للأرض ثم يعود ليتناقص كما ازداد وبنفس الطريقة.
وهذه التغيرات في شكل القمر تحدث أمام كل الناس، في السماء وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ (يس:39).
فالله تبارك وتعالى قدر للقمر في فلكه منازل ينزل فيها كل يـوم ويبقى في المنزل يوماً وزيادة 7 / 6 ساعة، وعلى ذلك يكون جملة ما يمكثه القمر في المنازل: 28 × 7 / 6 =24 ساعة. لذلك يكون شهر القمـر 29. يزيد إلى 30 في 6 أشهر من السنة. لتكون سنة القمر 254 يوما دون أي زيادة أو نقص.

تقويم السنة بالقمر
إننا ملزمون شرعا بإتباع تقويم القمر، لأن الله تعالى جعله لنا كذلك، ومعرفة ساعات الليل وعدد الليالي في الشهر ومعرفة أيام الشهر كل ذلك سهل وميسور من نور القمر الذي يقل ويكثر، ومن وقت ظهوره أيضا.
فهو في الليلة الأولى يكون وراء الشمس بمنزلة، أي على بعد ساعة زمنية. فيغرب بعد غروبها بهذا الوقت وفي الليلة السابعة عندما تغرب الشمس يكون القمر في وسط السماء، ويغرب في منتصف الليل، وليلة 14 يطلع القمر فور غروب الشمس ويظل في السماء طوال الليل ويغرب بعد الفجر. وليلة 21 يطلع القمر من المشرق بعد منتصف الليل ويغرب وقت الظهيرة. وآخر ليلة يستتر فيها، لأنه يكون مواجها للشمس بوجهه الذي ينير به للأرض بينما يكون مولياً ظهره المظلم للأرض. وقد يستتر ليلتين ويكون الشهر 30 يوماً فإذا ظهر هلاله بعد الغروب كان هذا إعلاناً عن بدء شهر جديد.
فهذه هي منازل القمر التي ينزل فيها بتقدير العزيز العليم. لذلك نقول بأنه لا يوجد في السماء قمر آخر ينزل هذه المنازل ويسير هذا السير وينير بهذا القدر المتغير كل ليلة إ



أدخل عنوان بريدك الإلكتروني هنا يصــــلك كل جديــــد





بلغ الادارة عن محتوى مخالف من هنا ابلغون على الروابط التي لا تعمل من هنا



توقيع : manel


التوقيع



قصة الخلق من العرش إلى الفرش  story of Creation By Eid Wardany Emptyالجمعة 25 يناير - 22:47
المشاركة رقم: #
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
عضو الجوهرة
الرتبه:
عضو الجوهرة
الصورة الرمزية


البيانات
عدد المساهمات : 17945
تاريخ التسجيل : 17/10/2012
رابطة موقعك : ورقلة
التوقيت

الإتصالات
الحالة:
وسائل الإتصال:


مُساهمةموضوع: رد: قصة الخلق من العرش إلى الفرش story of Creation By Eid Wardany



قصة الخلق من العرش إلى الفرش story of Creation By Eid Wardany

وأمره أن يتبعها ولا يتبع سبيل الذين لا يعلمون وقال الله تعالى وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ (النحل:89) ويقول وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنْ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (48) وَأَنْ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءهمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْك (المائدة). فأمره ألا يتبع أهواءهم عما جاءه من الحق وإن كان ذلك شرعا أو طريقا لغيره من الأنبياء، فإنه قـد جعل لكل نبى سنة وسبيلا، وحذره أن يفتنوه عن بعض ما أنزل الله إليـه. فإذا كان هذا فيما جاءت به شريعة غيره فكيف بما لا يعلم أنه جاءت به شريعة، بل هو طريقة من لا كتاب له؟ وأمره وإيانا في غير موضوع أن نتبع ما أنزل إلينا دون مخالفة، فقال: المص (1) كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (2) اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلا مَا تَذَكَّرُونَ (3) (الأعراف).
وبين حال الذين ورثوا الكتاب فخالفوه والذين استمسكوا به. فقال فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَـذَا الأدْنَى وَيَقُولـُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا (الأعراف:169) إلى قولـه وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ وقال تعالى وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (155) أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا أُنزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا (الأنعام). وقال يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعْ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (1) وَاتَّبِعْ مَـا يُوحَى إِلَيْكَ مِـنْ رَبِّكَ إِنَّ اللَّهَ كـَانَ بِـمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (2) (الأحزاب) وقـال وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا. وحبل الله كتابه كما فسره النبي  وقال: وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ (يونس:109) إلى غير ذلك من نصوص الكتاب والسنة، التي أجمع المسلمون على اتباعها، وهذا مما لم يختلف فيه المسلمون.
ولما كان النبي  قد أخبر أن هذه الأمة تتبع سنن من قبلها حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه، وجب أن يكون فيهم من يحرف الكلم عن مواضعه فيغير معنى الكتاب والسنة فيما أخبر الله به، أو أمر به، وهذا من بعض أسباب تغيير الملل إلا أن هذا الدين محفوظ كما قال تعالى إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (الحجر:9) ولا تزال فيه طائفة قائمة ظاهرة على الحق. فلم ينله مـا نال غيره من الأديان من تحريف كتبها وتغيير شرائعها مطلقا، لما ينطق الله به القائمين بحجة الله وبيانه. الذين يحيون بكتاب الله الموتى. ويبصرون بنوره أهل العمى. فإن الأرض لن تخلو من قائم لله بحجة لكي لا تبطل حجج الله وبيناته.
وإننا لنعلم بالاضطرار من دين الإسلام أن العمل في رؤية هلال الصوم أو الحج أو العدة أو الإيلاء أو غير ذلك من الأحكام المعلقة بالهلال بخبر الحاسب أنه يرى أو لا يرى لا يجوز. والنصوص المستفيضة عن النبي  في ذلك كثيرة وقد أجمع المسلمون عليه ولا يعرف فيه خلاف قديم ولا حديث، إلا أن بعض المتأخرين من المتفقهة الحادثين بعد المائة الثالثة زعم أنه إذا غم الهلال جاز للحاسب أن يعمل في حق نفسه. فإذا كان الحساب دليل على الرؤية صام وإلا فلا. وهذا الكلام مقيداً بالإغمام، ومختصاً بالحاسب. فهو شاذ، مسبوق بالإجماع على خلافه. فإما إتباع ذلك في الصحو. أو تعليق عموم الحكم العام به فما قال به مسلم. قال تعالى: يَسْأَلُونَكَ عَنْ الأهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ ( البقرة:189) فأخبر أنها مواقيت للناس، وهذا عام في جميع أمورهم. وخص الحج بالذكر تمييزا له لأن: الحج تشهده الملائكة وغيرهم. ولأنه يكون آخر السنة فيكون علما على الحول كما أن الهلال علم على الشهر ولهذا يسمون الحول: حجة. فجعل الله الأهلة مواقيت للناس في الأحكام الثابتة للشرع ابتداء أو سبباً من أسباب العبادة وللأحكام التي تثبت بشروط العبد، فما ثبت من المؤقتات بشرع أو شروط، فالهلال ميقات لهم، وهذا يدخل فيه الصوم والحج ومدة الإيلاء والعدة، وصوم الكفارة. وهذه الخمس موجودة في القرآن. وكذلك صوم النذر وغيره. وكذلك الشروط من الأعمال المتعلقة بالثمن ودين السلم. والزكاة والجزية، والعقل، والخيار، والأيمان وأجل الصداق ونجوم الكتابة. وأقساط دين المكاتبة، والصلح والقصاص وسائر ما يؤجل من دين وعقد وغيرهما.
قال تعالى: وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ (يس:39). وقال تعالى هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلا بِالْحَقِّ (يونس:5). فقوله لِتَعْلَمُوا متعلق والله أعلم بقوله قَدَّرَهُ لا بـ جَعَلَ فكون هذا ضياء وهذا نورا لا تأثير له في معرفة عدد السنين والحساب، وإنما يؤثر في ذلك انتقالهما من برج إلى برج. ولأن الشمس لم يعلق لنا بها حساب شهر ولا سنة، وإنما علق ذلك بالهلال. كما دلت عليه هذه الآية، ولأنه قد قال عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ (التوبة:36) فأخبر أن الشهور معدودة اثني عشر والشهر هلالي بالاضطرار، فعلم أن كل واحد منهما معروف بالهلال.
ولقد بلغني أن الشرائع قبلنا أيضا إنما علقت بالهلال وأحكام الأهلة وإنما بدل من بدل من أتباعهم كما يفعله اليهود من اجتماع القرصين، وفي جعل بعض أعيادهم بحساب السنة الشمسية. وكما يفعله النصارى في صومهم، حيث يراعى الاجتماع القريب من أول السنة الشمسية وتجعل سائر أعيادهم دائرة على السنة الشمسية بحسب الحوادث التي كانت للمسيح، كما يفعله الصابئة والمجوس وغيرهم من المشركين في اصطلاحات لهم فإن منهم من يعتبر بالسنة الشمسية فقط ولهم اصطلاحات في عدد شهورها، لأنها وإن كانت طبيعة فشهرها عددي وضعي. ومنهم من يعتبر اجتماع القرصين.
وما جاءت به الشريعة هو الأكمل والأبين والأحسن والأوضح والأبعد في الاضطراب، ذلك أن الهلال أمر مشهود مرئي للأبصار. ومن أصح المعلومات ما شوهد بالأبصار ولهذا سموه هلالاً، لأن هـذه المادة تدل على الظهور والبيان. إما اسما وإما بصرا. فقد حددت المواقيت بأمر ظاهر بين، فيشترك فيه الناس، ولا يشرك الهلال في ذلك شيء، فإن اجتماع قرص الشمس والقمر الذي هو تحاذيهما الكائن قبل الهلال أمر خفي لا يعرف إلا بحساب ينفرد به بعض الناس، مع تعب وتضييع وقت كثير واشتغال عما يعنى الناس وما لا بد له منه وربما وقع فيه الغلط والاختلاف.
وكذلك كون الشمس حازت البرج الفلاني أو الفلاني فهذا أمر لا يدرك بالأبصار، وإنما يعلم ذلك بالإحساس تقريبا. فإنه إذا انصرم الشتاء ودخل الربيع وكان وقت الاعتدال أي وصول الشمس عند رأس الحمل. وكذلك مثله في الخريف. فالذي يدرك بالإحساس الشتاء والصيف وما بينهما من الاعتدالين تقريبا.
فأما حصولهما في برج بعد برج فلا يعرف إلا بحساب فيه كلفة وشغل عن غيره مع قلة جدواه فظهر أنه ليس للمواقيت حد ظاهر عام المعرفة إلا الهلال.
وقد انقسمت عادات الأمم في شهرهم وسنتهم القسمة العقلية، وذلك أن كل واحد من الشهر والسنة: أما أن يكون عددي، أو طبيعي، أو الشهر طبيعيا والسنة عددية أو العكس.
فالذين يعدونهما، مثل من يجعل الشهر 30 يوما، والسنة 12 شهرا. والذين يجعلونهما طبيعيين، مثل من يجعل الشهر قمريا، والسنة شمسية، ويلحق في أخر الشهور الأيام المتفاوتة بين السنين مراعاة هذين عادة كثير من الأمم، من أهل الكتابين بسبب تحريفهم، وأظنه عادة المجوس أيضا. ويعتبر السنة الشمسية بسير الشمس. فأما القسم الرابع: فيكون الشهر طبيعياً، والسنة عددية. وهـذه سنة المسلمين ومـن وافقهم. فالـذي جاءت بـه شريعتنا هو الأكمل لأنه وقت الشهر بأمر طبيعي ظاهر عام يدرك بالأبصار. فلا يضل أحد عن دينه، ولا يشغله مراعاته عن شيء من مصالحه. ولا يدخل بسببه فيما لا يعنيه. ولا يكـون طريقا إلى التلبس في دين الله. كما يفعل بعض علماء أهل الملل بمللهم.
وأما الحول (السنة) فلم يكن له حد ظاهر في السماء فكان لا بد من الحساب بسير الشمس وتكون السنة مطابقة للشهور ولأن السنين إن اجتمعت فلا بد من عددها في عادة جميع الأمم. إذ ليس للسنين إذا تعددت حد سماوي يعرف به عددها فكان عدد الشهور موافقا لعدد البروج. وجعلت السنة اثني عشر شهراً بعدد البروج التي تكمل بدوران الشمس فيها سنة شمسية. فإذا دار القمر فيها كمل دورته السنوية. وبهذا كله يتبين معنى قوله وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ. فإن عدد شهور السنة، وعدد السنة بعد السنة إنما أصله بتقدير القمر منازل.
كذلك معرفة الحساب. فإن حساب بعض الشهور لما يقع فيه من الآجال ونحوها إنما يكون بالهلال وكذلك قوله تعالى: قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ فظهر بما ذكرناه. أنه بالهلال يكون توقيت الشهر والسنة. وأنه ليس شيء يقوم مقام الهلال البتة لظهوره وظهور العدد المبنى عليه. وتيسير ذلك وعمومه. وغير ذلك من المصالح الخالية في المفاسد ومن عرف ما دخل على أهل الكتابين والصابئين والمجوس. وغيرهم في أعيادهم وعبادتهم وتواريخهم وغير ذلك من أمورهم من الاضطراب والحرج وغير ذلك من المفاسد ازداد شكره على نعمة الإسلام، مع اتفاقهم أن الأنبياء لم يشرعوا شيئا مـن ذلك، وإنما دخل عليهم ذلك من جهة المتفلسفة الصائبة الذين أدخلوا في ملتهم، وشرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله.
وقد كانت العرب في جاهليتها قد غيرت ملة إبراهيم بالنسيء الذي ابتدعته فزادت في السنة شهرا فجعلتها كبيسة لأغراض لهم وغيروا به ميقات الحج والأشهر الحرم. حتى كانوا يحجون تارة في المحرم وتارة في صفر حتى يعود الحج إلى ذي الحجة، حتى بعث الله المقيم للملة الإبراهيمية فوافي حجة  حجة الوداع، وقد استدار الزمان كما كان، ووقعت حجه في ذي الحجة. فقال في حجته المشهورة في الصحيحين وغيرهما:
" إنَّ الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض: السنة اثني عشر شهرا منها أربع حـرم. ثلاث متواليات: ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان". وكان قبل ذلك الحج لا يقع في ذي الحجة حتى حج أبو بكر رضى الله عنه في ذي القعدة سنة تسع. وهذا كان من أسباب تأخير النبي  الحج.
وقد أنزل الله تعالى: إنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدينُ القيمُ فأخبر الله أن هذا الدين هو القيم: ليبين أن النسيء وغيره من عادات الأمم ليس قيماً. لما يدخله من الانحراف، والاضطراب.
ونظير الشهر والسنة: اليوم والأسبوع. فإن اليوم طبيعي من طلوع الشمس إلى غروبها وأما الأسبوع فهو عددي، من أجل الأيام التي خلق الله فيها السموات والأرض. ثم استوى على العرش فوقع التعديل بين الشمس والقمر.
واليوم والأسبوع بسير الشمس، والشهر والسنة بسير القمر، وبهما يتم الحساب وبهذا قد يتوجه قوله لِتَعْلَمُوا إلى جَعَلَ في قوله تعالى هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ فيكون جعل الشمس والقمر لهذا كله.
ونحن نعلم أن نصف شهور السنة يكون ثلاثين يوما، ونصفها الآخر تسعة وعشرين. وقد ثبت عن الرسول  بأحاديث مستفيضة متلقاة بالقبول. انه قـال:" إنـا أمـة أمية لا نكتب ولا نحسب، الشهر هكذا، وهكذا، وهكذا" وعقد إبهامه في الثالثة" والشهر هكذا وهكذا وهكذا" يعنى ثلاثين يوما.
فقول النبي" إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب" هو خبر تضمن نهيا. فمن كتب أو حسب لم يكن من هذه الأمة في هذا الحكم. بل يكون قد اتبع غير سبيل المؤمنين وفعل ما ليس من دينها. ويكون الحساب والكتاب المذكوران محرمين منهيا عنهما. والأمة الأمية المذكورة هنا صفة مدح وكمال من وجوه.
الأول: الاستغناء عن الكتاب والحساب. بما هو أبين منه وأظهر وهو الهلال.
ثانيا: أن الحساب والكتاب هنا يدخلان الغلط.
ثالثـا: إن فيهما تعبا كثيرا بلا فائدة. فإن ذلك شغل عن المصالح إذ هذا مقصود لغيره لا لنفسه، وإذا كان نفي الكتاب والحساب عنهم للاستغناء عنه بخير منه أو للمفسدة التي فيه كان الكتاب والحساب في ذلك نقصا وعيبا بل سيئة. فمن دخل فيه فقد خرج عن الأمة الأمية فيما هو من الكمال والفضل السالم عن المفسدة ودخل في أمر ناقص يؤديه إلى الفساد والإضراب.
رابعاً: انه جعل هذا وصفا للأمة كما جعلها تعالى وسطا في قوله وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا (البقرة:143) فالخروج من هذا اتباع سبيل غير المؤمنين. وأيضا فـإن الشيء إذا كـان صفة للأمـة فلأنـه أصلح مـن غيره. وكـان غير ذلك مما يجب مراعاته ولا يجوز العدول عنه إلى غيره" أ. هـ.
وكون الله تعالى جعل القمر للشهر والسنة فذلك يعنى انضباطه لذلك. وكونه لم يجعل الشمس لهذا يدل على عدم انضباط شهرها وسنتها. لذلك فقد أخطأ المخالفون لله.
السنة الشمسية 364.62 يوما
لقد أخطأ الذين تركوا العمل بتقويم القمر، وعملوا بتقويم الشمس اخطئوا بمخالفتهم لأمر الله ولشرعه. واخطأوا في تقديرهم لسنة الشمس، لذلك نلحظ تماما ما يتخبطون فيه من العمل على كسور السنة، والزيادة والنقصان المضطرب في الأشهر، وما يقومون به من تصحيح وتعديل وزيادة لسنة عن غيرها. وتفاوت الأشهر تفاوتا غير مرتب وغير دقيق، فأشهر 30 يوما وأخرى 31، وشهر 28 وأحيانا 29. ثم يقومون بالتعديل رغم كل ذلك عدة سنوات.
أما القمر فليس فيه هذا الخبط والتعقيد، فشهره منضبط، وسنته منضبطة. فسنة القمر 354 يوما تامة بلا أي زيادة أو أي نقص. وأشهر السنة نصفها 29 يوما والنصف الآخر 30 يوما، وليست على التناوب، ولكن حسب مشيئة الله.
ولعل الحكمة فى تفاوت شهور القمر بين هذين العددين وعدم تناوبهما، حتى تتعلق قلوب العباد وأبصارهم بالله رب العالمين.
فعـباد الله لا يحددون الشهر بل يحدده لهم ربهم، فينظرون إلى علامته فى السماء وينتظرون أمر الله. فيبصرون مطلع الهلال فإذا طلع ورأوه كان ذلك بداية شهر جديد، وإلا فإنهم يتمون شهرهم 30 يومـا.
وعباد الله لا يحددون مواقيت العبادة بل يحددها لهم ربهم. فصلاتهم يؤقت مواعيدها ربهم بالشمس بمطلعها ومغربها ووضعها فى السماء. وأما عباداتهم السنوية كالصوم والحج والزكاة، فهم ينتظرون فيها أمر ربهم برؤيتهم للهلال. فلا يصومون إلا إذا رأوا الهلال وإلا فيتمون الشهر 30 يومـا. كذلك لا ينهون صومهم إلا برؤية الهلال. وكذلك الحج فلا يبدأ شهر ذى الحجة إلا برؤية الهلال وكذلك الزكاة لا تجب إلا بحلول الحول الذى يبدأ بالهلال. وهكذا. كذلك أعياد المؤمنين، فهم لا يحددونها وإنما يحددها لهم ربهم بالقمر. فإن رأوا هلاله بدأ عيدهم وإلا فلا. كذلك الشأن فى أحكام دينهم الأخرى التى تحدد بمواعيد وآجال. وكذلك معاملاتهم.
فعباد الله يفرقون عـن عباد الشيطان، فهم لا يحددون زمانهم ومبادىء أعمالهم إنما يحددها لهم ربهم. من أجل ذلك كان الشهر مختلفا بين 29، 30 يوما.
ولعل الحكمة فى تفاوت سنة القمر وسنة الشمس وكان الله قادرا على أن يجعل سنتهما واحدة 360 يوما. حتى تختلف وتتنوع الأزمنة والأحداث، فلا تكون حياتهم رتيبة على وتيرة واحدة. كذلك - وهذا هو الأهم - لكى تكون عبادتهم فى كل وقت من السنة. فعبادة الصوم مرتبطة بشهر رمضان وهو الآن يأتى فى فصل الشتاء ومنذ 8 سنوات كان يأتى رمضان فى فصل الخريف ومنذ 16 سنة كان يأتى فى الصيف ومنذ 32 سنة كان يأتى فى الربيع وهكذا.. فعلى مدار 33 سنة يكون المسلم قد صام فى جميع الفصول والأوقات. فصام فى الحر وصام فى البرد وصام فى اليوم الطويل وفى اليوم القصير، وصام عن الأطعمة التى تظهر فى فصل الصوم هذا.
كذلك الحج يأتى فى كل فصول السنة طبقا لتفاوت السنة القمرية مع السنة الشمسية، وكذلك الأعياد تكون فى كل الأحوال المناخية وفى كل الفصول.
وكل هذه المزايا لا يحظى بها المخالفون لا فى عباداتهم ولا فى أعيادهم.
كيف تكون السنة؟
السنة القمرية: سنة عددية، أى تكون بمرور 12 شهر قمرى. والشهر القمرى يبدأ برؤية الهلال آخر يوم 29 فإذا رؤي الهلال فيكون الشهر 29 يوم. وإذا لم يرُى فيتم الشهر 30 يوم.
فالرؤية تتم آخر 29 من الشهر فقط. ولو حال حائل بين الرؤية فإن الشهر يتم ويكون 30 يوم أيضا دون حاجة لتكلفة الرؤية. إذا حال سحاب أو مطر أو غير ذلك.
وشهر القمر يكون بدورة القمر فى كل الأبراج، ونزوله فى الثمانية والعشرين منزلا، والقمر يقطع هذه الأبراج وهذه المنازل فى 29 يوم أو30 يوم. ولكى ينتقل القمر فى منازله، فإنه يقطع المسافة بين المدارين ذهابا وإيابا. فهو يبدأ هلالاً ويكبر كل يوم ويزيد بمثل حجمه أول يوم، حتى ينزل فى 14 منزلا وتكون لياليه 14 ليلة ويكون متسقا أى كامل الإنارة والإستدارة ويسمى بدرا. ثم يبدأ فى رحلة العودة مرة أخرى، ويظل يتناقص كل يوم بنفس قدر زيادته حتى يصبح محاقاً، فيكون قد قطع 14 منزلة أخرى، ويكون بذلك قد أختفى تماما، ويستسر يوما فيكون شهره 29 أو يومين فيكون شهره 30 يوما. فهذا معنى قوله تعالى: وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ .
أما سنة الشمس: فهى طبيعية وليست عددية، أى لا تحسب سنة الشمس بمرور 12 شهرا كالقمر. ولكن تحسب سنتها باكتمال قطعها للأبراج والمنازل. ومطالع الشمس متجاورة بخلاف القمر الذى يطلع فى اليوم التالى لطلوعه بعيدا عن مكان طلوعه الأول. أما الشمس فإنها تطلع قريبة جدا من مطلعها السابق بثلث قرص تقريبا، أى 30 كم من الأفق.
من أجل ذلك فإن الشمس تقطع الأبراج والمنازل التى يقطعها القمر فى 14 يوم تقطعها هى فى 182 يوم أى أنها تصل في هذه المدة إلى السرطان آتية من رأس الجدى. وهى بذلك تبقى فى المنزلة التى يمكث فيهها القمر يوما تمكث هي 13 يوما. ثم تعود الشمس مرة أخرى إلي مدار الجدي في نفس المدة السابقة ومن نفس المطالع السابقة، حتى إذا ما وصلت إلى رأس الجدى تكون بذلك قد دارت في جميع الأبراج وجميع المنازل وتتم بذلك سنة شمسية فيها 364 مطلعا.
وعلى ذلك تكون السنة الشمسية 364 يوما. أما بالمقارنة مع السنة القمرية فإن السنة القمرية 354 يوما يقابلها 364.62 يوما للسنة الشمسية. وذلك لآن 364 هى عدد المطالع التى طلعتها الشمس خلال السنة اما 62. من اليوم فهى جملة ما سجدته الشمس فى مستقرها كل يوم 2.45 دقيقة.
ادلتنا للسنة الشمسية
من المعروف أن السنة الشمسية التى يعمل بها الآن قد تحددت منذ آلاف السنين، وقد ثبتت مشاكلها ومتاعبها بما كان ينبغى على علماء العصر الحديث البحث فى جذور المشكلة لا مجرد تصحيح الخطأ الحسابى بزيادة أيام أو نقص أيام من السنة. بينما لم تظهر أى مشكلة للسنة القمرية لأنها سنة منضبطة.
ومشكلة السنة الشمسية التى لا يعـرف المعتمدين عليها فى التقويم أن مطالعها تختلف عن مدتها. فمطالعها 364 مطلعا. ومدتها 364.62 والفرق بين هذا وذاك هو مدة السجود في المستقر وهي 62. من اليوم.
وإثبات هذين الأمرين أمر فى غاية السهولة بالنسبة لعلماء اليوم خاصة ومعهم أجهزة متقدمة ودقيقة، وإن كانوا لم يتوصلوا بها للحق لأن الله تعالى يصرفهم عن آياته. ولكن إذا ما أرادوا إثبات صحة ما نقول، فسيصلوا إلي الحق بإذن الله تصديقا لقوله سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الأفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ (فصلت:53) فسيروا في الآفاق آيات الله حتى يتبين لهم أنه الحق، وأن القـرآن صدق، وأنه منزل من عند الله. هكذا قضى الله تعالى.
وعليهم إن أرادوا الانتفاع بهذه الآيات أن يتحرروا من أى كبر. ومن أى هوى وأن يكون الوصول للحق هـدفهم والايمان بالله غايتهم وإلا فلـن ينتفعوا بما يروه ، يقـول تعـالى: سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِي الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ (الأعراف:146).
فإنهم سيرون آيات الله.. سيرونها. وسيتبين لهم أنه الحق، وأنه أمر الله وكلام الله وسيتأكدون من صدق كتابه ولكن لن ينتفعوا بكل ذلك ما داموا متكبرين، فمن أراد منهم أن يتأكد من صدق معطيات القرآن فلينظر في الآفاق وتحديدا في الأفق الواصل بين المدارين. وفي المستقر.
والأفق الواصل بين المدارين: مدار السرطان ومدار الجدى والذى مسافته 45.5 درجة وسيجدوا الآتى: أن الشمس ستبدأ رحلتها من رأس السرطان وستسير حتى تصل إلى خط الاستواء بعد 91 مطلع أى 91 ربع درجة، مع الأخذ فى الأعتبار أن هذا الرقم هو أيضا رقم سورة الشمس في القرآن.
وسيرون أن الشمس ستطلع 91 مرة أخرى جنوب الاستواء وسيتوقف سيرها عند رأس الجدى وبذلك تكون قد طلعت بين المدارين 182 مطلع وهذه هى (المشارق والمغارب). ثم ستبدأ رحلة العودة من نفس الطريق ومن نفس المطالع.
وسيجدون أن المسافة بالكيلو مترات هى حـاصل ضرب 91 × 15 وهى 5460 كم والرقم (15) هو عدد آيات سورة الشمس.
ولأن الشمس تسير كل يوم 4/1 درجة عادة، أى 30 كم. ودرجات المدارين هى 45.5 فهى إذا تسير 5460 كم.
فأمر منطقى وطبيعى أن تكون مجموع مطالع الشمس في السنة (زوجية) لأنها تسير بين المدارين ذهابا وإيابا في نفس المطالع التي طلعتها في طريق الذهاب فهى نفسها المطالع التي تطلعها فى طريق الإياب. فهى تطلع ذهابا 182 مطلعا وإيابا 182 فمن أين ستكون السنة 365 يوم؟ من أين سيأتى اليوم الفردي (5) ومطالع الشمس لا بد أن تكون زوجية؟ لأن عمرها كله.. أنها تذهب وتجىء.
وخط الإستواء تقف فيه مرتين وهـو ينصف سننتها. ومـدار الجدى هو وقت الانقلاب الشتوى. ومدار السرطان هو وقت الانقلاب الصيفى فهذه الانقلابات تكون متطابقة. وسترون ذلك بإذن الله. إذا أبصرتموه.
وقد تنبه الفراعنة إلى تطابق الانقلابين، وإلى أن نفس مطالع الذهاب هى نفسها مطالع الإياب، ومن ثم فهى زوجية. لذلك صمم رمسيس الثانى (معبد أبى سنبل) بحيث يصل الشعاع من الشمس مخترق فتحة ضيقة مستقيمة طولها 60 مترا في الجبل لتصل على وجهه مرتين. فمرور الشعاع مرتين في السنة كلها لا يعنى إلا أن مطالع الذهاب هى نفسها مطالع العودة للرحلة الشمسية.
معلومة غير صحيحة
تردد وسائل الإعلام المصرية على لسان الفلكيين أن شعاع الشمس الذى يسطع على وجه رمسيس الثانى في معبد أبى سنبل إنما يأتى في يومين إثنين" يوم ميلاده ويوم توليه العرش".
ونحن وإن لم نذهب إلى معبد ابى سنبل هذا الذى يبعد عن الأسكندرية حوالى 1000 كم جنوبا إلا أننا نؤكد.. بأنه طبقا لحسابتنا الفلكية فإن شعاع الشمس لابد أن يطلع على التمثال ثلاثة أيام متواليات فأكثر فى المرة الواحدة.. أى أن شعاع الشمس يسقط على التمثال فى منتصف شهر فبراير تقريبا حال سير الشمس نحو رأس السرطان، ويتكرر دخول شعاع الشمس للمعبد على مدار ثلاثة أيام على الأقل. ثم في رحلة العودة للشمس من مدار السرطان متجهة إلى مدار الجدى يتكرر نفس الأمر تماما في 22 أكتوبر و 23 و 24 على الأقل.
وإنما نقول بأن شعاع الشمس يدخل ثلاثة أيام على الأقل فى المرة الواحدة ذلك أن قرص الشمس يشغل ثلاثة أرباع درجة في الأفق وهى تنتقل عندما تشرق ربع درجة عن مطلعها السابق كل يوم. فلا بد وأن يمر شعاع من فتحة المعبد ثلاثة مرات متواليات على الأقل. وهذا الأمر دليل على أن مطالع الشمس فى السنة زوجية، وأن عدد أيام السنة 364 وليس 365.
والفلكيون والمنجمون والجغرافيون العالمون يعرفون أن الأبراج 12 برجا وأن المنازل 28 منزلا وأن الشمس تنزل هذه المنازل كالقمر تماما. غير أن القمر ينزل المنزلة يوماً واحداً و7/6 ساعة زيادة. أما الشمس فتبقى في المنزل 13 يوم أى: 13 × 28 = 364.
وهم أيضا يعرفون أن بين كل درجتين 4 دقائق فإذا كان بين المدارين 45.5 فيكون زمن هذه الدرجات هو 45.5×4 = 182 وهو نفس عدد مطالع الشمس (المشارق).
مقدار السنين فى القرآن
ورب قـائل يقول: أليس في القرآن كل شيء. فهل ذكر مقـدار السنين للشمس والقمر؟ نقول: إن حساب الأيام والسنين أحال الله فيهما إلى الشمس والقمر. فمنهما يعرف مقدار اليوم والأسبوع والشهر والسنة.
ورغم هذه الإحالة فقـد أورد القـرآن بعض المبادىء والإشارات التى تعيننا على استقصاء الحقيقة، كما أن الرسول  أخبر أن الشهر 29 يوما و30 يوما، وأخبر الله تعالى أن السنة 12 شهرا. فتكون سنة القمر 354 يوما. ويكون أشهر نصف السنة 29 يوما والنصف الآخر 30 يومـا. ولا تأتى هكذا بالتوالى، فقد يأتى شهران متتاليان 29 أو 30 وأحيانا أكثر من شهرين.
نعلم أن القرآن معجز حتى في الكلمات والأرقام وفي الآيات والسور. أي حتى رقم الآية في السورة ورقم السورة في الكتاب، ووضع الكلمة من الآية، وعدد كلمات الآية، كل ذلك تحدى به الله عز وجل. بالإضافة إلى المعنى البليغ للآيات ونسق العبارات وما احتواه الكتاب من علوم وتاريخ وتنبؤات، فهو معجز.
والأعجب والأغرب أنه نزل على أمة أمية لا تكتب ولا تقرأ، وليست ذات حضارة، أو شأن بين الأمم. ولكنهم كانوا أهل بلاغة وبيان لذلك كانوا أول وأكثر من تذوقوا آيات وكلمات الله تعالى حتى إنهم ليسمونه: سحرا. ويقول قائلهم رغم كفره: إن له لحلاوة وإن عليه لطلاوة وأن أعلاه لمثمر وإن أسفله لمغدق، وإنه ليعلوا ولا يعلى عليه.
وبلغ من إعجازه في الفصاحة والبيان ما يقصر عنه البلغاء حتى أن البدو رعاة الشاه ليتلمسون مواطن بلاغته حتى في كلمات معدودة مـن آياتـه. حكى أبـو عبيد أن أعرابيا سمع رجلا يقرأ فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ فسجد وقال: سجدت لفصاحة هذا الكلام.
وسمع آخر رجلا يقرأ: فَلَمَّا اسْتَيْئَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا فقال: أشهد أن مخلوقا لا يقدر على مثل هذا الكلام.
وحكى الأصمعي قال: رأيت بالبادية جارية وهي تقول:
أستغفر الله لذنبي كلــه قتلت إنسانا بغير حلــه
مثل غزال ناعم في دلـه فانتصف الليل ولم أصـله
فقلت لها: قاتلك الله ما أفصحك، فقالت: أتعد هذه فصاحة بعد قول الله عز وجل:
وأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنْ الْمُرْسَلِينَ (القصص:7) فجمع في آيـة واحدة بين: أمريين، ونهيين وخبرين، وإنشاءين. وبشارتين.
لقد تحدث القرآن عن السنة القمرية والسنة الشمسية، وذكر أيامهما. وكما تأتى الأيام يوما بعد يوم فإن القرآن لم يذكر عدد السنة مرة واحدة، ولكن يعرف ذلك بإحصاء الأيام والليالي.
وبإحصاء عدد لفظ اليوم في القرآن نجد أنه ورد معرفا 348 مرة وهو نفس عدد الأيام المعروفة للسنة القمرية إذ أن الشهر القمري المعروف والمؤكد هو 29 يوم ولا تعرف الزيادة في أي شهر هي. وعلى هذا تكون السنة القمرية 348 يوما معروفا. والأيام الستة الباقية هي غير معروفة.
كذلك ورد لفظ (يوماً) 16 مرة. وبجمع العددين 16 + 348 = 364 يوما وهو أيام السنة الشمسية .
هذا عن الأيام أما عن الليالي. فبإحصاء كل ما ورد في القرآن عن الليل نجد الآتي: ورد ذكر لفظ الليل 74 مرة، وليلا 5 مرات، و3 ليال، و7 ليال، 10 ليال، وأربعين ليلة، وثلاثين ليلة، وليال عشر، كما وردت كلمة ليلة 3 مرات.
وبجمع هذه الليالي نجدها كالتالي:

الليل ليلا ليلة ليالى ليلة بالجمع المجموع
74 5 ليلة القـدر  ليلة الصــيام  ليلة مباركة  ثلاث ليال 
سبع ليال  ليال عشر  أربعين ليلة 
ثلاثين ليلـة 
أتممناها بعشر 
74 5 3 20 80 182
ملحوظة: وردت (ليلة القدر) 3 مرات، ووردت (أربعين ليلة) مرتان. ولم نحسب التكرار.
وأيضا بإحصاء مطالع الشمس (المشارق) نجد أنها وردت في الأعراف الآية 137 الصافات الآية 5، المعارج الآية 40:
ومجموع هذه الآيات: 137 + 5 + 40 = 182 (مشرقا ومغرباً).
وفي آية واحدة، يعلمنا الله تعالى عدد السنين والحساب، والفرق بين السنة الشمسية والسنة القمرية. بقول قاطع، لا يترك للمؤمنين بعد ذلك اختلافاً يقول تعالى في سورة الكهف الآية 25  وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا .
وهذه الآية هي الفاصلة بيننا وبين من لا يزال في قلبه شك بعد حصر الأيام والليالي التي ذكرت أيام السنة القمرية وأيام السنة الشمسية وعدد مطالع الشمس. في المشارق والمغارب فهذه الآية تحدد مـدة مكث أصحاب الكهف نائمين في كهفهم بالتقويمين ، التقويم الشمسي والتقويم القمري. وليس في ذكر القرآن للتقويم الشمسي أنه يوجه إلى العمل به، بل إن الله تعالى ذكر ذلك لأن من أساسيات القصة أن أقواما كانوا يختلفون في مدة لبثهم في كهفهم، ومن هؤلاء الأقوام من يحسب بالشمس ومنهم من يحسب باجتماع القرصين، ثم العرب المخاطبين بالقرآن الذين يحسبون بالقمر. ثم إن في عرض المدة نجد عدم انضباط السنة الشمسية. كما أنها لا تنضبط أيضا إلا بمقابلتها بالسنة القمرية.
وقد ذكر تعالى هذه المدة بهذا التحديد لأنه تعالى في أول ذكرهم قال: فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا وبعدها قال عن المتنازعين في مدة بقائهم من أهل الكتابين ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا (الكهف:12) فذكر مدة لبثهم بكلا التقويمين لكلا الفريقين.
وبالمقارنة بين الرقمين نجد أننا قلنا الحق في عدد أيام السنة القمرية وهي 354 يوما. وأيام السنة الشمسية 364.62 يوما.
وقد ذكرنا أن الشمس تقف في السنة هذه المدة 62, من اليوم لتسجد كل يوم 2.45 دقيقة في مستقرها. ومعنى قوله تعالى وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ هي بتقويم الشمس لأن الكسر فيها لا ينجبر إلا كل خمسين سنة.
وقوله وَازْدَادُوا تِسْعًا أي 309 بتقويم القمر الذي ليس فيه أي كسر ليجبر.
عدد أيام لبثهم بالقويم الشمسي = 300 × 364,62 = 109386 يوماً.
عدد أيام لبثهم بالتقويم القمري = 309 × 354 = 109386 يوماً.
أما لو حسبنا السنة الشمسية كما تقولون: 365.25 فإنها ستكون:
300 × 365.25 = 109575 يوما أي بزيادة 189 يوما على أيام السنين القمرية وهي 109386 يوما.
فما رأيكم أيها السادة في تقويمكم الذي سرتم عليه وخالفتم ما أمركم به الله وقد أثبتنا لكم بطلانه بالوسائل الشرعية. والوسائل المادية؟ ما رأيكم وقد تركتم تقويم ربكم، وأخطأتم حتى في حساب أيام السنة الشمسية واتبعتم تقويما رومانياً وضع قبل التاريخ.
معلومات قمرية
رغم أنهم وصلوا إلى القمرـ كما يقولون ـ إلا أن معلوماتهم عنه غير دقيقة والبعض غير صحيح بالمرة فهم يقولون أن القمر يدور حول الأرض كل شهر مرة أو يدور في 29 يوما و13 ساعة وأنه يبعد عن الأرض 384000 كم. وأن جاذبيته 6/1 جاذبية الأرض.
أما المعطيات الصحيحة عن القمر، وهي رؤية شخصية لنا لم يقل بها أحد قبلنا كمعطياتنا عن الشمس وأبعادها وحجمها، وعن الأرض ومحيطها. وهي بإذن الله معلومات صحيحة.
- فالقمر يدور حول الأرض كل يوم.. أو تحديدا مرة كل 24 ساعة 7/6 ساعة.
- والسنة القمرية 12 شهر. والشهر القمري 29 أو 30 يوم. والسنة 354 يوما.
- وهو ينزل في منازله وعددها 28 منزلا، ويقطع الأبراج وعددها 12برجا في شهر.
- يبعد القمر عن الأرض 171818.180 كم (مائة وواحد وسبعون ألف كيلو متر
وثمانمائة وثمانية عشر كيلو مترا، ومائة وثمانون مترا).
- قطر القمر 3000 كم.
- مدار القمر الذي يدور فيه حول الأرض 1080000 كم (مليون وثمانون ألف كم).
- القمر هو وحدة قياس الزمن لذلك يشغل 360 قرص من أقراص القمر المدار، أي
360 × 3000 كم = 1080000 كم.
- يستغرق ظهور أو اختفاء قرص القمر من الأفق 4 دقائق. أي أن القمر عندمـا يكون في الأفق فإنه يشغل درجة من محيط الأرض.
- القمر يدور في الفلك الأول بسرعة 45000 كم / س، 750 كم / ق، 12.5 كم / ث.
- نسبة محيط الأرض إلى مدار القمر إلى مدار الشمس:
43200 : 1080000 : 4320000 كم
1 : 25 : 100
- وهي نفس نسبة الأبعاد بينهم.
- يسجد القمر لله عز وجل أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي
الأرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ (الحج:18). غير أن القمر لا يسجد في مستقر، فليس له مستقر وإنما له منازل فهو يسجد في منازله. وهو يسجد كالشمس في مدة يعلمها الله تعالى.
ما هي أدلتنا على هذه البيانات؟
نحن نحتفظ في هذه الرسالة على أدلتنا لهذه الأبعاد، ولكن بإمكان الوكالات الفضائية التأكد من صدق ما نقول. ولكننا بسهولة شديدة نقدم دليلا ماديا ملموساً لبعد القمر وبعد الشمس وهذا الدليل هو:
كسوف الشمس وخسوف القمر
يتحصل القمر على نوره من الشمس من فوق الأرض تارة ومن تحتها أخرى.
والقمر يدور كل يوم تابعا للشمس، وقد يحدث أثناء دورانه أن يكون القمر بين الشمس والأرض على خط واحد. فينتج عن ذلك الكسوف للشمس، فيحدثا كسوفا كليا على مساحة من الأرض تبلغ 120 كم أي على درجة من الأرض ويكون في باقي الأماكن كسوفا جزئيا وكثير ما يحدث كسوف للشمس عند مستقرها في المحيط الهادي.
وإنما قلنا أن المساحة التي سيكون عليها كسوف الشمس كليا هي 120 كم، لأنها نفس المساحة التي يشغلها قرص القمر عندما يكون بالأفق. هذه المساحة هي نتيجة الأبعاد التي قلناها للشمس والقمر من الأرض. فقطر الشمس 9000 كم وتبعد عن الأرض 687272.72 كم وقطر القمر 3000 كم ويبعد عن الأرض 171818.18 كم ومحيط الأرض 43200 كم، ومدار الشمس 4320000 كم ، ومدار القمر 1080000 كم بنسب 1: 25: 100.
يحدث هذا الكسوف - الكلي والجزئي - للشمس عندما يمر القمر بين الشمس والأرض قاطعا الخط الواصل بين مركزيهما. أي أنه يحول بين الأرض وضوء الشمس.
أما لو كان القمر خلف الأرض بحيث تحجب عنه ضوء الشمس فيحدث ذلك خسوفاً للقمر، كلي وجزئي حسب موقع القمر خلف الأرض. هذا ولا يحدث الكسوف للشمس إلا وقت الإستسرار، إي وقت إجتماع القرصين وقبل ظهور القمر هلالاً.
أما الخسوف للقمر فلا يحدث إلا والقمر بدرا. أي يتم الكسوف عندما تكون الشمس والقمر أقرب ما يكونا، ويتم الخسوف عندما يكونا أبعد ما يكونا.
نهاية النيرين دليل الدوران
عندما تقوم الساعة فإن تغييرا شاملا سيحدث في الكون ليتحول هذا النظام إلى الضد، والشمس والقمر سيكفان عن جريهما، وإرسال هذه ضوءها، وهذا نوره لينتهي كل شيء، ويقف كـل الخلق أمام رب العالمين يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (المطففين:6) في يوم سماه القرآنيَوْمَ التَّلاقِ . ذلك اليوم الذي سيلتقي فيه الخلق بالخالق، والأولين بالآخرين، والأنس بالجن، والوحوش بالطير، وأهل السماء بأهل الأرض. المسخرين بالمسخر لهم.
في هذا اليوم ستنطفئ الشمس وسيعتم القمر، وسيجمع القمر بالشمس وستكور عليه الشمس. يقول ابن القيم:" إن هذه الحركة لابد أن تنتهي إلى انقطاع وسكون وإن هذا الضوء والنور لابد أن ينتهى إلى ضده. وإن هذا السلطان لا بد أن ينتهي إلى العزل، وسيجمع بينهما جامع المتفرقات، بعد أن لم يكونا مجتمعين، ويذهب بهما حيث شاء. ويرى المشركون حال آلهتهم التي عبدوها من دون الله. كما يرى عباد الكواكب انتثارها وعباد السماء انفطارها، وعباد الشمس تكويرها، وعباد الأصنام إهانتها وإلقاءها في النار أحقر شيء وأذله، وأصغره.
وردت آيتان بشأن النهاية المحتومة للشمس والقمر تبينان موتهما بعد الحياة وسكونهما بعد الحركة وإظلامهما بعد الإضاءة والوقوف بعد الدأب، والتكوير بعد الدوران، ولا حول ولا قوة إلا بالله".
يقول تعالى: إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ (التكوير:1).
فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَر ُ(7) وَخَسَفَ الْقَمَر ُ(Cool وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ (9) (القيامة).
الشمس قرص لا كرة
إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ (التكوير:1). تصـور الآية مصير الشمس التي عرفنا حالها في الحياة الدنيا، من بعث الحياة والطاقة لكل سكان الأرض من كل الكائنات. هذه الشمس التي عبدها ظلما كثير من الأمم والتي استغلها الشيطان أسوأ استغلال، تكور يوم القيامة. وهذه الآية تومئ بأن الشمس ليست كروية، ولكنها قرص كقرص الرحى. ولأنها قدر القمر ثلاثة أضعاف، فإنها ستجمع القمر في داخلها وتكور عليه.
وهذا الوصف توضحه الآيات الأخرى من سورة القيامة التي حددت مصير النيرين الدائبين}الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ{ ومصير الساقين للإنسان في نفس السورة. نجد مقابلة رائعة تشعرنا بأننا رغم الآيات وجبروت مدلولها أمام الله (الجميل).
لقد استعرضت الآيات نهايتين. نهاية المخلوقات الأرضية ونهاية مخلوقات السماء الدنيا نهاية المسخر له، ونهاية المسخرين.
نهاية الإنسان ونهاية الشمس والقمر. وكيف ولماذا عندما ذكر الله نهاية النيرين ذكر جمعهما. وذكر وخص من نهاية الإنسان الساقين، وذكر لفهما.
إن متعة نسق الآيات لتسحر المؤمن وهو يتأملها فيشعر معها رغم هول القيامة بالأمان مع قائلها عز وجل.
فعندما يكون السؤال من الإنسان الكنود يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ يأتيه الرد: فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ (7) وَخَسَفَ الْقَمَرُ (Cool وَجُمـِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ (9) يَقُـولُ الإنسَانُ يَوْمَئـِذٍ أَيـْنَ الْمَفَرُّ (10) وعن نهاية الإنسان يقول ربى تبارك وتعالى: كَلا لا وَزَرَ (11) إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ (12) ويقول: كـَلا إِذَا بَلَغَتْ التَّرَاقِي (26) وَقِيلَ مـَنْ رَاقٍ (27) وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ (28) وَالْتَفَّتْ السَّاقُ بِالسَّاقِ (29) إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ (30) .
مـن الآيات الأولى: أخذ الله نور القمر فخسف. وفي الثانية: أخذ روح الإنسان فكان الفراق. وكما كان القمر والشمس يجريان حول الأرض كانت ساقي الإنسان أيضا تجريان حول الأرض. ويوم القيامة تقف الشمس والقمر ويجمعان. ويوم قيامة الإنسان الصغرى تقف ساقيه ويلتفان. وعندما تلتف الساق بالساق يجمع القمر بالشمس ويساق كلا الساقين، وكلا النيرين، بعدما التف هذين، وجمع هذين إلي الله.
يقول ابن عباس: ويكور الله الشمس والقمر والنجوم يوم القيامة في البحر. ويبعث الله ريحا دبورا فتضرمهما نارا" رواه ابن أبي حاتم.
وروى البخاري:" الشمس والقمر يكوران يوم القيامة".
إن قرص الشمس التي هي أكبر من كرة القمر ثلاث مرات، سيلتصق بها القمر عندما يجمع بها وستكور عليه الشمس كما لو وضع أحدنا كرة (تنس) في راحة كفه ثم قبض عليها. وعند ذلك سيخسف بالقمر وستكور الشمس فتظلم.
وكما ستلتف الساق بالساق، وكما سيجمع الشمس والقمر ويكوران، ستلتف أيضا السموات السبع وتطوى، ويجمعها الجبار جل جلاله ويكورها جميعا.
وفي الصحيحين، واللفظ لمسلم عن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله :
" يطوى الله السموات يوم القيامة، ثم يأخذهن بيده اليمنى، ثم يقـول: } أنا الملك، أين الجبارون، أين المتكبرون؟ { ثم يطـوى الأرضين بشمالـه ثم يقـول } أين الجبارون أين المتكبرون؟ {".
وفي حديث أخـر يقول: } أنا الملك، أين ملوك الأرض؟ {وفي لفظ أخـر" ويأخـذ الجبار سماواته وأرضه بيده فيجعلها في كفه ثم يقـول بها (يفعل بها) هكـذا كما يقـول الصبيان بالكرة: } أنا الله الواحد {".
وأخرج ابن جرير عن أبى ابن كعب:" ست آيات قبل يوم القيامة:
بينما الناس في أسواقهم إذ ذهب ضوء الشمس.. فبينما هم كذلك إذ تناثرت النجوم.. فبينما هم كذلك إذ وقعت الجبال على الأرض.. فتحركت واضطربت. ففزعت الإنس إلى الجن.. والجن إلى الإنس. واختلطت الدواب والطير والوحوش فماجوا بعضهم في بعض..
وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَت قال: اختلطت.
وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ أهملها أهلها.
وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَت قال: قالت الجن نحن نأتيكم بالخبر.قال: فانطلقوا إلى البحر. فإذا هو نار تتأجج. قال: فبينما كذلك إذ تصدعت الأرض صدعة واحدة إلى الأرض السابعة السفلي.. وإلى السماء السابعة العليا.. فبينما هم كذلك إذ جاءتهم الريح.. فأماتتهم".
*****



أدخل عنوان بريدك الإلكتروني هنا يصــــلك كل جديــــد





بلغ الادارة عن محتوى مخالف من هنا ابلغون على الروابط التي لا تعمل من هنا



توقيع : manel


التوقيع



قصة الخلق من العرش إلى الفرش  story of Creation By Eid Wardany Emptyالجمعة 25 يناير - 22:48
المشاركة رقم: #
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
عضو الجوهرة
الرتبه:
عضو الجوهرة
الصورة الرمزية


البيانات
عدد المساهمات : 17945
تاريخ التسجيل : 17/10/2012
رابطة موقعك : ورقلة
التوقيت

الإتصالات
الحالة:
وسائل الإتصال:


مُساهمةموضوع: رد: قصة الخلق من العرش إلى الفرش story of Creation By Eid Wardany



قصة الخلق من العرش إلى الفرش story of Creation By Eid Wardany

زينة السماء






زينة السماء








كانت أول خطوة من خطوات الشيطان مع بني آدم في هذا العصر الذي سموه بعصر العلم والعلمانية هي أن يوسع لهم السماء حتى تصبح لانهائية. كذلك عمد الشيطان إلي مفردات لغة الدين فغير من بعضها ومحا البعض الآخر. فالسماء أطلق عليها فضاء، والكواكب التي زين الله بها السماء سماها" المجموعة الشمسية". والنجوم التي نراها صغيرة قليلة قال أنها أكبر من أرضنا ملايين المرات وأبعد من شمسنا بلايين الكيلو مترات.
ثم محا مفردات أخري كالعرش والكرسي والسموات والملائكة. والجنة والنار وأتى ببدائل لها: كالأسرار، والغموض، والمجهول، واللانهاية وأودعها في السماء بدلا من سابقتها.
وخدعة إبليس في تغيير الأسماء ليست بالجديدة، بل هي مكررة ومعادة. والتي بدأها بالشجرة المحرمة علي آدم وسماها" شجرة الخلد". وبهذه الخدعة القديمة سقط ويسقط بهاكثير من الغافلين.
لذلك عندما أرسل إبليس أحد رسله ليقوم بهذه المهمة الخطيرة وكان يدعي" جيردانو برونو" كان رسولا خائباً، أو فاجراً فقال لصرف الناس عن الله، إن الفضاء لا نهائي فعاقبته الكنيسة بالموت حرقا في 17/2/1600.
ورغم خطأ جيردانو المفضوح فإن إبليس استغل نهايته وسماه" شهيد العلم" وأصبح هذا اللقب يردده أشد المسلمين إيمانا بالله. فيقول العالم الجليل أبو الحسن الندوي عن شهداء العلم:" كان منهم العالم الطبيعي المعروف جيردانو برونو، نقمت منه الكنيسة آراء أشدها قوله بتعدد العوالم، وحكمت عليه بالقتل، واقترحت بأن لا تراق قطرة من دمه. وكان ذلك يعني أن يحرق حيا وكان ذلك".
ولم يقل جيردانو بتعدد العوالم كما قال عالمنا بل أعدمته الكنيسة لكفره بالله وبكل الغيب وقال بأن الفضاء الذي أمامنا لا نهائي. وعندما أرسل إبليس جاليليو استوعب الأخير الدرس إلي حدا ما ولم يقل بلا نهائية الفضاء وإنما قال " إن الكون إنما هو فراغ شاسع" وإنما يقصد بذلك إنه لا نهائي كما صرح مقدمو كتابه" الحوار".
ولأن أكثر الناس لا يؤمنون، فيوما بعد يوم ضعف سلطان الكنيسة التي كانت تحرس الدين، وقوي سلطان التجريبيين الذين كانوا يهدمون الدين. وتجرأ الكثيرون وقالوا أكثر بكثير مما قاله جيردانو دون أن يعترض عالم مسيحي أو مسلم، وراحوا في سبيل إثبات لا نهائية الفضاء يطلقون أرقاما بأقصى ما يمكن أن يتحمله عقل، ثم اخترعوا مقاييس جديدة منها السنة الضوئية، لتصل الأرقام إلي ما يفوق البلايين ببلايين المرات.
فقد كانوا يقولون" إن عدد نجوم السماء مثل عدد ذرات الرمال الموجودة علي سواحل البحار في الدنيا كلها. منها ما هو أكبر بقليل من الأرض، ولكن أكثرها كبير جدا. حتى يمكن أن نضع في واحد من ملايين هذه النجوم مثل ملايين حجم الأرض ويبقي فيها مـكان خالٍ".
وقال بعضهم" إن هذا الكون يتألف من خمسمائة مليون من مجاميع النجوم مضروبا هذا العدد في (000 000 000 000 500) من الملايين وفي كل مجموعة منها يوجد (مائة مليار) من النجوم. وأقرب مجموعة هي مجموعة" درب التبانة" ومنهم من كان أكرم من هذا فقال أرقاما في كتابتها مشقة فآثرت السلامة.
هذه العقيدة، أو هذه المعلومات يشترك فيها علماء الأرض. فالمسلمون يقولون بذلك تبعا لسادة الأرض من تجريبي الغرب وأمريكا.
حتى تقرأ لمسلم يؤمن بالقرآن الذي فيه أن الله خلق شمسا واحدة وقمرا واحدا وبعض الكواكب والنجوم، يقول: شمسنا هي أصغر من كبريات النجوم بخمسة وثلاثين مليون من المرات".
ومسلم آخر يقول متندرا علي قول الله وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ (الحجر:16)." إن هذا زعم فيه عجرفة وسخف يذكران بالفلسفات القديمة التي كانت تصمم علي أن الإنسان والأرض هما المحور والمركز. وأن النجوم مجرد ثقوب صغيرة وضعت في السماء ليبتهج الإنسان بمرآها".
وهؤلاء الذين يقولون في النجوم ، بما لم يقل به الله فيها، ولم يقل به أحد من رسله ولا أحد من علماء الشرع المعتبرين في أي ملة، بعضهم حسن النية، يطلق بالأرقام والأبعاد لا يلقي لها بالاً، إنما هو متبع لمن يظن أنهم رأوا بأعينهم ما يقولون وبعضهم سيء النية، كافر بالله، مؤمن بالطبيعة والعلم فقط، وسواء كان القائلون هؤلاء أو أولئك فإنهم سيحاسبون علي قولهم وسيطلب منهم الدليل علي ما يقولون.

النجوم ليست شموساً
وكما اتفق البشر الآن علي أن الأرض تدور، وأن الشمس هـي مركز هذه المجموعة فقد اتفقوا - مؤمنهم وكافرهم - علي أن هذه النجوم هي شموس كشمسنا هذه،غير أنها تفوق شمسنا حجما وقوة ملايين المرات، أو بلايين المرات والقليل منها مثل حجم شمسنا. ونحن إنما لا نشعر بذلك لبعدها الشاسع عنا.
ورغم أن هذا القول مناقض تماما مع الكتب المنزلة. فالكتاب المقدس يذكر أن الله تعالى خلق المنيرين العظيمين، المنير الأكبر لحكم النهار، والمنير الأصغر لحكم الليل. وخلق الله النجوم وجعلها في جلد السماء. والقرآن يحدد أكثر بأن هذه الشمس هي الوحيدة في السماء، بل في السموات السبع:
أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا (15) وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا (16) (نوح).
فرغم أن الله يقول بغير ما يقولون إلا أننا نحكمهم إلي العقول - إن كانوا يعقلون - ما داموا يكذبون كلام الله.
ونسألهم جمعيا، مؤمنين وكافرين: لماذا أيها السادة لا تعطينا هذه النجوم، وهـي بالبلاييـن المبلينة - كما تقولون - ضوءا كضوء الشمس بلايين المرات؟ لماذا لا نـري في الليل بلايين الأضواء، التي تفوق نور الشمس؟
تقولون لأنها علي بعد ملايين السنين الضوئية. ولكنكم أيضا تقرون بأن كثيرا منها قريب منا مثل (النجم القنطوري) الذي يبعد عنا أربعة سنين ضوئية فقط وهو نجم - كما تقولون - يفوق شمسنا ملايين المرات؟
لماذا لا تعطينا هذه النجوم مليون فقط قدر نور شمسنا؟ أو حتى ألف؟ أو مائة؟ أو عشرة؟ فأن كانت لا تستطيع فلتعطينا نورا قـدر نور شمسنا فقط؟ أو النصف، أو الربع، أو واحد من مائة، أو واحد من ألف؟ لماذا لا تعطينا هـذه النجوم جميعا واحداً من مليون من ضوء هذه الشمس؟ لماذا لا تتظاهر وتتضامن وتتعاون جميع بلايين النجوم وأقلها في حجم شمسنا، وأكبرها قدر شمسنا ملايين المرات وتعطينا واحداً من مائة من مليون من ضوء الشمس؟
إن هذه النجوم أيها السادة لا تقدر علي ذلك، ولا تقدر علي الظهور لمجرد أن تقترب الشمس من المشرق حوالي نصف ساعة أو اكثر، وكلها لا تجرؤ علي الظهور حتى بعد اختفاء الشمس بنصف ساعة ومعظمها يبدأ في الظهور بعد ساعة من اختفائها. بل إن القمر وهو الذي يستمد نوره من الشمس، يخفي بنوره المستعار هذا، أكثر من نصف نجوم السماء والنصف الآخر يبدو علي استحياء.
لماذا أيها السادة تترك شموسكم البلايينية السماء حالكة السواد، والأرض مدلهمة الظلام؟
إذن أيها السادة اسمعوا لكلام خالقكم، حتى ولو كنتم به غير مؤمنين، فهو تعالى يخبركم أن النجوم مجرد زينة، منظر، وليس هذا سُبة للنجوم بل هو دورها.
وظائف النجوم
ليست النجوم بهذا العدد الغير معقول الذي يقول به الفلكيون والمنجمون، وليست هي مبعثرة في الفضاء بعشوائية ولا هي بالبعد الذي قالوا بـه. بل كل ما في الكون محدد ومقنن، ومنضبط تماما، كما قـال تعالىكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ (القمر:3) ويقول إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ (القمر:49) وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا (الفرقان:2) فالنجوم خلق من خلق الله، خلقها تعالى لدور معين ومحدد، وخلقها تعالى بقدر معين ومحدد فهي ليست كـرمال الأرض، فالرمال بهذا الكم لأنها تراب، فرش الله بها الأرض، فهي فراشا. أما النجوم فهي ليست كذلك للسماء وإنما هي زينة، والزينة دائما معدودة محدودة، وإلا كان فيها إسراف، وقد نهي تعالى عن الإسراف وأخبر أنه لا يحب المسرفين.
والدور الآخر الذي لأجله خلقت النجوم يجعلها محدودة ومعدودة ومعروفة وذلك ليهتدي بها، وإلا فكيف يهتدي بمثل رمال الصحراء؟
وإنما جعل الله تعالى النجوم بعدد وبأقدار مختلفة وأبعاد متفاوتة حتى كونت علي صفحة السماء هذه الأشكال والرسوم الني أطلقنا أسماءها عليها، وقد اتفقت البشرية كلها علي أسماء هذه الأشكال، وأسماء هذه النجوم.
وعندمـا اقسم الله تعالى بمواقـع النجوم قائلا: فـَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُوم ِ(75) وَإِنـَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيم ٌ(76) إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (77) فـِي كِتَابٍ مَكْنُون ٍ(78) لا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ (79)(الواقعة).
فقـال علماء التفسير ووافقهم علماء الحديث أن هذا القسم ليس بنجوم السماء، بل بنجوم القرآن. ولعل الآيات ذاتها توضح ذلك، وأيضا الأحاديث، وقد فصلنا ذلك في موضع سابق. ونقول: حتى لو كان القسم هنا بنجوم السماء، فليس معني قولـه تعالى وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ  أن أبعاد النجوم عظيمة، بهذه البلايين، بل معناه أن القسم ذاته بهذه المواقع قسم عظيم. ومواقع النجوم بالنسبة للقرآن، أي الآيات التي تنزل من السماء منجمة: مفرقة علي سني البعثة وعلي مواقع الأحداث التي توافقت تماما مع نزول الآيات.
أما لـو افترضنا أنها مواقع نجوم السماء، فإن مواقع النجوم غاية في التناسق والإبداع والتكوين، ليس في بعدها عن الأرض، بل في أبعادها هي عن بعضها البعض بحيث تشكل كل مجموعة برجاً من الأبراج، وبحيث يكون عدد هذه الأبراج 12 برجا بالتمام. وبحيث أن يشغل كل برج في السماء 30 درجة قوسية أو 120 دقيقة زمنية بالتمام. وبحيث يتعامل القمر والشمس وسائر الكواكب مع هذه الأبراج بتناسق، وتوافق، ومواعيد دقيقة منضبطة.
ألا تكون هذه المواقع دالة علي قدرة الله تعالى وحكمته وعظمته؟
لذلك يقسم تعالى بهذا وليس بالبعد عن الأرض بملايين السنين الضوئية كما قال الكافرون بالقرآن، وأيدهم في ذلك علماء الإسلام الآن.
ولأن النجوم هي التي يتشكل ويتشيد منها الأبراج، والأبراج 12 برجا فقد ذكرت النجوم في القرآن 12 مرة.
أما عدد النجوم ذاتها في السماء فهو موجود أيضا في القرآن، ولن يصل إليه إلا بالتأمل والتدبرلآيات الله.
وقد وردت عدة أحاديث تصف حوض رسول الله صلى الله عليه وسلم ذُكر فيها عدد نجوم السماء منها ما رواه أبو عبيدة، عن عائشة: "الكوثر: نهر في الجنة، عليه من الآنية عدد نجوم السماء".
يقول تعالى عن علة خلق النجوم:
وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ (الملك:5).
وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ (الأنعام:97).
وقـال البخـاري في صحيحه في كتـاب بـدء الخلق:" وقال قتادة: خلقت النجوم لثلاث: (1) جعلها زينة للسماء (2) ورجوما للشياطين (3) وعلامات يهتدي بها، فمن تأول غير ذلك فقد أخطأ وأضاع نصيبه، وتكلف ما لا علم به".
وقال ابن تيمية:" أخبر سبحانه في كتابه أن النجوم منافعها ثلاث: يهتدي بها في ظلمات البر والبحر، وأنها زينة للسماء الدنيا، وأن الشياطين ترجم بالنجوم وإن كانت النجوم التي ترجم بها من نوع أخر غير النجوم الثابتة في السماء".
ولقد أتفق السلف جميعا علي أن النجوم والكواكب ليس لها دور سوي ما ذكر. وذلك من نصوص القرآن، ولم يخالف منهم أحد. والغريب أن الذين ينكرون هذه الثلاث للنجوم لا يقولون فيها بشيء، فلا ينسبون لها أي دور ويستعظمون أن تكون قد وجدت لهذه الأمور التي ذكرها الله تعالى ويقولون:" إن هذا زعم فيه عجرفة وسخف يذكران بالفلسفات القديمة التي كانت تصمم علي أن الإنسان والأرض هما المحور والمركز وأن النجوم مجرد ثقوب صغيرة وضعت في السماء ليبتهج بمرأها الإنسان".
عبودية النجوم
لم يخبرنا علماء الفلك والمنجمون والمتحدثون عن بـدء الخلق، كيف خلقت هذه النجوم في نظرياتهم. أو كيف تكونت لأنهم لا يعترفون بالخلق. لقد أخبرونا أن الأرض والكوكب نتجت عن حادث مأساوي سماوي بين الشمس ونجم أخر، أو بين النجم ونفسه (اختلفت رواية المشاهدين للحادث) ولم يخبرونا: كيف تكونت النجوم.
ولكن القرآن يخبرنا بأن الله تعالى خلق النجوم، وأخبرنا بأنه خلقها في اللحظات الأخيرة من اليوم السادس: ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ (11) فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (12) (فصلت).
ففي هذه الآية يخبر تعالى عن وقت خلقها، وسبب خلقها، بأنها زينة، وحفظ، وفي آية أخرى يخبر أنه جعلها للهداية في البر والبحر. من أجل هذه الأمور سخرت النجوم وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ(النحل:12).
وقد أخبر تعالى عن عبودية النجوم له عز وجل بداية من التسخير بأمره وطاعته تعالى، إلي التسبيح، إلي السجود.
فعن تسبيحها يقول تعالى يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (الجمعة:1) كذلك تسجد النجوم عبادة لله عز وجل أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ.
ويقول تعالى عن سجود كل شيء له مـا عـدا السموات والأرض فقد منعهما الله ليثبتا للخلائق وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ (الرعد:15).
فذكر تعالى جميع الخلائق دون تحديد، ولكنه حدد مكانهم فِي السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ بمكانين، وحدد زمن سجودهم بوقتين بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ وحال سجودهم بحالين طَوْعًا وَكَرْهًا وصفة سجودهم بهيئتين (جرمهم، وظلهم) فالآية لم تترك أحدا أو شيئا أو وقتا أو مكانا إلا فيه سجود لله تعالى.
وفي آية أخري خص تعالى الكائنات الحية فقال وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلائِكَةُ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ (النحل:49).
النجوم والمنجمون
من وظائف النجوم أن جعلها الله تعالى كما قال وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ (الملك:5) لم يصرح القرآن في أي آية أن الشيطان عدوا لله، ومن ثم فالشياطين لا يحاولون النيل من ملك الله وملكوته بصعودهم إلي السماء. ولكن صرح القرآن في أكثر من آية إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإنسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ وعلي ذلك فالشياطين في محاولاتهم للصعود إلي السماء إنما يقومون بعمليات تجسس علي مستقبل البشر الذي يحدد في السماء. والملائكة هم أنصح خلق الله لخلق الله، والشياطين هم أغش خلق الله لخلق الله، لذلك فالملائكة مع عبادتهم الدائمة يتحدثون في شئون بني آدم التي كلفوا للقيام بها حبا وكرامة لبني آدم وطاعة وتعبدا لله عز وجل، فكانت الأبراج حماية للأسرار السماوية الخاصة بالبشر من تسمع الشياطين لها.
وللعداوة الشديدة التي يكنها الشياطين لبني آدم فقد كانوا يتحملون آلاماً شديدة ومتاعب جمة في عملية الصعود هذه واستراقهم السمع. ويصبرون علي احتمال الأذى في سبيل إضلال بني آدم والكيد لهم. مما يدل علي مدي عداوتهم لهم.
غير أن حراسة السماء شددت وإجراءات حفظ الأمن في السماء زادت فحيل بين الشياطين وبين تسمع الأخبار. وقد حدثت هذه التطورات منذ بعثة محمد .
وقد كانت المصلحة التي كان الشياطين يتكبدون في سبيلها الويلات هي الحصول علي بعض الأخبار والمعلومات التي كانوا يكذبون فيها ويلفقون أخبارا ومعلومات أخري لم تقل في السماء، ثم يلقون بكل ذلك علي الكهان والمنجمين والعرافين وغيرهم من الدجاجلة ليضلوا بها بني آدم.
وقد أتت جهود الشياطين ثمارها. وما كانوا ليتحملوا هذا العذاب الشديد دون فائدة، فقد استطاعوا فعلا أن يضلوا جبلا كثيرا من الناس ولا يزالون.
كيف ضل الناس بالنجوم؟
كما استغل الشيطان الشمس في إضلال البشر فقد استغل النجوم أيضا. وتعاون حزب الشيطان إنسهم وجنهم علي أداء هذه المهمة، ولا يزالون.
أمـا عن أسلوب العمل فقد قال  في الحديث الذي رواه البخاري عن عائشة قال:" إن الملائكة تتحدث في العنان بالأمر يكـون في الأرض، فتسمع الشياطين الكلمة فتقرها في أذن الكاهن، كما تقر القارورة فيزيدون مائة كذبة". فكانت الشياطين تصعد في السماء بما لديها من قدرات فتسترق السمع، فإذا ما سمعوا كلمة من الملائكة عن أمر يكون لأحد في الأرض تنزلوا علي أخوانهم من البشر وهم الكهان الذين تعاقدوا معهم وتعاونوا علي الغش لبني آدم وإضلالهم بالدجل والشعوذة والتنجيم والكهانة والعرافة. وحتى يكون الكهان علي شيء فإن الشياطين تمدهم بكلمة صدق ومائة كلمة كذب. واعتقد الناس في صدق الكهان ومعرفتهم للغيب فآمنوا بهم ولجئوا إليهم في مصائبهم ومطالبهم وشدوا الرحال إليهم. ليجلبوا نفعا، أو يدفعوا ضراً.
وكان الكهان يغشون الناس مدعين أن ما يخبرونهم به هو من طالعهم في النجوم. ووصل الأمر بكثير من الناس ان اتخذوها آلهة، ونسبوا لها النفع والضر.
وكما فعلوا مع الشمس فعلوا مع النجوم التي سخرها الله لهم، أصبحوا عبيدا لها، وجعلها الله لهم ليهتدوا بها، فضلوا فيها. ولايزال حتى اليوم معظم الناس يلتمسون من النجوم أو المنجمين، النفع، والضر، حتى الذين بلغوا درجات من العلم، والثقافة، لتجدنهم يبحثون في الأبراج، وحظك اليوم، ويصدقونها ويتفاءلون ويتشاءمون بها ومنها. يعتقدون بجهلهم ان الحركات العلوية سبب الحوادث الأرضية.
والمخلوقات العلوية والسفلية، إنما يمسكها الله بقدرته سبحانه، وما جعل فيها من الطبائع والقوى فهو كائن بقدرته وبمشيئته سبحانه.
وعندما خسفت الشمس يوم موت إبراهيم ابن الرسول  توهم الناس أنها خسفت لموته، فرد رسول الله  على توهمهم بقوله:" إن الشمس والقمر لايخسفان لموت أحد ولا لحياته، لكنهما آيتان من آيات الله يخوف بهما عباده".
وفي الصحيحين أيضا عن بن عباس قال: حدثني رجال من الأنصار أنهم كانوا عند النبي  فرمى بنجم فاستنار فقال" ما كنتم تقولون عن هذا في الجاهلية؟" قالوا: كنا نقول: ولد الليلة عظيم أو مات عظيم. فقال:" إنه لا يرمى بها لموت أحد ولا لحياته. ولكن الله إذا قضى بالقضاء سبح حملة العرش، وضربت الملائكة بأجنحتها خضعاناً لقوله، كأنه سلسلة على صفوان. حتى إذا فزع عن قلوبهم، قالوا ماذا قال ربكم؟ قالوا: الحق. وإن كل أهل السماء يخبرون أهل السماء التي تليها:" قال رسول الله :" فلو أتوا بالأمر على وجهه، ولكنهم يزيدون في الكلمة مائة كذبة".
فقد أخبر أن الشهب التي يرجم بها لا تكون عن سبب حدث في الأرض وإنما يكون عن أمر حدث في السماء، وأن الرمي بها لطرد الشياطين المسترقة.
قال ابن تيمية رحمه الله:" لا ريب أن النجوم نوعان: حساب وأحكام. فأما الحساب فهو معرفة أقدار الأفلاك والكواكب ومقدار حركتها، ومـا يتبع ذلك، وهـو في الأصل علم لا ريب فيه.
وأما الأحكام التي هي من جنس السحر فمن الممتنع أن يكون نبيّ من الأنبياء ساحراً، إذ فيه من الكذب والباطل ما يستنزه عنه العقلاء الذين هم دون الأنبياء بكثير وما فيه من الحق فهو شبيه بما قال إمامهم ومعلمهم الثاني بعد بطليموس" أبو نصر الفارابي" قال: إنك لو قلبت أوضاع المنجمين فجعلت مكان السعد نحساً، ومكان النحس سعداً، أو مكان الحار بارداً، أو مكان البارد حاراً، أو مكان المذكر مؤنث، ومكان المؤنث مذكر وحكمت لكان حكمك من جنس أحكامهم، يصيب تارة ويخطئ أخرى".
ولأن الإسلام جاء ليضع كل شيء في نصابه الصحيح ومكانه الطبيعي، فقد حدد القرآن فائدة النجوم في ثلاثة، زينة، حفظ، هداية في البر والبحر. ومن زعم غير ذلك فقـد أعظم الفرية. وأكد  على ذلك بقوله : " تعلموا من النجوم ما تهتدوا به في ظلمات البر والبحر ثم انتهوا" أخرجه ابن مردوية والخطيب عن بن عمر. وتعلم عمر بن الخطاب ذلك من رسول الله  فنجده يقول للناس:" تعلموا من النجوم ما تهتدوا به في بركم وبحركم ثم امسكوا فإنها والله ما خلقت إلا زينة للسماء، ورجوما للشياطين، وعلامات يهتدي بها". أخرجه ابن أبى شيبه وبن المنذر والخطيب في كتاب النجوم. وأخرج ابن أبى شيبه وابن داود وابن مردويه عن ابن عباس قال: قال النبي " من اقتبس علما من النجوم أقتبس شعبة من السحر، زاد ما زاد".
والحديث وأشباهه محمول على النظر فيما عدا الاهتداء والتفكر والاعتدال.



أدخل عنوان بريدك الإلكتروني هنا يصــــلك كل جديــــد





بلغ الادارة عن محتوى مخالف من هنا ابلغون على الروابط التي لا تعمل من هنا



توقيع : manel


التوقيع



قصة الخلق من العرش إلى الفرش  story of Creation By Eid Wardany Emptyالجمعة 25 يناير - 22:48
المشاركة رقم: #
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
عضو الجوهرة
الرتبه:
عضو الجوهرة
الصورة الرمزية


البيانات
عدد المساهمات : 17945
تاريخ التسجيل : 17/10/2012
رابطة موقعك : ورقلة
التوقيت

الإتصالات
الحالة:
وسائل الإتصال:


مُساهمةموضوع: رد: قصة الخلق من العرش إلى الفرش story of Creation By Eid Wardany



قصة الخلق من العرش إلى الفرش story of Creation By Eid Wardany

معلومات نجومية


لم ينسب القرآن للنجوم جريا، أو سباحة في الأفلاك كما نسب للشمس والقمر لهذا قال السلف عنها" النجوم الثوابت" وهي بالفعل ثوابت بخلاف الشمس والقمر والكواكب الدراري وليس ذلك معناه أنها لا تتحرك بل إن النجوم كلها مثبتة في فلك يدور بهم جميعا من الشرق إلى الغرب حول الأرض مرة كل 23 ساعة و56 دقيقة، وذلك لأن القمر هو وحدة القياس في السماء وقرصه يشغل درجة واحدة مـن مداره الدائري، ومدته 4 دقائق. أي ان القمر يستغرق ظهور قرصه من الأفق أو غيابه فيه 4 دقائـق وذلك لتكتمل الدورة بدورة النجـوم 56 ,23 + 4 = 24 ساعة.
وعلى ذلك فالنجوم في دورانها تبكر كل يوم 4 دقائق أي في الشهر 120 دقيقة، وبذلك يسقط برج في القبة السماوية ويظهر غيره لأن البرج يستغرق 120 دقيقة. ولا تخلو القبة السماوية من 6 أبراج يسقط برج كل شهر في الغروب ويظهر آخر مقابل له في الشروق.
أما أحجام النجوم فقد روى ابن عباس عن رسول الله  أنه ليلة عرج به إلى السماء رأى النجوم كأنها قناديل معلقة، أصغرها أكبر من الجبل العظيم. وهذا مبينا لآية السجود للأجرام والأشياء والتي وردت بالترتيب: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَاِس (الحج:18) فهذه الآية ترتب المخلوقات.
السموات أكبـر ثم الأرض، ثم الشمس، ثم القمـر ثم النجـوم، ثم الجبـال، ثم الشجـر، ثم الدواب، ثم الناس.
فالنجوم أصغر كثيرا من القمر وأكبر من الجبال. فهي مجرد مصابيح لا أكثر، فلم تكن بالحجم الذي يزعمونه، وأن أي نجم ممكن أن يوضع فيه مليون مثل أرضنا ويبقى فيه مكان.
وهذا قول الذين لا يعلمون، ولا يؤمنون.


أما بعدها عن الأرض فجميعها على بعد واحد من السماء ولكنها مختلفة في الأقدار. وهي أعلى الأجرام السماوية وكما قلنا أن بعد السماء ذاتها عن الأرض 7 مليون كم.
غزو الفضاء


يعطينا التاريخ صورة مشينة عن الإنسان، صنعها هو لنفسه، فكلما ابتعد عن الله وعن رسائل الله، ضل طريقه، وضاق عالمه، واستوحش الكون من حوله فَمَنْ يُرِدْ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإسْلامِ وَمـَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ (الأنعام:125) فالمؤمن المتبع لهدى الله، صدره منشرح يبصر بعين الله، ويسمع بسمع الله.
كما روي البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه :" إن الله عز وجل قال: { من عادى لي وليا، فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إليّ عبدي بشيء أحب إليّ مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته، كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس عبدي المؤمن، يكره الموت، وأنا أكره مساءته }.
فالكون كله أمام عينيه، والحقائق كلها بين يديه لا طلاسم، ولا مجهول، ولا تيه ولا أسرار، ولا غموض، اللهم إلا الغيب. وهو خمس فقط كما ذكر تعالى.
وعدها للمؤمنين حتى لا يشغلوا أنفسهم بها لأنها من أسس ابتلائهم على الأرض إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (لقمان:34) وما عدا هذه الخمس فالكون أمامهم كتاب مفتوح.
وثمة انسجام بين المؤمن والكون حوله، لأن كل ما في الكون مخلوقات لله، ولأن كل المخلوقات مؤمنة، عابدة طائعة، مسبحة، من الذرة إلى المجرة ويقول تعالى إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ (الحجرات:10) والكل على طريق واحد، الطريق المستقيم.
والله تعالى يُعرَّف الإنسان بباقي العباد، الذين هم جمعا عبيد مثله. ولأنهم جميعا إٍخوة، وعلى طريق واحد مستقيم فمن على آخر الطريق يستطيع بإرادة الله أن يرى من على أوله.
أما الكافرون بالله وكتبه ورسله واليوم الآخر. فلا يجمعهم طريق بل يتفرقون في السبل، وتحول بينهم وبين بعضهم ظلمات، ومن ثم فعالم كل واحد منهم نفسه وربما ضاقت عليه وكما قال عنهم تعالى ضَاقَتْ عَلَيْهِمْ الأرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ(التوبة:118) وهذا شـــعور كل من يخالف الله وقانونه. وبقدر المخالفة يكون الضيق والظلمة.
لذلك تراهم، إما مكتئبين وإما مختنقين، وإما منتحرين.
ونذكر بما قاله جاليليو قبل أن يموت" إن هذا الكون الذي كبرته مئات المرات بكشوفي الغريبة وآلاتي العجيبة. قـد أنكمش بالنسبة ليّ من الآن فصاعدا إلى مجرد الحيز الصغير الذي يشغله جثماني".
وبقدر الإيمان والتمسك بقانون الله وشرعه والاتباع لكتاب الله يكون الانشراح والنور ووضوح الرؤية. واتساع الأفق، ورحابة الكون.
وكنموذج للبشرية يخبر الله عن أحد المؤمنين وحال الكون معه يقول تعالى وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ وَلِيَكُونَ مِنْ الْمُوقِنِينَ (الأنعام:75) ومن يدع الله يدعه، ومن يكفر يضله ومن يضله الله فلا هادى له مهما فعل، ومهما كان. ومهما أوتى، وسيظل كما قال عنه الله كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الأرْضِ حَيْرَانَ (الأنعام:71). ومهما كانت الإضاءة حوله والكهرباء والأشعة بكل أنواعها، والأجهزة بكل طاقاتها والمقربات والمكبرات، فإن الله تعالى قد حكم عليه ان يعيش في الظلمات. لماذا؟ لأنـه ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لا يُبْصِرُونَ(البقرة:17).
هذه الظلمات رغم ماذا؟ رغم انه استوقد نارا وأضاءت ما حوله، رغم الاختراعات والاكتشافات وما حصل عليه من ألقاب علمية وما أوتى من تكنولوجيا وحضارة وتقدم كشف له كل شيء. إلا أنه حقيقة في الظلمات مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لا يُبْصِرُون َ(17) صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ (18)(البقرة) ولماذا هذا الجزاء. يقـول تعالى أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوْا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (البقرة:16) والأمـر ليس حـالة وقتية بعدها يخرجون ثم يبصرون، بل هـو حكم الله عليهم دائما أبدا وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ مَنْ يَشَأ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَإ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (الأنعام:39) ماداموا به كافرين.
فكيف بالله أيها المؤمنون تأخذون علما، وعلما متعلقا بالكون ممن يعيشون في الظلمات؟
لقد حكم الله عليهم بالظلمات: وأنتم تحكمون عليهم بالتنوير.
كيف يرون السماء وما فيها، وكيف يرون النجوم وأبعادها، وهم لا يكادون يرون أيديهم إذا أخرجوها من ظلماتهم؟؟ كيف؟ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ (39) أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلْ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُور ٍ(40) (النور).
إنهم لا يكادون من ظلماتهم أن يرون أيديهم إذا أخرجوها ونظروا إليها، فكيف نطمئن إلى معلوماتهم عن الشمس والنجوم وهي أبعد شيء إليهم.
كما أن هـذا الفضاء بكل ما فيه أخبرنا الله منه علماً ولم يعد الأمر بالنسبة إلينا أسراراً أو مجهولاً، وما خفي علينا من أمر الفضاء - إن كان هناك خفاء - لسنا مكلفين بمعرفته أو بالبحث عنه وعدم معرفة مالا يريد الله لنا معرفته.. علم.
ولم يطلب منا تعالى أن نبحث في الفضاء. بل قال أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ(ق:6) فهو مجرد النظر، ولو أردنا السير والبحث ففي الأرض وليس في السماء قُلْ سِيرُوا فِي الأرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ (العنكبوت:20). وهذا أقصى ما يمكن عمله للبحث.
إن جمهور علماء المسلمين لا يجيزون ركوب البحر إلا إذا أمن اغتلامه. وذلك لحفظ الأنفس من الهلاك. فما بالكم بمن يسبحون في الفضاء الذي قال عنه تعالى:
يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ وَنُحَاسٌ فَلا تَنتَصِرَانِ (الرحمن:35).
وهـذا ما حدث لهم بالفعل عندما أرادوا غزو الفضاء. وهم لا ينكرون ذلك في أحاديثهم وكتبهم.
إن مقولة" غزو الفضاء" فيها تجاوز كبير. فأين نحن من غزو السماء وفيها ما عرفناه من حراسة مشددة، وحصون وبروج مشيدة، وشهب مرصدة، موجهة لمن يتجرأ من شياطين الإنس أو الجن بتجاوز الأرض والصعود إلى السماء بأكثر من المسافة المسموح بها ولا يغرنكم أيها المؤمنون ما نسمعه من أخبار كاذبة بين الحين والحين عن رحلاتهم في الفضاء، وما نراه من أفلام كاذبة صنعت بخدع الكمبيوتر عن بعض ما توصلوا إليه. والحق ان كل ما قالوه كذب وباطل. وإلا فليقولوا لنا ماذا حققوا طوال نصف قرن من الزمان يغدون ويروحون، يعرجون وينزلون، يذهبون ويأتون ماذا فعلوا؟ ما الذي حققوه؟
إنه وبصراحة شديدة لا شيء.
يقول"فكتور كوماروف" في كتاب" طرائف علم الفلك":" ظهرت إمكانية واقعية تماما لمقارنة (جعبة المعلومات) التي جمعتها بصورة حثيثة، أجيال من علماء الفلك حول المنظومة الشمسية مع المعطيات الفضائية الجديدة، فماذا كانت الحصيلة؟
لقد أعطى الجواب عن هذا السؤال العالم الفلكي السوفيتي المعروف العضو المراسل لأكاديمية علوم الاتحاد السوفيتي أ. شكلوفسكى في إحدى مقالاته قال: إن أعظم إنجاز في مجال دراسة المنظومة الشمسية باستخدام الأجهزة الفضائية هو أنه لم يتم التوصل بهذا المجال إلى أية اكتشافات عظيمة ولم يظهر بأن (كل شيء على خلاف ما هو معروف) وأثبت بجلاء المخطط المبدئي للعمليات الفضائية الجارية في الأسرة الكوكبية للشمس، الذي رسمه علم الفلك الأرضي".
هذا إقرارهم هم أنفسهم على محصلة غزوهم للفضاء، إنه لا زيادة على المعلومات التي جمعت عن المجموعة الشمسية من الأرض. أي أن محصلة غزوهم للفضاء.. لا شيء.
وتعالوا لننظر في الأمر حتى يومنا هذا:
كم غرموا في سبيل الوصول إلى القمر من الملايين؟ لا بل كم من المليارات؟ وكم استغرقوا لهذا من أعمارهم؟ وكم هلك منهم، ومن الحيوانات التي لا ذنب لها؟ وهذه المبالغ الضخمة التي أنفقتها وكالة (ناسا) الأمريكية. ووكالة (ميرا) الروسية وغيرهما من أطنان من الأموال للبقاء على سطح القمر دقائق معدودات ـ هذا إن كانوا قد صعدوا ـ كان يموت في مقابلها أعداد لا حصر لها في أفريقيا وغيرها، جوعاً وعرياً. لأن كل دينار أو درهم ينفق في غير محله من واحد من الناس، يتأذى منه آخر جوعا أو عرياً. نعم إسراف من واحد يؤثر بالفقر على آخر. وكل من يمرض من الشبع يمرض في المقابل آخر من الجوع. وكل من يموت من التخمة يموت في المقابل آخر من الجوع والفقر.
فالمليارات التي أهدرت في سبيل الوصول إلى القمر. سببت ولا شك موتاً لكثير من البشر وسائر الكائنات. والذين ماتوا في محاولتهم الوصول إلى القمر أو غيره إنما هم" منتحرون".
المهم: لقد وصلوا بعد عناء وجهد جهيد إلى القمر سنة 1969.(وأشك في هذا).
ثم ماذا بعد؟ ماذا وجدوا؟
لا شيء.
هذه حقيقة. لم يجدوا شيئا يذكر. ولم يستفيدوا بأي شيء.
ولما لم يجدوا شيئا أحضروا معهم حوالي 400 كجم من حجارة القمر (هم يقولون) . وراحوا في معاملهم يفحصون، ويبحثون، ويدرسون، ويحللون. وفي النهاية. ماذا حدث؟
لاشيء. ثم فرقوا هذه الحجارة على خلق الله كهدايا ومكافآت.
إن هؤلاء الفضائيين، أصيبوا بخيبة أمل. ولكنهم لا يعلنون ذلك. ولكن يقولون أن السفر إلى القمر سيصبح كأنه رحلة إلى بلد ما على الأرض، وهم كاذبون لأنهم بعدما وجدوا أنه لا جدوى ولا طائل وراء القمر ولا مقابل للرحلة الشاملة والمكلفة والمهلكة توقفت رحلاتهم إليه منذ زمن. وراحوا ينفقون الأموال المرصودة لأبحاثهم في رحلات مكوكية حول الكواكب، ودون أن يسافروا فيها لمخاطرها.
وأعتقد أن تحول جهودهم إلى الكواكب استدراج من الله لهم حيث قال سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ (44) وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِين (45) (القلم).
نعم استدرجوا إلى الكواكب، وراحوا ينفقون، ويسرفون، ويفقدون، ويخسرون ويهلكون أنفسهم فمات الكثيرون منهم تفجيرا، وتدميرا، واختناقا، وضياعاً. حتى أوصلوا مركباتها إلى كوكب المريخ. الذي هو أقرب كوكب للأرض - كما يقولون - وحطت المركبة على المريخ. وعادت إليهم لتخبرهم بالمعلومات التي تكبدوا في سبيلها ما تكبدوا. عادت إليهم بمعلومات، كان ثمنها غالٍ جداً.
ما هي المعلومات:
(1) المريخ كوكب أحمر (أي يميل إلى الحمرة).
(2) لا توجد حياة على المريخ. ولا أثر لكائنات حية.
(3) لاشيء.
وهذه المعلومات ليست بجديدة أما أولها فكان البدو الأعراب من سكان الجزيرة العربية يطلقون على المريخ (الكوكب الأحمر)، واقرأوا إن شئتم كتاب الأنواء لأبن قتيبة المتوفي سنة 276 هجرية وكتاب الأنواء لأبى حنيفة الدينوري المتوفى سنة 282 هجرية. وغيرها من كتب المسلمين التي تتحدث عن النجوم والشمس والقمر بما لم يبلغه الفضائيون.
وأما ثاني المعلومات فهو ما قال به القرآن والسنة وعلماء الأمة المعتبرين. وهم لا يريدون أن يصدقوا. فهم وشأنهم.
لكن لم يتوقف الاستدراج. فاستدرجهم الله حتى وصلت سفينتهم (لا أشخاصهم) لتحوم قريبا من المشترى.
ورجعوا بكم زاخر من المعلومات. وثروة علمية.. لكن ما هي هذه الثروة؟
يقولون: لقد أظهرت الصور الملتقطة للمشترى أنه ليس له أربعة أقمار كما كان يقول جاليليو وإنما وجدوا أن له 16 قمراً. ويعلم الله أنه لا المشترى ولا غيره لهم أقمار. ولا يوجد في السماء إلا هـذا القمر الذي يـدور حولنا.
أستأذنكم في التوقف عن سرد منجزات رواد الفضاء خشية أن أبخسهم حقهم وأترك الحديث للمهندس سعد شعبان وهو واحد من الأفاضل. وإن كان من المبهورين جدا كغيره من علمائنا بما توصل إليه علماء الغرب الفلكيين إلي (لاشيء). يقول الرجل في كتاب "الطريق إلى الكواكب" مع احتفاظنا بحق التعليق على ما يقول بين قوسين:
" لقد ظل علم الفلك حكرا على رجال الكنيسة إبان العصور الوسطى (وهذا غير صحيح) وأسبغوا عليه أسراراً لاهوتية عمادها الخرافات، ونشطوا إلى إخماد كل اجتهاد فيه، ورموا بالكفر كل من سولت له نفسه البحث في الظواهر الكونية، زعما بأنها من العلوم المحرمة (ولقد كفرت الكنيسة من استحق التكفير كما رأينا) غير أن حب المعرفة أظهر للبشرية علماء جسورين على رأسهم الراهب البولندي كوبرنيقوس الذي خالف سابقيه وأعلن لأول مرة على البشرية أن الأرض ليست مركزا للكون كما كانوا يظنون. كما قرر أن الأرض تدور حول نفسها وحول الشمس هي وسائر السيارات الأخرى".
ثم قال الأستاذ بهامش كتابه" ثم اتضح حديثا أن جداول كوبر نيقوس الفلكية التي قادته إلى هذه النتيجة هي عينها جداول نجم الدين المصري (لعله يقصد نصر الدين الطوسى وإلا فمن ذكره خطأ) الذي سبقه بنحو 400 سنة".
" وأتى من بعد كوبرنيقوس علماء واصلوا الرسالة لمحو المعلومات الخاطئة لرجال الكنيسة منهم تيخو براهي الدانمركي الذي ظل يرصد الكواكب والنجوم 35 عاما متوالية. وظل يضع الجداول والإحصائيات لهذه القياسات لتأييد ما أعلنه كوبرنيقوس حتى توفي عام 1601 ميلادية.
وأعقبه كبلر الألماني الذي وضع القوانين عن حركات السيارات ومنها الأرض حول الشمس. وما زالت قوانين كبلر الذي توفي عام 1630 تثبت سلامتها حتى اليوم (وقد أثبتنا بطلان أساس نظريتهم بدوران الأرض وقلنا أنه ليس لديهم أي دليل على صحة ما يقولون)".
" وأتى بعد هؤلاء جاليليو الفيزيائي الإيطالي متعدد المواهب. الذي صنع المنظار المقرب لرصد سطوح القمر والنجوم عام 1610 وجعل من علم الفلك متعة لا تغلفها الأسرار، وهواية يمارسها الهواة والمتخصصون. وقد ملأ جاليليو الدنيا علما (ترى أي علم؟) عن الفوهات والتجاويف التي على سطح القمر (ما أعظمه من علم !) والحلقات التي يتمنطق بها زحل والأوجه التي يتغير عليها كوكب الزهرة (وثبت خطأ هذه الاستنتاجات في ما بعد) إلى أن قدر لمعارضيه أن ينتصروا عليه ويزجوا به في السجن. ولقد ظل الرجل يصرخ في سجنه ويقول:"ومع ذلك فالأرض تدور" (لم يحدث هذا)".
" واليوم أصبح الكون مـن حولنا خضماً نـحن لا نمثل فيه إلا ركنا ضئيلا كنقطة في محيط، أو حصاة في صحراء".
هذه هي رؤية علمائنا المسلمين لهؤلاء التجريبيين الذين غيروا الحقائق وخالفوا قول الله.
ولننظر الآن إلى هذه الآية المعجزة التي تبين أهداف هؤلاء. وتأملوا جيدا صيغة الفعل المضارع والفعل المستقبل في الآية: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ (الأنفال:36) تـأملوا قـوله تعـالى فَسَيُنفِقُونَهَا فالأمر لم يقف ولن يقف فَسَيُنفِقُونَهَا.
وقد يعترض أحدكم قائلا: ما علاقة الذين كفروا بهؤلاء العلماء؟ فقد بينا أنهم ليسوا علماء. وذكـرنا طرفا من أقوالهم الكفرية الملحـدة بَدَتْ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَر (أل عمران:118) وإن كنتم في شك مما أقول فإقرأوا ماذا قال أول واحد منهم يغزوا (هكذا يقولون) الفضاء. عندما هبط من سفينته الفضائية قال" يوري جاجارين" الروسي:" لقد كنت أشعر وأنا في سفينة الفضاء أنني في منزلي. وبحثت عن الله فلم أجده" أرأيتم؟ والأدهى من ذلك أن يعتبر ذلك كشفا وجعلت الأمم المتحدة من هذا اليوم" اليوم العالمي للفضاء".
وإنني أصدق الله عز وجل في أن كل ما يفعلونه في الحقيقة صد عن سبيل الله وإلا فما علاقة هذه الرحلة إن كانت علميه بالبحث عن الله؟ إلا أن يكون الأمر كله حقا للصد عن سبيل الله. وصدق الله القائل فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ.
وإليكم نبذة صغيرة عن بعض خسائرهم التي أنفقوها وكانت حسرة عليهم، نقلا عن كتابي" أسرار الفضاء" و" الطريق إلى الكواكب" لسعد شعبان:
" في آخر يونيو من عام 1971 لقى الرواد الثلاثة حتفهم عندما أصاب الخلل أجهزة الضغط في السفينة أثناء رحلة العودة إلى الأرض بعد أن انفصلت عن المحطة المدارية فلقوا حتفهم. وعادت (ساليوت 1) إلى الأرض فاحترقت عند دخولها الغلاف الجوى.
في 15 أكتوبر 1971أرسلت روسيا القمر الصناعي" كوزموس 557" في مهمة فضائية، وبعد عشرة أيام فشل خلالها القمر من أداء مهامه فتم تفجيره بتحكيم من الأرض.
تكلف إنشاء سكاي لاب (معمل الفضاء) 2.60 بليون دولار.
سنة 1982 وفي أوج الانبهار بالانتصارات والإنجازات في عالم الفضاء حدثت المأساة التي روعت العالم. إذ انفجرت سفينة الفضاء" تشالنجر" أمام ملايين المشاهدين عبر شاشات التليفزيون، وكانت تحمل على متنها سبعة من رواد الفضاء منهم سيدتان. والذي سبق لأربعة عشرة رائد فضاء أن لقوا حتفهم ضحايا الفضاء.
" الخسائر المادية لانفجار تشالنجر كانت: تكلفة المكوك 1200 مليون دولار بالإضافة إلى 110 مليون ثمن أجهزة علمية كان يحملها، كلها تدمرت في ثوان أمام المشاهدين. وقد انفجر المكوك بعد 72 ثانية من لحظة الانطلاق ليتحول إلى كرة من اللهب عندما بلغت سرعته 28 ألف كم / ساعة على ارتفاع 16.7كم".
(ويذكر أن السفينة تشالنجر هذه كان ضمن مهامها دراسة ممارسة الجنس في السماء).
وإلى الآن أيها السادة وبعد انتهاء القرن العشرين الذي شهد من الإنسان غزوه للفضاء، ووصول مركباته إلى الكواكب ووصوله هو شخصيا إلى سطح القمر ما هي النتيجة التي وصل إليها الغزاة؟ وما هو النصر الذي حققوه؟ لا شيء.
وإنهم ليعترفون أنهم كلما تعمقوا في هذا الفضاء كلما زادت حيرتهم وتحيرهم. وهم لا يستطيعون التوقف لأن الله تعالى يستدرجهم. ويملى لهم.
وفي استدراج جديد، وفصل آخر من فصول الكيد الإلهي" ظهرت على سطح الأحداث العلمية هذه الأصوات الواردة من السماء. وتضاربت الأقوال في تعليل سببها: ذلك أنهم بدءوا يسمعون اصواتا مبهمة تأتيهم من أعماق الفضاء منها أنها تصدر عن البقع الداكنة التي تظهر فـوق قرص الشمس. ومنها أن غاز الهيدروجين في الفضاء يصدر عن إشعاعات كهرومغناطيسية".
" إن الأمر الذي مازال معلقا في بال العلماء هو أن هذه الأصوات الكونية، ربما يكون لها مضمون. وقد تكون صادرة من عقلاء في الفضاء يوجهونها نحو الأرض ونحن لا نفهم من لغتهم شيئا، أو قد يكون عقلاء السماء في أكثر من موضع على أجرام الكون قد أفلحوا في الاتصال ببعضهم البعض. وبذا يكون ما يصلنا من أصوات لا يصل إلينا عن قصد، بل يمر بنا متجها إلى أجرام أخرى غير أرضنا".
" وقد حاولوا استخدام العقول الإلكترونية في تفسير أصوات النجوم. وحدث تخبط ولم تستطيع هذه الإلكترونيات إعطاء إجابة شافية، عن شفرة هذه الإذاعات الكونية".
" وقد تبارت الدول في إقامة هوائيات ضخمة لتفسير واضح لهذه الأصوات. وقد أعلنت وكالة (ناسا) للفضاء أن مشروعا باسم (السيليكوب) مزمع إنشاؤه سيتكلف 250 مليون جنيه إسترليني. وأنه لو أقيم سيكون الفيصل في الكشف عن مضمون الإنشاءات الكونية".
بينما يعلن السوفييت أنهم ماضون في استجواب النجوم والتصنت إليها واحدا واحدا وأنهم إلى الآن قد فرغوا من استجواب 50 نجماً".
وقد مضت سنوات وسنوات ولم يصلوا لتفسير حتى الآن عن كنه هذه الأصوات التي تأتى من نجوم السماء.. ولن يصلوا. فقد سبقتهم الشياطين إلى ذلك ولم يفلحوا فغرروا ببني آدم ليقوموا بهذه المهمة.. ولكن هيهات هيهات.
قال تعالى وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا (Cool وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعْ الآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا (9) (الجن) وقوله تعالى إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ (6) وَحِفْظًا مـِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ (7) لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلإِ الأعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كـُلِّ جَانِبٍ (Cool دُحـُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِب ٌ(9) إِلا مـَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثـَاقِبٌ (10) (الصافات).
فعملية استراق السمع هذه كان يقوم بها الشياطين، ولكنهم لم يفلحوا في التصنت لحراسة السماء المشددة، وهـذه الأصوات التي يزعم المنجمون والفلكيون أنهم يسمعونها، وليس لها تفسير. فإن الأمر ليس كما يقولون: فليست هذه الأصوات لكائنات تسكن في كواكب أخرى. بل هي إحدى أمرين: إما تسبيح النجوم. وإما أحاديث الملائكة التي كانت الشياطين وما زالت تحاول التصنت إليها، ليس غير. وإن كنا نرجح السبب الأول وهو وقد أخبرنا تعالى أنها جميعا تسبح وأننا لا نفقه تسبحهم، فنفي الله تعالى الفهم ولم ينف السمع يقول تعالى: وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ  (الإسراء:44).
المجرة
يقولون إن الكون أو الفضاء يعج بالعديد من المجرات، لكن معظمهما بعيدا عنا بحيث لا ترى إلا بواسطة التليسكوب. أما ما يمكن رؤيتها فثلاث. واحدة فوق نصف الكرة الشمالي. واثنتان فوق نصفها الجنوبي. وتوجد 16 مجرة أخرى من بينها مجرتنا تؤلف مجموعة تسمى" المجرة المحلية" بعدها كون من المجرات.
ويعتقـدون أن المجرات حدثت منـذ 20 ألف مليون سنة نتيجة انفجار هائل وبشيء أقرب إلى السباق. لذلك فكـل مجرة تجرى مبتعدة عـن بعضها البعض وأسرعها مـجرة (الكوازر) فهـي الأبعد لأنها الأسرع. وأن جميع المجرات بدأت السباق من نقطة بدء واحدة. ومن مادة واحدة. ضغطت بشدة حتى صارت كرة واحدة ساخنة للغاية، ثم حدث الانفجار الهائل الذي أطلق المادة في كل اتجاه. ثم بـردت المادة بمرور الوقت. وتكونت هـذه المجرات التي مـا زالت تسرع وتبتعد لذلك فالكـون يتمـدد ويتـوسع.
وجـاء في كتاب" الكون المصور":" أجمع الفلكيون المعاصرون على أن الكون يتسع باستمرار، واتفقت آراء جميع الفلكيين على أن الكون يبدأ باستمرار ويفنى باستمرار، بينما تخلق (قوة غامضة) قوة جديدة، ومجرات جديدة لتملأ الفراغات التي تمخض عنها التوسع".
كذلك يقولون أنهم اكتشفوا ملايين المجرات الكونية مثل المجرة المسلسلة البهية التي تبعد عنا بنحو مليوني سنة ضوئية. وأن قطرها يبلغ 60000 سنة ضوئية. وأن نجومها يكاد يصل عددها عدد ما في مجرتنا من النجوم.
أما مجرتنا - التي نعيش فيها - فاسمها" درب التبانة" ويسميها الغرب" الطريق اللبنية" ويقولون بأن مجرتنا يبلغ طولها 100 ألف سنة ضوئية أي 600000 بليون ميل. أما عرضها (المحور الرأسي) فيبلغ 10000 سنة ضوئية، وقالوا بأن الشمس ومجموعتها تقع عند قرب نهاية أحد طرفي القطر الأكبر وأنها تشبه حبة العدس أو صفحتي طعام في وضعين متعاكسين.
هذا ما يقولونه عن المجرة والمجرات. وهذه المعلومات لا علاقة لها بالصحة من قريب أو من بعيد. وليس فيها أي شيء صحيح سوى اسم المجرة" درب التبانة" وما سوى ذلك فضرب من الخبل. وماذا ننتظر من قوم يعيشون في الظلمات وأعمالهم كلها كما قال ربنا سَرَابٍ.
لقد قلنا أن بيننا وبين هذه السماء 7 مليون كم وجميع هذه النجوم تدور فيها ولا تخرج منها. وأثبتنا أن هذا المسافة هي تحديد الله، ورسوله" مسيرة خمسمائة عام" ونحن فقط حسبناها بالكيلو مترات لا أكثر.
وحقيقة المجرة أنها عبارة عن شريط نجومي غير متساوي العرض يسير بصورة غير مستقيمة ولا مستوية في السماء ويدور مع السماء حول الأرض. فالمجرة متصلة الدائرة حيث ترى في نصف القبة الشمالي وفي نصف القبة الجنوبي.
وفي كتاب الأنواء لابن قتيبة تعريف للمجرة بأنها" شرج السماء كشرج القبة للشبه وسميت مجرة على الشبه لأنها كأثر المجر والسحب. وتسميها العرب: أم النجوم، لأنه ليس في السماء بقعة أكثر عدد نجوم منها. ولذلك يقال: أن النجوم تقاربت فيها، فطمس بعضها. فصارت كأنها مسحاب".
وتسمى العرب المجرة" درب التبانة" وذلك لأنهم شبهوها بطريق أو درب حاملي التبن الذي يتساقط منهم على الطريق. فشبهوا المجرة لكثرة وتقارب نجومها بدرب التبانة. وأما الغرب فشبهوه بلبن مسكوب على الأرض يلتمع من سقوط الضوء عليه وفي القاهرة بمصر طريق يسمى حتى الآن بدرب التبانة.
والمجرة ليست كما يقولـون عن طولها أو عرضها أو عن شبهها وأنها تشبه حبة العدس أو الطبقين مقلوب أحدهما على الآخر. وإنما مجرة درب التبانة دائـرة متصلة في السماء اتصال الطريق، ترق في مواضع، وتكثف في مواضع. وتضيق في مواضع، وتتسع في مواضع. والمجرة ترى بوضوح خاصة في ليالي الشتاء الصافية والتي يغيب فيها القمر. وترى بوضوح أكثر في القرى والصحارى عنها في المدن التي تعوق أضواءها الرؤية للنجوم، فترى شريطا من النجوم يلف السماء في صورة بديعة تأخذ بالألباب.
وهي تبدو لسكان نصف الكرة الشمالي خلال شهور الصيف ممتدة عبر القبة السماوية من الشمال الشرقي إلى الجنوب الغربي. أما خلال شهور الشتاء فتظهر المجرة من الشمال الغربي إلى الجنوب الشرقي.
وهذا يعنى أن المجرة تغير من وضعها من ستة أشهر إلى ستة أشهر وهذا إن دل على شيء فإنما يدل علي دوران المجرة حول الأرض ولو لم يكن لدوران القبة السماوية حول الأرض إلا هذا الدليل لكفي. فهو دليل لا علاقة له بالوحى والإيمان فيعوق الكافرين. ولا علاقة له بالمعامل والاجهزة فيعوق الفقراء، ولا علاقة له بعلم الفلك أو النجوم فيعوق غير المتخصصين.
وحتي لا يزعم أحد أن هذا ربما يكون نتيجة دوران الأرض حول الشمس، فنقول إن النجوم الموجودة في السماء بغض النظر عن نجوم المجرة تدور حول الأرض كل يوم دورة في 23 ساعة و56 دقيقة، فـهي تـرى مبكرة كل يـوم 4 دقائق حتى تبكر بعد مرور شهر ساعتين عن موعدها، وهكذا 000 ورغم اختلاف الوقت كل يوم فإن النجوم تخرج من نفس المطلع تماماً وتغرب أيضا في نفس المغرب، لا يتغير مكان طلوعها وغروبها سنتيمتراً واحداً على مدار السنة، فكيف يكون ذلك والأرض تدور حول الشمس فتغير من مطالع الشمس. فلماذا لم تغير مطالع النجوم؟ بل لماذا تتغير مطالع القمر للجهة المقابلة لمطالع الشمس. فكلما طلعت الشمس من اليمين كان القمر يطلع من الشمال ويتوافق الاتجاه في نصف الشهر الثاني. وكذلك الأمر مع نجوم المجرة فكل نجم فيها يطلع من نفس مطلعه لا يغيره ويسقط من نفس مسقطه لا يغيره طوال السنة، طوال عمر الكون لكن مع اختلاف وقت مطالعها كل يوم 4 دقائق تبكيرا فإن ما كان يطلع بالليل على نصف الكرة الشمالي فإنه بعد تبكير720 دقيقة (4 دقائق × 180يوم) (ستة أشهر) يكون في النصف الجنوبي. وما كان في النصف الجنوبي ليلا يبدأ في الطلوع في النصف الشمالي من نفس مطالعه التي كان يطلع منها بالنهار ثم لا يظهر إلا ليلا في النصف الجنوبي. فبعد 6 أشهر يظهر ليلا في النصف الشمالي.
فإن كان الأمر كذلك فإن ما يقولونه من أن الأرض والشمس تدور حول المجرة في 250 مليون سنة لا أساس له من الصحة، وإلا فكيف تظهر المجرة متجهة في ناحية في نصف السنة ثم متجهة في ناحية أخرى في النصف الثاني، وهكذا يتكرر الأمر بنفس الطريقة ونفس الاتجاه كل عام على مدار تاريخ الكون دون حدوث أي تغيير.
فالحق إن النجوم جميعا والمجرة تدور حول الأرض كل يوم، وتبكر كل يوم 4 دقائق حتى تظهر بعد ستة أشهر نجوم أخرى فوقنا وهي التي كانت فوقنا بالنهار قبل ذلك..

ما عدد المجرات التي في السماء؟
ليس في السماء سوى مجرة واحدة فقط لا ثاني لها. وكل ما قالوه عن أعداد وأبعاد لاوجود له إلا في خيالهم. وتكتل النجوم في هذا الشريط والذي نسميه المجرة. له هدف من أجله جعل الله النجوم بهذا الشكل في هذا المكان.
فقد روى الطبراني عن ابن عباس رضى الله عنهما قال:" إن هرقل كتب إلى معاوية وقال إن كان بقى فيهم شيء من النبوة فسيخبروني عما أسألهم عنه. قال: فكتب إليه يسأله عن المجرة، وعن قوس قزح، وعن بقعة لم تصبها الشمس إلا ساعة واحدة. فلما أتى معاوية الكتاب والرسول، قال إن هذا الشيء ما كنت آبه له أن اسأل عنه إلى يومي هذا. من لهذا؟ قيل: ابن عباس.
فطوى معاوية كتاب هرقل فبعث به إلى ابن عباس فكتب إليه:
" إن القوس أمان لأهل الأرض من الغرق. والمجرة باب السماء الذي تنشق منه الأرض. وأما البقعة التي لم يصبها الشمس إلا ساعة من النهار فالبحر الذي أفرج عن بنى إسرائيل" وهذا إسناد صحيح لابن عباس.
وعن على ابن أبى طالب في قوله تعالى وَانشَقَّتْ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ (الحاقة:16) قال: تنشق السماء من المجرة. وقال ابن جريح هي كقوله: وَفُتِحَتْ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَابًا (النبأ:19).
في السماء أحد عشر كوكباً
لابد أن يكون في السماء أحد عشر كوكبا. لأنها في القرآن كذلك يقول تعالى إِذ قَالَ يُوسُفُ لأبِيهِ يَاأَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ  لذلك فأعتقد - والله أعلم - أن في السماء أحد عشر كوكبا رغم أن هذه الآية تقص رؤيا منامية وليست رؤية بصرية، ولكن ما الفرق بين الاثنين إن كنا نعلم رؤيا الأنبياء وحي فالأمر لو كان رؤية بصرية من يوسف الكريم لما ترددنا في القول بأن السماء بها أحد عشر كوكبا، ولكن ينبغي أن يكون الأمر أكثر تأكيدا لأنها ليست رؤية بصرية، وليست مجرد رؤيا منامية بل إن الأمر أعظم وأجل فقد كان الأمر وحيا يوحي. فالأحد عشر كوكبا بالسماء.
ولا يحول بين أن تكون الرؤيا وحيا من الله أن الذي رآها كان صغيرا فإن الله تعالى أخبرنا بأنه أوحى إليه في هذه السن بقوله وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (يوسف:15) وقال ابن عباس: رؤيا الأنبياء وحي.
لذلك لا نتصور أن يوحي الله تعالى ليوسف الصديق أن أحد عشر كوكبا يسجدون له وفي السماء 9 كواكب مثلا أو أقل وكذلك لا نعتقد أن هناك كواكب أكثر من هذا العدد. وإلا فلم لا تسجد هذه الزيادة مع الساجدين؟
نعم إن هذا العدد موافق لعدد اخوة يوسف. وهذا يؤكد لنا أيضا أنه تعالى أراه الأحد عشر كوكبا يسجدون له. لأنهم أيضا كانوا كواكب الأرض، إذ يوسف واخوته كانوا السلالة الأولى لإسرائيل" يعقوب" عليه السلام ومنهم خرج كل أنبياء بنى إسرائيل حتى كان خاتمهم عيسى عليه السلام. فكان الأسباط" أبناء يعقوب" هم الكواكب التي خرج منها النور الذي أرسله الله للشعب الذي فضله على العالمين آنذاك.
أما محمد  فلم يكن من بنى إسرائيل بل كان عربيا ينتهي نسبه إلي إسماعيل عليه السلام ابن إبراهيم عليه الصلاة والسلام. لذلك كان إبراهيم هو (أبو الأنبياء) لان من ولديه إسحاق وإسماعيل خرجت كل الأنبياء الذين جاؤا بعد ذلك. أما إسحاق فقد ولد له يعقوب "إسرائيل" ومن إسرائيل هذا جاء كل أنبياء بنى إسرائيل.
ومن إسماعيل جاء محمد . الذي لم يكن كوكبا من الكواكب وإنما جمع الله له كما ذكرنا صفتي الشمس والقمر وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا(الأحزاب:46) فكان هو شمس الأرض وقمرها.
ومسألة الأحد عشر كوكبا هذه ليس فيها كبير خلاف، من حيث العدد، لأنهم لم يقطعوا بأن العدد الموجود والمعرف الآن هو عدد كل كواكب الفضاء. وعندما أقول" أنهم" فالضمير لايعود على علمائنا فليس لهم من الأمر شيء.
وعلى ذلك فالأمر مفتوح بابه وليس هناك ما يمنع من الزيادة.
أخرج سعيد بن منصور والبزار وأبو يعلى وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم والعقيلى وابن حبان وأبو الشيخ والحاكم وصححه وابن مردوية وأبو نعيم والبيهقي عن جابر بن عبد الله. وأخرج عبد الرازق وابن جرير وأبو الشيخ عن قتادة. وأخرج ابن جرير عن السدي. وابن المنذر عن ابن عباس:" جاء بستاني اليهودي إلى النبي  فقال: يا محمد اخبرني عن الكواكب التي رآها يوسف ساجدة له ما أسماؤها؟
فسكت النبي  فلم يجبه بشيء. فنزل عليه جبريل فأخبره بأسمائها فبعث رسول الله  إلى بستاني اليهودي فقال: هل أنت مؤمن إن أخبرتك بأسمائها" قال نعم. قال:" خرثان، والطارق، والذيال، وذو الكتفان، وقابس، ووثاب، وعمودان، والفيلق، والمصبح، والضروح، وذو الفرع. والضياء والنور. رآها في أفق السماء ساجدة له فلما قص يوسف على يعقوب قال: هذا أمر مشتت يجمعه الله من بعد".
فقال اليهودي: أي والله إنها لأسمائها.
إن هذا الحديث ليوضح عدة أمور أهمها: أن هناك أحد عشر كوكبا في السماء.
وثانيها: أن الأمر لم يكن معروفا لأحد على الأرض ولا حتى لرسول الله ، لذلك جعل هذا السائل معرفة أسمائها دليل على النبوة. فلعل هذا اليهودي كان الوحيد أو من المعدودين إن كان هناك غيره الذين يعرفون هذا الأمر.
وثالثها: أن علم هذه الكواكب، سواء عددها أو هيئتها، أو سيرها أو أحجامها أو أسرارها، أو مكوناتها علما لايهم الإنسان في شيء. وأن هذه الكواكب لا تزيد على النجوم في الوظيفة، فهذه كتلك. فقط الكواكب متحركة والنجوم ثابتة. والكواكب تعكس ضوء الشمس كالقمر والنجوم مضيئة بذاتها، وأخيرا النجوم كثيرة العدد، والكواكب أحد عشر فقط. وربما كان للكواكب مهمة متميزة عن باقي النجوم بخلاف المهام الثلاثة المعروفة، ولكن لأن أمرها لا يهم الإنسان، فلم يشغلنا القرآن بهذا الأمر.
ولأن هذه كتلك فقد كانت العرب تطلق على النجوم كواكب، وتطلق على الكواكب نجوم وكذلك فعل القرآن بهما. إذن فلم يكن هناك داع لأن يفعل أهل الغرب بأنفسهم وبأموالهم وبوقتهم وبحياتهم ما فعلوا لاكتشاف الكواكب وأسرارها فهي ليست أسرارا، ولا شيء فيها زيادة على ما عرفه الناس عنها قبل أن يصعدوا في الفضاء ويخسروا ما يخسرون.
هل استطاعوا أن يكتشفوا كوكبا جديدا فوق ما عرف قبل عصر الفضاء؟
هل أضافوا للعلم شيئا؟ أبداً.



أدخل عنوان بريدك الإلكتروني هنا يصــــلك كل جديــــد





بلغ الادارة عن محتوى مخالف من هنا ابلغون على الروابط التي لا تعمل من هنا



توقيع : manel


التوقيع



قصة الخلق من العرش إلى الفرش  story of Creation By Eid Wardany Emptyالجمعة 25 يناير - 22:49
المشاركة رقم: #
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
عضو الجوهرة
الرتبه:
عضو الجوهرة
الصورة الرمزية


البيانات
عدد المساهمات : 17945
تاريخ التسجيل : 17/10/2012
رابطة موقعك : ورقلة
التوقيت

الإتصالات
الحالة:
وسائل الإتصال:


مُساهمةموضوع: رد: قصة الخلق من العرش إلى الفرش story of Creation By Eid Wardany



قصة الخلق من العرش إلى الفرش story of Creation By Eid Wardany

ولأننا عرفنا أن الكواكب لها دور محدد، وأنه ليس بها سكان أو حياة أو كائنات حية. فكيف يقول علماء المسلمين الآن إننا لا نستطيع أن نجزم بشيء من ذلك؟ وكيف يقول بعضهم أن الإسلام لم يقطع بأمر من هذا؟ وكيف يقول آخرون: إن هناك حياة على بعض الكواكب مصداقا لقوله تعالى:  وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلائِـكَةُ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ (النحل:49).
فيقولون: لابد أن هناك دواب في السموات غير الملائكة لأن الله ذكر الملائكة وهذه الدواب لا يستبعد أن تكون على الكواكب. وهذا تفسير من يقول على الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير - وما أكثرهم - والله تعالى قد أخبر عن كل شيء في الكواكب حتى أن علماء الإسلام المعتبرين قالوا:
من زاد على ذلك فقد أعظم على الله الفرية يقول تعالى:
إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِب ِ(6) وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِد ٍ(7)(الصافات).
وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا (فصلت:12).
وَلَقَـدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومـًا لِلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُـمْ عَذَابَ السَّعِيرِ (الملك:5).
وأعتقد والله أعلم، أن الكواكب أشبه شيء بقواعد الصواريخ، وبالتأكيد مع الفارق. فهي قواعد صواريخ للدفاع الجوى. وزيادة في القوة والمنعة فهي قواعد متحركة، وزيادة في التحدي فهي مضيئة بخلاف قواعد الدفاع الجوى البشرية فلا بد أن تكون معتمة مظلمة ليلا للتخفي من العدو. أما هذه القواعد الدفاعية السماوية الربانية فهي قواعد لإطلاق الراجماتوَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ وفي نفس الوقت هي مضاءة أشد ما تكون الإضاءة لأنها (مصابيح) ولأنها (زينة). فكيف تكون هذه المصابيح المزينة للسماء، والتي هي رجوماً للشياطين، تكون مسكن للكائنات الحية. وأن عليها دواب.
وتعالوا لننظر في آيات القرآن وإعجازها في حديثها عن الكواكب:
لقد ورد ذكر الكواكب في القرآن بنفس عددها فذكرت إحدى عشر مرة. بعضها بالاسم وبعضها بالمكان وبعضها بالوظيفة.
يقول تعالى في أسمائها:
1) فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ(الأنعام:76)
2) إِذْ قَالَ يُوسُفُ لأبِيهِ يَاأَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ(يوسف:4)
3) اللَّهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ(النور:35).
4) إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ (6) وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ(7) (الصافات)
5) وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انتَثَرَتْ(الانفطار:2)
ويقول تعالى ذاكرا أماكنها:
6) وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ (16) وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ (17)(الحجر)
7) أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُّمْ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَة(النساء:78)
Cool تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا(الفرقان:61)
9) وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ (البروج:1)
ويقول تعالى ذاكرا وظائفها:
10) وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا(فصلت:12)
11) وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ(الملك:5).
كما أن ذكر الكواكب بلفظها 5 مرات له مدلول غاية في الإعجاز والبيان، فمن الآيات الأحد عشر التي ذكرت الكواكب بلفظها ووظيفتها ومكانها يأتي عدد مرات اللفظ 5 والباقي يستتر اللفظ في الوظيفة والمكان. وذلك ليتوافق مع وضع الكواكب في السماء ومدى مشاهدة أهل الأرض لها بالنظر بالعين المجردة.
إن تاريخ البشر لا يذكر إلا الكواكب الخمس.كل الحضارات، وكل الأمم. وفي كل الأحقاب لم يعرف إلا:
1 – عطارد 2- الزهرة 3 - المريخ 4- المشترى 5- زحل.
وهذه الكواكب هي التي عرفها العرب وذكروها في أشعارهم وكتبهم. وقد عرفوا عنها ما يسمح به نظرهم وإمكانياتهم البشرية العادية، وهو القدر المطلوب من الإنسان ولم يضف الغرب حتى إلى هذه الكواكب أي معارف فوق ما وصل إليه العرب بل إنهم رغم وصولهم قريبا من هذه الكواكب وتحليقهم قريبا منها، بل ونزول مركباتهم فوق بعضها، لم يعرفوا عنها مثلما عرف العرب الأقدمون. ومن أراد المقارنة فليرجع إلى كتب العرب في الفلك والأنواء.
كان العرب يعرفون عن هذه الكواكب ما يعرفونه عن إبلهم وأغنامهم. وليس هذا عليهم بغريب. فقد كانت الدراري السبعة، (الكواكب الخمس والشمس والقمر) هي جزء أساسي من حياة العربي. يقول نوري حمودي القيسي ومحمد نايف الديلمي محققا كتاب الأنواء والأزمنة لعبد الله بن حسين بن عاصم الثقفي:
" لقد اهتم العرب بهذه العلوم اهتماما كبيرا، وأولوها عناية فائقة لما لها عندهم من أهميه بالغة، تعينهم على إدراك معالم الطرق التي يسيرون فيها، والأماكن التي ينزلون بها، والمنتجات التي يتعيشون من خلالها. ويرعون إبلهم ومواشيهم منها، وهم أمة لا تقيم في مكان واحد ولا تقف عند حدود أرض ثابتة، في حل وترحال دائمين، يتتبعون أثار المياه وتعاشيب البلاد.
ولا بد إذن لهم من معرفة الأوقات التي تحدد تحركهم، وظعنهم وإقامتهم فليس في الطرقات معلم وإمارات تدلهم على الأماكن، وليس هناك من آثار أو معالم ثابتة على الأرض يهتدون بها. فشخصت أبصارهم إلى السماء، وتعلقوا بكواكبها ونجومها وشمسها وقمرها في وقت طلوعها وغروبها وتحركها على مدار السنة، وبما أدركته تجربتهم، وبلغته معاينتهم، لا على ما يقوم به الحساب الدقيق، بل الحدس والتخمين والمعاينة والتدقيق والتجربة والاختبار فليس كعنايتهم بهذا الباب عناية ولا كتفقدهم تفقد.
فبحدة أفكارهم وفضل فطنتهم وحسن رصيدهم ورجاحة ألبابهم وصحة أذهانهم، نفذوا في هذا الفن العجيب والعلم العربي، وصيروه في أسجاعهم، ونظموه في أشعارهم، وأحكموا به معايشهم حتى شاركوا فيه أهل الممالك المتأصلة والقواعد المتمكنة والكتب النظرية والعلوم الفلسفية، فضلا عن معرفتهم بقيافة الأثر والبشر.
غير أنه وإن كان قد شاركهم قوم في قيافة الأثر، فإنهم قد اختصوا بقيافة البشر، فليس لغيرهم فيها حظ، ولا لسواهم فيها نصيب لأنه ليس في الأرض قوم غير العرب يرون المتباينين في الصور والمتفاوتين في الطول والقصر، والمختلفين في الألوان فيعلمون أن هذا الأسود ابن هذا الأبيض، وان هذا القصير ابن أخي هذا الطويل، وإن هذا القبيح عم هذا الحسن، وكل شيء يعرفه غير العرب وتفخر به الأمم من أصناف العلوم وأنواع الآداب، فهو يعد تكلفاً، وإكراها للنفس ورياضة للطبع، وكل شيء تعرفه العرب فهو كالطبيعة فيها، وكأسهل الأشياء عليها".
كذلك بالنظر في الآيات الخمس التي ذكر فيها لفظ الكواكب نجد أنه:
قد يرد في آية مكونة من 11 كلمة إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ (6) وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِد ٍ(7)وأحيانا يأتي موقعه من الآية رقم 11 كقوله في سورة النور التي مثل الله فيها نوره بقوله مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّفكلمة كوكب ورد موقعها من الآية رقم 11 من كلمات الآية.
وفي رؤيا يوسف عليه السلام جاءت حكاية وصف الرؤيا لأبيه في 11 كلمة:
يَاأَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ.
وفي قصة إبراهيم مع عباد الكواكب نجد أن رؤياه للكوكب جاءت في 11 كلمة:
رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ.
وأمـا الآية الأخيرة مـن الآيات الخمس والتي تخبر عـن مصير الكواكب يوم القيامة نجد أن وَإِذَا الْكَوَاكِبُ 11 حرفا. ثم انتَثَرَتْ أي تناثرت وسقطت.
ثم إنَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا 11 حرفا أيضا.
أمـا آيات أماكن الكواكب وهي البروج فقد جاءت الآية 61 من سورة الفرقان في 11 كلمة تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا.
عندما نتأمل سورة يوسف نجد أن تأويل الرؤى لم تحور فيها الأعداد. فقد رأى الملك سبع بقرات سمان جاء تأويلها سبع سنوات من الخصب، ورأى سبع بقرات عجاف كان تأويلها سبع سنوات جدب. فواضح أن التأويل لم يشمل الأعداد.
كذلك جاء بالسورة ذكر الشمس والقمر مرة واحدة وليس في السماء سوى شمس واحدة وقمر واحد. فلابد وأن يكون في السماء أحد عشر كوكبا.
وكما ذكر تعالى أشهر نجوم السماء وهو نجم الشِّعْرَى في سورة النجم فقد ذكر تعالى أشهر الكواكب وهو كوكب (زحل) في قوله تعالى وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِق ِ(1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِق ُ(2) النَّجْمُ الثَّاقِب ُ(3) (الطارق) ومعنى الثاقب: المتوهج، المضيء. قال على ابن أبى طالب رضى الله عنه: الطارق: هو زحل.
وفي الحديث المروي عن رسـول الله  والذي أخبر فيه عن أسماء الأحد عشر كوكبا وذكر منها" الطارق".
ونحن نعرف أن زحل يمتاز بين الكواكب بحلقاته المتوهجة المضيئة. ولعظم شأنه فقد أقسم الله به. وذكر النجم في الآية بدلا من الكوكب لأن النجم جنس لكل من النجوم والكواكب، وتعتبر الكواكب من النجوم في وظيفتها.
يقول رجال الفلك أن حلقات زحل هي قطع من الجليد. ونحن نقول إنها أضواء متوهجة فهو نجم (ثاقب). وعلى الفلكيين أن يصححوا معلوماتهم طبقا لمعلومات القرآن.
الجوار الكنس
تسمى العرب الكواكب السيارة بالخنّس. والمفسرون يفسرون قوله تعالى:
فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ (15) الْجَوَارِ الْكُنَّس ِ(16) (التكوير) على أنها الكواكب، وهو تفسير تبدو صحته خاصة وأن الْجَوَارِ الْكُنَّسِ 11 حرفاً.
قالوا: إنما سميت بذلك لأنها تسير في الفلك وتخنس أي ترجع، فبينا يرى أحدها في آخر البرج إذ كر راجعا نحو أوله. لذلك سماها الفلكيون: المتحيرة تشبيهاً بالحيوان الذي لا تستقيم له جهة فهو يقبل ويدبر. وليس ذلك من حيرة بالكواكب ولكن سموها بذلك على قدر ما يظهر للأبصار من حالها.
وقالوا عن حركتها في السماء:
إن عطارد والزهرة لا يظهرا في وسط السماء أبدا وإنما هما بين يدي الشمس أو خلفها لأنهما أسرع جريا من الشمس، وعطارد أقلها في ذلك مدة.
وزحل أعلى الكواكب السيارة وفيه صفرة. ويسير في كل برج 32 شهرا أي أنه يقطع كل الأبراج في 32 سنة.
ويتلـو زحـل المشترى وفيه بياض، ويسير في كـل بـرج اثني عشر شهرا أي يقطع الأبراج كلها في 12 سنة.
ويتلو المشترى المريخ وفيه حمرة ويسير في كل برج 45 يوما ويقطع الأبراج كلها في 540 يوماً. ثم تتلوه الشمس في الفلك الرابع وتسير في كل برج شهر، ومـن أسماء الشمس عند العرب: الغزالة واشتقاقها من سرعة الدوران. وكذلك سمى المغزل مغزلا لسرعة دورانه.
وتتلو الشمس الزهرة وهي في الفلك الثالث وهي أعظم الخنس منظرا واشدها نوراً وبياضًا وتسير في كل برج سبعة وعشرين يوما.
ثم يتلوها عطارد وفيه صفرة وقل ما يظهر، ويسير في كل برج 7 أيام أي أن سنته 84 يوما.
ثم يتلو عطارد القمر ويسير في كل برج ليلتين وثلثا.
هذه هي الكواكب الخمسة التي عرفها العرب، وعرفتها كل الأمم ولم يعرف غيرها حتى أواخر القرن الثامن عشر.
وكما ذكرنا أن عدد الكواكب لم يكن على علم به إلا نفر قليل من الناس. وذلك لإن فائدة الكواكب غير متوقفة على معرفة عددها. والعدد فيما يبدو لا يشكل أهمية كشأن الأشياء التي لا تعد، أولا يهم فيها العدد.
في عام 1786 أكتشف السيار السادس" أورانوس" وفي عام 1846 اكتشفوا " نبتون" وفي عام 1930 اكتشفوا السيار" بلوتو".
ومنذ ذلك التاريخ لم يضيفوا أي سيارات أخرى. رغم زعمهم الصعود إلى القمر، ورغم السفن الفضائية التي جابت الفضاء وصعدت في السماء، ودارت حول الكواكب إلا أنها لم تضف جديداً لعلم الكواكب أو عددها. لتكون الكواكب المعروفة حتى الآن هي:
1- عطارد 2- الزهرة 3 - المريخ المشترى 5- زحل 6- أورانوس 7- نبتون 8 - بلوتو
ثم يعدون الأرض كوكبا من الكواكب. والأمر ليس كذلك.
الأرض ليست كوكباً
لم تكن الأرض يوما ما كوكبا، لم يقل هذا القرآن، ولا أي كتاب منزل، ولم يذكر هذا أحد حتى جاء جاليليو. وقال إن الأرض مثلها مثل ملايين النجوم وإنها لا تتميز عن غيرها في شيء. ولكن هل هذا صحيح؟
وبدأ التجريبيون يكونون كونا جديدا من صنع خيالهم، ولم يغيروا وضع الأرض أو الشمس أو الكواكب في الواقع، ولن يقدروا ولكنهم غيروا وضعها في عقول الناس وانقلب نظام الكون في عقولهم، عقول كل الناس، وأصبحت الكواكب التي لم يكن لها ذكر ولم يعرف عددها ولا أسماؤها رسول الله  حتى أخبره جبريل بها أصبحت الآن لها كيان ومجموعة، والأرض مجرد كوكب فيها ليس أكبرها ولا أصغرها، ولا أبعدها ولا أقربها. وهذا قول لا يرضى الله أبدا. ولا يرضى رسوله يَالَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ.
فالأرض ليست كوكبا. والكواكب: أحد عشر. تدور في أبراج مثل الشمس والقمر، وتدور في مدارات دائرية تماما، كـل كوكب له زمن في دورته حول الأرض أقلها عطارد كما ذكرنا. والكواكب أصغر من الأرض، بل أصغر من القمر. ويقارب حجمها حجم النجوم. والكواكب التي لم تكتشف بعد ربما هي التي تدور حول المشترى وربما غير ذلك. ولكن يبقى في السماء 3 كواكب لم يعرف مكانها. وإن كان الغرب قد اكتشفوا الكواكب الثلاثة الأخيرة، فإن على الشرق أن يكتشفوا الثلاثة الباقية. وقد ذكرنا في الباب الأول كيف خلقت الأرض، وأن خلقها استغرق يومين، وتهيأت للحياة في يومين آخرين وأن الله تعالى فتقها من السماء. أما الكواكب فإنها خلقت في اليوم السادس من الخلق أي بعد خلق الأرض. فمن ثم لا تعد الأرض كوكبا لأن الكواكب جعلها الله زينة للسماء فقال الله تعالى وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجاً وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَأي بالكواكب والنجوم.
يقول تعالى: قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ (9) وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ (10) ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ (11) فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (12) إذا فالأرض أرض، والكواكب كواكب.بالأسم والمعنى.

































بقدرة الله أم بقانون نيوتن؟
لم يجد التجريبيون غضاضة في التصريح بأن جملة القوانين التى وضعوها إنما الهدف منها إزاحة الدين، أو بالأحرى إستبدالها بالإله. وقالوا ان كل قضية تحتاج في تفسيرها لإله تستبدل (إلهاً) وتوضع مكانها (نظرية علمية). وأعلنوا للناس أن الدين مناقض للعلم، بينما العلم قد حقق لهم مكاسب في دنياهم ملموسة مشاهدة لا ينكرها إلا مكابر.
وكانت أكبر نظرية أوجدوها لإزاحة الإله هي نظرية الجاذبية، إذ أن المؤمنين كانوا يقولون بأن الله هو الذى يمسك السموات والأرض. وأن كل ما يدور من أجرام سماوية فبقدرة الله تعالى.
والمؤمنون فعلا يقولون بأن كل متحرك يتحرك بقدرة الله وعنايته وليس في الكون ما يشذ عن هذا، فعناية الله في المجرة كما أنها في الذرة، وهذا أول دليل يقول به المؤمنون، بل ويشترك معهم المشركون العرب في التدليل على وجود الله وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّه (العنكبوت:61) فمشركو العرب أنفسهم لم ينكروا عناية الله للكون، وأن الله تعالى يحكمه ويدبره، غير أنهم اشركوا مع الله في العبادة.
أما أصحاب النظريات الحديثة فيقولون:
" إذا كانت الحوادث تصـدر عـن قوانين طبيعية فلا ينبغى أن ننسبها إلى أسباب فوق الطبيعة". وعلى ذلك يقول هكسلي صاحب كتاب (الإنسان يقوم وحده) عن ظاهرة ربانية أكتشفوا بعد ذلك أنها ليست كذلك:
" إذا كان قوس قزح مظهر لإنكسار أشعة الشمس على المطر فماذا يدعونا إلى القول بأنها آية الله في السماء". واستطاعوا في كل فرع من العلوم أن يؤلفوا نظريات تكون بديلا عن الإله، حتى وجود الإنسان ذاته على الأرض، إستطاعوا أن يؤلفوا نظرية تكون بديلا عن الله الخالق وهي نظرية" النشوء والارتقاء" التى ألفها تشارلز دارون.
وجاء إسحاق نيوتن بقانون الجاذبية الذى استطاع هو وزملاؤه أن يجعلوه بديلا عن القدرة الإلهية. وقال نيوتن للناس: إن كل شيء متمكن في الأرض، إنما هو كذلك بقانون الجاذبية وأن كل الكواكب التى تسبح في الفضاء إنما تتحرك بقوة جاذبية الشمس وأن كل شيء في الكون يجذب بعضه بعضا.
فماذا يعمل الله إذن؟
وإنما تدور الذرة بالجاذبية، والمجرة بالجاذبية التى ألفها نيوتن ويقول:" توجد بين كل جسيم من جسيمات المادة في الكون. وكل جسيم آخر قوة تجاذب، تتناسب طرديا مع كتلتها وعكسيا مع مربع المسافة بينهما".
يقول وحيد الدين خان:" لقد كان من أهم دواعى الايمان بالله إستحالة تفسير الكون بدون الإعتماد على خالق مدبر. ولكن معارضى الدين زعموا انه لا ضرورة لفرضية (الإله) لتفسير الكون لإنهم يستطيعون تفسير الكون بكل مراحله في ضوء الإكتشافات الحديثة دون اللجوء إلى الإله".
قبل عصر الإلحاد هذا، كان الناس يقولون كل شيء في الكون يسكن ويتحرك ويثبت بقدرة الله وأمره، أما الآن فأصبح المصطلح السائد هو قانون نيوتن للجاذبية، وبعد أن كان الكون يمسكه الله بقدرته، يذكر أنه ممسوك بقانون نيوتن للجاذبية، فهذا الذى يعرف للناس، ويدرس لطلبة العلم، ويناقش في الرسائل العلمية. وأصبح قانون الجاذبية لنيوتن من الأمور المجمع عليها من أهل الأرض كافة دون إستثناء. ولم تحظ نظرية بإجماع أهل الأرض بعد نظرية دوران، مثلما حظيت نظرية الجاذبية.
ويردد بعض الطيبين" إن هذا هو أسلوب الله في العمل". بواسطة أسباب وعلل نعم إن الله تجرى مشيئته في الكون بواسطة أسباب وعلل ولكن من الذى قال أن هذا هو" أسلوب الله في العمل"؟ وأسلوب الله في العمل قد عرفنا به تفصيلا، وليس منه قانون الجاذبية. وليس لدعواهم هذه بينة.
ولو سألنا: ماهي الجاذبية؟ عرفوها لنا؟
جاءنا الرد من الدكتور صبرى الدمرداش وهو يجيب عن كل علماء الأرض في كل علوم الكون:" إن الجاذبية من أهم قوانين الطبيعة رغم أن الجاذبية نفسها مازالت لغزا عميقاً مجهولا".
إن هذا اللغز العميق المجهول لا يمكن أن يكون أسلوب الله في العمل. لقد أخبرنا تعالى عن الأمور الغيبية وهي خمسة فقط وليس من بينها الجاذبية.
أخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن ابن عمر قال: قال رسول الله :" مفاتيح الغيب خمس لا يعلمهن إلا الله: لا يعلم ما في غد إلا الله. ولا متى تقوم الساعة إلا الله ولا مـا في الارحام إلا الله، ولا متى ينزل الغيث إلا الله. وما تدرى نفس بأى أرض تموت إلا الله".
إذا فلا تعتبر الجاذبية من الغيب. وكما لم يخبرنا عنها في كتابه العزيز الذى فصل كل شيء. لم يخبر عنها رسوله  الذى بين كل شيء والذى لم يترك أمته إلا وأخبرها بكل شيء من العرش إلى الفرش. بل من رب العزة تبارك وتعالى إلى الأرض السفلى ولم يترك طائرا يقلب جناحيه إلا قال لأصحابه منه علماً. فهل كتم  علم الجاذبية؟ حاشا لله.
هل خفي عن رسول الله  علم الجاذبية وعرفه نيوتن؟
كيف لم يعرف رسول الله القانون الذى يُسيّر الكون كله.
ليس للأرض جاذبية
يقول الشيخ عبد المجيد الزنداني" درس علماء الأرض سبب الجاذبية فوجدوا أن باطن الأرض ثقيل ثقيل، وكلما يكون ثقيلا يكون جذبه قوياً وكلما نزلت تحت زادت الأرض ثقلا حتى نصل إلى قلب الأرض.. فوجدوا سائلا ثقيلا يدور حول قلب الأرض.. دورانه هذا ينشأ عنه خطوط الجاذبية.. التى تجذب الأشياء." ثم أتى الشيخ بأية تفسر الجاذبية. وهي قوله تعالى وَأَخْرَجَتْ الأرْضُ أَثْقَالَهَا (الزلزلة:2) وقـال بأن دكتور يدعى (ستيفلز) يرى أنها وآية أخـرى هي قوله تعالى وَإِذَا الأرْضُ مُدَّت (3) وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ(الانشقاق:2). تشيران إلى الجاذبية.
بحثت جاهدا عمن قال من علماء الغرب - الذين نتبعهم - أن بقلب الأرض سائلا ثقيلا يدور فلم أجد. وحاولت أن أعرف من منهم نزل لقلب الأرض وحدثنا بما رآه.. لطالما كان هذا حلماً وكانت أمنية تغنى بها المصرى القديم في انشودته المقدسة" لا أحـد يعود من وراء القبر فيخبرنا بما يحتاجون إليه هناك، أو ليريح قلوبنا. حتى نذهب نحن إلى هناك أيضا - إلى حيث الهواء". ترى هل جاء أحدهم من وراء القبور؟ أو من قلب الأرض حيث السائل الثقيل؟
لا أعتقد أن أحدا من رجال الغرب الذين نتبعهم نزل إلى قلب الأرض حيث السائل الثقيل هذا. ولا أعتقد أن جهازا من الأجهزة إستطاع أن يكشف أكثر من 7.5 كم في عمق الأرض الذي يبلغ 7000 كم تقريبا إلى المركز.
إننى لا أكذب الشيخ ولكن الذين قالوا له ذلك هم الكاذبون. أما الأثقال التى تحدث عنها الدكتور (ستيفلز) فلا علاقة لها بالجاذبية ولا بنيوتن ولا بأى واحد من البشر، لأن معنى الأثقال هنا (الموتى) الذين ستلفظهم الأرض يوم القيامة ليلاقوا حسابهم. فهذه الآية وأشباهها عن يوم القيامة.
قانونهم يكذبهم، يقولون: إن قوة جـذب الأرض للأجسام تقل كلما أرتفعنا عن سطح الأرض. فإذا رفعنا صنجة تزن 1 كجم إلى علو قدره 6400 كم - أى جعلناها تبتعد عن سطح الأرض بمقدار نصف القطر، وعن المركز بضعف نصف القطر - لقلت قوة الجاذبية بمقدار 2 2 أى بأربع مرات، ولكان الوزن 250 جم فقط بدلا من 1000 جم.
كأن كتلة الأرض برمتها مركزة في المركز طبقا لقانون الجاذبية، أما قوة هذا الجذب فتتناسب تناسبا عكسيا مع مربع المسافة، وعلى ذلك ففي هذه الحالة قلت المسافة بين الصنجة ومركز الأرض فقلت الجاذبية بمقدار 2 2 أى بأربع مرات. وإذا بعدنا الصنجة عن سطح الأرض مسافة قدرها 12800 كم أى ثلاثة أضعاف نصف قطر الأرض بعداً عن المركز لقلت الجاذبية بمـقدار 3 2 فيصبح وزن الصنجة 111جم فقط بدلا من 1000 جرام وهكذا.
وطبقا لهذا القانون الذى يقولون به. فإننا إذا توغلنا بالصنجة في أعماق الأرض، أى إذا قربناها من المركز فيجب أن تزداد قوة الجذب، أى يجب أن يكون وزن الصنجة في الأعماق أكثر مما هي عليه فوق سطحها.
غير أن الأمر على غير ذلك. إذ أن وزن الجسم لا يزداد بتعمقه في داخل الأرض بل على العكس من ذلك يقل. وتفسير ذلك كما يقولون أن القوى التى تتألف منها الجاذبية الأرضية لا تؤثر على الجسم من جهة واحدة. بــل من جميع الجهات - وكانوا يقولون إنها مركز الأرض - وبالتالى فالصنجة الموضوعة في أعماق الأرض ستنجذب أيضا مـن تأثير قوى الجاذبية الموجودة فوقها، لذلك فإن وزن الجسم سيقل باضطرد حتى نصل إلى المركز.
إن هذا يتناقض مع ما ذكروه من قوة الجذب إذا ارتفعنا لأعلى لأنهم قاسوا الإرتفاع من المركز. أما عندما نزلوا إلى أسفل فقد قاسوا بكل الكرة الأرضية. وأياً كان الأمر فكل ما ذكر إفتراضات حيث لم ينزل أحد إلى المركز، كما أنهم حتى الآن لم يتمكنوا من قياس قوة الجذب هذه التى يذكرونها لا فوق سطح الأرض ولا تحته.
وإذا سلمنا بأن الصنجة النازلة في أعماق الأرض ستنجذب أيضا إلى أعلى بتأثير قوى الجاذبية الموجودة فوقها فإن الجاذبية لن تكون من قلب الأرض بل من كل الأرض.
والذى نشاهده أن الأرض دائما ما يتفجر منها الأثقال كما يتم في البراكين، ونبع المياه. فداخل الأرض من أى عمق أوجهة لا يجذب بل يطرد.
أما المسافة التى ينعدم فيها الوزن تماماً، ذكرنا أنها 2370 كم ولا يوجد للأشياء وزن بعد هذا الإرتفاع.
ومما لا شك فيه أن الأرض تتميز عن غيرها من الأجرام السماوية فكل شيء محفوظ عليها لا يتفلت منها. وإذا ألقى حجر منها إلى أعلى فإنه يعود إليها مرة أخرى وإن وضع الأرض وشكلها الكروى يجعل منها نصف علوى ونصف سفلى (هذا بالنسبة لمن عليها أما بالنظر إليها من الفضاء ككل فلا ينطبق عليها هذا القول) وأننا نرى النصف السفلى يحتفظ بكل شيء عليه فلا يتساقط إلى أسفل تماما كما نحن واقفون على هذا الوجه من الأرض، فإن من كان بالجهة المقابلة سيظن أيضا أننا في النصف الأسفل له.
فالإحتفاظ بالاشياء على الأرض نعمة كبيرة، وتمكيننا منها بهذه الصورة نعمة قد نشعر بقيمتها لو عرفنا كم تكبدت البشرية وتكلفت مـن أجل الوقوف على القمر لعدة دقائق وكان وقوفا مقيداً، يختلف تماما عن الوقوف الحر السهل على الأرض.
وليس ذلك خاصية للأرض منها هي، وليس ذلك أمرا طبيعيا كما قال جاليليو فالطبيعة لا تملك لنفسها شيء فضلا عن غيرها. وكل شيء من أمر هذه الطبيعة مخلوق ومربوب، ومؤتمر بأمر الله. ولا حركة ولا سكنة له إلا بأمر الله:
وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ(النحل:12)
اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمْ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ(الجاثية:12)
أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأمْرُ (الأعراف:54)
قُلْ إِنَّ الأمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ(آل عمران:154)
اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ(الزمر:62).
فليست ذرة في الكون إلا وحركتها أو سكنتها بأمر الله. وليس دابة في الأرض:
إِلا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا (هود:6) إِلا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا(هود:56) لا ينزل ملك من السماء إلا بأمر الله وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلا بِأَمْرِ رَبِّكَ (مريم:64) تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (القدر:4) ولا تنزل قطرة ماء من السماء إلا بإذن الله وأمره وَأَنزَلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ (المؤمنون:18) حتى السفن لا تسير إلا بأمر الله وَسَخَّرَ لَكُمْ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ (إبراهيم:32) والريح لا تتحرك ولا تسكن إلا بأمر الله تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا (الأحقاف:25) لا شيء في الكون يقوم بنفسه. أو بطبيعته.
بـل كلُُ يكون، ويقوم بأمر الله. الذرة، الخردلة، الميكروب، الفيرس، الأميبا، الدم في العروق، الطعام في الجسد، الهواء في الشُعب، كل يسير.. بأمر الله.
فالأرض إذن ليس لها أى فعل، حتى تمكيننا عليها ليس بفعلها، وحفظ الأشياء فوقها دون تبديد ليس بفعلها.
بل ليس لأي شيء في الكون أي فعل إلا بفعل الله ، من جبريل إلى النملة ، ومن الذرة إلى المجرة ، ومن الحجر ألى الجبل ، ومن القطرة إلى البحر ، الكل مخلوق ، والمخلوق لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا ، ولا عطاء ولا منعا ، إلا بأمر الله.
والشمس لا تجذب شيئاً
يقولون بأننا نعيش على كوكب من كواكب المجموعة الشمسية. أى أن كوننا هذا عبارة عن مجموعة من الكواكب تدور حول أمها - الشمس - والأرض واحدة من هذه الكواكب. وقد بينا خطأ هذه النظريات المخالفة لقول الله في كل كتبه وعلى لسان كل رسله.
فأرضنا ليست كوكبا من الكواكب وإنما أرض ولا تسمى إلا (أرض) ولا وصف ولا إسم غير ذلك. والكواكب ما هي إلا زينة للسماء من أجل أهل الأرض، وحفظا للسماء أيضا من أجل أهل الأرض.
كذلك في هذا القول بناء للكون على الشمس والكواكب، وإعطاء الكواكب أكثر مما ينبغى. وقد ذكرنا أن أهل الأرض جميعا لم يكونوا يعرفون أسماء الكواكب أو عددها إلا واحد من اليهود. فالكواكب لا تكون مع الشمس كونا مستقلا، لأنه لا يوجد في الكون كله إلا أرضا واحدة، وشمساً واحدة، وقمر واحدا، وأحد عشر كوكباً تدور جميعا حول الأرض وليس الشمس.
عندمـا قالوا بأن الشمس تجذب هذه الكواكب لتدور حولها بما سموه الشد الجذبوي لم يروا ذلك، ولم يثبتوه بتجارب، ولا بحساب، وإنما كان لابد أن يجدوا بديلا للإله الذى يحرك الشمس والكواكب فقالوا: إن الشمس هي التى تجذب الكواكب لتدور حولها فالتحكم في الكون يتم من داخله لا من خارجه لأنه لو كان من الخارج فسوف يحتاج لمحرك أما من الداخل فالكون يقوم بنفسه فالأ رض من داخلها تَجذب وتُجذب، والكواكب لاتحتاج لتحكم من خارجها بل تجذب من داخلها، فتجذبها الشمس وسنرى بعد ذلك بقية الكون كيف يدار.
فيقولون إن الجرم السماوى لكى يبقى متحركا في مداره لا بد له من قوة طاردة مركزية ويشبهون ذلك بالحجر إذا ربطته بخيط وأدرته حول رأسك، فستشعر ببعض الجاذبيه، وهذه تسمى القوة الطاردة المركزية. وشدك للخيط بيدك تسمى القوة الجاذبة المركزية، وهما قوتان متوازنتان. ونتيجة لهذا الإتزان، بين دوران يدك والقوة الطاردة والجاذبية يتحرك الحجر في مدار دائرى وحينما تفلت الخيط من يدك. سينطلق الحجر على وجهه في خط مستقيم، مالم تؤثر عليه قوة أخرى توقفه أو تغير اتجاهه.
وقالوا بأن الشمس أثقل من الأرض ومن كل الكواكب مجتمعه، لذا فهي تتمتع بقوة جذب هائلة، وهـذه هي القوة الجاذبة المركزية للشمس، أى أن الشمس كالشخص الذى أمسك بالخيط، وفي نفس الوقت يبتعد كل كوكب عن الشمس تحت تأثير قوته المركزية، ولو لم تكن قوة جذب الشمس ممسكة بها لسببت القوة الطاردة المركزية لكل كوكب إنطلاقه في الفضاء إلى غير رجعة.
إن هذا القول لا يتفق مع العقل أبداً، ولو كان الأمر كذلك لجاز كل شيء عقلا، كيف تجذب الشمس الكواكب؟ ما هي القوة التي تصدر منها لتجذبها إليها. وفي الوقت نفسه ما هي القوة التي في الكواكب لتطرد نفسها فتتوازن القوتان الجاذبة مع الطاردة وكيف تفعل الشمس ذلك وهي تنطلق حول المجرة كما يقولون بسرعة فائقة؟
إننا نسفه مشركي العرب الذين كانوا يعتقدون في حجارة صماء أنها تنفع وتضر فالآن ماذا نقول لمن يعتقد أنها تجذب وتطرد؟ ما الفرق بين الاعتقادين؟ لا أجد فرقا كبيرا بل لا أجد فرقاً على الإطلاق وإنني لأتحمل هذا الحكم الذي أحكم به الآن على من يعتقد في الشمس والكواكب أنها تفعل ذلك بأنه شرك بالله لا يختلف عن شرك العرب في أصنامهم.
ورغم أن ما يقال ليس له علاقة بالعقل لكننا أيضا نريد أن نفهم. أفلا يستلزم إذا كانت الشمس هي التى تجذب الكواكب أن تتناسب سرعات جميع الكواكب في الدوران مع بعضها البعض تماما كما لوكنت تربط ثمانية أحجار في خيط طويل على أبعاد متفاوتة وتدير الخيط حول رأسك، فإن يدك ستدور هي الأخرى دورانا متناسبا مع دوران الخيط الذى به الحجارة، وهذا لا يحدث من الشمس أن تدور مع باقى الكواكب في إتجاه واحد وبسرعة متناسبة معها.
كذلك لا تدور الكواكب بسرعات متناسبة بحيث تقطع كلها دورة واحدة في وقت واحد فكل كوكب له سرعة مغايرة وغير متناسبة مع الكواكب الآخرى، مع إختلاف كل كوكب عن الآخر في الحجم والكتلة.
وكيف يتم الجذب والطرد بهذه الدقة والمدار ليس دائرياً وإنما إهليليجيا، كما يقولون.
ثم كيف تجذب الشمس الكواكب البعيدة عنها ملايين الأميال - كما يقولون - بنفس جاذبية الكواكب القريبة منها، فإن كانت جاذبيتها قوية إلى الحد الذى تجذب فيه بلوتو الذى يبعد عنها 3660 مليون ميل فلماذا لم (تشفط) عطارد الذى لا يبعد عنها أكثر من 36 مليون ميل (هذه المسافات هم الذين يقولون بها ونحن لا نعترف بها)؟
وإن كانت جاذبيتها على قدر يجعل عطارد يدور حولها دون أن (تشفطه) ودون أن يفلت منها فكيف تجذب بنفس القوة والقدرة على التحكم لبلوتو الذى يبعد عنها هذه المسافة الغير معقولة؟
ثم كيف تدور توابع المشترى عكس دوران الشمس. وكذلك بعض التوابع الأخرى؟
وكيف تدور جميع الكواكب فى إتجاه بينما" أورانوس" يدور فى إتجاه مخالف؟ إن هذه المخالفة وحدها كان يجب أن تهدم نظرية الجاذبية من أساسها.
والقمر كيف يوازن بين جاذبية الأرض وبين جاذبية الشمس. وهم يقولون إن جاذبية الأرض تنتهى وتتلاشى على بعد 3000 كم على أقصى حد. كيف يدور القمر حول الأرض إذن ولا جاذبية للأرض تجعله يدور حولها؟
وكيف يتحكم القمر في نفسه وهو ليس له جاذبية تذكر وهو بين الشمس التى تجذب بلوتو من أخر العالم وبين الأرض التى إنتهت جاذبيتها بالخروج من غلافها الجوى؟
وعندما يكون القمر بين الأرض والشمس في حالات الكسوف لماذا لا تسقط الأرض وقد حال القمر بينها وبين الشمس التى تجذبها؟ كذلك الأمر في سائر كسوفات الكواكب؟
ولماذا لا يسقط القمر عندما تحول الأرض بينه وبين الشمس في حالات الخسوف وبذا تنقطع العلاقة بين القمر والشمس والمفروض أن القمر بالجاذبيتين وإلا لو كان غير مرتبط بجاذبية الشمس ومتعلق فقط بالأرض فإن الأرض لا جاذبية لها بعد 3000 كم؟ وإنما كان القمر يدور حول الأرض بقدر ضئيل من الجاذبية منها، فلماذا لا ينفلت القمر من جاذبية الشمس عندما يدور ويكون قريبا منها خاصة والشمس تجذب بلوتو الذى على بعد ملايين الأميال. فلماذا لا تشفط القمر شفطا؟
هذه بعض أسئلة نوجهها لقوم يعقلون.



أدخل عنوان بريدك الإلكتروني هنا يصــــلك كل جديــــد





بلغ الادارة عن محتوى مخالف من هنا ابلغون على الروابط التي لا تعمل من هنا



توقيع : manel


التوقيع



قصة الخلق من العرش إلى الفرش  story of Creation By Eid Wardany Emptyالجمعة 25 يناير - 22:50
المشاركة رقم: #
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
عضو الجوهرة
الرتبه:
عضو الجوهرة
الصورة الرمزية


البيانات
عدد المساهمات : 17945
تاريخ التسجيل : 17/10/2012
رابطة موقعك : ورقلة
التوقيت

الإتصالات
الحالة:
وسائل الإتصال:


مُساهمةموضوع: رد: قصة الخلق من العرش إلى الفرش story of Creation By Eid Wardany



قصة الخلق من العرش إلى الفرش story of Creation By Eid Wardany

مادة مظلمة مجهولة متحكمة في الكون" بدلاً من الإله"

وصلنا إلى بيت القصيد.

فقانون الجاذبية ليس مقتصرا على الأرض، بل إنه متعلق بأى شيء يحتاج إلى الله في قيامه وإن كان المؤمنون يقولون بأن يد الله تعمل في كل شيء حتى في المجرة وما فيها من نجوم وإن كان قانون الجاذبية لنيوتن هو أسلوب الله في العمل وكان قانون نيوتن عاما على كل شيء" توجد بين كل جسيم من جسيمات المادة في الكون، وكل جسيم آخر قوة تجاذب، تتناسب طرديا مع كتلتها وعكسيا مع مربع المسافة بينهما" هكذا قال نيوتن.
ولكن الأجيال التجريبية التى تلت نيوتن فضحت قانونه بدون قصد، وحتى لا يحيدوا عن الطريق، فقد استطاعوا أن يتداركوا الأمر. فيستبدلوا الجاذبية بما أسموه:" المادة المظلمة" يحكى قصة المادة المظلمة الدكتور مصطفى ابراهيم فهمى في كتاب" علوم القرن الحادى والعشرين" فيقول:
" باستخدام قوانين نيوتن عن سرعة الحركة والجاذبية يمكن حساب وزن الشمس بطريقة غير مباشرة، وإن كانت غاية في الدقة، ويمكن بالطريقة نفسها حساب وزن مجرات بأسرها".
ومنذ مايزيد على خمسين سنة أدرك الفلكيون أن حاصل جمع كتل النجوم التى يمكن رصدها في مجرة التبانة، مقداره أقل مما ينبغى أن يكون لانتاج الجاذبية.
ومجموع كتلة الأجرام التى نراها لا يزيد عن خمسين في المائة من المقدار المطلوب لانتاج الجاذبية والحركة المقصودة.
فالمجرات ممسوكة معا في التجمع بواسطة"الشد الجذبوى" المتبادل فيما بينهما إلا أن كتلة النجوم المرئية فى هذه المجرات لا توفر إلا جزءا فقط من الكتلة المطلوبة لهذا الشد الجذبوى واستنتج العلماء في ذلك..".
قلت: العقل يقول أن يستنتج العلماء من ذلك بطلان قانون الحركة والجاذبية لنيوتن أوعلى الأقل إقتراض خطأه. لكن هذا قول العقل، أما العلماء فكان لهم قول آخر. يقول الدكتور مصطفي:
" واستنتج العلماء من ذلك وجود مادة لا يستطعون رؤيتها ولكنهم يدركون وجودها من تأثير شدها الجذبي. وقد سميت بـ" المادة المظلمة" ليس لأنها قاتمة في لونها، ولكن لأنها لا تبعث ضوءا كما تبعث النجوم والمجرات".
قلت: نلاحظ أن هؤلاء لم يروا هذه المادة أي أنها غير موجودة لكنهم يدركونها من تأثيرات شدها الجذبي. أي أن الجاذبية موجودة، ثم نلاحظ الإسم" الـمادة المظلمة" ونقول صدق الله تعالى القائل وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لا يُبْصِرُونَ (البقرة:17) وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ (39) أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلْ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ (النور:40) وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمْ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنْ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ (البقرة:257).
يقول الدكتور مصطفي:" وحسب التقديرات الحالية فان المادة المظلمة قد يبلغ قطرها مـا بين 90 إلى 99 من كتلة الكون.. أى أننا لا نرى إلا واحداً إلى عشرة فى المائة من المادة المسئولة عن كتلة الكون أو وزن المجرة.
وقد ثبت أن كل مجرة يحيط بها هالات ضخمة من المادة المظلمة (الدكتور يقول ثبت وهم لم يروها ولكنهم يفترضون) تعلن عن وجودها بتأثيراتها الجذبوية.
وظهرت نظريات كثيرة تناقش طبيعة المادة المظلمة وتطرح احتمالات عديدة، بعضها غريب نوعا !!
قلت: لم أكن أفهم معنى قوله تعالى إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (الرعد:4) التى وردت فى القرأن 7 مرات إلا بعد ما قرأت نظريات هؤلاء ولم أجد وصفا دقيقا لهم أكثر من قول الله: إنهم لايعقلون. إكتشفوا بأنفسهم أن كتلة النجوم الموجودة فى الكون لا تعطى إلا 1% أو بأعلى تقدير 10% من القدر المطلوب للشد الجذبوى. أى يحتاجون لـ 99% فوق القدر الموجود لتتم الجاذبية. ومـع ذلك يصرون على وجود الجاذبية أرأيتم أيها المسلمون صدق إلهكم الذي قـال سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ (فصلت:53) ألم يتحقق قول الله ذاك ورأوا آية تدل على بطلان قانـونهم وأن الله هو الحق المبين؟ نعـم تحقق. ولكـن أيضا يتحقق فى هؤلاء الآية الثانية سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِي الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا (الأعراف:146) إن فى كل نظرية من نظريات هؤلاء نجد أمامنا هاتين الآيتين. أنهم يرون الآيات بأعينهم ويعلمون أن الله حق ومع ذلك لاينتفعون بما رأوه لأن الله صرفهم عن النفع لأنهم قوم يستكبرون. آمنت بالله.
تعالوا لنرى ما يقوله الدكتور مصطفي عن النظريات المظلمة. أقصد نظريات المادة المظلمة:
النظرية الأولى:
كان" أدرت" الهولندى وهو الذى لاحظ في عام 1932 أن كتلة النجوم المرئية لا توفر إلا جزءا فقط من الكتلة المطلوبة لهذا الشد الجذبوى قد اقترح أن المادة المظلمة يمكن أن تكون مصنوعة من نجوم دقيقة الصغر، لها ضوء ضعيف، أضعف من أن يرى. على أن الدراسات اللاحقة بينت أن النجوم الشاحبه لا توجد بأعداد كافية لأن تسبب ما يرصد من تأثيرات جاذبية المادة المظلمة.
النظرية الثانية:
طرح آخرون أن المادة المظلمة ربما تتكون من ثقوب سوداء، والثقب الأسود هو البقية الثقيلة لنجم ميت. فالنجم وهو حى يحتفظ بحجم ثابت نتيجة للتوازن الموجود بين التفاعلات النووية فى فرنه الذري التى تعمل على تمدد النجم، وبين قوى التجاذب الداخلية للنجم التى تعمل على تقلص النجم، وعندما ينفد الوقود النووى بفرن النجم، تتغلب قوى الجاذبية الدخلية، وينكمش النجم على نفسه فى حجم صغير جـداً ولكن كتلة هائلة ذات جاذبية شديدة، بحيث لا يفلت منها اى شيء ولا حتى الضوء. هذا هو الثقب الأسود الذى لا يمكن رؤيته مادام لا يخرج منه ضوء. وإنما يمكن إدراك وجوده بتأثير جاذبيته، وتوجد حاليا قرائن كثيرة تدل على وجود ثقوب سوداء، إلا أن أحدا لايعرف حقا عدد ما يوجد منها في الكون وإلى أن يتم تحديد ذلك سيكون من الصعب التأكد من أن هذه الثقوب موجودة بالقدر الكافى لتكوين كل المادة المظلمة ويبدو أنه من غير المحتمل بالنسبة للمجرات النمطية أن يكون فيها عدد من الثقوب يكفى لتفسير كل المادة المظلمة.
النظرية الثالثة:
إن المادة المظلمة قد لا تكون من مكونات المادة العادية - بروتونات ونيرونات- وإنما مصنوعة من مادة غريبة علينا لم نرصدها بعد فى الواقع ولا فى المعمل، والمعمل هنا هو أجهزة عجلات تحطيم الذرات والجسيمات تحت الذرية فتظهر طبقات جديدة من الجسيمات.
النظرية الرابعة:
تقول بأن المادة المظلمة (قد) تكون مصنوعة من جسيمات تسمى (الويمبات) ولكن حتى الآن لم يتم رصدها الآن بالفعل فى الوجود. والويمبات كلمة إنجليزية تتألف من الحروف الأولى لعدة كلمات تعنى (الجسيمات الثقيلة ضعيفة التفاعل).
النظرية الخامسة:
(ربما) أن المادة المظلمة ربما تتكون مما يسمى بالأوتار الكونية على أن الأوتار الكونية هذه مجرد تخمين نظرى لا وجود له بالفعل ويتخيل صاحب هذه النظرية الوتر الكونى هذا كشق فى بنية المكان والزمان. ويشبه الشق فى الماسة أو بحيرة متجمدة.
وإذا كانت كل هـذه النظريات عن المادة المظلمة بلا دليل حاسم على صحتها فإن لنا أن نتساءل، هل المادة المظلمة موجودة حقا؟
نعم أن المادة موجودة بلا شك، وقد تم إثبات وجودها على نحو جازم لكن لا أحد يعرف بعد ما تكون بالضبط ماهي هذه المادة المظلمة وإن كنا واثقين من وجودها.
إنتهى كلام الدكتور. ومما لا شك فيه أن المخاطبين نوع من اثنين إما عقلاء وإما غير ذلك وفى كلتا الحالتين لن يحتاجوا إلى تعليق ولكن فقط أقول إن هؤلاء على استعداد لأن يقولوا ما لا يخطر على بال، وما لا يمكن، ولكنهم ليسوا على استعداد أن يعترفوا أن هذا الكون بكل ما فيه يحركه: الله.


الكون المنكمش
سندخل الآن على فصل آخر، منتقلين من" المادة المظلمة" إلى" الكون المنكمش" لنستشعر نعمة العقل التى وهبها الله للمؤمنين. ونتعجب لأن التاريخ يعيد نفسه كما يقال، وأن فرعون وهامان وقارون وأبا جهل وأبا لهب، يتكررون فى كل عصر مهما سمي بأسماء براقه " عصر التكنولوجيا" "عصر التقدم" " العصر الحديث" " عصر الفضاء" إلى آخر هذه الأسماء. ويتكرر أمثال هؤلاء فقط بتغيير فى الأسماء فنجد كوبر نيقوس وجاليليو ودارون وهيكسلى وغيرهم حتى أبو جهل قد يرد فى ثوب واسم أينشتاين. بل إنهم يتكررون بأسماء أشد المؤمنين إيمانا..
يقولون بأن الضوء ينتقل عبر وسيط سموه" الأثير" ولكنهم لم يتوصلوا بعد إلى كنه هذا الأثير وخواصه. ويقولون أيضا بأنهم قاسوا سرعة الضوء بجهاز اخترعوه، وتوصلوا إلى أن الضوء ينطلق بسرعة 300000 كم / ث أى أن شعاع الضوء يدور حول الأرض كلها أكثر من سبع مرات فى ثانية واحدة. وبضمير أكثر وأمانة أشد بسرعة 299792.5 كم / ث. وهذه السرعة كما يقول علماؤنا: أنها المطلق الوحيد فى الكون. وعلماؤنا بالطبع لم يقيسوا شيئا ولكن هكذا قال الأسياد المتبوعون وهكذا قال قدوة وإمام علمائنا المعصوم" أينشتاين" الذي قال" إن سرعة الضوء فى الفراغ هي المطلق الوحيد فى الكون وما عداها نسبى وهي تمثل الحد الأقصى للسرعة الكونية". (ولا حول ولا قوة إلا بالله).
ولأخفف الوطأة على أتباع أينشتاين فإننى أعترف لهؤلاء العلماء بالعلم ولكن فقط فى علم الأدوات المنزلية من أجهزة كهربائية وأجهزة إتصالات ومواصلات، لأن هذا ما أراه بعينى واعيش فى خيره. وهذا اعتراف من الله عز وجل لهم يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنْ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنْ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ (الروم:7). ومعنى (ظاهرا) أى بائنا مكتشفا (من الحياة الدنيا) أى من زخارف الدنيا وملذاتها وأمر معاشهم وأسباب تحصيل فوائدهم الدنيوية. وهو (ظاهرا) بإظهار الله تعالى له ليكشفوه لأنه تعالى عَلَّمَ الإنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ولأنه تعالى أعطاهم ما اختاروا. وقد خيرهم تعالى: مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُـمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذمُومًا مَدْحُورًا (الإسراء:18).
يقول هؤلاء الغافلون: إن ضوء الشمس يصل إلينا منها إلى الأرض بعد ثماني دقائق وثلث دقيقة. وهذا القول لا يستسيغه العقل ولم يصل إلينا بالنقل ولم يصدر إلا من من أخبرنا الله بأنه ذهب بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون والذين هـم أعمالهم كسراب. فكيف لنا أن نصدقهم؟
كيف تستسيغ عقولنا أن قرص الشمس الموجود أمام أعيننا في الأفق الغربى ليس هو للشمس وإنما خيالها، أما الشمس ذاتها فقد نزلت منذ 8 دقائق؟ وأن قرص الشمس يطلع من المشرق ويبقى في الأفق دون أن نراه إلا بعد 8 دقائق؟ وقبلها لا نراه لأنه لم يصل إلينا ضوؤها بعد؟
وعلى أى شيء نصلى صلواتنا؟ على أى شيء نصلى المغرب مثلاً؟ على نزول القرص ذاته أما غياب الضوء؟
وفي رمضان.. علام نفطر؟ على غياب قرص الشمس، أم غياب ضوئها الذي سيختفي بعدها بثماني دقائق وثلث.
وتطلع الشمس من الشرق بقرصها البرتقالى الجميل الخلاب فلا أراها لمدة 8 دقائق لأن ضوءها لم يصل إلىّ بعد؟ لا حول ولا قوة إلا بالله.
إن ضوء الشمس أيها السادة من أمر الله تعالى. وهو يصل إلينا في لمح البصر وَمَاأَمْرُنَا إِلا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ (القمر:50).
لقد سمعت بأذنيّ أحد العلماء يتحدث في إذاعة القرآن الكريم المصرية يقول إننا لو صعدنا الآن إلى نجم ما من النجوم فإننا لن نرى ما على الأرض الأن لأن الضوء سيصل إلينا ونحن على النجم من الأرض بعد آلاف السنين. وأننا سنرى الفراعنة وهم يبنون الأهرام، أى سنرى ما حدث منذ آلاف السنين لأنه سيكون بالكاد قد وصل إلى النجم الذى يبعد عن الأرض آلاف السنين. ولو صعدنا بالطبع إلى نجم أبعد سنرى الطوفان وسفينة نوح.. وهكذا.
وهذا الكلام ليس من نتاج عقل علمائنا.. الطيبين - وليس لرسول الله - وإنما لأينشتاين الذى قال لهم ذلك القول. بأن هناك نجوماً بعيدة عنا يصل ضوؤها إلينا بعد آلاف السنين وهناك نجوم يصل ضوؤها إلينا بعد ملايين السنين بل هناك نجوم ماتت - هكذا يقولون - وفنيت منذ آلاف أو ملايين السنين ولم يصل إلينا خبرها بل لا يزال يصل إلينا ضوؤها. فأمام عينيك نجم يلمع ولكن الحقيقة إنـه مـات إلى رحمة الله منـذ ملايين السنين (ولا حول ولا قوة إلا بالله).
لقد صعد رسول الله  إلى السماء في ثوانٍ أو دقائق وتجاوز كل النجوم وأخبرنا فيما رواه عنه ابن عباس إنه رأى النجوم كالقناديل المعلقة في السماء أصغرها مثل الجبل العظيم. ولم يخبرنا  أنه رأى الفراعنة وهم يبنون الأهرام على الأرض، أو أنه رأى موسي وهو يجاوز البحر ببنى إسرائيل وفرعون يغرق من ورائه. ولو تعذر رؤية هؤلاء لبعد المسافة، فإنه أيضا لم يخبرنا أنه رأى طوفان نوح عليه السلام وهذا يرى من أى مكان لأن السماء نفسها فتحت أبوابها بسيل منهمر والأرض نفسها أصبحت عيونا، والماء كان كالجبال لماذا لم يرى رسول الله  ذلك الأمر. ولا غيره من أحداث الماضى، وما يشك مسلم صحيح الايمان أنه  عرج به إلى السماء بروحه وجسده، يقظة لا مناماً، وأنه التقى بالأنبياء في السماء بعد موتهم ولم يكونوا على الأرض طبقا لنظرية أينشتاين.
إن نظرية أينشتاين في النسبية والفضاء المنحني والبعد الرابع للزمن وغيرها كان يجب ألا تنطلي على المؤمنين أولي النهى، أولي الألباب، ولا أن ينساقوا بتأييدها وترويجها، ومعظمهم يعلم الله لا يفهمها ولن يفهمها لأنها كلمات هو قائلها.
وتصديقاً أيضا لقوله تعالى سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ (فصلت:53) نذكر التجربة الآتية التى تبين كيف يريهم الله الآيات ثم يصرفهم عن الإنتفاع بها لكبرهـم:
قالوا: إنه إذا كان الضوء يمثل الموجات التى تنتقل عبر الأثير، فلا بد أن سرعة الضوء المسجلة على الأرض قد تأثرت بحركة هذه الأرض في الفضاء - وهذه نتيجة منطقية طبقا لقانونهم بأن الأرض تدور بسرعة مذهلة ومن ثم فرياح الأثير تدور معها حتى ولو لم نشعر بها لأن هذه الرياح من اللطافة بحيث تخترق أجسادنا فلا نشعر بها- ومن المعلوم أن سرعة الصوت تتأثر كثيرا بإتجاه الريح فتكون السرعة أكثر إذا كانت في إتجاه الريح عنها عندما تكون عكس إتجاهه. وطبيعي أن نفس الشىء ينطبق على إنتشار الضوء في إتجاه الرياح الأثيرية وعكس هذا الاتجاه.
وأسهل الطرق لتحقيق ذلك أن يأخذوا جهاز سرعة الضوء فيجروا به سلسلة من التجارب في إتجاهات مختلفة وكانوا على يقين من أن سرعة الضوء ستتأثر بزيادة ما في إتجاه دوران الأرض ولو بجزء من مائة جزء من الثانية، لا يشكون في ذلك، لأن الأمر (قانون) وليس (أى كلام)، وذلك لأن وضع الجهاز على سطح الأرض التى تتحرك في الفضاء بسرعة فمن المؤكد أن تهب رياح الأثير على الجهاز بنفس سرعة حركة الأرض. وقد حسبوا الزيادة تماما قبل أن يجروا التجربة طبقا للقانون المعمول به، فوجدوا أنه سيكون بزيادة 1.01 % وكانت المفاجأة..
كانت المفاجأة، والدهشة والصدمة، أن رياح الأثير هذه لم تؤثر في سرعة الضوء لا بالزيادة ولا بالنقصان، عندما جربوا الجهاز في اتجاه دوران الأرض وعكسه.
يقول" جورج جاموف" في كتاب" بداية بلا نهاية" عن شعور صاحب التجربة هذه المدعو ماكلسون:" وقد ذهل مايكلسون ولم يصدق نفسه في البداية. ولكن الشك تحول إلى يقين بعد إعادة التجربة بدقة شديدة فذهل مرة أخرى عندما تأكد من صحة التجربة الأولى ولم يكن إلا تفسير واحد معقول لهذا".
ترى أيها السادة النجباء ما هو التفسير المعقول هنا؟ لا شك أنه يكون: أن الأرض لا تدور ما دام جهاز قياس سرعة الضوء - وهو لا بد أن يكون على درجة فائقة من الحساسية - لم يتأثر باتجاه رياح الأثير هذه والتى من المفروض أن تدور مع الأرض بسرعتها. وهذا الإستنتاج العقلى إن لم يكن هو" التفسير الوحيد المعقول" فعلى الأقل أن يكون من ضمن الإستنتاجات. لكن كان الإستنتاج أغرب ما يكون.
يقـول" جاموف":" لم يكن هناك إلا تفسيرا واحدا معقولا لهذا. وهو افتراض جرىء (وهو فعلا جرىء) مؤداه أن تلك المادة الحجرية التى ثبت عليها" مايكلسون" جهاز سرعة الضوء قد إنكمش بقدر ضئيل نتيجة لحركة الأرض في الفضاء".
أى عقل ممكن أن يفكر هذا التفكير؟ وأى عقل ممكن أن يصدق هذا الهراء؟ ألم يكن من الأسهل والأصوب والأعدل والأعقل أن يكون التفسير المعقول هو: أن الأرض لا تدور؟ أو ربما لا تدور؟ أو حتى مجرد إفتراض إن لم تكن نتيجة منطقية؟
لكن لم يكن هذا ولا ذاك. وكانت النتيجة الغريبة أن صدر قانون" إنكماش فيتز جيرالد" وهو أول عالم فزيائى استخدم هذا المفهوم واعتبروه من الآثار الميكانيكية البحتة للحركة.
وطبقا لهذا القانون العجيب والذى لا يتصوره عقل وضع أينشتاين قانونا مكملا عام 1904 مؤدى هذا القانون الجديد كما قال هو:
" نحن هنا نتعامل مع ظاهرة إنكماش الفضاء ذاته حيث تنكمش جميع الأجسام المتحركة فيه بنفس السرعة وبنفس الطريقة وذلك ببساطة لأنها موجودة في هذا الفضاء المنكمش".
أليس هذا أيها العقلاء متناقض مع ما قالوه لنا من" تمدد الكون"؟
لقد واصل أينشتاين فتوحاته أمام دهشة علماء الأرض المبهورين بعبقرية الرجل إلى قانون آخر أعجب وأغرب ونظرية أدهى وأمر وهي نظرية" الفضاء المنحى" التى يقول فيها:" إن الفضاء الطبيعى ينحني كلما اقترب من الكتل الكبيرة".
واستطاع أينشتاين أيضا أن يقنع علماء الأرض بعكس المعلومة المسلمة المشهورة أن الخط المستقيم هو أقصر الطرق بين نقطتين" إلى القول:" أن الخط المنحنى هو الأقصر" ونتيجة لهذه النظرية وصل أينشتاين إلى نتيجة هامة هي:" أن ظاهرة الجاذبية مجرد أثر من آثار انحناء العالم الفضائى الزمنى ذى الأبعاد الأربعة". وبهذه النظرية نسف أينشتاين ما قاله نيوتن عن الجاذبية، بهذه النظرية المخالفة للنظرية النيوتنية التى كانت تقول بأن الشمس تؤثر بقوة معينة على الكواكب مباشرة، فتجعلها ترسم مدارات دائرية حولها. بل الأدق - طبقا لنظرية أينشتاين - أن نقول:
أن الشمس تحدث إنحناء في عالم الفضاء والزمن الرباعى من حولها. وبذا يختفي تماما مفهوم الجاذبية كقوة مستقلة من منطقتنا. وتحل محله مفاهيم هندسية الفضاء البحتة التى تقضى بأن حركة الأجسام المادية تتبع" أشد المسارات إستقامة" أو" الخطوط المستقيمة" التى تنطبق على الإنحناءات الناتجة عن وجود الكتل الضخمة.
والآن وقفوا على السؤال: هل هذا الفضاء لا نهائى.. أم إنه محدود دون أن تحده خطوطا نهائية؟
إن المتخصصين يعلمون جيدا أن كل ما قال به جاليليو نسفه نيوتن وما جاء به نيوتن ألغاه أينشتاين وهكذا.. لكن رغم كل ذلك لا يزال علمائنا متمسكين بكل ما قاله هؤلاء ولا يهم بعد ذلك إن كان متفقا مع الدين أو لا، متفقاً مع العقل أو لا. المهم انهم سيتبعون.. سيتبعون.
والمنصف في القول عندما يرى ما يتم على الساحة العلمية، يشهد بأن ثمة كيد عالمى لإطفاء نور الله. وان كثير من علماء المسلمين يتناوبون" النفخ" دون قصد لإتمام هذه العلمية.
حركات الكرات السماوية وقانون الأمر
الكافرون من التجريبيين يقولون لك أن الجاذبية هي التى تتحكم في الكون وهي التى تحرك كل الكرات السماوية. والمؤمنون منهم يقولون بأن الجاذبية هي أسلوب الله في العمل والأمر لا هذا ولا ذاك.
فالله تعالى قيم السموات والأرض، ومن أسمائه تعالى (القيوم) وأعظم آية في القرآن هي الآية التى تخبر بأن الله تعالى يتحكم في السموات والأرض ويدبر أمرهما ويقوم على شأنهما يقول تعالى فيها: اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأرْضَ وَلا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (البقرة:255).
فالله تعالى قائم بذاته عز وجل على حفظ السموات والأرض، وهذا الحفظ قائم على تدبير الله تعالى لشئونهما. وهو أمر يحتاج إلى العلم، وهو تعالى العليم بكل شىء، بل إن علمه لا يحاط بشىء منه، إلا إذا أراد الله لمن يشاء.
وهذا التدبير يحتاج إلى يقظة وانتباه، وهو تعالى لا تأخذه سنة ولا نوم. وهذا التدبير منه تعالى يأتى على ملكه وليس ملك غيره، فله ما في السموات وما في الأرض.
وبلغ من تمام الملكية لهذا الكون بما فيه ومن فيه أن أحداً من خلقه أيا كان قدره ومكانته لا يجرؤ أن يشفع عند الله لأحد إلا إذا أذن له الله تعالى بهذا الأمر. وأن السموات والأرض على عظمتهما لا شىء بالنسبة لعظم الله تعالى، فإن كرسيه تعالى الذى هو موضع قدميه يسع السموات والأرض بكل عظمتهما وما فيهما ومن فيهما، ومن ثم فكل الخلائق أيا ما كانوا وحيثما كانوا واينما ذهبوا فهم جميعا أمام عين الله تعالى. وهو تعالى يدبر أمر الخلائق وهو مستو على عرشه: يقول تعـالى في سورة السجدة: اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ (4) يُدَبِّرُ الأمْرَ مِنْ السَّمَاءِ إِلَى الأرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّون َ(5)فكل ما في الكون من العرش إلى الفرش إلى ما تحت الثرى يتحرك ويسكن بأمر الله. وبعلم الله. الملائكة الكـرام لا تتحرك إلا بإذن وأمر. لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (التحريم:6) وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلا بِأَمْرِ رَبِّكَ سلَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا (مريم:64) والدواب مهما صغرت ومهما كانت، في الجو أو البر أو البحر أو في التراب، بالليل أو بالنهار لا تتحرك ولا تسكن إلا بأمر الله.وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأرْضِ إِلا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا (هود:6) مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلا هُوَ آخِذ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (هود:56) وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأرْضِ وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ (الأنعام:38).
حتى النبات، والجماد وكل ما في الكون مؤتمر بأمره ويقول تـعالى مبينا علـمه المحيط بكل صغيرة وكبيرة وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمـَاتِ الأرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (الأنعام:59).
إذن فكل ما في الكون إنما يتحرك ويقوم بقانون.. هو قانون الأمر:
قانون الأمر الذى يعمل به كل ما في السموات والأرض وما بينهما. يقول الله وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالأرْضُ بِأَمْرِهِ (الروم:25) وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ (الروم: 46) وَسَخَّرَ لَكُمْ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ (النحل:12) فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ (ص:36) أما كيـف يتم تنفيذ الأمر فيخبرنا تعالى عنه بقوله: إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (يس:82) وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (البقرة:117) وعن سرعة تنفيذ الأمر فيقول تعالى وَمَا أَمْرُنَا إِلا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ (القمر:5).
ولكن هـل لأحـد في الكون أمر مع الله، أو أمر لنفسه: يقول تعالى بَلْ لِلَّهِ الأمْرُ جَمِيعًا (الرعد:31 ) لِلَّهِ الأمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ (الروم:4) يَقُولُونَ هـَلْ لَنَا مِنْ الأمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الأمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ(آل عمران:154).
ولكن هل يعنى ذلك أنه ليس لأحد من الأمر شيء؟ ألا يوجد أحد آخر في الكون يأمر.
الأصل كما هو واضح من الآيات. أن أحداً ليس له من الأمر شىء. وأن الله تعالى هو الذى له الأمر. ولكن كان من أمر الله أيضا أن يجعل للإنسان أمراً. وهذا من دواعى بلائه. بل هذه هي الأمانة التى حملها، أن يكون له الأمر. ثم بعد ذلك يجازى بما فعل. فكان من مستلزمات هذا الإبتلاء، وذلك الإمتحان أن يكون أمره بيده. ولكن ذلك في الأمور التى هي من لوازم الإبتلاء والإختبار. أما غيرها من الأمور فرحمة منه تعالى لم يترك أمرها للإنسان. بل احتفظ بها تعالى لنفسه نعمة ومنة منه تعالى وإلا لو ترك الأمر للإنسان ما قام به طرفة عين مثال ذلك: اللقمة التى يطعمها الإنسان. إن الإنسان يطعم ككل الخلائق، والله وحده هو الذى لا يطعم لأنه تعالى يقوم بذاته، وانـه تعالى هـو الذى يطعم كـل الخلائق فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ(الأنعام: 14).
فهذه اللقمة تقطع في الحياة الدنيا رحلة طويلة تبدأ من السماء وتنتهى بالأرض. ثم تمر بالإنسان أو الحيوان خلال ذلك. إذن فاللقمة صناعة ربانية إشتركت فيها الأرض والسماء لقوله تعالى فَلْيَنْظُرْ الإنسَانُ إِلَى طَعَامِه ِ(24) أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا (25) ثُمَّ شَقَقْنَا الأرْضَ شَقًّا (26) فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا (27) وَعِنَبًا وَقَضْبًا (28) وَزَيْتُونًا وَنَخْلا (29) وَحَدَائِقَ غُلْبًا (30) وَفَاكِهَةً وَأَبًّا (عبس) وليس للإنسان في هذه الرحلة الطويلة إلا مرحلة واحدة فقط هي مرحلة جلب هذه اللقمة وأمامه بذلك طريقين لا ثالث لهما: إما الحلال وإما الحرام. هذا فقط هو دور الإنسان. وماعدا ذلك فالأمر لله. حتى الزراعة التى قد يظن المرء أن الإنسان هو الذى يزرع وذلك لظاهر الأمر فإن الحقيقة أنه لايد له في ذلك يقول تعالى أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُون َ(63) أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ (الواقعة:64).
واللقمة بعد صناعتها بإشتراك الأرض مع السماء يأتى بها الإنسان بأمره وإرادته ثم يضعها في فمه وينتهى أمره بذلك ليبقى بعد هذا الأمر لله فقط لأن هذه اللقمة لابد وأن تتحول إلى سائل رقيق سلس ليمر من انابيب دقيقة جدا تسمى الشعيرات الدموية التى توصل هذه اللقمة إلى كل جزء في الجسم ليقوم ويحيا. فلكى تتوزع هذه اللقمة الغليظة في خلايا الجسم تمر بسبع مراحل. تمر خلالها بعدة أجهزة وعدة بوابات.
ينتهى دور وأمر الإنسان بوضع اللقمة في فمه. وسيعمل الفم بعد ذلك وحده فتجد الإنسان منهمكاً بحديث، أو مشغول بفكر، شارد الذهن، وأعضاء الفم تعمل: الاسنان الأمامية تقطع، والأنياب تمزق، والضروس تطحن، والغدد تفرز لعابا ليلين واللسان يقلب، ويتذوق. ولا يحسبن أحد أن له دور في ذلك. وله أمر. فلو كان الأمر للإنسان فهل يستطيع الإنسان أن يأمر الغدد اللعابية أن تفرز، وبقدر معين منضبط، تحتاجه اللقمة تماما بلا زيادة ولا نقصان؟ ولو قلنا أن الإنسان سيستغني عن اللعاب ويمضغ، فهل ذلك متصورا؟ أنه مستحيل وغير متصور أن تمضغ اللقمة والفم جاف بلا لعاب. فاللقمة لـن تمضغ تماما والفم سيتمزق جروحاً لخشونته بدون اللعاب، بل حتى لو استعاض الإنسان عن اللعاب ووضع في فمه ماءً. فلن يقوم الماء بدور اللعاب أبداً سواء في لزوجة الفم، ولا في ذوبان المواد التى يعمل اللعاب على ذوبانها.
ثم تمر اللقمة عبر بوابة تفتح للقمة خصيصا وقد كانت مغلقة قبل ذلك وتغلق بعد ذلك هذه البوابة اسمها" البلعوم" والحارس الذى على هذه البوابة إسمه" لسان المزمار" ولا علاقة لهذه البوابة بالإنسان ولا تتلقى أوامرها منه، كما أنه لا علاقة لهذا الحارس" لسان المزمار" بالإنسان ولا يتلقى أوامره إلا من الله.
وهذا الحارس يقف على مفترق طريق حيث يتفرع من الفم طريقان: المرىء الذى يجب أن تنزل فيه اللقمة، والقصبه الهوائية التى يجب أن يمر فيها النفس (الهواء) وكلاهما يبدأ من بوابة واحدة بحارس واحد كرجل المرور تماما يغلق دائما الطريق المؤدى إلى المرىء ويترك الطريق المؤدى إلى القصبة الهوائية مفتوحاً، حتى إذا ما طلبت لقمة المرور فإنه بأمر الله يفتح لها الطريق بعد أن يغلق الطريق الآخر" القصبة الهوائية" وبالتالى لا يمر هواء في هذه الأثناء، لكن فقط اللقمة ومن المستحيل أن يمر الإثنان معاً وليس ذلك لأن الإنسان يمنع هذا ويسمح لذاك. ولكن لأن هذا العضو المسئول عن البوابة والمرور معا، لديه أوامر من الله بأن يفعل ذلك. ولن يسمح بمرور اللقمة إلا إذا مرت بمراحلها في الفم وتكون قد مضغت وإلا فلن تمر.
عندما يفتح الطريق للقمة الممضوغة تنزل في (المرىء) وهو طريق طوله 25 سم وهذا الطريق له وظيفة واحدة، أن يمرر اللقمة من الفم إلى المعدة بعد أن مرت اللقمة ببوابتين الأولى" الشفتين" والثانية" البلعوم".
هذا الطريق إتجاه واحد من" الفم" إلى" المعدة" وليس العكس. فلو كان الإنسان واقفا أو جالسا أو مستلقيا، أو منكوسا على رأسه فإن اللقمة ستمر من الفم إلى المعدة وليس الأمر للقمة، ولا أمـرالإنسان بـل إن الأمر لله يصدره للمرىء الـذى يقـوم بعمله بإفراز عصـاره لزجه تمكن اللقمة من المرور بسهولة.
كذلك يقوم المرىء بماله من عضلات قابضة وباسطة تعمل بسرعة شديدة غير ملحوظة ولا محسوسة بحيث تقوم العضلة الباسطة بالإنبساط وذلك من أسفل اللقمة، ومن فوقها تماما تعصر وتضغط العضلة القابضة، ويتم الأمر في وقت واحد. بل إن العضلة تتحول من قابضة لباسطة والعكس كلما مرت اللقمة بينها وتجاوزتها.. وهكذا حتى ينتهى دور المرىء عند البوابة رقم 3 وهي على فم المعدة. وهي بوابة أيضا مغلقة دائما ليل نهار لا تفتح إلا بالأمر للقمة ممضوغة، ولا تسمح بمرورها إلا من إتجاه واحد من المرىء إلى المعدة وليس العكس. فلو ترك الأمر إلى الإنسان لربما نسى هذه البوابة مفتوحة وهو نائم أو وهو يجرى فخرج الطعام من المعدة وعاد إلى المرىء فخرج من الفم أو دخل من طريق النفس ومات من فوره.
فإذا مرت اللقمة من البوابة رقم (3) نزلت إلى المطحن واسمه" المعدة" ذلك العضو الذى يفرز ويطحن، ففـيه أنسجة تفـرز عصـارة تعمل على إذابة وتحليل بعض المواد ونسيج آخر يقوم بطحن" هضم" باقى المواد. والمعدة في ذلك أشبه بالفم. غير أن إفراز غدد الفم أرق وألطف. أما غدد المعدة فأشد وأغلظ حتى إنها لتذيب أى طعام مهما غلظ وصلب، كما تفعل معدة العصافير الرقيقة وغيرها من الطيور بهضم أشد الحبوب صلابة. ورغم ذلك فإن عصارة المعدة هذه التى تذيب أى لحم وأى طعام لا تذيب لحم المعدة ذاته، لأنه مؤتمر بأمر الله.
وبعد أن يتم هضم اللقمة بالمعدة تفتح البوابة رقم (4) ليمر الطعام من المعدة متجها إلى مكان آخر يسمى" الإثنى عشر" وطوله 12 بوصة ويمكث الطعام هنا حيناً من الوقت ليتلقى عصارتان عليه، واحدة تأتيه من الكبد (العصارة الصفراوية) وأخرى تأتيه من البنكرياس (العصارة البنكرياسية) وهنا تتحلل المواد الدهنية وأيضا المواد النشوية والبروتينية.
ثم بعد ذلك، وبعد إنتهاء الإفراز والخلط والتحلل في الإثنى عشر تفتح البوابة رقم 5 ليمر الطعام المهضوم إلى الأمعاء الدقيقة. وهي امعاء طويلة وطريق جدير بأن يقال عليه (الداخل فيه مفقود، والخارج منه مولود) ذلك أنه طريق طوله 20 قدم يمر الطعام المهضوم الذى أصبح سائلا رقيقا جدا منه وقد احيط على جوانبه بزوائد أصبعية دقيقة تسمى الخملات تقوم بإمتصاص الغذاء المهضوم هذا لتنقله إلى شبكة من الأوعيه (المواسير) الدقيقة جدا وهي نوعين شبكة تحتوى على سائل الدم وتسمى الشعيرات الدموية، وشبكة أخرى تسمى الشبكة اللبنية. وبذلك تكون اللقمة قد إنتقلت من جهاز إلى جهاز، من الجهاز الهضمى إلى الجهاز الدورى أو الدموى.
يتم في الأمعاء وعبر هذا الطريق الطويل إمتصاص اللازم من الطعام وغير اللازم يترك ليمر إلى الأمعاء الغليظة عبر البوابة رقم (6).
وبالأمعاء الغليظة التى طولها 180 سم يتم أيضا إفراز عصارة صفراء لتسهل عملية مرور الطعام الذى جف وغلظ بعد إمتصاص الماء منه في هذا المكان أيضا وتنتهى رحلة اللقمة عند هذا الحد.
وتقف عند البوابة رقم (7) والأخيرة، حتى ينضم إليها جميع أخواتها فإذا ما ادراكوا جميعا أعطوا إشارة إلى الإنسان أن يأذن لهم في الخروج وهذه نعمة من الله أيضا، أن يكون الإنسان له دور على هذه البوابة الأخيرة.. دور مماثل ومساو تماما لما له من أمر على البوابة الأولى" الفم" مع فارق جوهرى أن البوابة الأولى تفتح أمام الناس دون أى حرج أما البوابة الأخيرة فلا تفتح إلا بعيدا عن كل الناس" الخلاء".
والإنسان قد لا يعطى أمرا بفتح هذه البوابة الأخيرة لإنشغاله، أو تواجده بين الناس أو لأى أمر أخر. ولكن هذا الأمر أعطى له لمدة محدودة، وإلا فالأمر عواقبه وخيمة إن لم يأذن الإنسان لهذه البوابة بالفتح.
ولو تخيلنا أن هذه البوابة تعمل دون دخل نهائيا من الإنسان وأصبحت كغيرها من البوابات. تفتح وتسمح بالمرور دون إذنه، إنه في هذه الحالة سيكون تماما كالبهائم التى تخرج في أى مكان وأى وقت وأمام أى مخلوق مهما كان. ولكن كرم الله الإنسان وأنعم عليه وميزه بهذه الميزة أن أعطاه الأمر على هذه البوابة، شرط أن يصدر الأمر خلال وقت محدد لا يتجاوزه.
بل أن الأمر بلغ حداً عجيباً، إذ تتفرع هذه البوابة الأخيرة إلى قسمين، واحد لإخراج الطعام والآخر لإخراج الماء، مع أن كلاهما دخل من بوابة واحدة هي الفم.
أرأيت يا بن آدم أى إرادة لك في رحلة هذه اللقمة وأى أمر لك فيها.



أدخل عنوان بريدك الإلكتروني هنا يصــــلك كل جديــــد





بلغ الادارة عن محتوى مخالف من هنا ابلغون على الروابط التي لا تعمل من هنا



توقيع : manel


التوقيع



قصة الخلق من العرش إلى الفرش  story of Creation By Eid Wardany Emptyالجمعة 25 يناير - 22:52
المشاركة رقم: #
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
عضو الجوهرة
الرتبه:
عضو الجوهرة
الصورة الرمزية


البيانات
عدد المساهمات : 17945
تاريخ التسجيل : 17/10/2012
رابطة موقعك : ورقلة
التوقيت

الإتصالات
الحالة:
وسائل الإتصال:


مُساهمةموضوع: رد: قصة الخلق من العرش إلى الفرش story of Creation By Eid Wardany



قصة الخلق من العرش إلى الفرش story of Creation By Eid Wardany

إن الله لم يترك الأمر للإنسان إلا لإبتلائه أولا ولتكريمه ثانيا.

ولكن هل من الممكن أن نتصور أن جميع هذه البوابات يترك أمرها للإنسان؟ وجميع هذه الأعضاء يترك شأنها وأمرها له؟ ترى ماذا سيفعل فيها؟ هل سيقوم بأداء المهمة ثانية واحدة؟... مستحيل.
لمن الأمر إذن؟.. نعم لله الأمر من قبل ومن بعد.
كذلك الأمر في الدم وهو يمر برحلة أشق وأدق من رحلة اللقمة وهنا لا يوجد أى دور للإنسان، من قريب أو بعيد. لا في حركة الدم ولا في توقفه، ولا في لونه ولا في كثافته ولا في سرعته ولا في إتجاهاته، ولو ترك للإنسان ثانية واحدة فسيموت.
كذلك الهواء الذى يتنفسه الإنسان ورحلته الأدق والأرق من رحلة اللقمة والدم لو ترك الإنسان أن يقوم بأمر رحلة لنفس واحد من أنفاسه يجريه هو بأمره من الأنف إلى الحنجرة إلى لسان المزمار إلى القصبة الهوائية، إلى الرئتين فالحويصلات ثم إمتزاج هذا النفس بالدم واستبدال الأكسجين بثانى أكسيد الكربون ثم العودة خلال هذه الرحلة مرورا بنفس الطريق كل ذلك (ذهابا وإيابا وعملا وتبديلا) في ثانية واحدة، لو ترك الأمر إليه في هذه الثانية لمات فيها دون جدال. إذن فالأمر في ذلك كله لمن؟
وهذه الشهوات التى تتحرك في الإنسان في مسارات لا يعلمها ولا يدريها، من جوع وعطش وشبق لمن الأمر فيها؟
وهذه الغرائز التى تتحرك فيه أيضا في مسارات لا يدريها ولا يعلمها من حب وكره، وغضب وحلم، وفتور وشوق، ورغبة ولهفة، وحسد وحقد وغيره، وإيثار وإستئثار، وسعادة وحزن. واهتمام ولا مبالاة، لمن الأمر فيها جميعاً؟
وهذه الوظائف والمهام التى تكمن فينا. كنوم ويقظة وحياة وموت، ورؤى وأحلام وحركة وسكون لمن الأمر فيها جميعاً؟
هذا الإنسجام والتناسق والتعاون الذى يتم بصورة لا نراها ولا نشعرها ولا نحسها بين الأجهزة المختلفة كالجهاز الهضمى والدورى والتنفسى والتناسلى والعضلى والعظمى والعصبى والنفسى والجلدى...... الخ من الذى يدبر أمره؟
وهذه الروح التى تسرى في أجسامنا، لا ندرى في أى جزء هي فيه، أو هي خالية منه. ولا ندرى كيف يكون مسارها فيه.. لمن أمرها؟
هذا فينا نحن بنى آدم.
أما الحيونات التى لا تعقل ولا تعلم ما نعلم نحن ولا تفكر كما نفكر نحن هي جميعا أمم أمثالنا. وإن كانوا أكثر إنضباطا منا وأكثر أدبا وأكثر عبودية. لمن أمرها جميعا؟
الطيور التى تحلق في السماء، وتسبح في الهواء وتهاجر وتعود..لمن أمرها؟
الاسماك التى تعوم في الماء، وتسبح فيه وتهاجر وتعود.. لمن أمرها؟
وكيف تكون مساراتها جميعا؟ وأى قانون هو الذى يحركها ويحلقها ويسبحها ويهجرها ويعيدها؟
أهو قانون نيوتن للجاذبية؟ أهو قانون أينشتاين للنسبية؟ أهو قانون دارون للتطور؟
نظرت يوما إلى سرب عظيم من أسراب السمك وهو يسبح في الماء جماعة واحدة رغم أن عدده يبلغ الآلاف، كان يتحرك بنظام وإنسجام وتناغم كأنهم جميعا سمكة واحدة يسيرون في تكتل لا تشذ منه سمكه، فلا تتأخر ولا تتقدم، ولا تقف وحدها، بل السرب العظيم يسير كأنه سمكة واحدة ثم في لحظة واحدة وفي سرعة كلمح بالبصر يقفل السرب راجعا دون أن يصطدم بعضه ببعض ودون أن تتخلف سمكة. ثم يسير معا وفي لمح البصر ينحرف جميعا يمينا ثم شمالا ثم إلى أعلى وإلى أسفل. كل ذلك بحركة واحدة. ثم يقوم بتشكيلات هندسية جمالية بديعة كثيرة ومتعددة ومتنوعة في لمح البصر. ثم يدور السرب في مسار دائرى تماما للحظات ثم فجأة وفي لمح البصر يغير من مساره.
وسألت نفسي أي أمر يصدر لهذه الآلاف فتقوم بتنفيذه في لمح البصر بهذه الصورة المتنوعة والبديعة؟
وكيف تتلقى جميعا، وهي آلاف، الأمر بالسير والتشكيل والحركة، وتنفذه جميعا في لحظة واحدة كلمح بالبصر؟
ومثل ذلك تماما أسراب الطيور في السماء التى تطير بشكل بديع منظم في شكل مثلث لا يتقدمه إلا واحد ثم تتحرك هنا وهناك جميعا في لحظة واحدة ودون أن يشذ طائر واحد.
لمن الأمر في ذلك؟ لا يمكن أن يكون هناك طائر يوجه هؤلاء ولا سمكة توجه أولئك. ولكن الأمر كله لله.
إن جميع الخلائق في الأماكن الثلاثة 1- السموات 2- الأرض 3- ما بينهما، مفتقرون جميعا إلى الله ليدبر أمرها في كل يوم وفي كل ساعة وفي كل لحظة، في الليل والنهار ودون إنقطاع.
لـذلك يـأتى لفظ الأمـر في القرآن بعدد عجيب ومعجز إذ أنـه ذكـر 72 مـرة أى 24 (ساعة) × 3 (الأماكن الثلاثة) = 72.
لقد ذكرت ما ذكرت من أمثلة تتحرك بأمر الله تحت هـذا العنوان" حركات الكرات السماوية" لأبين بأمر الله أن هذا وذاك سواء بسواء. وأن الأمر كما ورد 72 مرة في القرآن فهو مقسم على جميع مخلوقات الله. في السموات (للملائكة) وفي الأرض (لجميع الكائنات) وما بينهما للكرات السماوية.
فحركة الكرات السماوية تسير بقانون الأمر أيضا، وليس الجاذبية ولا جرم يؤثر في جرم ولا كرة تجذب كرة، ولا تأخذ الكواكب جميعها أمر من الشمس ولا من الأرض ولكنها جميعا تأتمر بأمر الله بما فيها الأرض والشمس والقمر.
وكل ما في السماء الدنيا من شمس وقمر وكواكب ونجوم إنما تسير بأمر الله الذى لا نعرف وسيلته كما أننا لم نعرف وسيلة سير اللقمة والنفس والدم والنوم والحلم وغيرهم، وكما أننا لا نعرف كيف تتحرك هذه الاسراب من الاسماك أو الطيور بهذه الصورة التى نراها، والتي لا نراها. فنحن أيضا لا نعرف أسلوب الله عز وجل في هذه الأمور. ومن قال في هذا الاسلوب في العمل ما لم يقل به الله. ولا رسوله. ولا علماء المسلمين الأثبات المعتبرون. فقوله باطل، ومردود عليه. وقد سطر ما قال كما قال تعالى سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ (الزخرف:19).
فالكون أيها السادة المؤمنون لا ينكمش، ولا يتمدد. بل الكون كما قال تعالى وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرّ (القمر:3) وهو لا يسير بجاذبية نيوتن ولا نسبية أينشتاين وإنما يسير بأمر الله.
وليس هناك" مادة مظلمة" هي التى تتحكم في الكون بل هناك نُورٌ عَلَى نُور (النور:35) وليس هناك كما قالوا في كتاب" الكون المصور" أجمع الفلكيون المعاصرون على أن الكون يتسع بإستمرار، واتفقت آراء جميع الفلكيين على أن الكون يبدأ باستمرار ويفنى باستمرار بينما تخلق"قوة غامضة" فليس ثم قوة غامضة بل هناك وهنا الله عز وجل الكبير المتعال الخلاق العليم. وليست هناك فراغات جديدة لأنه تعالى فرغ من الخلق، وقُضي الأمر، واستوى على العرش.

* * * * *













الضغط الجوي



الضغط الجوي







أريد أن أقول إن الأرض تختلف عن باقي الأجرام السماوية في أنها تحتفظ بالأشياء التي عليها فأجدنى مخطئاً في هذا التعبير، وفي أن أنسب للأرض ما لم يقل به الله ولا رسوله، فالأرض لا تحتفظ بشي ولا علاقة لها بشيء.
وعليه فأعتقد أن التعبير الأصوب والأسلم أن أقول إن كل ما على الأرض يُحفظ عليها من التبديد والانفلات، كذلك يكون له ثقل ووزن على الأرض بخلاف ما لو كان بعيدا عنها.
أعتقد أن هذه الصيغة تخرجني من أن أقع في محظور. وأن أقول على الله ما لم يقله تعالى، خاصة ويحيطني الحديث الصحيح الرهيب الذي روى عن رسول الله  والذي يقول بأن أحدنا يقول الكلمة من سخط الله لا يلقى لها بالاً تهوى به في النار سبعين خريفا. وكلمة إن الأرض تحفظ أو تجذب كلمة واحدة ولكنها قد تكون هي الهاوية ونسأل الله السلامة. ولن يشفع لي أن أقول إن الله تعالى هـو الذي أعطى للأرض هذه الجاذبية، وأن الجاذبية تعمل بأمـر الله، فماذا أقول إن قيل لي: هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ (القصص:75).
أو قيل لي إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بِهَذَا أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ (يونس:68).
فليس لدى دليل من علم أو هدى أو كتاب منير، وليس هو اكتشاف فنقول ثبت ككشف علمي لأنه لم يفلح أحد مـن أهل الكرة الأرضية حتى أن يُعّرف الجاذبية، وذلك لأن أحدا لم يعرفها. وليس فقط معرفة كنهها، بل أي شيء عنها.
كذلك فإن ما نراه بأعيننا من حال الأرض ينافي القول بأنها تجذب. إننا نعرف عنها أَنها تنفر من باطنها البراكين التي تقذف بحمم وصخور إلى عنان السماء بعدة كيلو مترات، وتنفر المياه فتتدفق عدة أمتار في السماء، وتنفر البترول، وغيره كما أنه ينفر في كل لحظة وفي كل مكان النبات الذي يخرج من الأرض، من باطنها ويصعد منها النبت الصغير، الرقيق ليبلغ عدة أمتار في السماء، وداخل سيقان النبات يصعد الماء ولا تجذبه الأرض إليها.
أين إذن هذه الجاذبية؟
بعضهم يقول في مركز الأرض، وآخرون يقولون هي كل الأرض.
هل الجاذبية حجارة كالمغناطيس؟ ولكن المغناطيس كما نعرف لا يجذب كل شيء، وما يحدث أن كل ما على الأرض مرتبط بها من كائنات حية إلى مياه إلى أحجار وتراب، إلى عقارات ومنقولات، فهل المغناطيس يجذب كل هذا؟
أيا ما كان الأمر فإننا نلاحظ بالفعل أننا إذا تركنا شيئا سقط على الأرض، وقد رأينا أن رجال الفضاء يسبحون في السماء عندما يخرجون من نطاق الأرض. ولا تكاد تلمس أقدامهم سطح القمر وهم يسيرون عليه. ألا يعتبر كل ذلك دليل الجاذبية؟
نعم يحدث ذلك في الأرض من سقوط الأشياء عليها، ويكـون لأشياء الأرض وزن حسب ثقلها، بينما لا تسقط الأشياء خارج نطاق الأرض ولا يكون لأي شيء وزن، ولكن لماذا نعتبر أن ذلك لوجود جاذبية من أسفلنا. لماذا لا يكون نتيجة ضغط من فوقنا وليس جذبا من تحتنا؟
إننا إذ نقول ذلك نصحح الأوضاع الخاطئة المفهومة عن الكون نتيجة معارف وعلوم إلحادية لهذا العصر، علوم تريد أن تقنع الناس بأن الكون ليس محكوما من فوقه أي من الله، بل محكوم من داخله، أي يحكم نفسه بنفسه. فالأرض محكومة من داخلها، والمجموعة الشمسية كذلك أيضا، وهي محكومة من داخلها بجذب الشمس لها وباقي النجوم والمجرات محكومة أيضا من داخلها بالشد الجذبوي لكتل النجوم الموجودة في السماء. ورغم أنهم اكتشفوا أن هذه النجوم لا يكفي الموجود منها لإنتاج 1% من قوة الشد هذه المطلوبة لتحريك الكون. بما يعنى نقض نظريتهم مـن أساسها، إلا أنهم لم يجرءُوا على انتقادها أو مجرد التفكير في ذلك.
فما يحدث للأرض ليس جذبا، فهي لا تجذب لأنه ليس للأرض أي فعل. وإنما تحدث هذه الظواهر نتيجة ضغط من خارج الأرض عليها، فإذا ما علمنا أن الله هو العلي الأعلى وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ (الأنعام:18) علمنا أن ما يحدث للأرض من تحكم لما عليها إنما يحدث من فوقها لا من تحتها، من خارجها لا من داخلها.
ولماذا يحدث ذلك للأرض فقط دون كل ما في الكون من أجرام؟ أليس الله فوق كل شيء؟ فلماذا لا يكون لكل الكواكب والقمر وباقي الأجرام ما للأرض؟
نقول: إن ذلك لا يكون لأنه ليس على هذه الأجرام حياة ولا خلائق ولا بحار ولا جبال ولا أنهار ولا أشياء كالتي على الأرض. فالأرض أيضا متميزة عن كل الأجرام السماوية بوجود مخلوقات فيها. فميزت بأسلوب خاص من الله تعالى في العناية، وإن كانت عنايته لكل ذرة في الكون. وأن كل شيء في هذا الملكوت مفتقر إلى الله قائم به. وهذا الفهم ليس جديدا على الإنسان نعمل على إثباته بل قد كان ذلك فهماً سائداً لبنى آدم حتى بداية عصر الإلحاد، حتى مشركي العرب الذين كان القرآن يصفهم بالكفر والشرك وأنزل إليهم رسولا من أنفسهم كانوا يعتقدون هذه العقيدة في الله وأنه تعالى الذي يقوم على خلقه ويحكم الملك والملكوت بتدبيره وتصريفه يقول تعالى:قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنْ السَّمَاءِ وَالأرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالأبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنْ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنْ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الأمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ (يونس:31).
وهو تعـالى يدبر الأمر من فوقنا يُدَبِّرُ الأمْرَ مِنْ السَّمَاءِ (السجدة:5) ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الأمْرَ (يونس:3).
نحن إذا مثبتون على الأرض فلا ننفلت منها، وذلك من أمر الله، وليس من الأرض، ومن فوقنا لا من تحتنا.
ولكن هل أخبر الله تعالى: كيف يتم هذا الأمر. أم أنه سر من أسراره تعالى، أو غيب من الغيوب؟ نعم أخبرنا تعالى عن ذلك. وليس هذا سرا ولا غيبا.
فكما أخبرنا تعالى أنه هو الذي يهدينا في ظلمات البر والبحر أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ (النمل:63). فقد أخبرنا تعالى بوسيلة هذه الهدية وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ (الأنعام:97). وكذلك أخبرنا تعالى بأسلوبه في العمل في شأن الأرض، وبتفصيل دقيق.
التمكين في الأرض
لا يمكن أن نجد كلمة تعبر عن وضعنا في الأرض بهذه الظواهر التى نفتقدها في غيرها أفضل من هذه الكلمة" التمكين" لا الجذب، ولا الشد ولا الضغط فهذه الكلمة هي الأجمل، والتي تعطى المعنى الصحيح، وهي كلمة فيها عز وسيادة وتكريم للإنسان أفضل وأشرف بكثير من غيرها من الكلمات التي تنقص من قدره.
في سورة الأعراف وهي أطول سور القرآن بعد سورة البقرة من حيث عدد الآيات فهي مائتان وست آيات، موضوعها الأساسي رحلة الإنسان في الأرض وتكذيبه بآيات الله. وبعد المقدمة لهذه السورة بدأ رب العزة الحديث عن هذه الرحلة من بدايتها إلى نهايتها وقد كانت بداية سرد هذه الرحلة من الآية العاشرة التي تنص على: وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الأرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلا مَا تَشْكُرُونَ (الأعراف:10).
لقد جاءت هذه الآية في مكانها المناسب من السور التي تتحدث عن سيرة الإنسان عموما ورحلته على الأرض منذ آدم إلي قيام الساعة. فكان من المناسب أن تبدأ الرحلة بذكر هذه النعمة العظمى (التمكين). وهذا هو المعنى الصحيح لحالنا في الأرض فنحن ممكنون لا مجذوبون. وهو الأكرم والأشرف لنا. ثم في التمكين إشارة إلي الذي مكننا سبحانه وتعالى، أما أننا مجذوبون، فماذا يجذبنا سوى وهم في عقولنا.
وهذا الخطاب للناس عموما، فهو تعالى يمتن عليهم بأن مكنهم في الأرض، بنفس المعنى الذي ننسبه الآن للجاذبية، يسميه تعالى تمكينا. وحتى نعرف قيمة هذا التمكين ننظر في أمر أهل الفلك ورجال الفضاء كم تكبدوا من خسائر وكم تكلفت دولهم من أموال طائلة ليقفوا دقائق معدودة على سطح القمر، وقد فعلوا ذلك دون أن يمكنوا إذ تم الأمر على عجل ووجل وكانوا يسبحون فوقه سباحة وليس سيرا عاديا كالذي نسيره على الأرض. وذلك كان لأن الله تعالى لم يمكنا في القمر ولا غيره، وإنما هو تعالى مكننا فقط في الأرض.
وهذا النوع من التمكين عام لكل الناس، وذكر التمكين للإنسان لأنه هو المعني في هذه الأرض وهو المخاطب وباقي الكائنات مسخرة له.
وهناك نوعان آخران من التمكين، تمكين خاص، وتمكين خاص جدا.
أما التمكين الخاص فهو تمكينه تعالى لفئة معينة من الناس، يمكنهم في جزء معين من الأرض تمكين جزاء أو ابتلاء، فـهو تعالى قد يفـعل ذلك مكافأة لهم لحسن عملهم كما فعل تعالى مع بنى إسرائيل وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأرْضِ (القصص:6) ومع قريش أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا (القصص:57) وقد يكون ذلك ابتلاء واختبار. فهذا تمكين خاص لفئة خاصة وعلى مكان خاص.
ثم هناك تمكين خاص جدا بخلاف التمكين العام الذي يكون لعموم الناس، والتمكين الخاص الذي يكون لفئة. فهو تمكين لواحد فقط تمكين بالسلطان والنفوذ كما فعل تعالى مع سورة يوسف وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأرْضِ ومع ذي القرنين إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الأرْضِ(الكهف:84).
ونحن جميعا ممكنين في الأرض، ومسيطرين عليها، ومتحكمين فيها ومتمكنين منها، وقد ورد هذا التمكين بصيغ عديدة من التأكيد، يفهم من الكلمة وَلَقَدْ وهي مكونة من صيغ التأكيد الواو، واللام، وقد، وأسلوب القسم. ورغم كل ذلك فقد نسخت هذه الآية الآن من القرآن وتركت تلاوة فقط. ولو كان الأمر بيد المسلمين لحرفوها عن موضعها ولأتوا بآية أخرى تقول (قانون الجاذبية لنيوتن). وندر من العلماء أو الدارسين الباحثين الذين يعرفون أننا ممكنون في الأرض بنعمة الله. ومعظمهم يعلم تماما أننا محكومون بقانون الجاذبية لنيوتن، أما الطلبة والتلاميذ في المدارس وكل المثقفين فلا يسمعون أبدا عن هذا القانونوَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الأرْضِ ويعرفون جيدا القانون الآخر (الجاذبية لنيوتن) ولمن يقول إننا نتحرك بالجاذبية وهي من صنع الله وقدرته، فإنهم فضلا عن وصفهم لله بصفة لم يصف بها نفسه ولم يصفه رسوله بها وهي صفة (الجاذب) فإن الأمر أيضا ينطوي على اختلاف كبير بين التمكين والجاذبية. إذ ينص الله تعالى على أننا ممكنون في الأرض فقط، بينما ينص نيوتن على أن الجاذبية ليست فقط في الأرض وإنما هي بين كل جسيم من الجسيمات في الكون وجسيم آخر قوة تجاذب، تتناسب طرديا مع كتلتهما وعكسيا مع مربع المسافة بينهما. وعلى ذلك فلم يقتصر الأمر على الأرض كما يقرر الله. بل إن الجاذبية عامة في كل الكون طبقا لما قرر نيوتن.
وبينما اعتمد قانون نيوتن وأصبح هو الأساس الذي يدرس للناس، تركت آية التمكين ليتبرك بها في التلاوة أو يتعبد بها في الصلاة وليس غير ذلك. وأغرب ما في الأمر أن نيوتن ذاته لا يعرف: ما هي الجاذبية، تماما كما لا يعرف أهل الأرض جميعا الآن دليلا واحدا على دوران الأرض.
خصائص الأرض في القرآن
يعرف الفلكيون والجغرافيون الأرض بأنها:" كوكب من كواكب المجموعة الشمسية ليست أكبرهم ولا أصغرهم. تدور حول الشمس كغيرها من الكواكب، ترتيبها بينهم الثالث بعداً عن الشمس بعد عطارد والزهرة. كما أنها تدور حول نفسها مرة كل 24 ساعة وهي كمثرية الشكل حسب آخر إشعار للتجريبيين". هذا هو تعريفهم للأرض وهو تعريف متفق عليه الآن.
وأعتذر في أن أخالف تأسفا على حال البشرية التي أصبحت على أبواب القيامة ولم تعرف حقيقة الأرض التي تعيش فيها. أما التعريف الذي نراه للأرض فنقول:
إنها مركز الكون تعلوها سبع سموات طباقاً مكونة من ثلاث عناصر هي:
يابس، ماء، هواء. وأن جميع ما في السماء يدور حول الأرض كل يوم مرة. وأنها مستديرة الشكل تماما مثبتة بالجبال. وأنها خلقت مع السماء من مادة واحدة.
هذا هو تعريفنا للأرض. والذي يختلف تماما مع التعريف الأول ولا يلتقي معه إلا في الاسم إذا فمكونات الأرض والتي تميزها عن غيرها: فهي كرة من الماء بها بقعة يابسة حوالي 4/1 حجمها. ويحيط باليابس والماء الهواء. هذه الثلاثة هي التي باجتماعها تسمى الأرض أرضا، ولو فقدت عنصراً منها لا تسمى كذلك ولا تعتبر أرضاً ولعل أهمها على الإطلاق هو الهواء إن رتبنا هذه العناصر وإن كانت جميعاً مهمة بحيث لو فقد عنصر من هذه العناصر لفقدت الأرض معناها.
ينفرد القرآن عن كل الكتب بالحديث عن الأرض بالحرف فِي وليس (على) عند الحديث عن السير والحركة. كقوله تعالى وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الأرْضِ ومعنى فِي الأرْضِ هو المتبادر في الأذهان (على الأرض) غير أن فِي هنا لها مدلول أبعد وأعمق وأدق. فقد ذكرت الأرض 460 مرة منها 220 مرة ذكرت فِي الأرْضِ.
وذلك إذا كان الحديث عن الحركة أو السير كقوله تعالى:
 قُلْ سِيرُوا فِي الأرْضِ (النمل:69)  وَلا تَمْشِ فِي الأرْضِ مَرَحًا  (لقمان:18) فَمَنْ يَمْلِكُ مِنْ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الأرْضِ جَمِيعًا(المائدة:17) وَلَكُمْ فِي الأرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلـَى حِينٍ (البقرة:36) سَأَصْرِفُ عـَنْ آيَاتِي الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأرْضِ بِغَيْرِ الْحَقّ (الأعراف:146) هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ (يونس:22) وهكذا.. ولو قلنا نحن ذلك لقلنا (على الأرض) قل سيروا على الأرض، ولكم على الأرض مستقر ولا تمشى على الأرض مرحا... الخ. أما أن يقول القرآن فِي الأرْضِ فإن هذا يدل على أننا بالفعل داخل الأرض وليس فوقها.
وعندما يقول تعالى:هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْر فإن كنا نسير في البر فنحن بين اليابس والهواء وإن كنا نسير في البحر فنحن بين الماء والهواء وفي كليهما نحن في الأرض، فالعامل المشترك هنا هو: الهواء.
فالهواء هو الذي يمكننا في الأرض بضغطه اللطيف الرقيق في السكون والحركة أى هو أسلوب الله في التمكين - إن جاز التعبير - ولو كان الأمر جذبا من أسفل لوجدنا صعوبة ومشقة ولكانت الحركة على الأرض كفاحا.
بين السماء والأرض
الهواء عنصر أساسي للأرض، ومع ذلك فإننا لا نستطيع أن نعتبر المساحة المكانية التي يشغلها الهواء منطقة خاصة بالأرض بحيث لو أردنا حساب محيط الأرض لحسبناه من فوق المنطقة التي يشغلها الهواء والتي تسمى" الغلاف الجوى".
ولكن هذا الغلاف رغم أنه عنصر الأرض الثالث ودليل ذلك الواضح أننا إذا سرنا أومشينا فإنما نمشى فِي الأرْضِ، ولا يعنى ذلك إلا أننا نعتبر الغلاف الجوى مكملا لعناصر الأرض فإن آيات القرآن تخبر بأن هذه المنطقة هي أيضا تابعة للسماء كما هي تابعة للأرض وذلك عندما نقرأ قوله تعالى أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاءِ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلا اللَّهُ (النحل:79) فكلمة (الجو) هذه والتي لم تأت في القرآن إلا مرة واحدة هي هذه، تعنى أن الغلاف الهوائي أو الغلاف الجوى هو جزء تابع للسماء لأن الطير يطير في الهواء.
وعندما يقول تعالى أَنزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً (الرعد:17) والماء ينزل من منطقة الغلاف الجوى بل من أدناها من الأرض. فهذا يعنى أيضا أنها تابعة للسماء. كذلك معنى السماء في اللغة يعنى ذلك لأن السماء هي ممدود الفتق من سطح الأرض (البر أو البحر) حتى السماء الدنيا. ويقولون:" كل ما علاك فهو سماك". ماذا يعنى هذا؟
القرآن يعتبر الغلاف الجوى مرة من الأرض. ومرة من السماء. ولا يعنى هذا إلا أن الغلاف الجوى جزءً مشترك بين السماء والأرض. بل إن القرآن أعلن ذلك صراحة فقال تعالى: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ (البقرة:164) إلى قوله تعالى وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأرْضِ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (البقرة:164).
فالرياح والسحاب مسخران ومصرفان في الغلاف الجوى أو بين السماء والأرض.
وعلى ذلك فالغلاف الجوى منطقة مشتركة بين السماء والأرض. لو قلنا إنهـــا تابعـة للأرض لصح قولنا، ولو قلنا منطقة تابعة للسماء، لصح أيضا لكن في كلتا الحالتين ليست التبعية خالصة لواحدة منهما. فللسماء منها (الحيز المكاني) وللأرض منها (الهواء الذي يشغلها).











هنا صورة







ما هي مكونات الغلاف الجوى؟
يتكون الغلاف الجوى في نظريتنا هذه من عنصرين اثنين هامين هما: الريح والشمس ونحن نستعمل كلمة (الهواء) على أساس العرف. وما ثبت في الأذهان بتسمية الريح: الهواء. لكن لهذه الكلمة في القرآن معنى أدق مما في أذهاننا، إذ يعنى الهواء في القرآن: الفضاء، والفراغ، والخواء. وهذا هو المفهوم من قوله تعالى: وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأبْصَار ُ(42) مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لا يـَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ (إبراهيم:43). ولم تأت كلمة هواء في القرآن كله إلا في هذه الآية وهي هنا بمعنى الفضاء.
ما مسافة الغلاف الجوى؟
فالغلاف الجوى لو تخلف منه هذان العنصران يفتقد اسمه ومعناه. لذلك فنحن نستطيع أن نحسب المسافة التي يشغلها الهواء (الريح) عن طريق حساب ارتفاع أشعة الشمس على أبعد مسافة تصل إليها من الأرض. لأنه حيث تكون أشعة الشمس تكون الريح التي تعمل مع الشمس على تهيئة المناخ المناسب على كل الكرة الأرضية، إذ بدون الريح ستكون أشعة الشمس على الكرة الأرضية بمعدل واحد لا فرق بين خط الاستواء والقطبين. تماما كما حدث على القمر وباقي الكواكب وكما يحدث في الفضاء الخارجي عن الغلاف الجوى تكون درجة حرارة الشمس واحدة. إنما الذي يوزعها على الأرض هى الريح التي تلطف منها بعد إذ تنكسر عليه وتقوم الريح بتشتيتها وتوزيعها على بقاع الأرض المختلفة.
لذلك نرى - والله أعلم - أن الغلاف الجوى يرتفع فوق سطح البحر ( وهو المقياس لارتفاعات تضاريس الأرض ) بمقدار مدار. والمدار الشمسي 75 ,22 درجة وعلى ذلك تكون المسافة بالكيلو مترات 22.75 × 120 (حيث الدرجة المساحية للأرض 120 كم).
ويمكننا تصور ذلك إذا عرفنا أن الشمس توزع أشعتها 90 درجة في كل اتجاه على الأرض. فإذا كانت الشمس على خط الاستواء وقت الظهيرة بالنسبة لأفريقيا مثلا فإن شعاعها يصل إلى القطبين أي إلى درجة 90 تماما، ولا يظهر شعاعها بعد نقطة القطب. كذلك يصل شعاعها شرقا إلى خط طول 110 شرقاً و70 غرباً. ثم يتحرك الشعاع شرقا وغربا مـع شروق الشمس وغروبها. ويتحرك شمالا وجنوبا مع تحرك الشمس بين المدارين.
ففي الشكل (1) نرى الشمس على مدار الجدي الذي عند خط عرض 22.75 جنوب الاستواء فنجد الأشعة قد تقلصت من المنطقة القطبية الشمالية بنفس الدرجات وزادت بعد القطب الشمالي بنفس الدرجات أيضا.
وفي الشكل (2) تكون الشمس على خط الاستواء فتصل أشعتها 90 درجة في كل اتجاه وهذا هو وقت الاعتدالين (الربيعي والخريفي) حيث يتساوى الليل والنهار.
وفي الشكل (3) عندما تكون الشمس على مدار السرطان تنسحب أشعتها من القطب الجنوبي حتى يقف انسحابها عند خط عرض 67.25 عرض جنوب الاستواء. والباقي من التسعين درجة يزاد على النصف الشمالي، كما حدث قبل ذلك على النصف الجنوبي وهذه الزيادة هي 22.75 أي بمقدار مدار.
وهذه المسافة هي التي يصل إليها الريح 2730 كم حول الأرض وهي أيضا المسافة التي يصل إليها شعاع الشمس. وهي التي يحدث فيها كل شيء متعلق بالأرض ففي الغلاف الجوى يتم توزيع أشعة الشمس وحرارتها بالريح، وفيه يتم تكوين السحاب وتسخيره فيه، وفيه يكون خط الحفظ، وجميع الظواهر المناخية من سحاب ومطر ورياح وعواصف وجبال البرد وبرد وما إلى ذلك من ظواهر الطقس فجميعها يحدث في داخل الغلاف الجوى. المقسم إلى طبقات كل طبقة منها عدة كيلو مترات وأعتقد أن هذه الطبقات عددها سبعة بعضها فوق بعض، لكل طبقة منها خصائص ويتم فيها أعمال متعلقة بالأرض وسكانها.



أدخل عنوان بريدك الإلكتروني هنا يصــــلك كل جديــــد





بلغ الادارة عن محتوى مخالف من هنا ابلغون على الروابط التي لا تعمل من هنا



توقيع : manel


التوقيع



قصة الخلق من العرش إلى الفرش  story of Creation By Eid Wardany Emptyالجمعة 25 يناير - 22:53
المشاركة رقم: #
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
عضو الجوهرة
الرتبه:
عضو الجوهرة
الصورة الرمزية


البيانات
عدد المساهمات : 17945
تاريخ التسجيل : 17/10/2012
رابطة موقعك : ورقلة
التوقيت

الإتصالات
الحالة:
وسائل الإتصال:


مُساهمةموضوع: رد: قصة الخلق من العرش إلى الفرش story of Creation By Eid Wardany



قصة الخلق من العرش إلى الفرش story of Creation By Eid Wardany

الأرض محفوظة
من أسماء الله عز وجل وصفاته (الحفيظ) و(الحافظ) وليس من أسمائه ولا من صفاته (الجاذب)، وهذا الاسم من مستلزمات قيامه عز وجل على السموات والأرض فهو تعالى قيوم عليها، وهو تعالى حافظ لهما وحفيظ عليهما بل إنه تعالى كما وصفه يعقوب في قوله:
فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ  (يوسف:64).
وكل شيء في هذا الكون محفوظ بالله تعالى: وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ (سبأ:21) فالسموات محفوظة، والأرض محفوظة والأنفس محفوظة، والأعمال محفوظة، والأجساد التي تأكلها الأرض لا تضيع بل كل ما يذهب في الأرض وتأكله الأجساد معلوم عند الله، محفوظ مقداره ومكانه في كتاب الله الحفيظ.
فالأرض محفوظة طبقا لقوله تعالى وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ (البقرة:20) فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ولقوله تعالى وَلا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (البقرة:255) أي لا يصعب عليه حفظ السموات والأرض ولا يثقل عليه هذا الأمر.
وكل شيء على الأرض محفوظ. وحفظ الأرض بغلافها الجوى. الذي يحفظ ما عليها من أن يتبدد في الفضاء، ويحفظ الأرض أيضا من أن ينزل إليها ما يفسد فيها أو يفسدها فالغلاف الجوى يحفظ الأرض من كل ما يدور أو ينطلق في الفضاء سواء أكان هذا رياحاً شمسية، أو شهباً، أو كسفاً، أو غير ذلك.
يقول تعالى وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظاً (الأنبياء:32) فالسماء أيضا محفوظة من أن ينال منها ومن أسرارها أي شيطان فيرجم. والسماء بغلافها الجوى محفوظة بحيث يرد هذا الغلاف أي شيء يصعد من الأرض ما عدا الملائكة والدعاء، وما سوى ذلك مما يصعد من الأرض فإنه يرجع إليها مرة أخرى وهذا بالتحديد ما فسره نيوتن بالجاذبية عندما شاهد سقوط التفاحة وبالتالي علل سقوط الأشياء على الأرض بأن في الأرض جاذبية، والحق أن هذا الأمر لم يتم بفعل الأرض وإنما يتم بفعل السماء أي الغلاف الجوى الذي في السماء يقول تعالى: وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْع ِ(11) وَالأرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ (الطارق).
فسقوط الأشياء على الأرض ينص القرآن أنها بسبب من السماء لا من الأرض، والمقصود بالسماء هنا هـو الغـلاف الجـوى الـذي فيها، كما يقول تعالىوَأَنزَلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا (الفرقان:48). فالماء ينزل من السحاب الذي في السماء وهو أيضا في الغلاف الجوى. والآية هنا عامة فهي إذن ترجع ما يصعد من الأرض مرة أخرى وذلك طبقا لقانون الحفظ الإلهي وإلا لتفلت كل شيء من الأرض لولا أن كل ما يصعد بخفته، أو بالقذف، أو بالنبع أو بالبخر أو بالإثارة يعود إلى الأرض مرة أخرى، فتحفظ محتويات الأرض من التفلت في الفضاء.
وعلى ذلك فكل محتويات الأرض التي تصعد بفعل الإنسان أو منها هي ترجعها السماء مرة أخرى. غازات، أو أدخنة، أبخرة، روائح، أصوات، غبار، نار، صخور، مياه، حتى أرواح الموتى أو النائمين تعود بعدما تصعد إلى السماء فيقال لها: أعيدوها إلى الأرض مرة أخرى فإني قد كتبت عليهم منذ أن خلقتهم، أنى منها خلقتهم، وفيها أعيدهم، ومنها أخرجهم تارة أخرى. فتعود مرة أخرى للمساءلة في القبر ثم تذهب بعد ذلك إلى مستقرها.
أما الأرض فإنها لا تجذب بـل هي كما قال تعالى تنصدع، وإن لم يأت الأمر بصيغة فعل للأرض، تأكيداً لما قلناه أن الأرض لا يصدر منها أي فعل فقال تعالى وَالأرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ أي أنها قابلة لأن تتشقق وتتفتح - لأنها هكذا ذللت - لفأس المزارع أو لزهرة رقيقة تريد أن تخرج منها. فهي قابلة بنعمة الله لأن تنصدع سواء بتأثير من فوقها كما يفعل العاملون والمزارعون والبناءون وكل ما يفعله بنو آدم بالأرض فهي تنصدع لهم، أو كان بتأثير من داخلها حيث يخرج الزرع والماء والبترول والبراكين والزلازل، فالأرض تنصدع بأمر الله لهذه الأمور. أما أنها تجذب أو تشد أو تفعل أي شيء فليس ذلك لها. ولو كانت الأرض تجذب ما استطاع أن يخرج منها شيء مما ذكرنا.
ورجع السماء هذا، هو رجع الغلاف الجوى فالغلاف يمثل سقف الكرة الأرضية ليحفظ محتوياتها كما نحفظ نحن الأشياء في حاويات، ومعلبات، ونؤكد غلقها أو تغطيتها ليحفظ ما بالداخل من التلف أو الضياع. فهكذا الغلاف الجوى يحفظ ويغلف ويحوى ويغطى الأرض بكل محتوياتها فلا يضيع ما بداخلها ويتفلت، أو ينفلت، كذلك يحفظها من فوقها، وهو دور السقف، وذلك لأن السماء تحتوى على أشياء أخرى خطيرة غير الزينة.
هذه الأشياء الأخرى هي التي تُحير الفلكيين والطبيعيين. حيث يعتبرون من أكثر الأمور غرابة في السماء حتى يعتبرونه لغزا ليس له حل، الأشعة الكونية فيقولون:
إن أخطر ما يواجه الإنسان في الفضاء وهو يحاول الصعود في السماء الأشعة الكونية التي تمتلئ بها السماء. هذه الأشعة مختلفة الأشكال والأحجام تبدأ من جسيمات ذرية معظمها من البروتونات الطليقة وتأتى من بعيد جداً ولا يعلم أحد مصدرها ولا كيف تتكون، ولا كيف تنطلق خاصة وهي تنطلق بسرعة كبيرة جداً. وهناك أيضا حجارة تتفاوت في أحجامها تقذف أيضا من السماء من مكان غير معلوم في اتجاه الأرض.
هذه الأشياء التي تحير الفلكيون فيها مفسرة ومفصلة في القرآن. لكن أحدا من علماء المسلمين لم يفصح عنها لعلماء الغرب. لأن علماءنا لم يتعودوا أن يقدموا بين يدي أهل الغرب وعلمائه. إنهم ينتظرون أولاً أن يقول الأسياد المتبوعون قولهم وبعد ذلك يأتي دور الأتباع. أما قبل ذلك فليس من الأدب واللياقة فلكل مقام معلوم.
ودون أن أستأذن سأتجرأ وأقدم حلولا لهذه الألغاز وإجابات للأسئلة المحيرة مع علمي أن السادة لن يأخذوا بمقالتي لأمرين أولهما: أنني واحد من الأتباع، فرد من الشعوب المقهورة المتخلفة. وثانيهما: أنني أستدل بكلمات الله.
ولكن: لا ضير.
إن بالسماء أيها السادة أشياء أخرى غير الأجرام السماوية التي هي زينة للسماء الدنيا: أشياء أخرى تبدأ بالفيروسات وتنتهي بالشهب. أشياء يسميها القـرآن: الرجز، والكسف، والحسبان، والحجارة، والحاصب، والشهب.
هذه الأشياء أخبر القرآن أنها موجودة في السماء، وأن الله تعالى جعلها تدور حول الأرض ليصيب بها من يشاء ويصرفها عمن يشاء.
فكثير من الأمراض التي تصيب النفس أو تصيب الزرع أو الضرع إنما تكون بسبب فيروس" أو" مكروب". فأما الميكروب فيأتي من الأرض وأما الفيروس فيأتي من السماء. وهو ما أخبر عنه تعالى فَأَنزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِنْ السَّمَاءِ (البقرة:59) فسره علماء التفسير بمعنى العذاب، وفصله آخرون بأنه الطاعون كما قال: سعيد بن جبير. وأخرج مسلم وغيره من حديث أسامة بن زيد ومسعد بن مالك وخزيمة بن ثابت قالوا: قال رسول الله " وإن هذا الطاعون رجز؟ وبقية عذاب من عذب به أناس من قبلكم، فإذا كان بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا منها، وإذا بلغكم أنه بأرض فلا تدخلوها".
والكسف: قطع من السماء يقول تعالى: وَإِنْ يَرَوْا كِسْفًا مِنْ السَّمَاءِ سَاقِطًا يَقُولُوا سَحَابٌ مَرْكُومٌ (الطور:44) إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الأرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفًا مِنْ السَّمَاءِ (سبأ:9) وفي السماء أيضا حجارة: كما يقول تعالى وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ(الحجر:74).
وهذه الحجارة ذات أحجام بعضها صغير كالحصى التى يحصب بها وبعضها كبير (كسف) يقول تعالى عن النوع الأول: أَمْ أَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِـــلَ عَلَيْكُمْ حَـاصِبًا (الملك:17).
وهذه كلها تدور في السماء فوق الغلاف الجوى كدوران الرحى وتنزل من السماء بحساب وأمر ودون ذلك فإن الغلاف الجوى يحفظ الأرض منها ما لم يأذن الله لها أن تمر. وقد أخبر القرآن أن الغلاف الجوى الحافظ قد سمح بمرور بعض من هذه الأشياء عندما أراد الله أن يعذب بها بعض المكذبين. فقد عذب الله" أصحاب الأيكة" وهم قوم نبي الله شعيب بعذاب يوم الظلة الذي بدأ بإرسال الرياح الشمسية التي ترسل على الأرض دون انقطاع لكن الغلاف الجوى يمنع نزولها للأرض فلا يسمح لها بالمرور من خلاله رغم رقة ولطف وشفافية هذا الغلاف الهوائي. ولا يسمح دائما إلا بمرور القدر اللازم لنفع سكان الأرض. أما في يوم الظلة وهو اليوم الذي عاقب الله فيه قوم شعيب، فقد سمح لغلاف الجوى لهذه الرياح الشمسية (الأشعة الكونية) بالمرور إلي أصحاب الأيكة.
يقول الشوكاني في تفسير سورة الشعراء: فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِنْ السَّمَاءِ إِنْ كُنْتَ مِنْ الصَّادِقِينَ (187) قَالَ رَبِّي أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ (188) فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيم ٍ(189) إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (190).
" أرسل الله إليهم سموما من جهنم، فأطاف بهم (7) أيام حتى أنضجهم الحر، فحميت بيوتهم وغلت مياههم في الآبار والعيون فخرجوا من منازلهم ومحلاتهم هاربين والسموم معهم، فسلط الله عليهم الشمس من فوق رءوسهم فغشيتهم حتى تقلقلت فيها جماجمهم. وسلط الله عليهم الرمضاء من تحت أرجلهم حتى تساقطت لحوم أرجلهم، ثم نشأت لهم ظلة كالسحابة السوداء. فلما رأوها ابتدروها يستغيثون بظلها حتى إذا كانوا جميعا أطبقت عليهم فهلكوا ونجى الله شعيبا والذين آمنوا معه". فهذه الأشياء تدور حول الأرض، وهي معدة لعذاب من يريد الله عذابه يقول تعالى: وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِنْ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا  (الكهف:40).
أي عذابا من السماء. والحسبان في لغة العرب: الرحى. والحساب. وكذلك الأمر فهذا العذاب يدور في السماء كدوران الرحى، ولا يقدر أن ينزل إلى الأرض لأن السماء سقف محفوظ ولكن إذا أراد الله فإن الغلاف الهوائي يسمح بمرور ما كان يمنعه قبل ذلك.
وقال الأخفش عن الحسبان: هي مرامي من السماء من حجارة وغيرها.
وكـل هذا الذي ذكرناه معد لسكان الأرض من الإنس. أما الجن فالله تعالى أعد لهم: الشهب. يقول تعالى عنها: وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ (16) وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيم ٍ(17) إِلا مَنْ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُبِينٌ (الحجر) إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الـدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ (6) وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ (7) لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الأعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كـُلِّ جَـانِب ٍ(Cool دُحُـورًا وَلَهـُمْ عـَذَابٌ وَاصِبٌ (9) إِلا مَـنْ خَطِفَ الخَطْفَة فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِب ٌ(10) (الصافات).
وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا (Cool وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِع الآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا (9)  (الجن).
الأرض محفوظة بالريح
الأصل في آيات الله تعالى أنها واضحة بينة للناس كافة سواء في ذلك الآيات التي أنزلها بالوحي في كتبه، أو التي بثها بالخلق في كونه. غير أن هناك آيات في كونه وفي كتبه لا تدرك إلا بإعمال العقل والفكر والبحث والعلم. وهذه الآيات الثانية أشار الله تعالى إليها وحدد من الذي يدركها. وقـد ذكـرنا أنـه تعالى حـدد (7) أصناف من الناس يدركون آيات الله تعالى سواء في كتابه أو في كونه وهم:
قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (الأنعام:97). ولقوم يفقهون (يفهمون)، لقـوم يذكرون، لقوم يؤمنون، لقوم يوقنون، لقوم يتفكرون، لقوم يعقلون. ومن توافرت فيه هذه الخصال فهو من أهل الذكر الذين أحال الله الناس إليهم ليتعلموا ويفهموا منهم ما لم يستطيعوا أن يدركوه بأنفسهم فقال فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنتُمْ لا تَعْلَمُونَ (الأنبياء:7) وأخبر تعالى أن هؤلاء هم أخشى الناس يقـول إنماَ يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ (فاطر:28) من أجل ذلك دعا الله عباده جميعا أن يتعلموا ويتفكروا ويبحثوا ليتدبروا آياته.
فلو قلنا إن الأرض محفوظة بالريح وليس بالجاذبية فلا يعترض أحد بأن القرآن لم ينص على ذلك بآية. ومثل هذا يريد أن توضع له آيات مفصلات بحيث لا تحتاج إلى تفسيـر أو تأويل فمثلا أن تكون هناك آية تنص على (أن الأرض محفوظة بالريح) ومثل هذا لا يكون في القرآن. إنما يدرك ذلك من تفكر وتعقل وتعلم وبحث.
وهناك آيات مستفيضة، وأحاديث عديدة، تثبت أن حفظ الأرض وما فيها بالريح ومنها ما ذكرناه من أن الله تعالى أخبر أن المشي والسير والسعى إنما يكون فِي الأرْضِ وليس على الأرض ويفهم العاقلون من هذا أن هناك شيئا فوق سطح الأرض يعتبر جزءاً من الأرض حتى يكون الماشي والسائر بينهما في الأرض، فليس هناك آية تقول بأن الغلاف الهوائي من الأرض. ولكن يفهم ذلك بالعقل.
ونفهم أن للريح (الهواء) ضغطاً من قوله تعالى: وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنْ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ (الحج:31). إن العقل وإعمال الفكر يقول بأن معنى قوله تعالى تهْوِي بِهِ الرِّيحُ أن للريح ضغطا.
وهذا الضغط يكون من كل مكان فوق الأرض ونحن لا نشعر بهذا الضغط لأنه يكون عاما على كل جزء من أجسامنا. بل إنه يتخلل مسام الأجسام لرقته ولطافته وشفافيته، ولكنه معلوم محسوس بخلاف الجاذبية، إذ إن للضغط قياساً محسوباً ونطاقاً محدداً، والتجارب تثبته، فلا وجه للشبه بين الضغط الجوى والجاذبية، غير أننا ننسب ما للضغط لشيء وهمي اسمه الجاذبية كشأن كل الأمور التي يحورها الإنسان فينسب الفعل" لقوة غامضة" أو" لمادة مظلمة" أو حتى لظواهر طبيعية أو لبشر باعتبارهم أولياء صالحين لله أو للجن، ولكن الحق أن الأمر كله لله.
ومن الشكل الموضح للكرة الأرضية بغلافها الجوى نلاحظ أن الغلاف الجوى لا يرى فالريح لا نراها، ولا يرى من هذا الغلاف إلا السحاب وهو ما يرى دائما أبدا في الصور الملتقطة للأرض من الفضاء لدرجة أننا نتبين القارات بصعوبة.
هذا الغلاف يرتفع عن الأرض بمقدار مدار (22.75ْ) أي 2730 كم. وبعد هذه المسافة نكون فوق الأرض، وقبل هذه المسافة نكون فِي الأرْضِ ما دمنا داخل المسافة 2730 كم فوق سطح البحر. فلو حلقت طائرة تحت هذا الارتفاع بأي قدر فهي تحلق في الأرض.
ويوجد في الجزء القريب من الأرض في هذا الغلاف جميع الغازات التي تحتاج إليها الكائنات فيوجد الأكسجين والنتروجين وثاني أكسيد الكربون وغيرها من الغازات التي تحتاجها الكائنات الحية وهي قريبة جدا من سطح الأرض وتتجمع في محيط حول الأرض بارتفاع 7 كم. بل من هذه الغازات ما يوجد مذابا في البحر. وممتصا في تربة القشرة الأرضية.
ثم هناك طبقة أخرى فوق هذه ترتفع إلى (17) كم وهذه الطبقة هي التي يتم فيها تكون السحب والأمطار والعواصف والأعاصير والتيارات الهوائية، التي تنظم الطقس الأرضي.
ثم فوق هذه الطبقة طبقة ثالثة تحتوى على (كبريتات) لتسهيل عملية الإمطار وفي هذه الطبقة ترسل الملقحات التي تنزل على السحاب لتلقحه كما يقـول تـعالى وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ (الحجر:22) وسمك هذه الطبقة حوالي 7 كيلو مترات فوق الطبقة الثانية.
ثم هناك طبقة رابعة: هذه الطبقة هي التي يمتص فيها الأشعة الشمسية المفيدة كالإشعاعات الموجبة القصيرة من الطيف الشمسي، والأشعة فوق البنفسجية، وأشعة جاما، وغيرها مما ترسله الشمس، فهذه الطبقة تسمح بمرور مثل هذا القدر من الأشعة لينفذ منها إلى سطح الأرض (نقصد بالسطح هنا سطح اليابس والماء وإلا فسطح الأرض الحقيقي فوق الغلاف الجوى) ولولا وجود هذه المنطقة لنزلت الأشعة الشمسية كلها بقوتها ودون تصفيتها أو كسر حدتها إلى سطح الأرض فتهلك الحرث والنسل.
هذه الطبقة يسمونها بطبقة (الأوزون) وهي طبقة فيها جزئ الأوزون مـع ثلاثة ذرات أكسجين.
وتتغير نسب تركيز الغاز مع الزمن وخط العرض والارتفاع. وهذه الطبقة ترتفع من فوق الطبقة الثالثة إلى ارتفاع حوالي 70 كم عن سطح البحر.
ثم طبقة خامسة: وهذه طبقة فوق طبقة الأوزون. وهي أشبه بقلب فرن ذري فهي على غاية قصوى من السخونة ومن شدة حرارتها تصهر أي شيء يمر خلالها. لذلك لا يصل الطيران أو أي عملية تحليق إلى هذه المنطقة بل تتم جميعا تحتها، أما الرحلات الفضائية التي تخترق الأرض صاعدة إلى السماء فإنها تكون داخل سفن أو مكوكات مبطنة ببطانة تتحمل هذه الحرارة الشديدة.
ثم الطبقة السادسة: وهذه الطبقة تبدأ من ارتفاع حوالي 700 كم فوق سطح البحر ومن هذه المنطقة ينفلق الفجر القطبي، ويظهر بالمناظر على شكل ستائر مدلاةٍ، مختلفة الألوان، وأشدها جمالا اللون الأخضر والأحمر والوردي.
ثم أخيرا الطبقة السابعة: وهي منطقة الحزام الأمني للأرض وهي نهاية الغلاف الجوى، فهي المنطقة التي تحفظ الأرض من كل ما يحيط بها من (الرحز، والكسف، والحصباء، والحجارة، والرجز، الشهب) فلا يمر شيء من هذه الأشياء مع أنها تدور حول الأرض يوميا، إلا بأمر الله، فإن كان ذلك كذلك، ومرت واحدة مـن هذه الأشياء القاتلة أو المعذبة فإنها إنما تنزل بإذن، وبقدر، وعلى من يريد الله إصابته بتحديد دقيق كما قال تعالى مثلا عن قوم لوط عندما أرسل عليهم حجارة مـن هذه فقال فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُود ٍ(82) مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنْ الظَّالِمِينَ بِبَعِيد ٍ(83) (هود). وكما فعل تعالى مع أبرهة الأشرم الحبشي عندما جاء بجنوده وأفياله ليهدم الكعبة وذلك في العام الذي سمته العرب عام الفيل وهو العام الذي ولد فيه خاتم الأنبياء والمرسلين .
يقول تعالى عن هذا الحادث في سورة الفيل: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيل ِ(1) أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيل ٍ(2) وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيل َ(3) تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيل ٍ(4) فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُول ٍ(5) .
والطير الأبابيل: السرب الذي يتتابع جماعات.. جماعات. وقد جاءت مثل السحابة نزلت من السماء من نحو البحر، حتى أظلت جيش أبرهة وكانت تحمل حجارةً سوداً في حجم البندق، وبها نضح حمرة، مختمة مع كل طائر ثلاثة أحجار: حجران في رجليه وحجر في منقاره. ثم لما حازتهم ألقت عليهم تلك الحجارة، فإذا سقط الحجر على أحد سال لحمه ودمه وتبقى عظاما خاوية لا لحم ولا جلد ولا دم عليه أي يصبح مجرد هيكل عظمى، وتصبح جلودهم ولحومهم كورق الشجر المأكول.
هذه الطبقة السابعة، أو الخط الأمني للأرض والذي يحيط بغلافها الجوى والذي تنسكب عليه الرياح الشمسية بأشعتها، وهو حزام شديد الحرارة حتى إنه ليذيب أصلب المعادن لمجرد ملامسته وهو العائق الأكبر لسفن الفضاء رغم تبطينها وتغليفها بعوازل للحرارة لكنها قد تنصهر أيضا أثناء اختراقها لهذا الحاجز، وكثيرا ما يحدث ذلك.
يقول" بول سو زان" في كتاب الملاحة الفلكية عن هذا الحزام الأمني:" إن الجو الأرضي حاجز حقيقي، هو حقا قليل الكثافة، ولكنه سميك جدا، فهو يوقف الأشعة، ويحرق الشهب،... إن هذا الحاجز الذي لا نحسه باللمس، ولا نراه بالعين حتى كأنه غير (مـادي) يحمى حياتنا اليومية ويحافظ عليها. لأنه لا يسمح بالوصول إلى الأرض إلا لكل ما هو مفيد لنا. وإن كان ذلك من الناحية الكيفية، أو من الناحية الكمية".
أما رب العزة فيلخص القول بآية معجزة بليغة، فيقول تعالى: وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ (الأنبياء:32).
إن هذا السقف المحفوظ الذي يحفظ الأرض هو من صنع الله، الحفيظ، ولكن بلغ من إعراض الكافرين بالله أنهم يسمون هنا السقف المحفوظ" خط فإن ألن" وفان ألن هذا لم يصنع هذا الخط ولم يضعه، وإنما فقط هو الذي اكتشفه فنسبوه إليه، تماما كما نسبوا تمكين الله لنا في الأرض لنيوتن وجاذبيته.
هذه الطبقات التي ذكرناها بأعدادها السبع يسمى بعضها التجريبيون بأسماء معينة كطبقة التريوسفير، والاسترا توسفير، والميزوسفير، والايونوسفير.
وهـذا الغـلاف الجوى الذي نستبدله بالجاذبية ليس فقط يضغط وإنما كما قـال تـعالى: وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ (البقرة:164) فهو يضغط في الطبقة الأولى القريبة من الأرض وهو يحمل في الطبقة الثانية التي تلقيها، حتى انه يحمل جبالا من الثلج والبرد، وأطنانا من المياه، ثم هو يحفظ في الطبقات التالية، ويمنع من التفلت من الأرض أو المرور من السماء إليها، أو يرجع ما يصعد من الأرض - وهكذا - فليس الأمر مجرد جاذبية، أما خارج هذا الغلاف المحيط بالأرض فلا يوجد شيء من ذلك بل يوجد فضاء خواء، فراغ إلا من الأجرام السماوية والأشياء الأخرى التي ذكرناها من الرجز والحجارة والكسف.. الخ.
وهذا الغلاف الهوائي المكون من الريح في كل أجزائه، والذي تتقلب فيه الشمس، ليس فقط يحفظ محتويات الأرض بل إنه يحفظ الأرض ذاتها بباقي عناصرها من أن تضيع فالغلاف الهوائي على شفافيته ورقته، ولطفه، يحفظ الأرض ذاتها من الحركة ومن الانفلات من مكانها.
فهل يتصور عاقل أن الغلاف الجوى بهذه الطبقات التي ذكرناها، والمحتويات التي في الطبقات، وأبعاد هذه الطبقات وإحاطتها بالأرض بالتساوي من كل جهة تدور بهذا الشكل مع الأرض حول نفسها؟ أو تدور مع الأرض حول الشمس. أو أنها تنطلق في الفضاء لأي وجهة؟ أو تميل وتترنح كالنحلة أثناء دورانها وجريها؟ هل يتصور عاقل ذلك.
إذن فالغلاف الجوى دليل على ثبات الأرض كغيره من الأدلة.
الريح أقوى المخلوقات
هل تستطيع الريح أن تحفظ الأرض بمحتوياتها من أن تضيع في الفضاء؟
نعم. وذلك لقوة الريح (الهواء) بل إنها أقوى مخلوقات الله.
ولكي نعرف مدى قوة الريح وكيف تثبت الأرض فلا تدور أو تميد، وكيف تحفظ محتوياتها فإننا نعود مرة أخرى إلى بدء الخلق، حيث قد خلقت الأرض وخلقت لها الجبال من فوقها وذلك في يومي الدحو (المرحلة الثانية) ثم بعد أربعة أيام تماما.
أمر الله الأرض بعدما دحاها والسماء بعدما بناها أن يأتيا من مكان خلقهما إلى مكان تواجدهما طوعا أو كرها. وأتت السماء والأرض طوعا فوضع الله تعالى الأرض في مكانها هذا للأنام ثم استوى إلى السماء فسواها إلى سبع سموات، ثم أوحى في كل سماء أمرها من الملائكة ثم زين السماء الدنيا بزينة الكواكب، وحفظا.
ولما رأت الملائكة أن الأرض ليست مستقرة كالسموات قالوا ما ذكره رسول الله  فيما رواه أحمد عن أنس بن مالك:" لما خلـق الله الأرض جعلت تميد. فقالت الملائكة ما هذه بمقبرة على ظهرها أحد. فخلقت الجبال فألقاها عليها فاستقرت فتعجبت الملائكة من خلق الجبال فقالت: يا رب، هل من خلقك شيء أشد من الجبال؟ قال: نعم الحديد، قالت: يا رب فهل من خلقك شيء أشد من الحديد؟ قال: نعم النار قالت: يا رب فهل من خلقك شيء أشد من النار؟ قال: نعم الماء. قالت: يا رب فهل من خلقك شيء أشد من الماء؟ قال: نعم الريح. قالت: يا رب فهل من خلقك شيء أشد من الريح؟ قال: نعم ابن آدم يتصدق بيمينه يخفيها من شماله".
الريح والجبال والأرض
لقد أخبرنا تعالى بأنه أرسى الجبال في الأرض ليثبتها بعد أن كانت تميد فأصبحت قارة، ثابتة.
ولكن كيف ثبتت الجبال الأرض؟
عندما خلقت الأرض وكانت بعضها يابساً وأكثرها ماء، وكان الهواء (الريح) يغلفها ويحيط بها فكانت الأرض تتمايل. وذلك من قوة الهواء المتصرف حولها ورأت الملائكة التي خلقت في اليوم السادس من أيام الخلق هذه الحركة للأرض. فأتى الله تعالى بالجبال التي كان قد خلقها قبل ذلك في المرحلة الثانية من الأيام الأربعة للأرض. حيث قال:
قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ (9) وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِين َ(10) وَأَلْقَى فِي الأرْضِ رَوَاسِيَ (النحل:15) وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ (ق:7) وَأَلْقَى فِي الأرْضِ رَوَاسِيَ (لقمان:10).
فالجبال لم تخرج من الأرض بل جاءت إليها مِنْ فَوْقِهَا (فصلت:10) وربطت الجبال عناصر الأرض الثلاث بعضها ببعض... كيف؟
سمى الله تعالى الجبال: أوتاد فقالأَلَمْ نَجْعَلْ الأرْضَ مِهَادًا(6) وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا(7).
والوتد وحده إذا ثبت في الأرض فلن يثبتها. إذا فالجبال ثبتت الأرض في شيء آخر، والعرب تستخدم الأوتاد دائما في تثبيت الخيمة بالأرض.
والغلاف الجوى هنا هو الخيمة التي فوق الأرض. والجبال هي الأوتاد.
ولكن المراد تثبيته هنا ليس الغلاف الجوى (الخيمة) بل الأرض نفسها. فالغلاف الجوى
هنا هو الأقوى والأكثر. إذا فالجبال هنا هي الوسيط بين الأرض وعناصرها الثلاثة، فهي تثبت اليابس والماء بالغلاف الجوى.
لذلك لابد أن يكون الجبل سواء كان في اليابس أو في الماء نصفه مغروس في داخل الأرض والنصف الأخر مغروس في الريح. وعلى هذا فان عناصر الأرض الثلاثة مرتبطة ببعضها البعض. (اليابس والماء والهواء) وذلك بواسطة خلق من أقوى مخلوقات الله تعالى بدليل الحديث الذي ذكرناه والذي عدد فيها أعظم وأشد مخلوقات الله، وبدليل الآية 143 من سورة الأعراف وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنْ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنْ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ .
ودليله أيضا الآية 21 من سورة الحشر لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ .
وهكذا جعل تعالى الجبل وهو من أقوى مخلوقاته رابطا بين عناصر الأرض أي بين اليابس والماء وبين الريح الذي هو أقوى المخلوقات لأنه ليس غير الجبال التي تتحمل هذا الضغط القوى للريح التي كانت تحرك الكرة الأرضية، وتجعلها تميد.
الريح والعرش والسموات
قال ابن جرير في تاريخه: سئل ابن عباس عن قوله تعالى: وكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ (هود:7) على أي شيء كان الماء؟ قال: على متن الريح. فالريح يحمل الماء الذي فوقه العرش أثقل مخلوقات الله. كذلك فسر ابن عباس قوله تعالى رَفَعَ السَّمَوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا (الرعد:2) قال: لها عمد ولكن لا نراها. أي أن للسموات عمداً غير مرئية وليس ذلك - إن كان - إلا الريح (الهواء) كما قيل بأن الله تعالى عندما فتق السماء عن الأرض تم ذلك بالريح.
وقد يشك البعض وخاصة التجريبيين من قوة الهواء هذه، لذلك سنعرض بعض الأمور التي تفعلها الريح يومياً. والتي لا يختلف عليها اثنان أن الريح هي التي تقوم بها.
الريح تحمل جبالا
ليست هذه نظرية أو جملة إنشائية؟ بل هو أمر معروف ومشاهد ولا ينكره أحد، عالم أو غير عالم. مؤمن أو غير مؤمن، فالريح تحمل على متنه جبالا.
يقول تعالى: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنْ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالأبْصَارِ (النور:43).
والآية تشرح بتفصيل رائع كيف يتحول السحاب إلى جبال من جليد. فإنه تعالى يسوق السحاب ليتراكم بعضه على بعض، طبقة فوق طبقة، ثم يتحول إلى ماء فينزل من خلال هذا السحاب الودق (المطر). ثم قد تتحول هذه السحب المتراكمة إلى جبال في السماء. ولا نقول كما يقول تفسير المنتخب" أن السحاب يصبح مثل الجبال" فالآية لا تشبه ولا تمثل، بل تذكر أمرا كونياً يحدث تقريبا كل يوم على مكان ما في الأرض أو (بين السماء والأرض).
والله تعالى يقول وَيُنَزِّلُ مِنْ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فالجبال معلقة في السماء (الغلاف الجوى) وهي جبال بالفعل لأن ارتفاعها قد يصل إلى عدة كيلو مترات في السماء، حتى أنها لتمثل خطرا على الملاحة الجوية.
وهذه الجبال الثلجية يحملها الهواء (الريح) ثم ينزل منها البرد، ويخرج من هذا البرد البرق الذي قد يذهب بالأبصار من شد سناه، ولرحمة الله تعالى فإنه لا يسقط هذه الجبال على الناس كما هي في السماء، ولكنه تعالى ينزل مِنْ جِبَالٍ أي لا ينزل الجبل كما هو دفعة واحدة، فهو سبحانه فضلا منه ونعمة ينزل من هذه الجبال بالقدر الذي لا يصيب به الناس فيهلكهم به.
فهل يشك أحد أن في السماء جبالاً من الثلج؟ هل يقول عاقل إن الأرض تدور بسرعة 1000 ميل في الساعة بهذه الجبال التي في الغلاف الجوى؟
هل تدور هذه الجبال مع الأرض بهذه السرعة أم تترك الأرض تدور وحدها؟
وهذه الجبال المرفوعة في السماء. لماذا لا تجذبها الجاذبية إلى الأرض وقانون نيوتن يؤكد ذلك خاصة وكتلتها عظيمة جداً، فهي جبال؟؟
إن الذي رفع هذه الجبال عن الأرض من البحار هي الريح..
والذي يحملها في السماء هي الريح..
والذي ينزلها إلى الأرض مرة أخرى هي الريح..
وليس للجاذبية في ذلك دخل. فالريح بأنواعها التي يصرفها الله ومنها الرافعة والحاملة والضاغطة هي التي تفعل ذلك بأنواع منها تسمى (رياح) (سنذكر ذلك في حينه).
الريح تحرك جبالاً
وكما ترفع الريح جبال الثلج، وتحملها، وتسقطها. فإن الريح أيضا تحرك جبالا وهي حقيقة لا جدال فيها.
فالـريـح تحـرك السفن التي هي كالجبال في حجمها وارتفاعها وثقلها حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ (يونس:22).
لكن هناك جبالاً حقيقية وليس فقط سفناً كالجبال، بل جبالاً بالفعل تحركها الريح في البحار والمحيطات، جبال من ثلج، وهي جبال ضخمة تنفصل من القارة القطبية الجليدية ثم تطفو على سطح المحيطات، وتدفعها الريح فتذوب رويدا رويدا لاقترابها من المدارين.
قد تستغرق رحلة الجبال هذه شهورا طويلة قبل أن تذوب. وتبلغ هذه الجبال في بعض الأحيان إلى 15 كيلو متر طولا وكيلو متر عرضا. وكيلو ونصف ارتفاعا. والجزء الطافي فوق سطح الماء يبلغ نحو 7/1 الجزء المغمور.
وقد حسبوا كمية الماء التي يمكن أن تذوب من جبل واحد من الجبال التي تحركها الريح في المحيط، ويتجه بها إلى منطقة مثل كاليفورنيا، فوجدوا أنها تكفي لمد مدينة كبيرة مثل مدينة الإسكندرية بمصر بما يكفيها لمدة شهر من الماء العذب.
وهذا الأمر مشاهد بالعين في المحيطات (جبال تحركها الريح).
الريح تحمل أثقالاً
دون قصد تنبه الناس أخيرا لقوة الريح، فاستطاعوا أن يسيروا شاحنات عملاقة على إطارات مملؤة بالهواء. في حين لو ملئت بالماء لما تحركت خطوة واحدة فلو استبدل بهذه الإطارات عجلات من فولاذ فلن تتحرك الشاحنات من مكانها. واستفادت الحضارات الحديثة في حركتها بالهواء.
وفي أعظم حضارة شهـدتها البشرية كـان الهواء هـو أيضا وسيلة المواصلات يقول تعالى: وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ (سبأ:12) لم تكن حضارة سليمان عليه السلام من صنع البشر ولكنها كانت عطية الله من أولها إلى آخرها. فقد أوتى سليمان ما لم يؤت أحد من قبل ولا من بعد.
ومما أوتى (الريح) فقد سخرها له تعالى تَجْرِي بِأَمْرِهِ (ص:36) وتحمل جيشه إلى حيث يريد. وذلك أنه كان له بساط من خشب يوضع فيه ما يحتاج إليه من أمور المملكة، كالخيل والجمال والخيام والجند، ثم يأمر الريح أن تحمله فتدخل تحته ثم تحمله وترفعه وتسير به، وتظله الطير تقيه حر الشمس.
وتذهب به الريح إلى حيث يشاء من الأرض ثم تنزل به وتوضع آلاته وجنوده.
وأخرج ابن أبى حاتم عن سعيد بن جبير قال: كان يوضع لسليمان ستمائة ألف كرسي فيجلس مما يليه مؤمنو الإنس، ثم يجلس مؤمنو الجن من ورائهم، ثم يأمر الطير فتظلهم. ثم يأمر الريح فتحملهم".
وكانت الريح يقطع مسافة شهر (1200 كم) ذهابا ومثلها إيابا في يوم واحد. وقيل بأن بساط الريح هذا كان من الخشب عليه 600 ألف كرسي، وكان هذا تعداد جيش سليمان مـن الإنس والجن، فضلا عن ذلك كان هناك لوازم الجند وغيرها من الدواب والخيام أي كانت مساحته تقريبا 150 فداناً (الفدان 4200 متر). وكان للريح سرعتان: لينة (رخاء) وسرعة عاصفة (سريعة) حسبما يريد نبى الله عليه السلام. قول تعالى: فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ (36:ص).
وقال:وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الأرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ
شَيْءٍ عَالِمِينَ (الأنبياء:81).
ولابد أن سليمان قد استفاد من هذا التسخير الذي انفرد به من دون العالمين. وجاب الأرض مشرقها ومغربها. ولابد أنه وصل إلى أوربا، وكذلك أمريكا قبل أن يكتشفها كولومبس بأحقاب طويلة، إذ عثر في أمريكا على آثار فينيقية (حضارة عهد سليمان ودولته) وتمثل ذلك في آثار على الصخور تبين أسماء الأشخاص الذين وفدوا، وأسماء البلدان الفينيقية التي نزحوا منها.
هذه بعض الأمور التي يقوم بها الريح دون تدخل من الإنسان ودون أمره وإنما بأمر الله وبتسخيره تعالى.
وهـذه بعض التجارب التي تثبت مدى قوة الريح، وبالإمكان إجراؤها في المعمل أو حتى في البيت.



أدخل عنوان بريدك الإلكتروني هنا يصــــلك كل جديــــد





بلغ الادارة عن محتوى مخالف من هنا ابلغون على الروابط التي لا تعمل من هنا



توقيع : manel


التوقيع



قصة الخلق من العرش إلى الفرش  story of Creation By Eid Wardany Emptyالجمعة 25 يناير - 22:54
المشاركة رقم: #
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
عضو الجوهرة
الرتبه:
عضو الجوهرة
الصورة الرمزية


البيانات
عدد المساهمات : 17945
تاريخ التسجيل : 17/10/2012
رابطة موقعك : ورقلة
التوقيت

الإتصالات
الحالة:
وسائل الإتصال:


مُساهمةموضوع: رد: قصة الخلق من العرش إلى الفرش story of Creation By Eid Wardany



قصة الخلق من العرش إلى الفرش story of Creation By Eid Wardany

الريح أقوى من أقوى الحيوانات


هذه التجربة تمت بالفعل في مدينة ماجد برج بألمانيا، وذلك في 8 مايو عام 1654 م وسط احتفال مهيب.
فقد جاء عمدة المدينة بنصفي كرة نحاس متطابقين تماماً. قطر كل منهما 37 سم تقريبا، وجعل لكل من نصفي الكرة أربع حلقات لربط الخيل بها بينما وضع في أحد النصفين صنبورا لتفريغ الهواء من هذه الكرة بعد انطباق النصفين ثم وضع على مكان التقائهما شريطا جلدياً مشبعاً بالشمع وزيت التربنتينا لإحكام سد الكرة وعدم تسرب الهواء إلى داخلها.
ثم جاء بستة عشر حصانا. وربط كل ثمانية منهم في نصف كرة، ثم فرغ الهواء بواسطة المضخة التي سحبت الهواء الذي في داخل الكرة عن طريق الصنبور.
ثم أرسلت المجموعتان كل في اتجاه مضاد. ولم يستطع الستة عشر حصانا فصل نصفي الكرة إلا بعد محاولة شاقة. وعندما تم لها ذلك بعدما انطلقت بكل ما لديها من قوة انفصل نصفي الكرة ودوت في الجو فرقعة لها دوى كالقنابل.
فها هي الخيل وهي رمز القوة بين كائنات الأرض و16 حصانا، ليس واحدا ولا اثنين، لم تستطع فصل نصفي كرة في حجم كرة السلة تقريباً، وذلك لقوة ضغط الهواء الواقع على نصفي الكرة من الخارج وفي نفس الوقت لا يقابله في الداخل هواء يتعادل معه، فإنه لو كان لاستطاع طفل صغير من فصل النصفين والتطويح بهما دون بذل جهد.
الريح أقوى من الحديد
لو غلينا ماء في علبة حديدية ثم أحكمنا إغلاقها ثم صببنا عليها ماءً بارداً فإن العلبة ستتجعد كما لو كانت قد طرقت بمطرقة ثقيلة. والسبب في ذلك هو ضغط الهواء الشديد خارج العلبة والذي لم يجد مقاومة من الهواء بداخل العلبة التي تكثف هواؤها إلى ماء بسبب التبريد.
هاتان التجربتان أثبتتا قوة الريح وهو ساكنة، أي وسرعته صفر. أما لو تحرك فإن قوته تتضاعف، وضغطه يتزايد، وتصل إلى قوة جبارة لا يقف أمامها شيء. أما لو أسرع في الحركة فإنه يكون مدمرا لذا تسمى الريح السريعة: عاصفة وقد قيل إن الريح التي دمرت قوم عاد كانت على قدر ما يمر من الخاتم.
وردت بالقرآن أسماء عديدة لسرعات الرياح: ريح ساكنة، وريح طيبة، وريح رخاء، وريح جارية، وريح عاتية، وريج صرصر، وريح هاوية، وريح قاصفة، وريح عاصفة وهي كلها موجودة داخل الغلاف الجوى، يدبرها الله تعالى ويصرفها بين عباده لخيرهم أو لشرهم، لحمايتهم أو لهلاكهم، لحركتهم أو لسكونهم. لحياتهم أو موتهم.


الريح رمز القوة
ونظرا لقوة الريح العظيمة والتي تعتبر أعظم وأشد القوى في الكون فقد اعتبرها الله عز وجل رمزا للقوة، فقال: وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ (الأنفال:46) أي تذهب قوتكم. هكذا رمز القرآن لقوة الدولة والجماعة بالريح لأنها أقوى ما في الكون. تماما كما نرمز للقوة بالحصان لأن قوته في قدر وطاقة الإنسان. أما الريح فقوتها تفوق كل القوى لأنها من عند الله تعالى.
البحر المسجور
من المعروف أن الأرض عبارة عن كرة مائية يحيط الماء بها من كل جانب إلا قدر الربع فهو يابس ظاهر من الماء. وكون الأرض بهذه الكيفية يقتضي أن يطغى الماء الذي يحيط باليابس عليه. أو أن ينسكب هذا الماء ويتبدد في الفضاء. فنحن هنا على وجه الأرض ومن أسفلنا نصف الكرة الآخر وكله ماء هو البحر المحيط (المحيط الهادي).
وكان ينبغي أن ينسكب هذا الماء. لكن ذلك لا يحدث والسبب في ذلك ليس للجاذبية وذلك لأن كمية المياه في البحر المحيط كبيرة جدا لا تتحملها هذه الجاذبية التي يتحدثون عنها. وهذه المياه الثقيلة جدا لا يقدر على الاحتفاظ بها، أو منعها من أن تنفلت أو بمعنى آخر (يحبسها) إلا الريح التي هي أقوى مخلوقات الله.
يقول تعالى وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ (لطور:6) ومعنى المسجور: المحبوس والمكفوف ومن ذا الذي يقدر على حبس البحر بجبروته وعظمته وقوته، وفي نفس الوقت لا نراه غير الهواء؟ إذن فالغلاف الجوى يحبس الماء من الانفلات.
هذه الريح التي هي ذاتها ترفع هذه الأطنان والتي تقدر بالملايين من البحر إلى السماء لتتكون سحابا ثم ترجعه السماء (الغلاف الجوى) مرة أخرى إلى الأرض. وهذه الريح هي ذاتها التي تحمل في السماء هذه الأنهار. وهي ذاتها التي تسير هذه الأطنان من المياه في السماء.
وبالإمكان إجراء تجربة بسيطة وسهلة تثبت أن الهواء هو الذي يحمل، ويحبس الماء وليست الجاذبية. فلو أتينا بكوب مملوءة بالماء وغطينا الكوب بورقة بحيث لا يدخل الهواء من خلالها إلى الكوب ثم قلبناه. فإن الماء لا ينسكب وإنما يظل محبوساً داخل الكوب. والذي فعل ذلك هو الهواء رغم أن الكوب مقلوبة فـوق الأرض، فلماذا لا تجذب الأرض الماء إليها رغم أنه قدر قليل وليس بحراً.
ومن المعروف تجريبيا أننا لو وضعنا كوب ماء في حجرة مفرغة من الهواء ثم كشفنا عنه بعد عدة ساعات فلن نجد في الكوب ماءً ذلك أن الهواء هو الذي كان يحبس الماء.
هناك تجربة ثالثة أبسط من السابقة ولا تحتاج إلى تفريغ هواء من غرفة بكاملها ولكن نفرغ هنا الهواء فقط من الكوب فقط. وهي تجربة سهلة ممكن إجراؤها دون تكلفة أو جهد يذكر. فلو أتينا بطبق مسطح وبه قدر من الماء، ثم وضعنا بالطبق قطنة مشتعلة أو شمعة ثم قلبنا فوقها كوباً فإن القطنة أو الشمعة ستنطفئ وسنجد فقاعات هواء تخرج من أسفل الكوب ثم سنجد وبسرعة أن الماء الموجود بالطبق قد ارتفع في الكوب إلى نصفه أو أكثر أو أقل بحسب تدفئة الهواء الموجود بالكوب المقلوبة.
ثم يقل ضغطه في داخل الكوب بأقل من الضغط خارجه فيندفع الماء إلى الكوب بتأثير ضغط الهواء خارجة.


قد يقول البعض إن ارتفاع الماء داخل الكوب حدث نتيجة احتراق الأكسجين من الهواء أدى إلى تقليل كمية الهواء فاستعاض ذلك بالماء. وهذا ليس صحيحا لأن الأكسجين يشغل 5/1 الهواء فقط. ومن ثم سينشغل 5/1 الكوب فقط لو كان الأمر كذلك، ولكننا نجد أن الماء يصل في الكوب إلى نصفه وكلما أعطينا تدفئة أكثر للهواء داخل الكوب زاد ارتفاع الماء.
وفكـرة المرذاذ أو (البخاخة) تعتمد على ضغط الهواء فيخرج الماء مـن داخـل (البخاخة) على هيئة رذاذ.
ضغط الهواء في التوراة
وفي الكتاب المقدس دليل لا قبل التأويل، على أن الغلاف الجوى هو الذي يحبس البحر تماما كما يقول القرآن. وكما ذهب إليه التفسير الذي يفسر البحرالمسجور بالبحر المحبوس .
في سفر أيوب في سفر أيوب جاء ما يلي في الفصل الثامن والثلاثين:
"أين كنت حين أسست الأرض... ترنمت كواكب الصبح معا وهتف جميع بنى الله... ومن حجز البحر بمصاريع حين اندفع فخرج من الرحم.. إذ جعلت السحاب لباسه، والضباب قماطه. وحزمت عليه حدّي، وأقمت له مغاليق ومصاريع، وقلت له: إلى هنا تأتى ولا تتعدى وهنا تتخم كبرياء لججك...".
فالبحر محبوس بالغلاف الجوى، أي بالريح.
أما تلاطم أمواجه فمن الرياح التي يصرفها عز وجل بين السماء والأرض وبحركة الرياح وهبوبها يتحرك ماء البحر فتكون الأمواج.

















المد والجزر

كانت ظاهرة المد والجزر هي دليل جاليليو الوحيد على دوران الأرض فقد كان يقول:" ما هو الذي يجعل البحار تضطرب مياهها بين مد وجزر وهي في أحواض؟" فاستنتج من ذلك دوران الأرض حول نفسها وحول الشمس وقد كفانا زملاؤه الرد على هذا الاستنتاج فقد توصلوا إلى أن المد والجزر لا علاقة له بدوران الأرض. وتأكد لهم ذلك بأدلة ذكروها. غير أنهم ذهبوا إلى أن المد والجزر إنما يحدثهما الشمس والقمر بجاذبيتهما. يقول الدكتور جوده حسنين جوده في كتاب معالم سطح الأرض:
" يتحرك سطح البحر بين ارتفاع وانخفاض مرة كل نصف يوم تقريبا. وهذه الحركة تبدو واضحة على الخصوص بجوار السواحل. ويعرف أقصى ارتفاع يبلغه سطح البحر بالمد، وأدنى انخفاض باسم الجزر. وتنشأ ظاهرة المد والجزر عن قوى جذب القمر والشمس للمياه.
فالمياه بطبيعتها تستجيب لقوى جذب الأجرام السماوية البعيد منها والقريب، ولكن جذب النجوم ضئيل جدا نظرا لبعدها الشاسع عن المسطحات المائية على الأرض ولا يكاد يتأثر به سطح البحر. وتأثير القمر أقوى من تأثير الشمس في ذلك لبعد الشمس عن الأرض. ويقتصر تأثير الشمس على تقوية تأثير القمر أو إضعافه في إحداث المد والجزر. وتستجيب مياه البحار والمحيطات جميعا للقوى التي تحدث المد والجزر فكل قطرة من ماء المحيط مـن قاعه إلى سطحه تتأثر بتلك القوى. وهي بهذا تختلف عن قوى الأمواج فهذه الأخيرة تحدثها الرياح".
" وهناك عدة عوامل تتدخل لتجعل حركة المد والجزر أكثر تعقيدا مما يظن. فتأثير الشمس والقمر في تغير مستمر تبعا لتباين أوجه القمر، ولاختلاف بعد القمر والشمس عن الأرض، كذلك لتفاوت موقع كل منهما إلي الشمال أو الجنوب من الدائرة الاستوائية. ويتباين مدى ارتفاع المد تباينا كبيرا في مختلف جهات بحار العالم، فقد يعلو ويرتفع في جهة ما إلي حد كبير بينما يضمحل ولا يكاد يحس به أحد في بقعة أخري قد لا تبعد عن الأولى كثيرا".
إن المد والجزر لا علاقة لهما بالقمر ولا بالشمس ولا بغيرهما وواضح ذلك مما أورده الدكتور في فقرته الأخيرة ذلك. هذا فضلا عن أننا أبطلنا قانون الجاذبية من أساسه وأثبتنا أن الأجرام السماوية لا تتحرك بالجاذبية ولا يوجد أصلا شيء اسمه الجاذبية.
ولكن هل يوجد فعلا مد وجزر في البحار والمحيطات؟
نعم يوجد. إذن فما الذي يحدث المد والجزر؟ الذي يحدث المد والجزر: هو البحر ذاته. ودليلنا أيضا معتمد على الوحي وهذا أمر طبيعي لأنني من المؤمنين بالغيب.
فقوله تعالى وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ (الطور:6) يفيد أنه محبوس، وممنوع، ومكفوف أي لو انفلت من محبسه لأغرق اليابس كله لكروية الأرض.
وكذلك ما ورد بالكتاب المقدس يؤيد ذلك، ويفصله كذلك.
بل واضح من آيات الكتاب المقدس خطاب الله للبحر وهو يحد له مكانا هو منتهى مده، وأقصي ارتفاعه لا ينبغي أن يتعداه:" وقلت له: إلى هنا تأتى ولا تتعدى. وهنا تتخم كبرياء لججك". فما رأيكم أيها المؤمنون بالقرآن والإنجيل والتوراة.
كما ورد إلينا حديث رسول الله  رواه عنه عمر بن الخطاب وذكره الأمام أحمد في مسنده" ليس من ليلة إلا والبحر يشرف فيها ثلاث مرات يستأذن الله أن ينفضح عليهم فيكفه الله عز وجل".
ضغط الهواء سبب الوزن
فإن كان الهواء هو الذي يحبس ما في الأرض من الانفلات، وهو أيضا الذي يرفع أطنانا من الماء إلى السماء، وهو كذلك الذي يحمل جبالا من الثلج في السماء.
فالهواء أيضا هو السبب في أن يكون للأشياء وزن على الأرض، وذلك بحسب كتلتها وأيضا بحسب وجودها في الارتفاع المناسب من الغلاف الجوى، ومنطقة الضغط المرتفع على الأرض هي تلك الطبقة اللصيقة بالأرض.
أما أعلى من ذلك أي بعد 7 كم تقريبا فإننا نكون في منطقة ضغط منخفض بل إننا نكون في منطقة الريح الحامل لذلك نرى بعض الرياضيين ينزلون من طائرات ويسبحون في الهواء الذي يحملهم. يحدث ذلك ولا تجذبهم الأرض بجاذبيتها. في هذه المنطقة يخف الوزن بل يتلاشى لأنها منطقة (ريح حامل) وهي إحدى تصريفات الرياح، أما لو نزلوا إلى أسفل قليلا فإنهم سيهوون ساقطين إلى الأرض وبسرعة الريح، لذلك يدركون أنفسهم بفتح مظلاتهم إذا ما وصلوا إلى هذه الطبقة من الغلاف الجوي. يقول تعالى وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنْ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ (الحج:31).
وإذا خرجنا من الغلاف الجوى فإننا أيضا نفقد الوزن، ونسبح في الفضاء ولكن ليس هنا لأن الريح تحملنا، فليس هنا ريح بل لأننا نفتقد هنا في الفضاء الريح بكل أنواعه. وفي كتاب الله تعالى آية واضحة تدل على أن الوزن في الأرض بسبب الريح وليس الجاذبية.
يقول تعالى وَمِنْ آيَاتِهِ الْجَوَارِ فِي الْبَحْرِ كَالأعْلام ِ(32) إِنْ يَشَأْ يُسْكِن الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُور ٍ(33) (الشورى) والجوار: السفن الجارية في البحر كالأعلام: كالجبال. وقوله تعالى فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ أي يقفن ثوابت طافيات على ظهر البحر.
لقد تغيرت أمور كثيرة، وعظيمة بمجرد إسكان الريح. لقد أصبحت الآية 33 على النقيض من الآية 32 لمجرد أن سكن الريح فتتحول الْجَوَار أي السفن الجارية إلى رَوَاكِدَ: أي ثابتة طافية. ويتحول اسم البحر إلى اسم آخر فهو في الآية 32 فِي الْبَحْرِ وفي الآية 33 عَلَى ظَهْرِهِ لقد تم هذا الانقلاب والتحول بسكن الريح يقول تعالى في سورة فاطر 12 وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ فالسفن تمخر الماء أي تشقه فهي في البحر.
أما عند إسكان الريح فإنها رواكد وليس في البحر وإنما على ظهره. وقد قلنا أن قوله تعالى (في الأرض) أو (في البحر) إنما يعنى أن الأرض لا تسمى أرضا إلا باليابس والماء والهواء فعندما فقد الهواء لم تعد أرضا ولا بحرا بل مجرد ظهر.
ويؤكد ذلك قوله تعالى في آخر سورة فاطر أيضا: وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا .
تأتى كلمة (الظهر) مرة أخرى هنا في الحديث عن الأرض ولكنها لا تسمى أرضا ولكن ظهراً تماما كما تحول البحر بسكن الريح إلى ظهر. ولكن فرق بين هذه الآية والآية الأخرى التي تتحدث عن البحر. ففي آية البحر سكن الريح فتحولت السفن إلى رواكد وتحول البحر إلى ظهر. أما في آية الأرض فالله تعالى لا يخبر أن ما على ظهرها سيركد إنما سيزال بالكلية. فلو أزيل الغلاف الجوى فلن يبقى على ظهرها دابة ستتبدد كلها في الفضاء. وسيتبدد الماء الذي يحبسه الغلاف الجوى وسيأخذ معه دواب البحر من أسماك وغيرها.
إذن فبمجرد إزالة الغلاف الجوى ورفعه عن الأرض سيحدث أمران غاية في الأهمية:
الأمر الأول: لن يبقى على ظهر الأرض شيء.
الأمر الثاني: لن تبقى الأرض أرضا. فتصبح مجرد ظهر عَلَى ظَهْرِهَا وتتحول من (في الأرض) إلى عَلَى ظَهْرِهَا. إن هذه الآية هـي الآية الوحيدة التي تذكر الأرض بلفظ (الظهر) وتذكر معها عَلَى وليس (في).
والآية السابقة (33 الشورى) هي الوحيدة التي ذكرت البحر بلفظ عَلَى وليس )في) ولفظ" الظهر" وليس )البحر). وهذه لسكن الريح والأولى لإزالته. وسنعود لهذه الآية مرة أخرى لنؤكد هذا المعنى وذلك بعد ذكر البر والبحر.
في البر والبحر
ونحن عندما نقول بأننا نتواجد في البر والبحر ونسير بوجود الريح ويكون لنا وزن بالريح، إنما نقصد من ذلك أن عمل الريح هو أسلوب الله في العمل أو أسلوبه تعالى في الحفظ. وليس ذلك لأن الريح هي السبب والمسبب. لكن الحقيقة أن الله تعالى هو المسبب وهو الممكن وهو المسير. وقد اجتمع ذكر البر والبحر في (7) آيات في كل القرآن تؤكد أن الفاعل الحقيقي لكل شى يحدث في البر والبحر، إنما هو الله تعالى:
(1) وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ (الإسراء:70)
(2) هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ
طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ (يونس:22)
(3) أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ (النمل:63)
(4) قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً (الإنعام:63)
(5) جَعَلَ لَكُمْ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ (الإنعام:97)
(6) وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (الإنعام:59)
(7) ظَهَرَالْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ (الروم:41).
فهـذه الآيات السبع، وهي فقط التي اجتمع فيها البر والبحر - وقد علمنا قبل ذلك أن البر (7) قارات وأن البحر 7 أبحر، غير البحر العظيم الذي هو المحيط الهادي - ذكر كلاهما مع الحرف (في) ما عدا الآية 63 من الأنعام ذكر الحرف (من) وذلك لأن الله تعالى يمتن فيها على عباده بأنه وحده الذي ينجيهم من الظلمات (ظلمات البر والبحر). ومن الآيات السبع نجد ثلاث آيات منهن في سورة واحدة هي سورة (الأنعام) وذلك لأن الأنعام هي أيضا من وسائل الحمل والسير في البر.
يقول تعالى وَالأنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (5) وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُون َ(6) وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلا بِشِقِّ الأنفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (7) وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لا تَعْلَمُونَ (Cool (النحل).
ومن الآيات نعلم أن الله تعالى هو الذي: يحملنا في البر والبحر، وهو الذي يسيرنا في البر والبحر، وهو الذي ينجينا في البر والبحر، وهو الذي يهدينا في البر والبحر، وهو تعالى يعلم ما في البر والبحر.
أما نحن فمن الآيات نعلم أنه ليس لنا من الأمر شيء إلا الفساد. والإفساد في البر والبحر. أما عن الجاذبية فليس لها وجود البتة.
ونلاحظ أن الآيات لم يذكر فيها مع البر والبحر" الجو" ولا يعنى ذلك أن الجو خارج من نطاق عمل الله بالحمل والتسيير والهداية والنجاة والعلم. ولا أن الإنسان لم يفسد فيه كما أفسد البر والبحر، ولكن ذلك يعنى أن الجو هو الرابط للبر والبحر وأنه متضمنهما وذلك لأن الله تعالى قال (في) ولم يقل على فقال (في البر والبحر) ففي هنا تعنى أننا عندما نسير على اليابس فنكون في البر لأن تحتنا اليابس وفوقنا الغلاف الجوى، وعندما نسير في البحر فنكون أيضا فيه أي بين الماء والهواء. ولو سكن الريح في البحر يصبح (على ظهره) ولو أزيل من البر لأصبح (على ظهرها).
فأين الجاذبية؟
أين الجاذبية أيها المخاطبون بالقرآن؟ ائتوني بآية أو حديث عن الجاذبية وأنا أتبعكم.
الوزن على القمر
لم يقل تعالى أنه هو الذي يسيرنا على القمر ولا في الفضاء. وهذا يعنى أمرين:
الأول: لا سير على القمر ولا وزن في الفضاء.
الثاني: غير مسموح لنا بمحاولة السير في غير الأرض.
وقد يعترض البعض قائلين: كيف يمنع البحث العلمي وغزو الفضاء والصعود على القمر ولماذا نترك غيرنا من الغربيين يفعل ذلك وحده.
فنقول أننا لم نترك غيرنا ليفعل ذلك وحده، فليس لنا المقدرة على المنع والترك وإنما نحن عاجزون الآن عن أن نفعل مثلهم ولو قدرنا فلن نبحث أبـداً في الحرام والحلال، في المباح والمحظور: فلم يعد البحث العلمي تمنعه هذه المصطلحات الشرعية ولا تعنيه. كذلك لا يعتبر هذا بحثا علميا، بل إن من أقل المؤسسات إفادة للبشرية هي المؤسسات الفضائية، على رغم أنها الأكثر على الإطلاق في نفقاتها، حتى إن ميزانيتها لا تعدلها ميزانية ترصد لمؤسسة من المؤسسات اللهم إلا أن تكون وزارات الدفاع. ثم إن البحث والسير والحمل والهداية والنجاة تقتصر على الأرض برها وبحرها وجوها والغلاف الجوى يعتبر من الأرض وتسرى عليه الأمور السابقة أما خارج الغلاف فلا سير ولا حمل ولا هداية ولا نجاة.. ولكن شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ وَنُحَاسٌ فَلا تَنتَصِرَانِ (الرحمن:35) ولكن شهب ورجز وحجارة ورياح شمسية ومخاطر لا حصر لها ولا عد.
وقد وردت أحاديث صحيحة عن رسول الله  رواها البخاري في تاريخه، ومالك في موطأه وغيرهما، أحاديث تمنع ركوب البحر إن بدت مخاطره، فقد روى البخاري عن زهير بن عبد الله يرفعه" من ركب البحر إذا ارتج فقد برئت منه الذمة" وفي رواية" فلا يلومن إلا نفسه".
وذكر مالك أن عمر كان يمنع الناس من ركوب البحر حتى كان عثمان فما زال معاوية يستأذنه حتى إذن له.
فإن كان هذا في البحر الذي فيه الحمل والتسيير والهداية والنجاة فما بالنا بالفضاء والقمر وغيرهما من الكواكب وقد علمنا مخاطرها، وإنما فقط السباحة في الفضاء والعودة إن عادوا وهذا لأنه عرف عن أهل الغرب أنهم يقحمون أنفسهم في المخاطر من أجل الدنيا ومن أجل الذكر وهم لا يؤمنون بقوله تعالى وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ (البقرة:195).
وعموما فإذا كانوا هم لم يستفيدوا من رحلاتهم إلى القمر وسيرهم عليه وصعودهم إلى الفضاء وسباحتهم فيه، فإننا قد استفدنا عندما رأينا آيات الله تعالى تتحقق وما كنا نقرأه قراءة، أصبح أمامنا واقعا. كيف ضلوا في الفضاء حيث منع الله الهداية فيه، كيف هلكت أنفس وقد منع الله النجاة فيه، كيف أنهم كانوا يسبحون سباحة حيث منع الله السير فيه، وكيف أنهم كانوا معلقين في الفضاء رؤوسهم وأرجلهم سواء. لا اتجاهات ولا وزان ولا حمل حيث منع الله الحمل فيه وإنما كان السير والهداية والنجاة والحمل في البر والبحر فقط. ورأينا بأعيننا كيف كان القمر مجرد ظهر تماما كما قال تعالى: إِنْ يَشَأْ يُسْكِنْ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهإننا لم نتحقق من هذه الآية مثلما شاهدنا بأعيننا رجال الفضاء وهم يسيرون (على سطح القمر) وليس في القمر كما كانوا (في الأرض).
وكيف أنهم تماما كما قال ربنا رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ لولا أنهم استعانوا ببعض هواء الأرض الذي كانوا يحتفظون به في ملابسهم المصنوعة خصيصا لمحاولة السير على ظهره، والذي لولاه لما خطوا خطوة واحدة على ظهره.
فرغم هذا الهواء الذي حملوا قدرا منه ولولا ما يحملونه على ظهورهم من أنابيب الأكسجين، وحللهم المكونة من 15 طبقة وأحذيتهم التي ثقلت بالمثاقيل. رغم كل ذلك لم تستقر أقدمهم على ظهره. وكانوا يسبحون عليه سباحة ولم يتحملوا الاستقرار على ظهره أكثر من دقائق معدودة.
رغم طول الرحلة وتكاليفها الباهظة، فإنهم أرونا آية بليغة، كيف أنهم لم يُمكنوا من القمر كما مكنوا من الأرض كما قال تعالى وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الأرْضِ كما أثبت لنا أهل الفضاء أنه لا شيء اسمه الجاذبية، وإنما التمكين في الأرض فلم يمكنوا من القمر ولم يسيروا عليه بسهوله ويسر لأنهم لم يجدوا على القمر ريح أي هواء. وبالتالي لم يتحركوا اللحظات التي تحركوها إلا بالهواء الذي جلبوه معهم من الأرض.
ورغم عدم صعودنا على القمر إلا إننا على ثقة أن القمر ليس فيه أي جاذبية وما قالوه أن به مقدار 6/1 جاذبية الأرض فليس له أساس من الصحة. إنما هذا السدس الذي وجدوه - إن كان ذلك صحيحا - فقد كان بتأثير هواء الأرض الذي استعانوا به في ملابسهم وأنابيب تنفسهم. أما الحقيقة فإن القمر ليس فيه ولا له أي جاذبية وإنما قدر ضئيل جدا من الضغط من فوقه بحيث يسمح ببقاء ذرات التراب علي سطحه.
وحتى لو سلمنا بهذا القدر الذي قالوا به أن الوزن فوق القمر 6/1 الوزن على الأرض فإن هذا القدر أيضا يبطل قانونهم الذي كان ينبغي بناء عليه أن يكون للقمر 4/1 جاذبية الأرض وهو ليس كذلك. ولا ينبغي أن يكون للقمر أي جاذبية ليظل متحرراً دائرا في فلكه حيث سخره الله تعالى لذلك.
ونحن لا يمكن أن نعتمد على أي معلومة أتى بها من صعد إلى القمر، فإنهم لم يتمكنوا منه ليعلموا وإنما كل ما فعلوه أنهم صوروا الجزء المحيط بهم الذي نزلوا فيه من أرض القمر.
وقد تعددت رحلات المركبات الفضائية إلى القمر إلى حوالي ست رحلات ولم يضف من صعدوا إليه لنا أي جديد.
ونحن من هنا على الأرض نخبرهم أن القمر ليس عليه أي جبال ولا أي براكين ولا مياه ولا هواء ولا بحار ولا وديان ولا شيء من ذلك لأن ذلك من مكونات الأرض والقمر غير الأرض ولا يحقر أحدكم شأننا فراعى الغنم فينا أعظم علما مـن كل رجال الفضاء. فهذا رجل بسيط راعى غنم، ساكن الخيم، حافي القدم.. ولكنه عالم. عندما سئل عـن وجود الله قال:" وي أغائب ليستدل عليه. إن البعر يدل على البعير. وإن الأثر يدل على المسير. وأرض ذات فجاج وبحار ذات أمواج وسماء ذات أبراج ألا يدل كل ذلك على وجود اللطيف الخبير".
أما جاجارين أول رائد فضاء والذي كرمه العالم أجمع عندما عاد من رحلته التي كانت أول خطوة للإنسان خارج الأرض قال للعالم أجمع". لقد كنت أشعر في سفينة الفضاء وكأنني في بيتي. وبحثت عن الله فلم أجده" فهذا الرائد: جاهل والأعرابي أعلم منه.
والقمر ليس وحده الخالي من الغلاف الجوي وإنما كل الكواكب كذلك خالية تماما من الهواء، ومن الماء، ومن أي مظهر من مظاهر الأرض، فلا جبال ولا براكين ولا وديان ولا انهار ولا بحار. فالكواكب ليست للسكني. وإنما هي مصابيح في السماء. هل يسكن أحد في مصباح؟
ثم هذه تجربة عملية نسوقها استدلالا علي أن الوزن وعدمه مرتبط بوجود الهواء وعدمه، ولا علاقة بين ما يسمونه الجاذبية. ودليلنا هذا نقدمه لأولئك الذين لا يؤمنون إلا بالمعمل والتجربة ولا علاقة لهم بالوحي.هذه التجربة تثبت أن الأوزان تنعدم عند انعدام الهواء.
يقولون: أن الكتلة هي مقدار ما يحتويه الجسم من مادة. والجسم الأكبر يحتوي على مادة أكبر من تلك التي يحتويها الجسم الأصغر، وأنه كلما زادت كتلة الجسم زادت قوة جذب الأرض له مما يؤدى إلى زيادة سرعة سقوطه ومن ثم فإن الجسم الثقيل يسقط فعلا قبل الجسم الخفيف ماداما قد سقطا معا من نفس الارتفاع.
وهذا كلام لا غبار عليه، ولكننا لكي نتأكد تماما وبصورة تجريبية مادية لا علاقة لها بالقرآن ولا الإيمان، فلو أتينا بقطعة نقود معدنية وريشة طائر ووضعناهما في أنبوبة طويلة مخلخلة من الهواء (مفرغة من الهواء) فعندما تضع الأنبوبة في وضع رأسي نجد أن قطعة النقود وريشة الطائر يصلان معا في نفس اللحظة إلى الطرف السفلي للأنبوبة إي أنهما يسقطان سقوطا حرا بنفس العجلة المنتظمة.
فمن المتسبب للوصول إلى هذه النتيجة؟ الهواء. أم الجاذبية؟
إن الأنبوبة موجودة على الأرض ولم يتخلف في التجربة إلا الهواء. فالهواء إذن هو الذي يعطى الأشياء أوزانها المختلفة حسب كتلتها وحسب الضغط الهوائي الواقع عليها.



أدخل عنوان بريدك الإلكتروني هنا يصــــلك كل جديــــد





بلغ الادارة عن محتوى مخالف من هنا ابلغون على الروابط التي لا تعمل من هنا



توقيع : manel


التوقيع



قصة الخلق من العرش إلى الفرش  story of Creation By Eid Wardany Emptyالجمعة 25 يناير - 22:55
المشاركة رقم: #
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
عضو الجوهرة
الرتبه:
عضو الجوهرة
الصورة الرمزية


البيانات
عدد المساهمات : 17945
تاريخ التسجيل : 17/10/2012
رابطة موقعك : ورقلة
التوقيت

الإتصالات
الحالة:
وسائل الإتصال:


مُساهمةموضوع: رد: قصة الخلق من العرش إلى الفرش story of Creation By Eid Wardany



قصة الخلق من العرش إلى الفرش story of Creation By Eid Wardany

أ: أنبوبة بها هواء، تسقط فيها العملة قبل الريشة.
ب: أنبوبة مفرغة الهواء، تسقط الريشة والعملة معا.
من المعلوم أيضا أن ضغط الهواء هو الذي يعطى للسوائل شكلها الانسيابي والذي يتحدد بشكل الإناء الذي توضع فيه. ولو سكبنا ماء في غرفة مفرغة الهواء سنجد الماء يأخذ أشكالا كروية ولا يتساقط على الأرض (هذا إذا نجحنا في سكبه).
كما أننا نستعين بضغط الهواء كل لحظة نشرب فيها وإن كنا لا ندرى، فإننا عندما نشرب نقرب الكوب أو الملعقة المحتوية على السائل من الفم ثم نرتشف السائل منها، والواقع أن ارتشاف السائل بهذه الطريقة البسيطة التي اعتدنا عليها يحتاج إلى أن نوسع القفص الصدري وبذلك تخلخل الهواء الموجود في الفم، وتحت تأثير الضغط الجوى يندفع السائل إلى الفراغ الذي يكون فيه الضغط أقل وبذلك يدخل إلى الفم.
وهنا يحدث للسائل نفس الشيء الذي يحدث له في الأواني المستطرقة إذا خلخلنا الهواء فوق أحد الأواني المذكورة لأن السائل سيرتفع في هذا الإناء تحت تأثير الضغط الجوى. وعلى العكس من ذلك. لو وضعنا عنق الزجاجة في فمنا وأردنا أن نرتشف منها الماء لما استطعنا القيام بذلك مهما بذلنا من جهد، وذلك لأن الهواء في داخل الفم يساوى ضغط الهواء الموجود في الزجاجة فوق الماء.
كذلك يستفيد الجسم من داخله بضغط الهواء. ففي بعض مفاصل الهيكل العظمى للجسم يوجد فراغ بين المفاصل وبعضها. والمفصل الحاقفي للإنسان أشبه في تركيبه بنصفي الكرة التي قام الخيل بفصلهما عن بعضهما البعض في التجربة التي ذكرناها سابقا، حيث لا وجود للهواء في الفراغ الموجود بين المفاصل مما يحافظ هذا على تماسك الجسم تماما كتماسك نصفي الكرة بعد التفريغ. فهكذا يعمل الضغط الجوى على تلاحم عظام حوض الإنسان ويمنعها من الانفصال عن بعضها.
قدر ضغط الغلاف الجوى
يضغط الغلاف الجوى على كل الأرض وكل شيء فيها وعلى أجسامنا بضغط مقداره 14.6 رطلا على البوصة المربعة من الجسم. ومن الأرض. والأكسجين الذي نتنفسه جزء من الريح وهو جزء من هذا الضغط، وهو بمعدل نحو 3 أرطال على البوصة المربعة من الأرض أو ما عليها.
ظهر الأرض
وردت كلمة الظهر في القرآن أكثر من مرة، بأكثر من معنى:
* جاءت بمعنى الظهور والبيان بعد الخفاء والغمــوض فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ
اللَّهُ عَلَيْهِ (التحريم:3) ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ.
* وجاءت بمعنى المساندة والمساعدة قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا
لِلْمُجْرِمِينَ (القصص:17).
* وجاءت بمعنى الجزء من الجسم المقابل للبطن فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ
وَظُهُورُهُمْ (التوبة:35) لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ (الزخرف:13).
* وجـاءت بمعنى وقت الظهيرة الذي هو منتصف النهار وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنْ الظَّهِيرَةِ (النور:58) وعلى هذه المعاني تدور كلمة (الظهر) في القرآن، ولكنها تنتهي جميعا إلى معنى واحد هو: الظهور والعلو.
ووقت الظهيرة بالنسبة للشمس عندما تكون فوق الأرض أي تعتلى ظهر الأرض بمعناها الذي ذكرناه (يابس، ماء، هواء) فلا يكون الوقت ظهيرة بالنسبة لي إلا إذا كانت الشمس في أعلى نقطة في مدارها، أي أعلى ارتفاع لها، فعند ذلك لا يكون بيني وبين الشمس العمودية على رأسي أي درجات قوسية، أي تكون الشمس عند نقطة الصفر، بحيث يمتد خط مستقيم من الشمس إلى رأسي إلى مركز الأرض. ويتلاشى ظلي تماما. عندها نسمى هذا الوقت" وقت الظهر أو وقت الظهيرة" ذلك لأن الشمس تكون على ظهر الأرض - بالنسبة لي - أما عندما تكون الشمس في الأفق الشرقي أو الغربي فهي تكون بعيدة عنى 90 درجة قوسية، وهذا يعنى أن بيني وبين الشمس 90 درجة من الغلاف الجوى، ذلك الذي يكسر حدة الشمس لأن الغلاف مشبع ببخار الماء، وتبدو الشمس لي أكبر من حجمها، ويتغير لونها إلى اللون البرتقالي بينما وهي فوق رأسي كانت عند نقطة الصفر أي لا يحول بيني وبينها غلاف جوى فتبدو لي بيضاء أو صفراء وأصغر من حجمها ولن أستطيع النظر إليها لأن الغلاف الجوى (صفر) ولا يكسر من حدتها.
والشمس بهذه الصفة وبهذا الوضع هي التي يراها الذين يخرجون من الأرض إلى الفضاء، فهي ترى أشد ما تكون إضاءة وإشعاعها سواء نظرنا إليها من الفضاء أو من فوق سطح القمر أو من أي مكان في السماء مع فرق بسيط بين رؤيتي لها ظهرا على الأرض ورؤيتي لها في الفضاء هو أنني أراها في الفضاء بهذا الشكل ولكن على صفحة سوداء تماما من السماء وذلك في أي وقت من الأوقات.
لننزل إلى الأرض ولنر الشمس فيها، وكيف تكون الشمس ظهيرة أي على ظهر الأرض، يعنى فوق اليابس والماء والهواء، رغم أنها دائما تدور حول الأرض وأنها في كل وقت فوق الأرض وفوق غلافها الجوى.
*****














هنا صورة















نقول إن الأمر كذلك فالشمس في كل ثانية من الزمان تكون فوق الأرض ظهيرة ولكننا متى تكون ظهيرة بالنسبة لنا. فالشمس بالنسبة لكل واحد منا تكون ظهيرة لوقت ما أي عندما تكون فوق الرأس تماما، عمودية عليها بحيث تكون صفرا في موقعها فوقى، فإذا كانت عند الغروب كان بيني وبينها 90 درجة فإن كانت في منتصف الليل - بالنسبة لي أيضا - فيكون بيني وبينها 180 درجة، فإن بدأت في الشروق كان بيني وبينها 270 درجة وهذا إذا قسنا من ناحية الغروب، أما من ناحية الشروق ذاتها فيكون بيني وبينها 90 درجة فإذا ما ارتفعت مرة أخرى فوق رأسي فتكون فوقى 360 درجة هذا إذا حسبت لها من الأمس. أما إن بدأت الحساب من اليوم فأنها تكون في نفس الثانية من الوقت عند درجة الصفر. وهكذا.
ولكن ينبغي أن نعلم أن الشمس لا تكون ظهيرة - بهذا المعنى - إلا لسكان ما بين المدارين. فإن هؤلاء تأتى عليهم خلال العام هذه اللحظة وذلك الوقت الذي يكون الراصد والشمس ومركز الأرض على خط مستقيم. أي أننا لو مددنا خطا من الشمس إلى مركز الأرض فإن شعـاع الشمس سينزل على أم رأس الراصد ليمر من بين قدميه إلى مركز الأرض. ويحدث هذا الأمر لسكان ما بين المدارين وقتين من السنة مرة أثناء ذهاب الشمس إلى أحد المدارين ومرة عند عودتها منه.
ومن ثم فإن الشمس لا تتعامد فوق رأسي أبدا لأنني في الإسكندرية. ولكنها تتعامد على سكان مدينة أسوان التي هي جنوب الإسكندرية بحوالي 1000 كم والتي يمر فوقها مدار السرطان وبين الإسكندرية وأسوان 7 درجات قوسية.
هذا من الناحية الحسابية الرياضة والهندسية والفلكية. أما من الناحية العلمية والواقعية والوقتية فلكل منا (ظهيرة) أيضا حتى لو كنا عند نقطة القطب ويكون الأمر كذلك عندما تكون الشمس في أعلى نقطة من القوس من فوقى بالنسبة لمدارها.
لذلك نقول بأن مدار الشمس دائري تماما وليس كما يقولون إنه بيضي أو إهليليجي بل دائري كامل الاستدارة. وبعدها عن الأرض واحد من كل مكان فيها فهي كرة كاملة الاستدارة، ليست بيضاوية ولا مشطوفة القطبين ولا كمثرية ولكنها مثل الكرة.
فعندما تكون الشمس فوق رأسي وأنا في الإسكندرية، أي في كبد السماء لا أستطيع النظر إليها ولا حتى من خلال" نظارة شمسية" فإن ساكن شنغهاي في الصين يستمتع بشكلها البرتقالي، وهو ينظر إليها وهي تغرب، بينما هي فوق رأسي تماما (أي في كبد السماء لا عمودية لأنها لا تتعامد على سكان الإسكندرية) وفي نفس الوقت أيضا يستمتع بشكلها البرتقالي ساكن جزيرة برمودة، وينتظر شروقها ساكن نيويورك بأمريكا. ولا أراها غاربة إلا عندما تكون ظهيرة على جزيرة برمودة ولا أراها مشرقة إلا إذا كانت فوق شنغهاي أي عليهم ظهيرة.
فهكذا، الشمس تكون في مكان واحد وعلى بعد واحد لكن تكون بالنسبة لسكان الأرض مختلفة الوقت والشكل والحجم لاختلاف درجات الغلاف الجوى الذي بيننا وبين الشمس.
ومهما كانت الشمس يمينا أو شمالا منا فبيننا وبينها دائما درجات من الغلاف الجوى، أو بخار الماء الذي يغير من شكلها وحجمها.
وللتأكد من ذلك الأمر ننظر في كوب ماء به عملة نقدية، فإذا نظرنا في الكوب من فوق أي عموديا عليه نرى قطعة النقود صغيرة وإذا نظرنا من الجنب أي أفقيا نراها كبيرة.
كذلك الأمر بالنسبة للشمس. فنراها كبيرة عند الأفقين لكثافة الغلاف الجوى المشبع ببخار الماء والذي يكون بيننا وبينها وكلما زاد تشبع الهواء ببخار الماء كلما كان قرص الشمس أكبر وكان لونها أجمل وأوضح.
فالهواء (الغلاف الجوي) إذن هو الذي يغير من حجم وشكل الشمس والقمر والنجوم والكواكب خلال دورتهم حول الأرض.
وهناك أمور كثيرة لم يفهمها أهل الفلك قديما وحديثا لذلك اخترعوا ما سموه بفلك التدوير. أي أن الأرض عندما تدور حول الشمس لا تكون الشمس هي المركز بل هناك مركز آخر للأرض تدور حوله ثم تدور هي ومركز فلكها حول الشمس كذلك لا تقع الشمس في نقطة المركز سواء بالنسبة للأرض أو بالنسبة لفلك تدويرها وإنما هي إحدى بؤرتين تدور حولهما الشمس.
مثل هذا التخبط والتخريف يقول به الفلكيون الآن وهذا الأمر بالنسبة للأرض وبالنسبة لجميع الكواكب. والذي دعاهم لهذا التحريف والتخريف أن الأمور لم تنضبط معهم عندما جعلوا الأرض تدور حول نفسها وحول الشمس، فاخترعوا نظريات البؤر وفلك التدوير وما شابه ذلك. تماماً كما اخترعوا" المادة المظلمة" و" القوة الغامضــة" و" الكون المنكمش" و" الكون المنحنى"... الخ.. وذلك كلما بدا لهم كذب قولهم اخترعوا (أي كلام).
كذلك لو فهم هؤلاء أن الأرض لا تعتبر أرضا ولا تسمى أرضا إلا بغلافها الجوى وأن هذا الغلاف يؤثر في شكل وحجم الأجرام السماوية بالنسبة للمشاهد من الأرض لغيروا كثيرا من نظرياتهم عن هذه الأجرام وحركاتها.
وفي الشكل السابق الشمس وهي ظهيرة على الراصد الواقف في الإسكندرية وهي في الغروب تكون فوق جزيرة برمودة بالمحيط الأطلنطي، ثم وهي في الشروق تكون فوق شنغهاي في الصين.
سيتغير شكل الشمس لو كان الراصد في شنغهاي أو في برمودة فكلاهما سيرى قرص الشمس المتوهج فوق الإسكندرية برتقالي اللون دون أي شعاع، مشرقا على برمودة مغربا على شنغهاي بينما هي ظهيرة على الإسكندرية.
من كل ما سبق نجد أن ظهر الأرض هو فوق غلافها الجوى. أما على سطح اليابس أو سطح الماء فلا يعتبر على الأرض وإنما فيها لذلك يقول الله تعالى فِي الأرْضِ ويقول فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ أمـا لـو انتفت خصيصة الغلاف الجـوى فستتغير صفة واسم الأرض إلى الظهر وتتحول فِي إلى (على).
ولعل أقرب مثل في القرآن لهذا الأمر هو أمر الزوجة. إذ أن من أهم خصائص الزوجة هي أن تكون سكنا لزوجها وأن تكون ولوده. لـذلك اعتبر رسول الله  أفضل النساء: الودود، الولود. والودود هي التي يسكن إليها زوجها. قال تعالى وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً (الروم:21).
فالمرأة بذلك ثلاثة عناصر كالأرض فيابسها جسدها وماءها إنجابها وهوائها سكنها ولو تخلف عنصر من هذه العناصر لا تصبح زوجة بل مجرد امرأة تماما كما تتحول الأرض إلى مجرد ظهر.
وواضح هذا في القرآن عندما يذكر الزوجة بهذه الصفة (زوج) وأحيانا يذكرها بمجرد (امرأة) رغم أنها متزوجة.
فيقول تعالى عن الزوجة: وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ (البقرة:35) يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتعالينَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلا (الأحزاب:28).
ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ (الزخرف:70).
وأما عن الزوجة إذا انتفت منها خصيصة من خصائصها فيقول الله تعالى: ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنْ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ (10) وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا لِلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنْ الْقَوْمِ الظَّالِمِين َ(11) (التحريم).
فهؤلاء ثلاثة أزواج ومع ذلك فلم يعدهم الله أزواجا لانتفاء خصيصة أو أكثر من خصائص الزوج لزوجه. فامرأة نوح وامرأة لوط كانتا كافرتين خائنتين فلم تكونا سكن لزوجيهما. فتحولت من زوجة إلى مجرد اِمْرَأَةَ .
وامرأة فرعون كانت هي مؤمنة وزوجها كافر فلم تعد تصلح لأن تكون سكن له لاختلاف الدين والعقيدة فلم تعد لفرعون زوجة بل مجرد امرأة له. أي هي في عصمته مجرد امرأة لا زوجة وكذلك كان الأمر في امرأة نوح وامرأة لوط.
وعند فقد خصيصة الإنجاب يقول تعالى وَكَانَتْ امْرَأَتِي عَاقِرًا (مريم:5) فهذا عن زوجة زكريا العاقر. أما عن زوجة إبراهيم التي كانت كذلك فيقول تعالى فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ (الذاريات:29).
كذلك كانت زوجة عزيز مصر في زمن يوسف عليه السلام وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (يوسف:30).
أما في حالة فقد الزوج فيقول تعالى: إِذ قَالَتْ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا (آل عمران:35). وقد كانت مؤمنة مع مؤمن، وكانت ولودا ولكن فقدت الزوج فلم تعد زوجة. وكذلك الأمر، سواء بسواء.
على الأرض



أدخل عنوان بريدك الإلكتروني هنا يصــــلك كل جديــــد





بلغ الادارة عن محتوى مخالف من هنا ابلغون على الروابط التي لا تعمل من هنا



توقيع : manel


التوقيع



قصة الخلق من العرش إلى الفرش  story of Creation By Eid Wardany Emptyالجمعة 25 يناير - 22:56
المشاركة رقم: #
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
عضو الجوهرة
الرتبه:
عضو الجوهرة
الصورة الرمزية


البيانات
عدد المساهمات : 17945
تاريخ التسجيل : 17/10/2012
رابطة موقعك : ورقلة
التوقيت

الإتصالات
الحالة:
وسائل الإتصال:


مُساهمةموضوع: رد: قصة الخلق من العرش إلى الفرش story of Creation By Eid Wardany



قصة الخلق من العرش إلى الفرش story of Creation By Eid Wardany

آيات القرآن تبلغ حوالي 6225 آية. ذكرت الأرض فيها 460 مرة وذكـر في الأرْضِ220 مرة. فأي حـدث أو فعل أو حركـة فيكون في الأرْضِ.
غير أن القرآن ورد فيه عَلَى الأرْضِ 3 مرات فقط في كل القرآن.
فهل يعنى ذلك أن الغلاف الجوى أزيل في هذه المرات الثلاث؟
لا... ليس الأمر كذلك وإلا لقال تعالى (على ظهرها) أما وقد ذكر لفظ الأرض فلا تكون كذلك إلا بغلافها الهوائي (الريح). إذا يبقى أن يكون معنى عَلَى الأرْضِ فوق غلافها وهذا صحيح.
ولكي نتأكد من ذلك، نتأمل الآيات التي ذكر فيها عَلَى الأرْضِ سنجد آية تتحدث عن أسوأ خلق الله. والثانية عن أفضل خلق الله. والثالثة تتحدث عن أجمل خلق الله.
(1) يقول الله تعـالى عن الصنف الأول وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الأرْضِ مِنْ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا.
(2) وعن الصنف الثاني يقول وَعِبَادُ الرَّحْمَن الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمْ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا (الفرقان:63).
(3) وعن الثالث يقول إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلا(الكهف:7).
ولنتناول هذه الآيات آية آية:
قوم نوح
كانت أمة نوح عليه السلام أول أمة تكفر بالله. وقد بينت أحاديث الرسول  أن بين آدم ونوح عشر قرون كانت كلها على الإسلام ولم تستغرق دعوة رسول من الوقت ما استغرقته دعوة نوح عليه السلام لأمته ولم يلق رسول أذى من قومه كما لقي نوح من أمته، وكانت عاقبة ذلك أنهم كانوا أول أمة تعاقب من الله تعالى. فكان جزاؤهم أن أبيدوا جميعا من الأرض. وعلى رغم أن أمة نوح كانت أول فئة من البشر يكفرون بالله. ولم يسبقهم إلى الكفر أحد. وعلى الرغم من أنهم كانوا قريبو عهد بميلاد البشرية فقد عانى نوح في سبيل إرجاعهم إلى الرشد عناء شديدا، ولم يترك في سبيل ذلك طريقاً إلا سلكه ولا أمراً إلا فعله معهم.
يقول تعالى في سورة نوح قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلا وَنَهَارًا (5) فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلا فِرَارًا (6) وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا (7) ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا (Cool ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا. ولم يجاهد فيهم نوح سنة ولا عشر ولا حتى خمسين سنة وإنما كما قال تعـالى وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلا خَمْسِينَ عَامًا (العنكبوت:14).
ولم يقتصر رد قوم نوح على دعوته بالفرار والاستكبار، بل تعدى ذلك إلى الاستهزاء فَقَالَ الْمَلأ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلا بَشَرًا مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِىَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ (هود:27). والسخرية وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلأ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ والسب وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِر (القمر:9) وأيأسوه من أنفسهم باستعجالهم العذاب قَالُوا يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنتَ مِنْ الصَّادِقِينَ .
كل ذلك ونوح صابر محتسب، طوال الألف سنة إلا خمسين عاما، لم ييئس منهم. وتنفيذا منه لأمر الله. حتى وصل الأمر بهم إلى أن هددوه بالرجم قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَانُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنْ الْمَرْجُومِينَ (الشعراء:116).
وهنا شكا نوح إلى ربه قَالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِِ (117) فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحًا وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِي مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلا مَنْ قَدْ آمَنَ فَلا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (هود:36). ولما علم نوح من ربه أنه لن يؤمن من قومه إلا من قد آمن، دعا عليهم جميعا بالدعاء المذكور بالآية التي نحن بصددها: وَقـَالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الأرْضِ مِنْ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا.
بكل المعاناة التي عاناها مع قومه دعا نوح. وبكل سنين دعوته الكثيرة: دعا نوح وبكل غضبه على الكافرين دعا نوح أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ أي يا رب غلبت أنا، وأنت لا تغلب فانتصر لدينك لا تَذَرْ عَلَى الأرْضِ مِنْ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا .
قال محمد بن كعب ومقاتل والربيع ابن انس وابن زيد وعطية: إنما قال هذا حين أخرج الله كل مؤمن من أصلابهم، وأرحام نسائهم. وأعقم أرحام النساء وأصلاب الآباء قبل العذاب بسبعين سنة.
قال قتادة: لم يكن فيهم صبى وقت العذاب. ومعنى ديارا: ساكن الديار. يعنى: لا تترك أحد. وقد علل نوح دعائه بقوله: إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلا فَاجِرًا كَفَّارًا وذلك بعدما علم أن أحدا من قومه لن يؤمن.
فلما دعا نوح بهذا الدعاء واستنصر ربه بقوله أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ قال تعــالى فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِر ٍ(11) وَفَجَّرْنَا الأرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِر َ(12) وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُر ٍ(13) تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ (14) وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِر ٍ(15) فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُر ِ(16) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِر لقد استجيبت دعوة نوح. والآيات تصور كيف أغرق الله الأرض بمن عليها.
وهذه الآية وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الأرْضِ مِنْ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا هي دعوة لنوح عليه السلام وليست تقريرا لأمر حدث. كما أن نوح عليه السلام لم يقصد بدعوته هذه أن يرفع الله الكافرين خارج الكرة الأرضية (اليابس والماء والهواء) وإنما قصد نوح اليابس ومن المعروف من آيات القرآن أن لفظ الأرض يطلق عليها كلها أو جزء منها.
والدليل على أن نوحا عليه السلام لم يقصد الأرض بجميع عناصرها بل قصد فقط اليابس الذي يبنى عليه الديار لذلك قال لا تَذَرْ عَلَى الأرْضِ مِنْ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا أي من ساكني الديار. يريد نوح من الله تعالى أن يبيدهم عن أخرهم فلا يبقى منهم أحد على اليابس. وقد استجاب الله تعالى لدعوة نوح فأبادهم جميعا حتى أقرب الناس إليه. ورفعهم جميعا على اليابس بالطوفان الذي أغرق الأرض كلها ولم تعد الأرض إلا كرة من الماء. فقد ارتفع الماء إلى أعلى الجبال وبذلك يتحقق لنوح أن يموت كل سكان الديار حتى لو كان على قمم الجبال.
الأرض الآن يابس فوقه الماء فيه كل سكان الأرض، المؤمنين على سطح الماء في سفينة والكافرين في داخل الماء الذي كان عبارة عن أمواج كالجبال.
الأرض الآن كلها كرة من الماء، والماء فقط، وفوق الماء سفينة تحوى كل سكان الكرة الأرضية من البشر والحيوان والطير. ورغم أن السماء كان ينهمر منها الماء، والأرض عليها موج كالجبال إلا أن سكان السفينة لم يصابوا بأذى ولم يشعروا بانهمار من فوقهم، ولا موج كالجبال من تحتهم. لم يكن الماء ينزل على السفينة. كانت السماء كلها من كل الجهات تنزل ماء وبانهمار شديد وقد كانت هذه هي المرة الأولى والأخيرة في حياة هذا الكون الذي تنزل فيه المياه من السماء مباشرة وليس من السحاب.
كما أن السفينة لم تكن بقوة ومتانة سفن هذا العصر وإنما كانت مجرد ألواح من الخشب ممسكة بعضها ببعض بمسامير وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ ولكن هذه الألواح كانت هي الوحيدة على الأرض التي لم تتأثر بالطـوفان العظيم وذلك لأمـرين: الأول: أن السفينة يحرسها الله تعالىتَجْرِي بِأَعْيُنِنَا والثاني: أن الذين كانوا فيهما: عباد الرحمن.
عباد الرحمن
إن زال الإشكال الذي قد بدا من الآية السابقة بسهولة لأننا عرفنا مصير قوم نوح وأنهم بالفعل أبيدوا جميعا فلم يعد لهم أثر في الأرض ولم يعودا حتى أثر بعد عين كغيرهم من الأمم والحضارات فقد اختفوا تماما من الأرض، دفنوا تحتها، أكلتهم حيتان البحر وطيور الجو. لا ندرى. المهم أنهم كانوا في الأرض ثم لم يعودوا فيها ولا عليها.
لقد تحقق ذلك بالفعل. رغم أنها كانت دعوة لنوح. ولكن دعوة الأنبياء مجابة. أما هذه الآية الثانية فإنها الأعجب. حتى تصبح هي الوحيدة في القرآن التي بهذا الشكل المغاير لأن الآية تقرر أن الله عز وجل ذاته هو الذي يقص علينا نبأهم. وهو تعالى الذي أخبرنا في 220 آية أن السير والمشي والسعي وأي حركة إنما تكون فِي الأرْضِ ولكن هذه الآية لا تتحدث عن حدث عادى بل عــن المشي وهـو الذي ذكره الله تـعالى بأنه يتم في الأرض وَلا تَمْشِ فِي الأرْضِ مَرَحًا (الإسراء:37) و(لقمان:18) يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ (طه:128) و(السجدة:26) فَامْشـُوا فِي مَنَاكِبِهَا (الملك:15) وَيَمْشِي فِي الأسْوَاقِ(الفرقان:7) وَيَمْشُونَ فِي الأسْوَاق (الفرقان:20).
وغيرها من الآيات فالمشي هنا فِي سواء في الأرض. أو الأسـواق، أو المناكب، أو المساكن. وسواء كان في البر أو البحر. والمشي هو حركة الحيوان على الأرض، على أثنين أو أربع، أما السير فهو المشي في الأرض أيضاً ولكن مشى للسفر وبوسيلة ما. يقول تعالى أيضا عن السير في القرآن يسِيرُوا فِي الأرْضِ ورد ذلك في 7 آيات في كل القرآن (يوسف: 109، الحج: 46، والروم: 9، فاطر: 44، غافر: 21-82، محمد:10).
أما الأمر سِيرُوا فِي الأرْضِ فقد ذكر أيضا 7 مرات في القرآن كله (آل عمران: 133، الأنعام: 11، النحل: 36، النمل: 69، العنكبوت: 20، الروم: 42، سبأ: 18).
ويتلاحظ في هذه الآية التي فيها الأمر بالسير سِيرُوا فِي الأرْضِ جاءت في سور بأسماء حيوانات في أربع منـها وحيوانات مختلفة (أنعام، نحل، نمل، عنكبوت) وسورتين باسم دولتين (سبأ والروم) ثم سورة لإحدى العائلات (آل عمران) بما يتناسب مع (السير).
أما السعي فهو بنفس معنى المشي أيضا لكن بهمة وسرعة. جاء السعي أيضا فِي الأرْضِكقوله تعالى سَعَى فِي الأرْضِ (البقرة:205) وَيَسْعَوْنَ فِي الأرْضِ فَسَادًا(المائدة:33،64).
لذلك تأتى هذه الآية فريدة في القرآن كله يَمْشُونَ عَلَى الأرْضِ (الفرقان:63) فهي إذا آية خاصة لحالة خاصة، لفئة خاصة.
نعم نحن مع فئة خاصة من البشر، انفردوا من دون خلق الله بأن قرن ذكرهم بالرحمن وإن كان قد قرن لفظ الجلالة" الله" مع أشياء أخرى..
أرضُ الله نَاقة الله (بيت الله) أما عِبَادُ الرَّحْمَنِ فهـؤلاء وحدهم الذين تشرفوا بهذا النسب. وواضح تماما أن كل ما ذكر منسوبا إلى الله تعالى له خصوصية وتميز لا يشركه شيء أو أحد فيه فكل منهم واحد ليس له مثيل أو نظير في الوجود فليس في الكون كله أرض كهذه الأرض والله تعالى هو الذي أوجدها. وليس في الأرض كلـها بيت إلا البيت الحرام الذي بُنى بتكليف خاص من الله. وكذلك أرض الله وناقة الله فليس لهما مثيل أو نظير في الكون كله.
كذلك هؤلاء النفر من الناس الذين اقترن ذكرهم بلفظ الرَّحْمَنِ الذي لم يشركهم فيه أحـد. فهم فئة متميزة، لهم خصوصية لم تكن لغيرهم فقد نسبهم الله لنفسه وقرنهم باسمه، بل بأول وأخص أسمائه عز وجل.
وهؤلاء لم ينالوا هذا الشرف إلا مكافأة على أعمالهم. والجزاء من جنس العمل لقد كانوا دائما مع الله، ليل نهار، في قولهم وأعمالهم. في سكناتهم وحركاتهم في نومهم ويقظتهم، لم يتركوا حالة من حالاتهم، ولا وقتا من أوقاتهم إلا كان الله تعالى في تفكيرهم وعلى قلوبهم.
إنهم كانوا لا ينامون بالليل كما ينام كل خلق الله، بل كانوا يَبِيتونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا.
وكانوا يخافون الله كما لم يخافه بشر، ولم يغتروا بعبادتهم على كثرتها ودائما ما يدعون الله أن يصرف عنهم عذاب جهنم وكأنه واقع بهم لا محالة.
إنهم لا يأتون الكبائر: فلا يشركون، ولا يقتلون، ولا يزنون، ولا يشهدون الزور.كما انهم لا يقترفون حتى الصغائر وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا .
كما أن آيات الله تنفعل في نفوسهم بما لم تنفعل به نفوس غيرهم. وهم حريصون أشد الحرص على أزوجهم وذرياتهم ليس حرصا دنيويا كغيرهم، وإنما حرصا أخرويا.
ثم هم دائما يدعون ربهم أن يميزهم عن غيرهم ويجعل لهم خصوصية ينفردوا بها وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا فأعطاهم الله، والله لا يضيع أجر المحسنين.
وهو تعالى يجازى من جنس العمل واستجاب تعالى لدعائهم وجعلهم متميزين على كل الناس، متقدمين على كل الناس وتأتى مكافأة الله لهم فيذكر بعضها أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلامًا (75) خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا (الفرقان).
هذا جزاء هذه الفئة وهو على عظمته ليس بأعظم من شرف نسبهم الذي بدأ به ذكرهم. فهكذا بدأ ذكر هذه الفئة بهذه العطية التي لا تعدلها عطية وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ ثم ختم ذكرهم بما أعده لهم في جنات النعيم، وهذا كما قلنا أول كتابنا ليس كل ما أعد لهم فهذا جزء بسيط أما حقيقة ما أعده الله لهم فلم يذكره ليكون مفاجأة سارة لهم:
فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ  (السجدة:17).
نأتي إلى قوله تعالى وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأرْضِ هَوْنًا فهل يعنى ذلك أنهم يمشون فوق الغلاف الجوى؟ إن الله تعالى يقول نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ (الأنعام:83) كما أن الله تعالى يرفع الذوات وليس فقط الدرجات وَلَوْ شئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا (الأعراف:176).
لذلك أعتقد - والله أعلم - أن هؤلاء بالفعل يمشون فوق الغلاف الجوى، كرامة لهم ومكافأة من الله أن جعل الهواء كله بالنسبة لهم مضغوطا تحتهم وحولهم وليس فوقهم وذلك لقوله: هَوْنًا فكثافة الهواء كلها تحت أقدامهم، فكأنما يضعون أرجلهم في الهواء وليس في الأرض، وأنهم متصلون من فوقهم بالله، بالرحمن. دائما الله في ذكرهم فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ (البقرة:152) دائما أبواب السماء الخاصة بهم مفتحة لأعمالهم. دائما الملائكة يكتبون لهم أعمالاً ويصعدون لله بها. فاتصالهم بالسماء مستمر، حتى بالليل والناس نيام، هم موصولون بالسماء، فهم دائما فوق الأرض. ولا يعنى ذلك أنهم لا وزن لهم إذا وضعوا على الميزان بل إن لهم وزناً جسدياً كغيرهم. ولكن يختلفون عن غيرهم في اتصال الروح الدائم بالسماء.
إن من المعلوم أن الأرواح تصعد إلى الله تعالى في حالة النوم وحالة الموت يقول تعالى اللَّهُ يَتَوَفَّى الأنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الآخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (الزمر:42) وأحيانا ينام عباد الرحمن وهم ساجدون، فتحدث هنا عجيبة، إذ إن الله تعالى يتوفى أنفسهم في هذه اللحظة - لأنه يتوفى الأنفس في منامها - فيقـول تعالى لملائـكته: } انظروا يا ملائكتي إلى عبادي أرواحهم عندي وأجسادهم في الأرض ساجدة {.
فهؤلاء العباد رفعوا فوق الأرض، كرامة لهم. وهناك من خسف الله بهم تحت الأرض فهم يتجلجلون فيها حتى الآن.
أخرج ابن أبى شيبه وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردوية عن ابن عباس قال في قوله تعالى إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى (القصص:76) قال: كان ابن عمه وكان يتبع العلم حتى جمع علما فلم يزل في أمره ذلك حتى بغى على موسى وحسده، فقال له موسى: إن الله أمرني أن آخذ الزكاة. فأبى، فقال: إن موسى يريد أن يأكل أموالكم. جاءكم بأشياء فاحتملتموها أفتحتملون أن تعطوه أموالكم؟ فقالوا: لا نحتمل فما ترى؟ فقال لهم: أرى أن أرسل إلى بغى من بغايا بنى إسرائيل، فنرسلها إليه فترميه بأنه أرادها على نفسها. فأرسلوا إليها فقالوا لها: نعطيك حكمك على أن تشهدي على موسى أنه فجر بك قالت: نعم.
فجاء قارون إلى موسى. فقال: اجمع بنى إسرائيل فأخبرهم بما أمرك ربك قال: نعم. فجمعهم فقالوا له ما أمرك ربك؟ قال: أمرني أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وأن تصلوا الرحم... وكذا وكذا وأمرني إذا زنى وقد أحصن أن يرجم. قالوا: وإن كنت أنت؟ قال: نعم. قالوا: فإنك زنيت. قال: أنا؟ فأرسلوا للمرأة فجاءت. فقالوا: مـا تشهدين على موسى فقال لها موسى: أنشدك بالله إلا ما صدقتي.
قالت: أما إذا نشدتني بالله فإنهم دعوني، وجعلوا لي جعلا على أن أقذفك بنفسي وأنا أشهد انك برئ. وأنك رسول الله. فخر موسى ساجدا يبكى. فأوحى الله إليه: ما يبكيك؟ قد سلطناك على الأرض فمرها فتطيعك.
فرفع رأسه فقال: خذيهم، فأخذتهم إلى أعقابهم. فجعلوا يقولون: يا موسى يا موسى. قال: خذيهم. فأخذتهم إلى ركبهم. فجعلوا يقولون: يا موسى يا موسى. قال خذيهم. فأخذتهم إلى أعناقهم فجعلوا يقولون: يا موسى، يا موسى. قال: خذيهم. فغشيتهم.
فأوحى الله: يا موسى. سألك عبادي وتضرعوا إليك فلم تجبهم، وعزتي لو أنهم دعوني لأجبتهم".
قال ابن عباس: وذلك قوله فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأرْضَ (القصص:81) خسف به إلى الأرض السفلي.
وهذا هو الفرق بين أولياء الله وغيرهم. بين عباد الرحمن وغيرهم. فهو تعالى يرفع أولياءه، ويخسف بأعدائه.

زينة الأرض
هذه هي الآية الثالثة والأخيرة التي ذكرت عَلَى الأرْضِ والتي قلنا إنها تتحدث عن أجمل خلق الله. عن الزينة. يقول تعالى في الآية رقم 7 من سورة الكهف: إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلا وقد أتبعها تعالى بقوله وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا وهذه الآية أيضا تعنى الأرض بكل عناصرها (اليابس، الماء، الهواء).
ومما لا شك فيه أن فوق الغلاف الجوي زينة يقول تعالى وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ (الحجر:16) والزينة هنا هي الكواكب التي ذكرنا أنها 11 كوكبا بنفس عدد كلمات آية الكهف التي نحن بصددها. فهذه زينة على الأرض.
هناك أيضا زينة أخرى داخل الأرض وهي كل شيء جميل على الأرض الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً.
فلأن الزينة امتدت من السماء إلى الأرض فقد ذكرت على الأرض ثم إن هذه الزينة الأرضية إلى زوال، فليست هي الأساس والأصل، تمـاما كزينة المرأة التي تزول بقليل من الماء ويبقى الأصل. يقول تعالى الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَملاً (الكهف:46).
ثم إن جميع زينة السماء والأرض ستباد، وتتناثر الكواكب، وتزلزل الأرض بمن عليها ليبقى العمل الإنساني الذي من أجله زينت السماء والأرض.
من عجائب الريح
لا يقتصر دور الريح أو الغلاف الجوي علي حفظ الأرض ومحتوياتها من التفلت في الفضاء، ولا على احتفاظ الأجسام بأوزانها. ولكن الغلاف الهوائي له أعمال كثيرة، لا تعد ولا تحصى. ولعلنا لم نكتشف جميع خصائصه وذلك لأننا لم نوله اهتماماً، وشغلتنا الجاذبية أو سرقتنا منه. غير أن هناك أموراً واضحة تماما لا تقوم حياة الكائنات على الأرض أو فِي الأرْضِ بدونها. ولم تكن لتقوم لولا أن ميز الله الأرض بهذا الغلاف الجوى.
منها أن الكلام لا يتم إلا في وجود غلاف جوى، وكذلك السمع، والشم، والرؤية، أي لا يمكن عموما للحواس أن تعمل إلا من خلال الريح (الهواء). كذلك لا يختلف اثنان على أن أول فائدة للريح أنها مرتبطة بالحياة، فهي توءَم الروح فلو فقدت الريح لتبعتها الروح. فورا فالإنسان - وكل الكائنات - لا تستغني عن الهواء أكثر من ثوان. لأنها تعيش عليه كل ثانية. هذا الهواء الذي يمد القلب باحتياجاته منه فنجد عدد ضربات القلب في اليوم 86400 ضربة أي بنفس عدد الثواني التي في اليوم. وللوقوف على بعض عجائب الريح نقول:

الريح والتنفس
لا تقتصر أهمية الريح لتنفس الإنسان وحده، ولكن لجميع الكائنات الحية، حتى النبات، وحتى الأسماك في الماء، وحتى الدود والحشرات تحت الثرى. لاتستغني هذه الكائنات عن الهواء لحظة.
والإنسان وحده، في تنفسه آية عجيبة وفي عملية التبادل التي يقوم بها مع النبات أكثر عجبا إن ذرات الهواء التي نستنشقها يقال إنها تنطلق في الجو بسرعة القذيفة. وأنه لابد من ثـلاثة ملايين ذرة مضمومة إلى بعضها البعض لكي نحصل على ملليمتر واحد فقط من الهواء.
وانظر كم ملليمتراً يحتاج إليها أحدنا في النفس الواحد، وكم يحتاج إليه في الساعة وكم يحتاج إليه في اليوم، وكم نحتاج جميعا منه. هذا فقط لعملية التنفس وحدها. والتي هي على درجة من الأهمية أن الله تعالى من رحمته ولطفه وكرمه عندما توعد الإنسان الجاحد العاصي بأنواع من الهلاك يهلكه به، فإنه تعالى لم يهدده بمنع الهواء عنه، وهو تعالى قادر على ذلك، وإنما كان وعيده له أن يمنع تحريك الريح، وليس يمنع الريـح ذاتها فـقال إِنْ يَشَأْ يُسْكِنْ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ (الشورى:33) وهـذا أيضا من باب تنفيذ ما وعد الله من إمداد كل الخلق برزقهم رغم عصيانهم. وأن من هذا الرزق (الهواء).
والهواء الذي يستنشقه الإنسان به أكسجين بمعدل 21% وبه نتروجين بنسبة 78 % في الهواء، وأرجون بنسبة10/6 في 1%. وثاني أكسيد الكربون بنسبة جزء من 10000 جزء ونسبة من بخار الماء. ولحاجة الأحياء في الأرض للأكسجين، فهو أيضا محبوس في شكل مركبات في قشرة الأرض. وهو يكون10/8 من جميع المياه في العالم. والأكسجين هو نسمة الحياة لكل الحيوانات التي في الأرض، وهو لا يمكن الحصول عليه لهذا الغرض إلا من الهواء.
والنسب الموجود بها الأكسجين في الهواء وفي قشرة الأرض وفي مياه الأرض هي من التوازن والتعادل الذي يشهد وحده بقدرة الله وحكمته.
والعلاقة العجيبة التي بين الأكسجين وثاني أكسيد الكربون فيما يتعلق بالحياة الحيوانية، وعالم النبات من أعجب آيات الله تعالى.
إننا عندما نستنشق الأكسجين يتلقاه الدم ويوزع في خلايا الجسم، وهذا الأكسجين يحرق الطعام في كل خلية ببطء شديد عند درجة حرارة واطئة نسبيا، ينتج من هذا الاحتراق، ثاني أكسيد الكربون وبخار الماء، ويلفظ ثاني أكسيد الكربون في الجو، وكل كائن حيواني يمتص الأكسجين ويلفظ ثاني أكسيد الكربون.
ومن وجهة أخرى تعتمد حياة كل النبات، كما هو معروف على ثاني أكسيد الكربون وإن كان بنسب ضئيلة، فيتنفسه من الهواء عن طريق أوراقه التي تعتبر بمثابة رئات، ثم بالتعاون مع ضوء الشمس يتم في هذه الرئات تجزئة ثاني أكسيد الكربون إلى كربون وأكسجين. فيلفظ النبات الأكسجين ويحتفظ بالكربون فيتحد هذا الأخير مع هيدروجين الماء الذي يستمده النبات من جذوره، وبقدرة إلهية يتكون من هذه العناصر سكر أو سليلوز ومواد كيماوية أخرى عديدة وفواكه وأزهار. ويغذى النبات نفسه وينتج فائضا يكفي لتغذية كل حيوان في الأرض.
وفي نفس الوقت، للحكمة الإلهية المبدعة يلفظ النبات الأكسجين الذي نتنسمه نحن.
وهكذا نجد أن جميع النباتات، والغابات، والأعشاب وكل قطعة من الطحلب وكل ما يتعلق بالزرع، تبنى تكوينها من الكربون والماء على الأخص. ويقوم الريح بتوزيع هذا الأكسجين على كل أنحاء الأرض في الهواء، وكذلك يقوم الريح بإذابته في الماء أيضا.
لو كانت هذه المقايضة غير قائمة، ولو لم توزع من جديد في الغلاف الجوى فإن الحياة الحيوانية أو النباتية كانت تستنفد في النهاية كل الأكسجين أو كل ثاني أكسيد الكربون تقريبا. ومتى انفلت التوازن تماما ذوى النبات أو مات الإنسان فيلحق به الأخر وشيكا.
ولا تتم هذه التبادلية إلا في الغلاف الجوى ومنه أيضا.
الريح والشم
تلغى حاسة الشم تماما خارج الغلاف الجوى. ويؤكد ذلك من خرجوا من الأرض إذ تعطلت هذه الحاسة لديهم وسواء كان ذلك على القمر أو في الفضاء. فالريح هو الوسيط الذي ينتقل فيه جزيئات المواد إلى حاسة الشم في الأنف وقد أكد القرآن على ذلك صراحة إذ قال تعالى في سورة يوسف اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ (93) وَلَمَّا فَصَلَتْ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لأجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلا أَنْ تُفَنِّدُونِ.
لما أراد الله أن يرد على يعقوب بصره أمر الريح أن تبشره عندما فصلت العير أي خرجـت من المدينة المصرية، فهاجت الريح فجائت يعقوب بريح قميص يوسف وواضح من الأسماء مدى ارتباط الرائحة بالريح حتى أن يعقوب سمي رائحة يوسف بالريح فقــال رِيحَ يُوسُفَ .
الريح والكلام
بدون الهواء لا نستطيع الكلام. فكلامنا هذا ما هو إلا هواء يخرج من الصدر ويمر بالحنجرة واللسان والشفتين فتخرج حروفا‎‎‎‎ بحركة هذه الأعضاء أمام الهواء الخارج من الصدر. وجرب أن تأخذ نفسا عميقا ثم احبسه في صدرك وحرك شفتيك بكلام. لن تخرج حرفا واحدا. أطلق الهواء المحبوس وحرك شفتيك ستخرج حروفا على الفور..
ليس اكتشافا وإن كان الفضائيون قد تأكدوا من ذلك، فخارج الغلاف الأرضي تتعطل لغة الكلام. وهذا أمر معروف حتى للأقدمين. يقـول محيى الدين بن عربي في كتابه الفتوحات المكية:" إن الحروف اللفظية تتشكل في الهواء إذا خرجت، ولذلك تتصل بالمسموع على صورة ما نطق به المتكلم. فإذا تشكلت في الهواء تعلقت بها أرواحها. ولا تزال تمسك عليها شكلها".
الريح والسمع
إن كان الكلام ممتنعاً بدون الهواء. فكذلك السمع، ولو كنت في الفضاء أو على القمر وصرخت بأعلى صوتك فلن تسمع حتى نفسك. ولنفس العلة التي قال بها ابن عربي إن الحروف تتشكل في الهواء، وتتصل بالمسموع في الهواء.
وإذا أردنا أن نتأكد من أن الريح هي التي يتم من خلالها هذه الأمور، وأنها تتعطل في غيابها فإننا نعزل الهواء من أي مكان وسنشعر بالفرق الكبير بين وجود هذا الهواء وعدمه.
ولقد قام رجال الفضاء الغربيون بالفعل بتفريغ الهواء من حجرة، فوجدوا أنفسهم أمام حالة من العدم. حتى إن الجهات انعدمت فيها، فلا يوجد تحت ولا فوق، ولا أمام ولا خلف.
هناك وسيلة أخرى تحقق نفس النتيجة دون تفريغ الهواء من المكان. وهي أن ننغمس تماما في الماء، سواء كان في بحر أو في نهر أو حوض سباحة أو غير ذلك. إن التواجد في الماء أشبه ما يكون بالتواجد في الفضاء. ونفس حالة العدم الموجودة في الفضاء ستكون موجودة بالماء. حيث سينعدم الوزن والاتجاهات والكلام والسمع والشم وسينعدم السير. وستصبح الحركة في هذا المكان الذي انعزل عن الهواء بوجود الماء بدلا منه هي السباحة، وهي تماما طريقة الحركة في الفضاء. وقد أخبر تعالى عن الأجرام السماوية في الفضاء بأنها سباحة وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (الأنبياء:33) حتى حركة الملائكة الكرام من السماء إلى الأرض في هذا الوسط هي سباحة يقول تعالى وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا (النازعات:3). وهذا كما هو معروف ما يحدث داخل الماء.
رغم وجود الماء علي الأرض إلا أن الأرض لم تجذب الموجود في الماء ليسير سيرا طبيعياً، ما العنصر الذي تخلف هنا في الماء؟
إنه الهواء، لذلك سيختلف كل شيء يحتاج في عمله إلى الهواء.
عندما جرب الفضائيون الحركة في الفضاء الخالي من الهواء وجدوا أنه أشبه ما يكون بالماء. لذلك فإنهم كانوا يجرون تجاربهم التي تحتاج محيطا مشابها للفضاء في الماء. وذلك للشبه التام بين الحركة هنا وهناك.
الريح والرؤية
تختلف رؤيتنا للكون حسب موقعنا منه، فإذا كنا في الفضاء فإننا سنري مشهداً يشبه السحر ومن لا يعرف حقيقة الأمر سيظن أنه سحر بالفعل.
وقد أخبر الله تعالى عن رؤية الكون من الفضاء والحالة النفسية التي تعتري الإنسان لأول مرة فقال وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنْ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُون َ(14) لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ (الحجر) فهذه الآية تصف رد الفعل الإنساني أمام المشهد غير المنتظر الذي سيوهب لمسافري الفضاء: نظرات مضطربة، وشعور بالإنسحار. يقول موريس بوكاي علي هذه الآية في كتابه" الكتب المقدسة دراسة مقارنة":
" تماما عاش رواد الفضاء تلك المغامرة الخارقة منذ عام 1961. وهو تاريخ أول رحلة طيران للإنسان حول الأرض. ومعروف في الواقع أننا عندما نكون خارج طبقة الجو المحيطة بالأرض لا تبدو السماء مطلقا في صورتها اللازوردية الموهوبة لسكان الأرض. وذلك نتيجة لظاهرات امتصاص طبقات الجو للضوء الشمسي.
إن الإنسان المشاهد الموجود في الفضاء أبعد من الغلاف الجوي يري السماء سوداء، وتبدو له الأرض محاطة بهالة لونية زرقاوية. وذلك لنفس سبب ظاهرات الامتصاص الضوئي لطبقة الجو الأرضية، علي حين القمر الذي لا يحيط به جو فإنه يبدو في ألوانه الخاصة به علي خلفية سوداء من السماء. وهو إذن مشهدٌ جديدٌ تماما علي الإنسان ذلك الذي يراه في الفضاء. مشهد أصبح صورة كلاسيكية للناس في عصرنا".
ثم يختم بوكاي كلمته بقوله:" هنا أيضا، عندما نقابل نص القرآن بالمعطيات الحديثة، كيف لا ننبهر بتلك التحديدات الدقيقة التي لا يمكن افتراض أنها صدرت عن فكر إنسان عاش منذ أربعة عشر قرنا تقريبا".
إن الصور الملتقطة للأرض من الفضاء تختلف تماما عن تلك المرسومة في خرائط الأطلس، فهي في الخرائط واضحة المعالم، محددة التضاريس، فتظهر القارات والبحار والجبال والأنهار والطرق وأماكن الموارد وغير ذلك مبينا تماما، أما الرؤية الحقيقية للأرض من الفضاء، فيختلف الأمر، لأننا سنري الكرة الأرضية مختلفة كل الاختلاف عن غيرها من الأجرام السماوية إذ سنجد أثر الغلاف الجوي المحيط بالأرض وما فيه من سحب وأعاصير يعطي الأرض لونا خاصاً وأن غلافها الجوي يميزها عن غيرها تماماً.
هذا بالنسبة للرؤية من خارج الأرض. أما الرؤية والمشاهدة من داخل الأرض فهي أيضا مختلفة تماما عنها من فوق آي كوكب آخر. إذ إن رؤية الأشياء على الحقيقة لا تكون إلا بسبب الهواء. فرؤية الزروع بخضرتها والرمال بصفرتها والبحار بزرقتها لا تكون إلا بوجود الهواء. وهذه الألوان البديعة للسماء بكل درجاتها وألوانها من الشفق الأحمر إلي الشفق الأبيض، ومن اللون السماوي الفاتح إلي الأزرق الداكن، وبتفاوت درجاته لا يري إلا بالغلاف الجوي: الشمس والهواء.
أشعة الشمس وألوانها، ولألأة النجوم، وبريق الكواكب، كل ذلك بسبب الهواء. وهذا الأمر ليس اكتشافا حديثا بينه لنا رجال الفضاء، إنما علم قديم ذكره علماء التفسير المسلمون، ففي تفسير" النكت والعيون" والذي يرجع تاريخه إلي القرن الخامس الهجري يقول مؤلفه" الحسن البصري الماوردي":
يقول تعالى وَآيَةٌ لَهُمْ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ (يس:37) يقول: أي نخرج من النهار يعني ضوءه، مأخوذ من سلخ الشاة إذا خرجت من جلدها فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ أي مـن ظلمة، لأن ضوء النهار يتداخل في الهواء فيضيء. فإذا خرج الضوء من الهواء أظلم".
فليس اكتشافاً حديثا أن الهواء يسبب الرؤية.
وفي تعليق" المنتخب" علي تفسير آية اختلاف الليل والنهار شرح مفصل لعلاقة الرؤية بالهواء نذكر منه:
" أهم الظواهر الفيزيائية التي يختلف فيها الليل عن النهار هي الضوء بالنهار، وسببه أن الإشعاع المباشر للشمس عندما يسقط علي الغلاف الجوي الذي يتألف من جزئيات صغيرة ويحمل الذرات الغبارية فإنه ينعكس في مختلف الاتجاهات ويتشتت. فإذا كان الجو نقيا وأحجام الذرات الغبارية صغيرة جدا، والشمس مرتفعة في الأفق، فإن اللون الأكثر تشتتا وحساسية للعين هو اللون الأزرق فتظهر السماء زرقاء.
أما عند شروق الشمس أو غروبها فإن الأفق يظهر بلون برتقالي متدرجا إلي الحمرة. بينما يكون الضوء الأزرق المشتت قليلا نسبيا لذلك يميل لون السماء عند السمت إلي الزرقة الخافتة".
" الخلاصة أن شعاع الشمس يتألف من مجموعة من الألوان المرئية وغير المرئية ويتميز بعضها عن البعض بطول الموجة وتخضع هذه الموجات لخصائص عديدة كالانكسار، والانعكاس، والتشتت، والتداخل، والاستقطاب، والحيود، فإذا ما تفاعلت مع الغلاف الجوي في حالات خاصة فإننا نشاهد نتيجة لهذا التفاعل ضوء النهار والسراب وأقواس قزح والهالة الشمسية الي غير ذلك من آيات السماء من الظواهر الكونية".
فالغلاف الجوي إذن هو السبب في الاختلاف البين بين الرؤية في الأرض والرؤية خارجها.
أما ذات الرؤية فإنها تتم بعاملين هما (الضوء، والهواء). ومصدر الضوء الرئيسي في كوننا هو الشمس. فإذا اجتمعا كانت الرؤية والبيان والوضوح والظهور. وإذا تخلف أحدهما كان العمي والإظلام.
ودليل ذلك إذا غربت الشمس فإن الكون يظلم تماما رغم وجود الهواء كما يظلم الكون تماما إذا تخلف الهواء رغم وجود الشمس وطبعا ذلك لا يتم إلا في حالة الخروج من الأرض وغلافها الجوي. فإننا سنرى الشمس والنجوم والكواكب والقمر في وقت واحد وجميعهم علي شــدة إضاءتهم علي خلفية سوداء تماما ولعل ذلك المشهد تحديدا هو الذي تعنيه الآية وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنْ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُون َ(14) لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَوالآية تلفت الانتباه إلي عدة أمور منها: أن الباب الذي يفتح مِنْ السَّمَاءِ .
وليس (في السماء) كما في الأرض. وذلك لخلو السماء من الهواء.
كذلك تثبت الآية أن الأرض في المركز وهي أسفل كل شيء من جميع الجهات. نفهم ذلك من قوله يَعْرُجُونَ فمن أي مكان في الأرض تجاه السماء يسمي عروجاً.
ثم عندما نعرج في السماء ننتقل من عالم مرئي، فيه كل الألوان التي ألفناها إلي عالم معتم، مظلم، أسود، رغم وجود الشمس المتوهجة.
وبهذه النقلة الغريبة التي تنقلنا فجأة ودون أي تدرج كما يحدث في اختلاف الليل والنهار بل مجرد خروجنا من الأرض بغلافها الجوى نجد أنفسنا في ظلام دامس رغم أننا قد نكون بالنهار. وللوهلة الأولي قـد نظن الخلل فينا لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا وسكرت يعنى غطيت، أو أغلقت، ولكن بعد برهة سنجد أن حولنا كواكب ونجوماً وشمساً مضيئة أشد ما تكون الإضاءة. ولأن هذه حالة لم نعهدها، ومشهد لم نألفه فإن المشهد حق مثير حتى أن الجاهل بالأمور سيظن أنه سحر.



أدخل عنوان بريدك الإلكتروني هنا يصــــلك كل جديــــد





بلغ الادارة عن محتوى مخالف من هنا ابلغون على الروابط التي لا تعمل من هنا



توقيع : manel


التوقيع



قصة الخلق من العرش إلى الفرش  story of Creation By Eid Wardany Emptyالجمعة 25 يناير - 22:57
المشاركة رقم: #
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
عضو الجوهرة
الرتبه:
عضو الجوهرة
الصورة الرمزية


البيانات
عدد المساهمات : 17945
تاريخ التسجيل : 17/10/2012
رابطة موقعك : ورقلة
التوقيت

الإتصالات
الحالة:
وسائل الإتصال:


مُساهمةموضوع: رد: قصة الخلق من العرش إلى الفرش story of Creation By Eid Wardany



قصة الخلق من العرش إلى الفرش story of Creation By Eid Wardany

سرعة الضوء


يقولون إنهم قاسوا سرعة الضوء وأنهم وجدوها 300000 كم في الثانية ونحن لا نوافقهم على هذه السرعة ليس لأنها أكثر أو أقل مما ينبغي ولكن لأنها بنيت على أسس باطلة، منها: أن الأرض تدور حول نفسها وحول الشمس، وأن الشمس تبعد عن الأرض 150 مليون كم، وان النجوم تبعد عنا بمسافات تفوق العد والحصر سموها بالسنين الضوئية، إلى آخر هذه الاختلافات التي أثبتنا خطـأها تماماً.
فقد أثبتنا أن الأرض ثابتة والشمس تدور حولها كل يوم وأن الشمس تبعد عن الأرض بمسافة 687272.72 كم. بينما يبعد القمر عنها بمسافة 171818.18 كم.
كما ذكرنا بعد السماء ذاتها عن الأرض وأنها فقط (مسيرة 500 سنة) وهي بالسير العادي وليس بسرعة الضوء أو الصاروخ أو أي شيء مما يقيسون به. وحددنا هذه المسافة 7 مليون كم، وأن الكواكب مجرد زينة للسماء وليست على الأبعاد التي ذكرها أهل الفلك والمنجمون وطبقا لهذا فالمسافة في الفضاء لا تقاس بالسنين الضوئية ولا بسرعة الضوء.
ثم كان الخطأ الفادح في مقياسهم أنهم قاسوا هذه السرعة دون معرفة الوسيط الذي ينتقل فيه الضوء. واستحدثوا لهذا الوسيط اسما دون أن يعرفوا أي شيء عن المسمى وعن خصائصه. وإن كانوا هم يجهلون هذا الوسيط فإننا سنخبرهم عنه ولكن قبل ذلك نذكر للمؤمنين حجم المشكلة التي وقع فيها التجريبيون، وكيف أن المؤمنين بالقرآن لم يتمكنوا من مساعدتهم بما لديهم مـن علوم. أم أنه التهيب والخشية أن يقدموا بين يدي السادة الغربيين؟
يقول" جورج جاموف" شارحا مشكلة إيجاد مفهوم مقنع للوسيط:" الق حجرا في مستنقع، وسوف تجد الموجات تنتشر حوله في كافة الاتجاهات وكذلك يكون الضوء المنبعث من أي جسم لامع على هيئة موجات.
وبالمثل الصوت الناتج عن شوكة رنانة مهتزة. ولكن في حين أن الموجات السطحية تعبر بوضوح عن حركة جزيئات الماء، والموجات الصوتية عن ذبذبات الهواء أو المواد الأخرى التي ينتقل الصوت من خلالها، فإننا لا نعلم أي وسيط مادي مسئول عن حمل الموجات الضوئية. والحق أن الفضاء الذي ينتقل الضوء خلاله بسهوله شديدة (بالمقارنة مع الصوت) هو فضاء خال تماماً".
" ولما كان من غير المنطقي أن نتحدث عن تذبذب شيء في الوقت الذي لا يوجد فيه هذا الشيء أصلا، فقد كان على علماء الفيزياء أن يستخدموا مفهوما جديدا هو" الأثير" الحامل للضوء وذلك لتوفير فاعل مادي للفعل" يتذبذب" ومن وجهة نظر قواعد اللغة البحتة التي تستلزم أن يكون لكل فعل فاعل لا يمكن الاعتراض على وجـود" الأثير الحامل للضوء" ولكن - ضع ما تشاء من الخطوط تحت" لكن" هذه - قواعد اللغة لا يمكن أن تصف لنا الخواص الطبيعية للكلمات التي يجب استخدامها لبناء جملة صحيحة".
" إننا لو عرفنا الأثير بأنه (الوسيط الذي تنتقل خلاله الموجات الضوئية) فإننا بذلك نطرح أمراً مسلما به ولكننا لا نأتي بجديد.
إن أقدم أخطاء فيزياء القرن التاسع عشر تكمن في الافتراض بأن هذا الأثير الضوئي له خواص شبيهة جدا بخواص المواد الطبيعية المألوفة لنا، إذ اعتاد العلماء آنذاك على الحديث عن المرونة، والصلابة، والخواص المطاطية، بل وعن الاحتكاك الداخلي للأثير الضوئي وسرعان ما تبين للعلماء خطأ تلك الافتراضات التي سعت إلى تفسير طبيعة مادة مجهولة لا نعرف عنها سوى اسمها بأعمال الخيال، ومقارنتها ببعض خواص المواد المألوفة لنا".
" ورغم كثرة المجالات إلا أنها أسفرت عن استحالة تقديم أي تفسير مقبول لهذا الحامل للضوء الغامض وخواصه الميكانيكية".
ثم يخلص (جاموف) إلى هذه النتيجة التي وصل إليها علماء الغرب:
" الأثير الضوئي يعد من المواد الغريبة من نوعها. إلا أنها لا تشبه هذا البناء الذري المتراص الذي نطلق عليه عادة كلمة: مادة".
هكذا وقف العلم بعلماء الغرب، وفي الناحية الأخرى وقف علماء الشرق أيضا لكن الأخيرون لم يقفوا عجزا، وإنما وقفوا إتباعاً، فإن سار متبوعوهم ساروا، وإن قـال متبوعوهم قالوا. ورغم جهل العلماء بكنه هذا الوسيط الذي يحمل الضوء فإنهم حسبوا سرعته.
ونحن نقول لهم ما هو الحامل للضوء:
إن الذي يحمل الضوء هو الريح. والريح يحمل الضوء في مكان واحد فقط وهو الأرض. أما خارج الأرض وحيث لا ريح. فلا حمل. وإنما الضوء يرسل إرسالا. ومن ثم فضوء الشمس لكي يصل إلينا... يمر بمرحلتين مرحلة اختراق الغلاف الجوى وفيها يكون الوسيط هو الريح، ومرحلة خارج الغلاف الجوى وهنا لا يوجد وسيط، لا يوجد أثير، لأنه لا يوجد شيء في هذه المنطقة. ونعنى بعدم وجود شيء أنها منطقة عدم لا وجود للريح فيها ونحن نسميه فضاء وهي تسميه صحيحة رغم أن هذه المنطقة والتي تمتد من الأرض إلى السماء مسيرة 500 عام (7000000 كم) فيها ضوء، وحرارة وكلاهما من الشمس وفيها الشمس ذاتها، وفيه الكواكب والنجوم والقمر والشهب والحجارة والرجز والحسبان وكل ما ذكرناه عن هذه المنطقة إلا أننا نسميها منطقة عدم لأنه لا رياح فيها ولا روح، والأشياء التي تتحرك فيها إنما تتحرك بقانون الأمر، وبنظام السخرة، وكل من هذه الأشياء يسبح في فلكه.
معنى هذا أن أحدا منا لو نزل من مركبة فضائية فسيجد نفسه في مكانه لن يتحرك منه إلى أي جهة إلا ببذل جهد بالغ لكي يتحرك بضعة أمتار وسيكون ذلك سباحة، ولن يتحرك كسائر الأجرام الموجودة إلا إذا دخل في فلك من الأفلاك فإنه سيدور فيه. وعلى ذلك فحرارة الشمس وضؤها يرسلان إرسالا إلى الأرض حيث الأرض (أسفل سافلين) ومن ثم فستكون درجة حرارة الشمس واحدة في كل الفضاء وذلك لأنه عدم لا حساب فيه للمسافات أو لأي حياة. فدرجة الحرارة فوق الغلاف الجوى للأرض هي نفسها درجة الحرارة فوق سطح القمر هي نفسها فوق عطارد وفوق بلوتو وفوق المشترى وفي أي مكان في هذا العدم وإنما تختلف درجة الحرارة هنا في الأرض نظرا لوجود غلاف جوى فيه ريح وفيه رياح تقوم بتوزيع حرارة الشمس.
وتختلف الحرارة تبعا للغلاف الجوى من خط الاستواء عنها في مدار السرطان عنها في الدائرة القطبية عنها عند نقطة القطب. أما لو أزيل هذا الغلاف الجوى فإن الحرارة على سطح الأرض ستكون كلها بدرجة واحدة، فخط الاستواء كنقطة القطب مادام كلاهما مواجه للشمس - يعنى نهارا - أما في الليل فستكون درجة حرارة نصف الأرض - الغير مواجه للشمس - تحت الصفر في كل مكان على السواء.
إذن لا يوجد حامل للحرارة أو الضوء من هناك، من عند الشمس حتى أول الغلاف الجوى فوق الأرض، فالحرارة موجودة من عند الشمس حتى فوق الأرض بنسبة واحدة لأنها مرسلة إرسالا ولا تحسب هذه المسافة ولا هذا الوقت وإنما يحسب فقط من فوق الأرض، أي من أعلى الغلاف الجوى. والمسافة من سطح البحر إلى أعلى الغلاف 2730 كم فقط، وعلى ذلك فلكي يصل الضوء إلينا من هذه المسافة البسيطة يصل إلينا في لمح البصر. وهي السرعة التي أخبر عنها القرآن لتنفيذ الأمر.
إذن فقد أخبر القرآن عن سرعة الضوء وهي فعلا سرعة الأمر كما قال تعالى كَلَمْحٍ بِالْبَصَر. وقد حدد القرآن السرعات كلها في 7 آيات لأنها سبع سرعات، وهي كالتالي:
السرعة الأولى: ( سرعة السير)
هي السرعة الأساسية، التي تقاس عليها كل السرعات الموجودة في القرآن، وهي سرعة السير العادي للإنسان سواء راجلاً أو راكباً، ونعني بالركوب ركوب الإبل، لأنها الوسيلة العامة والمشتركة للإنسان عموماً، في كل زمان وفي كل مكان.
وهذه هي السرعة التي بنيت عليها السرعات الأخرى، فقال تعالى: يُدَبِّرُ الأمْرَ مِنْ السَّمَاءِ إِلَى الأرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (السجدة:5) فالسرعة التي نعدها نحن هي سرعة المسير، والسرعة التي قال عنها تعالى: وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ (سبأ:12) فمسيرة الشهر هي المسافة التي بين مكة وبيت المقدس والتي كان العرب يسيرونها كل عام مرتين وهي تقدر بحوالي 1200 كم، وهي عشر درجات أرضية. وهذا القدر من الكيلو مترات في الشهر يعني أن الإنسان العادي يسير 8 ساعات في اليوم وهذا هو يوم المسير. ويقطع فيه السائر 40 كم أي في الساعة 5 كم. وهذه السرعة هي التي حدد بها رسول الله  بعد ما بين السماء والأرض. وقال بأنها مسيرة 500 عام.
السرعة الثانية: ( سرعة الريح )
وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ (سبأ:12) فالريح تسير في يوم ما نسيره نحن في شهرين وهـي مسافة 2400 كم أي أن الـريح تقطـع هـذه المسافة غـدوا ورواحا في يوم واحد (8 ساعات) أي أن سرعة الريح 300 كم / ساعة.
السرعة الثالثة: ( سرعة الجن )
قَالَ عِفْريتٌ مِنْ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ (النمل:39) والذي سيأتي به العفريت هو عرش ملكة سبأ باليمن التي تبعد عن ملك سليمان 2400 كم أي ضعف المسافة بين مكـة والقدس، أو بين المسجد الحرام والمسجد الأقصى. وسيقطعها العفريت ذهـابا وإيـابا في نصف يوم - مدة مقام سليمان في تدبير شئون المملكة كما قال علماء التفسير - أي سيقطع مسافة 4800 كم في 4 ساعات فتكون سرعة العفريت 4800 ÷ 4 = 1200 كم / ساعة. (أي ما نقطعه نحن في شهر يقطعه العفريت في ساعة).
السرعة الرابعة: ( الأمر )
يُدَبِّرُ الأمْرَ مِنْ السَّمَاءِ إِلَى الأرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ سرعة الأمر هنا هي ما نقطعه نحن في ألف سنة يقطعه الأمر في يوم أي 14000000 كم / يوم وعـلى ذلك فالأمـر سرعته في الساعة هـي14000000÷ 8 (مســـيرة اليـوم) = 1750000كم / ساعة وفي الدقيقة 29166 كم، وفي الثانية 486 كم.
لذلك نرى والله أعلم أن الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنْ الْكِتَابِ قد أتى بالعرش بسرعة الأمر. وللتأكد من ذلك ننظر ونتأمل في هذه الآية قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنْ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي  (النمل:40).
إنها نفس المسافة التي يقطعها عفريت الجن في4 ساعات سيقطعها هذا العالم في ثوان معدودات لا نستطيع تقديرها تماما، وإن كانت هي عموما الفترة الزمنية التي تكون بين غمضة جفن العين (الرمشة) والأخرى.
وليس أمامنا إلا تقديرها بما اعتدنا عليه غالبا حيث تكون المدة بين غمضة العين وأختها هي 10 ثواني تقريبا فتكون السرعة 4800 ÷ 10 ث = 480 كم / ث وكما نرى فهذه نفسها هي سرعة الأمر. وعلى هذا فقد جاء العرش إلى سليمان من اليمن بالأمر.
قال ابن عباس:" إن الذي أتى بالعرش، أي الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنْ الْكِتَابِ هو (آصف ابن برخياء) وكان وزير سليمان وكاتبه وكان يعلم الاسم الأعظم الذي إذا سئل به أجاب. وقال لسليمان:" انظر إلى السماء". فما طرف حتى جاء بـه. وقال بعض المفسرين أنه دعا الله قائلا:" يا ذا الجلال والإكرام" وقال غيرهم" يا إلهنا وإله كل شيء إلها واحدا لا إله إلا أنت ائتني بعرشها". فمثل بين يديه. إذن فالسرعة التي جاء بها العرش هي السرعة الرابعة وهي سرعة (الأمر).
السرعة الخامسة: (سرعة الملائكة)
تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ (المعارج:4) قال العلماء أن هذه المسافة التي بين العرش والأرض 50000 سنة. أي ما نقطعه نحن في 50 ألف سنه تقطعه الملائكة في يوم وهذه المسافة طولها 700000000 كم. وعلى ذلك تكون سرعة الملائكة في الساعة 87.500.000 كم أي 1.458.333 كم في الدقيقة، أي 24.305 كم في الثانية.
السرعة السادسة: (سرعة القضاء )
سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (مريم:35)
وَمَا أَمْرُنَا إِلا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ (القمر:50)
وهذه سرعة وجود الأمر بعد أمر الله تعالى. ولا علاقة لهذه الآية بيوم القيامة لأن لهذا اليوم سرعة أخرى. ولكن هذه سرعة المخلوقات في إيجادها وسرعة تنفيذ الأمر. لذلك يقول تعالى إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ (49) وَمَا أَمْرُنَا إِلا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ ولمح البصر هو رؤية الشيء عند توجيه النظر إليه بسرعة. وما من شك أن هذه سرعة وصول الضوء الذي هو سبب الرؤية والإبصار فبمجرد النظر للشمس نراها، وبمجرد شروقها يصل إلينا ضوئها. لأن الضوء لابد أن يصل إلينا في لمح البصر تنفيذا لأمر الله.
السرعة السابعة: ( سرعة القيامة )
وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (النمل:77).
وهذه ليست صيغة مبالغة، بل هي حقيقة ستقع بعد صدور أمر الله بأسرع من لمح البصر وهي أكبر سرعة في القرآن.
هذه هي كل السرعات التي في الكون ومن بينها سرعة الضوء الذي هوكَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ أي السرعة السادسة وهي أقصى سرعة كونية لا تفوقها إلا القيامة.
لقد قلنا أن الوسيط الذي ينتقل فيه الضوء هو الريح، ثم ذكرنا سرعة الريح وقلنا أنها 300 كم / ساعة. فكيف تكون سرعة الريح هي سرعة الضوء؟
سرعة الريح ليست هي سرعة الضوء؟ فسرعة الريح القصوى 300 كم / الساعة أما الضوء فكلمح بالبصر. وعلى هذا فالريح هنا ليس ناقلا للضوء، بل حامل له فقط أي مجرد وسيط ينتقل فيه الضوء نفسه. أما انتقال الريح ذاته فأمر آخر لأن سرعة الريح مختلفة تبدأ من الصفر وتنتهي إلى 300 كم وهي الريح العاصفة.
وقد عرفنا ذلك بالحساب عندما تحدثنا عن السرعة الأولى. وإنما قلنا أن هذه هي سرعة الريح القصوى لأن سليمان عليه السلام دعا ربه أن يهب له ملكا لا يأتي لأحد من بعـده كما قـال تعالى: قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لا يَنْبَغِي لأحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (ص:35). فسخر له تعالى الـريح بكل سرعاتها تجرى بأمره حيث يشـاء فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ (الأنبياء:81).
فتسخير الريح هنا من الملك الذي لم يهبه تعالى لغير سليمان حتى أن آية الريح جاءت بعد آية طلب الملك. فجعلها الله منقادة بأمره، مذللة له. ومعنى رخاء أي لينة الهبوب لا تزعزع ولا تعصف ولا تقصف ولا تـدمر مـع قـوة هبوبها وسـرعة جـريها التي بلغت أقصى سرعة 300 كم / ساعة لأن الريح إذا بلغت سرعتها أكثر من 60 كم / ساعة أضرت بالأغصان فكسرتها، وإن زادت سرعتها على 70 كم / ساعة أضرت بالسفن فأغرقتها، وإن زادت على 80 كم / ساعة أضرت بالأشجار فقلعتها وإن زادت على 100 كم / ساعة أضرت بالمنشآت فهدمتها.
فكيف تكون إذا كانت سرعتها 300 كم / ساعة؟
لذلك أخبر تعالى أنها رغم هذه السرعة فأنها ليست ضارة أو مدمرة وإنما رُخَاءً. هذا بالنسبة لسليمان عليه السلام.
ففرق بين الريح الوسيط والريح الناقل، ففي الأخير ينتقل الريح بنفسه من مكان إلى آخر، وينقل معه ما ينقل، أما الأول فهو يسمح للشيء بالانتقال فيه، فهو مجرد وسيط. وسرعته كناقل 300 كم في الساعة. أما سرعة الأشياء فيه كوسيط فكلمح بالبصر.
لذلك يحسبون سرعة الصوت 340 م / ث أي 1224 كم / ساعة، والأمر غير ذلك تماماً فسرعة الصوت هي نفس سرعة الضوء سواء بسواء.
سرعة الصوت
نقول بأن سرعة الصوت كسرعة الضوء سواء بسواء لأنهما يسيران بسرعة (القضاء) وهي السرعة السادسة التي ذكرناها كَلَمْحٍ بِالْبَصَر (القمر:50) أما السرعة التي ذكروها فليست سرعة الصوت وإنما سرعة انتقال الصوت. أي سرعة الريح الناقل وهي 300 كم / ساعة وليست 1224 كم. ولإثبات أن سرعة الصوت تساوي سرعة الضوء نذكر أدلة للمؤمنين من القرآن وأدلة للتجريبيين من الواقع:
أدلة المؤمنين:
يذكر لنا القرآن أن الجبال والطير كانت تؤب مع داود يقول تعـالى وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ (الأنبياء:79) وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلاً يَاجِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ (سبأ:10) إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالإشْرَاقِ (18) وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ (ص).
إن الآيات تخبر أن الجبال – وليس جبل – كانت تسبح مـع داود. وأن الطير - وليـس طائر - يسبحن معه. ونؤكد على الجبال لأنها ليست في مكان واحد، بل متفرقة وكذلك الطير. فكانوا جميعا يسبحون معاً، ولو كان الصوت ينتقل للجبال والطير بالريح الناقل لما كانوا يسبحون مع داود. ولكـن الصوت هنا ينتقل بالأمر – بقانون الأمر وسرعته – عبر الريح الحامل (الوسيط). فتسبح الجبال ويسبح الطير مع داود على اختلاف أماكنها.
أما ذات التسبيح للجبال والطير فهذا أمر عادي فكل شيء يسبح لله ولكن الغير عادى أن تسبح مع داود. وقد كان داود حسن الصوت، كما كان يفهم تسبيح هذه الكائنات بما آتاه الله من الفضل.
والدليل الثاني من القرآن ما حدث مع يعقوب عليه السلام، عندما أعطى يوسف عليه السلام قميصه لاخوته ليلقوه على وجه أبيهم، يقول تعالى: اذهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِين (93) وَلَمَّا فَصَلَتْ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لأجدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلا أَنْ تُفَنِّدُونِ (يوسف). إن المسافة بين المدن المصرية ومدن الشام التي بها يعقوب لا تقل عن 400 كم. وقد ذكر المفسرون أنها كانت تبعد 10 مراحل أي عشرة أيام سفر ومسيرة. وقد أوضحنا أن مسيرة اليوم 40 كم. والآية تخبر أن بمجرد أن فصلت العير أي انفصلت عن حدود المدينة المصرية. قال يعقوب ذلك. والآية توضح هذا وَلَمَّا فَصَلَتْ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ ليس هنا أي فاصل زمني والفاصل الزمني نفهمه لو جاءت الآية بحرف تعقيب، كأن تقول ولما فصلت العير وقـال، أو فقال أو ثم قال أو عند ذلك قال. كل ذلك لم يحدث وإنما الذي حدث وَلَمَّا فَصَلَتْ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ أي وصلت الريح في سرعة كَلَمْحٍ بِالْبَصَر دون أي شك مع أننا نعرف أن الروائح تشم عندما ينقلها الريح وعلى ذلك فإنها تصل من مصدرها إلى حاسة الشم بعد مدة حسب بعـد الاثنين عـن بعضها، ولكـن هـذا إذا نقلها الريح أما أن تنتقل هي في الريح فكلمح البصر.
أدلة من السيرة:
تخبرنا كتب السير عن حادثة تمت في عهد عمر بن الخطاب. عندما أرسل عمر جيشا بقيادة " سارية بن زنيم" إلي حدود الفرس. فرأى عمر رضى الله عنه فيما يرى النائم معركتهم وعددهم في وقت من النهار، وأنهم في صحراء، وهناك جبل إن أسندوا إليه لم يؤتوا إلا من وجه واحد فلما كان الغد وكان عمر على المنبر يخطب وكانت الساعة التي رأى أنهم اجتمعوا فيها. صاح عمر: يا سارية الجبل، ثلاث مرات، ثم قال للناس بما رآه وقال: إن لله جنودا لعل بعضها أن يبلغهم.
ثم إن سارية أخذ جنده وفعل كما قال عمر ولجئوا إلى جبل هناك فلم يقدر العدو عليهم إلا من جهة واحدة فأظفرهم الله بهم وفتحوا البلد وغنموا شيئا كثيرا. وأرسل سارية رسولا يبلغ أمير المؤمنين بالفتح، وسأل أهل المدينة رسول سارية: هل سمعوا صوتا يوم الواقعة؟ قال: نعم سمعنا قائلا يقول: يا سارية الجبل وقد كدنا نهلك فلجأنا إليه ففتح الله علينا. ولما عاد سارية أخبر المسلمين بما كان وقال إن الله قد فتح علينا يوم الجمعة ساعة كذا وكذا – لتلك الساعة التي نادى فيها عمر – وسمعنا صوتا: يا سارية الجبل، ظلم مـن استرعى الذئب الغنم، فعلوت بأصحابي الجبل. ونحن قبل في بطن الوادي. فأصبحنا نحن محاصرو العدو ففتح الله علينا.
نفهم من هذا أن الصوت لم ينقله الريح وإلا لاستغرق بأقصى سرعته يوماً ولكنه وصل إلى سارية في نفس الوقت أي بسرعة الأمر كَلَمْحٍ بِالْبَصَر.
ذكر ابن أبي الدنيا في كتاب" المجابين" في الدعاء عن الحسن قال:" كان رجل من أصحاب النبي  من الأنصار يكنى أبا معلق، وكان تاجرا بمال له ولغيره، ويضرب به في الآفاق. وكان ناسكا ورعا، فخرج مرة فلقيه لص مقنع في السلاح فقال له ضع ما معك فإني قاتلك. قال: ما تريده من دمى؟ شأنك بالمال. فقال: أما المال فلي، ولست أريد إلا دمك. قال: أما إذا أبيت فذرني أصلى أربع ركعات. قـال: صل ما بدا لك. فتوضأ ثم صلى أربع ركعات. فقال في دعائه في آخر سجوده:
" يا ودود، يا ودود، يا ذا العرش المجيد، يا فعال لما يريد، أسألك بعزك الذي لا يرام وبملكك الذي لا يضام وبنورك الذي مـلأ أركان عرشك أن تكفيني شر هذا اللص. يا مغيث أغثني. يا مغيث أغثني". فإذا هو بفارس قد أقبل بيده حربه قد وضعها بين أذني فرسه فلما أبصر به اللص أقبل نحوه فطعنه فقتله. ثم أقبل إليه فقال: من أنت بأبي وأمي فقد أغاثني الله بك اليوم. فقال: أنا ملك من أهل السماء الرابعة. دعوت بدعائك الأول فسمعت لأبواب السماء قعقعة. ثم دعوت بدعائك الثاني فسمعت لأهل السماء ضجة، ثم دعوت بدعائك الثالث، فقيل لي: دعاء مكروب. فسألت الله أن يوليني قتله. قال الحسن: فمن توضأ وصلى أربع ركعات. ودعا بهذا الدعاء استجيب له مكروبا كان أو غير مكروب".
فهذا الأثر يدل على أن الصوت وصل إلى السماء من خلال الريح ولم ينقله الريح. فوصل إلى السماء في لمح البصر.
هذا والأدلة على انتقال الصوت وغيره من الروائح كثيرة جدا أكثر من أن تحصى.
أما دليلنا الواقعي:
ما تبثه أجهزة الإذاعة والتليفزيون من أصوات وصور من أي مكان كان. فإنه يصل إلينا في التو واللحظة بسرعة كَلَمْحٍ بِالْبَصَر ولا يتأخر الصوت عن الصورة ثانية واحدة.
وفي هذا الأمر دليل على قدرة الله تعالى وعلى فضله ونعمته على بنى آدم، فإن الله تعالى شاء أن تنتشر الأصوات والأضواء والروائح والصور والألوان جميعا في الأرض كلها في نطاق الغلاف الجوى.
ثم يحفظها الغلاف من الانفلات في الفضاء ويرجعها إلى الأرض. فكل هذه الأمور محبوسة ومحفوظة في داخل الأرض والسماءِ ذَاِت الرّجِع وجعلناَالسّمَاءَ سَقفاً مّحفُوظاً فكل الأصوات والأضواء والروائح وغير ذلك ينتشر حولنا وكان من الممكن لكل منا أن يدركه، ولكن نتخيل لو أن الله تعالى لم يحدد للإنسان قدرات معينة وأنه تعالى ترك قدراته مطلقة، فإنه سيجن وسيتلف في لحظة، لأنه سيرى كل شيء في الهواء وسيسمع كل شيء وسيشم كل شيء. كل ذلك في آن واحد. ولكن الله تعالى من رحمته قد حدد للإنسان قدرات سمعه وبصره وإدراكه وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأبصَارَ والأفْئِدَةَ قَلِيلا مَّا تَشْكُرُونَ فهذه نعمة كبيرة على الإنسان. ولكن هذه القدرات قد تنكشف بقدر معين للأنبياء أو الأولياء أو العلماء. أما الأنبياء فقد كانوا يسمعون ما لا نسمع ويرون ما لا نرى. وقد رأينا داود وسماعه لتسبيح الجبال والطير على أبعادهم ورأينا يعقوب قد وجد رائحة يوسف على بعد كبير وأما الأولياء فما رأيناه من عمر بن الخطاب مع سارية، وما رأيناه مع أبى معلق الأنصاري مع اللص.
وأما العلماء فقد رأينا أحدهم يأتي بعرش بلقيس إلى سليمان من مسافة تبعد آلاف الكيلو مترات في لمح البصر، ونحن نرى الآن كيف بالعلم استطاع العلماء أن يظهروا الأصوات والصور والألوان والأضواء الموجودة في الغلاف الجوى بمجرد تشغيل جهاز الراديو أو التليفزيون. فهذا الجهاز يظهر بقدرة العلم ما هو موجود حولنا ولا نراه، فالهواء في كل ذرة منه فيه أصوات لا تعد وفيه صور لا تحصى. موجود كل ذلك أمام أعيننا ولكننا لا نراه ولا نسمعه، ولكن بمجرد تشغيل التليفزيون فإننا نسمع ونرى وذلك في نفس اللحظة التي ترسل فيها هذه الأصوات والصور.
وقد أخبرنا رسول الله  أن الديك يرى الملائكة. وأن الحمار يرى الشيطان. وأن الشيطان يرى ما لا نراه نحن، يقول تعالى: وَإِذ زَيَّنَ لَهُمْ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لا غَالِبَ لَكُمْ الْيَوْمَ مِنْ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتْ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ (الأنفال:48).
إن الريح لآية من أعجب آيات الله تعالى بقدرتها وقدراتها. ولعل علماء الفيزياء والطبيعة قد تأكد لهم أن سرعة الصوت = سرعة الضوء = سرعة الروائح وأنها لمح البصر. وأن الريح هي الوسيط الذي تمر هذه الأشياء خلاله. وهي تمر بقانون الأمر كُنْ فَيَكُونُ . وأن الريح من القوة التي بها تحمل جبال وترفع جبال وتحرك جبال والجبال أثقل شيء أمامنا في الأرض.
وإن الريح من الرقة والشفافية بحيث أنها تحتوى على أصوات فلا نسمعها وألوان مختلفة وصور عديدة، في كل ذرة منها تتحرك أمام عيوننا ولا نراها إلا بالعلم من خلال الأجهزة. وإننا لا نستغني عنها ثانية أو أقل. فهل الجاذبية تفعل شيء من ذلك؟
تصريف الرياح
كان بعض المفسرين يرى أن الرياح إذا ذكرت بالإفراد يعنى (ريح)، فهي للهلاك، وإذا ذكرت بالجمع يعنى (رياح) فهي للنفع، وليس الأمر كذلك.
والريح والرياح مادتهما واحدة. ولكننا نستطيع أن نعرف عمل كل منهما من القرآن.
وبالبحث في آيات الرياح نجد دائما أنها متعلقة بالمطر والماء والسحاب والرعد والبرق، والثلج والبرد وما إلى ذلك. فهي إذن المسئولة عن تكوين المطر وعن مناخ الأرض.
أما الريح فإنها متعلقة بالأرض ذاتها فهي أصل الغلاف الجوى والرياح متصرفة في هذا الغلاف.
وكذلك تتعلق الريح بالإنسان وشئونه. أما الرياح فلا علاقة مباشرة لها بالإنسان وإنما دورها صناعة المطر والمناخ فالريح بمثابة جهاز تكييف للأرض صيفا وشتاء، دفئا وبرودة. في كل وقت وفي كل مكان على الأرض.
وكل أعمال الرياح مذكورة في القرآن بالتفصيل وبيّن القرآن كل ما تفعله الرياح بأبلغ بيان.
وقد ورد ذكر الرياح 10 مرات باسمها وذكرت مرات أخرى بعملها وصفتها.
الماء والحياة
الماء أصل الخلق جميعا، حتى السموات والأرض، والإنسان والحيوان. هكذا عرفنا مـن القرآن. وكل كائن حي من الماء. والأرض الميتة يحيها الله بالماء. وعرش الرحمن على الماء. والأرض عبارة عن كرة من الماء واليابس فيها الربع. والإنسان أيضا 4 / 3 جسده من الماء.
وكما لا يستغني سكان الأرض عن الهواء فإنهم أيضا لا يستغنون عن الماء. ولكنهم يستغنون عن الله رغم أنه تعالى هو الذي خلق لهم هذا وذاك وسخر لهم هذا وذاك وهو الذي يمدهم بهذا وذاك. لكن هذا هو الإنسان كَلا إِنَّ الإنسَانَ لَيَطْغَى (6) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى (العلق).
يقول تعالى: أَلَمْ تَر أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً (الحج:63) فالماء لا ينزل نتيجة مصادفة أو بفعل شحنات كهربائية. ولكن ينزله الله تعالى، الذي ينزله أيضا بقوانين جعلها سبحانه في الكون. أَفَرَأَيْتُمْ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ (68) أَأَنْتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنْ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ (69) لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلا تَشْكُرُونَ (الواقعة) وَأَنزَلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا (الفرقان:48).
وهذا الماء الذي ينزله الله تعالى من السماء، لسقيا الإنسان والحيوان والنبات، جزء منه يسكن الأرض وجزء أخر يسلك ينابيع وجزء ثالث يساق أنهارا، والله تعالى هو الذي بفضله يفعل هذا وذاك وذلك، يقول تعالى:
وَأَنزَلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الأرْضِ (المؤمنون:18)
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الأرْضِ (الزمر:21)
أَنزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا  (الرعد:17).
ولنتأمل هذه الكلمات (فَأَسْكَنَّاهُ، فَسَلَكَهُ، فَسَالَتْ) وإلى بلاغتها وروعتها ومعانيها. وكيف أنها جميعا بدأت بحرف واحد هو (الفاء) وهو يفيد هنا التعقيب والسرعة في الحدث الذي يتلو حدثا آخر. وكيف أن بعد نزول الماء يأخذ كل قدر منه طريقه المأمور به، ويعمل عمله المكلف به وبسرعة فيكون الماء بعد نزوله أحد ثلاث حالات: (سكن) (سلك) (سال) كل ذلك بأمر الله.
أما عن سقياه للناس والأنعام والنبات فيقول تعالى:
فَأَنْزَلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ (الحجر:22)
وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا (الفرقان:49)
وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ (الرعد:4)
كما يعلمنا القرآن أن الله تعالى يحيى الأرض بعد موتها بالماء. في هذه السبع التي لا ثامن لها:
(1) وَاللَّهُ أَنزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا (النحل:65)
(2) وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنْ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا(البقرة:164)

(3) سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ(الأعراف:57)

(4) وَأَنزَلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا (48) لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا (الفرقان)
(5) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ (العنكبوت:63)
(6) وَيُنَزِّلُ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِ بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا (الروم:24)
(7) وَنَزَّلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ (9) وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ (10) رِزْقًا لِلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِــكَ الْخُرُوجُ (ق).
ثم يفصل لنا القرآن كيف يحيى الله الأرض بعد موتها وأنه تعالى الذي يخرج الزرع من
هذا الماء بأنواعه وألوانه وأشكاله وأيضا ذلك في 7 آيات لا غير في كل القرآن:
(1) وَأَنْزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنْ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ (البقرة:22)
(2) وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ
خَضِرًا نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَرَاكِبًا وَمِنْ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ منْ
أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ
وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (الأنعام:99)
(3) فَأَنزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ (الأعراف:57)
(4) وَأَنزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنْ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ (إبراهيم:32)
(5) وَأَنزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْ نَبَاتٍ شَتَّى (طه:53)
(6) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا (فاطر:27)
(7)  أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الأرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا 
(السجدة:27).



أدخل عنوان بريدك الإلكتروني هنا يصــــلك كل جديــــد





بلغ الادارة عن محتوى مخالف من هنا ابلغون على الروابط التي لا تعمل من هنا



توقيع : manel


التوقيع



قصة الخلق من العرش إلى الفرش  story of Creation By Eid Wardany Emptyالجمعة 25 يناير - 22:58
المشاركة رقم: #
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
عضو الجوهرة
الرتبه:
عضو الجوهرة
الصورة الرمزية


البيانات
عدد المساهمات : 17945
تاريخ التسجيل : 17/10/2012
رابطة موقعك : ورقلة
التوقيت

الإتصالات
الحالة:
وسائل الإتصال:


مُساهمةموضوع: رد: قصة الخلق من العرش إلى الفرش story of Creation By Eid Wardany



قصة الخلق من العرش إلى الفرش story of Creation By Eid Wardany

وفي الآيات نلحظ الآتي:


لقد أتت هذه الآيات بالفعل أَخْرَجَ بهذه الصورة، (فأخرج، فأخرجنا، فنخرج) والفعل إذا أتى بصيغة الجمع فهو يعني ملائكة الله تعالى وعملها معه عز وجل، وهذا الأمر في أي فعل بصيغة الجمع ماعدا أفعال الخلق. والزرع موكل به ملائكة.
كذلك تقدم الفعل أخرج في الآيات السبع حرف (الفاء) الذي يدل على السرعة في الإخراج ففور التقاء الماء بالحب والبذر في الأرض يتم التعامل في سرعة كلمح بالبصر. وإن تأخر ظهور الزرع على وجه الأرض.
ثم نتأمل ما الذي يخرج: (من الثمرات، نبات كل شيء، من كل الثمرات، أزواجا من نبات شتى، مختلفا ألوانه، زرعا).
تبقى لدينا آيتان تتحدثان أيضا عن إخراج الزرع بالماء لم ندرجهما مع الآيات السبع لأسباب وجيهـة: يقـول تعالى في سورة النبأ وَأَنزَلْنَا مِنْ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا (14) لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَبَاتًا (15) وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا (النبأ).
لم تأت هنا عملية الإخراج في آية واحدة مع نزول الماء كباقي الآيات السبع. وإنما استقل الإخراج بآية تلت آية نزول الماء. وهذا يعنى أن الماء لم يلتق مباشرة مع النبات فور نزوله من السماء فلم يتم الري من السماء مباشرة وإنما من الأنهار وما يشق منها كالترع والقنوات. وقد استنتجنا ذلك من ثلاث من ثلاث ملاحظات:
الأولى: أن هذه الآية خصصت نزول الماء من الْمُعْصِرَاتِ وكلمة العصر تفيد أن الماء نزل بغزارة شديدة من عصر السحاب الذي عصرته الرياح.
الثانية: كلمة ثَجَّاجًا أي غزيرا منصبا. وهذا الماء النازل كالشلال أو السيل لا يحتمله النبات، فهو ينزل بقوته على جبال تتحمل قوة إنزال الماء الناتج عن العصر، يقول تعالى وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتًا (المرسلات:27) فورد في هذه الآية ذكر الماء الفرات بعد ذكر الرواسي الشامخات.
إنه دائما ما يكون خلف الرواسي الشامخات شلالات وأنهار يسوقها الله تعالى للأرض الجرز.
الثالثة: كلمة (لنخرج) إذ إنها اختلفت عن الآيات السبع بعدم ذكر حرف (الفاء) قبلها لأن الإخراج لم يتم فور نزول الماء، وإنما تم بعد ذلك من الأنهار.
وعلى ذلك يكون الزرع قد خرج بطريقتين من السماء مباشرة، أو من وسائل أخرى غير المطر. ولعل الفرق بين الأمرين يتضح إذا علمنا أن زكاة الزروع تكون العشر في الزرع المروى من السماء ونصف العشر في غيره.
والآية 21 من سورة الزمر لم ندرجها أيضا مع الآيات السبع وفيها يقول تعالى: أَلَمْ تَر أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الأرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَامًا .
ففي هذه الآية قال تعالى يُخْرِجُ تماما كالآيات السبع السابقة فهنا تخلف حرف (الفاء) وبتخلفه اختلفت الآية مبنى ومعنى، وذكر مع فعل يُخْرِجُ كلمة ثُمَّ فقـال ثُمَّ يُخْرِجُ أي أن الإخراج تم بعد نزول الماء بمدة أي على التراخي، وليس كالآيات السبع السابقة. فجاء الفعل يخرج بعد خمس كلمات بعد ذكر نزول الماء وذلك لأن الإخراج لم يعقب الماء ولم يكن بعد إنزال الماء، لأن الماء في هذه الآية لم ينزل للري المباشر. فلم يعمل الماء مباشرة بل إن الله تعالى سَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الأرْضِ أي تم تخزينه في الأرض. ليستعمل بعد ذلك. لذلك وردت كلمة ثُمَّ قبل الفعل يُخْرِجُ .
فالزرع هنا خرج بعد ريه من العيون التي أخرجت المخزون من ماء السماء. فنوع الرى هنا من العيون والآيات السبع السابقة الري فيها من ماء السماء مباشرة وهذا الأمر له أهميته في زكاة الزروع لقول رسول الله " فـيما سقت السماء العشر ومـا سقى بنضح أو غرب فنصف العشر". والأمر مفصل في كتب الفقه. وبذلك تكون الآيات جميعها قد ذكرت كل أنواع الري.
ثم في سبع آيات أخرى وأخيرة يذكر الله تعالى تفصيلات مغايرة لعملية الإخراج التي ذكرها في السبع آيات السابقة فهنا يتحدث عن الإنبات وما شابهه دون الإخراج:
(1) هُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ
(النحل:10)
(2) وَتَرَى الأرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (الحج:5)
(3) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الأرْضُ مُخْضَرَّةً (الحج:63)
(4) وَأَنزَلَ لَكُمْ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَءِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ (النمل:60)
(5) وَأَنزَلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (لقمان:10)
(6) وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الأرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ(فصلت:39)
(7) وَنَزَّلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ (ق:9).
ففي هذه الآيات يستعرض القرآن ما يحدثه الماء بالأرض ومدى الحركة التي تدل على الحياة بعد الموت اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ. وكيف يتحول لونها فَتُصْبِحُ الأرْضُ مُخْضَرَّةً. وكيف تنبت الأرض، أو بالأحرى كيف ينبت الله منها بهذا الماء الذي لا لون ولا طعم ولا رائحة له حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ وجَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ .
ثم كيف ينبت بهـذا الماء الشجر الضخم، العملاق، من بذرة لا تكاد ترى من صغرها، ودقتها، فتتحول بالماء إلى هذا الحجم، وفيها من الألوان المبهجة، والثمار الطيبة، والروائح الذكية. مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا .
ترى أنحن الذين فعلنا ذلك؟ أنحن الذين أنبتنا وأخرجنا أم أنه الله؟
أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُون َ(63) أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ (الواقعة).
هكذا يفعل الماء بالأرض. وهكذا ينبت الزرع ويخرج النبات، أشجار وأزهار وفاكهة وثمار وحبوب وخضار، من الماء ثم إنه كذلك بالهواء. الذي لولاه لما كان الماء يجدي ولا كانت نبتت حبة واحدة على الأرض.
الرياح لا الشمس التي تكون السحب
يعتقد الكثيرون ـ خطأ ـ أن الشمس هي التي تكون السحب. والأخرون لا يعرفون كيف تتكون السحب.
ويعتصرك الحزن والأسى وأنت تقرأ كتب الجغرافيا التي تتحدث عن تكون السحب وإنزال المطر وتنسب ذلك إلى الظواهر الطبيعية، من حرارة وضغط، وتضاريس ولا تذكر كلمة واحدة عن (الله) المكون الحقيقي للسحاب، والمنزل الحقيقي للماء أذكر مثالا لذلك من أحد كتب الجغرافيا الجامعية يقول مؤلفه:
" يتكون السحاب نتيجة لصعود الهواء الرطب إلى طبقات الجو العالية. حيث يتكاثف قسم من بخار الماء الموجود فيه. ويظل عالقا بالجو. ويصعد الهواء إلى أعلى بسبب تيارات الحمل التي تتباين في سرعة صعودها التي قد تصل إلى أكثر من أربعين مترا في الثانية. وتيارات الحمل مهمة في تكوين السحاب الركامي ويظهر أثرها في هيئة بقع غنية ببخار الماء، وفيها يعظم التكاثف. ويؤدى وجود الجبال واعتراضها لسير الريـاح إلى صعود الهواء، ويدعى هذا بالصعود التضاريسي أو الأوروجرافي".
أما عن تساقط المطر فيقول الكتاب:" يسقط المطر بسبب انخفاض درجة حرارة الهواء الرطب في طبقات الجو العليا إلى مادون درجة الندى وتكاثفه مكونا للسحاب الذي تتحول مكوناته إلى حبات مطر حينما تكون الظروف مواتية".
وهذا حال جميع الكتب المفترض أنها علمية والتي تدرس على طلاب العلم في مختلف المراحل حيث قد قطعوا الصلة تماما بين هذه النعم التي نعيش في خيرها وبين المنعم تبارك وتعالى. ومن ثم نجد التأكيد المتواصل في الآيات على أن الفاعل هو الله. ولنقرأ هذه الآيات الجليلة التي يتحدث فيها الرب تبارك وتعالى عن تكوينه للمطر، وإرساله للرياح، وإنزاله للماء، وذلك في كل مراحل تكوين المطر دون استثناء.
وتخبرنا الأحاديث أن الله تعالى وكل جمعاً عظيماً من الملائكة للقيام بأمر المطر هذا، وعلى رأس هؤلاء ميكائيل عليه السلام. يقول تعالى:
* اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ
(الروم:48)
* وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ (فاطر:9)
* أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنْ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُِ الأبْصَارِ (النور:43)
* وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالاً سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (الأعراف:57)
* وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ
بِخَازِنِــينَ (الحجر:22).
بنفس التفصيل الدقيق الذي حدثنا به الله، كيف أخرج بالماء الزرع. وكيف أنبت به من كل شكل ولون، وكيف يتم به رى الزرع وأنواع الري من الكلمات: (فأخرج، ثم يخرج، لنخرج) يحدثنا الله تعالى كيف يتكون السحاب وكيف ينزل الماء.
لم يسم القرآن عملية إنزال الماء للسقيا والري باسم المطر، إنما يقول فَأَنْزَلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً ويقول وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ أما كلمة المطر فرغم أنها وردت كثيرا في القرآن بلغت 15 مرة، إلا أنه لم يقصد في أي من الآيات التي ذكرت فيها أن المطر هذا هو الذي ينزله للسقيا أو للري ولكن كل الآيات التي ذكرت المطر ذكرته بالضر والأذى.
كقوله تعالى:
وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنذَرِينَ (الشعراء:173)
وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ (الحجر:74)
وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ (الفرقان:40)
وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ (النساء:102)
وما عدا هذا المطر الذي في سورة النساء فكل المطر نزل من السماء من فوق الغلاف الجوى للأرض: مطر من الحجارة الموجودة في السماء التي تسبح في الفضاء والتي ذكرناها ضمن الأشياء الموجودة في الفضاء غير الكواكب والنجوم. إنما نسمي نحن الغيث بالمطر لتعارفنا على ذلك.
يخبرنا الله تعالى أنه يكون السحاب بواسطة الرياح. وأيضا جميع العمليات المتعلقة بالماء والمطر. والقرآن ذكر أنواع الرياح التي تستخدم في هذا الآمر:
1 - فهناك رياح وظيفتها إثارة الماء لإحداث رذاذ الماء.
2 - ورياح لحمل السحاب المشبع بالرذاذ وهي أوقار عظيمة من المياه.
3 - ورياح تسوق الرياح الحاملة للسحاب، برفق ولين.
4 - ورياح لركم السحاب بعضه على بعض.
5 - ورياح لتلقيح السحاب.
6 - ورياح لتوزع السحاب المطير على الأمصار.
7 - ورياح لعصر السحاب وإنزال الماء منه كمن يعصر ثوبه بين يديه.



أدخل عنوان بريدك الإلكتروني هنا يصــــلك كل جديــــد





بلغ الادارة عن محتوى مخالف من هنا ابلغون على الروابط التي لا تعمل من هنا



توقيع : manel


التوقيع



قصة الخلق من العرش إلى الفرش  story of Creation By Eid Wardany Emptyالجمعة 25 يناير - 22:58
المشاركة رقم: #
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
عضو الجوهرة
الرتبه:
عضو الجوهرة
الصورة الرمزية


البيانات
عدد المساهمات : 17945
تاريخ التسجيل : 17/10/2012
رابطة موقعك : ورقلة
التوقيت

الإتصالات
الحالة:
وسائل الإتصال:


مُساهمةموضوع: رد: قصة الخلق من العرش إلى الفرش story of Creation By Eid Wardany



قصة الخلق من العرش إلى الفرش story of Creation By Eid Wardany

وفي الآيات نلحظ الآتي:


لقد أتت هذه الآيات بالفعل أَخْرَجَ بهذه الصورة، (فأخرج، فأخرجنا، فنخرج) والفعل إذا أتى بصيغة الجمع فهو يعني ملائكة الله تعالى وعملها معه عز وجل، وهذا الأمر في أي فعل بصيغة الجمع ماعدا أفعال الخلق. والزرع موكل به ملائكة.
كذلك تقدم الفعل أخرج في الآيات السبع حرف (الفاء) الذي يدل على السرعة في الإخراج ففور التقاء الماء بالحب والبذر في الأرض يتم التعامل في سرعة كلمح بالبصر. وإن تأخر ظهور الزرع على وجه الأرض.
ثم نتأمل ما الذي يخرج: (من الثمرات، نبات كل شيء، من كل الثمرات، أزواجا من نبات شتى، مختلفا ألوانه، زرعا).
تبقى لدينا آيتان تتحدثان أيضا عن إخراج الزرع بالماء لم ندرجهما مع الآيات السبع لأسباب وجيهـة: يقـول تعالى في سورة النبأ وَأَنزَلْنَا مِنْ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا (14) لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَبَاتًا (15) وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا (النبأ).
لم تأت هنا عملية الإخراج في آية واحدة مع نزول الماء كباقي الآيات السبع. وإنما استقل الإخراج بآية تلت آية نزول الماء. وهذا يعنى أن الماء لم يلتق مباشرة مع النبات فور نزوله من السماء فلم يتم الري من السماء مباشرة وإنما من الأنهار وما يشق منها كالترع والقنوات. وقد استنتجنا ذلك من ثلاث من ثلاث ملاحظات:
الأولى: أن هذه الآية خصصت نزول الماء من الْمُعْصِرَاتِ وكلمة العصر تفيد أن الماء نزل بغزارة شديدة من عصر السحاب الذي عصرته الرياح.
الثانية: كلمة ثَجَّاجًا أي غزيرا منصبا. وهذا الماء النازل كالشلال أو السيل لا يحتمله النبات، فهو ينزل بقوته على جبال تتحمل قوة إنزال الماء الناتج عن العصر، يقول تعالى وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتًا (المرسلات:27) فورد في هذه الآية ذكر الماء الفرات بعد ذكر الرواسي الشامخات.
إنه دائما ما يكون خلف الرواسي الشامخات شلالات وأنهار يسوقها الله تعالى للأرض الجرز.
الثالثة: كلمة (لنخرج) إذ إنها اختلفت عن الآيات السبع بعدم ذكر حرف (الفاء) قبلها لأن الإخراج لم يتم فور نزول الماء، وإنما تم بعد ذلك من الأنهار.
وعلى ذلك يكون الزرع قد خرج بطريقتين من السماء مباشرة، أو من وسائل أخرى غير المطر. ولعل الفرق بين الأمرين يتضح إذا علمنا أن زكاة الزروع تكون العشر في الزرع المروى من السماء ونصف العشر في غيره.
والآية 21 من سورة الزمر لم ندرجها أيضا مع الآيات السبع وفيها يقول تعالى: أَلَمْ تَر أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الأرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَامًا .
ففي هذه الآية قال تعالى يُخْرِجُ تماما كالآيات السبع السابقة فهنا تخلف حرف (الفاء) وبتخلفه اختلفت الآية مبنى ومعنى، وذكر مع فعل يُخْرِجُ كلمة ثُمَّ فقـال ثُمَّ يُخْرِجُ أي أن الإخراج تم بعد نزول الماء بمدة أي على التراخي، وليس كالآيات السبع السابقة. فجاء الفعل يخرج بعد خمس كلمات بعد ذكر نزول الماء وذلك لأن الإخراج لم يعقب الماء ولم يكن بعد إنزال الماء، لأن الماء في هذه الآية لم ينزل للري المباشر. فلم يعمل الماء مباشرة بل إن الله تعالى سَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الأرْضِ أي تم تخزينه في الأرض. ليستعمل بعد ذلك. لذلك وردت كلمة ثُمَّ قبل الفعل يُخْرِجُ .
فالزرع هنا خرج بعد ريه من العيون التي أخرجت المخزون من ماء السماء. فنوع الرى هنا من العيون والآيات السبع السابقة الري فيها من ماء السماء مباشرة وهذا الأمر له أهميته في زكاة الزروع لقول رسول الله " فـيما سقت السماء العشر ومـا سقى بنضح أو غرب فنصف العشر". والأمر مفصل في كتب الفقه. وبذلك تكون الآيات جميعها قد ذكرت كل أنواع الري.
ثم في سبع آيات أخرى وأخيرة يذكر الله تعالى تفصيلات مغايرة لعملية الإخراج التي ذكرها في السبع آيات السابقة فهنا يتحدث عن الإنبات وما شابهه دون الإخراج:
(1) هُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ
(النحل:10)
(2) وَتَرَى الأرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (الحج:5)
(3) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الأرْضُ مُخْضَرَّةً (الحج:63)
(4) وَأَنزَلَ لَكُمْ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَءِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ (النمل:60)
(5) وَأَنزَلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (لقمان:10)
(6) وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الأرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ(فصلت:39)
(7) وَنَزَّلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ (ق:9).
ففي هذه الآيات يستعرض القرآن ما يحدثه الماء بالأرض ومدى الحركة التي تدل على الحياة بعد الموت اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ. وكيف يتحول لونها فَتُصْبِحُ الأرْضُ مُخْضَرَّةً. وكيف تنبت الأرض، أو بالأحرى كيف ينبت الله منها بهذا الماء الذي لا لون ولا طعم ولا رائحة له حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ وجَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ .
ثم كيف ينبت بهـذا الماء الشجر الضخم، العملاق، من بذرة لا تكاد ترى من صغرها، ودقتها، فتتحول بالماء إلى هذا الحجم، وفيها من الألوان المبهجة، والثمار الطيبة، والروائح الذكية. مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا .
ترى أنحن الذين فعلنا ذلك؟ أنحن الذين أنبتنا وأخرجنا أم أنه الله؟
أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُون َ(63) أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ (الواقعة).
هكذا يفعل الماء بالأرض. وهكذا ينبت الزرع ويخرج النبات، أشجار وأزهار وفاكهة وثمار وحبوب وخضار، من الماء ثم إنه كذلك بالهواء. الذي لولاه لما كان الماء يجدي ولا كانت نبتت حبة واحدة على الأرض.
الرياح لا الشمس التي تكون السحب
يعتقد الكثيرون ـ خطأ ـ أن الشمس هي التي تكون السحب. والأخرون لا يعرفون كيف تتكون السحب.
ويعتصرك الحزن والأسى وأنت تقرأ كتب الجغرافيا التي تتحدث عن تكون السحب وإنزال المطر وتنسب ذلك إلى الظواهر الطبيعية، من حرارة وضغط، وتضاريس ولا تذكر كلمة واحدة عن (الله) المكون الحقيقي للسحاب، والمنزل الحقيقي للماء أذكر مثالا لذلك من أحد كتب الجغرافيا الجامعية يقول مؤلفه:
" يتكون السحاب نتيجة لصعود الهواء الرطب إلى طبقات الجو العالية. حيث يتكاثف قسم من بخار الماء الموجود فيه. ويظل عالقا بالجو. ويصعد الهواء إلى أعلى بسبب تيارات الحمل التي تتباين في سرعة صعودها التي قد تصل إلى أكثر من أربعين مترا في الثانية. وتيارات الحمل مهمة في تكوين السحاب الركامي ويظهر أثرها في هيئة بقع غنية ببخار الماء، وفيها يعظم التكاثف. ويؤدى وجود الجبال واعتراضها لسير الريـاح إلى صعود الهواء، ويدعى هذا بالصعود التضاريسي أو الأوروجرافي".
أما عن تساقط المطر فيقول الكتاب:" يسقط المطر بسبب انخفاض درجة حرارة الهواء الرطب في طبقات الجو العليا إلى مادون درجة الندى وتكاثفه مكونا للسحاب الذي تتحول مكوناته إلى حبات مطر حينما تكون الظروف مواتية".
وهذا حال جميع الكتب المفترض أنها علمية والتي تدرس على طلاب العلم في مختلف المراحل حيث قد قطعوا الصلة تماما بين هذه النعم التي نعيش في خيرها وبين المنعم تبارك وتعالى. ومن ثم نجد التأكيد المتواصل في الآيات على أن الفاعل هو الله. ولنقرأ هذه الآيات الجليلة التي يتحدث فيها الرب تبارك وتعالى عن تكوينه للمطر، وإرساله للرياح، وإنزاله للماء، وذلك في كل مراحل تكوين المطر دون استثناء.
وتخبرنا الأحاديث أن الله تعالى وكل جمعاً عظيماً من الملائكة للقيام بأمر المطر هذا، وعلى رأس هؤلاء ميكائيل عليه السلام. يقول تعالى:
* اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ
(الروم:48)
* وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ (فاطر:9)
* أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنْ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُِ الأبْصَارِ (النور:43)
* وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالاً سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (الأعراف:57)
* وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ
بِخَازِنِــينَ (الحجر:22).
بنفس التفصيل الدقيق الذي حدثنا به الله، كيف أخرج بالماء الزرع. وكيف أنبت به من كل شكل ولون، وكيف يتم به رى الزرع وأنواع الري من الكلمات: (فأخرج، ثم يخرج، لنخرج) يحدثنا الله تعالى كيف يتكون السحاب وكيف ينزل الماء.
لم يسم القرآن عملية إنزال الماء للسقيا والري باسم المطر، إنما يقول فَأَنْزَلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً ويقول وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ أما كلمة المطر فرغم أنها وردت كثيرا في القرآن بلغت 15 مرة، إلا أنه لم يقصد في أي من الآيات التي ذكرت فيها أن المطر هذا هو الذي ينزله للسقيا أو للري ولكن كل الآيات التي ذكرت المطر ذكرته بالضر والأذى.
كقوله تعالى:
وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنذَرِينَ (الشعراء:173)
وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ (الحجر:74)
وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ (الفرقان:40)
وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ (النساء:102)
وما عدا هذا المطر الذي في سورة النساء فكل المطر نزل من السماء من فوق الغلاف الجوى للأرض: مطر من الحجارة الموجودة في السماء التي تسبح في الفضاء والتي ذكرناها ضمن الأشياء الموجودة في الفضاء غير الكواكب والنجوم. إنما نسمي نحن الغيث بالمطر لتعارفنا على ذلك.
يخبرنا الله تعالى أنه يكون السحاب بواسطة الرياح. وأيضا جميع العمليات المتعلقة بالماء والمطر. والقرآن ذكر أنواع الرياح التي تستخدم في هذا الآمر:
1 - فهناك رياح وظيفتها إثارة الماء لإحداث رذاذ الماء.
2 - ورياح لحمل السحاب المشبع بالرذاذ وهي أوقار عظيمة من المياه.
3 - ورياح تسوق الرياح الحاملة للسحاب، برفق ولين.
4 - ورياح لركم السحاب بعضه على بعض.
5 - ورياح لتلقيح السحاب.
6 - ورياح لتوزع السحاب المطير على الأمصار.
7 - ورياح لعصر السحاب وإنزال الماء منه كمن يعصر ثوبه بين يديه.



أدخل عنوان بريدك الإلكتروني هنا يصــــلك كل جديــــد





بلغ الادارة عن محتوى مخالف من هنا ابلغون على الروابط التي لا تعمل من هنا



توقيع : manel


التوقيع



قصة الخلق من العرش إلى الفرش  story of Creation By Eid Wardany Emptyالجمعة 25 يناير - 22:59
المشاركة رقم: #
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
عضو الجوهرة
الرتبه:
عضو الجوهرة
الصورة الرمزية


البيانات
عدد المساهمات : 17945
تاريخ التسجيل : 17/10/2012
رابطة موقعك : ورقلة
التوقيت

الإتصالات
الحالة:
وسائل الإتصال:


مُساهمةموضوع: رد: قصة الخلق من العرش إلى الفرش story of Creation By Eid Wardany



قصة الخلق من العرش إلى الفرش story of Creation By Eid Wardany

ثم هناك رياح تبشر بقدوم المطر، يرسلها الله اسمها (المبشرات).

إذن فجميع عمليات إنزال الماء تتم بالرياح وهذا هو الفارق البين بين الريح والرياح. فكل مرحلة من مراحل المطر تكون بنوع معين من الرياح مخصص لهذا العمل رياح تُكّون (تثير) سحابا، ورياح تبسط السحاب في السماء، ورياح تنشرها، ورياح تقطعها، ورياح تؤلف بين أنواعها، ورياح تسوق السحاب (تزجى)، ورياح تحمل السحاب المثقل بالماء، ورياح تلقح السحاب لينعقد فيه الماء ورياح تتقدم بين يدي السحب الموقرة بالماء لتبشر الناس فلا تفاجئهم. وقد ذكرت هذه الرياح مفصلة في القـرآن يقـول تعالى: وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا (1) فَالْحَامِلاتِ وِقْرًا (2) فَالْجَارِيَاتِ يُسْرًا (3) فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا (الذاريات).
ثم يخبر تعالى عن خمسة أنواع أخرى: وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفًا (1) فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفًا (2) وَالنَّاشِرَاتِ نَشْرًا (3) فَالْفَارِقَاتِ فَرْقًا (المرسلات).
فهذه الأنواع ذكرت في سورتين. ثم هناك مُبَشِراتٍ وهناك لَوَاقِحَ في السورتين السابقتين.

وذكرت الرياح بأسلوب القسم تأكيدا لعظم أمرها وتنبيها لأهمية المقسم عليه.

يقول تعالى عن مرحلة تكون السحب اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ  (الروم:48).
فهذه الآية تنص على أن الرياح مرسلة من قبل الله تعالى، وليس هناك قانون محدد أو ظروف معينة تجعل الرياح تثير سحابا. فالأمر من الله وحده.
وماذا تفعل الرياح؟ أو كيف تكون السحب؟

يتم الأمر بطريقة الإثارة. ومعنى الإثارة: الإزعاج والتهييج لتحريك الساكن الخامل. وأقرب تصور لهذا الأمر هو: إثارة الغبار. أي إزعاج التراب الراكد فترتفع منه ذرات دقيقة وتعلو فوقه. فكذلك تفعل الرياح في الماء وفي كل الرطوبات فتزعجه وتثير بخارا يرتفع فوق الماء. وبخار الماء هذا هو مكونات السحاب.
ثم يرسل الله نوعا من الرياح تبسط السحاب في السماء ثم يرسل تعالى رياحا فتجعله كسفا، أي يجعله بعد بسطه ونشره قطعا متفرقة ثم يرسل تعالى رياحاً توزعه على البلدان.ثم يرسل تعالى رياحا لواقح لتلقح السحاب فيعقد بخار الماء إلى ماء. فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ الودق: المطر. يخرج من بين السحاب.
هناك نوع أخر من السحاب هو السحاب الركامي. يخبرنا تعالى بأنه عز وجل الذي يقوم بتوليفه وركمه بعضه فوق بعض حتى يكون جبالا. ثم ينزل الله تعالى من هذه الجبال البرد.
ولعل لهذه العملية التي تتكرر دوما في الأرض تذكر ببدء الخلق الذي بدأ بارتفاع بعض من ذلك الماء الذي كان العرش عليه ثم ارتفع هذا وتجمد وأصبح بعضه متجمدا والآخر دخانا ففتق الله بينهما.
إن هذا الأمر يتم كل يوم حيث يرفع الله تعالى أطنانا عظيمة من المياه وترفع وتسمو هذه المياه ثم يتجمد بعضها حتى يكون جبالا من الثلج معلقة في السماء.
إن هذا الأمر تماما هو ما حدث في بدء الخلق. وليست البداية من انفجار أو تصادم نجم بشمس أو انفجار النجم وحده، ولم نسمع أبدا ولم يصلنا أبدا أن هذا الأمر تم بالفعل مرة واحدة، ولم نسمع أبدا عن نجم انفجر أو نجم اصطدم. بينما نفس أسلوب تكوين السموات والأرض يحدث يوميا دون أن يفطن إلى ذلك أحد.
إن عمليات المطر هذه لدليل على قيومية الله تعالى وعلى تدبيره لشئون خلقه وأنه معهم كل لحظة. وأنهم لا يستغنون عنه لحظة من الزمن. وقد يظن الكثير أن هذا الأمر هو عملية روتينية، عادية، بينما الحقيقة أن الأمر يخلق كل يوم بأمر الله وأن هذه العملية، ليست ظاهرة طبيعية، بل تتم بواسطة الرياح وهذه الأخيرة تقوم عليها ملائكة تدبر أمرها كما قال تعالى فالمدبراتِ أمراً وإن كان كل ما في الكون مفتقر إلى الله، وان عملية المطر هذه لا تتم بدون فعل الله ولو تعاون الجن والإنس والملائكة في عملها.
وكما أن مشركي اليوم ينسبون المطر إلى القوانين الطبيعية والظواهر المناخية، فإن مشركي العرب في الجاهلية كانوا يشركون بالله كمشركي اليوم ولكن بصورة مغايرة. فالمشركون في العصر الحديث ينسبون الفضل في تكون السحاب وإنزال المطر إلى ظروف مناخية وجغرافية وقوانين ثابتة لا دخل لإله فيها. فإن مشركي العرب كانوا ينسبون الفضل في إنزال المطر إلى الكواكب لذلك نبه الله تعالى في حديث قدسي إلى كفر من يعتقد ذلك.
روى البخاري عن سفيان ابن عيينه أن النبي  قال حين مطر الناس ذات ليلة" ألم تسمعوا إلى ما قال ربكم؟ قال: } ما أنعمت على عبادي نعمة إلا أصبح فريق بها كافرين. وفريق بها مؤمنين. فأما من آمن بي وحمدني على سقياي فذلك الذي آمن بي وكفر بالكواكب {.
بل إن نزول المطر، وليس فقط تكونيه من أخص خصائص عمل الله عز وجل في خلقه ومع ذلك يقول العلماء والمسلمون منهم إن المطر ينزل بسبب انخفاض درجة حرارة الهواء الرطب في طبقات الجو العليا إلى مادون درجة الندى... الخ.
بينما يقول عز وجل:

إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (لقمان:34).
ولا يخلو وقت والأرض فيها رياح ومطر وسحاب في أي مكان منها. أخرج الشافعي وابن أبى الدنيا وأبو الشيخ عن النبي  أنه قال:" ما من ساعة من ليل ولا نهار إلا والسماء تمطر فيها، يصرفه الله حيث يشاء".
وأخـرج أبـو الشيخ عن الحسن قال:" ما من عام بأمطر من عام ولكن الله يصرفه حيث يشاء". أي أن المطر لا يخلو وقت إلا وينزل في مكان ما. كذلك ينزل المطر كل عام بكمية واحدة ونسبة ثابتة لا تزيد قطرة ولا تنقص قطرة. ولكن الله تعالى يوزع المطر كل عام على مختلف البلاد حسب مشيئته عز وجل يقول: وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا .
وروى بعضهم أن المطر ينزل معه ملائكة، يكتبون حيث يقع ذلك المطر ومن يرزقه، وما يخرج منه مع كل قطرة.
هذا دور الرياح في عمليه المطر. بالإضافة لهذا الدور تعمل الرياح كما ذكرنا كتكييف للأرض بالتعاون مع الشمس، حيث يجعلان كلاهما كل 4/1 درجة من درجات الأرض مختلفة الطقس والمناخ عن غيرها.
كان على علماء الإسلام من الجغرافيين والمناخيين أن يضعوا نظرية القرآن في تكوين المطر ونزوله وفي تغيير الرياح التي يرسلها الله لمناخ الأرض في نظرياتهم وكتبهم، حتى ولو مع غيرها من النظريات.
مخاوف في الغلاف الجوى
يقول تعالى:
(1) أَوْ كَصَيِّبٍ مِنْ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ
مِنْ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ (البقرة:19)
(2) وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمْ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنَزِّلُ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِ بِهِ
الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (الروم:24)
(3) هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ (الرعد:12)
(4) وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا
مَنْ يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ (الرعد:13)
(5) يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ
قَامُوا (البقرة:20) .
(6) وَيُنَزِّلُ مِنْ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ
عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالأبْصَارِ (النور:43)
(7) أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ لَهُ
فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ
نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ  (البقرة:266).
لقد ذكرنا قبلاً الأشياء الموجودة في الفضاء سوى الشمس والقمر والنجوم وهي (الكسف والحجارة والرجز والشهب والحاصب والحسبان). فهذه موجودة في السماء بعد الغلاف الجوى. أما هذه الآيات السبع والتي جمعت كل ما في القرآن من ظواهر تحدث في الغلاف الجوى، ومن ثم فهي متعلقة بالأرض أكثر منها بالسماء. وهي: الرعد، والبرق، والصواعق، والبرد، والإعصار وهذه الأمور مرتبطة بالسحاب وعمل الرياح فيه. ما عدا الإعصار (الزوبعة) فليس مرتبطا بالسحاب، ولا بالمطر، وإنما الإعصار ريح يثير الغبار ويرتفع إلى السماء كأنه عمود. قال الجوهري: الزوبعة رئيس من رؤساء الجن، ومنه سمى الزوبعة.
هذه الظواهر لها تفسيرات مختلفة بين المؤمنين والفلاسفة والتجريبيين وكل يفسر حسب معطيات مصدره فالمؤمنون يعتمدون على الوحى والفلاسفة يعتمدون على العقل ولا يعترفون بوحي. والتجريبيون مصدرهم ومعتمدهم على التجربة والمشاهد بالحواس ولا يعترفون بالوحي ولا بالعقل، حتى لو أوصلتهم مشاهداتهم إلي نتائج لا يقبلها ولا يتصورها العقل فإنهم يعتمدونها طالما وصلوا لها بالتجربة والمشاهدة.
أما المؤمنون، فرغم أن مصدرهم الوحي إلا أنهم لا ينكرون العقل ولا المشاهدة. فلا ينكرون العقل لأن ما يقدمه الوحي لا يتعارض البتة معه. بل إن الوحي دائما ما يقرر أن آياته لا يفهمها إلا العاقلون. ودائما ما يردد (أفلا يعقلون) (لعلكم تعقلون) ونزل الوحي بقول الكافرين وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ (الملك:10) بل إن الآية التي اشتملت على معظم آيات الخلق وهي الآية 164 من سورة البقرة تنتهي بقوله تعالى: وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأرْضِ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ. وكثيرة تلك الآيات التي ينعى فيها الوحي على الناس أنهم لم يستخدموا عقولهم... ولكن في نفس الوقت لا يغنى العقل عن الوحي.
كما إن المؤمنين لا ينكرون الحواس. بل إن الله تعالى سيسأل الناس يوم القيامة عن محصلة حواسهم إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً (الإسراء:36) وذلك لأن الله تعالى ما أعطاهم هذه الحواس إلا ليصلوا بها إلى معرفة الله. ويشاهدوا بها آياته ويشهدوا بقدرته ووحدانيته. أما ولم يحدث ذلك فلابد وأنهم قد عطلوا هذه الحواس لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمْ الْغَافِلُونَ.
واعترف الكافرون علي أنفسهم وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ.
يقول الفلاسفة عن ظاهرة البرق مثلا:" إن البرق ينقدح من اصطكاك أجرام السحاب المتراكمة من الأبخرة المتصاعدة والمشتملة على جزء ناري يتلهب عن الاصطكاك.
ويقولون عن الرعد:" إنه هو هذا الاصطكاك الذي يتم بين أجرام السحاب المتراكمة".
أما التجريبيون: فيقول" ج. ن. ليونارد في كتاب" جولة عبر العلوم":
" عندما تكون كسف من الثلج من داخل سحابة، فإن القطيرات المفرطة البرودة تكتسب شحنة كهربائية سالبة (ولا يعرفون سبب تلك الظاهرة) وأثناء هبوطها في اتجاه الأرض تندفع القطيرات المائية صاعدة بشحنة كهربائية موجبة إلى قمة السحابة الرعدية (وأيضا لم يعرفوا سبباً لهذه الظواهر) ذات الشحنة الموجبة القوية. أما قاعدة السحابة فتكون شحنة سالبة - وما أن يبلغ الجهد الكهربي أقصى شدته، حتى يبدأ سريان التيار الكهربي بين القمة والقاعدة (ومضات، برق) وتتميز الشحنات السالبة بخاصية اجتذاب الكهرباء الموجبة إليها. وما إن تصبح شحنة قاعدة السحابة سالبة، حتى تتكثف شحنات موجبة قوية في سطح الأرض الممتدة تحتها محاولة القفز خلال الهواء المنتشر بينها وبين السحابة (وكذلك لم يعرف سبب لهذه الظاهرة) ولما كان الهواء، عازلا قويا للكهرباء فلن تجد الشحنات الكهربية الأرضية أمامها غير التركيز على ما تجده أمامها من أشياء عالية، كالأشجار، وقمم الجبال والمنارات التي تكون أقرب ما تكون من قاعدة السحابة.
وعندما يحدث تسرب الكهرباء الذي لا تراه العين - تحصل ذرات الهواء القريبة من الأرض على شحنات موجبة بطريقة ما (وأيضا لا يعرف سبب لذلك ولا ماهي الطريقة) فتنجذب في اتجاه الشحنة السالبة في قاعدة السحابة الرعدية، فإذا تحركت بسرعة كافية، فإنها تسبب تأين الذرات الأخرى، فتسقط تلك الأخيرة إلكترونات سالبة لتمدها بشحنات موجبة، وتتحرك الإلكترونات في اتجاه الأرض، بينما تندفع الأيونات الموجبة الحديثة التكوين في اتجاه قاعدة السحابة، وبذلك تتكون" قنطرة من الهواء" المتأين الجيد لتوصيل الكهرباء عبر الفضاء بين السماء والأرض. وما أن يتم بناء هذه القنطرة حتى تنطلق شحنات في الفضاء، وهي تتخبط في حركتها - والتي تستغرق جزءًا من الثانية - تارة إلى أعلى وأخرى إلى أسفل محيلة الهواء بالتسخين إلى اللون الأبيض، ثم يتمدد الهواء بالحـرارة العـالية ثم يبرد ويتقلص بتوقف سريان التيار الكهربي، ويحدث هـذا التمدد والتقلص بسرعة كبيرة فائقة، فتحدث ذبذبات هوائية شديـدة اتفقنا على تسميتها (رعدا)" انتهي.
هذا تصور (مجرد تصور) لأحد التجريبيين وقد يخالفه غيره من زملائه وقد لا يتفق مع العقل لوجود حلقات كثيرة مفقودة، اضطروا لإيجاد افتراضات معملية لتسهيل الوصول إلى نتيجة علمية للظاهرة. وأيا ما كان الأمر فإن التجريبيين والفلاسفة لا يعتقدون في التفسير الإيماني، ولا يعترفون بالوحي. والتجريبيون المؤمنون بالوحي من المسلمين والمسيحيين واليهود يتفقون أيضا مع هذا التفسير رغم اختلافهم في بعض جزئياته الهامة.


أما المؤمنون فلهم رأى آخر.


فهم يقولون إن الرعد: اسم لصوت الملك الذي يزجر السحاب. والبرق: مخراق من حديد بيد الملك الذي يسوق السحاب. ويذهب إلى هذا القول أكثر الصحابة. وجمهور علماء التفسير والحديث.
أما الصواعق. فقالوا: هي قطعة من نار تنفصل من مخراق الملك الذي يزجر السحاب عند غضبه وشدة ضربه لها.
والبعض قال: إنها نار تخرج من فم الملك. وقال الخليل: هي الواقعة الشديدة من صوت الرعد.
وكما أن للفلاسفة أدلتهم المستمد بعضها من المعمل والتجارب في ظواهر مماثلة لما يحدث في السماء والبعض الآخر من الافتراضات، فإن للمؤمنين أدلة مستمدة من الوحي فالقرآن يقول هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَال َ(12) وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ (الرعد) فهم يقولون إيمانا بالقرآن وتصديقا له: إن هذه الظواهر يفعلها الله، فهو يُرِيكُمْ الْبَرْقَ وهو تعـالى وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ .
بينما يذهب الفلاسفة إلى غير ذلك قائلين بأن هذا يتم نتيجة اصطكاك السحاب بعضه ببعض. والتجريبيون يعتبرون أن هذه الظواهر مجرد صدفة غير مدبرة، ولا فاعل لها من خارجها.
والمؤمنون يقولون لا مانع أن تكون آيات الله لها أسباب معينة ومرتبطة بظواهر ثابتة كأن يكون الرعد والبرق مع وجود السحاب الثقيل والمطر.
ويقول ابن تيمية: إن الله تعالى يخوف بآياته حتى ولو كان ميعادها معروفاً كما يحدث في الكسوف والخسوف وهما" آيتان من آيات الله يخوف بهما عباده" كما في الأحاديث العديدة.
وهما يحدثان في مواعيد معروفة ومحددة لكثير من الناس وكذلك البرق والرعد والصواعق تفعل في نفوس الناس مشاعر متباينة من الخوف والطمع.
وهو أمر ثابت ولا مراء فيه. فما من برق يحدث إلا ويفرح به المحتاج للمطر لسقيه ولزرعه وغيرهما. ويخاف منه من لا يحتاج إلى المطر. بل إن البرق يحدث في النفوس رهبة وخشية لا يعدلها أمر أخر إلا الرعد.
كذلك لا خلاف أن الصواعق يتحقق منها ما يقوله تعالى وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ ويعلم الجميع ما تسببه الصواعق إذا نزلت على شيء. وهو أمر دائم الحدوث لا ينقطع، ولم تنجح كل علوم الغرب الدنيوية في إيقاف هذه المخاوف. والمهلكات. رغم غزوهم - كما يقولون - للفضاء، ورغم امتلاكهم أقمارا صناعية تلتقط ما يحدث على الكرة الأرضية كلها ورغم إدعائهم بتنبئهم بالريح والمطر والبرد والحر، بما يصورونه كل لحظة للغلاف الجوى إلا أنهم حتى الآن لم يمنعوا ظاهرة واحدة من هذه الظواهر ولم ينجوا بأنفسهم من أي أمر يرسله الله فيهلك منهم الآلاف. في لمح البصر.
كما يستدل المؤمنون باعتقادهم في هذه الأمور وبما يقولون فيها بما ورد لهم عن رسول الله  فقـد أخرج أحمد أنه قـال" إن الله ينشئ السحاب فتنطق أحسن النطق، وتضحك أحسن الضحك". وقيل المراد بنطقها الرعد وبضحكها: البرق.
وثبت عند أحمد والترمذي والنســـائي والحاكم من حديث ابن عمـر قال: كان رسول الله  إذا سمع الرعد والصواعق قال:" اللهم لا تقتلنا بغضبك ولا تهلكنا بعذابك. وعافنا قبل ذلك".
وأخرج بن مردوية عن جابر بن عبد الله أن خزيمة بن ثابت سأل رسول الله عن منشأ السحاب. فقال:" إن ملكا موكلا يلم القاصية ويلحم الدانية في يده مخراق، فإن رفع برقت وإذا زجر رعدت وإذا ضرب صعقت".
وأخرج أحمد والترمذي وصححه والنسائي وابن المنذر وابن أبى حاتم وابو الشيخ في العظمة وابن مردوية وأبو نعيم في الدلائل والضياء في المختار عن ابن عباس قال: أقبلت اليهود إلى رسول الله  فقالوا يا أبا القاسم إنا نسالك عن خمسة أشياء فإن أنبأتنا بهن عرفنا أنك نبي واتبعناك. فأخذ عليهم ما أخذ إسرائيل على بنيه إذ قال: الله على ما نقول وكيل. قال:" هاتوا". قالوا: أخبرنا عن علامة النبي؟ قال:" تنام عيناه ولا ينام قلبه" قالوا: أخبرنا كيف تؤنث المرأة وكيف تذكر قال" يلتقي الماءان، فإذا علا ماء الرجل ماء المرأة أذكر، وإذا على ماء المرأة ماء الرجل آنثت" قالوا: أخبرنا عما حرم إسرائيل على نفسه؟ قال:" كان يشتكى عرق النساء فلم يجد شيئاً يلائمه إلا ألبان كذا وكذا. يعنى الإبل فحرم لحومها" قالـوا: صدقت. قالوا: أخبرنا ما هذا الرعد؟ قال:" ملك من ملائكة الله موكل بالسحاب بيده مخراق من نار يزجر به السحاب يسوقه حيث يشاء الله" قالوا: فما هذا الصوت الذي نسمعه؟ قال:" صوته" قالوا: صدقت. إنما بقيت واحدة وهي التي نتابعك إن أخبرتنا، إنه ليس من نبي إلا له ملك يأتيه بالخبر فأخبرنا من صاحبك؟ قال" جبريل". قالوا: جبريل ذاك ينزل بالخراب والقتال والعذاب، عدونا، لو قلت ميكائيل الذي ينزل بالرحمة والنبات والقطر لكان. فأنزل الله قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ... إلى آخر الآية (البقرة:97).
وأخرج البخاري في الأدب المفرد وابن أبى الدنيا وابن جرير عن عباس أنه كان إذا سمع صوت الرعد قـال:" سبحان الـذي سبحت له" وقال" إن الرعد ملك ينعق بالغيث كما ينعق الراعي بغنمه".
وأخرج ابن أبى حاتم عن أبى هريرة أن الرعد صوت الملك.
وإخرج إبن المنذر وابن مردوية عن ابن عباس قال: الرعد ملك اسمه (الرعد) وصوته هذا تسبيحه، فإذا اشتد زجره احتك السحاب واضطرم من خوفه فتخرج الصواعق من بينه.
هذه هي الرؤية الدينية لهذه المخاوف والظواهر التي توجد في الغلاف الهوائي وخاصة في السحاب. وهي لا تلقى قبولا في هذا العصر حتى من المؤمنين المعاصرين أنفسهم. وإلا ما كان أصحاب تفسير المنتخب قالوا ما قالوه في تفسير الرعد. فقد فسروا قوله تعالى: وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ فقالوا:" إن الرعد خاضع له سبحانه خضوعا مطلقا، حتى إن صوته الذي تسمعونه كأنه تسبيح له سبحانه بالحمد على تكوينه دلالة على خضوعه".
هل يعقل أيها السادة أن يقول الله وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ وهم يقولون:" كأنه يسبح" لقد وصل الأمر بالمسلمين الآن أنهم أصبحوا يستحون من الكثير من آيات القرآن لأنها لا تتفق والمعارف الحديثة وكأن هذه الأخيرة هي العلم المطلق الثابت.
لماذا نستنكر أن الرعد يسبح أليس الله يقول وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ (الإسراء:44). ويستنكرون أن تسجد الشمس والقمر والنجوم، ويجدون حرجا ويذوبون خجلا أمام هذه الآيات. وهي قول حكيم خبير، قول الذي خلق الأشياء كلها والعالم بكل ما يدور في ملكه وملكوته.
أيها السادة: هذه آراء الفئات البشرية الثلاث، التي أنتجت فكرا وعلما ومعارف في البشر (الفلاسفة والتجريبيون والمؤمنون) ولكم أن تختاروا قول من تشاؤن منهم. أما أنا شخصيا فإن لم يؤاخذني أحد على اختياري فإنني أختار وأؤيد قول المؤمنين. بل إننى أختار قولهم حتى لو آخذني أحد. وليكن ما يكون. ولا ضير إنا إلى ربنا لمنقلبون. إنني اتبع قول المؤمنين، إتباعا لقول الله تعالى وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (النساء:115).



أدخل عنوان بريدك الإلكتروني هنا يصــــلك كل جديــــد





بلغ الادارة عن محتوى مخالف من هنا ابلغون على الروابط التي لا تعمل من هنا



توقيع : manel


التوقيع



قصة الخلق من العرش إلى الفرش  story of Creation By Eid Wardany Emptyالجمعة 25 يناير - 23:00
المشاركة رقم: #
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
عضو الجوهرة
الرتبه:
عضو الجوهرة
الصورة الرمزية


البيانات
عدد المساهمات : 17945
تاريخ التسجيل : 17/10/2012
رابطة موقعك : ورقلة
التوقيت

الإتصالات
الحالة:
وسائل الإتصال:


مُساهمةموضوع: رد: قصة الخلق من العرش إلى الفرش story of Creation By Eid Wardany



قصة الخلق من العرش إلى الفرش story of Creation By Eid Wardany

كلمة أخيرة


وبعد..


فيا علماء الأرض:

من كل جنس. ومن كل دين. وفي كل فرع من العلوم.


هذه هي أدلتنا التي سقناها لكم عن ثبات الأرض. وعن دوران الشمس والقمر والنجوم حولها كل يوم. فإن كان عندكم دليل واحد على غير هذا فأتونا به.
دليل واحد فقط بخلاف ما نقول.. فقدموه لنا..
وليس عندكم شيء.. فخذوا ما عندنا إذن..
إن كنتم مسلمين فراجعوا أنفسكم.. وراجعوا مصادركم. وإن وجدتم فيما نقول خطأ شرعياً واحداً فواجهونا به.
وإن كنتم غير مسلمين ومن أهل أي دين فقد ذكرنا ما هو ثابت في كتابكم وإن كان هناك خطأ في الاستدلال فأخبرونا ما هو.
وأن كنتم لا تؤمنون بأي دين ولا تؤمنون بالله، فقد قدمنا لكم أدلتنا العلمية والحسابية والجغرافية فراجعوها بآلاتكم، وأجهزتكم. وابحثوا عن صدقها في مراصدكم ومختبراتكم، وإن وجدتم خطأ واحدا في ما قدمنا من أدلة علمية وواقعية فأضربوا بكلامنا كله عرض الحائط ولا تأخذوا منه شيء.
ولكن قد يتساءل القارئ العادي - مثلى - والمثقف البسيط، ألم ير رجال الفضاء عندما صعدوا فيه الأرض وهي ثابتة أو وهي تدور؟
أقول بأن الذين صعدوا إلي السماء لم يروا شيئا. وقالوا كما أخبر عنهم الله تعــالى: إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ (الحجر:15).
فعندما يخرج الإنسان ـ وهو مخلوق أرضى ـ من الأرض وغلافها الجوى يفقد الكثير مما يؤهله للتلقي، يفقد الوزن والتوازن وليس هذا في ثقل جسمه فقط، بل يختل توازن كل أعضائه وكل حواسه. حتى دمه الذي يجرى فيه. وعقله الذي يفكر به.
فكيف يرى من يصبح هذا حاله؟
وكيف نتلقى علما ممن أنعم الله عليه ورفعه عن الأرض. وكان أول إنسان يرفعه الله من غير الأنبياء إلى السماء ثم ينزل ليقول للعالم كله:
" لقد كنت أشعر في سفينة الفضاء وكأنني في منزلي. وبحثت عن الله فلم أجد".
وهكذا قال جاجارين الذي رفعه الله إلى السماء وسمح له بالصعود فيها.
بالله عليكم كيف نأخذ علما من هذا؟ أو من أمثاله؟
ولو كانت للمشاهدات أهمية عندكم، فإن جاجارين مثلا لم يصرح بشيء ذي أهمية سوى أن قال" لقد شاهدت تعاقبا سريعا للظلام والنور على سطح الأرض". فإن دلت هذه الملحوظة على شيء فإنها لتدل على آية الله والشمسُ تَجِريِ .
وحتى لا يظن أحدا أننا نبخس الناس أشياءهم أو نهضمهم حقهم نذكر كلمة لأحد المطلعين على أمور هؤلاء الفضائيين. يقول سعد شعبان:
" كثيرا من العوامل تؤثر في نفسية الرواد وتجعلهم في حاجة دائمة إلى قوة خارقة لمجابهة ظروف ليس لها مثيل على الأرض.
فالسماء من الفضاء مظلمة حالكة، والنجوم أضواؤها ثابتة وسط هذا الظلام لا تتلألأ، والصمت من حول سفن الفضاء مطبق. والمسافة الشاسعة تقوى الإحساس بأن سفينة الفضاء تدور فيما يشبه التيه، لا أول له ولا آخر.
والتطلع إلى الأرض من هذه الارتفاعات الشاهقة يبعث على الرهبة والوجل. وقد تطول الوحدة في سفينة الفضاء أياما. ولا ينمو معها إلا الملل، الذي يزيد من تولده صعوبة الحركة سواء لضيق المكان أو التأثير بانعدام الوزن. ولقد أدت هذه الظروف غير العادية إلى إصابة بعض رواد الفضاء بالهلوسة أثناء رحلاتهم.
وحسبنا أن بعض رواد الفضاء فقدوا أعصابهم أثناء رحلات (أبوللو) الأمريكية وثار بينهم وبين مركز المتابعة الرئيسي جدل تخللته عبارات وأقوال حادة أقرب إلى السب، أو التهجم منها مثلا:
إنكم لا تدركون ما نراه حولنا ولا نحس به من أهوال، وتصدرون تعليمات لا نحس إلا بتفاهتها".
فكيف بالله ننتظر من هؤلاء المساكين علما؟
يضيف سعد شعبان:" تسمى القوة في عالم الطيران باسم القوة (ج) ذلك أنه يصاحبها تغيرات فسيولوجية تحد من قدرة الإنسان الذهنية والبدنية، لأن الدورة الدموية، وضغط الدم، وأوضاع العين، وقوة الإبصار، ودقات القلب، ومدى السمع، وإشارات المخ، وحركة العضلات وانعكاس الأطراف، كلها تتعرض لمؤثرات خارجية تحد من إمكانات الحركة ومع زيادة القوة (ج) يتزايد العجز ابتداء من تراخى الأطراف وصعوبة التحكم فيها، حتى يصل إلى العجز الكلى".
فكيف بالله ننتظر من هؤلاء الخاوين علما؟
وبعد مرور أكثر من نصف قرن على غزوهم الفضاء – كما يقولون – ما هي الفائدة التي قدمها الفضائيون للإنسانية؟ لاشيء.
ما هي العلوم والمعارف التي أضافها هؤلاء للبشرية؟ لا شيء.
لقد كُلف الرائد العربي الفضائي الأمير" سلطان بن سليمان بن عبد العزيز" الذي شارك في رحلة مكوك الفضاء الأمريكي" ديسكفري" أي" المكتشف" وذلك عام 1405 هجرية 1985 ميلادية كلف بمهمة سهلة وبسيطة ليبحثها في الفضاء بمناسبة صعوده. فماذا فعل فيها؟
نترك المهندس" سعد شعبان" يحدثنا عن هذه المهمة التي كلف بها الأمير: يقول سعد شعبان في كتاب" أسرار الفضاء" صــ 228:
" ومن المهام التي أنجزها (انظروا إلى أنجزها هذه) رائد الفضاء العربي الأمير سلطان بن سلمان بن عبد العزيز رصد وتصوير هلال شهر شوال المبارك الذي تزامن وقت ظهوره مع وقت الرحلة. وهذه أول مرة يرصد فيها الهلال من سفينة فضاء لتعلن به الأمة الإسلامية وتنهي به صيام شهر رمضان. ولعل في ذلك وضع نهاية للجدل المحتدم بين أرباب التمسك بالحساب الفلكي، وأصحاب الاعتماد على المشاهدة بالرؤية لوضع قاعدة علمية ثابتة لأوائل الشهور العربية".
ثم بعد هذا الكلام الجميل يفاجئنا سعد شعبان بقوله:
" وجد العلماء السعوديون أن وقت بدء الرحلة يتزامن مع اليوم الأخير أو قبل الأخير من شهر رمضان ولذلك عولوا على إمكان بدء ظهور رصد الهلال من الفضاء بغرض حسم الجدل بين علماء الدين وعلماء الفلك الذي يحتدم عند أول كل شهر عربي خاصة في مواسم الصيام والأعياد والحج. لكن وضع مقعد رائدنا العربي في المكوك ربما أدى تكرار دورات المكوك كل ساعة ونصف حول الأرض إلى تعذر رصد الهلال. فخلال مدة الدوران كان يمكن لرائدنا أن يرى نصف الأرض مضيئا كالنهار لمدة 45 دقيقة بينما يرى في مدة مماثلة نصفها ملفعا بأستار الظلام. ولذلك اتصل رائدنا بمركز المتابعة في" هيوستن" وعلم منهم أن الأوساط الدينية في السعودية أعلنت بزوغ هلال شوال برؤيته بالوسائل التقليدية على الأرض".
فبالله عليكم، أي علم ينتظر من الفضاء؟
لقد هبطوا على القمر بأنفسهم وعلى المريخ والزهرة بمركباتهم وداروا حول باقي الكواكب.. أليس كذلك؟ فكم تكلفت البشرية من أجل هذا الطموح؟
ما الفائدة التي استفادتها البشرية؟
وقبل أن يرميني أحد بالتخلف وأنني ادعو إلى الأمية والجهل أعتصم بقول الله تعالى: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّـذِي خَلَق َ(1) خَلَقَ الإنسَانَ مِنْ عَلَق ٍ(2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأكْرَم ُ(3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الإنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (سورة العلق).
أقول كما يعلمنا الله. إذا أردنا العلم فلا بد أن يكون العلم لله، وبالله وفي الله وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا (طه:114) فالله تعالى هـو العالم وهـو العليم وهو الخبير فلماذا لا نتعلم منه عز وجل وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (البقرة:282).
أمـا علماء المسلمين فإنني أدعوهم أن ينبذوا كل علوم القرن العشرين جانبا، وأكرر مرة أخرى، لا أقصد علوم الأدوات المنزلية والاتصالات فالغرب هم الأبرع فيها، وهم فيــها (عالمون) ويكفي أن الله تعالى شهد لهم في ذلك يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنْ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا (الروم:7) أما عن الكون وعـن الآخرة فهم لا يعلمون. وَهُمْ عَنْ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ (الروم:7) إنهم لا يعلمون شيئاً عن هذا الكون لأن الله تعالى قال: مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ وَلا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا (الكهف:51). وكل ما يقولونه ضلال رغم أن أهل الأرض يتفقون عليه ولكنه لا يرضى الله ومخالف لقوله وشرعه: وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ (الأنعام:116).
وبسكوت علماء الشرع خاصة عن هذه المخالفات الشنيعة فقد أعطوا الفرصة لغيرهم من العلماء أن يسكتوا. فلم تبق ناحية من نواحي الحياة إلا وأصبحت تتبع منهج الغرب الذي هو مغاير ومخالف لمنهج الله تماما. وما من علم من العلوم إلا وأصبح المسلمون فيه تابعين للغرب وهم بقول الله جاهلون، غافلون.
على كل مؤمن في فرع من العلوم، يرى مخالفة لهذا العلم مع منهج الله أن يبين لقومه هذا الاختلاف ويحذرهم منه، حتى لو كان العلم مستقي من علم الغرب، وليتبع قول الله فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ.
لقد وصل إتباعنا للغرب في كل العلوم، دون استثناء. حتى المتعلق منها بالدين، وأمور العقيدة، أمـا في السياسة، والقانون، والاجتماع والفيزياء، والفلك، والجغرافيا، والتاريخ، والأدب، والفلسفة، والإدارة وسائر العلـوم الإنسانية فليس للمسلمين فيها الآن إلا دور (الذَنَب).
إنهم أتباع إلى آخر المسيرة، حتى لو دخل متبوعوهم جحر ضب لدخلوه خلفهم. وإذا كان هذا حال العلماء وهم المرشدون، فما بالنا بالعامة، وما بالنا بالشباب، والمراهقين؟ كيف نلومهم إذا فعلوا ما يفعلون، وهم يرون مرشديهم أذناباً لأهل الغرب أو الشرق. وقد كان المفروض أن يكونوا روادا للبشر. وإلا فلمن يقول تعالى: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ (آل عمران:110).
إن الحال الذي وصل إليه أهل الأرض الآن. ومن كل جنس وكل ملة أرى أن يتحمل مسئولية جهلهم وما هم فيه، علماء المسلمين الذين يحملون النور ولكنهم يسيرون وراء العُمى الذين لا إنني أقولها: وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ إنكم جديرون الآن بأن يستبدل الله غيركم. لا يكونوا أمثالكم. فهل لكم أن تدركوا أنفسكم قبل أن تبدلوا بغيركم؟؟
هل لكم أن تتقدموا لتأخذوا الراية لتسير وراءكم البشرية.
إن حكام المسلمين الذين استبدوا برأيهم، وقهروا شعوبهم بسببكم أنتم.
إن الشباب الذين ضلوا طريقهم في الدين فتطرفوا بسببكم أنتم.
والشباب الذين ضلوا طريقهم في الدنيا فتطرفوا أيضا بسببكم أنتم.


فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم

اتقوا الله وسووا صفوفكم

اتقوا الله وأطيعوا ربكم

اتقوا الله واتبعوا كتابكم

اتقوا الله وانصروا دينكم

اتقوا الله وقودوا شعوبكم

اتقوا الله ووجهوا حكامكم

اتقوا الله ونقوا علومكم

اتقوا الله وتحرروا من أسركم
واتقوا النار فإن أول وقودها بنفر من بينكم.

اللهم.. هل بلغت: اللهم فاشهد.

اللهم.. هل بلغت: اللهم فاشهد.

اللهم.. هل بلغت: اللهم فاشهد.

اللهم إني أسألك بعينك التي لا تنام.. وبعزك الذي لا يرام وبملكك الذي لا يضام. وبنورك الـذي ملأ أركان عرشك. أن تكفيني شرهم. شر الجِنَة، والناس.
وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ
سُلْطَانًا نَصِيرًا (80) وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا (الإسراء).
رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا
تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنْ الْمُسْلِمِينَ (الأحقاف:15).
وآخر دعونا أَنْ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (يونس:10).



عيد ورداني

الإسكندرية ـ جمهورية مصر العربية




الإصدار الثاني للمؤلف :

السير في دروب معتمة



***********************



أدخل عنوان بريدك الإلكتروني هنا يصــــلك كل جديــــد





بلغ الادارة عن محتوى مخالف من هنا ابلغون على الروابط التي لا تعمل من هنا



توقيع : manel


التوقيع



الكلمات الدليلية (Tags)
قصة الخلق من العرش إلى الفرش story of Creation By Eid Wardany, قصة الخلق من العرش إلى الفرش story of Creation By Eid Wardany, قصة الخلق من العرش إلى الفرش story of Creation By Eid Wardany,

الإشارات المرجعية

التعليق على الموضوع بواسطة الفيس بوك

الــرد الســـريـع
..
آلردودآلسريعة :





قصة الخلق من العرش إلى الفرش  story of Creation By Eid Wardany Collapse_theadتعليمات المشاركة
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

اختر منتداك من هنا



المواضيع المتشابهه

https://ouargla30.ahlamontada.com/ منتديات ورقلة لكل الجزائريين والعرب