مقالة فلسفة هل علاقة الدال بالمدلول علاقة تلازمية ؟
المقدمة : (طرح المشكلة)
لكل واحد منا جملة من الأفكار و التصورات و المشاعر في ذاته ، و هو في حاجة إلى التعبير عنها من أجل التكيف مع المواقف التي يواجهها ، و هذا التعبير لا يتم إلا في شكل لغة ، و الشائع أننا غالبا ما نستعمل لغة الألفاظ و الكلمات ، لكن ما حرك الدراسات في مجال علم اللغة هو طبيعة العلاقة بين اللفظ و معناه ،و هنا كان الاختلاف الكبير بين الفلاسفة ، إذ ذهب البعض إلى أن العلاقة بين الدال و المدلول ضرورية و لازمة ، بينما يؤكد أنصار نظرية التواضع و الاصطلاح أن العلاقة بين الدال و المدلول تم الاتفاق عليها أي هي علاقة اعتباطية ، إذن فالإشكال الذي نطرحه : هل العلاقة بين اللفظ و معناه هي رابطة ضرورية منبعها محاكاة الطبيعة أم أنها اصطلاحية توافقية ؟
التحليل : (محاولة حل المشكلة)
لقد ساد اعتقاد منذ القديم عند "أفلاطون" و عند الكثير من اللغويين أن هناك ارتباطا وثيقا بين اللفظ و معناه ، و اللغة تأخذ شكل و بنية واحدة بين الدال و المدلول ، و يطفى سماع الكلمة لمعرفة معناها مثل زقزقة العصافير و خرير المياه ... و هذا ما أكده العالم الفرنسي "إميل بينفنيست " و دليله في ذلك هو أن الأطفال يعتقدون أن الأشياء تحمل في ذاتها أسماءها ، و كما يؤكد بعض علماء اللغة أن بعض الحروف لها معاني خاصة ، و إيقاع أو جرس الكلمة يوحي بمعنى خاص ، فحرف "الحاء" يدل على الانبساط و الراحة و مثل ذلك حب ، حنان ، حنين ، و حياة ،... و حرف "الغين" يدل على معاني الظلمة و الحزن مثل غم ، غيم ، غدر ، غرق ...
نقد : و لكن ليس من السهولة الجزم بأن العلاقة بين الدال و المدلول هي علاقة التزاميه و ضرورية ، إذ كيف نفسر تعدد اللغات ما دمنا نعيش في طبيعة واحدة ، و كيف نفسر تعدد الألفاظ للشيء الواحد ، مثل : مريض ، سقيم ، عليل ... و عليه فاللغة إبداع إنساني و ليست مجرد تقليد .
تعد العلاقة بين الدال و المدلول علاقة اعتباطية ، تعسفية و اصطلاحية و الكلمات لا تحمل أي معنى في ذاتها ، لأنها تمت بنتيجة الاتفاق و التواضع بين أفراد المجتمع الواحد ، حيث نفى عالم اللغة "دوسوسير" أن تكون هناك أي رابطة بين اللفظ ومعناه أو الشيء و قال " إن الرابطة الجامعة بين بين الدال و المدلول رابطة تحكمية " بمعنى أن الكلمة أو الرمز أو الإشارة لا تحمل في ذاتها أي معنى أو مضمون إلا إذا اتفق عليه أفراد المجتمع ، فالإنسان هو الذي وضع الألفاظ و الكلمات للتعبير و التواضع ضف إلى ذلك تباين الدلالات للكلمة الواحدة مثل فعل معين له عدة معاني و دلالات.
نقد : إن القول باعتباطية اللغة يجعلها تتصف بالعشوائية و تسمح للإنسان باصطلاح ألفاظ جديدة متى شاء و على ما يشاء ، و بالتالي لا بد أن يتقيد بقواعد و أساليب معينة تتوافق مع الاستعمال الاجتماعي .
التركيب أو التجاوز :
من خلال عرض الموقفين المتناقضين نجد أن الإنسان ما دام يعيش في الوسطين المادي و المعنوي ، فهذا يعني أن اللغة منها ما هو محاكاة للطبيعة و منها ما كان توافق و اصطلاح بين الناس و منها ما هو متجاوز لهما معا بمعنى أن الله سبحانه و تعالى هو الذي أوجد اللغة للإنسان.
الخاتمة : (حل المشكلة)
من خلال التحليل نستنتج أن العلاقة بين الدال و المدلول في اللغة هي طبيعية في بعض كلماتها ، و تحكمية في بعضها الآخر و إن كان الطابع التحكمي يغلب على الطابع الضروري ، و عليه فالعلاقة بين الدال و المدلول علاقة اعتباطية تعسفية ، ناتجة عن التواضع الذي أكده الاستعمال.
.........
بلغ الادارة عن محتوى مخالف من هنا
ابلغون على الروابط التي لا تعمل من هنا