مرت المديونية الخارجية للجزائر منذ سنة 1990 إلى غاية سنة2007 مراحل تتلخص فيما يلي:
1-المرحلة الأولى: من 1990 إلى 1993
في هذه المرحلة انخفض إجمالي الدين بوتيرة منخفضة إذا انتقل من 28.37 مليار دولار أمريكي سنة
1990 إلى 25.72 مليار دولار أمريكي سنة1993، أي ما يعادل نسبة 9.34% إذ تميزت هذه المرحلة
بانخفاض أسعار البترول مما نتج عنه تراجع معدل النمو الاقتصادي وتزايد وتيرة التضخم حيث ارتفع إلى
20% سنة 1993 كما انخفضت احتياطيات الجزائر من العملة الصعبة وتجاوزت خدمات المديونية
الخارجية 80% من إيراداتها الخارجية، كل هذه التطورات أدت بالجزائر للجوء لصندوق النقد الدولي
بغرض الاقتراض حيث حصلت منه على 300 مليون وحدة حقوق سحب خاصة في جوان 1991 مما
أدى إلى انخفاض قدرة الجزائر على تسديد ديونها.
2-المرحلة الثانية: من 1994 إلى 1999
مع بداية 1999 أخذت الجزائر على عاتقها مجهودات كبيرة من أجل التصحيح الهيكلي للاقتصاد، فلجأت
لطلب المساعدة من صندوق النقد الدولي فقدم لها قرض متوسط الأجل بلغ 260 مليون دولار لدعم
ميزان المدفوعات مما أدى إلى ارتفاع الديون متوسطة الأجل بنسبة 13.18% من سنة 1994 إلى سنة
1996، كما أن اتفاق إعادة جدولة الديون الذي أبرمته الجزائر مع "نادي باريس" في ماي 1994
ساهم من جهة في خفض معدل خدمة الدين لتبلغ نسبته 30.9% سنة 1996 بعدما بلغ 47.1% سنة
1994 أي انخفض بنسبة 34.39%، وساهم من جهة أخرى في خفض ديون الجزائر المقومة بالدولار
والين بنسبة مرتفعة بلغت 51.96% وذلك بين سنتي 1994 و1996، ومثلت سنة 1997 نقطة تحول
في وضع المديونية الخارجية للجزائر حيث سجل الدين المتوسط وطويل الأجل اتجاها تنازليا لتبلغ
28.14 مليار دولار سنة 1999 أي انخفض بنسبة 15.31% منذ سنة 1996 مما أدى إلى انخفاض
إجمالي الدين بنسبة 15.86%، إلا أن معدل خدمة الدين عرف ارتفاعا ملحوظا سنة 1998 حيث بلغ
47.5% وهذا يرجع من جهة إلى إبرام اتفاق "القرض الموسع" الذي امتد من سنة 1997 إلى سنة
1998، ومن جهة أخرى إلى ارتفاع ديون الجزائر المقومة بالين وباقي العملات بين سنتي 1997
و1998 بنسبة 14.17% و13.3% على التوالي مقابل انخفاض ديونها بالدولار بنسبة 6.02% فقط،
ومع ارتفاع أسعار البترول سنة 1999 حيث بلغت قيمة البرميل 17.9دولار أمريكي وبهذا انخفضت
نسبة خدمة الدين لتصل إلى 39.1%
3-المرحلة الثالثة:من 2000 إلى 2010
سجلت أسعار البترول تحسن ملحوظا إذ بلغت 28.5 دولار أمريكي للبرميل الواحد سنة 2000 أي ارتفع
بنسبة 37.19% خلال سنة واحدة وهكذا وصل مبلغ الصادرات من المحروقات 21.7 مليار دولار
أمريكي مما أدى إلى انخفاض نسبة المديونية مقابل الصادرات لتصل إلى 19.8%، كما تجاوز الاحتياطي
من العملة الصعبة عتبة10 مليار دولار غير أن عجز ميزان المدفوعات سنة 2001 دفع الجزائر
للاقتراض بهدف تغطية هذا العجز مما أدى إلى ارتفاع ديونها سنة 2002، كما ارتفعت ديونها المتوسطة
وطويلة الأجل سنة2003 لتبلغ 23.35 مليار دولار وترجع هذه الزيادة إلى انخفاض سعر صرف الدولار
الأمريكي مقابل بقية العملات الصعبة خاصة مع ظهور"الأورو" كعملة منافسة له، كما ارتفعت الواردات
لتصل إلى 13.3 مليار دولار مقابل 12 مليار دولار سنة 2002 ومع إبرام الجزائر لاتفاق الشراكة"
الأورو متوسطية" مع دول الاتحاد الأوروبي فقد ارتفعت ديونها بالأرو في مقابل الدولار حيث ارتفعت
ديونها بالأورو بنسبة 24.48% في حين عرفت نسبة ديونها المقومة بالدولار ثباتا نسبيا إذ بلغت
39% من إجمالي الديون خلال سنتي 2003و2004، واستمرت المديونية الخارجية الجزائرية في
الانخفاض لتصل إلى حوالي 15.5 مليار دولار في مارس 2006 ومن أهم أسبا هذا الانخفاض ارتفاع
أسعار البترول حيث بلغ سعر البرميل الواحد في 5 مارس 2006 قيمة 73 دولار أي حصول الجزائر
على عائدات بالعملة الأجنبية بنحو 60 مليار دولار بفضل صادرات المحروقات التي تشكل نحو 98%
من صادراتها ولقد كشف بنك الجزائر الوطني أن المديونية الخارجية لجزائر بلغت 5.573 مليار دولار
في نهاية عام 2007 وذكر تقدير للبنك أن ديون بعيدة ومتوسطة المدى بلغت4.889 مليار دولار وهو
ما يمثل 87.7% من الديون الإجمالية، بينما بلغت ديون قصيرة المدى 684 مليون دولار أي 12.3%
من إجمالي الديون وقال التقرير أن 74.04% من الديون هي قروض ثنائية و4.06% قروض متعددة
الأطراف وهذا راجع إلى معدلات النمو التي حققتها الجزائر في هذه الفترة فقد وصلت معدلات نمو الناتج
الداخلي الخام للجزائر عامي 2008و2009 مقابل 1.5% في الفترة 1990-1999، كما أن الجزائر
سددت على دفعة واحدة وبصورة مسبقة باتفاق مع الدول الدائنة 12.87 مليار دولار عام 2006.
وقد كشف محافظ البنك الجزائري محمد لكصاصي أن الديون الخارجية في الوقت الحالي لا تمثل سوى
3.6% من الناتج الداخلي الخام مقابل 58.3% عام 1999 وهذا راجع إلى إقرار الرئيس عبد العزيز
بوتفليقة عام 2005 حيث قرر وقف الاستدانة من الخارج والسداد المسبق لكامل الديون الخارجية.
المطلب الثاني:الآثار المترتبة على أزمة المديونية الخارجية
عرفت الديون الخارجية للجزائر نموا خاصة في فترة التسعينات نجم عنه آثار سلبية وقبل التطرق لها نود
أن نشير إلى أن الذي أثقل كاهل الاقتصاد الوطني، لم يكن بصفة أساسية الحجم الكلي للمديونية بقدر ما
كانت خدمات الديون وتطوراتها، العبء الأثقل فقد انتقلت من 4.12 مليار دولار سنة 1986 إلى 9.34
مليار دولار سنة 1993 ويظهر هذا العبء من خلال الحالة المأساوية لمستوى خدمات الديون كحصة من
الصادرات حيث انتقلت من 35.8% سنة 1985 إلى 86% سنة 1993 أي بمعدل زيادة قدره 50%
مما يعني أن الجزائر أصبحت تدفع أربعة أخماس إيرادات صادراتها سنة 1993 بعدما كانت تدفع ثلثها
فقط سنة 1985 وكان لكل هذه آثار سواء على الصعيد الاقتصادي أو على الصعيد الاجتماعي والسياسي.
أولا: على الصعيد الاقتصادي
لقد كان لأزمة المديونية الخارجية آثار سلبية كثيرة من النواحي الاقتصادية نذكر أهمها:
1-الأثر على القدرة الذاتية للاستيراد:
لاشك أن خطة التنمية التي وضعتها الجزائر تحتاج إلى استيراد كثير من المعدات الإنتاجية والسلع الأزمة
بالإضافة إلى السلع الاستهلاكية، وهنا تتحدد العلاقة الوطيدة بين الواردات، وعملية التنمية الاقتصادية،
وأمام تفاقم الديون الخارجية للجزائر حيث لم تتمكن الجزائر من بلوغ نموها المنشود بسبب ضعف قدرتها
الذاتية على الاستيراد حيث تقاس القدرة الذاتية للاستيراد بالعلاقة التالية: القدرة الذاتية لاستيراد =(
إجمالي الصادرات- تفاقم الديون)/قيمة إجمالي الصادرات وعليه فإن القدرة الذاتية لاستيراد تزداد إذ:
زادت حصيلة الصادرات من السلع والخدمات، وزاد انسياب رؤوس الأموال الأجنبية للاقتصاد كالقروض،
قلة عوائد الاستثمارات الأجنبية الخاصة، انخفاض أسعار الواردات، لكن الذي يحدث في الجزائر العكس،
حيث خصصت مبالغ ضخمة لخدمة الديون، وارتفعت أسعار الواردات مقابل انخفاض مستمر في أسعار
الصادرات وهذا ما يؤثر سلبا على الاقتصاد الوطني فانخفاض الواردات من آلات و معدات ومواد يحتاجها
الجهاز الإنتاجي تسبب في تدهور مستويات الإنتاج، حيث تراجع معدل الناتج الداخلي الخام الذي يبلغ
1.5% في سنة 1990 و 0.2% سنة 1991 .
2-الأثر على التجارة الخارجية:
نظرا لما يمثله قطاع التجارة الخارجية من علاقات سلعية وأخرى نقدية، فإنه يعتبر القطاع المتلقي
للصدمات، لما يصيب صادرات البلد المدين من تقلبات تقرر بدورها تقلبات في القدرة الذاتية على
الاستيراد، هذا وقد اقترن نمو الديون بزيادة التعامل مع الاقتصاديات الرأسمالية كون معظم الديون
مصدرها من هذه الدول، وفي الوقت الذي نمت فيه واردات الجزائر، عرفت صادراتها انخفاضا زاد من
حجم العجز التجاري، ومن أهم التغيرات التي شهدها قطاع التجارة الخارجية في ظل هذه الأزمة: السماح
للقطاع الخاص بدخول مجالات الاستيراد خاصة المواد الغذائية والمواد الوسيطية، تشجيع رؤوس الأموال
الأجنبية على الاستثمار محليا، تغيير سياسة سعر الصرف الأجنبي، والتخلي تدريجيا على نظام رقابة
النقد الأجنبي مع إحداث تخفيضات في القيمة الخارجية للعملة الوطنية، الإلغاء شبه كامل لاتفاقيات الدفع
والتجارة الثنائية والتحول إلى التجارة متعددة الأطراف.
3-الأثر على ميزان المدفوعات:
رغم أن هناك جملة من العوامل المسئولة عن حجم ميزان المدفوعات، إلا أن مشكلة المديونية أثر بشكل
كبير على هذه الظاهرة، وكان عاملا مسئولا على استمرارها، فميزان المدفوعات في حاجة إلى أموال
أجنبية لكي يواجه العجز الذي يرجع إلى تدهور الدينار ففي سنة 1989 كان رصيد ميزان المدفوعات -
11.8 مليار دولار ولقد ارتفع هذا الرصيد إلى 8.44 مليار دولار سنة 1991 وهذا راجع إلى تعامل
الجزائر مع FMI وحصولها على قروض جديدة لتغطية العجز، وبتالي نلاحظ أنه كلما ارتفع حجم
المديونية فان وضعية ميزان المدفوعات تتدهور، وترتفع حاجته إلى أموال أجنبية جديدة، وبالتالي زيادة
العبء على المديونية الخارجية.
4-الأثر على الاحتياطيات الدولية للجزائر:
إن تفاقم أعباء خدمة المديونية الخارجية، قد دفع الجزائر عدة مرات إلى استخدام احتياطيات الذهب
والعملات الصعبة لتسديد جانب من خدمات ديونها، تلك الاحتياطات التي تعتبر بمثابة جهاز أمان يمكن
لدولة اللجوء إليه عند الحاجة لسد العجز في ميزان مدفوعاتها، حتى لا تضطر إلى تخفيض سعر صرف
عملتها في كل مرة.
ثانيا: على الصعيد الاجتماعي
لقد كان لأزمة المديونية الخارجية آثار اجتماعية كثيرة خاصة بعد الدخول في سياسات التصحيح لتخفيف
من حدتها، تحملتها الطبقات والشرائح الاجتماعية الفقيرة ذات الدخل المحدود بصفة خاصة من خلال :
-تدهور القدرة الشرائية لشريحة واسعة من فئات المجتمع، نتيجة ارتفاع أسعار المواد الأساسية والذي لم
تصاحبه زيادة حقيقية في مستوى الأجور وهذا نتيجة لاعتماد الجزائر على العالم الخارجي لسد احتياجات
المواطنين، وضغط نقص الإمكانيات المالية، لجأت إلى الضغط على الواردات من السلع الاستهلاكية
وإلغاء الدعم على كثير من السلع الغذائية، وتخفيض الدينار الجزائري أمام الدولار، وهذا ما أدى إلى
تدهور في مستويات معيشة السكان، ولم يكن هذا في إجمال الغذائي فقط بل في قطاعات أخرى ضرورية
كتدهور الخدمات الصحية، وارتفاع أسعار الأدوية ضف إلى ذلك الخطر الذي يهدد قطاع التعليم بمختلف
أطواره،
-زيادة حدة أزمة السكان خاصة مع النمو الديمغرافي حيث قدر عدد سكان الجزائر 29.6 مليون نسمة
سنة 1995 وعجز الدولة عن استيعاب التكلفة مما أدى إلى انتشار الأحياء القصديرية.
-ارتفاع معدلات البطالة خاصة بعد إغلاق الكثير من المؤسسات فقد وصل معدل البطالة 28% عام
1996.
ثالثا: على الصعيد السياسي
لم تقف أزمة المديونية عند الحدود الاقتصادية و الاجتماعية , بل تجاوز ذلك إلى تعريض حرية صانع
القرار السياسي إلى مزيد من الضغوطات والتدخل الأجنبي في ظل عالم يتميز بهيمنة الدول المتقدمة،
ومؤسساتها المالية الدولية، ومع تنامي ظاهرة العولمة بمكافحة أوجهها فإن من المتوقع تسارع عملة
رأس المال واحتواء الشركات متعددة الجنسيات، مصير الخطط الإنمائية، إذ يصبح خطر فقدان بعض
السيادة السياسية لدولة في تزايد، فلقد تم التدخل من طرف المؤسسات المالية الدولية في بعض القضايا
المتعلقة بالسيادة من خلال الالتزام باتفاقيات وبرامج الإصلاح الاقتصادي من طرف البلد المدين وهكذا
تكون التبعية في القرارات والموافقات التي تتبناها الدول المتقدمة في هذا الشأن ومن أمثلة الآثار
السياسية:
عدم الاستقرار السياسي الذي يغرسه تعاقب العديد من الحكومات الجزائرية في ظرف وجيز لتنظيم العديد
من الانتخابات التي التهمت قسط وفير من ميزانية الدولة.
انعدام الثقة بين الحاكم والمحكوم، إذ لم يكن الشعب طرفا في القرارات المتخذة، بل كان دائما هو الذي
يدفع ثمن هذه القرارات.
المطلب الثالث: مجهودات الجزائر من أجل حل الأزمة
تعتبر الجزائر من بين أكثر الدول معانات من أزمة المديونية الخارجية التي خلفت آثار وخيمة على مختلف
الأصعدة، الأمر الذي وضع الدولة الجزائرية أمام ضرورة ملحة لإيجاد حلول مختلفة، إذ لم تكن نهائية
لهذه المعضلة، التي باتت تهدد كيانها، وسنحاول هنا توضيح الحلول التي بادرت الجزائر باتخاذها :
أولا: سياسة تخفيض النفقات العامة والقرض مقابل الذهب
1-سياسة تخفيض النفقات العامة:
أمام تزايد الديون الخارجية للجزائر، وما ترتب عنه من عبء الإيرادات من العملة الصعبة للبلاد حاولت
التخفيض من هذا الوضع بتطبيق سياسة انكماشية تهدف إلى إجراء تخفيض معدل النمو الإجمالي للنفقات
العامة وهذا لتقليص عجز الميزانية، وتقييد الواردات وقد صاحب هذه المحاولات انخفاض أسعار النفط،
والذي يمثل 97% من الصادرات وانخفض معدل الطلب إلى 38% سنويا مابين سنة 1981 و1985
مقارنة ب 8.1% للفترة 1976 وقد خلفت هذه المحاولة آثار سلبية منها انخفاض نسبة الاستثمار إلى
إجمالي الناتج القومي من 39.1% إلى 29.7% خلال 1983-1986، وتجدر الإشارة إلى أنه رغم
تجميد الجزائر عملية استدانتها ارتفعت نسبة خدمة الدين بشكل كبير نظرا لضعف الصادرات وانهيار سعر
النفط سنة 1986.
2-سياسة القرض مقابل الذهب:
إن عملية تعريف "سواب" "Swap" هي تقنية مالية تستخدمها البنوك المركزية لبيع الذهب وشرائه
بالعملة الصعبة وتوجد حاليا ثلاث بورصات دولية متخصصة فيها تسمى "بورصة الذهب" هي بورصة
نيويورك وتحتكر 90% من عمليات التبادل، ثم بورصة لندن ثم بورصة زيوريخ وعملية "سواب" هي
عملية رهن، أو بيع الذهب إلى أجل بالعملة الصعبة، وتلجأ إليه الدولة التي تعاني ضائقة ماليو وكذا
النقص في احتياطها من العملة الصعبة، حيث تقرض كمية من الذهب مقابل الحصول على الدولار
الأمريكي بالسعر السائد في السوق، بعد اقتطاع سعر الفائدة المتفق عليه عن مدة استرجاع الذهب، وإذا
لم يتقدم المالك الأصلي لذهب لتسديد القرض المتحصل عليه، فإن ملكية الذهب يتغير صاحبها.
ولقد عرفت الوضعية المالية للجزائر سنة 1985 انخفاضا مستمرا من حيث احتياطها من العملة الصعبة
حيث وصلت في أوت 1990 إلى 425 مليون دولار أي ما يقابل تسديد حاجات البلد إلى الواردات لمدة
أسبوعين فقط ليبلغ في نهاية 1990 730 مليون دولار وهو ما يغطي حاجات البلد إلى 27 يوما،
وبالتالي اضطرت الحكومة للقيا بعملية "سواب" عام 1990 للحصول على قروض في بورصة نيويورك
برهن الذهب وكانت الكمية المعروضة خلال الفترة من أوت 1990 إلى ماي 1991 هي 760ألف أوقية
ذهبية أو ما يعادل 7900 سبيكة ذهبية ذات 100 أوقية ذهبية لأن مخزونها الذهبي كله من هذا النوع.
ثانيا: سياسة التمويل الخارجي المباشر لاستثمارات:
إن صيغة التمويل الخارجي المباشر لاستثمارات هي الوسيلة المحببة لدى كل الحكومات لوضع الإغراءات
الأزمة ونصوصها التشريعية والتنظيمية من أجل جلب أكبر عدد ممكن من رؤوس الأموال الأجنبية غير
أن القطاع الوحيد الذي يستقطب اهتمام الشركات الأجنبية هو قطاع المحروقات باعتباره ثروة معتبرة
سواء من ناحية البترول أو الغاز إلا أنه يعتبر مصدر تحول استراتيجي لتنمية قطاعات إنتاجية أخرى وقد
عرف قطاع المحروقات ثلاث محاولات من التوظيف لفك عقدة المديونية:
المحاولة الأولى:محاولة حكومة " حمروش" بيع مسبق للبترول والغاز، للحصول على قروض متوسطة
وطويلة الأجل لكنها لم تتوقف إذ حصلت في الواقع على قروض قصيرة المدى 9 أشهر إلى 15 شهر
لمواجهة متطلبات السوق من مواد استهلاكية والتي وصلت إلى آجال استحقاقها سنة 1990 هذا ما زاد
من عبء الديون من 2 مليار دولار إلى 4 مليار دولار.
المحاولة الثانية: محاولة وزير المالية في حكومة "حمروش" السيد غازي حيدس التي أحيطت بالسرية
التامة بمنح ثروة البترول كضمان لدى المؤسسات المالية الدولية، مثل بنك التنمية والتعمير، الذي وافق
على إعطاء الجزائر قرض بقيمة 100 مليون دولار أمريكي مع قرض من الحكومة الفرنسية بقيمة 7.7
مليون دولار ممولة من شركة "طوطال" البترولية سنة 1991 وهذا الاتفاق هو الذي مهد لاتفاق مع
صندوق النقد الدولي، والمبرم في 3 جون 1991 حصلت الجزائر بمقتضاه على قروض بقيمة 300
مليون دولار من حقوق السحب الخاصة لتمويل ميزان مدفوعاتها.
المحاولة الثالثة: قادها رئيس الحكومة السيد" أحمد غزالي" الذي قام بتعديلات على القانون الخاص
بالمحروقات لسنة 1986، حيث اشترط دفع حق الدخول في الحقول المستغلة والموجودة في "حاسي
مسعود" من قبل الشركات الأجنبية التي ترغب في الاستثمار فيه على أن تسترده مستقبلا من الإنتاج
وعموما كان إقبال الشركات الأجنبية على الاستثمار ضعيفا باستثناء قطاع المحروقات الذي أبرم 26 عقدا
مع الشركات الأجنبية .
ثالثا: إعادة جدولة الديون الجزائرية
في ظل تفاقم الوضع الاقتصادي، أوقفت الجزائر تسديد خدمات ديونها وبدأت المشاورات مع صندوق
النقد الدولي حيث تم توقيع على اتفاقية "Stand Bay" في أفريل 1994 والذي ظهر في شكل برنامج
لاستقرار الاقتصادي، يمتد على نحو سنة وقد احتوى هذا الاتفاق على بعض الإجراءات على مستوى
الاقتصاد الكلي، يتعلق الأمر أساسا باستمرار تحرير التجارة الخارجية، إعادة توازن الأسعار النسيبة،
وتبني ساسة نقدية صارمة.
وقد منح للجزائر قرض بقيمة 300 مليون وحدة حساب وزعت على أربعة أقساط وقد تم في إطار هذا
الاتفاق جدولة 15 مليون دولار أي بما يعادل 60% من مجموع الدين الخارجي وفي 21 جويلية 1995
وقعت الجزائر اتفاق في إطار نادي باريس يضم تسع اتفاقيات ثنائية لإعادة الجدولة على أن يكون المبلغ
الكلي للديون المجدولة 7 مليار دولار، وأول تسديد يجب أن يكون في نهاية 1999 و الدفع يكون
تدريجيا من خلال 25 سداسي وقد أرفقت إعادة الجدولة بوضع برنامج لتصحيح الهيكلي من أجل إنعاش
الاقتصاد وذلك تحت مراقبة صندوق النقد الدولي، وبرنامج إعادة هيكلة مع البنك الدولي للإنشاء
والتعمير، يعتبر هذا ضمان لاستعمال المواد المحررة عن إعادة الجدولة بصفة عقلانية أي ليس لتسديد
نفقات الاستهلاكية على حساب الاستثمار ولقد لجأت الجزائر إلى إعادة جدولة ديونها من أجل منح بعض
الوقت وإعطائها فرصة القيام بتصحيحات هيكلية للنهوض بالاقتصاد الوطني وتحسين أوضاعها الداخلية.
الخاتمة:
يتضح من خلال العرض العام لأزمة المديونية الخارجية أنه يستدعي علاجا قبل بلوغ مستويات يصعب
معها حتى التفكير في تحقيق معدلات نمو اقتصادية لذا وجب ضرورة النظر إليها ومواجهة آثارها
المحتملة.
ومن أخطر آثار المديونية الخارجية شل جهود التنمية وما يترتب عليه من انعكاسات اجتماعية وسياسية
في الدول المدينة وفي تعميق تبعيتها للجهات الدائنة ويظهر ذلك من خلال السياسة والبرامج التي
تفرضها الجهات المانحة للقروض على الدول المدينة مما يعمق تبعية الدول المدينة لرأس المال الدولي.
وتجدر الإشارة إلى أن الأزمات الاقتصادية والمالية التي تعانيها الدول النامية لا ترجع بالكامل إلى الأموال
الخارجية وإنما مردها في الواقع طريقة الدول المقترضة في إدارة تلك الأموال بشكل خاص وعمليات
التنمية بشكل عام كما أن اللجوء إلى الاقتراض ليس بالضرورة سلبيا أو إيجابيا ويتوقف ذلك على النتائج
المترتبة عن هذا الاقتراض.
والجزائر كغيرها من الدول النامية واجهت أزمة المديونية التي كان لها آثار اقتصادية واجتماعية
وسياسية، لكن بفضل الحلول التي طرحتها والمتغيرات العالمية التي كانت أسعار النفط في مقدمتها
تخلصت الجزائر من الأزمة لتفكر في استراتيجيات جديدة نحو التنمية الاقتصادية هذا في الوقت الحالي
لكن ما تخبئه الاقتصاديات والمتغيرات العالمية يبقى أمرا مجهولا بالنسبة لدول النامية خاصة مع الأزمة
المالية العالمية.
=
بلغ الادارة عن محتوى مخالف من هنا
ابلغون على الروابط التي لا تعمل من هنا