[59] هذا مذهب أبي حنيفة وصاحبه، وقال زفر: يَجب مهر المثل بالغًا ما بلغ؛ لأنَّ العقد ما دام فاسدًا لا يترتب عليه بذاته شيء، فتكون التسمية أيضًا فاسدة، فلا يلتفت إليها؛ إذ تكون لغوًا بحكم إبطال الشارع للعقد، ولو أوجبنا الأقل من المسمى ومهر المثل، لكان المسمى واجبًا في بعض الأحوال، وكان ذلك اعترافًا بالعقد الفاسد، وذلك لا يمكن أن يكون؛ (أبو زهرة، المرجع السابق، ص 213).
[60] أبو زهرة، المرجع السابق، 200 - 201.
[61] على أنَّ المانع الشرعي مردُّه أساسًا إلى ضمير الفرد ومدى تَمسُّكه بدينه؛ ولذلك فإنِّي أرى - والله أعلم - أنَّ هذه الموانع الشرعية يتعيَّن في هذه الأيام أن تكون قابلة لإثبات العكس؛ نظرًا لفساد الذِّمم، وخراب الضمائر، وبُعد الناس عن تعاليم الله؛ ولهذا السبب نفسه استحسن بعضُ الفقهاء وجوب العِدَّة في الفرقة بعد الخلوة الفاسدة بسبب المانع الشرعي، من قبيل الاحتياط.
وقد تكلم الباحثون المعاصرون عن المانع الطبيعي، وهو وجود شخص ثالث، والحق أنَّ الخلوة لا تتحقق إذا كان معهما شخص آخر.
[62] وصف الإحصان يترتب عليه أنَّ الزاني المحصن يعاقب بالرجم، وأما غير المحصن فيعاقب بالجلد.
[63] أي: إنَّه تزوجها بنية الدَّوام والاستمرار، ولكنه طلقها بعد ذلك طلاقًا معتادًا.
[64] الفار من الميراث هو الذي يطلق زوجته طلاقًا بائنًا بغرض حرمانها من الميراث؛ لأنه في مرض الموت.
[65] للتوسع في هذه الجزئية؛ راجع: شلبي، المرجع السابق، ص 372 - 384.
[66] يلاحقها باستجاشة شعور التقوى، ويلاحقها باستجاشة شعور السماحة، ويلاحقها باستجاشة شعور مراقبة الله؛ ليسود التجمُّل والفضل جوَّ هذه العلاقة، ناجحة كانت أم خائبة، ولتبقى القلوب نقيةً خالصة صافية موصولة بالله على كل حال؛ "في ظلال القرآن"، ج 1 ص 257.
[67] على أن القانون المصري بما وضعه من حد أدنى لسنِّ الزوجين، قد ضيَّق كثيرًا من هذه الحالات، وقد نص مشروع القانون المرتقب على إلغاء زواج الصِّغار، ومن الناحية الفقهية، فإن استعمال هذا الحق إنَّما يكون عندما يقوم غير الأب أو الجد بتزويج الصَّغير، أو عندما يزوج الأب أو الجد المعروف بسوء التصرف.
[68] قد يصادف أنْ تكون الزوجة قدمت لزوجها شيئًا في مُقابلة ما أعطاها على سبيل الهدية حسب ظنها، فإذا ما حكم باعتبار ما قدمه لها من الصداق واحتسب منه، فإنَّه يكون من حق الزوجة أن تطالبه باسترداد ما أعطتْه من هدايا؛ لأنه أثبت بموقفه أنَّه لا يستحقها؛ حيث ظهر لها أن ما اعتقدته هدية احتسب من صداقها، والحق أن هذا احتمال بعيد.
[69] وأمَّا لغةً، فقد جاء في "المصباح": "نفقت الدراهم نفقًا نفدت، ويتعدَّى بالهمزة، فيقال: أنفقتها، والنفقة اسم منه، وجمعها نفقات"، (باب النون مع الفاء وما يثلثهما).
[70] هذا التعريف أورده العلامة الصنعاني - رحمه الله - "سبل السلام"، ج 3 ص 218.
[71] وفي مجال الدراسة التي لا تحتمل عرض كل الأحاديث الواردة في هذا الموضوع، نكتفي بذكر بعضها في المتن، والإشارة إلى مواضع بعضها الآخر في هذا الهامش، وعلى سبيل المثال: "صحيح البخاري"، ج 3 ص 177 - 179، "سنن أبي داود"، ج 2 ص 244 - 245، "سبل السلام"، ج 3 ص 218 - 226، "نيل الأوطار"، ج 7 ص 101 - 103.
[72] "سبل السلام"، ج 3 ص 218 - 219.
[73] "صحيح البخاري"، ج 3 ص 179.
[74] "في ظلال القرآن"، ج 6 ص 603.
[75] الحاشية السابقة نفسها.
[76] وقد كانت تقول: "تقدر نفقة الزوجة على زوجها بحسب حالِ الزوج يُسرًا وعُسرًا، مهما كانت حالة الزوجة".
[77] شلبي، "ملحق أحكام الأسرة"، ص 28.
[78] أما المقاصة بين دَين النفقة وبين دَين ثابت للزوج على الزوجة من قبل، فقد منعه القانون المذكور إلاَّ فيما زاد عن حاجة المرأة الضرورية، وهو مسلك حسن أيضًا؛ لأن القاعدة الشرعية أن الضروريات مقدمة على أداء الدَّين.
[79] سوف نشير إلى شروط المسكن الشرعي بعد قليل.
[80] أبو زهرة، المرجع السابق، ص 273.
[81] وهي التي استبدلت بالمادة [81] من القانون 25 لسنة 1920.
[82] ولعله أمر غير مقصود، وكما سبق أنْ أشرنا إلى أنه ما من أحد أسهم في هذا القانون إلاَّ وهو يقصد تحقيق مصلحة الأسرة، وقد أكدت المذكرة التفسيرية هذا المعنى حينما قالت في تعليقها على النص المذكور: "كما أفصح المشروع عن الأحوال التي لا يعد فيها خروج الزوجة من دون إذن زوجها سببًا مسقطًا لنفقتها عليه، فقال: إنَّها الأحوال التي يباح فيها ذلك بحكم الشرع، كخروجها لتمريض أحدِ أبويها، أو تعهده أو زيارته، وإلى القاضي لطلب حقِّها، كذلك خروجها لقضاء حوائجها التي يقضي بها العُرف، كما إذا خرجت لزيارة مَحرم مريض، أو تقضي به الضرورة كإشراف المنزل على الانهدام أو الحريق، أو إذا أعسر بنفقتها، ومن ذلك الخروج للعمل المشروع إذا أذن لها الزوج بالعمل، أو عملت دون اعتراض منه، أو تزوجها عالِمًا بعملها؛ "المذكرة التفسيرية للقانون 44 لسنة 1979، ص 32"؛ (طبع الهيئة العامة لشؤون المطابع الأميرية).
[83] فالحكم المستند إلى عرف صحيح شرعًا هو حكم ثابت بحكم الشرع؛ لأنَّ الشارع هو الذي اعتبره دليلاً تثبت به الأحكام، ولذلك جاء في القواعد الفقهية: الثابت بالعُرف كالثابت بالنص، وقولهم: العادة محكَّمة.
فذِكْرُ العُرف بعد حكم الشرع الشامل للشرعي منه لغوٌ، أو يتبادر منه غير الشرعي؛ لأن العطف يقتضي المغايرة كما يقول علماء اللغة، ومثل العرف في ذلك كلمة "أو عند الضرورة"؛ لأن الثابت بالضرورة ثابت بحكم الشرع؛ لأن الشارع هو الذي جعل الضرورة دليلاً شرعيًّا، وأساس ذلك قوله - تعالى -: ﴿ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ ﴾ [البقرة: 173]، ومن هنا قرر الفقهاء قاعدتهم: "الضرورات تبيح المحظورات".
وعلى ضوء هذا البيان، ظهر لنا أنَّ كلمة العُرف هنا مقحمة لا تفيد، إلاَّ إذا أريد بها غير الشرعي؛ لأن الشرعي منه داخل تحت حكم الشرع؛ حيث إنَّ كلمة (حكم) مفرد مضاف إلى الشرع، والمفرد المضاف من صيغ العموم، كما يقول علماء الأصول، فتعم كل حكم ثابت بدليل شرعي، سواء كان نصًّا أم عرفًا أم غيرهما.
ولذلك نجد العلماء في تعبيراتهم لا يذكرون كلمة (ما يَجري به العرف) إلاَّ في مقابلة النص، فيقولون: ورد به نصٌّ، أو جرى به عرف، ولم نجد لهم تعبيرًا كالمذكور في المادة يذكرون فيه العرف في مقابلة حكم الشرع، فإذا كان ولا بد من ذكر العُرف في المادة، فينبغي صياغتها على الوجه التالي: "في الأحوال التي يباح فيها ذلك بحكم الشرع معًا ورد به نص، أو جرى به عرف، أو قضت به ضرورة"، ولو صيغت كذلك لا تحتاج إلى تقييد، ولا يعترض عليها أحد؛ (شلبي، المرجع السابق، ص 56).
[84] شلبي، "أحكام الأسرة"، ص 435.
[85] البري، المرجع السابق، ص 185.
[86] وإنَّما نبحثها عند كلامنا عن التطليق للغيبة والإعسار.
[87] ولنا ملاحظات مهمَّة على مثل هذا الإجراء، الذي سوف نبينه فيما بعد.
[88] وتمام النص: "طلق القاضي عليه بعد مُضي الأجل، فإنْ كان بعيدَ الغيبة لا يسهل الوصول إليه، أو كان مجهول المحل، أو كان مفقودًا، وثبت أنه لا مال له تنفق منه الزوجة، طلق القاضي عليه، وتسري أحكام هذه المادة على المسجون الذي يعسر بالنفقة".
[89] المادة الثانية من القانون 44 لسنة 1979.
[90] شلبي، ملحق أحكام الأسرة، ص 29.
[91] القرطبي، ص 1667.
[92] "نيل الأوطار"، ج 6 ص 359.
[93] المرجع السابق، الموضع نفسه.
[94] متفق عليه؛ "صحيح البخاري"، ج 3 ص 161، "نيل الأوطار"، ج 6 ص 360.
[95] "صحيح البخاري"، ج 3 ص 162.
[96] الآية بتمامها هي قول الله - عزَّ وجلَّ -: ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ﴾ [البقرة: 222]، وهذا الحكم يصدق على حالة النفاس أيضًا.
[97] "تفسير القرطبي"، ص 1667.
[98] عند كلامنا عن حق الزوج في طاعة زوجته له.
[99] شلبي، "أحكام الأسرة"، ص 327.
[100] راجع في هذا بالتفصيل: كتابنا "الحقوق المتعلقة بالتركة في الفقه الإسلامي"، ص 81 - 111، طبعة 1399هـ.
[101] أمَّا ثبوت النسب، فهو أساس حق للولد، وهذا لا يَمنع من أنَّ لكل من الوالدين حقًّا في هذا الثبوت، وعلى أية حال، فإنَّنا سوف نتكلم عن ذلك تفصيلاً في موضعه المناسب، والله الموفِّق والمستعان.
[102] أما الآخرة، فالأمر فيه إلى الله - تعالى - فقد تكون زوجة الرجل في الدُّنيا زوجة له في الآخرة، وقد لا تكون، سواء في ذلك أهل الجنة وأهل النار؛ يقول الله - تعالى - في أهل الجنة وفي زوجاتهم المؤمنات: ﴿ جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ ﴾[الرعد: 23]، ويقول - سبحانه - في أهل النار وزوجاتهم الظالمات: ﴿ احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ * مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ [الصافات ﴾: 22 - 23].
[103] المعلوم عند الله، والمجهول عند الإنسان.
[104] كما سنبين في موضعه المناسب.
[105] الحاشية السابقة نفسها.
[106] أمَّا لو كان العقد قد تَمَّ الدخول بناء عليه، فإنه تثبت للمرأة بعض الحقوق المالية كما سبق أن بيَّنا تفصيلاً، ولكن لا بناءً على العقد؛ وإنَّما بسبب الدخول.
[107] الخلع - كما سيأتي - أن تفتدي المرأة نفسها بدفعِ بعض الأموال لزوجها؛ حتى يتركها.
[108] والإيلاء - كما سيأتي - هو الحلف على الابتعاد عن الزوجة.
[109] ويمثل له عند الحنفية بالاتصال الجنسي بين أحدِ الزوجين وأحد أصول الآخر أو فروعه.
[110] ولكنهم اختلفوا بعد ذلك في الأمرين الآتيين:
الأمر الأول: ردَّة الزوج، أو امتناعه من الدخول في الإسلام إذا ما أسلمت زوجته، فيرى أبو يوسف أنَّ الفرقة هنا فسخ فيهما؛ لأنها من ناحية الزوجة فسخ بالاتِّفاق والسبب متَّحد، ويرى محمد أنَّه طلاق فيهما؛ لأنه يجب على الزوج الطلاق في هاتين الحالتين، فإنْ لم يفعل قام القاضي مقامه، وأوقع الطلاق بالنيابة عنه.
وأمَّا أبو حنيفة، فإنَّه يعد التفريق بإباء الزوج عن الإسلام طلاقًا؛ لأنه من جانب الزوج، وأما التفريق بسب الردة فإنَّه يعد فسخًا عند أبي حنيفة؛ لأن الردة كالموت، والتفريق به لا يعد طلاقًا.
الأمر الثاني: التفريقُ باللعان: يَرى أبو حنيفة ومحمد أنَّ هذا التفريق طلاقٌ بائن؛ لأنَّ الفرقة تزول بتكذيب الزوج نفسه، وأمَّا أبو يوسف فيرى أنَّ التفرقة باللعان فسخٌ؛ لأنه تفريق مؤبد، وعلى ذلك فحالات التفريق التي تعدُّ طلاقًا هي:
1 - ما يقع بلفظ الطلاق.
2 - الخلع.
3 - الإيلاء.
4 - التفريق لعيب في الزوج.
5 - التفريق باللعان عند أبي حنيفة ومحمد.
6 - التفريق بسبب امتناع الزوج عن الإسلام عند أبي حنيفة ومحمد.
7 - التفريق لعدم الإنفاق، أو للعنة، أو لسوء العشرة.
وأمَّا التفريق الذي يعد فسخًا، فهو في الحالات الآتية:
1 - التفريق لعدم صحة العقد.
2 - التفريق بما يوجب حرمة المصاهرة.
3 - التفريق بخيار البلوغ والإفاقة.
4 - التفريق لعدم كفاءة الزوج، أو نقصان مهر المثل.
5 - التفريق بسبب ردَّة الزوجة أو امتناعها عن الإسلام، وبردة الزوج على الراجح في المذهب الحنفي، وبامتناع الزوج عن الإسلام عند إسلام الزوجة في مذهب أبي يوسف.
[111] "لسان العرب"، الطاء مع اللام، "المصباح المنير"، باب الطاء مع اللام وما يثلثهما.
[112] أشار إلى هذا المعنى اللغوي العلامة الشوكاني في "نيل الأوطار"، ج 7 ص 3.
[113] ويعرف الشوكاني الطلاق في الشرع بأنَّه حل عند التزويج، ثم يبين أن هذا المعنى الشرعي موافق لبعض المعاني اللغوية لهذه الكلمة؛ ("نيل الأوطار"، ج 7 ص 3).
[114] فضيلة الأستاذ الشيخ محمد مصطفى شلبي، "أحكام الأسرة"، ص 471، طبعة سنة 1391هـ.
[115] وسوف نبين كل ذلك في موضعه المناسب.
[116] "سنن أبي داود"، ج 2 ص 255، "نيل الأوطار"، ج 7 ص 2.
[117] "سنن أبي داود"، ج 2 ص 255.
[118] الدكتور نظمي لوقا، "محمد الرسالة والرسول"، ص 117.
[119] قالوا: وما خضراء الدمن يا رسول الله؟ قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((المرأة الحسناء في المنبت السوء)).
[120] شلبي، المرجع السابق، ص 461 - 462.
[121] ولكن من ذا الذي يُلغي التداوي كراهيةً للمرارة، أو يُحرِّم الجراحات كراهيةً للآلام؟ لا بُد من الدواء ومن الجراحة ما دُمنا نعيش في صلاح كونٍ وفساد، وصواب وخطأ، وصحة ومرض، وحكمة وحماقة؛ بحيث لا عصمة للبشر، لا بُدَّ من وسيلة لتدارك الأخطاء، وإعطاء الفرصة لبني آدم، وبناء سعادتهم في الدُّنيا بإقامة أركانِ أُسرات سليمة الصَّرح، يعمرها الأمن والمودة والرَّحمة، والإسلام يضع رخصة الطلاق في موضع الدَّواء الكريه المَذَاق، أو مبضع الجرَّاح ولا زيادة، ولا يكون اللجوء إليه إلاَّ بعد استنفاد الحيلة في إصلاح ذات البَيْن... وقد يحتجُّ بمصلحة الأولاد، وتلك رتَّب الإسلام فيها أحكام النفقة وأحكام الحضانة، ثم ما من أحدٍ يقول: إنَّ تربية الأطفال في كنف أبوين متفاهمين متحابَّين أمرٌ يستوي وتربيتَهما في كنف أحدهما دون الآخر.
ولكن المسألة هي أنَّه إذا امتنع التفاهم بين الأبوين، كان من الخير ألاَّ يفسد الأولاد في ذلك الجو الحاقد اللَّدود، فذلك أهون الشرَّين، وهو كذلك أهون الشرين للأبوين، وهي على كلِّ حال آفةٌ لا يُقبل عليها عاقلٌ وله عنها مندوحة... وقد لعن الرسولُ مَن يستخدمون رخصة الزواج والطلاق بغير حقِّها الإنساني والشرعي؛ قضاءً لمآربَ وضيعة، فجاء في الحديث الشريف: ((لعن اللهُ كلَّ ذواق مطلاق))، و((لعن الله الذواقين والذواقات))، و((لعن الله كل مزواج مطلاق))، ولحكمةٍ واضحة جعل الطلاق على ثلاث مراحل؛ حتَّى يكون هناك موضع للمراجعة قبل أن تقع الواقعة، فإنَّ سلطان الغضب غشوم؛ (د: نظمي لوقا، المرجع السابق، ص 118 - 120).
وفي موضوع آخر يقول هذا الباحث النصراني: "والحقُّ أنه يعسر جدًّا تصوُّر زواج بغير الطلاق بصورة من الصور، فالزواج نظام جُعِل لإسعاد الناس، وصلاح أمور حياتهم، ولم يجعل الناس ليكونوا عبيدًا أو ضحايا للزواج، فالزواج الذي لا تستقيم به حياة الإنسان، ويتطرق إليها العطب والعفن، وصديد الحق والسخط، فهذا ينبغي أن يبتر قبل أن يقضي على فُرصة الحياة الفذة المقدسة، كما يبتر العضو الفاسد من جسم المريض؛ حرصًا على بقاء الجسم كله، مهما كان ذلك العضو المبتور عزيزًا؛ (المرجع السابق، ص 116).
[122] إلاَّ عند مخالفة شروط الطلاق أو أحكامه، كما حدث بالنسبة لعبدالله بن عمر حين طلَّق زوجته وهي حائض، فقال النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - لعمر: ((مُره فليرجعها، ثم يطلقها في طُهرٍ لم يجامعها فيه)).
[123] فقد روى ابن عباس - رضي الله عنهما - أنَّ رجلاً جاء إلى النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقال: يا رسول الله، سيدي زوجني أَمَتَه، وهو يريد أن يفرق بيني وبينها؟ قال: فصعد رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - المنبرَ، فقال: ((يا أيها الناس، ما بالُ أحدكم يزوجُ عبده أمَتَه، ثم يريد أن يفرق بينهما! إنَّما الطلاقُ لمن أخذ بالساق))؛ أخرجه ابن ماجه بإسناد حسن.
[124] شلبي، المرجع السابق، ص 473.
[125] "في ظلال القرآن"، ج- ص 250.
[126] فالقول بأنَّ القاضي هو الذي يصدر الطلاق؛ لأسباب محددة - مثل الزنا - قولٌ فيه وجْه غضاضة؛ لأنَّ التحاكُم في دور القضاء فيه ابتذالٌ للأعراض، حتى تغدوَ مضغة في الأفواه، وعُرضة للَّجَاجة والملاحاة.... إنَّ صون الأسرار وأسباب الفراق هنا أليق، وفيه من النخوة والبصيرة الشيءُ الكثير؛ حتى لا تُوصم المرأة بما يَعيبها ويعوق زاوجها مرة أخرى، وحتى لا يوصم بناتها أو أبناؤها بما تردَّد في قاعات المحاكم من مثالبها، وقد يصدر حكم القاضي تأسيسًا عليه... ثم كيف لنا بتحديد الأسباب التي تُجيز الطلاق بناءً على طلب الرجل؟
إنَّ الزواج صلة حميمة، وقد لا يرى الغريب في المرأة عيبًا، ولكن يَجد الزوج فيها عيبًا كبيرًا، وليس من الضَّروري أنْ يكون ذلك العيب جسيمًا، فهناك اختلافُ الطباع، مع كمال الأدب في الزوجين؛ بحيث يمتنع بينهما الامتزاج والتفاهم، أَمَا ترى إلى الماء قد يكون من أجود الماء، وإلى الزيت قد يكون من أجود الزيت، ثم لا يمكن بينهما امتزاج؛ لاختلاف المعدنين؟ كذلك الناس معادن شتى، قد يطيب كلُّ معدن منها على حِدَة، وليس ضربة لازب أن يَمتزج أيُّ معدنين منها على الوجه الذي تستقيم به حياة الزواج، وعندئذٍ يكون الافتراقُ خيرًا وأولى؛ لأنَّ كلاًّ من الزوجين قد يصلح كل الصلاح للزواج بآخر، ويَحيا حياة سعيدة، فلا عيبَ في الدواء إذًا، ولا يطعن في صلاحه أنْ تطيش به يد أو يشتط لسان، ولا يطعن على الماء أنْ يشرق الشارب، أو يغرق فيه المغتسل، ولا يطعن في النار أنَّها قد تكون حريقًا لا يُبقي ولا يذر، فالمعول كله على تقوى الله، ثم على حسن البَصَر ومُراعاة الحذر؛ (د. نظمي لوقا، المرجع السابق، ص 110).
[127] شلبي، المرجع السابق، ص 474. 7
[128] مدكور، المرجع السابق، ص 216.
[129] رواه أبو داود وابن ماجه عن عبدالله بن عمر بن الخطاب - رضي الله عنهما؛ ("سنن أبي داود"، ج 2 ص 254 الحديث رقم 2178)، وصححه الحاكم، ورجَّح أبو حاتم إرساله، وكذا الدارقطني والبيهقي رجَّحَا الإرسال؛ ("سبل السلام"، ج 3 ص 168)، وفي تعليق بهامش هذه الصفحة يقول المعلق ما نصه: "وأقره الذهبي وقال: إنَّه على شرط مسلم، ولكن متنه متضارب؛ لأنَّ بغض الله له منافٍ لحله".
ويقول عنه الشوكاني: "أخرجه أيضًا الحاكم وصححه، ورواه أيضًا أبو داود، وفي إسناد أبي داود يحيى بنُ سليم وفيه مقال، ورواه البيهقي مرسلاً ليس فيه ابن عمر، ورجَّح أبو هاشم الإرسال، وفي إسناده عبيدالله بن الوليد حصافي وهو ضعيف، ولكنه قد تابعه معرف بن واصل، ورواه الدارقطني عن معاذ بلفظ: ((ما خلق الله شيئًا أبغض إليه من الطلاق))؛ قال الحافظ: وإسناده ضعيف ومنقطع، وأخرج ابنُ ماجه وابن حبان من حديث أبي موسى مرفوعًا: ((ما بالُ أحدكم يلعب بحدود الله يقول: قد طلقت، قد راجعت))؛ ("نيل الأوطار"، ج 7 ص 2 - 3).
[130] الهامش السابق من هذه الصفحة.
[131] " رواه أبو داود والترمذي والدارمي وابن ماجه وصححه الألباني.
[132] لفظ ابن قدامة هنا: خمسة أضرب؛ أي: خمسة أقسام.
[133] مثَّل ابن قدامة - رحمه الله - للطلاق الواجب بمثالين: الأول: هو طلاق المولي بعد التربُّص إذا أبى الفيئة، بمعنى الطلاق في الإيلاء، الذي هو حلف الزوج على الابتعاد عن زوجته لمدة أربعة أشهر، وبعد انتهاء المدة أَبَى أنْ يعود، والثاني: طلاق الحَكَمَين.
[134] وعند الحنابلة في الطلاق من غير حاجة إليه روايتان: إحداهما: أنَّه مُحرم؛ لأنَّه ضرر بنفسه وبزوجته، وإعدامٌ للمصلحة الحاصلة لهما من غير حاجة إليه، فيكون حرامًا، كإتلاف المال، ولقول النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لا ضررَ ولا ضرارَ))، والثانية: أنه مباح؛ لقول النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((أبغض الحلال إلى الله الطلاق))... وإنَّما يكون مبغضًا من غير حاجة إليه، وقد سماه النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - حلالاً، ولأنَّه مزيل للنكاح المشتمل على المصالح المندوب إليها، فيكون مكروهًا؛ "المغني"، ج 8 ص 234، طبعة 1348هـ، وجدير بالذكر أنَّ الرواية الثانية مَحل نظر؛ حيث سبق لنا ترجيح الرأي القائل بالتحريم؛ للأدلة القوية التي قدمناها، والله ولي التوفيق.
[135] ونص عبارة ابن قدامة: "وأمَّا المحظور، فالطلاق في الحيض، أو في طهر جامعها فيه، أجمع العلماء في جميع الأمصار وكل الأعصار على تحريمه، ويُسمى طلاق البدعة..."؛ ("المغني"، ج 8 ص 235).
وقريب من عبارة ابن قدامه ما عبَّر به العلامة الشوكاني من أنَّ "الطلاق يكون حرامًا ومكروهًا وواجبًا ومندوبًا وجائزًا، أمَّا الأول - أي: الحرام - ففيما إذا كان بدعيًّا، وله صور، وأمَّا الثاني - أي: المكروه - ففيما إذا وقع بغير سبب مع استقامة الحال، وأمَّا الثالث - أي: الواجب - ففي صور، منها الشِّقاق إذا رأى ذلك الحكمان، وأمَّا الرابع - أي: المندوب - ففيما إذا كانت غيرَ عفيفة، وأمَّا الخامس - أي: الجائز - فنفاه النووي، وصَوَّره غيره بما إذا كان لا يريدها، ولا تطيب نفسه أن يتحمل مُؤنَتَها من غير حُصولِ غرض الاستمتاع؛ ("نيل الأوطار"، ج 7 ص 3).
ويلاحظ أنَّنا قد رجحنا القول بتحريم الطلاق إذا كان بغير سبب، خاصَّة من استقامة الحال.
===========
======
===
بلغ الادارة عن محتوى مخالف من هنا
ابلغون على الروابط التي لا تعمل من هنا